النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

مروة برهان
داعية إلى الإسلام و كاتبة/ الإسكندرية

البرهان و النور المبين

قالَ تعالى { يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربِّكُم و أنزلنا إليك نوراً مبيناً * فأما الذين آمنوا باللهِ و اعتصموا به فسيُدخلهم فى رحمةٍ منه و فضلٍ و يهدِيهِم إليه صراطاً مستقيماً }

البرهان هو نبيُّنا مُحمَّد صلواتُ اللهِ عليه و سلامه , و إنما سمَّاه اللهُ برهاناً لإقامتِهِ على تحقيقِ الحقِّ و إبطالِ الباطِل و { و النور المبين } هو القرآنُ الكريمُ و سمَّاه اللهُ نوراً لأنه سبب لوقوعِ نورِ الإيمانِ فى القلب .

{ آمنوا بالله } أى آمنوا باللهِ فى ذاتِهِ و صفاتِهِ و أفعالِهِ و أحكامِهِ و أسمائِه .. { و اعتصموا } معناه اعتصموا باللهِ فى أن يُثبِّتْهم على الإيمانِ و يصونهم عن نزغِ الشيطانِ و أغوائِهِ و إضلالِه .. { رحمةً منه } المراد بالرحمةِ هنا الجنةُ كما فسَّرها ابن عباس .. { و فضل } الفضل هو ما يتفضل اللهُ به عليهم فى الجنةِ مما لا عينٌ رأتْ و لا أُذُنٌ سَمِعَتْ و لا خَطَرَعلى قلبِ بشر و { صراطاً مستقيماً } المقصود بالصراطِ المستقيمِ هنا الدينُ المستقيمُ و هودينُ الإلام .

يخاطبُ اللهُ جميع الناسِ و يُخبرهم بأنه قد جاءهم منه برهانٌ عظيم ٌو هو رسولٌ أمينٌ كريم, و قرآناً هو نورٌ مبينٌ و ضياءٌ موضِّحٌ للحقِّ فالذين آمنوا باللهِ و اعتصموا بكتابِهِ و صدَّقُوا رسولَهُ فإنه سيرشدهم و يهديهم إلى طريقٍ مستقيمٍ لا اعوجاج فيه و لا انحراف يسعدونَ به فى دنياهم ألا و هو الدينُ الإسلامىُّ و فى الآخرةِ يُثبتهم على صراطِهِ المستقيمِ المُفْضِى إلى روضاتِ الجناتِ و أعلى الدرجاتِ و أسمى الغايات .

و لاشكَّ أن الرحمةَ و الفضلَ محمولان على ما فى الجنةِ من المنفعةِ العظيمةِ و التعظيمِ و المراد من الهِدايةِ درجةِ السعادةِ الروحانية و هى أشرفُ و أفضلُ من اللذَّاتِ الجسمانية .

مروة برهان

داعية إلى الله & كاتبة

النهى عن الغلو

كتبت – مروة برهان : 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين الذى خلقَ فسوَّى و قدَّرَ فهدَى و أحاطَ بكلِّ شئٍ علماً و أحصَى كل شئٍ عدداً . قالَ تعالى { قالَ فمَن ربُّكما يا موسى * قالَ ربُّنا الذى أعطَى كل شئٍ خلَقَهُ ثم هَدَى * قالَ فما بالُ القرونِ الأولَى * قالَ عِلمُها عند ربِّى فى كتابٍ لاَّ يَضِّلُّ ربِّى و لا يَنْسَى * الذى جعلَ لكُمُ الأرضَ مهداً و سلكَ لكم فيها سُبُلاً و أَنْزلَ من السماءِ ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نباتٍ شتَّى * كلوا و ارعَوا أنعامَكُم إنَّ فى ذلِكَ لآياتٍ لأُولِى النُّهَى * منها خَلَقناكُم و فيها نُعيدُكُم و منها نُخْرِجُكُم تارَّةً أخرى } طه / 49 – 55 
فهو الواحدُ الأحد , الفردُ الصمد , لم يَلِدْ و لم يولدْ , و لم يكنْ له كفواً أحد . و أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَهُ فى المُلك , و أشهدُ أن سيدنا مُحمَّداً عبدُ للهِ و رسولِه , و صَفِيُّه من خَلْقِهِ و حبيبِهِ و خليلِه . أستاذ الإنسانيةِ و قائد البشرية , الذى أَخرجَ الناسَ من ظُلماتِ الشِّركِ و الوثنيةِ إلى نورِ الهِدايةِ و التوحيدِ الخالص . صلَّى اللهُ عليه و سلَّم و على أصحابِه و أتباعِهِ و أزواجِهِ و ذرِّيَتِهِ و أحبابِهِ و مَن دعا بدعوتِهِ و تمسَّكَ بسُنَّتِهِ إلى يومِ الدّين . 
قالَ تعالى { يا أهل الكتابِ لا تغلو فى دينِكُم و لا تقولوا على اللهِ إلاَّ الحق إنما المسيحَ عيسى ابن مريمَ رسولُ اللهِ و كَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ و رُوحٌ منه فآمِنوا باللهِ و رسلِهِ و لا تقولوا ثلاثة اِنتهوا خيراً لكم إنما اللهَ إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكونَ له ولد له ما فى السمواتِ و ما فى الأرضِ و كفَى باللهِ وكيلاً } 
تكلَّمَ اللهُ تعالى فى هذه الآيةِ مع النصارى . و التقدير : يا أهل الكتابِ لا تغلوا فى دينِكُم و لا تفرطوا فى تعظيمِ المَسيح و ذلك لأنهم تجاوزوا الحد فى عيسى عليه السلام حتى رفعوه فوق المنزلةِ التى أعطاها اللهُ إياها فنقلوه من حيِّزِ النبوةِ إلى أن اِتَّخَذُوه إلهاً من دونِ اللهِ يعبدونه كما يعبدونَ الحقَّ جلَّ فى عُلاه بل قد عَلُوا فى أتباعِهِ فادَّعُوا فيهم العِصمةَ و أتبعوهم فى كلِّ ما قالوه سواء كان حقاً أو باطلاً أو ضلالاً أو رشاداً أو صحيحاً أو كَذِباً . و لهذا قالَ اللهُ تعالى عنهم { اِتَّخَذُوا أَحبارَهُم و رُهبانَهُم أرباباً من دونِ اللهِ و المسيح ابن مريمَ و ما أُمِروا إلاَّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إلهَ إلاَّ هو سبحانه عمَّا يُشرِكون } . 
من العجيبِ أن نرى فريقاً يقولُ أن عيسى قد ماتَ و أنه دُفِنَ فى السَّماء . و أصحاب هذا الرأىُ الضَّالُّ يقولونَ إن عيسى عليه السلام صُلِبَ بعد أن قُتِل . 
و لقد أبطلَ القرآنُ الكريمُ هذا الزعمُ الظَّالمُ فقد قالَ تعالى { و قولِهِم إنَّا قتلنا المَسيحَ عيسى ابن مريمَ و ما قتلوه و ما صلبوه و لكنْ شُبِّهَ لهم و إن الذين اختلَفوا فيه لفى شكٍّ منه ما لهم به من عِلمٍ إلاَّ اتِّباع الظَّنِّ و ما قتلوه يقيناً * بل رَّفَعَهُ اللهُ إليه و كان اللهُ عزيزاً حكيماً * و إن من أهلِ الكتابِ إلاَّ لَيُؤمِنُنَّ به قبل موتِهِ و يوْمَ القيامةِ يكونُ عليهِم شهيداً } النِّساء / 157 – 159 . 
إذن , لابد للمَسيحَ أن ينْزِلَ إلى الأرضِ فى آخِرِ الزمانِ مثل قولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فى صحيحِ البخارىِّ : " لَيْزِلَنَّ ابن مريمَ حَكَماً بينَكُم , فيرفعُ الجِزية , و يكسِرُ الصَّليب , يَقْتُلُ الخِنْزير " أخرجُهُ البخارىِّ . و فيهِم يقولُ القائل : 
أَعُبَّادُ عيسى لنا عندكم سؤالٌ غريبٌ فهل من جوابِ 
إذا كانَ عيسى فى زَعْمِكُم إلهٌ عظيمٌ يومُ الحسابِ 
فكيفَ اِعْتَقَدْتُّم بأن الإلهَ يموتُ و يُدْفَنُ تحتَ التُّرابِ 
قالَ ابن عباس عن عمرٍ رضى اللهُ عنهم فيما رواه البخارىُّ و أحمدُ عن النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم أنه قال " لا تَطْرُونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللهِ و رسولِه " و قولِهِ تعالى { و لا تقولوا على اللهِ إلاَّ الحق } معناه لا تفتروا عليه و تجعلوا له صاحبةً و ولداً . تعالى اللهُ عزَّ و جلَّ عُلُوَّاً كبيراً . فلا إله إلاَّ هو و لا ربٌّ سواه و لهذا قال { إنما المسيحَ عيسى ابن مريمَ رسولُ اللهِ و كلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ و رُوحٌ منه } أى إنما هو عبدٌ من عبادِ اللهِ و خَلقٍ من خَلْقِهِ قالَ له كُنْ فكانْ و رسولٌ من رسلِهِ و كلمته ألقاها إلى مريمَ أى خَلَقَهُ بالكلمةِ التى أَرْسَلَ بها جبريلَ عليه السلام إلى مريمَ فنفخَ فيها من رُوحِهِ بإذنِ ربِّهِ فكان عيسى بإذنِ ربِّهِ عزَّ و جل . و كانت تلك النفخةُ التى نفخها فى جيبِ دِرعِها فنزلتْ – حتى وَلَجَتْ فَرْجَها – بمنزِلةِ لقاحِ الأبِّ و الأمِّ و الجميع مخلوق للهِ عزَّ و جل , و لهذا قالَ عن عيسى عليه السلام إنه كلمةُ اللهِ و رُوحٌ منه لأنه لم يكنْ له أب تَوَلَّدَ منه , و إنما هو ناشئٌ عن الكلمةِ التى قالَ له بها كُنْ فكانْ و الرُّوحُ التى أَرْسَلَ بها جبريل . 
المراد بقولِه { و رُوحٌ منه } فيه وجوهٌ هى : - 
( 1 ) جرتْ عادة الناسِ أنهم إذا وصفوا شيئاً بغايةِ الطهارة , قالوا إنه رُوح . فلَما كان عيسى لم يتكَوَّنْ من نُطْفةِ الأبِ و إنما تكَوَّنَ من نفخةِ جبريلِ عليه السلام فلذلك وُصِفَ بأنه الرُّوح . 
و المراد من قولِه { منه } التشريف و التفضيل , و أنه نعمة . 
( 2 ) رُوحٌ منه أى رحمةٌ منه , قيل فى تفسيرِ قولِهِ تعالى { و أيَّدَهُم برُوحٍ منه } أى برحمةٍ منه . 
( 3 ) الرُّوحُ ه
النفخُ فى كلامِ العرب , فإن الرُّوحَ و الرِّيحَ متقاربان , فالرُّوحُ عبارةٌ عن نفخةِ جبريل , و قولِه { منه } أن ذلك النَّفخَ كان من جبريلِ بإذنِ اللهِ و أمرِهِ فهو سبحانَهُ كقولِه { فنفخنا فيها من رُوحِنا } . 
( 4 ) أُدْخِلَ التنكير فى لفظ { الرُّوح } و ذلك يفيدُ التعظيم , فكان المعنى : و رُوحٌ من الأرواحِ القُدْسيَّة . و قولِه { منه } إضافة لأجلِ التعظيمِ الربَّانىّ . 
{ألقاها إلى مريم } أى أعلمها بها كما جاءَ فى قولِهِ سبحانه { إذ قالت الملائكةُ يا مريمَ إن اللهَ يُبَشِّرُكَ بكلمةٍ منه } و هى الكلمةُ التى جاءَ بها جبريل عليه السلام إلى مريمَ فتفخَ فيها بإذنِ اللهِ فكان عيسى عليه السلام . 
رَوى البخارىُّ عن عبادة بن الصامت عن النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم قال " مَنْ شَهِدَ أن لا إلهَ إلهَ الله وحدَهُ لا شريكَ له , و أن مُحمَّداً عبدُهُ و رسولُهُ و أن عيسى عبدُ اللهِ و رسولِهِ و كلمَتُهُ أَلقاها إلى مريمَ و رُوحٌ منه , و أن الجنةَ حقٌّ و النارَ حقٌّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجنةَ على ما كان من العمل " و قولِهِ فى الآيةِ و الحديث { و رُوحٌ منه } كقولِهِ سبحانه { و سخَّرَ لكم ما فى السمواتِ و ما فى الأرضِ جميعاً منه } أى من خَلقِهِ و من عندِه و ليست { من } للتبعيضِ كما يقولُ النصارى . 
{ فآمِنوا باللهِ و رسلِه } أى آمنوا و صدِّقوا بأن اللهَ واحدٌ أحدٌ لا والدٌ له و لا ولد و ليس له صاحبة و لا شريكٌ له فى مُلكِهِ و اعلموا أن عيسى عبدُ اللهِ و رسولِهِ و لذلك قالَ جلَّ شأنه { و لا تقولوا ثلاثة } أى لا تجعلوا عيسى و أمِهِ مع اللهِ شريكَين . تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً . 
و هناك مَن ضَلُّوا سواءَ السَّبيل و زعموا , زوراً و بهتاناً , أن المسيحَ ابنُ الله , و قالوا إن الثلاثةَ واحدٌ و لذلك سمَّاهم القرآن الكريم بالضَّالِّين فى قولِهِ تعالى { صِراطَ الذين أنْعَمْتَ عليهِم غيرِ المغضوبِ عليهِم و لا الضَّالِّين } الفاتحة / 7 فالمغضوبُ عليهِم هم اليهودُ و الضَّالِّين هم النصارى . 
و لقد قالَ المَولَى عزَّ و جلَّ على لسانِ عيسى عليه السلام { قالَ إنى عبدُ اللهِ آتانِىَ الكتابَ و جعلنى نبيَّاً * و جعلنى مباركاً أيْنَ ما كنتُ و أوصانى بالصَّلاةِ و الزَّكاةِ ما دمتُ حيَّاً * و بَرَّاً بوالِدَتى و لم يجعلْنى جَبًّاراً شَقِيَّاً * و السَّلامُ علَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ و يَوْمَ أموتُ و يَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً } مريم / 30 – 33 فهو عليه السلام يقولُ عن نفسِهِ إنى عبدُ اللهِ و لم يقلْ إنى ابنُ الله . 
تمسَّكَ بعض الناسِ بظاهرِ الآيةِ التى فى سورةِ آل عمران و غابت عنهم الحقيقة , و هذه الآيةُ هى قولُ اللهِ تعالى { إذ قالَ اللهُ يا عيسى إنى مُتَوَفِّيكَ و رافِعُكَ إلَىَّ و مُطَهِّرُكَ من الذين كفروا } آل عمران / 55 . 
فلقد زعموا أن عيسى توفَّاهُ الله أى أماته بنصِّ القرآن و ذلك مَحضِ الكفرِ و لو نظرَ هؤلاء و بحثوا لَعَلِموا أن معنى الوفاةِ فى هذه الآيةِ هو أن اللهَ جلَّ جلاله أَلقَى النومُ عليه و يؤكدُ ذلك قولِهِ تعالى { و هو الذى يتوفَّاكُم بالليلِ و يَعْلَمُ ما جَرَحْتُم بالنهار } الأنعام / 6 , و مما يؤكِّدُ ذلك أيضاً مما لا يدع مجالاً للشكِّ أن اللهَ تباركَ و تعالى سَمَّى النومَ موتاً فقد قالَ تعالى { اللهُ يَتَوفَّى الأَنْفُسَ حينَ موتِها و التى لم تَمُتْ فى منامِها فَيُمْسِكُ التى قَضَى عليها الموتَ و يُرِسِلُ الأخرى إلى أجلٍ مُسَمَّى } الزُّمُر / 42 فلهذا المعنى قالَ تعالى { اِنْتَهُوا خيراً لكم } أى انتهوا عن هذا القول و { إنما اللهَ إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكونَ له ولد } و أنه عزَّ و جل { له ما فى السمواتِ و ما فى الأرضِ و كفَى باللهِ وكيلاً } فالجميع مِلْكُه و خَلْقِهِ و جميع ما فى الكونِ عبيدُه , و هم تحت تدبيرِه , و هو سبحانه وكيل , و كاف فى تدبيرِ المخلوقاتِ فلا حاجة معه إلى القولِ بإثباتِ إلهٍ آخر . فكيف يكونُ له من خَلْقِهِ صاحبة و ولد كما قالَ فى موقعٍ آخرٍ عن نفسِهِ جلَّ شأنُه { بديعُ السَّمواتِ و الأرضِ أن يكونَ لَهُ ولدٌ و لم تكنْ لَهُ صاحِبَةٌ و خَلَقَ كل شئٍ و هوبكلِّ شئٍ عليم * ذَلِكُمُ اللهُ ربُّكُم لا إلهَ إلاَّ هو خالِقُ كلِّ شئٍ فاعبُدُوه و هو على كلِّ شئٍ قدير } . 

التردُّد بين الكفرِ و الإيمان

قالَ تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا لم يكنِ الله ليغفِرَ لهم و لا لِيَهدِيهِم سبيلاً * بشِّرْ المنافقينَ بأنَّ لهم عذاباً أليماً * الذين يتَّخِذونَ الكافرين أولياءَ من دونِ المؤمنين أيبتغونَ عندهُمُ العِزَّةَ فإن العِزَّةَ للهِ جميعاً * و قد نزلَ عليكم فى الكتابِ أن إذا سمعتم آياتِ اللهِ يُكفرُ بها و يُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديثٍ غيرِهِ إنكم إذاً مثلهم إن اللهَ جامع المنافقينَ و الكافرينَ فى جهنمَ جميعاً * الذين يتربَّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللهِ قالوا ألم نكنْ معكم و إن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم و نمنعكم من المؤمنين فاللهُ يحكُمُ بينكم يوم القيامةِ و لن يجعلْ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً } .

يُخبِرُ المولَى جلَّ و عَلا أن من دخلَ فى الإيمانِ ثم رجعَ عنه ثم عادَ فيه ثم رجعَ إلى الكفرِ و استمرَّ على ضلالِهِ و ازداد كفراً و ضلالةً حتى ماتَ فإنه لا توبةَ له بعد موتِهِ و لن يغفِرْ اللهُ له , و لن يجعلْ له فرجاً  و لا مخرجاً مما هو فيه , و لا يهديد إلى طريقِ الهُدى و لذا قالَ سبحانه عنهم { لم يكنِ الله ليغفِرْ لهم و لا ليهديهِم سبيلاً } .

للعلماءِ فى المرادِ من قولِهِ تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا } أقوالٌ منها : -

1 – هم الذين يتكرَّرُ منهم الكفر بعد الإيمانِ مراتٍ و مراتٍ فإن ذلك يدلُّ على أنه إذ لو كان الإيمانُ وقعَ فى قلوبِهِم لِما تركوه لأدنى سبب , و من لا يكن الإيمان وقعَ فى قلبِهِ فالظاهر أنه لا يؤمن باللهِ إيماناً صحيحاً .

2 – المراد بهم اليهود الذين آمنوا بالتوراةِ و بموسى ثم كفروا بعُزَير ثم آمنوا بداود ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً عند مقدمِ محمدٍ صلى اللهُ عليه و سلم .

3 – المراد بهم المنافقون , فالإيمان الأول إظهارهم الإسلام و كفرهم بعد ذلك هو نفاقُهُم ؛ و الإيمان الثانى هو أنهم كلما لقوا جمعاً من المسلمين قالوا إنا مؤمنون و الكفر الثانى هو أنهم إذا دخلوا على شياطينِهِم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون , و ازديادهم فى الكفرِ هو اجتهادُهُم فى استخراجِ أنواع المكرِ و الكَيدِ فى حقِّ المسلمين فقد قالَ تعالى { بشِّرْ المنافقينَ بأنَّ لهم عذاباً أليماً } .

4 – المراد بهم طائفة من أهلِ الكتابِ قصدوا تشكيكَ المسلمين فكانوا يُظْهِرونَ الإيمان تارةً و الكفرَ أخرى على ما أخبرَ اللهُ عنهم بقولِه { آمنوا بالذى أنزل على الذين منوا وجه النهارِ و كفروا آخره لعلهم يرجعون } و قولِهِ سبحانه { ثم ازدادوا كفراً } معناه أنهم بلغوا فى ذلك إلى حدِّ الإستهزاءِ بالإسلام .

{ الذين يتَّخِذونَ الكافرين أولياءَ من دونِ المؤمنين } اتَّفقَ المفسِّرون على أن المراد ب { الذين يتَّخِذون } : المنافقون , و المراد ب { الكافرين } اليهود و كان المنافقون يوالونهم , فيقولُ اليهودُ بأن العِزَّةَ و المِنعةَ لهم لا لغيرِه.

ثم قالَ تعالى { أيبتغونَ عندهُمُ العِزَّة } العِزَّةِ فى اللغةِ الشدة , و كان المنافقون يبتغونَ العِزَّةَ و القوةَ بسببِ اتصالِهِم باليهودِ فأبطلَ اللهُ عليهم هذا الرأىُ الباطِلُ و الزعمُ الكاذِبُ بقولِه { فإن العِزَّةَ للهِ جميعاً } .

ثم قالَ تعالى { و قد نزلَ عليكم فى الكتابِ أن إذا سمعتم آياتِ اللهِ يُكفرُ بها و يُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديثٍ غيرِه } :

قالَ العلماء : إن المشركينَ كانوا فى مجالِسِهِم يخوضون فى ذِكرِ القرآنِ الكريمِ و يستهزئونَ به فأنزلَ اللهُ تعالى فى سورةِ الأنعام { و إذا رأيتَ الذين يخوضونَ فى آياتِنا فأعْرِضْ عنهم حتى يخوضوا فى حديثٍ غيرِه } و هذه الآية نزلت بمكة , ثم إن أحبارَ اليهودِ بالمدينةِ كانوا يفعلون مثل فعل المشركين و القاعدون معهم و الموافقون لهم على ذلك الكلام هم المنافقون فقد قالَ تعالى مخاطباً المنافقين { و قد نزلَ عليكم فى الكتابِ أن إذا سمعتم آياتِ اللهِ يُكفرُ بها و يُستهزأُ بها } أى إذا سمعتم آياتِ اللهِ حال ما يُكفر بها و يُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديثٍ غيرِه .

{ إنكم إذاً مثلهم } و المعنى : أيها المنافقون أنتم مثل أولئك الأحبارُ فى الكفرِ لأن من رضِىَ بالكفرِ فهو كافر . هذا إذا كان الجالسُ راضياً بذلك الجلوس , فأما إذا كان ساخطاً لقولِهِم و إنما على سبيلِ الخوفِ فالأمرُ ليس كذلك . و لهذا قلنا بأن المنافقينَ الذين كانوا يجالسون اليهود و كانوا يُطعِنونَ فى القرآنِ الكريمِ و فى الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم كانوا كافرين مثل أولئك اليهود و المسلمين الذين كانوا بمكةَ يجالسون الكفارَ الذين كانوا يُطعنونَ فى القرآنِ فإنهم كانوا باقِّين على الإيمان .

و الفرق أن المنافقينَ كانوا يجالسونَ اليهودَ مع الإختيارِ و أما المسلمون فإنهم كانوا يجالسونَ الكفار عند الضرورة .

ثم إنه تعالى حقَّقَ كون المنافقين مثل الكافرين فى القولِ فقال { إن اللهَ جامع المنافقينَ و الكافرينَ فى جهنمَ جميعاً } أى كما أشركوهم فى الكفرِ كذلك يُشرِكُ اللهُ بينهم فى الخلودِ نار جهنم أبداً و يجمعُ بينهم فى دارِ العقوبةِ و النِكالِ و القيودِ و الأغلالِ و شرابِ الحميمِ و الغِسلين .

ثم قالَ سبحانه { الذين يتربَّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللهِ قالوا ألم نكنْ معكم } و فيها يُخبِرُ سبحانه عن المنافقين بأنهم يتربَّصونَ بالمؤمنين دوائر السوء { فإن كان لكم فتحٌ من الله } أى نصر و تأييد و ظَفر و غنيمة قالوا للمؤمنين متودِّدين { ألم نكنْ معكم } و إن كان للكافرينَ نصيبٌ كما وقعَ فى يومِ أُحُد { قالوا ألم نستحوذ عليكم و نمنعكم من المؤمنين } أى إننا ساعدناكم فى الباطنِ حتى انتصرتم عليهم . و ما هذا القول منهم إلا لضعفِ إيمانِهِم و قلِّة يقينِهِم و عدم صدقِهِم .

قالَ تعالى فى جانبِ المؤمنين { فإن كان لكم فتحٌ من الله } و قالَ فى جانبِ الكافرين { و إن كان للكافرين نصيب } تعظيماً لشأنِ المؤمنين و احتقار لحظِّ الكافرين لأن ظَفرَ المؤمنين أمرٌ عظيمٌ تُفَتَّحُ له أبوابَ السماء حتى تنزلَ الملائكةُ بالفتحِ على أولياءِ اللهِ و عبادِه و أما ظَفر الكافرين فما هو إلا حظ دنئ .

ثم قالَ تعالى { فاللهُ يحكُمُ بينكم يوم القيامة } أى أنه لا تنفعكم ظواهركم فى يومِ القيامةِ  بل هو يومٌ تُبلَى فيه السرائر و يحصل ما فى الصدور فقد قالَ تعالى { و لن يجعلْ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً } و يُحتملُ أن يكون المعنى : و لن يجعلْ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً فى الدنيا و إن حصلَ لهم ظَفر فى بعضِ الأحيانِ على بعضِ الناسِ فإن العاقبةَ للمتقين كما قالَ تعالى { إنا لننصُر رسلنا و الذين آمنوا فى الحياةِ الدنيا و فى الآخِرةِ و يومَ يقومُ الأشهاد } .

فاللهُ لن يجعلْ للكافرين على المؤمنين سبيلاً كما قالَ تعالى { و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديكم } و قالَ سبحانه { إن اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهِم } .

مروة برهان
داعية إلى الله & كاتبة

الإيمان بالكتبِ المُنَزَّلة

قالَ تعالى { يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا باللهِ و رسولِهِ و الكتابِ الذى نزلَ على رسولِهِ و الكتاب الذى أُنْزِلَ من قبلُ و من يكفرْ باللهِ و ملائكتِهِ و كتبِهِ و رسلِهِ و اليومِ الآخِرِ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً }

يأمرُ اللهُ تعالى عباده المؤمنين بالتصديقِ فى جميعِ شرائعِ الإيمانِ و شِعَبِهِ و أركانِه , و هذا ليس من بابِ تحصيل الحاصلِ بل هو من بابِ تكميلِ الكاملِ و تقريرِهِ و تأكيدِهِ و تثبيتِهِ و دوام الإستمرار عليه و التمسك به و السير على نهجِهِ كما يقولُ المؤمنُ فى كلِّ صلاة { اهدنا الصراط المستقيم } أى زِدنا هِداية و هُدىً و تثبيتاً على هُداك و فِعل ما يُرضِيك .

يقولُ اللهُ تعالى { يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا } فهذا التعبيرُ يُشِعِرُ بأن فيه تكراراً إذ كيف يطلبُ من المؤمنين أن يؤمنوا ؟

إن الإجابةَ على هذا من وجهين : -

الأول أن المرادَ بقولِهِ تعالى { يا أيها الذين آمَنوا } هم المسلمون و يترتَّبُ على هذا ما يلى : -

1 – المراد منه يا أيها الذين آمَنوا دوموا على الإيمانِ و اتبُتوا عليه بمعنى يا أيها الذين آمَنوا لا ترتدوا و نظيره قوله تعالى { فاعلمْ أنه لا إله إلا االله } مع أنه كان عالِماً بذلك .

2 – يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا باللهِ و ملائكتِهِ و كتبِهِ و رسلِه .

3 – رُوِىَ أن جماعةً من أحبارِ اليهودِ جاءوا إلى النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم و قالوا : يا رسول الله : إنا نؤمنُ بك و بكتابِك و بموسى و بالتوراةِ و بعُزَير , و نكفرُ بما سواه من الكتبِ و الرسل , فقالَ صلى اللهُ عليه و سلم : " بل آمِنوا باللهِ و برسلِهِ و بمحمدٍ و بكتابِهِ القرآن و بكلِّ كتابٍ كان قبلُه " فقالوا : لا نفعل فنزَلَتْ الآية فآمَنوا .

الثانى : أن المخاطبينَ بقولِه { آمِنوا } ليس هم المسلمون و ذلك من وجوه :

1 – أن الخطابَ مع اليهودِ و النصارى . و التقدير : يا أيها الذين آمَنوا بموسى و بالتوراةِ و بعيسى و بالإنجيلِ آمِنوا بمحمدٍ و بالقرآن .

2 – الخطاب مع المنافقين . و التقدير : يا أيها الذين آمَنوا باللسانِ آمِنوا بالقلبِ و يتأكَّدُ هذا بقولِهِ تعالى { من الذين قالوا آمنا بأفواهِهِم و لم تومنْ قلوبهم } .

3 – الخطاب موجه للذين آمَنوا وجه النهارِ و كفروا آخره . و التقدير : يا أيها الذين آمَنوا وجه النهارِ آمِنوا أيضاً آخره .

4 – الخطاب موجه للمشركين , والتقدير : يا أيها الذين آمَنوا بالاتِ و العُزَّى آمِنوا بالله .

قالَ اللهُ تعالى فى شأنِ القرآنِ الكريمِ و الكتاب { الذى نزلَ على رسولِه } و قالَ فى شأنِ غيرِهِ من الكتب { و الكتاب الذى أُنْزِلَ من قبل } لأن القرآنَ الكريمَ نزلَ مُفرِّقاً فى ثلاث و عشرين سنة تبعاً للوقائعِ و بحسبِ ما يحتاج إليه العباد فى معاشِهِم, و أما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملةً واحدةً و لفظ { الكتاب } يتناولُ جميع الكتبِ السابقةِ على القرآن .

نرى فى الآيةِ الكريمةِ أن اللهَ عند ذِكرِ الإيمانِ ذَكَرَ الرسولُ قبل الكتابِ فقال { آمنوا بالله و رسولِهِ و الكتابِ الذى نزلَ على رسولِه } و عند ذِكرِ الكفرِ تُقلبُ القضية حيث قالَ سبحانه { و من يكفر باللهِ و ملائكتِهِ و كتبِهِ و رسلِه } و ذلك لأن فى مرتبةِ النزولِ من معرفةِ الخالقِ إلى الخَلقِ كان الكتابُ مُقَدِّماً على الرسولِ و أما فى مرتبةِ العروجِ من الخلقِ إلى الخالقِ يكونُ الرسولُ مُقدِّماً على الكتاب .

ذَكرَ الحقُّ جلَّ و عَلا فى مراتبِ الإيمانِ أموراً ثلاثة هى : الإيمان باللهِ و بالرسولِ و بالكتب , و ذَكرَ سبحانه فى مراتبِ الكفرِ أموراً خمسة هى : الكفر باللهِ و بالملائكةِ و بالكتبِ و بالرسلِ و باليومِ الآخِر , و ذلك لأن الإيمانَ باللهِ و بالرسلِ و بالكتبِ متى حصلَ فقد حصلَ الإيمانُ بالملائكةِ و اليومِ الآخِرِ لامحالة إذا ربما ادَّعَى الإنسانُ أنه يؤمنُ باللهِ و بالرسلِ و بالكتبِ ثم يُنكِرُ الملائكةَ و اليومَ الآخِرَ و لذلك تضمنت الآيةُ أن منكِرَ الملائكةِ و منكِرَ القيامةِ كافرٌ بالله .

مروة برهان

داعية إلى الله & كاتبة

خوف المرأة النشوز من زوجِها

كتبت – مروة برهان : 
قالَ تعالى { و إنِ امرأة خافتْ من بعلِها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهِما أن يًصلِحا بينهما صُلحاً و الصُلحُ خير و أُحضِرَتِ الأنفُسِ الشُحِّ و إن تُحسِنُوا و تَتَّقُوا فإن اللهَ كان بما تعملونَ خبيراً } 
البعل هو السيد , و يُسمَّى الزوجُ بعلاً لكونِهِ كالسيدِ لزوجتِه .. النشوز معناه الترفع الحسى ثم توسع فيه فاستُعْمِلَ فى الترفعِ مطلقاً , و المراد به هنا الترفع عن المطاوعة . و يكون النشوزُ وصفاً للمرأةِ كما يكونُ وصفاً للرجلِ يستوى فيه المذكر و المؤنث . 
و المراد به فى هذه الآية ترفع الرجل بنفسِهِ عن المرأةِ و تجافيه عنها بأن يمنعها مودته و الإعراض عنها مثل أن يُقَلِّلَ مؤانستها , و الإعراض أخف من النشوز . 
يقولُ الله تعالى { و إن خافت امرأة من زوجِها } فلا إثم عليهِما فى أن يُجرِيا بينهما صُلحاً أو تعطيه مالاً لتستعطفه و تستديم المقام معه . و فى قولِهِ تعالى { فلا جُناحَ عليهِما } دفع لِما يتوهم من أن ما يأخذه الزوج كالرشوةِ فلا يحل له و الصُلحُ خير من الفُرقةِ و سوء العشرة { و أُحضِرَتِ الأنفُسِ الشُح } المراد أحضرَ اللهُ الأنفُسَ الشُحَّ أى جبلَ اللهُ النفوسَ على الشُحِّ فلا تكاد المرأة تسمحُ بحقِّها و لا يكاد الرجلُ يجودُ بالإنفاقِ و حُسنِ المعاشرةِ على التى لا يريدها . 
رُبَّ قائل أن يقول : إذا كان نشوزُ الرجلِ يَحِلُّ له أن يأخُذَ من مالِ امرأتِهِ شيئاً أفلا يتَّخِذُ بعض الأزواجِ النشوز بل التهديد به وسيلةلأخذِ مالِ المرأةِ و انقاصِها حقِّها ؟ و هل يُعدُّ أخذ المال بهذه الوسيلةِ أخذاً بسيفِ الإكراهِ و أكلاً لأموالِ الناسِ بالباطِل ؟ 
إذا كان الرجلُ يرغبُ فى زوجتِهِ حقيقةً و يودُّ بقائها فى عصمتِهِ و لكنه تظاهر بالنشوزِ فكان ذلك حراماً و كان أخذ المال بهذه الوسيلةِ أكلاً لمالِ الناسِ بالباطلِ و قد حَرَّمَ اللهُ أكل أموال الناسِ بالباطلِ و حَرَّمَ مشاقة الرجل زوجته لغرضِ أخذ شئ من مالِها كما قالَ تعالى { و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعضِ ما آتيتموهن } و ليست آية { و إنِ امرأة خافتْ من بعلِها نشوزاً } نزلتْ فى مثلِ هذا النشوز و الإعراض المصطنعين و إنما نزلت فى رجلٍ يرغبُ حقيقةً فى فراقِ زوجتِهِ لسببٍ من الأسباب . 
أرشدَ اللهُ تعالى الرجلَ إلى تركِ النشوزِ مهما تكاثرت أسبابه و وعده على ذلك الأجر و المثوبة فى مثلِ قولِهِ تعالى { و إن تُحسِنُوا و تَتَّقُوا فإن اللهَ كان بما تعملونَ خبيراً } . 
قالَ اللهُ تعالى فى نشوزِ المرأة { و اللاتى تخافونَ نشوزهن فعظوهن و اهجروهن فى المضاجِعِ و اضربوهن } و قالَ فى نشوزِ الرجل { و إنِ امرأة خافتْ من بعلِها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهِما أن يًصلِحا بينهما صُلحاً } فجعلَ لنشوزِ المرأةِ عقوبة من زوجِها يعظها و يهجرها فى المضجعِ و يضربها و لم يجعلْ لنشوزِ الرجلِ عقوبة من زوجتِه , بل جعلَ له ترضية و تلطُّفاً فما معنى ذلك ؟ 
من المعروف أن اللهَ سبحانه جعلَ الرجال قوامين على النساءِ فالرجل راعى المرأة . إن اللهَ فضَّلَ الرجال على النساءِ فى العقلِ و الدين , ويترتب على هذا ألا يكون نشوز من الرجلِ إلا لسببٍ قاهر , ولكن المرأة لنقصانِ عقلِها و دينِها يكثرُ منها النشوز لأقلِّ شئٍ تتوهمه سبباً فلا جرم أن جعلَ لنشوزهن عقوبة حتى يرتدعنَ و يحسن حالهن , وفى مساقِ الآيتين ما يُرشِدُ إلى أن النشوزَ فى النساءِ كثير و فى الرجالِ قليل . فبجانبِ النشوزِ من قِبَلِ المرأةِ عبَّرَ باسمِ الموصولِ المجموع { و اللاتى تخافون نشوزهن } إشارة إلى أن النشوزَ محقق فى جماعتِهِن . 
و بالنسبةِ لنشوزِ الرجلِ عبَّرَ عنه ب { إن } التى تفيدُ الشكَّ و بصيغةِ الإفرادِ فقال { و إنِ امرأة خافتْ من بعلِها نشوزاً } فكل ذلك يشيرُ إلى أن النشوزَ فى الرجالِ غير محقق , و أنه إذا فُرِضَ وقوعه فإنما يكون من واحدٍ لا من جماعة . 
إن نشوزَ الرجل أمارة من أماراتِ الكراهةِ و إرادةِ الفُرقة , و إذا كان اللهُ قد جعلَ له حق الفُرقةِ و لم يجعلْ للمرأةِ عليه سبيلاً إذا هو أراد فراقها فأولَى ألا يجعل لها عليه سبيلاً ؛ و الصُلحُ بين الزوجينِ خيرٌ من الفُراق . 

قصر الصلاة فى السفرِ و الخوف

قالَ تعالى { و إذا ضربتم فى الأرضِ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاةِ إن خِفتم أن يفتِنَكُم الذين كفروا إن الكافرينَ كانوا لكم عدوَّاً مبيناً * و إذا كنت فيهم فأقمتَ لهمُ الصلاةَ قلتقم طائفةً منهم معك و ليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائِكُم و لتأتِ طائفةً أخرى لم يُصلُّوا فليصلُّوا معك و ليأخذوا حِذرَهُم و أسلحتهم وَدَّ الذين كفروا لو تغفلونَ عن أسلِحَتِكُم و أمتعَتِكُم فيميلونَ عليكم ميلةً واحدةً و لا جناحَ عليكم إن كان بكم أذىً من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم و خذوا حِذرَكُم إن اللهَ أعدَّ للكافرين عذاباً مهيناً * فإذا قضيتم الصلاةَ فاذكروا اللهَ قياماً و قعوداً و على جنوبِكُم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاةَ إن الصلاةَ كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً * و لا تَهِنُوا فى ابتغاءِ القومِ إن تكونوا تألمونَ فإنهم يألمونَ كما تألمون و ترجونَ من اللهِ ما لا يرجون و كان اللهُ عليماً حكيماً * إنَّا أنزلنا إليك الكتابَ بالحقِّ لتحكُمَ بين الناسِ بما أراكَ الله و لا تكنْ للخاصِمينَ خصيماً * و لا تجادل عن الذين يختانونَ أنفُسَهُم إن اللهَ لا يحبُّ من كان خوَّاناً أثيماً }

{ الضرب فى الأرض } أى السير فيها كقولِهِ تعالى { و آخرونَ يضربونَ فى الأرض } أى يسافرون .. { تقصروا من الصلاة } أى يجعلُ الأربعَ ثنتين .. { يفتنكم } الفتنة أى الإبتلاء و الإختبار . و تُستَعملُ فى الخيرِّ و الشرِّ فقد قالَ تعالى { و نبلُوَنَّكُم بالشرِّ و الخيرِ فتنة } .. { حذرهم } أى احذروا من العدو .. { { تغفلون } الغفلة هى سهوٌ يعترى الإنسانُ من قلةِ التحفُّظِ و التيُّقُظ .. { { جناح } الجُناح أى الإثم .

{ قضيتُم } فرغتم و انتهيتُم و أدَّيتُم { فإذا قضيتُمُ الصلاة } أى أدَّيتُم .. { اطمأننتم } أى آمنتم و زالَ الخوف .. { كتاباً موقوتاً } أى فرضاً محدوداً بأوقاتٍ لا يجوز التقديم أو التأخير عنها .. { تَهِنُوا } أى تضعفُوا .. { ابتغاء القوم } أى فى طلبِهِم , و المراد بالقومِ هنا الكفار .. { تألمون } الألم أى الوجع و هو من الأعراضِ التى تصيبُ الإنسان .. { و ترجون } الرجاء معناه الأمل .. { خصيماً } الخصيم بمعنى المخاصم أى المنازع أى و لا تكنْ لأجلِ الخائنين مخاصِماً للبرئ .. { غفوراً رحيماً } أى كثير المغفرة و الرحمة و هما من صِيَغِ المبالغة .

لَمَّا كانت الصلاة فرضاً لا تسقط فى أى وقتٍ لا فى القتالِ و لا فى أثناءِ الهجرةِ و لا فى أيامِ السفر , و لكن قد تتعذَّر أوتتعسَّر فى حالةِ الحربِ و السفرِ لذلك وردتْ هذه الآياتُ الكريمةُ تُبَيِّنُ طريقة الصلاةِ فى حالةِ الخوفِ و تأمرُ بالمحافظةِ على الصلاةِ حتى فى حالِ لقاءِ العدو . و قد رَخَّصَ لهم القصر فى حالةِ الخوفِ و السفرِ تيسيراً على العباد .

يقولُ الحقُّ جلَّ فى عُلاه : يا أيها المؤمنون إذا سافرتم و سرتم فى الأرضِ للجهادِ أو التجارةِ و السياحة , فليس عليكم حرج و لا إثم أن تقصروا من الصلاةِ المفروضةِ فتصلوا الرباعيةَ ركعتين لأن الإسلامَ دينٌ يسر , واللهُ تعالى يريدُ بكمُ اليسرَ و لا يريدُ بكمُ العسر , و بصفةٍ خاصةٍ إذا خفتم على أنفُسِكُم من فتنةِ الكافرين ؛ فهم أعداءٌ لا يراقبون الله و لا يخشونه فيكم { لا يراقبون فيكم إلاًّ و لا ذِمَّة } .

و إذا كنت يا محمد مع أصحابِك فى الحربِ و أردت أن تصلى بهم إماماً فاقسمهم طائفتين طائفة تقف معك فى الصلاةِ , و طائفة أخرى تحرسك و معهم أسلحتهم فإذا سجدت الطائفة الأولى و أدركوا ركعةً فلتتأخروا و لتتقدَّم الطائفة الأخرى التى كانت تتولَّى الحراسةَ فليصلوا معك كما فعلَ الذين من قبلِهِم , ثم يتمموا صلاتهم .

ثم أخبره تعالى بأن الكافرينَ يتمنون أن يصيبوا من المؤمنين غفلة حتى بأخذوهم على حينِ غَرَّةٍ و يحملوا عليهم حملةً واحدةً و هم مشغولون بالصلاة . و لهذا , أمرَ اللهُ تعالى بأخذِ الحذرِ و الحيطة .

ثم أخبرَ اللهُ تعالى بأنه لا إثم عليهم إن كانت بهم جراحات أو مرض و شق عليهم حمل السلاح أن يضعوا أسلحتهم مع أخذِ الحذرِ الشديدِ من الأعداء . فإذا قضَى المؤمنون الصلاة و أتمُّوها , فعليهم أن يكثُروا من ذكرِ الله , فإذا ذهبَ عنهم الخوف و اطمأنوا فليؤدُّوا الصلاةَ تامة و على الهيئةِ التى شرعها الله عليها لأن الصلاةَ فرضاً بأوقاتٍ معينةٍ على المؤمنين .

ثم أمرَ اللهُ تعالى عباده بألا يضعفوا عن قتالِ الكفارِ لأنهم يطلبون إحدى الحُسنَيَين: إما النصر و العزة , و إما الشهادة والجنة . و عباده المؤمنون أحق بالثباتِ و الصبرِ من المشركين لأنهم يرجون من اللهِ ما لا يرجوه المشركين .

ختمَ اللهُ تعالى هذه الآياتُ الكريمةُ بأمْرِ الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم بالحُكمِ بين الناسِ بالحقّ و العدلِ لأن الحقَّ يعلو و لا يُعلّى عليه { و قلِ الحقُّ من ربِّكُم فمن شاءَ فليؤمنُ و من شاءَ فليكفر } .

اختلفَ العلماءُ فى المرادِ بقولِهِ تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } :

فقالَ بعضهم : المراد باالقصرِ فى الصلاة هو قصرُ العددِ بأن تُصَلَّى الصلاة الرباعية كالظهرِ و العصرِ و العشاءِ إلى ركعتين , و استدلُّوا بالآتى : -

( 1 ) رُوِىَ عن يعلى بن أمية أنه قال : قلت لعمرِ بن الخطابِ تقصِّر و قد أمنا و قد قالَ اللهُ تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصُرُوا من الصلاة إن خِفتُم أن يَفتِنَكُمُ الذين كفروا } فقالَ عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فقال : " صدقة تصدَّقَ اللهُ بها عليكم فأقبلوا صدقته " .

و هذا يدلُّ على أن المراد بالقصرِ فى الآيةِ القصر فى عددِ الركعاتِ لأن السائلَ فهم أن ذلك لا يكون إلا فى الخوفِ و قد فُعِلَ فى الأمنِ فقالَ النبىُّ هو صدقة . فدلَّ ذلك على أن القصرَ الذى فى الآيةِ نقصٌ فى عددِ الركعاتِ دون الصفةِ و الهيئة .

قوله { من } فى قولِهِ { من الصلاة } حرف يدلُّ على التبعيضِ و ذلك يتحقَّقُ فى الإقتصارِ على بعضِ الركعات .

التعبير بقولِهِ تعالى { إن خِفتُم أن يَفْتَنَكُم الذين كفروا } إذ كان الغالبُ على المسلمين الخوف فى الأسفار . و لهذا قالَ " يعلى بن أمية " لعمرِ رضى الله عنه ما لنا نُقَصِّر و قد أمنا ؟ فقالَ عمر : عجبت مما عجبت منه فسألتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم عن ذلك فقال " صدقة تصدَّقَ اللهُ بها عليكم فأقبِلُوا صدقته " .

أمرَ الحقُّ جلَّ فى علاه المؤمنين المجاهدين حين شروعهم فى الصلاةِ أن لا يطرحوا أسلحتهم و لا يضعوها و عبَّرَ عن ذلك بالأخذِ لقولِهِ تعالى { و ليأخذوا أسلحتهم } لضرورةِ الحذرِ من الكافرين و التنبيه بضرورةِ الحَيطَةِ و مراعاة اليقظة و عدم التساهلِ فى الأخذِ بالأسبابِ لأن من صفاتِ المؤمن أنه كَيِّس فَطِن .

رُوِىَ أن النبىَّ صلى اللهُ عليه و سلم غزا محارباً مع أصحابِه , فنزلوا وادياً و لا يرون من العدوِّ أحداً فوضعَ الناسُ أسلحتهم و خرجَ الرسولُ صلى اللهُ عليه و سلم لحاجةٍ له . فلمَّا قطعَ طرف الوادى , رآه " عورث بن الحارث " فانحدرَ من الجبلِ و معه السيف فلم يشعرْ به رسول اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم إلا و هو قائمٌ على رأسِهِ يقول : يا محمد من يعصمك منى الآن ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : " اللهُ عزَّ و جل " فأهوَى بالسيفِ على رسولِ اللهِ صلواتُ اللهِ و سلامه عليه ليضربه فزلقت رجله و سقطَ على الأرضِ فأخذَ رسولُ اللهِ السيفَ و قال : " من يمنعك منى الآن يا عورث ؟ فقال : لا أحد كن خير آخذ , فعفا عنه الرسول الرحيم عليه من اللهِ أفضل الصلاة و أتم التسليم . فرجعَ إلى قومِهِ فقصَّ عليهم قصته فآمنَ بعض قومِهِ و أسلَمُوا .

يقولُ تعالى { لتحكُمَ بين الناسِ بما أراكَ الله } أى بما عرَّفَكَ و أعلمكَ و أَوحَى إليك و قد سَمَّى اللهُ ذلك العلمُ بالرؤيةِ لأن العلمَ اليقينىَّ الخالى من الشكِّ عن جهاتِ الريبِ يكونُ جارياً مجرى الرؤيةِ فى القوةِ و الظهور .

فى التعبيرِ بقولِهِ تعالى { و لا تكنْ للخائنينَ خصيماً } تهديد شديد لكلِّ من يحاولَ الوقوف بجانبِ الشئ . فكيفَ حال من يعلمَ من الظالمِ كونِهِ ظالماً ثم يعينه على ذلك الظلم ؟ .

فى قولِهِ تعالى { و استغفروا اللهَ إن اللهَ كان غفوراً رحيماً } أمْر منه سبحانه للرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم بالإستغفار . و هذا لا يدل على وقوعِ المعصيةِ منه عليه السلام و إنما هو لزيادةِ حسناتِهِ و رفعِ مقامِه , و ذلك يعتبر من بابِ حسناتِ الأبرارِ سيئات المقرَّبين . و يكونُ الغرضُ المقصودُ فى الإستغفارِ هنا استدعاء محبةُ اللهِ تعالى فقد قالَ تعالى { إن اللهَ يحبُّ التوَّابينَ و يحبُّ المتَطهِّرين } .

الأحكام الشرعية فى هذه الآيات :

الحُكم الأول : قصر الصلاة فى السفر :

دَلَّ قوله تعالى { فليس عليكم جُناحٌ أن تَقصُروا من الصلاة } على مشروعيةِ قصرِ الصلاةِ فى السفرِ لأن قولَهُ تعالى { و إذا ضربْتم فى الأرض } معناه إذا سافرتم فى البلادِ و لم يشترطْ اللهُ سبحانه أن يكونَ السفر للجهاد .

و إنما أطلقَ اللفظَ ليعُمَّ كل سفرٍ و قد استدلَّ العلماءُ بهذه الآية على مشروعيةِ قصرِ الصلاةِ للمسافرِ ثم اختلفوا هل القصر واجب أم رخصة على مذهبين : -

( 1 ) قالَ الشافعيةُ و أحمد : القصر رخصة فإن شاءَ قصَّرَ وإن شاءَ أتم .

( 2 ) قالَ الحنفية : القصر واجب و أن الركعتين هما تمام صلاة المسافر .

( 3 ) و قالَ مالك : القصر عنده سُنَّة .

استدلَّ الشافعيةُ و الحنابلةُ على عدمِ وجوبِ القصرِ بأدلَّةٍ منها : -

1 – ظاهر قوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تَقصُروا من الصلاة } يشعرُ بعدمِ الوجوبِ لأن رفعَ الجُناحِ يدلُّ على الإباحةِ لا على الوجوب , و لو كان القصرُ واجباً لجاءَ التعبيرُ بقولِهِ " فعليكم أن تقصروا من الصلاةِ أو فاقصروا الصلاة " .

2 – ما رُوِىَ عن عائشة رضى اللهُ عنها " اعتمرت مع رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم من المدينةِ إلى مكة , فلَمَّا قَدِمَتْ مكة قالت يا رسول الله قصَّرت و أتممت و صمت و أفطرت فقال : أحسنتِ يا عائشة و لم يَعِبْ علىَّ" .

أدلة الحنفية :

و استدلَّ الحنفيةُ على وجوبِ القصرِ للصلاةِ فى السفرِ بالآتى : -

( 1 ) بما رُوِىَ عن عمرِ بن الخطاب أنه قال : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيُّكم صلى اللهُ عليه و سلم .

( 2 ) النبى صلواتُ اللهُ عليه و سلامه التزمَ قصر الصلاة فى أسفارِهِ كلها فقد رُوِىَ عن ابن عباس رضى اللهُ عنهما أنه قال : كان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم إذا خرجَ مسافراً صلَّى ركعتين حتى يرجع .

( 3 ) ما رُوِىَ عن عمر أن بن حصين قال : حججت مع النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم فكان لا يصلى إلا ركعتين . و قالَ لأهلِ مكة : " صلوا أربعاً فإنا قومٌ سفر " .

( 4 ) قالَ ابن عمر : صحِبْتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فى السفرِ فلم يزِدْ على ركعتينِ و صحِبتُ أبا بكر و عمر و عثمان رضى اللهُ عنهم فى السفرِ فلم يزيدوا على ركعتينِ حتى قبضهم الله تعالى { لقد كان لكم فى رسولِ اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ لِمَنْ كان يرجو اللهَ و اليومِ الآخِر } .

( 5 ) ما رُوِىَ عن عائشة رضى اللهُ عنها كما جاءَ فى الصحيحينِ " فُرِضَتْ الصلاة ركعتين ركعتين فزيدتْ فى الحضرِ و أُقِرَّتْ فى السفر " .

الحُكم الثانى : السفر الذى يُبيحُ قصر الصلاة :

اختلفَ العلماءُ فى السفرِ الذى يُبيحُ قصر الصلاةِ على النحوِ التالى :

( 1 ) قالَ الحنفية : يكونُ مطلقُ السفر. و حُجَّتهُم فى ذلك أن القصرَ فرضٌ لحديثِ عائشةٍ رضى اللهُ عنها " فُرِضَتْ الصلاة ركعتين ركعتين فزيدتْ فى الحضرِ و أُقِرَّتْ فى السفر " .

( 2 ) قالَ مالك : كل سفر مباح يجوزُ فيه قصر الصلاة . فقد رُوِىَ أن رجلاً جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فقالَ يا رسول الله : إنى رجل تاجر اختلف إلى البحرين . فأمره أن يُصلِّىَ ركعتين " .

( 3 ) و قالَ الشافعىُّ و أحمد : لابد أن يكونَ سفر طاعة كالجهادِ و الحَجِّ و العمرةِ و طلبِ العلمِ أو يكونُ مباحاً كالتجارةِ و السياحةِ لأن القصرَ إنما شُرِعَ تخفيفاً عن المسافرِ للمشقًّاتِ اللاحقةِ به , و معاونته على ما هو بصدَدِهِ مما يجوز , و كل الأسفار فى ذلك سواء لقولِهِ تعالى { و إذا ضربتم فى الأرضِ فليس عليكم جُناح } أى إثم { أن تقصُروا من الصلاة } فعُم . و قالَ صلواتُ اللهِ عليه و سلامه " خير عبادُ اللهِ الذين إذا سافروا قصَّروا و أفطروا " .

يرى الأستاذُ الدكتورُ محمود عبد الله العكازى رئيس قسم الفقه المقارن بكليةِ الشريعةِ و القانون – جامعة القاهرة سابقاً – أن ما ذهبَ إليه الجمهور هو الأولَى بالقبول لأن قصرَ الصلاةِ يعتبرُ تخفيفاً على المسافر , و المسافر للمعصيةِ ليس أهلاً للنخفيف , القصر بالنسبةِ إليه يكونُ عَوناً له على المعصيةِ واللهُ تعالى يقول { و تعاونوا على البِرِّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثمِ و العُدوان } .

الحُكمُ الثالث : مقدار السفرِ الذى تُقصَرُ فيه الصلاة :

قالَ الحنفية : لا قصر فى أقلِّ من مسيرةِ ثلاثةِ أيام بسيرِ الإبلِ وسطاً أى أربعة و عشرين فرسخاً . و قد عَوَّلَ الحنفيةُ فى مذهبِهِم على قولِهِ صلى اللهُ عليه و سلم " يمسحُ المقيمُ يوماً و ليلةً و المسافر ثلاثة أيام " و على ما وردَ فى منعِ المرأةِ من السفرِ فوق ثلاثٍ إلا مع زوجٍ أو مِحرِم .

قالَ الجمهور : أقله مسيرة يومين : ألابعة برد كل بريد أربعة فراسخ مستدلين بما رواه ابن عباس أن النبىَّ صلى اللهُ عليه و سلم قال : " يا أهل مكة لا تقصروا فى أدنى من أربعةِ يردٍ من مكة إلى عفسان " .

و قالَ الظاهرية : إن قليلَ السفرِ و كثيرِهِ سواء فى جوازِ القصر فشرطُ القصرِ عندهم هو الضربُ لقولِهِ تعالى { و إذا ضرْبتم فى الأرضِ فليس عليكم جُناحٌ أن تقصُروا من الصلاةِ إن خِفتُم أن يَفتِنَكُمُ الذين كفروا } فإذا تحقَّقَ أى سفرٍ مع الخوفِ من العدوِّ تُقَصَّرُ الصلاة .

مسافة السفرِ فى وقتِنا الحاضر و بالمقياسِ المعروفِ و المساحاتِ المعهودةِ الآن هى اثنانُ و ثمانون كيلو متراً .

الحُكمُ الرابع : كيفية صلاة الخوف :

1 – قالَ أبو حنيفة : يٌقَسِّمُ الإمام القوم طائفتين تقومُ طائفة مع الإمام , و طائفة إزاء العدو فيصلى بهم ركعة و سجدة ثم ينصرفون إلى مقامِ أصحابِهِم ثم تأتى الطائفة الأخرى التى بإزاءِ العدوِّ فيصلى بهم ركعة و سجدتين و يسلم هو و ينصرفون إلى أصحابِهِم ثم تأتى الطائفة التى بإزاءِ العدوِّ و تقضى ركعة بغيرِ قراءةٍ و تتشهد و تسلم و تذهبُ إلى وجهِ العدوِّ و تأتى الطائفة الأخرى فيقضون ركعة بقراءة . فقد جاءَ فى السُنةِ ما يدلُّ على أن النبىَّ صلاها على هذا الوجه .

2 – قالَ مالك : يتقدمُ الإمامُ بطائفةٍ و طائفةٍ بإزاءِ العدوِّ فيصلى بالتى معه ركعة و سجدتين و يقومُ قائماً و تتم الطائفةُ التى معه لأنفُسِها ركعةً أخرى ثم يتشهدون ثم يذهبون إلى مكانِ الطائفةِ التى لم تصلْ فيقومون مكانهم و تأتى الطائفة الأخرى فيصلى بهم ركعة و سجدتين ثم يتشهدون و يسلم و يقومون فيتمون لأنفُسِهِم الركعة التى بَقِيَتْ .

3 – و قالَ الشافعى : مثل مالك إلا أنه قالَ لا يسلم الإمامُ حتى تَتِمَّ الطائفةُ الثانيةُ لأنفُسها ثم يسلم معهم .

ما اشتملتْ عليه الآيات من الأحكامِ فإنما يدلُّ على عفوِ اللهِ و حُلمِهِ و كرمِهِ و سِعَة رحمتِهِ فمن أذنبَ ذنباً صغيراً أو كبيراً ثم يستغفرُ اللهَ و يتوبُ يجدِ اللهَ غفوراً رحيماً مهماً كانت ذنوبه .

كان بنو إسرائيلُ إذا أصابَ أحدهم ذنباً أصبحُ و قد كتبَ كفارة ذلك الذنبُ على بابِه , و إذا أصابَ البولُ منه شيئاً قرضه بالمِقراض , فقالَ رجل : لقد أتَى اللهُ بنى إسرائيل خبراً فقالَ ابن عباس :" ما آتاكمُ اللهُ خيراً مما آتاهم . جعلَ الماءَ لكم طَهوراً و قالَ تعالى { و الذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفُسَهُم ذكروا اللهَ كثيراً فاستغفروا لذنوبِهِم } . و جاءَ فى السُنةِ المطهرة " ما من مسلمٍ يذنبُ ذنباً ثم يتوضأُ ثم يصلى ركعتين ثم يستغفرُ اللهَ لذلك إلا غَفَرَ له " .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

مزايا شهر رمضان

لشهرِ رمضان مزايا متعددة إذ هو الشهرُ الذى جاءَ الحديثُ عنه فى القرآنِ الكريم , و هو الشهرُ الذى أُنْزِلَ فيه القرآن كما قالَ تعالى { شهرُ رمضانَ الذى أُنْزِلَ فيه القرآن هدىً للناسِ و بيِّناتٍ من الهدى و الفرقان } البقرة / 185 .

من هذه المزايا :

أ – ليلة القدر :

من أفضلِ مزايا شهر رمضان : اشتماله على ليلةِ القدر , التى مدحها اللهُ تعالى فى قولِه { إنا أنزلناهُ فى ليلةِ القدر * و ما أدراكَ ما ليلةُ القدر * ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر * تَنَزَّلُ الملائكةُ و الروحُ فيها بإذنِ ربِّهِم من كلِّ أمر * سلامٌ هى حتى مطلعِ الفجر } القدر / 1 – 5 .

لفظ { القدر } معناه الشرف , تقولُ فلان ذو قدر أى صاحب شرف و منزلة رفيعة أى إنا أنزلنا هذا القرآنُ جملة من اللوحِ المحفوظِ إلى السماءِ الدنيا فى ليلةِ القدر , ثم نزلَ بعد ذلك مُفَرِّقاً على الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم فى مدةٍ تصلُ إلى ثلاثِ و عشرين سنة .

قالَ ابن عباس رضى اللهُ عنهما : " أنزلَ اللهُ القرآنَ جملةً واحدةً من اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العِزَّةِ من السماءِ الدنيا , ثم نزلَ مُفَصَّلاً بحسبِ الوقائعِ فى ثلاثٍ و عشرين سنة على محمدٍ صلى اللهُ عليه و سلم " و يصحُّ أن يكونَ المعنى : إنا ابتدأنا إنزال القرآن على نبيِّنا محمدٍ صلى اللهُ عليه و سلم فى ليلةِ القدر .

و فى قولِهِ سبحانه { و ما أدراكَ ما ليلةُ القدر } تنويه آخر بشرفِ ليلةِ القدرِ أى إن الذى يعرف مقدار شرف هذه الليلةُ هو اللهُ تعالى وحده .

ثم ذكرَ سبحانه جانباً من فضلِها فقال { ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر } أى هذه الليلةُ أفضل من ألفِ شهرٍ بسببِ ما أُنْزِلَ فيها من قرآنٍ كريمٍ أخرجَ الناسَ من ظلماتِ الجاهليةِ إلى نورِ الإسلام .

ثم ذكرَ سبحانه مزية أخرى لليلةِ القدرِ فقال { تَنَزَّلُ الملائكةُ و الروحُ فيها بإذنِ ربِّهِم من كلِّ أمر } أى فى هذه الليلة تتنزَّلُ الملائكة و على رأسِهِم جبريل الذى هو الروحُ الأمين , و هم جميعاً ينزلونَ من السماءِ إلى الأرضِ بإذنِ ربِّهِم لينفِّذوا ما أمرهم اللهُ تعالى به من خيرٍ لعبادِه .

و قولِهِ تعالى { سلامٌ هى حتى مطلعِ الفجر } مزية ثالثة لهذه الليلةِ المباركةِ أى هى سلامٌ و أمانٌ من أوِّلِها حتى يطلعَ الفجر ؛ و المسلمُ العاقلُ هو الذى يُحي هذه الليلةُ بالعبادةِ ففى الحديثِ الشريف : " من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً و احتساباً غفرَ اللهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ و ما تأخَّر " و قد قالَ صلى اللهُ عليه و سلم : " تحرُّوا ليلة القدرِ فى العشرِ الأواخرِ من رمضان " و أن يُكْثِرَ المسلمُ من الدعاءِ بقولِه : " اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنى " .

ب – الإعتكاف :

الإعتكاف فى اللغةِ هو الحبس , يقالُ اعتكفَ فلان فى مكانٍ كذا يعنى حبسَ نفسه فيه .. الإعتكاف فى الشرعِ هو الإقامةُ فى المسجدِ بنيَّةِ التقرُّبِ إلى اللهِ تعالى .. الإعتكاف هو سُنَّةٌ و يتأكدُ فى العشرِ الأواخرِ من رمضان و يصيرُ واجباً إذا أوجبه الإنسان على نفسِهِ بأن نذرَ أن يعتكفَ يوماً أو يومين , ففى هذه الحالة أصبحَ واجباً عليه لأن الوفاءَ بالنذرِ واجب .

ثُبِتَ الإعتكافُ فى القرآنِ الكريمِ و فى السُنَّةِ المُطَهَّرةِ و بإجماعِ المسلمين :

فأما دليل مشروعية الإعتكاف فى القرآنِ فى قولِهِ تعالى { و لا تباشِروهُنَّ و أنتم عاكِفونَ فى المساجدِ تلك حدودُ اللهِ فلا تقربُوها } البقرة / 187 أى و لا تُجامِعوا أيها المؤمنون زوجاتِكُم خلال اعتكافِكُم فى بيوتِ اللهِ تعالى .

أما دليل مشروعية الإعتكاف فى السُنَّةِ النبويَّةِ المطهَّرةِ فقد جاءَ فى الصحيحينِ عن عائشة رضى اللهُ عنها قالت " كان النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم يعتكِفُ فى العشرِ الأواخِرِ من رمضان " .

و قد أجمعَ المسلمون على أن الإعتكاف فضيلة ينبغىِ للمسلمِ أن يقومَ بها متى كان قادراً على ذلك لأن الإعتكافَ يزيدُ الصلةَ بين العبدِ و ربِّه .

شروط صحة الإعتكاف :

1 – النية لأن الأعمالَ بالنيَّات .

2 – الطهارة من الحدثِ الأكبر , فلا يصح الإعتكاف من جُنُبٍ و لا من حائضٍ أو نفساء , و أن يكونَ الإعتكاف فى المساجدِ لقولِهِ تعالى { و لا تباشِروهُنَّ و أنتم عاكِفونَ فى المساجدِ } .

يجوزُ للمرأةِ الإعتكاف بعد أخذِ الإذنِ من زوجِها أو من ولِّى أمرِها , و اعتكافها يكونُ فى المسجد , فقد كان أزواج النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم يعتكِفنَ فى المسجد .

مبطِلات الإعتكاف :

يفسدُ الإعتكاف بالجِماع , كما يفسد الإعتكاف بالخروجِ من المسجدِ دون ضرورةٍ تدعو لهذا الخروج .. أما الخروج للإغتسالِ و شراءِ ما يلزمه شراؤه لمأكَلِهِ أو مشربِهِ فلا يُبطِلُ الإعتكاف .

يباحُ للمعتكفِ أن يأكلَ و أن يشربَ و أن ينامَ فى المكانِ الذى هو محلُّ اعتكافه .. ينبغى للمعتكفِ أن يشغلَ اعتكافه بقراءةِ القرآنِ و بذكرِ اللهِ تعالى و بمطالبةِ العلمِ النافعِ و بكلِّ قولِ طيِّبٍ و عملٍ صالح .

ينبغى للمعتكفِ ألا يشغل نفسه بالأعمالِ الدنيويةِ من بيعٍ و شراءٍ و تجارةٍ للتخفُّفِ من كلِّ ما يشغله عن طاعةِ اللهِ تعالى .

يرى المالكيةُ أن أقلَّ مدة للإعتكافِ هى يومٌ و ليلة , أما إذا نذرَ أن يعتكِفَ لمدةِ يومين أو أكثر , فعليه أن يُوفِىَ بنذرِه .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

الإسراء بالحبيبِ صلى اللهُ عليه و سلم و العروج به إلى الملكوتِ الأعلى

الحمدُ للهِ و هو بالحمدِ جدير , نحمده سبحانه فليس له نظير , و نصلى و نسلم على خيرِ إنسانٍ عرفته الإنسانية , و على خيرِ رسولٍ جاءَ إلى البشرية محمد بن عبدِ اللهِ النبىِّ الأمىِّ و على آلِهِ و صحبِهِ و سلم , الصادق الصادوق , ناصر الحق بالحق ,
و بعد ..
فيقولُ اللهُ تبارك و تعالى { سبحان الذى أسرَى بعبدِهِ ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتِنا إنه هو السميعُ البصير } الإسراء / 1 فهذه الآية الكريمة تأخذنا إلى الإسراءِ و المعراج .
يُقْصَدُ بالإسراءِ الرحلة العجيبة التى بدأت من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى و بالتحديدِ من بيتِ أم هانئ حيث خرجَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم منه إلى المسجدِ الأقصى .
يُقْصَدُ بالمعراجِ ما عَقِبَ هذه الرحلة من ارتفاعِ فى طبقاتِ السمواتِ حتى الوصولَ إلى مستوى تنقطع عنه علوم الخلائق ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجدِ الأقصى .
اختُلِفَ فى تحديدِ السنة و الشهر الذى حدثَ فيها الإسراء
فقيل : ليلة السابع و العشرين من شهرِ رجب سنة 10 من النبوة .
و قيل : أن الصلواتَ الخمس فُرِضَتْ ليلة الإسراء و أن السيدة خديجة رضى اللهُ عنها توفيت قبل أن تفرِضَ الصلوات الخمس , و أن وفاتها كانت فى رمضان سنة عشر من النبوة فإن الأقوالَ الراجحة أن الإسراءَ كان قبل الهجرةِ ب16 شهر أى فى رمضان سنة 12 من النبوة أو قبل الهجرة ب14 شهر أى فى المحرم سنة 13 من النبوة أو قبل الهجرة ب12 شهر أى فى ربيعِ الأولِ سنة 13 من النبوة واللهُ أعلم .
أُشيرَ إلى الإسراءِ فى سورةِ الإسراءِ آية رقم 1 , و إلى المعراجِ فى سورةِ النجمِ الآيات رقم 13 – 18 .
فقد أُسْرِىَ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى , الذى باركَ اللهُ حوله و قد افتُتِحَتْ الآية الكريمة الحديث عن رحلةِ الإسراءِ بتسبيحِهِ جلَّ شأنه .
لَمَّا كانت رحلة الإسراء تشريفاً و تكريماً لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم , فقد وصفه اللهُ تعالى { بعبدِه } فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه و قالَ سبحانه { و إنط لعلى خُلُقٍ عظيم } و قد قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : " إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق " .
و لقد كشفت الآية الكريمة الغرض من هذه الرحلة العظيمة و هى كمال قدرة اللهِ سبحانه و تعالى لأنه لم يكنْ فى ذلك الوقت لا طائرات و لا سفن فضاء , فكيف ينكر إنسان على مدبِّرِ السمواتِ و الأرض أن يسْرِىَ برسولِهِ صلى اللهُ عليه و سلم من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى ؟ ! .
ذهبَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم إلى جوارِ الكعبة , فمرَّ به أبو جهل , فقالَ له : هل من خبر ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : نعم . قالَ و ما هو ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : إنى أُسْرِىَ بى الليلة إلى بيتِ المقدس . فقال : إلى بيتِ المقدس ؟ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : نعم . قالَ أبو جهل : أرأيتَ أن أدعوَ قومك لتخبرهم بما أخبرتنى به ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : نعم . فنادى أبو جهل : هيا يا معشر قريش فاجتمعوا , فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : إنى أُسْرِىَ بى إلى بيتِ المقدس تلك الليلة " فكذبوه , و قالوا لأبى بكر : " إن صاحبكَ يقولُ كذا و كذا , فقالَ أبو بكر رضى اللهُ عنه : " إنى أصدقه فيما هو أبعد من ذلك " و أخذوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيتِ المقدس , و منهم من رآه فظنوا أنهم سيوقعوه فى الحرج , فقد وصفَ لهم بيت المقدس وصفاً دقيقاً إلا أنه التبسَ عليه بعض الشئ فأنزلَ اللهُ أمامه صورة المسحد الأقصى ثم أخذَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم ينظرُ إليه و ينعته لهم .
الحكمة فى كونِ الإسراءِ إلى بيتِ المقدس :
ربط رسالات السماء : فقد ظلَّ بيت المقدس فترات طويلة مهبطاً لوحى السماء , فلما نزلت الرسالة الخاتمة , فكانت رحلة إسرائه من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى ربطاً لرسالاتِ السماءِ السابقة .
بيان أن الإسلامَ هو الدينُ الخاتم : صلى رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم بالأنبياءِ ركعتين إشارةً إلى أن الإسلامَ هو الدينُ الخاتمُ فقد قالَ تعالى { إن الدينَ عند اللهِ الإسلام } .
بيان أن محمدَ صلى اللهُ عليه و سلم هو الرسولُ الخاتم : فقد قالَ صلى اللهُ عليه و سلم : " مَثلى و مَثل الأنبياء كمثلِ رجل بنى بيتاً , فأحسنه و جمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه , فجعلَ الناس يطوفون و يعجبون به و يقولون : هلا وضعت هذه اللبنة , فأنا اللبنة , و أنا خاتم النبيين " أخرجه البخارى و مسلم .
لم تُذْكرْ قصة المعراج مع قصةِ الإسراء فى السياقِ القرآنىِّ الحكيم مع أنهما حدثتا فى ليلةٍ واحدة و ذلك فتحاً للأُفُقِ الفكرىِّ فيحدثهم القرآن الكريم عن بقيةِ الرحلةِ و عن المعراجِ فقد قالَ تعالى { و النجم إذا هوَى * ما ضلَّ صاحبكم و ما غوَى * و ما ينطِقُ عن الهوى * إن هو إلا وحىٌ يُوحَى * علمه شديدُ القُوَى * ذو مِرَّةٍ فاستوَى * و هو بالأُفُقِ الأعلى * ثم دنا فتدلَّى * فكان قابَ قوسَينِ أو أدنَى * فأوحَى إلى عبدِهِ ما أوحَى * ما كذبَ الفؤادُ ما رأى * أفتُمارونه على ما يرى * و لقد رآه نزلةً أخرى * عند سِدرةِ المنتهى * عندها جنةُ المأوى * إذ يغشَى السِدرةَ ما يغشَى * ما زاغَ البصرُ و ما طغَى * لقد رأى من آياتِ ربِّهِ الكبرى }
الإعداد الإلهىِّ للمعراج " حادثة شق الصدر " :
قد سبقَ المعراج إعداد إلهى لنفسِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم .
كانت هذه الحادثةُ فى السنةِ الرابعةِ أو الخامسةِ من مولِدِه .
روى مسلم عن أنس : أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم أتاهُ جبريلَ عليه السلام , و هو يلعبُ مع الغِلمان , شَقَّ صدره عن قلبِهِ فاستخرجَ القلب , فاستخرجَ منه علقة , فقال : هذا حظُّ الشيطان منك , ثم غسله فى طِستٍ من ذهبٍ بماءٍ من زمزم , ثم لأمه أى جمعه ثم أعاده إلى مكانِه .
و جاءَ الغلمانُ يسعَونَ إلى ظِئرِه – الظِئ هى المرأةُ التى أرضعتْ ولد غيرها .
ليست الحكمة من هذه الحادثة استئصال غدة الشر فى جسمِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم إذ لو كان الشر منعه غدة فى الجسمِ لأمكنَ أن يُصبِحَ الشرير خيِّراً بعمليةٍ جراحيةٍ و لكن الحكمة من ذلك هى إعلانُ أمر رسول اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم .
شق الصدر لتطهيرِ قلبِ النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم .. هناكَ من أنكرَ حادثة شق الصدر و الذى يثبتُ مسألة شق الصدر هى الآية { ألم نشرح لك صدرك * و وضعنا عنك وزرك * الذى أنقضَ ظهرك * و رفعنا لك ذكرك * فإن مع اليسرِ يسراً * إن مع اليسرِ يسراً } .
أخرجَ الإمام أحمد عن أنسِ بن مالك أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم قال : " أتيت بالبراق , و هو دابةٌ بيضاء , فوق الحمار و دون البغل , فسارَ بى حتى أتيتَ بيت المقدس , فربطت الدابةَ بحلقةِ الباب , ثم دخلتُ فصليت فيه ركعتين ثم خرجت . فأتانى جبريل بإناءٍ من خمرٍ و إناءٍ من لبن , فاخترتُ اللبن . فقالَ جبريل : أصبتَ الفطرة . قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : ثم عَرَجَ بى إلى السماءِ الدنيا , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بآدم , فرحَبَ بى و دعا لى بخير .
ثم عرجَ بى إلى السماءِ الثانية , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بيحى و عيسى بن مريم " الإثنين ولاد خالة " , فرحبا بى و دعا لى بخير .
ثم عرجَ بى إلى السماءِ الثالثة , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بيوسف عليه السلام , و إذا هو قد أُعطَى شطر الحُسن , فرحَبَ بى و دعا لى بخير .
ثم عرجَ بى إلى السماءِ الرابعة , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بإدريس , فرحَبَ بى و دعا لى بخير . يقولُ اللهُ تعالى { و رفعناهُ مكاناً عليَّاً } مريم / 57
ثم عرج بى إلى السماءِ الخامسة , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بهارون , فرحَبَ بى و دعا لى بخير .
ثم عرجَ بى إلى السماءِ السادسة , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بموسى عليه السلام , فرحَبَ بى و دعا لى بخير .
ثم عرجَ بى إلى السماءِ السابعة , فاستفتحَ جبريل , فقيل له من أنت ؟ قالَ جبريل . قيل : و من معك ؟ قال : محمد . قيل : قد أُرسِلَ إليه ؟ قال : أُرسِلَ إليه . ففُتِحَ لنا , فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام , و إذا هو مسند ظهره إلى البيتِ المعمور , و إذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملَك , ثم لا يعودون إليه .
ثم رُفعتُ إلى سِدرةِ المنتهى , فإذا أوراقها كآذانِ الفيلة و غشيها من أمرِ اللهِ ما غشيها .. ثم عرجَ بى إلى الجبارِ جل جلاله , فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى , فأوحَى إلى عبدِهِ ما أوحَى , و فرضَ عليه خمسين صلاة , فرجعَ حتى مرَّ على موسى فقالَ له : ما فرضَ ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة فى كلِّ يومٍ و ليلة . قال : ارجع إلى ربك , فاسأله التخفيف لأمتِك , فإن أمتك لا تطيق ذلك . قال : فرجعت إلى ربى فقلت : أى رب خفف عن أمتى . فحط عنى خمساً . فنزلت حتى انتهيتَ إلى موسى . فقالَ موسى ما فعلت ؟ فقلت : حطَّ عنى خمساً . قال : إن أمتك لا تطيق ذلك , فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : فلم أزل أرجع بين ربى و موسى , و يحط عنى خمساً خمساً . و قالَ سبحانه و تعالى : " يا محمد هن خمس صلوات كل يوم و ليلة , بكل صلاة عشر , فتلك خمسون صلاة , و من هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملها , كُتِبَتْ له حسنة , فإن عملها كُتِبَتْ له عشر . و من هَمَّ بسيئةٍ فلم يعملها , لم تُكتَب , فإن عملها كُتِبَتْ له سيئة واحدة " . فنزلت حتى انتهيت إلى موسى , فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك , فاسأله التخفيف لأمتِك , فإنها لا تُطيق ذلك . قالَ صلى اللهُ عليه و سلم : " لقد رجعت إلى ربى حتى استحييتَ منه " رواه مسلم .
عن أنس أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم قال : " ليلة أُسْرِىَ بى مررتُ بناسٍ تقرض شفاهم بمقاريضٍ من نار , كلما قرضت عادت , فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك , يقولون ما لا يفعلون " .
و عن ابن عباس عن أبى كعب عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم قال : " ليلة أُسْرِىَ بى وجدت ريحاً طيبة , فقلت يا جبريل ما هذا ؟ قال هذه ماشطة ابنة فرعون و زوجها و بنتها , بينما هى تُمَشِّطُ ابنة فرعون , إذ سقطَ المشط من يدِها , فقالت تعس فرعون , فأخبرت ابنة فرعون أباها تقول الماشطة , فقتلها " .
عن ابن مسعود رضى اللهُ عنها قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : لقيت إبارهيم عليه السلام , ليلة أُسْرِىَ بى , فقال : يا محمد اقرئ أمتك منى السلام , و أخبرهم أن الجنة طيبة , عذبة الماء , و أن غراسها سبحان الله و الحمدُ لله و لا إله إلا الله واللهُ أكبر و لا حولَ و لا قوة إلا باللهِ العلىِّ العظيم " .
هل رأى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم ربه ؟
أخرجَ أحمد بسندٍ صحيحٍ عن ابنِ عباسِ رضى اللهُ عنهما قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : " رأيتُ ربى عز و جل " .
أخرجَ الطبرانى بسندٍ صحيحٍ عن ابن عباس رضى اللهُ عنهما أنه كان يقول : أن محمداً صلى اللهُ عليه و سلم رأى ربه مرتين : مرة ببصرِهِ و مرة بفؤادِه " .
أخرجَ البيهقى فى " كتاب الرؤيا " بلفظ : " أتعجبونَ أن تكونَ الخِلَّة لإبراهيم , و الكلام لموسى , و الرؤيا لمحمدٍ صلى اللهُ عليه و سلم " .
فى هذه الرحلة المباركة , و فى لقاءِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم بالأنبياءِ أثنوا على ربِّهِم :
فقالَ إبراهيمُ عليه السلام : الحمدُ للهِ الذى اتخذنى خليلاً , وجعلنى أمة يؤتم بى , و أنقذنى من النار , و جعلها علىَّ برداً و سلاماً .
قالَ موسى عليه السلام : الحمدُ للهِ الذى كلَّمَنى تكليماً , و جعلَ هلاك فرعون و نجاة بنى إسرائيل على يدى , و جعلَ من أمتى قوماً يهدونَ بالحقِّ و به يعدلون .
قالَ داودُ عليه السلام : الحمدُ للهِ الذى علَّمنى الزبور , و ألانَ لى الحديد , و سخرَّ لى الجبال يُسبِّحنَ و الطير , و أعطانى الحكمة و فصل الخطاب .
قالَ سليمانُ عليه السلام : الحمدُ للهِ الذى سخَّرَ لى الرياح , و سخَّرَ لى الشياطين يعملون ما شئت من محاريبٍ و تماثيل و جفانٍ كالجواب , و قدورٍ راسيات , و علَّمَنى منطق الطير , و أتانى مُلكاً عظيماً لا ينبغى لأحدٍ من بعدى .
قالَ عيسى عليه السلام : الحمدُ للهِ الذى جعلنى كلمته , و جعلَ مَثَلى كمثَلِ آدم , و خلقه من ترابٍ ثم قالَ له كن فيكون , و علَّمَنى الكتاب و الحكمة و التوراة و الإنجيل , و جعلنى أخلقُ من الطينِ كهيئةِ الطير فأنفُخُ فيه فيكونُ طيراً بإذنِ الله , و جعلنى أُبرئُ الأكمهَ و الأبرصَ و أُحى الموتى بإذنِ الله , و أعاذنى و أمى من الشيطانِ الرجيم .
و قالَ محمدٌ صلى اللهُ عليه و سلم : الحمدُ للهِ الذى أرسلنى رحمةً للعالمين , بشيراً و نذيراً و و جعلَ أمتى أمةً وسطاً , و شرحَ لى صدرى , و وضعَ عنى وِزرى , و رفعَ لى ذكرى جعلنى خاتماً .
مَرَّ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فى رحلتِهِ على قومٍ يزرعون و يحصدون . فقالَ لجبريلُ عليه السلام : " ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون فى سبيلِ الله , تضاعفُ لهم الحسنة إلى سبعمائةِ ضِعف .
هل كانت معجزة الإسراء و المعراج يقظة بالروحِ و الجسدِ معاً ؟
كانت معجزةُ الإسراءِ و المعراجِ يقظة بالروحِ و الجسدِ معاً . فإن الثابتَ أن معجزةَ الإسراءِ و المعراجِ تمت فى مكة قبل الهجرة . و أما ما أُسيرَ حول كونِ الإسراءِ و المعراجِ رؤية منامية فذلكإدِّعاءٌ باطل إذ لو كانت المسألة مسألة رؤيا ليه سألت قريش سيدنا محمد صلى اللهُ عليه و سلم عن صفاتِ بيتِ المقدس و أبوابه و سواريه بقصدِ التحدِّى .
لماذا لم تكن المعجزة على مرأى من الناس ؟
شاءَ اللهُ الحكيمُ أن تحدثَ المعجزة ليلاً , و على غيرِ مرأى من الناس , و كان من اليسيرِ أن تحدثَ أمامهم , و لكن حكمته اقتضت أن تكونَ على غيرِ مرأى من الناسِ لعدةِ أسبابٍ منها :
أنها لو حدثت أمامهم لرموها بالسحر كإنشقاقِ القمر .
أن معجزةَ الإسراءِ و المعراجِ كانت لتكريمِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم .
الغاية من هذه الرحلة :
1 – { لنريه من آياتِنا إنه هو السميعُ البصير } الإسراء / 1 .
2 – شرف المسجدين , المسجد الحرام و المسجد الأقصى .
الدروس المستفادة :
1 – قدسية بيت المقدس و مكانته عند المولَى عز و جل .
2 – أهمية الصلاة , الفريضة التى فرضها المولَى عز و جل على عبادِهِ من فوقِ سبعِ سماوات .
قصيدة فى ذكرى الإسراء و المعراج للشاعرِ محمد خضر عرابى
سبحان مَن أسرَى بخيرِ ضِياءٍ أسرى بنورِ مُحمَّدِ الوَضَّاءِ
أسرى به فى ليلةٍ قُدسيةٍ عِطريةُ الأنسامِ و الأضواءِ
أسرَى به ليلاً ليشهدَ موكباً من أعظمِ الآياتِ و الأنباءِ
ركبَ البراقُ بإذنِهِ من مسجدٍ من مسجد الأقصى إلى الجوزاءِ
و هناك صلَّى بالنبيينَ صلَّى إماماً سيدُ الشفعاءِ
عرجت به الأقدار فى كنفِ الدُجَى للسدرةِ العظمى و للعلياءِ
فرأى لأصنافِ العذابِ عجائباً صوراً لكلِّ جريمةٍ نكراءِ
يتساءلون و كيف أُسْرِىَ يا تُرى ؟ بل كذبوه رموه بالخُيلاءِ
بل كيف يعرجُ ثم يرجعُ كيف ذا ؟ هذا يفوقُ مقالةُ الشعراءِ
يستنكرونَ من الرسولِ حديثِهِ يستهزءونَ كعادةِ السفهاءِ
أو ينكرون على الإلهِ صنيعِهِ ؟ حاشا له من نظرةٍ عمياءِ
إن الذى خلقَ الوجودِ لقادرٍ أن يذهبَ الدنيا بغيرِ عناءِ
فالكون فى كَفَّيهِ رهن إشارةٍ هل يستحيلُ عليه فى الإسراءِ ؟
ربَّاه قد ظهرَ الفسادُ فى عصرِنا و بدا يخيمُ فوق كلِّ رِداءِ
ربَّاه إنى قد دعوتُكَ منقذى ربَّاه إنى قد شكَوتُ بلائى
هى دمعةٌ ذرفتْ و على أَشْتُفِى من لوعتى و مرارتى و عنائى
هل نتركَ الصهيونَ يفعلُ ما يشا ؟ و نَتيه فى الكلماتِ و الآراءِ
هل نتركَ الصهيونَ يعبثُ فى الثَرَى ؟ و يعبثُ فى الدنيا بلا استحياءِ
هل نتركَ القدسَ السليبَ فريسةً للظالمين و نرعوى لوراءِ ؟
أبكى على وطنٍ تثاقلَ همُّه و غذا يضمدُ جرخُهُ برجاءِ
أبكى على قدسٍ سليبٍ ضائعٍ لعبتْ به الأعداءُ فى استهزاءِ
آه على جرحى و آه للذى يجرى على المرأَى بغيرِ حياءِ
هل تنفعُ الشكوى أنينٌ معذَّبٌ هل يشتفى جرخٌ بغيرِ دواءِ ؟
إن التَأوُّه لن يفيدْ قضيةً بل لن يفيدْ تَرَحُّمِى و بكائى
إن لم نَفِقْ من كَبوةٍ من نَومِنا إن لم نَعُدْ من فِرقةِ الأهواءِ
فلسوفَ يبقَى كلَّ شئٍ ضائعاً و لسوفَ تبقَى حالة البؤساءِ
و لسوفَ يبقَى حالُنا مُتَمَزِّقاً فى قبضةِ الأنواءِ و الأعداءِ

مروة برهان
داعية إلى الله & كاتبة

لا إيمان لِمَنْ لم يرضَ حُكم الرسول

قالَ تعالى { و ما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذنِ اللهِ و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوكَ فاستغفروا اللهَ و استغفرَ لهم الرسول لوجدوا اللهَ تواباً رحيماً * فلا و رِّبكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُونكَ فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا فى أَنْفُسِهِم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً }

{ و ما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذنِ الله } أى فُرِضَتْ طاعته على من أرسله إليهم .. و فى الآيةِ دليل على عصمةِ الأنبياءِ عن المعاصى و الذنوبِ لأنها دلَّتْ على وجوبِ طاعتهِم مطلقاً , فلو أتَوا بمصيبةٍ لوجبَ علينا الإقتداء بهم فى تلك المعصية . فتصيرُ تلك المعصيةُ واجبة علينا . و كونها معصية يوجبُ كونها محرمة علينا .

كما تُرشِدُ الآيةُ الكريمةُ العصاة و المذنبين إذا وقعَ منهم الخطأ و العصيان أن يأتوا إلى الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم و يسألوه أن يستغفِرَ لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تابُ اللهُ عليهم و رحمهم و غفرَ لهم و لذا قالَ سبحانه { لوجدوا اللهَ تواباً رحيماً } و قوله تعالى { و استغفرَ لهمُ الرسول } فيه إجلال للرسولِ صلواتُ اللهِ عليه و سلامه أكثر مما لو قالَ " و استغفرتَ لهم " .

لقائل أن يقول : أليس لو استغفروا اللهَ و تابوا لكانت توبتهم مقبولة . فما الفائدة فى ضَمِّ استغفارِ الرسولِ إلى استغفارِهِم ؟

أن ذلكَ التحاكمُ إلى الطاغوتِ كان مخالفةٌ لِحُكْمِ اللهِ و كان أيضاً إساءة إلى الرسولِ عليه الصلاةِ و السلام . و مَن كان ذنبه كذلك وجبَ عليه الإعتذار عن ذلك الذنبُ لغيرِه , فلهذا المعنى وجبَ عليهم أن يطلبوا من الرسولِ عليه السلامِ أن يستغفِرَ لهم .

و قوله تعالى { فلا و ربِّكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوكَ فيما شجرَ بينهم } هذا القولُ الكريمُ يدلُّ على مقدارِ منزلةِ الرسولِ عند ربِّهِ إذ يُقْسِمُ تعالى بنفسِهِ أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّمَ الرسول صلى اللهُ عليه و سلم فى جميعِ الأمورِ لأن حُكْمَهُ هو الحقُّ الذى يجبُ الإنقياد إليه ظاهراً و باطناً و لا ينبغى الخروج عليه و لا يترتب عليه أى حرج فى الحُكمِ به و صدقَ اللهُ إذ يقول { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيْتَ و يُسَلِّموا تسليماً } أى من غيرِ منازعة كما وردَ فى السُنةِ المطهرة " و الذى نفسى بيدِهِ لا يؤمن أحدكم حتى يكونَ هواه تَبَعاً لِما جئتَ به " .

إعلم أن قولَهُ تعالى { فلا و ربِّكَ لا يؤمنون } قسمٌ من اللهِ تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفةِ الإيمانِ إلا عند حصولِ شرائط ثلاثة هى : -

الأول : قوله جل ذكره { حتى يُحَكِّمُونكَ فيما شجرَ بينهم } هذا يدلُّ على أن من لم يرضَ بحُكمِ الرسولِ لا يكون مؤمناً .

الثانى : قوله تعالى { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيْت } أى لا تضيق صدورهم من أقضيتِك .

ينبغى أن يُعلمَ بأن الراضى بحُكمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم قد يكونُ راضياً به فى الظاهرِ دون القلبِ فبيَّنَ فى هذه الآية أنه لابد من حصول الرضا فى القلبِ بمعنى أن يحصلَ الجزم و اليقين فيه بأن الذى يحكُمُ به الرسول هو الحقُّ و الصدقُ و العدل .

الثالث : قوله تعالى { و يُسَلِّموا تسليماً } أى لابد من التسليمِ بهذا الحُكم كما حدثَ التصديق به فى القلبِ و لذا قالَ جل شأنه { ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضَيتَ و يُسلِّموا تسليماً } .

مروة برهان

داعية إلى الله & كاتبة

إدعاء الإيمان مع مخالفةِ الإدعاء

قالَ تعالى { ألم ترَ إلى الذين يزعُمون أنهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليك و ما أُنْزِلَ من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوتِ و قد أُمِروا أن يكفروا به و يريدُ الشيطانُ أن يُضِلَّهُم ضلالاً بعيداً * و إذا قيل لهم تعالَوا إلى ما أَنْزَلَ اللهُ و إلى الرسولِ رأيتَ المنافقينَ يصدون عنك صدوداً * فكيف إذا أصابتْهُم مصيبةٌ بما قدَّمَتْ أيدِيهِم ثم جاءوكَ يحلفون باللهِ إن أردنا إلا إحساناً و توفيقاً * أولئك الذين يعلمُ اللهُ ما فى قلوبِهِم فأَعْرِضْ عنهم و عِظهُم و قل لهم فى أَنْفُسِهِم قولاً بليغاً } .

ذكرَ العلماءُ فى أسبابِ نزولِ هذه الآيةُ أن رجلاً من المنافقين نازعَ رجلاً من اليهودِ فقالَ المنافق : بينى و بينك كعب بن الأشرف و يرجعُ السببُ فى ذلك إلى أن الرسولَ صلى اللهُ عليه و سلم كان يقضى بالحقِّ و لا يلتفت لشئٍ آخر سوى الحق . بينما كان كعبُ بن الأشرف شديدَ الرغبةِ فى الرشوة , و اليهودى يريدُ التحاكم إلى الرسول , و كان المنافقُ يريدُ كعب بن الأشرف , ثم أصرَّ اليهودىُّ على قولِه , فذهبا إليه صلى اللهُ عليه و سلم فحَكَمَ لليهودىِّ على المنافق , فقالَ المنافق : " لا أرضى انطلقْ بنا إلى أبى بكر فحَكَمَ أبو بكرُ رضى اللهُ عنه لليهودىِّ فلم يرضَ المنافقُ و قالَ المنافق : بينى و بينك عمر بن الخطاب . فصارَ إليه فأخبره اليهودىُّ بما كان من حُكمِ الرسولِ و أبى بكر و لكن المنافق لم يرض بحُكمِهِما . فقالَ عمر للمنافق : أهكذا ؟ فقالَ نعم . قالَ اصبرا إن لى حاجة أدخل فأقضيها و أخرج إليكما . فدخلَ فأخذَ سيفَهُ ثم خرجَ إليهما فضربَ به المنافق حتى ماتَ و هربَ اليهودىُّ فجاءَ أهلُ المنافقِ فشكوا عمر إلى النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم فسألَ عمر عن قصتِهِ فقالَ عمر : إنه رَدَّ حُكْمُك يا رسولَ الله , فجاءَ جبريلُ عليه السلام فى الحالِ و قال : إنه الفاروق فَرَّقَ بين الحقِّ و الباطل . فقالَ النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم لعمر " أنت الفاروق " و على هذا القول يكونُ المرادُ بالطاغوتِ فى الآيةِ هنا هو كعبُ بن الأشرف .

{ فلا و ربِّك لا يُحَكِّمونك فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا فى أنفُسِهِم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً } أنه نص فى تكفيرِ من لم يرضَ بحُكْمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه و سلم .

قالَ اللهُ تعالى فى ذَمِّ المنافقين { فكيف إذا أصابتْهُم مصيبةٌ بما قدَّمَتْ أيدِيهِم } أى فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك فى مصائبِ تَحِلُّ بينهم ثم جاؤك يحلفون باللهِ إن أردنا إلا الإحسان و التوفيق .

قوله تعالى { أولئك الذين يعلمُ اللهُ ما فى قلوبِهِم } أى أن اللهَ تعالى يعلمُ ما فى قلوبِ المنافقين و سيجزيهِم على ذلك فإنه لا يَخْفَى عليه خافية .

مروة برهان

داعية إلى الله & كاتبة

حرمة الصلاة بدون طهارة

قالَ تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاةَ و أنتم سكارَى حتى تعلموا ما تقولون و لا جُنُباً إلا عابرى سبيلٍ حتى تغتسِلوا و إن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاءَ أحَدٌ منكم من الغائطِ أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهِكُم و أيدِكُم إن اللهَ كان غفوراً رحيماً }

اختلفَ العلماءُ فى المرادِ من الصلاةِ فى قولِهِ تعالى { لا تقربوا الصلاة } فذهبَ أكثرُ المفسرين إلى أن المرادَ بها حقيقة الصلاة و هو مذهبُ أبى حنيفة . ذهبَ الشافعىُّ إلى أن المرادَ مواضع الصلاة و هى المساجد .

استدلَّ أبو حنيفة بقولِ اللهِ تعالى { حتى تعلموا ما تقولون } و ذلك يدلُّ على أن المرادَ لا تقربوا نفس الصلاة . استدلَّ الشافعىُّ بقولِ اللهِ تعالى { إلا عابرى سبيل } فإن الإستثناءَ كان المرادُ به النهى عن دخولِ الجُنُبِ للمسجدِ إلا فى حالةِ العبور . و قد فسَّرَ الحنفية " عابر السبيل " بأن المرادَ به المسافر .

رأى أبو حنيفة : أنه لا يكون فى الآيةِ نصٍّ على حُرمةِ دخولِ الجُنُبِ المسجد و إنما ثبتت الحرمة بالسُنةِ المطهرةِ كقولِهِ صلى اللهُ عليه و سلم " فإنى لا أحل المسجد لجُنُبٍ و لا حائض " .

رأى الشافعى : إن الآيةَ تكونُ نصاً فى حرمةِ دخولِ الجُنُبِ المسجدِ إلا فى حالةِ العبورِ فإنه يجوزُ له أن يعبرَ دون مكثٍ فيه .

الجُنُبُ يستوى فيه المذكر و المؤنث و المفرد و الجمع . أصل الجنابةِ الُبعد و يقالُ للذى يجبُ عليه الغسل من الجنابةِ جُنُبٌ لأن جنابَتَهُ تبعده عن الصلاةِ و عن دخولِ المسجدِ وعن قراءةِ القرآنِ حتى يغتسل .

التيمم فى اللغةِ القصد و فى الشرعِ مسح الوجهِ و اليدَينِ بالترابِ بقصدِ الطهارة .

اختُلِفَ فى سببِ نزولِ الآيةِ فقد قيلَ منها ما أخرجه أبو داود و الترمذىِّ عن علىِّ كرَّمَ اللهُ وجهه قالَ صنعَ لنا عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه طعاماً فدعانا و سقانا من الخمرِ فأخذت الخمر منا و حضرت الصلاة فقدِّمونى فقرأت : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و نحن نعبدُ ما تعبدون " فنزلت الآية .

رُوِىَ أن الصحابةَ كانوا مع النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم فى بعضِ أسفارِهِ و انقطعَ عقد لعائشةٍ رضى اللهُ عنها فأقامَ النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم على التماسِهِ و الناس معه و ليس معهم ماء فأغلظَ أبو بكرُ على عائشةٍ و قال : حبستِ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم و الناس و ليس معهم ماء ؟ فنزلتْ الآية فصلوا بالتيمم . يرحَمُكِ الله يا عائشة فوالله ما نزل بكِ أمر تكرهينه إلا جعلَ اللهُ لكِ و للمسلمين خيراً أو فَرَجاً .

وردَ النَهى عن قربانِ الصلاةِ حالة السُكر بقولِهِ سبحانه { و لا تقربوا الصلاةَ و أنتم سكارى } و النهى بهذه الصيغةِ أبلغ من قولِه " لا تصلوا و أنتم سكارى " فهو كقولِهِ تعالى { و لا تقربوا الزِنَى } و قوله سبحانه { و لا تقربوا مال اليتيمِ إلا بالتى هى أحسن } .

التدرج فى تحريمِ الخمرِ بهذا الأسلوب الحكيم الذى سلكَهُ القرآن الكريم برهان ساطع على عظمةِ الشريعةِ الإسلامية , فإن العربَ كانوا يشربون الخمر كما يشربُ أحدنا الماء , فلو حُرِّمَتْ عليهم دفعة واحدة لكانت عليهم مشقة , و قالت عائشة رضى اللهُ عنها : " لو نزلَ أول ما نزلَ لا تشربوا الخمرَ لقالوا : لا ندع الخمرة أبداً " .

التعليل بقولِهِ تعالى { حتى تعلموا ما تقولون } فيه إشارة إلى أن المصلى ينبغى عليه أن يكونَ خاشعاً فى صلاتِهِ يعرفُ ما يقول من تلاوةٍ و ذكرٍ و تسبيحٍ فقد حَرَّمَ سبحانه الصلاة على السكرانِ حتى يعودَ إلى رشدِه .

تعتبرُ الكنايةُ أدباً بليغاً من أساليبِ القرآنِ لإرشادِ الأمةِ إلى سلوكِهِ عند تخاطُبِهِم فقد كَنَّى عن الحديثِ بالمجئِ من الغائطِ و هو المكانُ المنخفضُ من الأرضِ يقصدُهُ الإنسانُ لقضاءِ حاجَتِه , و من آدابِ القرآنِ أنه استعملَ ملامسة النساءِ كناية عن مجامَعَتِهِن .  

ذكرت الآية الكريمة أن الأسبابَ المبيحة للتيمُّمِ أربعة هى المرضُ و السفرُ و المجئُ من الغائطِ و ملامسةِ النساء .

فالسفرُ يبيحُ التيمُّمَ عند عدمِ الماء , و المرض أيَّاً كان نوعه مبيح للتيمُّمِ عند عدمِ الماءِ و كذلك ملامسة النساءِ و المجئ من الغائطِ عند عدمِ الماءِ لقولِهِ تعالى { فلم تجدوا ماءً فتيمَّمُوا صعيداً طيِّباً } , و المريض الذى يخشَى على نفسِهِ الضرر يباحُ له التيمُّم لأنه مع وجودِ الماءِ قد لا يستطيع استعماله فيكونُ كالفاقدِ للماء ؛ فمثله كمثلِ من يجدَ ماء فى قعرِ بئرٍ يتعذر عليه الوصول إليه فهو عادمٌ للماءِ و يدلُّ عليه ما وردَ فى السُنةِ المطهرةِ من حديثِ جابرٍ رضى اللهُ عنه قال : خرجنا فى سفرٍ فأصابَ رجلاً منا حجر فشقَّهُ رأسه ثم احتلمَ فسألَ أصحابه فقال : هل تجدون لى رخصة فى التيمُّم ؟ فقالوا ما نجدْ لك رخصة و أنت تقدر على الماء . فاغتسلَ فماتَ فلما قدمنا على النبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم أخبرَ بذلك فقال : " قتلوه قتلهُمُ الله . ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العىِّ السؤال " .

اختلفَ العلماءُ فى المرادِ من الملامسةِ فى قولِهِ تعالى { أو لامستم النساء } على قولين : -

قالَ الشافعية : المراد به اللمس باليدِ مطلقاً .

قالَ الحنفية : المراد بالمَسِّ الجماع .

و يرى ابن جرير الطبرى : أن أَولَى القولين فى ذلك بالصوابِ قول الحنفية لقولِهِ تعالى { أو لامستم النساء } الجماع دون غيرِهِ من معانى اللمس .

النَهى عن تمنى ما عند الغير

قالَ تعالى { ولا تتمنَّوا ما فضَّلَ اللهُ به بعضكم على بعضٍ للرجالِ نصيبٌ مما اكتسبوا و للنساءِ نصيبٌ مما اكتسبن و اسألوا اللهَ من فضلِهِ إن اللهَ كان عليماً حكيماً }

فالمعنى لا تتمنَّوا ما أعطاه الله تعالى بعضكم من الأمورِ الدنيويةِ كالجاهِ و المالِ و غير ذلك مما يجرى فيه التنافس دونكم فإن ذلك قسمة من اللهِ تعالى صادرة عن تدبيرٍ لائقٍ بأحوالِ العبادِ فعلى كل أحدٍ من المفضَّلِ عليهِم أن يرضَى بما قسمَ اللهُ له و لا يتمنى حظ المفضل و لا يحسده عليه لأن ذلكَ يعارضُ حُكم القدر .

قوله تعالى { للرجالِ نصيبٌ مما اكتسبوا و للنساءِ نصيبٌ مما اكتسبن } تعليل للنَهى السابق فى الآيةِ و هو قولُهُ تعالى { و لا تتمنَّوا ما فضَّلَ اللهُ به بعضكم على بعض } أى لكلِّ فريقَى الرجال و النساء حظ مُقدَّر من نعيمِ الدنيا فى التجاراتِ و الزراعاتِ و غيرِ ذلك من المكاسبِ فلا يتمن أحد خلاف ما قسمَ اللهُ له . و اسألوا اللهَ ما شئتم من إحسانِهِ الزائد و إنعامه المتكاثر فإنه سبحانه يعطيكموه إن شاءَ و كيف شاءَ متى شاء .

{ إن اللهَ كان بكلِّ شئٍ عليماً } و لذلك جعلَ الناسَ على طبقاتٍ و رفعَ بعضهم على بعضٍ درجاتٍ بموجبِ المشيئةِ الربَّانيةِ والحِكَمِ الإلهيةِ القائمةِ على العدلِ الربَّانى .

مروة برهان
داعية إلى الإسلام & كاتبة
 

جزاء إتيان الفاحشة

قالَ تعالى { و اللاتى يأتين الفاحشة من نسائِكُم فاستشهدوا عليهن أربعة شهداء فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوتِ حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهنَّ سبيلاً * و اللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابت و أصلحا فأعرضوا عنهما إن اللهَ كان تواباً رحيماً }

الفاحشة أى الفعلة القبيحة .. اتفقَ أهلُ اللغةِ على أن المرادَ بها هنا الزنا . أطلقَ اللهُ سبحانه و تعالى على الزنا كلمة الفاحشة لزيادتِها فى القبحِ على كثيرٍ من القبائح .

هناك سؤالٌ يُسْأَل : لماذا أطلقَ اللهُ سبحانه و تعالى على الزنا كلمة الفاحشة و لم يَطْلُقْ على الكفرِ و قتلِ النفسِ كلمة الفاحشة بالرغمِ من أن الإثنين الآخرين أقبح من الزنا ؟

السبب فى ذلك أن القوى المدبرة لبدنِ الإنسانِ ثلاثة هى :

القوة الناطقة , القوة الغضبية و القوة الشهوانية .

فأما القوةُ الناطقةُ هى الكفرُ أما القوة الغضبية هى القتلُ و الغضبُ و أما القوة الشهوانية هى الزنا و اللواطُ و السحق .

و لاشك أن أخسَّ هذه القوى الثلاثةُ هى القوةُ الشهوانيةُ فلا جرم كان فسادها أخس و أحقر أنواع الفساد , فلهذا السببُ خَصَّ هذا العملُ بالفاحشةِ و اللهُ أعلم .

اختلفَ العلماءُ فى المرادِ بقولِهِ تعالى { و اللاتى يأتين الفاحشة من نسائِكُم } على قولين هما : -

الأول : المراد منه الزنا لأن المرأةَ إذا نُسِبَتْ إلى الزنا فلا سبيل لأحدٍ عليها إلا بأن يشهد أربعة رجال مسلمون على أنها ارتكبت الزنا , فإذا شهدوا عليها أمسكت فى بيتٍ محبوسةٍ إلى أن تموتَ أو يجعلَ اللهُ لهن سبيلاً .

الثانى : يرى أن المرادَ بقولِه { و اللاتى يأتين الفاحشة من نسائِكُم } الساحقات و حَدَّهُنَّ الحبس إلى الموت .

قوله تعالى { و اللاتى يأتين الفاحشة من نسائِكُم } مخصوص بالنساء .

و بقولِه { و اللذان يأتيانها منكم فآذوهما } ← فآذوهما : الإيذاء معناه التوبيخ  المراد منه أهل اللواط ؛ و حَدَّهُما الأذى بالقولِ و الفعلِ و المراد بالآيةِ المذكورةِ فى سورة النورِ عنده الزنا بين الرجلِ و المرأةِ و حَدَّهُ فى البكرِ الجلد و فى المُحصنِ الرجم , و احتجَّ بالآتى : -

قوله تعالى { و اللذان يأتيانها منكم } مخصوص بالرجال و قوله { و اللذان } تثنية الذكور .

على الوجهِ الذى ذكره الجمهور يكونُ قوله تعالى { و اللاتى يأتين الفاحشة } فى الزنا و قوله { و اللذان يأتيانها منكم } يكونُ أيضاً فى الزنا لقولِهِ صلى اللهُ عليه و سلم " إذا أتَى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان و إذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان .

مروة برهان
داعية إلى الإسلام & كاتبة

رعاية الإسلام أموال اليتامى

قالَ اللهُ تعالى { و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاحَ فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم و لا تأكلوها إسرافاً و بداراً أن يكبروا و من كان غنياً فليستعفف و من كان فقيراً فليأكل بالمعروفِ فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم و كفى باللهِ حسيباً }

الإبتلاء : الإختبار , و المراد ببلوغِ النكاحِ هنا الوصول إلى البلوغ .. آنستم : أصل الإيناس , النظر إلى ما يؤنس به فالمراد علم الرشد منهم .. الرشد : الإهتداء إلى وجوهِ الخير . و المراد به هنا الإهتداء إلى حفظِ الأموال .. إسرافاً : الإسراف مجاوزة الحد و الإفراط فى الشئ , و السرف التبذير .. بداراً : المراد أن يسارعَ فى أكلِ مالِ اليتيمِ خشيةً أن يكبرَ فيطالبه به .

فليستعفف : استعف عن الشئِ كف عنه و تركه , و هو أبلغٌ من " عف " كأنه طلب زيادة العفة . و جاءَ فى السنة " و من يستعفف يعفه الله " .. حسيباً أى محاسباً لأعمالِكُم .

نرى الحقُّ جلَّ فى عُلاه يأمرُ الأولياءَ بإختبارِ اليتامى , حتى إذا رأَوا منهم صلاحاً فى الدين , فعلى الأولياءِ أن يبادروا إلى دفعِ أموالِهِم إليهم من غيرِ تأخيرٍ أو تسويف .

متى يكونُ الإختبار ؟

اتفقَ الإمامانُ أبو حنيفة و الشافعى رحمهما الله على أن اختبار اليتامى المذكور فى الآيةِ يكونُ قبل البلوغ . و قالَ الإمامُ مالكُ رحمه الله : إن الإختبارَ يكونُ بعد البلوغ .

قالَ أبو حنيفة رحمه الله : إن تصرفاتَ الصبى العاقل المميز بإذنِ الولِّى تكونُ صحيحة لأن ذلك الإختبار إنما يحصلَ إذا أذّنّ له وليه فى البيعِ و الشراءِ مثلاً لأن قولَهُ تعالى { و ابتلوا اليتامى } أمر للأولياءِ بأن يأذنوا لهم فى البيعِ و الشراءِ قبلِ البلوغِ و ذلك يقتضى صحة التصرف .

وقالَ مالكُ رحمه الله : تصرفات غير البالغ غير صحيحة و غير نافذة لأن الإختبارَ فى حدِّ ذاتِهِ لا يقتضى الإذن بالتصرُّفِ و لا يتوقف عليه بل يكونُ الإختبارُ بدونِ التصرُّفِ على حسبِ ما يليقُ بحالِ الصبىِّ .

قالَ الشافعى : ليس المراد بقولِهِ تعالى { و ابتلوا اليتامى } الإذن لهم فى التصرُّفِ بدليلِ قولِهِ تعالى بعد ذلك { فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إلأيهم أموالهم } فإنما أمرَ بدفعِ المالِ إليهم بعد البلوغِ و إيناس الرشد . فإذا بلغَ و لم يكنْ راشداً فإنه لا يدفع إليه ماله عند الشافعى .

دلَّ قوله تعالى { و من كان غنياً فليستعفف و من كان فقيراً فليأكل بالمعروف } على أن للوصىِّ أن يأكلَ من مالِ اليتيمِ إذا كان فقيراً بمقدارِ الحاجةِ من غيرِ إسراف . و إذا كان غنياً وجبَ عليه أن يتعفَّفَ عن مالِ اليتيم , و يقنعُ بما رزقه الله من الغِنَى .

و قد اختلفَ العلماءُ فى جوازِ انتفاعِ الوصىِّ من مالِ اليتيمِ على أقوالٍ ثلاثة : -

القول الأول : يقضى بأن للوصىِّ أن يأخذَ من مالِ اليتيمِ بقدر ما يحتاج إليه بالآتى : -

( 1 ) قوله تعالى { و لا تأكلوها إسرافاً و بِداراً } بأن له أن يأكلَ بقدرِ الحاجة .

( 2 ) قولِ اللهِ سبحانه { و من كان غنياً فليستعفف } المراد منه نهيه عن الإنتفاعِ بمالِ اليتيم .

     قوله تعالى { و من كان فقيراً فليأكل بالمعروف } المراد أن ينتفعِ بمالِ اليتيمِ بمقدارِ الحاجة .

( 3 ) قول الحق جلَّ فى عُلاه { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً } يدلُّ على أن مالَ اليتيمِ قد يؤكلُ ظلماً و غير ظلم و لو لم يكنْ ذلك لم يكنْ لقولِهِ { ظلماً } فائدة و هذا يدلُّ على أن للوصىِّ أن يأكلَ من مالِهِ بالمعروف .

القول الثانى : للوصىِّ أن يأخذَ من مالِ اليتيمِ بقدرِ ما يحتاجُ إليه قرضاً ثم إذا أيسرَ قضاه . و إن ماتَ و لم يقدرْ على القضاءِ فلا شئ عليه .

القول الثالث : يرى أنه لا يصحُّ للوصىِّ أن يأخذَ من مالِ اليتيمِ شيئاً مطلقاً سواء كان الوصِىُّ غنيَّاً أو كان فقيراً للآتى : -

1 – قوله تعالى { و آتوا اليتامى أموالهم و لا تتبدَّلُوا الخبيث بالطيِّبِ و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالِكُم إنه كان حُوباً كبيراً } .

2 – قوله سبحانه { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلونَ فى بطونِهِم ناراً و سيصلَونَ سعيراً } .

3 – قوله جلَّ شأنه { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطِل } .

يرى الأستاذ الدكتور محمود عبد الله العكازى رئيس قسم الفقه المقارن أن القولَ الثالثَ الأخير هو الأرجحُ لأن قولَهُ تعالى { و آتوا اليتامى أموالهم } عام و الآية { { و ابتلوا اليتامى } من قبيلِ الخاصِ و الخاص مُقَدَّم على العامِ و أما قوله تعالى { إن الذين يأكلونَ أموال اليتامى ظلماً }لو  ثبتَ أن أكلَ الوصى من مالِ الصبىِّ كان على سبيلِ الظلمِ بأن كان الوصى غنيَّاً و لم يكنْ محتاجاً . 

اختلفَ العلماءُ فى الرُشدِ المراد من قولِهِ تعالى { فإن آنستم منهم رُشداً } على النحوِ التالى : -

( 1 ) قالَ الحَسَنُ و قِتادة : الرشد هو إصلاحُ فى العقلِ و الدين .

( 2 ) قالَ ابن عباس : هو صلاحٌ فى العقلِ و حفظِ المال .

( 3 ) قالَ مجاهد : الرشد هو العقل .

أكثر العلماء على أن الرشد لا يكون إلاَّ بعد البلوغ .

يرى المالكية : أن من بلغَ غير رشيد يُحجَرُ عليه و لا يُسَلَّمُ إلأيه ماله مهما شاخَ و هو قولُ أهل المدينة .

قالَ أبو حنيفة : لا يُحجَر على الحُرِّ البالغِ إذا بلغَ مبلغ الرجال حتى و لو كان أفسق الناس و أشدَّهُم تبذيراً إذا كان عاقلاً .

و قالَ الشافعى : إن كان مُفسِداً لمالِهِ و دِينِهِ أو كان مُفسِداً لمالِهِ دون دِينِهِ حُجِرَ عليه .

إذا سُلِّمَ المال إلى السفيهِ بوجودِ رُشدِهِ بعد اختبارِهِ ثم عادَ إلى السَّفَهِ بظهورِ تبذيرِهِ و قِلَّةِ تدبيرِهِ فما الحُكم ؟ .

قالَ المالكية : يعودُ الحِجر عليه مرة أخرى بدليلِ قولِهِ تعالى { فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع هو أن يملَّ فليُملِل وليُّهُ بالعدل } و لم يُفرِّقْ بين أن يكونَ محجوراً بادئ ذى بِدء , أو يطرأ عليه السَّفَه بعد الرُّشد .

و قالَ أبو حنيفة : لا يعود الحِجر عليه مرة أخرى لأنه بالغ عاقل .

اختلفَ العلماءُ فى مدلولِ الأمرِ الواردِ فى قولِهِ تعالى { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهِدُوا عليهم } على النحوِ التالى : -

أ – قالَ الجمهور : الأمر فيها للوجوبِ فتكونُ الشهادةُ على دفعِ الوصىِّ المال للصبىِّ و إعطائِهِ له واجبة و يترتَّبُ على ذلك أن الوصِىَّ إذا ادَّعَى بعد بلوغِ اليتيمِ أنه دفعَ إليه ماله فإنه لا يصدق حتى يُقِيمَ البيِّنة على قولِهِ فإذا لم يقُمْ البيِّنة على ذلك يكونُ القول فى ذلك لليتيمِ مع يمينِه . ليس معنى الوجوب هنا أنه يأثم إذا لم يشهدْ , بل المراد بأن الإشهادَ لابد منه لبراءةِ ذِمَّةِ الوصِىِّ من مالِ اليتيم .

و قالَ الحنفية : الأمر فى قولِهِ تعالى { فأشهِدُوا عليهم } للندبِ و ليس لوجوبِ الإشهاد . يؤكدُ هذا المعنى قوله تعالى { و كفى باللهِ حسيباً } لأن معناه لا شاهد أفضل من اللهِ تعالى فيما بينكم أيها الأوصياءُ و بين اليتامَى .

تُرشِدُ الآيةُ الكريمةُ إلى أمورٍ كثيرةٍ منها :

1 – وجوب الحِجر على السُّفهاءِ و عدم تسليمِ أموالِهِم إليهِم إلاَّ بعد أن نختبرهم و نتأكَّدُ من رُشدِهِم .

2 – يجبُ على الوصِىِّ أن يقومَ بسدِّ حاجةِ الأيتامِ من طعامٍ و شرابٍ و جميع ما يحتاجوا إليه شرعاً .

3 – ضرورة إختبار اليتامَى عند البلوغ .

4 – ضرورة الإشهاد عند تسليمِ الأيتامِ أموالِهِم خشيةَ الإنكار .

5 – مراقبة الله تعالى فى أموالِ اليتامَى و التأكد التام من أن اللهَ تعالى مُطَّلِع على تصرُّفاتِ الأوصياءِ و سيُحاسبهم على ذلك حساباً دقيقاً و أنه سيُجازِى كل إنسانٍ بعملِه { و إن تَكُ حسنةً يُضاعفها و يؤتِ من لدنه أجراً عظيماً } .

مروة برهان
داعية إلى الإسلام& كاتبة

( و للهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ من استطاعَ إليه سبيلاً )

الحج فى اللغةِ معناه القصد و الإتجاه نحو الشئ , تقول : حج فلان إلى مكانِ كذا , إذاً قصده .

أما الحج فى شريعةِ الإسلامِ معناه : قصد بيت اللهِ الحرام لأداءِ ركنٍ من أركانِ الإسلام , فى وقتٍ مخصوص , و بأقوالٍ و أفعالٍ مخصوصة , و بكيفيةٍ مخصوصة , تحدث عنها القرآن , و فصلها الرسول صلى الله عليه و سلم بقولِهِ و فعبِهِ و قال " خذوا عنى مناسككم " .

الحج ركن من أركانِ الإسلامِ الخمسة و فى الصحيحينِ عن ابن عمر رضى اللهُ عنهما أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم قال : " بُنِىَ الإسلامُ على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسولُ الله , و إقامِ الصلاة , و إيتاءِ الزكاة و صوم رمضان , و حج البيت لمن استطاعَ إليه سبيلاً " .

أجمعَ العلماءُ على أن الحج فرض عين , و على لزومِهِ على المستطيعِ و من جحدَ فرضية الحج أو أنكرها و استهزأ بها , كان بعيداً عن الإسلامِ و عن المسلمين .

فرضَ اللهُ تعالى الحجُّ على كل مسلم مستطيع لأدائِه , لحِكَمٍ سامية منها :

-          تقوية الإيمان فى القلوب , و زيادة التقوى فى النفوس لأن المسلمَ بأدائِهِ لشعائرِ فريضةِ الحج , من إحرام , و طواف حول الكعبة , و سعى بين الصفا و المروة , و تلبية بذكرِ اللهِ تعالى و وقوف على عرفات , كل ذلك يزيده رسوخاً فى إيمانِهِ , و حباً لدينِه , و حُسن صلة بخالِقِهِ عز و جل و امتالاً لِما أمرَ به رسوله محمد صلى اللهُ عليه و سلم .

-          التعارف بين المسلمين على اختلافِ أماكِنِهِم و ألسنتِهِم فى مكانٍ واحد , حيث يتجهون بالعبادةِ إلى ربٍ واحد , و إلى قبلةٍ واحدة , تجمعهم عقيدة واحدة هى شهادةُ أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسولُ الله .

-          تبادل المنافع فيما بينهم عن طريقِ التناصحِ الدينىِّ و الدنيوىِّ , و التعاون على البرِّ و التقوى لا على الإثمِ و العدوان , و الظهور بمظهرِ المساواةِ فى ملبسِهِم لا فرق فى ذلك بين غنىِّ و فقير , و حاكم و محكوم , و قوىِّ و ضعيف .

هذه المعانى تغرسُ فى النفوسِ السلوك الحميد و الفهم السليم لأحكامِ الدينِ و لرسالةِ المسلمِ فى هذه الحياة .

هناك شروط وجوب الحج و شروط صحته .. فأما المقصود بشروطِ الوجوب : تلك الشروطُ التى متى توفرت فى إنسانٍ وجبَ عليه أن يؤدى فريضة الحج و أما المقصود بشروطِ الصحة : تلك الأٌقوالُ أو الأفقعالُ أو الأزمنةُ أو الأمكنةُ التى لا تصح العبادة إلا بتحققها و قد تجتمعُ شروط الوجوب و الصحة فى الشئِ الواحد .

فمن شروطِ الوجوبِ و الصحةِ معاً بالنسبةِ للحج : الإسلام , إذ لا يجب الحج على غيرِ المسلمِ و لا يصح إلا من المسلم لأن المسلمَ وحده هو المخاطبُ بأحكامِ شريعةِ الإسلام .

و من شروطِ الوجوبِ و الصحةِ للحج : العقل لأن المجنونَ لا تكليف عليه إلا بعد الشفاء ففى الحديثِ الشريفِ يقولُ النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم " رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة : عن النائمِ حتى يستيقظ , و عن الصبىِّ حتى يبلغ , و عن المجنونِ حتى يعقل " .

و من شروطِ الوجوبِ بالبنسبةِ للحج : القدرة على أداءِ هذه الفريضة , و هذه القدرةُ هى التى عبرَّ عنها القرآن الكريم بالإستطاعةِ فى قولِهِ تعالى ( و للهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ من استطاعَ إليه سبيلاً ) آل عمران / 97 .

الإستطاعة تتحقَّقُ متى كان المسلمُ قادراً بدنياً و مالياً على أداءِ فريضةِ الحجِّ بأن يكون عنده القدرة الصحية على أداءِ شعائرِ الحجِّ فإن عجزَ عن أداءِ أعمالِ الحجِّ لمرضِهِ و كانت عنده القدرة المالية , وجبَ عليه أن يرسلَ غيره ليؤدى عنه الحج و هذا رأىُ جمهورُ الفقهاءِ لأن صحةَ البدنِ عندهم ليست شرطاً للوجوبِ و إنما هى شرطٌ للزومِ أن يؤدى المسلمُ الحجَّ نفسه و استدلُّوا على ذلك بأن النبى صلى اللهُ عليه و سلم قد فسَّرَ الإستطتاعةَ بالزادِ و الراحلة أى بأن يكون الشخص مالكاً للمالِ الفائضِ عن حوائجِهِ الأصليةِ و عن حوائجِ من يعولَه , و الذى يُغنيه عن سؤالِ الناسِ خلال سفرِهِ لأداءِ فريضةِ الحجِّ إلى حينِ عودتِه .

و هذا ما تطمئن إليه النفس لأن المسلمَ إذا كان صحيحُ البدن و عنده القدرة المالية لأداءِ فريضةِ الحجِّ فإنه لا يصح له أن يُنيبَ غيره لأداءِ هذه الفريضةِ عنه لأن الحجَّ فرضُ عينٌ على القادرِ على أدائِهِ و لأنه عبادةٌ و لم يَرِدْ فى شريعةِ الإسلامِ ما يدل على جوازِ الإنابةِ فى الحجِّ للقادرِ على أدائِهِ بدنياً و مالياً .

و أما شروط الصحة بالنسبةِ للحجِّ فمن أهمها : أن يؤدىَ المسلمُ فريضةَ الحجِّ فى الزمنِ المحدَّدِ لها , فلو أدَّاها فى غيرِ الزمنِ المحدَّدِ لها كانت غير صحيحة .

و يضافُ إلى الشروطِ السابقةِ للحجِّ بالنسبةِ للنساءِ أن يكونَ مع المرأةِ مَحرم عند أدائِها للحجِّ أو العمرة .

يرى المالكيةُ و الشافعيةُ أنه يجوز للمرأةِ أن تؤدىَ فريضة الحج دون مَحرم , متى كانت تسافرُ مع رفقةٍ مأمونةٍ كالنسوةِ الثقات , منذ سفرِها إلى عودتِها ففى الصحيحين عن ابن عباس رضى اللهُ عنهما أنه سَمِعَ النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم يخطبُ و يقول : " لا يخلون رجل و امرأة إلا و معها ذو مَحرم , و لا تسافرُ المرأةُ إلا مع ذى مَحرم . فقالَ رجلٌ يا رسولَ الله : إن امرأتى خرجت للحجِّ و أنا اكتتبت فى غزوةٍ كذا و كذا ؟ فقالَ له النبىُّ صلى اللهُ عليه و سلم : انطلق فحُج مع امرأتِك " .

هذا , و ليس للزوجِ أن يمنعَ زوجته من أداءِ الحجِّ المفروضِ عليها مادامت بصحبةِ مَحرم , أو مع نسوةٍ يوثق بهن لأن الحجَّ ركنٌ من أركانِ الإسلامِ فإذا لم يأذنْ لها فلها أن تخرجَ دون استئذانِه , لكن له أن يمنعها من حجِّ النفل .

يرى الشافعيةُ أنه ليس للمرأةِ أن تحُجَّ فرضاً أو نفلاً إلا بإذنِ زوجِها .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

قضاء العروض بالأمثال

عن أنس رضى اللهُ عنه أن النبىَّ صلى اللهُ عليه و سلم كان عند بعضِ نسائهِ فأرسلتْ إحدى أمهاتِ المؤمنينَ مع خادمٍ بقصعةٍ فيها طعامٌ فضربتْ بيدِها فكسرتْ القصعةَ فصمَّها و جعلَ فيها الطعامَ و قال : " كلوا " و حَبَسَ الرسولَ و القصعةَ حتى فرغوا فدفعَ القصعةَ الصحيحةَ و حَبَسَ المكسورة " .

حادثة فى بيتِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم , بطلتها إحدى زوجاتِه , تُبرزُ هذه الحادثةُ طبيعة المرأة و غيرتها , كما تُبرزُ حكمة الزوج و تقديره للموقفِ و تطييبِهِ النفوس , هذه عائشةُ تزهو على بقيةِ زوجاتِهِ صلى اللهُ عليه و سلم بأنها الوحيدةَ التى تزوجها بكراً , يعز عليها و هذه حالتُها أن يكونَ الرسولُ صلى اللهُ عليهو سلم مع أصحابِهِ فى بيتِها و فى يومِها تعد لهم طعاماً فتسبقها ضرتها إحدى زوجاتِهِ صلى اللهُ عليه و سلم بإرسالِ طعامٍ قد يكونُ أجود مما تصنع عائشة , فثارت ثورتها , و تقدمت إلى الخادمِ فخطفت القصعة من يدِه , ففلقتها بحجرٍ كان فى يدِها , ثم ألقت بها على الأرض , و رأى الرسولُ الكريمُ الدهشةَ على وجوهِ أصحابِه , فأخذَ فى ضمِّ أجزاء القصعة التى انكسرت , و أخذَ يجمعُ الطعامَ الذى انتثرَعلى الخوان – كان حصيراً من خوصٍ يُفرشُ ليوضعُ عليه الطعام و قد استُبْدِلَ به عند العربِ هذه الأيامُ المشمع – و هو يقول " غارت أمكم عائشة غارت أمكم عائشة " ثم استبقَى الخادمَ حتى أكلَ القوم , فأمرَ بإحضارِ قصعةِ عائشةِ السليمة , و دفعها للخادم , و هو يقول : قصعة بقصعة . و بهذا الحُلمِ النبوىِّ الكريم , و بهذه الحِكمةِ الرشيدةِ طابت نفس صاحبة القصعة المكسورة , و اعتذرت الكاسرة , و عادَ الصفاء و الهدوء و الوئام . فصلِّى اللهمَّ و سلِّم عليه و على آلِهِ و أصحابِهِ و زوجاتِهِ أمهاتِ المؤمنين .

" مع خادم " يُطلثُ على الذكرِ و الأنثى , ولم يأت اسمه فى أىٍّ من الروايات .. " بقصعة " هى واحدة القصاع , و هى إناءُ يُشبعُ العشرة .. " فضربت بيدِها " الضمير لبعضِ نسائِه .. " فضمَّها " أى ضمَّ الرسولُ صلى اللهُ عليه و سلم القصعةَ التى انكسرت .. " و حَبَسَ الرسول " أى أوقفَ الخادمَ الذى هو رسولُ إحدى أمهاتِ المؤمنين .

وردَ فى بعضِ الرواياتِ أن التى أرسلت هى زينبُ بنت جحش , و فى بعضِها : أنها صفية , و فى بعضِها : أنها أم سلمة و فى بعضِها : أنها حفصة و الكل متفقٌ على أن الإرسالَ كان إلى بيتِ عائشة , و رواية زينب بنت جحش أرجح الروايات كما قالَ ابن حجر , و أما نوع الطعام فهو المتخذُ من التمرِ و اللبنِ و السمن . و قد يضافُ إليه الدقيق أو الفتيت , و يؤخذُ من مجموعِ الرواياتِ أن عائشةَ تعمَّدَتْ كسر القصعة غيرة من مرسلتِها , و قد وردَ عن عائشةٍ قالت : " ما رأيتْ صانعاً طعاماً مثل صفية . صنعت لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم طعاماً فبعثتْ به فأخذتنى رعدة فكسرت الإناء " .

و ظاهر الحديث أن الرسولَ صلى اللهُ عليه و سلم لم يعاتبْ عائشةَ على صُنعِها هذا إما لأنها بادراءَ فاعتذرت كما جاءَ فى بعضِ الروايات " فقلت يا رسولَ الله : ما كفارة ما صنعت ؟  قال : " إناء مثل إناء " و إما لأنه قد عذرها فى حالةِ غيرتِها كما جاءَ فى بعضِ الرواياتِ أنه صلى اللهُ عليه و سلم أخذَ يجمعُ الطعامَ و يقولُ لأصحابِه : " غارت أُمُّكُم . غارت أُمُّكُم "يُكرِّرُ هذه العبارة , و إما لأنه فهمَ أن التى أرسلت الطعام كانت تقصدُ إساءة عائشة و المظاهرة عليها بإرسالِ الطعامِ إلى بيتِها و فى يومِها .

بقيت مسألة رد قصعة مكان قصعة , و به احتجَّ من يقضِىَ فى العروضِ بالأمثال , و هو المشهورُ عن مذهبِ أبى حنيفةِ و الشافعىِّ و رواية عن مالك , فيقولون : إن من استهلكَ عروضاً فعليه مثل ما استهلك , و لا يقضى بالقيمةِ فى العروضِ عن الحديثِ بجوابين .

أولهما : أن القصعتينَ كانتا للنبىِّ صلى اللهُ عليه و سلم فى بيتِ زوجتيه , فنقلَ من ملكهِ إلى ملكِه , لا على وجهِ الغرامةِ و الحُكمِ على الخصم , بل على سبيلِ تطييبِ قلبِ مرسلتِها .

ثانيهما : أن أخذَ القصعة السليمة من بيتِ الكاسرةِ كان عقوبة , و العقوبة بالأموالِ مشروعة . و فى الحديثِ حُسن خُلُقِهِ صلى اللهُ عليه و سلم و إنصافِهِ و حُلمِه .

و صلى اللهُ و سلم و بارك على سيدِنا محمد و على آلِهِ و صحبِهِ و سلِّم .

ستر الله على عبادِهِ ذنوبهم فى الموقِف

عن ابن عمر رضى اللهُ عنهما قال : سمعتَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم يقول : " إن اللهَ يُدنِى المؤمنَ فيضعُ عليه كَنَفَهُ و يسترُهُ فيقول : أتعرفُ ذنبَ كذا أتعرفُ ذنبَ كذا ؟ فيقول : نعم أى ربِّ حتى إذا قرَّرَهُ بذنوبِهِ و رأى فى نفسِهِ أنه هلكَ قال : سترتُها عليك فى الدنيا و أنا أغفِرُها لكَ اليومَ فيُعطَى كتابَ حسناتِهِ و أما الكافرُ و المنافقُ فيقولُ الأشهاد : { هؤلاءِ الذين كَذَبوا على ربِّهِم ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين } .

بينما كان ابن عمر يمشى إذ عرضَ له رجل فقالَ له : ماذا سمعت من رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فى النجوى بين العبدِ و ربِّهِ يوم القيامة ؟ فقالَ ابن عمر سمعتَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم يقول : يُحدِّثُ عنهما ابن عمر عن رسولِ  اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فأما الأول : فإن اللهَ يُقَرِّبُ العبد المؤمن و يسترُهُ عن أهلِ الموقفِ و يسُرُّ إليه :  أتذكرُ ذنب كذا الذى فعلته يوم كذا فى مكانِ كذا ؟ فيرتجفُ المؤمن , و يقول : نعم يا رب أذكر , فيقولُ اللهُ تعالى : ألا تذكر ذنب كذا ؟ فيزدادُ خوفه و ينخلعُ قلبه و هو يقول : نعم يا رب أذكر , و هكذا يُعَدِّدُ اللهُ لعبدِهِ المؤمن الذنوب , و يَقِرُّ العبدُ بها فى اضطراب , و تمضى عليه فترة رهيبة و يعتقدُ فيها أنه سيعذَّبُ بذنوبِهِ لا محالة , و أنه هالك بما اقترفت يداه , و إذا البشرى من الغفورِ الرحيمِ تُناديه : عبدى سترتُها عليك فى الدنيا و أغفِرُها عليك اليوم , أعطوه يا ملائكتى كتاب حسناته , و امضوا به إلى الجنة .

و أما الموقفُ الثانى فموقفُ الكافرُ و المنافق , يؤخذُ بناصيتِهِ و يُقادُ إلى ربِّهِ كما يُقادُ الحيوانَ فى ساحةِ الذبح , و أهل الموقف ينظرون إليك , حتى يصلَ إلى ساحةِ العدلِ و القضاء , و يقفُ بين يدَى الله خاسئاً و هو حسير . فيسأله ربه ألم أنعم عليك ؟ ألم أرسل إليك رسولاً ؟ أما استحييت منى فبارزتنى بالقبيحِ ؟ ! ألم تأكل خيرى وتعبد غيرى ؟ ! ألم تفعل كذا يوم كذا ؟ ! فينظرُ عن يمينِهِ فلا يجد إلا النار , فينظرُ عن شمالِهِ فلا يجد إلا النار و قد أحاطت به ملائكةٌ غلاظٌ شِداد , و يقالُ لأركانِه : انطقى , فتنطقُ بذنوبِهِ و آثامِه , و إذا الحُكمُ من العادلِ الجبَّارِ يصدرُ إلى الملائكة { خُذُوهُ فغُلُّوه * ثم الجحيمَ صلُّوه * ثم فى سِلسَلةٍ ذَرعُها سَبعُونَ ذِراعاً فاسْلُكُوه  } و يقولُ الأشهاد { { هؤلاءِ الذين كَذَبوا على ربِّهِم ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين } .

" و يستره " أى يحجبُهُ عن أهلِ الموقفِ بحيثُ لا يرونه أو بحيثُ لا يسمعون ما يجرى بينه و بينه .

" و رأى فى نفسِهِ أنه قد هلك " بمعنى علمَ أنه استحقَّ الهلاك بسببِ ما ارتكبَ من الذنوب .

" فيقولُ الأشهاد " الأشهاد جمع شاهد مثل ناصر و أنصار و صاحب و أصحاب , و يجوزُ أن يكونَ جمع شهيد بمعنى شاهد , و المراد من الأشهادِ الرسل أو الملائكة أو أمة محمد صلى اللهُ عليه و سلم يشهدون على الناس .

" ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين " : " ألا " حرف استفتاح , و اللعن و الطرد و الإبعاد , و المراد بالظلمِ هنا الكفر و النفاق , و ليس كل ظلم يدخلُ فى معنى الآية و يستحقُّ اللعنة , و هى من كلامِ الأشهادِ أو من كلامِ اللهِ تعالى .

" سترتها عليك فى الدنيا " كناية عن عدمِ المؤاخذة و فى هذا الموقف إبراز فضل الله و رحمته بالمؤمنين حيث ستره فى الدنيا و عفا عنه فى الآخرة .

يتبيَّنُ من هذا الحديث أن قولَهُ تعالى { ثم لتُسْأَلُنَّ يومَئذٍ عن النعيم } أن السؤالَ عن النعيمِ الحلالِ إنما هو سؤال تقرير و توقيف على نِعَمِ اللهِ التى أنعمَ بها فهو لا سؤال حساب و انتقام لأن السؤالَ عن الذنوبِ كان للتقريرِ بدليلِ قولِه " و أنا أغفِرُها لكَ اليوم " و إذا كان كذلك فسؤال العباد عن النعيمِ الحلالِ أَولَى أن يكونَ للتقرير .

يؤخذُ من الحديث :

1 – فضلُ الله على عبادِهِ المؤمنين فى الدنيا و الآخرة .

2 – عدلُ اللهِ فى حُكْمِهِ على الكافرين .

3 – فيه حُجَّةٌ لأهلِ السُّنَةِ فى قولِهِم بأن أهل الذنوب من المؤمنين لا يكفرون بالمعاصى .

مروة برهان
داعية إلى الإسلام & كاتبة

اﻹسراء بالحبيب صلى الله عليه و سلم و العروج به ٳلى الملكوت الأعلى

متى كان اﻹسراء و المعراج ؟

ٳنه فى السنة العاشرة من سَنة البعثة النبوية , كان مكافأة ربانية على ما لاقاه الحبيب صلى الله عليه و سلم من الآمٍ و أحزانٍ و ما لاقاه من جوعٍ و حرمان , و فَقْد خديجة أم المؤمنين و فَقْد ناصره الحميم .

بعد هذه الآلام , كافأ الحبيب حبيبه و رفعه ٳليه .

و كيف كان اﻹسراء ؟

لقد كان اﻹسراء  من بيت أم هانئ حيث أُُخْرج الحبيب منه ٳلى المسجد الحرام ٳلى ما بين الحجر و الحطيم حيث أجريت له عملية شق الصدر فأُخْرج القلب و غُسِلَ بماء زمزم ثم أُعيدَ القلب كما كان . ثم أتى بدابة و هى " البُراقْ " فركبه ٳلى بيت المقدس فربطه فى حلقة باب المسجد و دخل المسجد فصلى فيه ثم وضع له معراج ممتد ما بين السماء الدنيا فاستفتح جبريل فسئل عمن معه ؟ , فأخبر أنه محمد صلى الله عليه و سلم و قد أذن له ففتح لهما و هكذا سماءٌ بعد سماء حتى انتهيا ٳلى السماء السابعة فلقيا فى الأولى : آدم عليه السلام و فى الثانية يَحْىَ و عيسى عليهما السلام – و هما ابنا الخالة – و فى الثالثة يوسف عليه السلام و فى الرابعة ٳدريس عليه السلام و فى الخامسة هارون عليه السلام و فى السادسة موسى عليه السلام و فى السابعة ٳبراهيم عليه السلام .

و كان صلى الله عليه و سلم يلقَى فى كل سماءٍ من الترحيب ما تَقِرْ به عينه و ينشرح له صدره ثم رفعت له سدرة المنتهى و ٳذا ورقها كآذان الفيلة و غشيها عند ذلك أمور عظيمة و ألوانٌ متعددة باهرة و ركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجرة و غشيها من نور الرب ما غشيها و رأى صلى الله عليه و سلم فى هذا المكان جبريل عليه السلام و له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء و الأرض و هذا ما دل عليه قوله تعالى من سورة النجم ( و لقد رآهُ نزلةً أخرى ٭ عند سدرةِ المنتهَى ٭ عندها جنةُ المأوَى ٭ ٳذ يَغْشَى السدرة ما يَغْشَى ٭ ما زاغَ البصرُ و ما طغَى ) كما رُفِعَ له البيت المعمور فاذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَكْ . ثم أتى باناءٍ من خمرٍ و ٳناءٍ من لبنٍ و ٳناءٍ من عسلٍ فأخذ اللبن فقيل له : هى الفطرة التى أنت عليها و أمتَك .

و فُرِضَ عليه و على أمته الصلوات الخمس و لما رجع عائداً مر بموسى عليه السلام فسأله فأخبره , فطلب ٳليه أن يعود ٳلى ربه يسأله التخفيف لأن موسى جرب بنى ٳسرائيل و لم يجد لهم عزماً فخشِىَ أن يحصل لأمة محمد ما حصل لأمته فعاد الحبيب صلى الله عليه و سلم ٳلى حبيبه جل جلاله و عَظِمَ سلطانه يسأله التخفيف ٳذ فرضها أولاً خمسين صلاة فما زال يراجعه سائلاً التخفيف حتى كانت خمساً بدل الخمسين .. أما بيان هذه الصلوات الخمس من حيث الوقت و الكيفية , فقد نزل جبريل بعد ذلك و صلى بالرسول و المؤمنين عند الكعبة يوماً و ليلةً فعلمهم الكيفية و الوقت المطلوب لأداء الصلوات الخمس .

و نزل الحبيب صلى الله عليه و سلم بصحبة جبريل عليه السلام ٳلى بيت المقدس فنزلت الأنبياء يشيعون الحبيب صلى الله عليه و سلم فصلى بهم صلاة الصبح فى المسجد الأقصى و ركب الُبراقْ حيث تركه مربوطاً بحلقة الباب و عاد ٳلى مكة فى صبيحة تلك الليلة و قد ذهب عنه صلى الله عليه و سلم كل كَربٍ و غَمٍ و حَزَنٍ .

كيف قابلت قريش هذا النبأ العظيم ؟

ٳنه صلى الله عليه و سلم عاد ٳلى المسجد  الحرام و جلس فيه حتى مر به أبو جهل فسأله قائلاً : " هل استفدت الليلة شيئاً ؟ " فأجاب المصطفى : " نعم . أُسْرِىَ بى الليلة ٳلى بيت المقدس " قال أبو جهل : " ثم أصبحت بين ظهرانينا " قال النبى صلى الله عليه و سلم : " نعم " فقال أبو جهل : " أخبر قومك بذلك " فقال النبى صلى الله عليه و سلم : " يا معشر بنى كعب بن لؤى , هلُموا فأقبلوا " فحدثهم النبى صلى الله عليه و سلم فمنْ مُصدق و مشى رجالٌ من المشركين المستهزئين ٳلى أبى بكر الصديق و قالوا له : " ٳن صاحبك يزعم أنه أُسْرِىَ به  ٳلى بيت المقدس ,  فقال الصديق : " ٳن كان قال هذا فقد صدق ! ٳنى لأُصَدقهُ فيما هو أبعد من ذلك , أُصَدقهُ فى خبر السماء يأتيه فى غدوة أو روحة " فلُقب أبو بكر الصديق من يومئذ .. و اجتمع رجال من قريش و أرادوا امتحان النبى صلى الله عليه و سلم فقالوا له : " انعت لنا المسجد الأقصى , فأخذ ينعته لهم , فالتبس عليه فجئ له بالمسجد ينظر ٳليه و ينعته لهم و قالوا : " ٳن هذا ٳلا سحرٌ مبين " و أنزل الله تعالى مصداق ذلك فاتحة سورة " اﻹسراء " . اﻹسراء و المعراج كانا بالروح و الجسد معاً .

ٳن آيات النبوة المحمدية أكثر من أن تعد أو تحصى :

1 – آية انشقاق القمر , فانشق القمر فِرقتين , ٳذ قال عز من قائل فى فاتحة سورة " القمر " : ( اقتربت الساعةُ و انشق القمر ٭ و ٳن يَرَوا آيةً يعرضوا و يقولوا سحرٌ مستمر ٭ و كذبوا و اتبعوا أهوائهم و كل أمرٍ مستقر ) .

2 – دعاء النبى صلى الله عليه و سلم على أهل مكة بالقحط فقد قال صلى الله عليه و سلم : " اللهم أعِنى عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف " فأصابتهم ستة حتى أكلوا الميتة و الجلود و العظام و جاء أبو سفيان و معه رجالٌ من مكة و قالوا : " يا محمد ! ٳنك تزعم أنك بُعِثْتَ رحمةً و ٳن قومك قد هلكوا . فادع الله لهم " فدعا صلى الله عليه و سلم و سقوا الغيث و قد كان بلغ بهم الجوع حتى ٳن أحدهم كان يرى ما بينه و بين السماء كهيئة الدخان من الجوع ( فارَتقِبْ يوم تأتى السماءُ بدخانٍ مبين ٭ يَغْشَى الناسَ هذا عذابٌ أليم ) .

3 – اشتد الصراع بين فارس و الروم ( الم ٭ غُلِبَتِ الروم ٭ فى أدنى الأرض و هم من بعد غَلَبِهِمْ سيغلبون ٭ فى بضع سنين لله الأمرُ من قبلُ و من بعدُ و يومئذٍ يفرحُ المؤمنون ٭ بنصر اللهِ ينصرُ من يشاء و هو العزيز ُالرحيم ) فأخبر تعالى بأن فارس قد غَلَبتِ الروم فى خلال بضع سنين و البضع من الثلاث ٳلى التسع و لم يمض البضع من السنين حتى غَلَبتِ الروم فارس و كان ذلك يوم بدر حيث فرح المؤمنون بنصر الله لهم على المشركين و نصر الله الروم النصرانية على فارس الوثنية .. فكان هذا آيةٌ من أظهر الآيات دلالة على صدق ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه و سلم من الهُدَى و دين الحق .

الدروس المستفادة :

1 – المعجزات ليست ضرورية لحصول اﻹيمان .

2 – تقرير حادثة اﻹسراء و المعراج و ثبوتِها بالكتاب و السُنة و اﻹجماع .

3 – سبب تلقيب أبى بكر بالصِديق .

4 – بيان أن دعوة النبى صلى الله عليه و سلم لا تُرَدْ .

5 – بيان أن أهل الكتاب من يهود و نصارى أقرب ٳلى المسلمين من المشركين .

 

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

قضاء المظالم يوم القيامة

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " إذا خلصَ المؤمنون مِن النارِ حُبِسوا بقنطرةٍ بين الجنةِ و النارِ فيتقاصون مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى إذا نُقوا و هُذبوا أُذِنَ لهم بدخولِ الجنةِ فوالذى نفس محمدٌ بيدِهِ لأحدهم بمسكنِهِ فى الجنةِ أدلَ بمنزلِهِ كان فى الدنيا " .

عدالة و قضاء و إرضاء فى قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم إذا نجا أصحاب التبعات مِن السقوطِ فى النارِ و اجتازوا الصراط , أوقفتهم الملائكة على جسرٍ بين الجنةِ و النارِ ليقتص المظلوم مِن الظالمِ و ليقتطع مِن حسناتِهِ بقدرِ مظلمتِهِ أو يعفو عنه لأن أحداً لا يدخل الجنة و عليه تبعة لأحدٍ فإذا صفوا ما كان بينهم و تخلصوا مما كان عليهم و نزعَ ما فى صدورِهِم مِن غِل , أُذِنَ لهم بدخولِ الجنةِ التى عرفهم الله مساكنهم فيها فيقال لهم : تفرقوا إلى منازلكم فيقصدُ كلٌ منهم منزله فهو أعرفُ به مِن أهلِ الجمعةِ إذا تفرقوا بعد الصلاةِ إلى مساكِنِهِم فى الدنيا .

" إذا خَلَصَ المؤمنون " أى نجوا مِن النارِ بعبورِهِم الصراط .. " حُبِسوا بقنطرة " القنطرة هى كلُ شئٍ يُنصبُ على عينٍ أو وادٍ أى منعتهم ملائكة فى القنطرةِ مِن دخولِ الجنة .. " بين الجنةِ و النار " أى قنطرة كائنة بين الجنةِ و النار .. " فيتقاصون " يعنى يتبع بعضهم بعضاً فيما وقعَ بينهم مِن المظالمِ التى كانت بينهم فى الدنيا و فى رواية " فيتقاضون " .. " مظالم " جمع مظلمة و هى اسم لِما أُخِذَ بغيرِ حق .. " و هّذبوا " أى خلصوا بالآثامِ بالمقاصة .. " أُذِنَ لهم " مبنى للمجهول أى أَذِنَ اللهُ لهم أو أَذِنَتْ الملائكةُ لهم بأمرِ الله .. " فوالذى نفس محمدٌ بيدِه " النفس تُطلقْ على معانٍ و المراد بها هنا الروح أو الذات مع الروح .. " لأحدهم بمسكنِهِ فى الجنةِ أدلَ بمسكنِهِ كان فى الدنيا " أصل التركيب لأحدِهِم أدل – أى أعلَم – بمسكنِهِ فى الجنةِ مِن مسكنِهِ الذى كان فى الدنيا .. " و فى الجنة " أى بمسكنِهِ الكائن فى الجنةِ و التقدير مِن مسكنِهِ الذى كان فى الدنيا .

المقاصة لا تكون إلا مِن اثنينِ فكان لكلِ واحدٍ منهما على أخيه مظلمة و لا يرجع أحد منهم إلى النار . هناك أقوامٌ مِن المؤمنين لا يحبسون بل إذا خرجوا بثوا على أنهارِ الجنةِ و هناك أقوامٌ مِن المؤمنين يلتقطهم عنق مِن النار . أما هذه القنطرةُ فيُحتملُ أن تكونَ طرفاً مِن الصراطِ مِن جهةِ الجنةِ كالجزءِ الواقعِ على اليابسِ مِن القنطرةِ المقامةِ على النيل , و قيل : هى قنطرةٌ مستقلةٌ غير متصلة بالصراطِ و هو الظاهرُ و هذا على خلافِ المشهورِ مِن أن فى القيامةِ جسراً واحداً هو الصراطُ لا جسرين و فى حقيقةِ المقاصةِ خلاف , و قيل : إنها بالحسناتِ فمَن كانت مظلمته أكثر مِن مظلمةِ أخيه أُخِذَ مِن حسناتِه , فيدخلون الجنة و يقتطعون فيها المنازل على قدرِ ما بَقِىَ لكلِ واحدٍ منهم مِن الحسنات , و قيل : إنها بالقصاصِ فيقال للمظلوم : إن شئت أن تنتصفَ و إن شئت أن تعفو , قيل معنى " يتقاصون " أن يلقِىَ اللهُ عز و جل فى قلوبِهِم العفو لبعضِهِم عن بعضٍ ليدخلوا الجنةَ و ليس فى قلبِ أحدٍ غِلٍ مِن أحدٍ و الظاهر أن هذه المقاصةُ مِن المظاهرِ المتعلقةِ بالأبدانِ و الأموالِ معاً و إنما يكون الواحد مِن المؤمنين أعلَم بمسكَنِهِ فى الدنيا لأن مسكَنَهُ مِن الجنةِ سيُعرض عليه فى القبرِ بالغَداةِ و العَشِى .

جاءَ فى حديثِ عبد اللهِ بن سلام " إن الملائكةَ تدلهم على طريقِ الجنة " المراد أن الملائكةَ تقولُ لهم ذلك قبل دخولِ الجنةِ فمَن دخلَ كانت نعرفته بمنزِلِهِ فيها كمعرفته بمنزِلِهِ فى الدنيا و الأَولَى أن تكونَ دلالة الملائكة بعد دخولِ الجنةِ مبالغة فى التكريم .

يستفاد مِن الحديث :

1 – حض المؤمن على التخلصِ مِن المظالمِ و التبعاتِ فى الدنيا لينجو مِن مِثلِ هذا الموقف .

2 – أن المؤمنينَ فى الآخرةِ على درجاتٍ متعددة .

3 – أن الجنةَ لا يدخلها إلا طاهر نقِى .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

فى كل كبد رطبة أجر

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " بَيْنا رجلٌ يمشى فاشتدَ عليه العطش فنزلَ بئراً فشربَ منها ثم خرجَ فإذا هو بكلبٍ يلهثُ يأكلُ الثرى مِن العطشِ فقالَ لقد بلغَ هذا مثل الذى بلغَ بى فملأ خفه فمسكه بفيه ثم رَقِىَ فسقىَ الكلبَ فشكرَ اللهُ له فغفرَ له " قالوا يا رسولَ اللهِ و إن لنا فى البهائمِ أجراً ؟ قال : " فى كل كبدِ رطبةٍ أجر " .

يحثُ الرسولُ صلى الله عليه و سلم على الإحسانِ إلى الحيواناتِ و يشيرُ إلى سعةِ فضلِ اللهِ و إنه قد يغفر الذنب الكبير يعملُ الخيرَ اليسر فيقول : كان رجلٌ يمشى بصحراءِ بطريقِ مكةٍ فعطشَ عطشاً شديداً فوجدَ بئراً فنزلَ فشربَ ثم خرجَ فلقى كلباً يلهثُ و قد ضاقت أنفاسه مِن شدةِ العطشِ فأشفقَ الرجلُ على هذا الكلب و قالَ فى نفسِه : إن هذا الكلب يعانى ما عانيت مِن الجهدِ و المشقةِ و الظمأِ فنزعَ خفه و نزلَ البئرَ فملأه ماء ثم أمسكه بفمِهِ فوضعَ الخفَ على الكلبِ و جعلَ يغرفُ له بخفِهِ حتى أواه و انصرفَ فغفرَ اللهُ له و أدخله الجنة بسبب إحسانِهِ إلى هذا الحيوان , قالَ السامعون مِن الصحابةِ – و قد عجبوا لهذا الأجر العظيم – كان لنا فى سقى بهائمنا أجراً يا رسول الله ؟ قال : نعم لكم أجر فى سقى كل حيوان حى .

" ثم خرجَ فإذا هو بكلبٍ يلهث " أى خرجَ مِن البئر .. " يأكلُ الثرَى " الثرَى هو التراب .. " قالوا " أى الصحابة .. " بَيْنا رجلٌ يمشى " فيجوزُ أن يكونَ ماشياً فى أطرافِ المدينةِ و على فرضِ كونِهِ مسافراً فيحتملُ أنه كان معه رفقة فانقطعَ عنهم فى الفلاةِ لضرورةٍ فجرَى له ما جرَى و قد خصصَ بعض العلماءِ قولِه " فى كل كبد رطبة أجر " خصصه بالحيوانِ الذى لا ضرر فيه و قالوا : كان الرجلُ مِن بنى إسرائيلٍ .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – الحث على الإحسانِ إلى الناسِ لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقى كلب فسقَى بنى آدم أعظم أجراً .

2 – أن سقى الماءِ مِن أعظمِ القرباتِ , قالَ بعض التابعين : مَن كَثُرَتْ ذنوبه فعليه بسقى الماء .

3 – احتجَ به بعضهم على جوازِ صدقةِ التطوعِ على المشركين .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

مولد الرسول .. الرضاع

ٳن أول مرضع تشرفت برضاعه صلى الله عليه و سلم والدته الشريفة الطيبة آمنة بنت وهب الزهرية التى رأت من آيات النبوة ما رأت ثم ثوبية ولاة أبى لهب التى أرضعت عمه حمزة فكان أخاً للنبى من الرضاعة ثم أرضعته حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية من بنى سعد بن بكر و رضع مع ابنتها الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى و قد رأت فى ٳرضاعه صلى الله عليه و سلم آيات فلنتركها رضى الله عنها تحدثنا بنفسها عما شاهدت من آيات نبوته صلى الله عليه و سلم . ٳنها قالت : خرجت من بلدى مع زوجى و ابن صغير لنا نرضعه فى نسوة من بنى سعد نلتمس الرضعاء و ذلك فى سَنة شهباء لم تبق لنا شيئاً . خرجنا على أتان أى حمارة لنا قمراء و معنا شارف لنا , والله ما تبض بقطرة و ما ننام ليلنا و يبكى صبينا من الجوع ٳذ ما فى ثديى ما يغنيه و لكنا كنا نرجو الغيث و الفرج . خرجنا نلتمس الرضعاء فى مكة فما منا امرأة ٳلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه ٳذا قيل لها ٳنه يتيم و ذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبى الصبى فما بقيت امرأة قدمت معى ٳلا أخذت رضيعاً غيرى . فلما أجمعنا العودة ٳلى بلدنا , قلت لزوجى : والله ٳنى لأكره أن أرجع و لم آخذ رضيعاً , والله لأذهبن ٳلى ذلك اليتيم فآخذه . فقال لى : لا عليك أن تفعلى عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . فذهبت ٳليه فأخذته و ما حملنى على ذلك ٳلا أننى لم أجد غيره . فلما رجعت به ٳلى رحلى و وضعته فى حجرى : أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن فشرب حتى روى و شرب معه أخوه حتى روى ثم نام ! . قام زوجى ٳلى شارفنا تلك فاذا هى حافل أى اجتمع فيه اللبن فحلب منها ما شرب و شربت معه حتى انتهينا رَيَّاً و شَبَعاًَ فبتنا بخير ليلة . فلما أصبحنا , قال لى زوجى : تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة . قلت: والله ٳنى لأرجو ذلك . ثم خرجنا و ركبت أتانى " حمارى " و حملته عليها معى فوالله لقطعن بالركب أى ما يقدر عليها شئ من حمرهم حتى ٳن صواحبى قلن لى : يا ابنة أبى ذؤيب , ويحك اربعى - اﻹبل سرحت فى المرعى و أكلت و شربت كيف شاءت - علينا , أليست هذه أتانك " حمارك " التى كنت خرجت عليها ؟ فقلت لهن : بلى والله ٳنها لهى هى . فقلن : والله ٳن لها شأنا . ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد و ما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها فكانت غنمى تروح شباعاً فنحلب و نشرب و ما يحلب ٳنسان قطرة لبن و لا يجدها فى ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب . فتروح أغنامهم جياعاً ما نبض قطرة لبن و تروح غنمى شباعاً لبناً فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و الخير حتى مضت سنتاه أى سنتا رضاعه و فصلته و كان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً خفراً - غليظاً شديداً - فقدمنا به على أمه و نحن أحرص شئ على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته . فكلمنا أمه و قلت لها : لو تركت بنىَّ عندى حتى يغلظ فانى أخشى عليه وباء مكة . فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به . بعد مقدمنا بأشهر و ٳنه لفى بُهْم - صغار الغنم - لنا مع أخيه خلف بيوتنا ٳذ أتانا أخوه يشتد فقال لى و لأبيه : ذاك أخى القرشىِّ قد أحذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه . قالت : فخرجت أنا و أبوه نحوه فوجدناه قائماً متغيراً وجهه فالتزمته و التزمه أبوه . فقلنا له : مالك يا بنى ؟ قال : جاء لى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى و شقا بطنى . فالتمسا فيه شيئاً لا أدرى ما هو . فرجعنا به ٳلى خبائنا و قال لى أبوه : يا حليمة , لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب , فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك كله . فاحتملناه فقدمنا به على أمه , فقالت : ما أقدمك به يا ظئر – العاطفة على ولد غيرها المرضعة له – و قد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك ؟ فقلت لها : قد بلغ الند يا بنى و قضيت الذى علىّ و تخوفت الأحداث عليه فأديته ٳليك كما تحبين . قالت : ما هذا شأنك , فأصدقينى خبرك , فلم تدعنى حتى أخبرتها . قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم . قالت : كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل و ٳن لبنىّ لشأناً , أفلا أخبرك به ؟ قلت : بلى . قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج منى نور أضاء لى قصور بصرى من أرض الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف علىّ و لا أيسر منه و وقع حين ولدته و ٳنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه ٳلى السماء , دعيه عنك و انطلقى راشدة " .
هكذا , كان استرضاعه صلى الله عليه و سلم فى بادية بنى سعد , شأنه شأن أبناء سادات قريش , يرضعون أولادهم فى البوادى ليصحوا أجساماً و لقد قال صلى الله عليه و سلم معتزاً بشرف أصله و استرضاعه فى البادية : " أنا أعربكم . أنا قريشىّ و استرضعت فى بنى سعد بن بكر " .
فقد كان من أبرز مظاهر ٳكرام الله له أن حليمة السعدية تشرفت بارضاعه و ليس فى ذلك من غرابة فقد علمتنا شريعتنا اﻹسلامية أن نستسقى عند انحباس المطر ببركة الصالحين من الناس و من أهل بيت محمد صلى الله عليه و سلم ليستجيب دعواتنا , فكيف ٳذا تشرف المكان برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو طفل رضيع قد استكان ٳلى حجر حليمة و التقم ثديها .
الدروس المستفادة :
1 – بيان عدد مرضعاته صلى الله عليه و سلم و أنهن ثلاث : آمنة و ثويبة مولاة عمه أبى لهب و حليمة السعدية رضى الله عنها .
2 – بيان مدة رضاعه و أنها كانت حولين كاملين و هى المدة التى قررها اﻹسلام .
3 – بيان ما نال حليمة السعدية و أسرتها من خير و بركة .
4 - بيان أيات نبوته التى رأتها آمنة والدته يوم حملها و يوم وضعها .
5 – شكر الله سبحانه و تعالى على ما أَولَى العبد من خير و فضل .
مروة برهان
داعية الى الاسلام & كاتبة
البادية
رجعت حليمة برضيعها مسرورة و رجع رضيعها كذلك مسروراً بعودته ٳلى البادية فانطلق مع حليمة ٳلى البادية .. فكان يخرج مع الأطفال ٳلى المراعى حيث ترعى الأغنام و أخته " الشيماء " تحتضنه و تراعيه فتحمله أحياناًًًًًً ٳذا اشتد الحر فيدرج وراء الخراف و قدماه الصغيرتان تغوصان فى الرمال الكثيفة حتى تدركه أخته الشيماء فتأخذه بين ذراعيها و تضمه ٳلى صدرها .. و هناك يجلسون جميعاً يعملون أكواماً من الرمال أو يقومون بتمثيل بعض مظاهر الحياة البادية و سذاجة بريئة فلايزالون كذلك حتى يحسوا ألم الجوع . فسرعان يحملون الطعام ثم يلتهمون الطعام ٳلهاما فاذا ما انتهوا من ذلك استسلموا للنوم حتى يوقظهم مس الشمس .
عند طلوع الشمس , يهبون سراعا يتفقدون أغنامهم حتى اذا امتدت الظلال و يبسط الليل رداءه على البادية و يجتمع ما تفرق من شمل القوم حول الطعام .. فاذا ما انتهى العشاء , تجمع الأطفال يلعبون ألعابهم فى ضوء النجوم . حليمة كانت من دون النساء فى هذه البادية شديدة العناية لوليدها و الخوف عليه , تخشى عليه الحر و البرد , كانت تحبه حباً شديداً و كانت ترى من بركته ما يزيدها تعلقاً به و حرصاً عليه .. أفزعها الحر ذات يوم , فخرجت تطلبه فى وقت الظهيرة فوجدته مع أخته الشيماء فجعلت تلوم ابنتها و تقول فى ألم و غيظ : فى هذا الحر يا شيماء ! . فقالت أخته : لا تجزعى يا أمى , فوالله ما وجد أخى حراً . لقد وجدت غمامة تظله حيثما ذهب ٳذا وقف وقفت و ٳذا سار سارت .. لقد ظل محمد يحفظ لها الجميل , فما نَسِىَ يوماَ أنها أرضعته من ثدييها و غذته بلبنها بل لم ينسى أن يحفظ لها هذا الجميل لقبيلتها بنى سعد بن بكر بن هوازن و كان له منهم ٳخوة و أخوات و آباء و أمهات و أهل و عشيرة .
حضرت حليمة للحبيب صلى الله عليه و سلم ذات يوم و هو يَتَّجِر فى مال خديجة فشكت ٳليه حالها فكلم لها خديجة فمنحتها بعيراً و أربعين شاة .. استأذنت عليه حليمة مرة و هو رسول الله , فلما دخلت عليه قام لها و هو يقول : " أمى ! أمى ! " ثم بسط لها رداءه و أجلسها عليه ثم جعل يلاطفها و هو يبتسم لأمه ثم سألها عن حاجتها فقضى لها ما أرادت .
لما انتصر صلى الله عليه و سلم على المشركين فى غزوة حنين , أتى ٳليه وفد من قبيلة " هوازن " يرجون أن يرد ٳليهم أموالهم و أولادهم و نساءهم و كان فيهم عمه فاستشفعوا به ٳليه و يقول : " يا رسول الله , قد حضناك فى حجورنا و أرضعناك بثدينا . لقد رأيتك مرضعاً فما رأيت مرضعاً خيراً منك و رأيتك فطيماً فما رأيت فطيماً خيراً منك ثم رأيتك شاباً فما رأيت شاباً خيراً منك و نحن مع ذلك أصلك و عشيرتك فامنن علينا , منَّّ الله عليك .. ! " .
كان النبى قد جعل ينتظر قدومهم عليه حتى يئس من قدومهم و لكنه مع ذلك لم يشأ ان يردهم خائبين لأنهم أسلفوا ٳليه الجميل فى صغره . فقال لهم : " ما كان لى و لبنى عبد المطلب فهو لكم .. فاذا صليت بالناس الظهر فقولوا : " نستشفع برسول الله ٳلى المسلمين و نستشفع بالمسلمين ٳلى رسول الله " .. فلما صلى الظهر بالناس , رد عليهم ما كان له و لبنى عبد المطلب و جعل يُرَغِّبِ الناس حتى رَدُّوا عليه نساءهم و أبنائهم
.
ضرب النبى بذلك أروع الأمثال فى حفظ الجميل لمن أََولَى بالجميل .
الدروس المستفادة :
1 – عناية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم و حفظه له من كل ما يسئ ٳلى مقامه الرفيع .
2 – مكانة حليمة السعدية عند رسول الله صلى الله عليه و سلم .

مولد الرسول

وُلِدَ سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم بشِعَبْ بنى هاشم بمكة فى صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول أو فى ليلة اﻹثنين الثانى عشر منه و هو الذى عليه أكثر المؤرخين عام حادثة الفيل و لأربعين سنة خلت من ملك كِسْرَى أنوشران و يوافق ذك عشرين أو اثنين و عشرين من شهر ٳبريل سنة 571 م . روى بن سعد أن أم رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : " لما ولدته , خرج من فرجى نور أضاءت له قصور الشام " و قد روى أنه سقط أربع عشرة شرفة من ٳيوان كسرى و خمدت النار التى يعبدها المجوس و انهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة . لما ولدته أمه , أرسلت ٳلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده فجاء مستبشراً و دخل به الكعبة و دعا الله و شكر له و اختار له اسم " محمد " و هذا اﻹسم لم يكن معروفاً عند العرب . فلما كان اليوم السابع و هو يوم العقيقة عند العرب , ذبح عنه جذوراً و أطعم المساكين و الفقراء و دعا رجالاً من قريش فحضروا و طعموا و تمنوا للطفل رفعة الشأن و بركة العمر فلما أكلوا قالوا : " يا عبد المطلب , أرأيت ابنك هذا الذى أكرمتنا على وجهه , ما سميته ؟ قال : سميته " محمداً " . قالوا : فما رغبت به عن أسماء أهل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله فى السماء و أن يحمده خلقه فى الأرض " . ٳن أمه آمنة لم تجد أثناء حملها به صلى الله عليه و سلم ما تجده الحوامل من الوهن فكان هذا آية . ٳن آمنة لما حملت به صلى الله عليه و سلم أتاها آت : " ٳنك حملت بسيد هذه الأمة فاذا وُضِعَ فى الأرض فقولى : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد فاذا سميته " محمداً " فان اسمه فى التوراة " أحمد " يحمده أهل السماء و أهل الأرض " . ٳنه وُلِدَ مسروراً أى مقطوع السُرة على خلاف المواليد المتصلة سرارهم بأمهاتهم . ٳنه وُلِدَ صلى الله عليه و سلم مختوناً أى مقطوع غلفة الذكر فلم يختن كما يختن المواليد . و لهذا , أعجب به جده عبد المطلب و قال : " سيكون لابنى هذا شأنٌ عظيم " و حظى عنده بأكرم منزلة . انكسار البرمة التى وضعت عليه بعد ولادته ٳذ وجدت منكسرة على شقين و لم يبت تحتها صلى الله عليه و سلم فكانت آية نبوته صلى الله عليه و سلم . امتلاء البيت الذى ولد به نوراً و رؤية النجوم و هى تدنو منه حتى لتكاد تقع عليه صلى الله عليه و سلم . رأت هذا أمه و هو حقٌ لا باطل و صدق لا كذب فهذه آيات واكبت ميلاده صلى الله عليه و سلم ٳعلاناً عن نبوته و بعلو شأنه . وُلِدَ صلى الله عليه و سلم بدار المولد المعروفة بدار محمد بن يوسف أخى الحجاج بن يوسف و هى الآن مكتبة عامة و كان ذلك عام الفيل أى بعد غزوة أبرهة الأشرم و هزيمته بقرابة خمسين يوماً أو بخمسة و خمسين يوماً على الأكثر فى شهر الله المحرم قبل مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم أى فى أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة 571 م فكانت تلك الهزيمة آية أخرى لمحمد صلى الله عليه و سلم لأنها تدل على صدق نبوته و صحة رسالته و عظيم شأنه فى العالمين . وُلِدَ بعد وفاة والده عبد الله بكذا شهر ٳذ تركه حملاً فى بطن أمه .

كان أبرهة الأشرم النائب العام عن النجاشى على اليمن حينذاك .. لما رأى العرب يحجون ٳلى الكعبة , بنى كنيسة كبيرة بصنعاء " القُلَّيس " و أخذ يدعو الناس للحج ٳليها بدلا من الكعبة فى مكة المكرمة لتتحول تجارة العرب ٳلى اليمن .. فسمع رجل من بنى كنانة فدخل الكنيسة و لطخ قبلتها .. فلما علم أبرهة بذلك , ثار غيظه و سار بجيش عدته ستون ألف جندى ٳلى الكعبة ليهدمها و اختار لنفسه فيلاً من أكبر الفيلة و كان فى الجيش تسعة فيلة أو ثلاثة عشر فيلاً و كلما اعترضته قبيلة من القبائل العربية لتصده قاتلها و هزمها ثم دارت مفاوضات طالب فيها عبد المطلب بابله و قال : " ٳن للبيت رباً يحميه " ثم وقف بباب الكعبة المشرفة و أخذ يدعو ربه .. كلما وجه أبرهة الفيل ناحية الكعبة بَرَكْ ثم أرسل الله عز و جل طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجِّيل فجعلتهم كعصفٍ مأكول .. فهلك رجال جيش أبرهة و أما أبرهة فأرسل الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله و لم يصل ٳلى صنعاء ٳلا و هو مثل الفرخ و قد أنزل الله عز و جل سورة الفيل متضمنة هذه الحادثة : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ٭ ألم يجعل كيدهم فى تضليل ٭ و أرسل عليهم طيراً أبابيل ٭ ترميهم بحجارةٍ من سجِّيل ٭ فجعلهم كعصفٍ مأكول ) سورة الفيل / 1 – 5 .

الحبيب صلى الله عليه و سلم له اسم آخر و هو " أحمد " أى لم يحمد أحد ربه مثل رسول الله صلى الله عليه و سلم , فكل حامد رسول الله أحمد منه و هذا هو اسمه فى اﻹنجيل . فقد روى أنه عند الشفاعة يسجد و يحمد الله بمحامد يلهم بها و هو حامل لواء الحمد يوم القيامة و ينطق لسانه بالحمد بعد الطعام و الشراب و ارتداء الثياب و عند اليقظة من النوم و عند العودة من السفر .

اﻹسم بالكامل : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن فِهر بن غالب . روى سلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ٳن الله اصطفى كنانة من ولد ٳسماعيل و اصطفى قريشاً من كنانة و اصطفى هاشماً من قريش و اصطفانى من بنى هاشم " . روى الترمذى أنه صلى الله عليه و سلم قام على المنبر فقال : " من أنا ؟ فقالوا : " أنت رسول الله عليك السلام . فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . ٳن الله خلق الخلق ثم جعلهم فرقتين فجعلنى فى خيرهم فرقة ثم جعلهم قبائل فجعلنى فى خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتاً فجعلنى فى خيرهم بيتاً و خيرهم نفساً " .

الدروس المستفادة :

1 – ٳن أمه آمنة لم تجد أثناء حملها به صلى الله عليه و سلم ما تجده الحوامل من الوهن .

2 – ٳنه وُلِدَ صلى الله عليه و سلم مسروراً و مختوناً . 

خير الطعام ما كان مِن عملِ اليد

لما فرغ مِن بيانِ العباداتِ المقصود منها التحصيل الأخروى شُرِعَ فى بيانِ المعاملاتِ المقصود منها التحصيل الدنيوى .. البيوع جمع بيع و يُطلق أيضاً على الشراء , يقال : باعه الشئ و باعه منه و ابتاع الشئ اشتراه و شرى الشئ باعه فقد قالَ تعالى : { و شروه بثمنٍ بخس } .

عنِ المقدامِ رضى الله عنه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " ما أكلَ أحدٌ طعاماً قط مِن أن يأكلَ مِن عملِ يده و إن نبى اللهِ داود عليه السلام كان يأكلُ مِن عملِ يدِه " .

يُرَغِبُ الرسولُ صلى الله عليه و سلم فى السعى و العملِ و الأكلِ مِن طريقٍ حلالٍ و هو طريقُ عمل اليد , طريق الكفاحِ مِن عملٍ مباحٍ و لكن هذه الدعوةُ الإسلاميةُ السااميةُ لم تلقْ عند المسلمين فى عصرِنا آذاناً صاغيةً فضَعُفَ إنتاجهم فى الدنيا و كَثُرَ فيهم التسول مع صحةِ الجسمِ و وجاهةِ المنظر فوق النصبِ و النشلِ و الاحتيالو تقدم غيرهم و أنتجوا و عملوا بهذه الحكمةِ بل جعلوا فى دستورِهِم " مَن لمْ يعملْ لمْ يأكلْ " و بهذا سادَ المشركون و رموا الإسلامَ بأنه دين التواكل و الضعف و الذل و التأخر .

وجه الخيرية فى قولِهِ صلى الله عليه و سلم " خيراً مِن أن يأكلَ مِن عملِ يدِه " السلامة مِن البطالةِ و العففِ فى أيدى الناسِ و البعدِ عن ذلِ السؤالِ و روى النسائى " إن أطيبَ ما أكلَ الرجلُ مِن كسبِه " و يؤخذُ مِن مجموعِ الرواياتِ أن الخيريةَ مِن ناحيةِ اللذةِ بالفرقِ فى الطعمِ بين لقمةِ الكسبِ و لقمةِ السحتِ إنما هو مِن ضعفِ الإدراكِ و قلةِ الذوقِ و انعدامِ الإحساسِ و قد ضربَ الرسولُ صلى الله عليه و سلم مثلاً لمرهفى الشعورِ بنى الله داود عليه السلام و اختاره مِن بينِ الأنبياءِ مع أن نوحاً كان نجاراً و دريس كان خياطاً و موسى كان راعياً , اختاره لأن اقتصاره فى أكلِهِ على ما يعمل بيدِهِ لم يكنْ لاحتياجِهِ لأنه كان خليفة اللهِ فى أرضِهِ و مع ذلك اختارَ الأكلُ مِن الطريقِ الأفضلِ و هو عملُ يده و فى عملِ داود عظمةٌ أخرى و هى أنه كان يسعملُ الدروع مِن الحديدِ و يبيعها و يأكلُ مِن ثمنِها .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام& كاتبة

صوم عاشوراء

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قَدِمَ النبى صلى الله عليه و سلم المدينة فرأى االيهودُ تصومُ يوم عاشوراء فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : هذا يومٌ صالحٌ نجَى اللهُ بنى إسرائيل مِن عدوِهِم فصامه موسى قال : " فأنا أحق بموسى منكم فصامه و أمرَ بصيامِه " .

كانت قريش تعظم يوم عاشوراء و كانت تصوم هذا اليومُ و كان النبى صلى الله عليه و سلم يصومه شكراً للهِ على نجاةِ نوحٍ و موسى و إغراقِ الكافرين فيه , فلما قَدِمَ المدينةَ و جاء يوم عاشوراء وجدَ اليهودَ صياماً فسألهم عن سرِ صيامِهِم , قالوا : هذا يومٌ صامه موسى شكراً للهِ على نجاتِهِ و نجاة بنى إسرائيل مِن عدوِهِم و نحن نصومه تعظيماً له فقالَ لهم الرسول صلى الله عليه و سلم أنا أحق منكم بموسى , ثم قالَ لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموا , فلما فُرِضَ صيام رمضان كان مَن شاءَ صام هذا اليومُ و مَن شاء أفطر , و فى فضلِ صومِهِ قالَ صلى الله عليه و سلم " صيام يوم عاشوراء إنى أحتسب على اللهِ أن يكفرَ السنة التى قبله " .

" فصامه و أمرَ بصيامِه " أى ثبتَ على صيامِهِ له و داومَ على ما كان عليه و أمرَ المسلمين بصيامِه .

تتلخص نقاط الحديث فيما يلى :

أولاً : دواعى اليهود لصيامِ هذا اليومُ و تعظيمهم له فقد رُوِىَ أنهم كانوا يتخذونه عيداً و سر هذا التعظيمُ بقولِهِم : هذا يومٌ صالح , هذا يومٌ نجىَ اللهُ فيه بنى إسرائيل مِن فرعونٍ بإغراقِهِ فى اليم , و قيل فى فضلِ هذا اليومُ , إن سفينةَ نوحٍ استوت فيه على الجودى فصامه نوح شكراً للهِ و إن يونسَ نجىَ فيه مِن بطنِ الحوتِ و تابَ اللهُ فيه على آدمٍ و أَخرجَ اللهُ فيه يوسفَ مِن الجُبِ و وُلِدَ فيه عيسى و فيه رُفِعْ و رُدَ إلى يعقوبِ فيه بصره .

ثانياً : ثبتَ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم كان يصومه قبل الهجرةِ و كان صيامه له إما عنِ اجتهادٍ أو أَذِنَ اللهُ بصيامِهِ على أنه فعل خير أو صامه استناداً إلى شرعِ إبراهيم عليه السلام , أما أمر أصحابه بصيامِهِ بعد أن سَمِعَ ما قالَهُ اليهود فلمْ يكنْ تصديقاً لقولِهِم بل لكونِهِ كان يصومه أو لعل الوحى نزلَ على وِفقِ قولِهِم .

ثالثاً : أحقيته صلى الله عليه و سلم بموسى منهم إنما هى باعتبارِ الاشتراكِ فى الرسالةِ فضلاً عن أنه أطوع و أتبع للحقِ منهم .

رابعاً : رُوِىَ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ فى آخِرِ أعوامِه " إن بقيت إلى القابِلِ لأصومن التاسع " و ماتَ صلى الله عليه و سلكم قبل ذلك و رُوِىَ أنه قالَ لأصحابَه " صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود و صوموا قبله يوماً و بعده يوماً " و استمرَ صلى الله عليه و سلم على صيامِ يومِ عاشوراء حتى فُتِحَتْ مكة و لما تم الفتح و اشتهرَ الإسلامُ أحب مخالفة أهل الكتابِ أيضاً فأمر أن يضافَ إليه يوم قبله و يوم بعده .

خامساً : آراء الفقهاء فى حكمِ صومِ يومِ عاشوراءِ قبل فرض صوم رمضان و قد اتفقَ العلماءُ على أن صوم عاشوراء سُنة و ليس بواجبٍ فقالَ أبو حنيفة بوجوبِهِ بدليلِ أمرِهِ صلى الله عليه و سلم أصحابه بصيامِهِ فلما فُرِضَ رمضان نُسِخَ وجوب صوم يوم عاشوراء و بَقِىَ الاستحباب و يؤيده ما رُوِىَ عن عائشةٍ قالت : " كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم قد أمرَ بصيامِ يومِ عاشوراءٍ فلما فُرِضَ رمضان كان مَن شاءَ صامَ و مَن شاءَ أفطر " و فى رواية " فلما فُرِضَ رمضان لم يأمرنا و لم ينهنا و لم يتعاهدنا عنده " و المشهور عند الشافعيةِ أنه كان قبل فرضِ رمضانٍ مستحباً و استمرَ عليه الصلاة و السلام مهتم بصيامِ هذا اليومُ حتى فى عامِ الوفاةِ للترغيبِ فى صومِهِ و أنه يُكَفِر سَنة .

سادساً : البدع المشتهرة فى عاشوراءِ مِن صلاةٍ مخصوصةٍ و دعاء مخصوص و اكتحال بالإثمد فى ذلك اليومِ لم تصحْ و لم يردْ فيها عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم أثر صحيح و هى مِن وضعِ قتلة الحُسين رضى الله عنه .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – استحباب الصيام فى أيامِ الإنعامِ شُكراً لله .

2 – استحباب صيام يوم عاشوراء .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة  

إثم قول الزور للصائمِ أشد

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم " مَنْ لم يدعْ قول الزور و العمل به فليس للهِ حاجة فى أن يدع طعامه و شرابه " .

ينبه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى الغرضِ الأسمى مِن الصومِ و أنه الإمساك عن المحرماتِ قبل الإمساكِ عنِ المفطرات .. إن تركَ الصومِ انتهاكٌ لحرمةِ اللهِ و حقه و انتهاكٌ لحقِ اللهِ و حقِ العباد و قد وضحَ الرسولُ ذلك لأصحابه حين قال : " أتدرون مَنِ المفلِس ؟ قالوا : مَنْ لا درهم و لا دينار و لا متاع , قال : بلِ المفلس مَنْ يأتى يوم القيامةِ بصلاةٍ و صيامٍ و زكاةٍ و قد شتمَ هذا و ضربَ هذا فيعطى هذا مِن حسناتِهِ و هذا مِن حسناتِهِ حتى إذا فنيت أخذَ مِن سيئاتِهِم فطُرِحَتْ عليه ثم طُرِحَ فى النار " .

" قول الزور " الزور الكذب و الميل عنِ الحقِ و فُسِرَ قول الزور بشهادةِ الزور .. " و العمل به " أى و العمل بمقتضاه و فى رواية " مَنْ لم يدعْ قول الزور و الهل و العمل به " فيُحتَمَلُ عود الضمير على الجهلِ لقربِهِ و يُحتَمَلُ عوده على قولِ الزورِ لأن الرواياتَ اتفقت عليه .

هذا الحديثُ يراد منه : مَنْ لم يدعْ قول الزور و العمل بمقتضاه مطلقاً غير مقيد يصوم فماذا يصنع بصومِه ؟ كما يقال : مَنْ لم ينته عن الفحشاءِ و المنكرِ فلا فائدة مِن صلاتِهِ و يُحتَملُ أن يكونَ المراد : مَنْ لم يدعْ ذلك فى حالةِ تلبسه بالصومِ و هذا هو الظاهر .

معنى قوله " فليس للهِ حاجة فى أن يدعَ طعامه و شرابه " أن يؤمرَ بتركِ صيامِهِ و إنما معناه التحذير مِن قولِ الزورِ و ما ذُكِرَ معه و هو مثل قوله صلى الله عليه و سلم " مَنْ باعَ الخمر فليشقص الخنازير " أى فليذبح الخنازير فليس المراد أمره بذبحِ الخنازيرِ و لكنه على التحذيرِ و التعظيمِ لإثمِ بائعِ الخمرِ فكذلك مَنِ اغتابَ أو شهدَ زوراً أو منكراً لا يؤمر بأن يدع صيامه و لكنه يؤمر باجتنابِ ذلك ليتم له أجر صومه و مِن هذا القبيل قوله صلى الله عليه و سلم " إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " .

اختلفَ العلماءُ فى أن الغيبة و النميمة و الكذب و الزور تفطر الصائم و قد روى الغزالى " خصلتان تُفسدان الصوم الغيبة و الكذب " و الجمهور مِن الأئمةِ على أنه لا يفسد الصوم بذلك و المعروف فى رواية الغزالى " خصلتان مَنْ حفظهما سلم له صومه : الغيبة و الكذب " و قال ابن العربى مقتضى هذا الحديثُ أن فاعلَ ما ذُكِرَ لا يثاب على صيامِه .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – النهى عن قولِ الزورِ و العمل به مطلقاً .

2 – أن الصومَ لا يسلم مع قولِ الزور .

3 – الحث على التثبتِ مِن صحةِ الأنباءِ قبل العملِ بمقتضاها حيث أشركَ العاملَ بقولِ الزورِ مع قائلِهِ فى الحُكم .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

الصوم جُنة

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " الصيام جُنة فلا يرفث و لا يجهل و إن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائم مرتين و الذى نفسى بيدِهِ لخَلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عند اللهِ تعالى مِن ريحِ المسكِ يترك طعامه و شرابه و شهواته مِن أجلى ه و الحسنة بعشرِ أمثالِها " .

الصوم فى اللغةِ الإمساك , و شرعاً : إمساك عنِ الفطرِ جميع النهار و قد فُرِضَ صوم رمضان فى شعبانِ مِن السنةِ الثانيةِ مِن الهجرةِ و المشهور عند الشافعيةِ و الجمهور أنه لم يجبْ صوم قط قبل صومِ رمضان و قول الحنفيةِ أن أولَ ما فُرِضَ مِن الصيامِ صيام عاشوراء فلما نزلَ الأمرُ بصيامِ رمضانِ نُسِخْ .

الصوم تزكية للبدن و تضييق لمسالكِ الشيطانِ و كسرٍ للنفسِ و صبرٍ على الجوعِ و العطشِ و إحجامِ عنِ الشهوات فهو بذلك يُعَلِم التواضع و العطف على الفقراءِ و الشكرِ للمنعمِ و كسر الشهوة ثم هو فوق ذلك امتحان و ابتلاء و قد وُرِدَ فى شأنِهِ قول الرسول صلى الله عليه و سلم : " الصوم نصف الصبر " مع قوله " الصبر نصف الإيمان " .

الصيام تشريع حكيم دعت إليه الشرائع السابقة و قد قصدَ به الإسلام الإمساك عن الشهواتِ ليستر صاحبه يوم القيامة مِن النارِ فيكون إمساكاً عن جميعِ ما نهى اللهُ عنه فليس الصيام عن الأكلِ و الشربِ إنما الصيام الحقيقى عن اللغوِ و الرفثِ فإن اعتدى على الصائمِ و سبه إنسان أو دافعه فينبغى ألا يقابله بالمِثلِ بل يزجر نفسه و المعتدى بقوله " إنى صائم " و يُقْسِمُ الرسولُ صلى الله عليه و سلم بربِهِ الذى بيدِهِ الأرواحِ أن رائحةَ الفمِ المتغير مِن أثرِ الصيامِ عند اللهِ مِن ريحِ المسكِ و يقول تعالى : " الصيام لى " أنا الذى سأجزيه جزاء لا يشبه جزاء الأعمال الحسنة الأخرى , الحسنة بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعف { إنما يُوفَى الصابرون أجرَهُم بغيرِ حساب } .

" جُنة " أى وقاية مِن النارِ أو مِن الشهواتِ أو منهما .. " فلا يرفث " و فى رواية الموطأ " فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث " .. " و لا يجهل " أى لا يفعل شيئاً مِن أفعالِ أهلِ الجهلِ كالسفهِ و السخريةِ و فى رواية " فلا يرفث و لا يجادل " .. " و إن امرؤٌ قاتله أو شاتمه " المراد مِن المقاتلةِ المنازعة .. " والذى نفسى بيدِهِ لخلوف " هو تغير طعم الفمِ و ريحِهِ لتأخرِ الطعام .. " شهوته " قيل : المراد بها شهوة الجماعِ لعطفِها على الطعامِ و الشرابِ و يؤيده رواية " و يدع زوجته مِن أجلى " .

" و أنا أجزى به " أى أنا المنفرد بعلمِ مقدارِ ثوابهِ و تضعيف حسناته .. " الحسنة بعشرِ أمثالِها " كان الظاهرُ أن يقول : بعشرةِ أمثالِها لأن المثلَ مذكر و الحسنةَ مؤنثةُ فكأنه قال : بعشرِ حسنات .

الإشارة بقولِه : " فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث " هى إضعافُ شهوات النفس لقولِهِ صلى الله عليه و سلم : " مَنْ لم يدعْ قول الزور و العمل به فليس للهِ حاجة فى أن يدعَ طعامه و شرابه " و اختلفَ العلماءُ فى قولِه " إنى صائم " هل يقولها فى نفسِهِ أو بلسانِه ؟ ثلاثة أقوال :

أحدهما : أن يقولّ ذلك بلسانِهِ حتى يعلمَ مَنْ يجهلَ أنه معتصم بالصيامِ عنِ اللغوِ و الرفثِ و الجهل .

ثانياً : أن يقولّ ذلك لنفسِه أى إذا كنت صائماً فلا ينلغى أن أخدِشَ صومى بالجهل .

ثالثاً : التفرقة بين صيام الفرض و صيام النفل , فيقول ذلك بلسانِهِ فى الفرضِ و يقول لنفسِهِ فى التطوعِ بُعداً عنِ الرياءِ و إنما أُمِرَ بتكرير " إنى صائم " ليتأكدِ االبعد عنِ الشرِ مِن نفسِهِ و مِمَنْ خاطبه , و قيل : المراد مِن " مرتين " مرة لنفسِهِ و مرة لخِصمِهِ و قد وُرِدَ فى رواية فإن سابك أحد فقل : إنى صائم و إن كنت قائماً فاجلِس " و فائدة هذا الجلوسُ تغيير الوضع إلى وضعٍ أقل تهيؤاً للمقاتلةِ فإن ذلكَ التغيير يضعف الثورة النفسيةِ فإذا كان قائماً جلسَ و إذا كان جالِسا اضطجعَ .

معنى قولِه " لَخلوف فم الصائم أطيب عند اللهِ مِن ريحِ المسك " أجابَ المالكيةُ بأن هذا كنايةٌ عن مدحِ نفسِ الصومِ و دم الشهيدِ ريحه ريح المسك فقط لا أطيب منه مع ما فيه مِن المخاطرةِ بالنفسِ و بذلِ الروحِ لأن الصومَ أحد أركان الإسلامِ و أيضاً هو فرض عين و الجهاد فرض كفاية و فرض العين أفضل مِن فرضِ الكفايةِ على الراجحِ كما نص عليه الشافعى .

معنى " الصيام لى " حيث إن الأعمالَ كلها للهِ و يؤيد هذا قوله صلى الله عليه و سلم " الصيامُ لا رياء فيه " و قوله " ليس فى الصيامِ رياء " و معناه أن الصومَ لا رياء فيه مِن جهةِ فِعلِهِ و إن كان الرياءُ يُدخِلُ الصوم بالقولِ و التحدثِ عنِ النفسِ , كما إذا قالَ الصائمُ متباهياً : إنى صائم و المراد مِن قولِه " و أنا أجزى به " أن جزاءَ الصومِ كثير مِن غيرِ تعيينٍ لمقدارِهِ لأن الكريمَ إذا قال : أنا أتولى الإعطاء بنفسى كان ذلك إشارة إلى تعظيمِ هذا العطاءُ و تفخيمه و هذا كقولِهِ تعالى { إنما يُوفَى الصابرون أجرهُم بغيرِ حساب } و الصابرون الصائمون فى أكثرِ الٌوال .

" و أنا أجزى به , كل حسنة يعملها ابن آدم عشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضِعفٍ إلا الصيام فهو لى و أنا أجزى به " فخصَ الصيامَ بالتضعيفِ على سبعمائةِ ضِعفٍ و إنما عقبه بقولِه " و الحسنة بعشرِ أمثالِها " إعلاماً بأن الصوم مستثنى مِن هذا الحُكم فكأنه قال : الصومُ لى و أنا أجزى به بغيرِ حسابٍ و الحسنة فى غيرِهِ بعشرِ أمثالِها و قد اتفقوا على أن المراد بالصيامِ الذى يستحقُ هذا الجزاءُ هو الصيامُ الذى سلمَ مِن المعاصى قولاً و فعلاً و أدنى درجات الصومِ الاقتصار على الكفِ عنِ المفطراتِ و أوسطها أن يضمَ إليه كف الجوارحِ عنِ الجرائمِ و أعلاها أن يضمَ إليهما كف القلبِ عنِ الوساوِس .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

اعتمر النبى صلى الله عليه و سلم أربعاً

عن أنس رضى الله عنه أنه سُئل : كم اعتمرَ النبى صلى الله عليه و سلم ؟ قال : أربعٌ عمرة الحديبية فى ذى القعدةِ حيث صده المشركون و عمرة مِن العامِ المقبلِ فى ذى القعدةِ حيث صالحهم و عمرة الجِعرانة إذ قسم غنيمة – أراه – حُنَين قلت : كم حج ؟ قال : واحدة ؟ .

سئل أنس بن مالك الصحابى الجليل الكثير الملازمة للرسولِ صلى الله عليه و سلم عن عددِ عمرِ الرسولِ صلى الله عليه و سلم التى اعتمرها بعد الهجرةِ فقال : أربعاً : عمرة الحديبية التى أحرموا بها و لم يتموها لصدهِم عنها مِن قريشٍ و عمرة السنة التالية التى قاموا بها بناء على نصوصِ صلحِ الحديبيةِ و عمرة الجِعرانة عقب قسمة غنائم حُنَين بعد فتحِ مكةٍ و عمرة مع حجته . قالَ السائل : و كم مرة حجَ الرسولُ صلى الله عليه و سلم ؟ و أجابه أنس : حجة واحدة هى حجةُ الوداع . و فى هذا دليل واضح على حرصِ الرسولِ صلى الله عليه و سلم على إحرازِ أكبرِ عددٍ ممكنٍ مِن العمرِ فما أعظم الفارق بين حرصِ الرسولِ صلى الله عليه و سلم و بين تقصيرِ المسلمين القادرين الذين يقضون الصيف فى بلدٍ شمالى و الشتاء فى بلدٍ استوائىٍ ثملا يفكرون فى الاعتمار .

" أنه سئل " فالمسئول أنس و السائل قتادة بن دعامة .. " كم اعتمر " و التقدير : كم عمرة اعتمر .. " قال أربعاً " أى اعتمر أربعاً و فى رواية " أربع " أى الذى اعتمره أربع .. " عمرة الحديبية " الحديبية قريبة مِن مكةٍ بينهما عشرون ميلاً تقريباً مِن جهةِ جدة .. " و عمرة الجعرانة " الجِعرانة بكسرِ الجيم و سكون العين و تخفيف الراء و أهل المدينة يكسرون العين و يشددون الراء و هى أقربُ إلى مكةٍ منها إلى الطائفِ إذ تبعُد عن مكةٍ نحو ثلاثين ميلاً .. " قسم غنيمة – أراه – حنين " و قدرواه مسلم فقال " حيث قسم غنائم حُنَين " و " حُنَين " وادٍ بينه و بين مكةٍ ثلاثة أميال .. " قلت كم حج " ضمير " قلت " للراوى عن أنس و هو قتادةٌ و المقول له أنس .

كانت عمرة الحديبية فى ذى القعدةِ سنة ست و إنما عُدت عمرة مع أنهم صُدُوا عن البيتِ باعتبارِ حصولِ ثوابها و وقعت العمرة الثانية بمقتضى شروط صلح الحديبية فى ذى القعدةِ مِن العامِ السابعِ الهجرى حيث كانت على وِفقِ الصُلحِ الذى حَصُلَ فى العامِ قبلِه و تسمى عمرة القضاء إما لأنها وقعت قضاء عن العمرةِ التى صُدُوا عنها كما هو مذهبُ الحنفية و إما لأنها بمعنى القضية لما وقع بين المسلمين و المشركين مِن المقاضاةِ فى الكتابِ الذى كُتِبَ بينهم بالحديبيةِ الأولى فالمراد بالقضاءِ الفصلِ كما هو مذهبُ الشافعيةِ و المالكيةِ و يؤيده تسميتعا بعمرةِ القضيةِ و وقعت العمرة الثالثة فى ذى القعدةِ سنة ثمان مِن الهجرةِ عام فتح مكة و دخل صلى الله عليه و سلم بهذه العمرةِ إلى مكةٍ ليلاً و خرجَ منها ليلاً إلى الجِعرانةِ فبات بها و مِن هنا خُفِيَتْ هذه العمرةُ على كثيرٍ مِن الناسِ أما العمرة الرابعة فقد سقطت مِن الراوى و لهذا استظهرها البخارى بالروايةِ الأخرى التى ألحقها بها و هى المذكورة فى قوله " و عمرة مع حجته " أى حجة الوداع مع أن عمرة الحديبية كما ذُكِرَ مِن قبلِ هى التى صُدَ عنها و قد تضاربت أقوال المحدثين فى زمنِ العمرِ الأربعِ فقال بعضهم إنها كانت فى ذى القعدةِ و التحقيق أن الرسولَ فى حجةِ الوداعِ دخلَ مكةُ صبيحة رابعة مِن ذى الحجةِ لكنه أحرمَ بالعمرةِ فى ذى القعدةِ على الصحيح .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – حرص الرسول صلى الله عليه و سلم على كثرةِ الاعتمار .

2 – الرد العملى على اعتقادِ الجاهليةِ الفاسدِ مِن تحريمِهِم العمرة فى أشهرِ الحج .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

تقبيل الحجر الأسود

عن عمر رضى الله عنه أنه جاءَ إلى الحجرِ الأسودِ فقبله فقال : " إنى أعلم أنك حجرٌ لا تضرُ و لا تنفعُ و لولا أنى رأيت النبى صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك " .
قالَ عمرُ بن الخطاب : والله إنى لأعلم و أعتقد أنك حجر و مِن شأنِ الأحجارِ أنها لا تضرُ و لا تنفعُ و ما أقدمنى على تقبيلك إلا الاقتداء بالرسولِ صلى الله عليه و سلم فى فعلِه . يُعود عمر المسلمين على التسليمِ للشارعِ فى أمورِ الدينِ و ينفى ضرره و نفعه ليحمى العقيدةِ الإسلاميةِ و ينفى الشبهةَ عن المسلمين حتى لا يرميهم المشركون بسوءِ الفهمِ و قلةِ الإدراكِ فجزاه الله عن أمةِ الإسلامِ خيرَ الجزاء .
يقال إن إبراهيم عليه السلام لما بلغَ القواعدَ و بلغَ المكانَ الركنِ قال : يا إسماعيل اطلب لى حجراً حسناً أضعه هنا فجاءه بهذا الحجر , الذى يختلف فى لونه عن بقيةِ الأحجارِ فهو أسودٌ مائلٌ إلى الحُمرةِ و يختلف كذلك فى خاصيته مِن الصلابةِ و النعومةِ فقد قاومَ احتكاك ملايين الأيدى و تمسحها و قاومَ الحريق و قاومَ تعدد الهدم و البناء و لو كان حديداً لفنَى مع هذه العوامل .
خَشِىَ عمر رضى الله عنه أن يظنَ الجُهال أن استلامَهُ و تقبيلَهُ مِن بابِ تعظيمِ الأحجار{ كالذى كانت تفعله العرب فأراد أن يُعلمهم أن استلامَهُ و تقبيلَهُ لا يُقْصَد به إلا تعظيم الله عز و جل و الوقوف عند أمرِ نبيه و أن ذلكَ مِن شعائرِ الحَجِ التى أمرَ اللهُ بتعظِيمِها و أن استلامَهُ و تقبيلَهُ مخالفٌ لفعلِ الجاهليةِ فى عباددتِهِم للأصنامِ لأنهم كانوا يعتقدون فيها الضر و النفع فقال عمر : إنى أعلم أنك حجر لا تنفع و لا تنفع و الظاهر أنه خاطبَ الحجرَ بهذا و هو جمادٌ لا يُخاطَب ليسمع الحاضرين فيشتهرُ فى البُلدانِ و مراده بهذه العبارةِ أنه لا يضر و لا ينفع .
قالَ الحافظُ بن حجر : إنما شُرِعَ تقبيله اختباراً و ابتلاً ليُعلَم بالمشاهدةِ طاعة مَن يُطيع و ذلك شبيه بقصةِ إبليسٍ حيث أُمِرَ بالسجودِ لآدم . يقولُ عمر : ( لولا أنى رأيت رسول اللهِ صلى الله عليه و سلم يُقبلك ما قبلتك ) و معناه لولا الاقتداء لم يحصلْ منى تقبيل لك .
السُنة أن يستلِمَهُ الزائر فيمسحه و يُقبله بفمِه مِن غيرِ صوتٍ فقد كان الرسولُ يضعُ شفتيه عليه و لا يُسمع له صوت .
يؤخذ مِن الحديث :
1 – أن تقبيلُ الحجر الأسودِ سُنة .
2 – اتباع النبى صلى الله عليه و سلم فيما يفعله و لو لم تعلمْ الحِكمة فيه .
3 – بيان السُنن بالقولِ و الفعل .
4 – منع تقبيل ما لم يَرِدْ الشارع بتقبيلِهِ مِن الأحجارِ و غيرِها فلا يجوز تقبيلُ الأبواب و ما يوضعُ على القبورِ مِن الأستار .
الحجر الأسود

صورة الحجر الأسود
5 - الحجر الأسود حجر مبارك عند المسلمين لونه أسود مائل للحٌمرة. يعتقد بعضهم بأنه نزل مِن الجنة ِأبيضاً ولكن سودته ذنوب العباد. وضعه أبراهيم عليه السلام بأمرٍ مِن اللهِ في أحدِ أركانِ الكعبة المُشَرفةِ يوجد في الركنِ الجنوبِ الشرقي مِن الكعبة. ويبدأ بالطوافِ حول الكعبةِ مِن عنده.الحجرُ الأسودُ قطره 30 سم ويحيط به إطار مِن الفضة، يرتفع 1.50 متر عنِ الأرض. ويعتقد العديد مِن الجيولوجيين أنه مِن التكتيت أو من نيزك.[1]
يُستحب تقبيل الحجر الأسود أو لمسه اقتداء بالرسول الإسلام ويقال عند استلامِهِ بسمِ الله، والله أكبر. ويمكن أن يكتفي المعتمر أو الحاج بالإشارةِ إليه مِن بعيد .
مروة برهان
داعية إلى الإسلام & كاتبة

ثواب الحج المبرور

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال : سمعت النبى صلى الله عليه و سلم يقول : " مَن حج لله فلم يرفث و لم يفسق رجع كيومِ ولدته أمه " .

ما أشبه الحَج بالموقفِ العظيم , إذ يترك الإنسانُ مِن أجله أهله و وطنه و ولده و يتحمل فى سبيلِ إجابةِ أمرِ اللهِ الصعابَ و المشاق .

الحَج مُكفراً للذنبِ و لهذا جعله الشارع نافياً للسيئاتِ نفى الكير لخبثِ الحديدِ بشرطِ أن تُراعَى آدابه و أن تُلاحظَ الغاية المقصودة منه و أن تُنقَى هذه العبادةُ الساميةُ مِن الفُحشِ فى القولِ و مِن كثرةِ الجدالِ مع الرفيقِ فمَنْ حَج حَجاً مبروراً نقياً مقبولاً صار كالطفلِ المولودِ فى خُلوةٍ مِن الذنوب .

" مَن حَج " الحَج فى اللغةِ القصد و جاءَ فى رواية " مَن أتى هذا البيت " و هى تشملُ الإتيانِ للحَجِ أو العمرة . " فلم يرفث " الجمهور على أن المراد به فى الآيةِ الجِماع . " و لم يفسق " أى لم يأتِ بمعصية . " رجع " بمعنى عاد مِن حَجه . " كيومِ ولدته أمه " أى صار مُشابهاً لنفسه فى يومِ ولدته أمه فى االبراءةِ مِن الذنب .

فُرِضَ الحَجُ سنة ست مِن الهجرةِ على رأى الجمهور و قيل سنة خمس و قيل سنة تسع فقال " مَن حَج لله " و فى هذا يقولُ الرسولُ صلى الله عليه و سلم " إنما الأعمال بالنياتِ و إنما لكل امرئٍ ما نوىَ فمَن كانت هجرته إلى اللهِ و رسوله فهجرته إلى اللهِ و رسوله و مَن كانت هجرته إلأى دنيا يُصيبَها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجرَ إليه " .

" كيومِ ولدته أمه " يفيد غفران الصغائر و الكبائر و يؤيده ظاهر قوله صلى الله عليه و سلم " الحَج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " و قوله : " تابعوا بين الحَجِ و العمرةِ فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد و ليس للحَجِ المبرورِ ثواب دون الجنة " .

الحَج المبرور يُسقِط إثم المخالفة لا الحقوق و عليه فالذنوب المتعلقة بحقوقِ العبادِ كذنبِ الغضبِ و التعدى بالقتلِ لا يُسقطه إلا استرضاء صاحب الحق أو عفو الله .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – الحث على جَعْلِ الطاعاتِ خالصة لله .

2 – فضل الحَج على سائرِ الطاعات .

3 – الحث على صفاءِ العبادةِ مِن مكدراتِ الذنوب .

4 – أن بعضَ الأعمال تُكَفرُ الذنوب .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

القول فى عطية السلطان

عطية السلطان
هذا كلام لا يصح إلا فى العلم .. و قد تجاوزه التاريخ .. فالدولة الآن هى المسئول الرئيس عن كل هذه الأمور التى يصرف عليها من عطاء السلطان
و عطاء السلطان فى هذا الزمن .. بدون مايبرره هو
تحايل على الفساد .. كما كان يتم أيام الرئيس المسجون .

أيمن وهدان

عن عمر رضى الله عنه يقول : كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يعطينى العطاء فأقول أعطه مَن هو أفقر إليه منى فقال : " خذه إذا جاءك مِن هذا المالِ شئٌ و أنت غير مشرفٍ و لا سائلٍ فخذه و مالا فلا تتبعه نفسك " .

قد يعطى السلطان غنياً علم أنه يصرف ما يعطاه فى سبيلِ الله .. كانت هذه وجهة نظر عمر بن الخطاب حينما فرض لأزواج النبى صلى الله عليه و سلم لكل واحدة ألفين و فرض لعائشة عشرة الآف .

لقد استقى عمر بن الخطاب هذا المبدأُ مِن رسوِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فقد كان حين يأتيه المال غير الزكاة يُعطى منه بعض الأغنياء فكان أن أعطى عمر بعض المالِ فقال عمر – تعففاً – أعطه مَن هو أحوج منى إليه يا رسول الله . قال صلى الله عليه و سلم : لم أعطكه زكاة لفقرك و لكن لتتصدق منه . فقبله عمر و هو غير مستريح فأرادَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم أن يزيلَ ما فى صدر ِ عمر , فقال : إذا جاءك مِن هذا المالِ شئ و أنت غير متطلع إليه و لم تسأله فخذه حلالاً طيباً و إذا أعطى سواك و مَن هو أغنى منك و لم تعط أنت فلا تغضب و لا تمكن عينيك إليه و لا توجه نفسك نحوه و لا تقل فى سرك : لماذا لم يعطنى ؟ و لا ليته أعطانى .

" أنت غير مشرف " الإشراف على الشئِ التعرض له و التطلع إليه و الحرص عليه .. " أعطه مَن هو أفقر منى " هى التى جعلت الرسول صلى الله عليه و سلم يرد عليه و عمر لم يقصد الفقر الشرعى و إنما قصد مَن هو أقل غنى عنى .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – أن رد عطية الإمام ليس مِن الأدب .

2 – أن رد عطية الرسول صلى الله عليه و سلم لا تليق مهما كانت المعاذير والله أعلم .

جل مَن رباك

محمد بن عبد الرحمن المقرن

هُبُوا بنى الإسلامِ نكسِرُ أنفَهُم                      و نكونُ وَسْطَ حُلُوقِهِم أشواكاً

هم لن يطولوا مِن مقامِكَ شعرةً                    حتى تَطولَ الذرةَ الأفلاكاً

واللهِ لن يصلوا إليكَ و لا إلى                         ذرات رَمْلٍ مِن ترابِ خُطاكا

رُوحى و أبنائى و أهلى كُلهُم                        و جميعِ ما حَوَتِ الحياةُ فِداكَ

إنى لأُرخِصُ دون عِرْضِكَ مُهجتى                  روحٌ تَروحُ و لا يُمس حِماكا

ويلٌ فويلٌ ثم ويلٌ للذى          مُراً و لنْ تجدوا هناك عن الجحيمِ فِكاكا

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

فضل السعى على الرزقِ الحلال

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الهجرةِ فقال : " ويحك إن شأنها شديد فهل لك مِن إبلٍ تؤدى صدقتها ؟ " قال : نعم . قال : " فاعمل مِن وراءِ البحارِ فإن اللهَ لن يَتِرَكَ مِن عملك شيئاً " .

وسعَ اللهُ مجالَ الخيرات ليتنافس المتنافسون , فتحَ للرجالِ مجال الجهاد و شهود الجنائز و فتح للنساءِ مجال الحج و العمرة و فتح للمسلمين الأوائل باب الهجرة مِن مكةِ إلى المدينة . فكان مِن الضرورى أن يُحددَ زماناً و مكاناً فحددَ زماناً بفتحِ مكةٍ و لا هجرة بعد الفتحِ و حددَ مكاناً بأهلِ الحضرِ لأنهم الذين يستطيعون الإقامة فى المدينة .

أمام هذا , كان جوابُ النبى صلى الله عليه و سلم للأعرابى الذى جاءَ يرغب فى الهجرةِ إلى المدينة , ويحك يا أعرابى , لا تستطيعها و قد تعودت الصحراء و البادية , و إن شأنها و أحكامها شديدة و مطالبها قاسية , ما ترجع مِن معركةٍ إلا و تستعد لأخرى , و أنت رجل ضعيف , و سكت العربى حزيناً آسفاً أن حُرِمَ هذا الفضلُ لكن الرسولُ الرحيمُ فتح له باب فضل و باب أجر , باب جهاد آخر لتحصيلِ الرزقِ الحلال , قال له : هل لك مِن إبل ؟ قال : نعم . قال : هل تؤدى حق الله فيها ؟ قال : نعم . قال : فاعمل عليها و اسع على الرزقِ فى أى مكان , قريباً كنت مِن المدينةِ أو بعيداً حتى و لو كان بينك و بينها بحار فإن اللهَ لن ينقصك مِن أجرِ عملك هذا شيئا . فلئن حُرِمْتَ جهاد السيف فى المدينةِ فأمامك جهاد السعى الحلال و اقتنع الرجل و رضى .

" أن أعرابياً " نسبةً إلى الأعرابِ و هم سكانُ البادية الذين لا يقيمون فى الأمصارِ و العربى منسوب إلى العرب .

" إن شأنها شديد " أى لا تقدر عليها كضعيف عن الجهادِ المفروضِ على المهاجرين .

" تؤدى صدقنها " و زكاتها و صدقتها المندوبة .

" فاعمل مِن وراءِ البحار " أى فاعمل فى أى مكان حتى لو كان بيننا و بينك بحار .

" فإن اللهَ لن يَتِرَكَ مِن عملك شيئا " أى لن ينقصك مِن أجرِ عملك شيئا .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – وجوب الزكاة فى الإبل و مثلها البقر و الغنم .

2 – فضل السعى على الرزقَ الحلال .

3 – فضل أداء زكاة الإبل .

4 – استدل به على أن الهجرة كانت على أهلِ الحاضرةِ و لم تكنْ على أهلِ البادية .

5 – استدل به على تعظيمِ شأن الهجرة و المهاجرين .

6 – زيادة شفقته صلى الله عليه و سلم بأمته و حرصه عليها و صدق الله العظيم { لقد جاءكم رسولٌ مِن أنفسِكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيم } .

مروة برهان
داعية إلى الإسلام & كاتبة

أسلمت على ما سلف مِن خير

كتبت – مروة برهان :
عن حكيم بن حزام رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها فى الجاهليةِ مِن صدقةٍ أو عتاقةٍ أو صلة رحمٍ فهل لى فقال النبى صلى الله عليه و سلم " أسلمت على ما سلف مِن خير " .

الناس معادن , خيارهم فى الجاهليةِ خيارهم فى الإسلامِ إذا فقهوا و لقد كان كثيرٌ مِن العربِ قبل الإسلامِ على صفاتٍ حميدة , يصلون الرحم و يحملون الكَل و يكسبون المعدوم و يقرون الضيف و يعينون على نوائبِ الدهرِ و يعتقون العبيد و يفكون الأسير و يوفون بالعهدِ و يحفظون الأمانة .

مِن هؤلاءِ الأخيارِ حكيم بن حزام , أعتق فى الجاهليةِ مائة رقبة و كان كثيرُ الصدقة , عظيم الصلة لرحمه , فلما أسلم سألَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم عن أجرِ ما قدم مِن خيرٍ فى الجاهليةِ كما سأل غيره ممن أسلم عن شر آثامه و شروره التى ارتكبها فى الجاهليةِ فأُجيب بأن الإسلامَ يهدم ما قبله و الإسلام يضاعفُ حسنات البر , الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف فقام يفعل فى إسلامه مِن الخيرِ مثل ما فعل فى الجاهلية فعتق مائة رقبة و تبرع للمحتاجين بمائةِ بعيرٍ محملة بالطعامِ و الثياب .

حكيم بن حزام صحابى جليل , عاش ستين سنة فى الجاهليةِ أسلم عام الفتح و مات بالمدينةِ سنة أربع و خمسين .

" أرأيت أشياء " المراد منها أمور الخير .. " كنت أتحنث بها " التحنث التعبد .. " فى الجاهلية " أى قبل إسلامه و ليس المراد قبل ظهور الإسلام فكأنه قال : فى جاهليتى .. " أسلمت على ما سلف مِن خير " أى على ما قدمت مِن خير .

قضية الحديث : هل يثاب الكافر إذا أسلم و حَسُنَ إسلامه على ما فعله مِن خير فى حال كفره ؟ .

ذهبَ المالكيةُ إلى أنه إذا أسلم الكافر و حَسُنَ إسلامه و مات على الإسلامِ يثاب على ما فعله مِن الخير فى حالِ كفره و استدلوا بحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم " إذا أسلم الكافرفحَسُنَ إسلامه كتبَ اللهُ له كل حسنة زلفها و محا عنه كل سيئة زلفها و كان عمله بعد – أى بعد إسلامه – الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف و السيئة بمثلِها إلا أن يتجاوزَ اللهُ سبحانه و تعالى .

مثل البخيل و المنفق و جزاؤهما

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " مثل البخيل و المنفق كمثلِ رجلينِ عليهما جُبتان مِن حديدٍ مِن ثُديهما إلى تراقيهما فأما المنفقُ فلا يُنفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تُخفى بنانه و تعفو أثره و أما البخيلُ فلا يريد ن ينفقَ شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع " .

كثير مِن الجاهلين يمنع الصدقة خشية نفاد المال أو نقصه و كثير مِن عبدةِ المالِ يندفع نحو الزيادة كالمسعور . الحقيقة التى يغفلون عنها أن اللهَ يرزقُ عبده مِن حيثُ لا يحتسب و أنه قادرٌ على أن يخسفَ بالمالِ و بصاحبه الأرض . هذه الحقيقة يغفل عنها البخلاء و يؤمِن بها الأسخياء { و مَن يوقَ شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

" مثل البخيل و المنفق " المفروض أن يقول : مثل البخيل و السخى إذ مقابل البخل السخاء و لكنه وضع المنفق موضع السخى إشعاراً بأن مجرد الإنفاق فيما أمر به الشارع ندب إليه يزيل البخل .

" كمثل رجلين عليهما جُبتان مِن حديد " : الجُبة ثوب معروف على هيئة مخصوصة , واسع و طويل لكن الأوصاف الآتية كونها مِن حديد و أنها فى الأصلِ تستر الجزء الأعلى مِن الصدرِ فقط لكن الحديث يقصد الجُبة بهيئتها لأنها بعد أن يتمَ لبسها و يتم إسدالها تسبغ و توفر فمَنْ غل يديه إلى عنقه لزقت على صدره و مَنْ بسطَ يديه بها غطت جسمه كله و تقييدها بكونها مِن حديدٍ إشارة إلى الصلابة لإفادة حمايتها لصاحبها المنفق و مضايقتها لصاحبها البخيل .

" مِن ثديهما إلى تراقيهما " : لكل إنسان ترقوتان و هما العظمان المحيطان بالعنق مِن جهةِ الصدرِ بينهما ثغرة النحر .

" حتى تخفى بنانه " أى تستر أطراف يديه . " و تعفو أثره " : المراد مِن الأثرِ أثر المشى فتزحف على الأرضِ و تمحو آثار المشى على الترابِ أو الرملِ . " لزقت كل حلقة " و فى رواية لمسلم " انقبضت " و فى رواية " غاصت كل حلقة مكانها " أى اجتمعت .

يُعرف مثل هذا عند علماءِ البلاغةِ بتشبيه التمثيل . تشبيه هيئة المنفق الذى يعالج حرص النفس البشرية إلى السخاءِ و يبذل مِن ماله إلى المستحقين و وجوه الخير , كلما بذل انشرح صدره للبذل حتى يصبح السخاء طبيعة بهذا يأمن المنفق مِن عذابِ اللهِ و بهذا يستر معاصيه و بهذا يتقى النار . تشبيه هيئة البخيل الذى غلبه الشح فلم يستطع علاج نفسه بل كلما فكر فى الصدقةِ غلبه الشح و ضاق صدره و زاد خوفه , بهذا يتعرض البخيل لعذابِ اللهِ و ينكشف أمام معاصيه .

إن اللهَ يستر المنفق فى الدنيا و الآخرة بخلافِ البخيلِ فإنه يفضحه فى الدارين .

يؤخذ من الحديث :

1 – الرتغيب فى السخاءِ و الإنفاق . الإنفاق الممدوح هو الإنفاق على صاحبِ المالِ و على العيالِ .

2 – الترهيب مِن البخلِ و الشح .

3 – التيسير على المنفقِ و التعسيرِ على البخيلِ مصداقاً لحديث البخارى " ما مِن يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : " اللهم أعطِ منفقاً خلفاً " و ينزل الآخر : " اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً " .

4 – الصدقة تحمى صاحبها مِن السوءِ و تطفئ غضب الرب و تكفر الخطيئة و تقى مِن النارِ و فى الصحيح " اتقوا النار و لو بشقِ تمرة " .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

فضل الصدقة مِن كسبِ حلال

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " مَن تصدقَ بعدلِ تمرةٍ مِن كسبٍ طيبٍ و لا يقبل اللهُ إلا الطيب فإن اللهَ يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فَلُوَهُ حتى تكونَ مثل الجبل " .

يقول الله تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلةٍ مائة حبة والله يضاعفُ لِمَنْ يشاء واللهُ واسعٌ عليم }   و يقول { مَنْ ذا الذى يُقرضُ اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة واللهُ يقبضُ و يبسطُ و إليه تُرجعون } .

آيات كثيرة تؤكد أن اللهَ يربى الصدقة و يضاعفها لصاحبها أضعافاً تزيد على سبعمائة ضعف . هذا الحديثُ الشريفُ يصور الزيادة و التكبير للصدقة بأن تصبح التمرة مثل الجبل , يربيها الله تعالى عنده لصاحبها كما يربى الرجل منا فطيم فرسه الذى يعتز به , يحميه مِن الآفاتِ و يحتضنه و يحيطه بالعنايةِ و الرعاية حتى يصيرَ فرساً كبيراً و قيل : المراد التربية المعنوية بتعظيم ثوابها و مضاعفته كما يربى أحدكم فَلُوَهُ و هو المُهر لأنه يفطم و قيل : هو كل فطيم مِن ذات حافز و الجمع أفلاء و ضُرِبَ به المثل لأنه يزيد زيادة سريعة و لأن الصدقةَ نتاجُ العملِ فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حدِ الكمالِ فإن العبدَ إذا تصدق مِن كسبٍ طيبٍ لايزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهى بالتضعيف .

على كل مسلمٍ صدقة , غنياً أو فقيراً فعائشة أم المؤمنين – رضى الله عنها – جاءتها امرأة فقيرة معها ابنتاها , فلم تجد فى بيتها إلا تمرة واحدة , لم تستنكف أن تقدمها لها فشقت المرأة التمرة نصفين أعطت كل بنت نصفاً . تعمل رضى الله عنها بحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم " اتقوا النار و لو بشق تمرة " لقد قالها لها يوماً " يا عائشة . استترى مِن النارِ و لو بشق تمرة فإنها تسد مِن الجائعِ مسدها مِن الشبعان " أى إن اليسيرَ يستر الفقير و يسد منه مسداً .

شرط واحد لقبول الصدقة هو أن تكونَ مِن مالٍ حلالٍ طيب لأن اللهَ طيبُ لا يقبلُ إلا طيباً .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – فضل الصدقة مِن كسب حلال .

2 – أن اللهَ لا يقبل إلا الطيب الحلال فقد قال تعالى { يمحقُ اللهُ الربا و يُربىِ الصدقات } .

3 – أن اللهَ يضاعف الصدقة الخالصة الطيبة أضعافاً كثيرة و مصداقه فى القرآن كثير فيقولُ تعالى { يمحقُ اللهُ الربا و يُربىِ الصدقات } و يقول { مَنْ ذا الذى يُقرضُ اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة واللهُ يقبضُ و يبسطُ و إليه تُرجعون } و يقول { { مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلةٍ مائة حبة والله يضاعفُ لِمَنْ يشاء واللهُ واسعٌ عليم } .

4 – أن يتقبل المعطى ما يعطاه و إن كان قليلاً و أن يشكرَ عليه و يكافئ بالدعاء للمتصدق و لا يسخر مِن المعطى و لا يحقره فإن اللهَ تعالى – و هو الغنى – يتلقاها بيمينه و لو كانت تمرة .

5 – أن لا يهزأ أحد مِن متصدقٍ بقليل فتلك صفة المنافقين { الذين يلمزون المطوعين مِن المؤمنينَ فى الصدقاتِ و الذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سَخِرَ اللهُ منهم و لهم عذابٌ أليم } فإنه لا يدرى درجة قبول هذا القليلُ فقد يكون عند اللهِ كثيراً و قد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم " سبق درهم مائة ألف درهم " .

6 – الحث على الكسبِ الحلال و البُعدِ عن الحرامِ حتى يباركَ اللهُ فيما ينفق .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

أعمال تُدخل الجنة

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن أعرابياً أتى النبى صلى الله عليه و سلم فقال دلنى على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة قال : " تعبد الله لا تشرك به شيئاً و تقيم الصلاة المكتوبة و تؤدى الزكاة المفروضة و تصوم رمضان " قال والذى نفسى بيده لا أزيد على هذا فلما ولَى قال النبى صلى الله عليه و سلم : " مَن سره أن ينظرَ إلى رجلٍ مِن أهلِ الجنةِ فلينظر إلى هذا " .

يقول رجلٌ مِن قيس : وصف لى رسول الله صلى الله عليه و سلم فطلبته فلقيته بعرفاتٍ فتزاحمت عليه فقيل لى : إليك عنه . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعوا الرجل فزاحمتهم عليه حتى خلصت إليه . قال : ما تريد ؟ قلت : يا رسول الله . شيئان أسألك عنهما . دلنى بما يقربنى مِن الجنةِ و ما يباعدنى مِن النار . فقال صلى الله عليه و سلم : لئن كنت قد أوجزت العبارة فقد أعظمت و طولت فاعقل على . اعبد الله وحده و لا تشرك به شيئاً مِن الأوثان و أقم الصلاة المكتوبة خمساً فى كل يومٍ و ليلة و أدِ الزكاة المفروضة و صُم رمضان . قال الرجل : والذى نفسى بيده لا أزيد على هذه الأوامر شيئاً و لا أنقص منها شيئاً أبداً , فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : مَن سره أن ينظر إلى رجلٍ مِن أهلِ الجنةِ فلينظر إلى هذا إن تمسكَ بما أمر به دخل الجنة .

" أن أعرابياً " : قيل إنه لقيط بن صبرة و قيل هو سعد بن الأحزم .. " تعبد الله لا تشرك به شيئاً " : العبادة هى الطاعةُ مع الخضوعِ فإن كان المراد منها هنا معرفة الله و الإقرار بوحدانيته كان عطفُ الصلاة و الزكاة عليها لإدخالهما فيما يُدخل الجنة و إن كان المراد مِن العبادةِ الطاعة مطلقاً دخلت جميع أمور الدين فيها و يكون عطفُ الصلاة و الزكاة و الصوم عليها مِن عطف الخاص على العامِ لمزيد عناية بهذا الخاص . عبادة الله حق تسلتزم عدم الإشراك به شيئاً لكنه صرح باللازم للنهى عما كان عليه الكفار مِن عبادةِ الأوثانِ لتقربهم إلى اللهِ و قد جاءت جملة " و لا تشرك به شيئاً " .

" و تقيم الصلاة المكتوبة " : تقييد الصلاة بالمكتوبةِ لاتباعِ القرآنِ فى قوله { إن الصلاةَ كانت على المؤمنين كتاباً مكتوباً } .. " و تؤدى الزكاة المفروضة " : تقييد الزكاة بالمفروضةِ للاحترازِ مِن صدقةِ التطوع .. " والذى نفسى بيده " أى والله الذى روحى بقبضته و يده .. " لا أزيد على هذا " : المشار إليه ألوامر و الفروض المذكورة و اكتفى بنفى الزيادة عن نفى النقص .

اختلفت روايات هذا الحديث بالزيادةِ و النقصانِ ففى بعض روايات الصحيح لم يُذكر الصوم و فى بعضها ذُكر صلة الرحم .

لم يُذكر الحج فى جميعِ رواياتِ هذا الحديثُ و الصحيح أن الرسولَ صلى الله عليه و سلم لم يذكره لأن الرجلَ كان حاجاً و كان واقفاً على عرفات .

استشكل على قوله صلى الله عليه و سلم " مَن سره أن ينظرَ إلى رجلٍ مِن أهلِ الجنةِ فلينظر إلى هذا " بأنه كيف ساغ للرسولِ صلى الله عليه و سلم أن حَكَمَ على هذا الرجل بأنه مِن أهلِ الجنةِ مع أنه قد لا يفى بوعده ؟ و أجاب النووى بأنه صلوات الله و سلامه عليه علم بطريق الوحى أنه يوفى بما التزمه و أنه يدوم على ذلك و يدخل الجنة .

يؤخذ مِن الحديث :

1 – حِلم الرسول صلى الله عليه و سلم و سعة صدره و حسن معاملته .

2 – البشارة و التبشير للمؤمن .

3 – جواز الحلف على الاقتصارِ على الواجبات .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

إنى فرطكم و إنى شهيد عليكم

عن عقبة بن عامر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم خرج يوماً فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال : " إنى فرطٌ لكم و أنا شهيدٌ عليكم و إنى والله لأنظر إلى حوضى الآن و إنى أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض – أو مفاتيح الأرض – و إنى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدى و لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

فى أخريات حياته صلى الله عليه و سلم كان يأتى أفعالاً توحى بأنه يودع ففى حجة الوداع قال : " أيها الناس . لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا " حتى أحس الأحياء أنه يودع و هنا نراه يخرج إلى أُحُد قبل أن يقعده المرض فيقف عند شهداء أُحُد يدعو لهم و يستحضر أنه سيلقاهم و يرافقهم عند الرفيق الأعلى و قام يصلى عليهم صلاة الجنازة و كأنه كان يودع قبورهم و أجسادهم قبيل أن تلتقى روحه مع أرواحهم فى النعيم المقيم ثم انصرف عنهم إلى المسجد .

صعد الرسول المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس . إنى فرطكم , إنى سأتقدم عليكم , إنى سأسبقكم إلى آخرتى لكنى سأبقى شهيداً عليكم تعرض على أعمالكم فما وجدت فيها مِن خير حمدت الله عليه و ما وجدت منها غير ذلك استغفرت الله له . أيها الناس . كأنى فى آخرتى و كأنى والله أنظر إلى حوضى الآن يرده أناس منكم فاجتهدوا فى التمسك بكتاب الله و سنتى و والله ما أخاف عليكم بعدى أن تشركوا و لكنى أخاف أن تقعوا فى شرك الدنيا و زينتها و متاعها فتلهيكم عن ذكر الله و تنافسوا فيها كما تنافس فيها مَن قبلكم , و إنى أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض و تفسير ذلك أنكم تملكون ملك كسرى و قيصر و مشارق الأرض و مغاربها و أخشى إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض و تقطعوا أرحامكم .

قال الراوى : كانت هذه آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . و هكذا بلغ الرسول الرسالة و أدى الأمانة و نصح الأمة و جاهد فى الله حق جهاده .

صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و مَن اتبع سبيله إلى يوم الدين .

" خرج يوماً " كان ذلك بعد سبع سنوات و نصف السنة مِن غزوة أُحُد إذ كانت فى شوال سنة ثلاث من الهجرة و كان خروجه صلى الله عليه و سلم إلى الشهداء قبيل وفاته و توفى فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة .

" و إنى والله لأنظر إلى حوضى الآن " يحتمل الحقيقة و أن الله كشفه له و يحتمل المجاز أى أتخيل حوضى كأنى أنظر إليه الآن و قد يرده ناس و يبعد عنه ناس لهذا أخاف عليكم أن تبعدوا عن حوضى .

" و إنى أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض " فقد فسرها الراوى بإقبال الدنيا على أمته و امتلاكهم خزائن الأرض أو الكلام كناية عن امتلاك أمته كنوز الأرض .

" و لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " أى فى مفاتيح خزائن الأرض أى فى متاعها و أموالها .

صلاة الميت أو صلاة الجنازة أربع تكبيرات , يُقرأ الفاتحة فى الأولى و يُصلى على النبى صلى الله عليه و سلم فى الثانية و الدعاء للميت فى الثالثة و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات فى الرابعة .

كلمة " شهيداً" تدل على الدرجات العلى لأن لهم نور فى الآخرة و تدل على الشمائل و الأوصاف الحميدة و تأتى بمعنى " الله " لقوله تعالى ( شهد الله ) .

" صلاته على الميت " معناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذى كانت عادت أن يدعو به للموتى على أنه يمكن أن تكون هذه الصلاة مِن خصائصه صلى الله عليه و سلم .

يؤخذ من الحديث فوق ما تقدم :

1 – كلمة " يوم " وردت 474 مرة فى القرآن .

2 – لم تُذكر كلمة " الزمن " فى القرآن أبداً بل ورد فى القرآن كلمة " الدهر " و لكن جاءت فى السنة كلمة " الزمن " : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض " .

3 – المراتب : مراتب الأنبياء ثم الشهداء ثم الصالحون .

4 – لم ينتصر الإسلام بالسيف و إنما انتصر على السيف . الإسلام يحارب لهذا السبب و لسبب آخر و هو إذا أغار العدو على أرض المسلمين فيجب أن ندافع عن ديننا و عن أرضنا و عن عرضنا .

5 – معجزات النبى صلى الله عليه و سلم .

6 – استدل به على أن الحوض مخلوق و موجود الآن .

7 – ما كان عليه صلى الله عليه و سلم فى آخر حياته فى استشعاره بالمصير و توديعه الأحياء و الأموات .

8 – حرصه صلى الله عليه و سلم على أمته لآخر لحظة مِن حياته و تحذيرهم مِن الاغترار بالدنيا فى مستقبل أيامهم .

9 – ثبوت شهادة النبى صلى الله عليه و سلم على مَن لم يشاهده مِن أمته عن طريق عرض الأعمال .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

ثواب اتباع الجنائز

كتبت – مروة برهان :
عن ابن عمر رضى الله عنهما أن أبا هريرة رضى الله عنه قال : " مَن تبع جنازة فله قيراط فقال أكثر أبو هريرة علينا فصدقت يعنى عائشة أبا هريرة رضى الله عنهما و قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوله فقال ابن عمر رضى الله عنهما : لقد فرطنا فى قراريط كثيرة " .

شرع الله فى الإسلام للميت حقوقاً على الأحياء فمن حقه عليهم أن يغسلوه و أن يكفنوه و أن يتبعوا جنازته حتى يصلوا عليه و بعد أن يصلوا عليه حتى يدفنوه و يدعوا له .. الموت حق و أنه أقرب للحى مِن حبل الوريد فبهذا التذكر و التدبر يستعد المؤمنون لآخرتهم و ينالون من وراء ذلك كله أجرا عظيماً و أى أجر هذا الذى يبلغ أضعاف جبل أحد ؟ .

لقد حدث رسول الله صلى الله عليه و سلم مرغباً فى اتباع الجنائز , مبنيا فضل و ثواب مَن يشيعها فقال : مَن تبع جنازة مِن بيتها إلى أن يصلى عليها فله عند الله قيراط و مَن يضيف إلى ذلك أن يشيعها بعد الصلاة و إلى أن توارى فى قبرها فله قيراط آخر و حدث بذلك أبو هريرة بعد وفاته صلى الله عليه و سلم و نقل هذا الحديث  مَن سمعه مِن أبى هريرة إلى عبد الله بن عمر و كان ابن عمر يكتفى بالتشييع حتى الصلاة ثم ينصرف و لا يشيع حتى القبر و لم يكن سمع بهذا الحديث , فلما سمعه نكره و ظن أن الأمر اشتبه على أبى هريرة لكثرة تحديثه فأراد أن يستوثق فأرسل إلى عائشة يسألها عن الحديث فأيدت أبا هريرة و قالت نعم سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم  ابن عمر على زمن مضى لم يقم فيه بهذه الشعيرة فضيع على نفسه ثواباً كبيراً .

جاء فى صحيح مسلم أن القائل لابن عمر جناب أبو السائب و قي : إن له صحبة .

" مَن تبع جنازة فله قيراط " أى مِن الأجر كما فى رواية مسلم و المراد مِن اتباع الجنازة تشييعها و القيراط فى استعمال البشر جزء مِن كل فالقيراط جزء مِن اثنى عشر جزءاً مِن الدرهم فالقيراط على أى حال جزء مِن كل و المراد منه هنا جزء مِن ثواب تجهيز الميت ففى بعض الروايات مثل " أُحُد " و ليس المراد قيراطاً مِن جنس أجور المؤمن على طاعاته حتى يدخلَ فيه ثواب الإيمان و الأعمال الكبرى الصالحة و إنما المراد جزء مِن الأجر العائد على ما يتعلق بالميت مِن غسل و تكفين و دفن و تعزية .. " لقد فرطنا فى قراريط كثيرة " قاله ابن عمر بعد أن استوثق مِن الحديث أسفاً على أنه لم يلتزمه فيما مضى مِن عمره .

هل يمشى المشييعون أمام الجنازة أو خلفها ؟ .

ظاهر الحديث فى أن المشى خلف الجنازة أفضل مِن المشى أمامها لأن المشى خلفها هو حقيقة الاتباع حسا ثم اعتمد حديث البخارى فى رواية أبى هريرة و لفظها " مَن شهد الجنازة حتى يصلى فله قيراط - أى مِن بيتها حتى الصلاة عليها فله قيراط و مَن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان . قيل : و ما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين " و فى لفظ " من تبعها من أهلها حتى يصلى عليها فله قيراط و مَن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان . قيل : و ما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين " .

قال الحافظ بن حجر : الذى يظهر لى أن القيراط حصل أيضاً لمَن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة لها لكن يكون قيراط مَن صلى فقط دون قيراط مَن شيع و صلى و استدل بحديث مسلم " مَن صلى على جنازة و لم يتبعها فله قيراط " .

يؤخذ من الحديث :

1 – الترغيب فى شهود الميت .

2 – التكريم على عظيم فضل الله .

3 – فى هذه القصة دلالة على تمييز أبى هريرة فى الحفظ .

4 – ما كان عليه الصحابة مِن التثبت فى الحديث النبوى .

5 – فى الحديث فضيلة لابن عمر مِن حرصه على العلم و تأسفه على ما فاته مِن العمل الصالح .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

القول عن صلاةِ الضحى

كتبت – مروة برهان :

عن عائشةٍ رضى الله عنها قالت : " إن كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم ليدع العمل و هو يحبُ أن يعملَ به خشيةً أن يعملَ به الناس فيفرض عليهم و ما سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سُبحة الضحى قط و إنى لأسبحها " .

الصلاة مقام المناجاة و وقوف العبد بين يدى ربه و إذا كان اللهُ قد فرض خمس صلوات فى اليومِ و الليلةِ فذلك تخفيفٌ منه تعالى و رحمةٌ لكن على العبدِ أن يزيدَ فى هذا الفضل و بخاصةٍ إذا طال الفاصل الزمنى بين الفرضين فحيث طالَ الفصل بين صلاةِ الفجرِ و صلاةِ الظهرِ شُرعت صلاة الضحى إلا أنه لما كان وقتُ الضحى وقت انشغال البشر بأعمالهم الدنيوية غالباً يضربون فى الأرضِ ويسعى أكثرهم فى طلبِ الرزقِ لم يبرزْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم صلاة الضحى إشفاقاً على أمته .

علمَ الصحابةُ الحقيقة و فهموا المقصدَ فحرصَ المتفرغون منهم على صلاةِ الضحى حتى قالت عائشة رضى الله عنها : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى سنة الضحى و إنى لأصليها "  و قال أبو هريرة رضى الله عنه : " أوصانى خليلى بثلاث : بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كل شهرٍ و ركعتى الضحى و أن أوترَ قبل أن أنام " .

" سُبحة الضحى " : صلاة الضحى / "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى سُنة الضحى " أى عندها أى عند عائشةٍ إنما هى عرفت أنه سبحها فى أماكنٍ أخرى فى المسجد / " و إنى لأصليها " : صلت عائشة نفسها صلاة الضحى .. بعض العلماءِ قال أن صلاةَ الضحى سُنة مؤكدة و هو كلامُ الجمهور / " و ما سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سُبحة الضحى " مرادها على صلاةِ الضحى و التسبيح جزء الصلاة فأُطلق الجزء و أُريد الكل كركعةٍ و سجدةٍ لكن العرف الشرعى استعمل السُبحة فى النوافلِ لأن التسبيحَ الذى فى الفريضةِ نافلة .

بلغت الأقوالُ فى صلاةِ الضحى ستة أقوال :

الأول : أنها مستحبة و اختلف فى عددِ ركعاتها فقيل : أقلها ركعتان و أكثرها اثنتا عشرة و قيل : أكثرها ثمان و قيل : ركعتان فقط و قيل : أربع فقط و قيل : لا حد لأكثرها .

الثانى : أنها لا تُشرع إلا لسببٍ لما ثبت أن الرسولَ صلى الله عليه و سلم صلاها يوم فتح مكة و صلاها فى بيتِ عتبانٍ حين طلبه أن يصلى فى مكانٍ مِن داره ليتخذه مسجداً و صلاها حين بشر برأسِ أبى جهل و يؤيده حديث عائشة " لم يكن يصلى الضحى إلا أن يجئَ مِن مغيبة " .

القول الثالث : لا تستحب أصلاً .

القول الرابع : يستحب فعلها تارة و تركها تارة بحيث لا يواظب عليها و هو إحدى الروايتين عن أحمد .

الخامس : تستحب صلاتها و المواظبة عليها فى البيوت .

السادس : أنها بدعة .

جمهور علماء الأمة على أنها سُنة مؤكدة و أن أقلها ركعتان .

إن النبى صلى الله عليه و سلم كان يصليها فى بعضِ الأوقاتِ لفضلها و يتركها فى بعضِها خشيةً أن تُفرض .

أحب الصلاة ٳلى اللهِ صلاة داود

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ له : " أحب الصلاة ٳلى اللهِ صلاة داود عليه السلام و أحب الصيام ٳلى اللهِ صيام داود و كان ينام نصف الليل و يقوم ثلثه و ينام سدسه و يصوم يوماً و يفطر يوماً " .

كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم كل ليلةٍ و يصوم الدهر ٳلا قليلاً فأرادَ النبى صلى الله عليه و سلم أن يُُعلمه سنة اﻹسلام بأنها أكثر ثواباً عند اللهِ تعالى .. اﻹسلام دين الوسطية فلا ٳفراط فيه و لا تفريط .. وزعَ رسولُ اللهِ داود عليه السلام الليل أقساطاً حيث جعل النصف الأول للنومِ و الثلث الذى بعده للقيام ( نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه )  – كان يصلى ما تيسر له -  و السدس الأخير لاسترجاعِ ما عسى أن يكونَ قد فقد مِن نشاطه و قوته ليستقبلَ عمل النهارِ بعزيمةٍ كما أنه كان يصوم يوماً و يفطر يوماً ليتقوى به على سائرِ أعماله و ٳن أحب الأعمال ٳلى اللهِ أدومها و ٳن قل .. يبدأ ليل العابدين مِن العشاءِ فبعد صلاة العشاء يجب أن ينامَ الناسُ ٳلا لضرورةٍ مثل صلح بين اثنين , عمل لله , يزور مريض فى مستشفى ... . قال الله سبحانه و تعالى عن داود : ( نِعم العبد ٳنه أواب ) ( يا جبال أوبى معه و الطير ) ( ألنَّا له الحديد ) أصبحَ داودُ ماهراً فى صناعةِ الحديدِ فأصبحَ لَيِّناً فى يده .

لماذا كان ينام داود عليه السلام نصف الليل ؟

كان داودُ عليه السلام ينام أربع ساعات و كان ينام عليه السلام على الجانبِ الأيمنِ ليُريحَ القلب و لتهدئةِ الأعصابِ و لكى يأخذَ الدمُّ دورته و لكى تأخذَ المعدةُ راحتها .

دعاء السجود :

سجد لك سوادى و آمن بك فؤادى و خيالى , يا عظيماً يُرجى لكل عظيم , اغفر الذنب العظيم فانه لا يغفر الذنب العظيم ٳلا العظيم .

كان هذا النظامُ أحب ٳلى اللهِ تعالى لأنه أخذ بالرفقِ على النفوسِ التى يخشى منها السآمة المؤدية ٳلى تركِ العبادة .

قد اختلفَ العلماءُ فى أفضلِ الأوقاتِ لِمَن يرغبَ أن يصلى بعض الليلِ على قولين :

أحدهما : أنه جوف الليل .

الثانى : وقت السحر ليصلى به فريضة الفجر .

يؤخذ من الحديث :

1 – الاقتصاد و التزام حد الاعتدال فى العبادة .

2 – صلاة التهجد فى السدسينِ الرابع و الخامس مِن الليلِ مرغوب فيها لأنه وقت تجلى الرحمن على عباده .

3 – الحث على المداومةِ على العملِ و أن قليله الدائم خيرٌ مِن كثيرٍ ينقطع .

مروة برهان
داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة  

يعقد الشيطان ثلاث عُقَد تنحل بذكرِ الله

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدكم ٳذا هو نام بثلاثِ عُقَد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فان استيقظ فذكرَ اللهُ انحلت عقدة فان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس و ٳلا أصبح خبيث النفس كسلان " .

كان النبىُّ أمياً و هذا شرف لحضرةِ النبى فقط .. وُلِد مِن أمه على الفطرةِ التى فطرها اللهَ عليها و لم يتعلمْ ٳلا مِن ربه , ربَّه الذى ربَّاهُ و قالَ له ( اقرأ باسمِ ربك الذى خلق ) .
أحلى أوقات النوم فى النصفِ الأخيرِ مِن الليلِ لأن الثمرَ الطيبَ لا ينبت ٳلا أرضاً طيبة ( فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ) .
هذا الحدث ٳن دلَّ على شئٍ فانما يدل على صدقِ النبى صلى الله عليه و سلم و على أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم طبيب القلوب و على أن الرسولَ صلى الله عليه و سلم أعطى لأمته ما يسعدها و ما يطهرها و ما يجعلها عالية شامخة فى دنيا البشر .
أول شئ يحاسب عليه اﻹنسان " صلاته " فان صلحت صلح سائر عمله أى نهت عن الفحشاءِ و المنكرِ و أعطت نوراً و أعطت برهاناً و أعطت راحةً لأن الصلةَ ٳن وصلت لا تُقطع و ٳن قُطعت لا تُرفع .
و لذلك , يأمرنا اللهَ عز و جل أمر ندب و ليس أمر وجوب .
صلاة ربنا للنبى رحمة و صلاة الملائكة استغفار .. الصلاةُ تُطيلُ العمر .. الله سبحانه و تعالى وضع لكل ٳنسانٍ أجلين
↓ ↓
أجل فى أجل فى

أمِّ الكتاب اللوحِ المحفوظ
يؤخذ مِن الحديث :
1 – الحث على ذكرِ اللهِ تعالى عند الاستيقاظ .
2 – التحريض على الوُضوءِ عند القيامِ مِن النوم .
3 – الوُضوءُ يُعينُ على طردِ النوم .

مروة برهان
داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

القول عن صلاةِ الضحى

كتبت – مروة برهان :
عن عائشةٍ رضى الله عنها قالت : " إن كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم ليدع العمل و هو يحبُ أن يعملَ به خشيةً أن يعملَ به الناس فيفرض عليهم و ما سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سُبحة الضحى قط و إنى لأسبحها " .

الصلاة مقام المناجاة و وقوف العبد بين يدى ربه و إذا كان اللهُ قد فرض خمس صلوات فى اليومِ و الليلةِ فذلك تخفيفٌ منه تعالى و رحمةٌ لكن على العبدِ أن يزيدَ فى هذا الفضل و بخاصةٍ إذا طال الفاصل الزمنى بين الفرضين فحيث طالَ الفصل بين صلاةِ الفجرِ و صلاةِ الظهرِ شُرعت صلاة الضحى إلا أنه لما كان وقتُ الضحى وقت انشغال البشر بأعمالهم الدنيوية غالباً يضربون فى الأرضِ ويسعى أكثرهم فى طلبِ الرزقِ لم يبرزْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم صلاة الضحى إشفاقاً على أمته .

علمَ الصحابةُ الحقيقة و فهموا المقصدَ فحرصَ المتفرغون منهم على صلاةِ الضحى حتى قالت عائشة رضى الله عنها : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى سنة الضحى و إنى لأصليها "  و قال أبو هريرة رضى الله عنه : " أوصانى خليلى بثلاث : بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كل شهرٍ و ركعتى الضحى و أن أوترَ قبل أن أنام " .

" سُبحة الضحى " : صلاة الضحى / "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلى سُنة الضحى " أى عندها أى عند عائشةٍ إنما هى عرفت أنه سبحها فى أماكنٍ أخرى فى المسجد / " و إنى لأصليها " : صلت عائشة نفسها صلاة الضحى .. بعض العلماءِ قال أن صلاةَ الضحى سُنة مؤكدة و هو كلامُ الجمهور / " و ما سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سُبحة الضحى " مرادها على صلاةِ الضحى و التسبيح جزء الصلاة فأُطلق الجزء و أُريد الكل كركعةٍ و سجدةٍ لكن العرف الشرعى استعمل السُبحة فى النوافلِ لأن التسبيحَ الذى فى الفريضةِ نافلة .

بلغت الأقوالُ فى صلاةِ الضحى ستة أقوال :

الأول : أنها مستحبة و اختلف فى عددِ ركعاتها فقيل : أقلها ركعتان و أكثرها اثنتا عشرة و قيل : أكثرها ثمان و قيل : ركعتان فقط و قيل : أربع فقط و قيل : لا حد لأكثرها .

الثانى : أنها لا تُشرع إلا لسببٍ لما ثبت أن الرسولَ صلى الله عليه و سلم صلاها يوم فتح مكة و صلاها فى بيتِ عتبانٍ حين طلبه أن يصلى فى مكانٍ مِن داره ليتخذه مسجداً و صلاها حين بشر برأسِ أبى جهل و يؤيده حديث عائشة " لم يكن يصلى الضحى إلا أن يجئَ مِن مغيبة " .

القول الثالث : لا تستحب أصلاً .

القول الرابع : يستحب فعلها تارة و تركها تارة بحيث لا يواظب عليها و هو إحدى الروايتين عن أحمد .

الخامس : تستحب صلاتها و المواظبة عليها فى البيوت .

السادس : أنها بدعة .

جمهور علماء الأمة على أنها سُنة مؤكدة و أن أقلها ركعتان .

إن النبى صلى الله عليه و سلم كان يصليها فى بعضِ الأوقاتِ لفضلها و يتركها فى بعضِها خشيةً أن تُفرض .

السُنة النحر بعد الصلاة

عن البراءِ رضى الله عنه قال : سمعت النبى صلى الله عليه و سلم يخطب فقال : " إن أولَ ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلى ثم نرجع فننحر فمَن فعلَ فقد أصاب سنتنا " .

يوم العيد يوم سرور و تمتع بالمباحِ فى حدودٍ مشروعةٍ بالحياةِ الدنيا . يوم العيد هو يومٌ ترويحٌ عن الأبدانِ فالإسلام يدعو إلى التسميةِ و ذكرِ اللهِ عند الأكلِ و يدعو فى يومِ العيدِ أن يبدأَ بصلاةِ العيدِ و بأداءِ شعيرةِ عيدِ الفطرِ بزكاةِ الفطرِ و بأداءِ شعيرةِ عيدِ الأضحى بذبحِ الأضحيةِ و يجب انتقاء الأضحية  و أداء حق الفقير و حق الأهل و الرحم منها و واظب عليها الصحابة مِن بعده و كل المسلمين إلى يومنا هذا .

هكذا شرعت صلاة العيد و كان يعد رسول الله صلى الله عليه و سلم لها مكاناً خارجاً متسعاً يكفى المسلمين المصلين و كان يخرج النساء و الفتيات حتى الحيضَ منهن مع الرجالِ و الصبيانِ إلى مصلى العيد و كان يخطب المسلمين و المسلمات شعائر هذا اليومُ و كان مما قال فى بعضِ خطبه فى عيدِ الأضحى إن أولَ ما نبدأ به فى مثلِ هذا اليومُ مِن الأعيادِ أن نصلى صلاة العيد ثم نرجع إلى منازلِنا فننحر أضحيتنا فمَن فعلَ ذلك و رتب هذا الترتيبُ فقد أصاب السنة أى أدى السنة . الأضحية سنة مؤكدة و كل ما ذبح قبل الصلاةِ فهو صدقةٌ و الصدقة هى طعامٌ يقدمه الإنسان للفقراءِ و المساكين .

خطب الرسولُ صلى الله عليه و سلم فى هذا اليوم و قال : " إن دماؤكم و أعراضكم و أموالكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكُم هذا فى شهرِكُم هذا . ألا قد بلغت ؟ لعلى لا ألقاكم بعد عامِكُم هذا " .

صلاة العيد مطلوبة بإجماعِ المسلمين و أول صلاة عيد صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت صلاة عيد الفطرِ فى السَنةِ الثانيةِ مِن الهجرةِ و اختلفوا فى حكمِها فقال أبو حنيفة و أصحابه : هى واجبة وجوباً عينياً لا كفائياً لمواظبته صلى الله عليه و سلم عليها و قال الشافعيةُ و المالكية : هى سنةٌ مؤكدةٌ و قد قال الشافعى : " مَن وجبَ عليه حضور الجمعةِ وجب عليه حضور العيدين " و قال أحمد : هى فرضُ كفايةٌ و استدلوا بقوله تعالى : { فصلِ لربك و انحر } و حمل الأمر على الوجوب .

اجعل صلاتك مع مَن هداكَ و مَن حماكَ و مَن نوركَ و مَن علاك .

يؤخذ من الحديث :

1 – تقديم العبادةِ على اللعبِ و المرحِ يوم العيد .

2 – أن الصلاةَ ذلك اليومُ هى الأمرُ المهم .

3 – مشروعية خطبة العيد و أنها بعد الصلاة .

4 – أن على الإمامِ أن يتناول فى خطبته حض الناس و توجيههم لما يشرع يوم العيد .

5 – أن النحرَ بعد الصلاة .

6 – استحباب التبكير إلى صلاةِ العيد .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

الأراك
(فصيلة: Salvadora persica)

علمياً تسمى سالفادورا بيرسيكا وفي اللغةِ الأورديةِ عرفت باسم "بيلو" ومشهورة بشكلٍ عامٍ باسم "شجرة فرشاة الأسنان"و (المسواك )

أشجار معمرة دائمة الخضرة مِن الفصيلةِ الزيتونيةِ يُكثر في الجزيرةِ العربيةِ في المملكةِ العربيةِ السعودية, ورقه يظهر طعم ورائحة طيبه عند تذوقه وجذوره تمتد تحت الأرضِ , زهوره صفراء صغيرة ويُثمر في شهرِ مارسٍ وتنضج الثمرة في أوائلِ مايو وثماره تتوجد على هيئةِ عناقيدِ عنبيةِ الشكلِ تكون في البدايةِ بلَونٍ أخضرٍ ثم تتحول إلى اللونِ الأحمرِ الفاتحِ وعند النضجِ يكون لونها بنفسجيا إلى أسودٍ وتسمى بالكباثِ وهو ذو طعمٌ طيبٌ ونكهةٌ مستحبةٌ تجعل الناس يقبلون على التلذذِ بأكله .

شجرة الأراك تشبه في شكلِها شجرة الرمان فأوراقه مفردة بيضاوية وملساء متقابلة هي دائماً الخضرة طوال فصول السنة وتنتشر لمسافاتٍ كبيرةٍ على سطحِ الأرضِ والشجرة الواحدة تشبه الغابة في شكلِها

تُرعَى الأبلَ على أغصانِه وتأكل البشرُ والطيورُ مِن ثمرِه ويُسمى الكباث.

أخذت بعض الدولِ العربيةِ التي تُكثر فيها الصحاري على زراعةِ نباتِ الأراك لتثبيتِ التربةِ الرمليةِ ولفوائدِه الأخرى.

تنمو شجرةُ الأراكِ في الأماكن الحارةِ والاستوائيةِ وتُكثر في أوديةِ الصحارِى وتكون قليلةٌ في الجبالِ وتوجد بكثرةٍ في السعوديةِ خاصةٍ في أبها وجيزان كما ينمو الأراكُ في سَيناءِ وصعيدِ مصرِ والسودانِ وإيرانِ وشرقِ الهندِ وباكستان.
________________________

المسواكِ و هو عُودٌ مِن شجرةِ الأراك . يؤخذ غالباً مِن جذورِ الأراكِ

فضيلة السواك

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لولا أن أشق على أمتى أو على الناسِ لأمرتهم بالسواكِ مع كل صلاة " .

الإسلام دين النظافة و دين المحافظة على الصحةِ و دين الألفةِ و المحبةِ بين أعضاءِ المجتمع , أهداف جليلة تتحقق مِن عملٍ يسير , أهداف عملاقة يغرسها عود الأراكِ المسمى بالسواك , مطهرة للفم مِن فضلاتِ الطعام , مغير للرائحةِ المنبعثةِ مِن خللٍ فى اللثةِ و منظف للأسنانِ و للسانِ مِن الألوانِ الغريبةِ و الصفرةِ  ثم بعد ذلك يحفظ الفم مِن كثيرٍ مِن الأمراضِ و يحفظ الأضراس مِن نخرِ السوسِ و يحفظ اللثة مِن الضعفِ أو التشققِ و يحفظ المعدة مِن عفوناتِ الطعام .

بالرائحةِ الطيبةِ و النظافة الظاهرة , تتم المودة و الألفة بين الناس . تلك بعض فوائدِ السواكِ الدنيويةِ التى لا تقاسَ بالفوائدِ الأخروية . السواك مرضاةٌ للرب و لولا الرفق بالمؤمنين لكان السواك فرضاً على المسلمين عند كل وضوءِ و عند كل صلاة .

" لولا أن أشق على أمتى –أو على الناس – " و فى رواية لمسلم " لولا أن أشق على المؤمنين " فالمراد مِن الأمةِ و مِن الناسِ المؤمنون لأنهم الذين تتوجه إليهم أوامر الدين و التقدير لولا خوف المشقة على المؤمنين موجود لأمرتهم بالسواكِ .

" لأمرتهم بالسواك " : قال أهل اللغة : السِواك يُطلق على العودِ الذى يتسوك به , يقال : ساك فمه يسوكه سوكاً , فإذا قلت : استاك لم يذكرْ الفم و جمع السواك سوك مثل كتاب و كتب و هو فى اصطلاح استعمال عود أو نحوه فى الأسنانِ لتذهب عنها الصفرة و تغيير الوائح الكريهة .

فى السواكِ وردت أحاديث كثيرة منها :

1 – روى البخارى عن أبى هريرة " لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواكِ عند كل وضوء " .

2 – روى أحمد و النسائى و الترمذى عن عائشةِ أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " .

3 – عند أحمد عن عائشة قالت : " كان النبى صلى الله عليه و سلم لا يرقد مِن ليلٍ و لا نهارٍ فيستيقظ إلا يتسوك قبل أن يتوضأ " .

الجمهور على أنه لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه و سلم لما رواه ابن ماجة عن أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " ما جاءنى جبريل إلا أوصانى بالسواكِ حتى خشيتَ أن يفرضَ علىَ و أمتى " و روى أحمد بإسنادٍ حسن أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " أمرت بالسواك حتى خشيتَ أن يُكتب على َ " .

إذا جاوزنا حكم السواكِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم وجدنا العلماءَ يتفقون على أنه سنة لعامةِ المسلمين , ليس بواجبٍ فى حالٍ مِن الأحوال , لا فى الصلاةِ و لا فى غيرها بإجماعِ مَن يعتدَ به فى الإجماعِ كما قال النووى و حُكِىَ عن داودِ الظاهرى أنه أوجبه للصلاةِ لكن إن تركه لا تبطل صلاته و حكى عن إسحاق بن راهوية أنه قال : هو واجبٌ فإن تركه عمداً بطلت صلاته .

إن السواكَ مستحبٌ فى جميعِ الأوقاتِ و هو أشد استحباباً فى خمسةِ أوقات : عند الصلاةِ و عند الوضوءِ و عند قراءةِ القرآنِ و عند الاستيقاظِ مِن النومِ و عند تغيرِ الفم مِن أكلٍ أو شُربٍ أو طولِ سكوتٍ أو طولِ كلامٍ أو طولِ عدم الطعامِ و الشراب .

أما بم ؟ و كيف يستاك ؟ فأفضله عود الأراكِ ثم عود الزيتونِ ثم عود أى شجرٍ يصلح لذلك مِن طيبِ الرائحةِ و أن لا يكون شديد اليبس و لا رطباً و أن يغسله و يرطبه قبل استعماله و أن يمر به على الأسنانِ طولاً و عرضاً و أن يمر به على اللسانِ و على طرفِ الأسنانِ و كراسى الأضراسِ و سقفِ الحلقِ و أن يستعمله برفقٍ لئلا يدمى اللثة و يستاك حتى يطمئنَ لزوالِ النكهةِ و نظافةِ الفم . الأفضل أن لا يستاكَ المسلمُ بحضرةِ الغيرِ و أن يتمضمضَ بعده و أن لا يستعملَ سواك غيره .

يؤخذ من الحديث :

1 – ما كان عليه صلى الله عليه و سلم مِن الرفقِ بأمته و الشفقة عليها .

2 – الحديث بعمومه يدل على استحبابِ السواكِ للصائمِ بعد الزوالِ خلافاً للشافعية .

مروة برهان

داعية إلى الإسلام & كاتبة

اﻹسراع ٳلى أداءِ الأمانة

عن عقبة رضى الله عنه قال : " صليت وراء النبى صلى الله عليه و سلم بالمدينةِ العصرِ فسلَّمَ ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس ٳلى بعضِ حُجَرِ نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا مِن سرعته فقال ذكرت شيئاً مِن تِبْرٍ عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته " .

كان مِن عادته صلى الله عليه و سلم أن يمكثَ فى مكانه بعد السلامِ مِن صلاةِ الجماعةِ بعض الوقتِ حتى لا يقومَ الرجال ٳلى أن ينصرفَ النساء المصليات .

لكن هذه العادةُ تغيرت يوماً حين سلَّمَ رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً مِن صلاةِ العصرِ فقام مِن مصلاه مسرعاً يتخطى رقاب المصلين أى يمر بينهم و هم جلوس  قبل أن يقوموا متجهاً نحو بيته , أحد بيوت أمهات المؤمنين , و تعلق نظر الصحابة به صلى الله عليه و سلم و هو يسرع نحو مدخل منزله و لم يمضِ ٳلا قليل مِن الوقتِ حتى خرجَ ٳليهم يعلم قلقهم و فزعهم مِن هذا التصرف غير المعتاد و يحرص على طمأنتهم و ٳزالة قلقهم , عاد ٳليهم ليوضح سر فزعه و ٳسراعه و ليحثهم على أن يقتدوا به لكنهم ما رأوه حتى بادروه بالسؤالِ , قبل أن يوضحَ ٳليهم , ٳنهم عجلون يخشون أن يكونَ فى ٳسراعه خطر عليهم أو أن يكونَ مِن أجلِ وحىٍ يؤاخذهم عن فعلٍ و يسيئهم ثم ٳنهم لا يصبرون على قلقٍ يدفع الرسول صلى الله عليه و سلم ٳلى مثل هذا التصرف فأجابهم الرسول صلى الله عليه و سلم ؛ ٳنه مع قربه مِن ربه أخشى الناس لله و أتقاهم له , ٳنه أخر واجباً يقدر على أدائه دون تأخير , ٳنه نسى أن يوزعَ شيئاً مِن مالِ الصدقةِ قبل أن يخرجَ للصلاة . لقد ترك تِبْر – التبر الذهب غير المضروب و قيل : ذهب أو فضة أو جميع جواهر الأرضِ قبل أن تصاغَ و فى رواية "تِبْراً مِن الصدقة -  الصدقة فى بيته و جاء للصلاةِ فلقد تذكره فى الصلاةِ فأخذ يفكر فيه و شغل عن ٳتمامِ الخشوعِ فكان لزاماً عليه أن يبادرَ هذا الواجبُ فدخل بيته و أمر بتوزيعه .

" فكرهت أن يحبسنى " يشغلنى التفكير فيه عن كمالِ التوجهِ و اﻹقبالِ على اللهِ تعالى أى فكرهت أن حبسنى – حبس سؤال - يقيدنى فى الموقفِ يومِ القيامةِ و الكراهة هنا معناها الخوف .

سارع النبى بعد فراغه مِن صلاته ٳلى قسمةِ المالِ بنفسه كما ورد فى روايةِ أبى عاصم " فقسمته " أو أمر بتقسيمه و توزيعه كما فى الروايةِ التى معنا .

يستفاد مِن هذا الحديث عدة أمور منها :

1 – ٳباحة التخطى لرقابِ الناسِ للحاجةِ التى لا غنى عنها كالبول .

2 – التفكير أثناء الصلاة فى أمرٍ أجنبىٍّ عنها لا يفسدها و لا ينقص مِن كمالِها و هذا معتمدٌ على أن تذكرَ التبر كان فى الصلاةِ و يؤيده رواية " ذكرت و أنا فى الصلاة " .

3 – جواز اﻹنابةِ للغيرِ فى فعلِ الخيرِ مع القدرةِ على المباشرةِ أخذاً مِن رواية " فأمرت بقسمته " .

4 – تأخير الصدقةِ يحبس صاحبها يوم القيامةِ فى الموقف لقوله صلى الله عليه و سلم " فكرهت أن يحبسنى " أى يمنعنى فى الآخرة .

5 – المكث بعد الصلاةِ ليس بواجبٍ و أنه صلى الله عليه و سلم كان ٳذا سلَّمَ لم يقعدْ ٳلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و اﻹكرام " .

داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

لا تقولوا مُطِرنا بنوءِ كذا

عن زيد بن خالد الجُهَنِىِّ رضى الله عنه قال : " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبحِ بالحديبيةِ على ٳثرِ سماءٍ كانت مِن الليلةِ فلما انصرف أقبل على الناسِ فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم عز و جل ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : قال أصبح مِن عبادى مؤمنٌ بى و كافرٌ فأما مَن قال : مُطِرنا بفضلِ اللهِ و رحمته فذلك مؤمنٌ بى و كافرٌ بالكوكبِ و أما مَن قال بنوءِ كذا و كذا فذلك كافرٌ بى و مؤمنٌ بالكوكب " .

كان العربُ يستضيئونَ فى ليلهِم بالقمرِ و يسترشدونَ فى أسفارهِم بالنجومِ كما حكى عنهم القرآن الكريم بقوله ( و علامات و بالنجمِ هم يهتدون ) و كان مِن تتبعهم لحركاتِ النجومِ أن رصدوا ثمانية و عشرين نجماً – و هى المسماة بمنازلِ القمر – فعرفوا أن كل نجم منها يعيش ثلاثة عشر يوماً تقريباً ثم يسقط فى المغربِ و يطلع نجم بدله مِن المشرقِ فسموا هذه النجوم بأسماء .

ثبت للعربِ مِن تجاربهِم و ملاحظاتهِم أن المطرَ كثيراً ما يغيثهم ٳذا غاب نَجم كذا أو طلع نَجم كذا و ارتبط فى نفوسهِم نزول المطر بمطالعِ بعضِ النجوم .

بمرورِ الزمنِ و بزحفٍ مِن الوثنيةِ على معتقداتهم , ظنوا أن هذه النجوم هى التى تسقط المطر و نسبوا الفضل فى المطرِ ٳليها و نسوا الله تعالى صاحب النعمةِ فقالوا : مُطِرنا بنجمِ كذا و الفضل فى المطرِ لكوكبِ كذا .

جاء اﻹسلامُ المحطم للوثنية , الموجه لعبادةِ اللهِ وحده فلفت نظرهم مراراً ٳلى أنه جل شأنه هو الذى يُسيِّر الرياح فتثير سًحاباً فيبسطه فى السماءِ كيف يشاء فيجعله قطعاً متراكمة تثير بسرعة جريها و احتكاكها الرعد و البرق ( و هو الذى يُنزِّلُ الغيث مِن بعدِ ما قنطوا و ينشر رحمته و هو الولىُّ الحميد ) ( و مِن آياتهِ أن يُرسلَ الرياح مبشرات و ليُذيقَكُم مِن رحمتهِ و لِتَجرِىَ الفلكُ بأمرهِ و لتبتغوا مِن فضلهِ و لعلكم تشكرون ) .

ساق رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم هذا الحديثُ فى ليلةٍ مِن ليالى القحط و فى صحراءِ الحديبية – الحديبية مكان أو قرية صغيرة سميت باسم بئر و هى على تسعةِ أميالٍ مِن مكة - حين اشتد العطش بالمسلمين و بدوابهم و حين ساق الله تعالى ٳليهم سحابة مليئة أُمطِرَت عليهم غيثاً فشربوا و سقوا و أصبحوا فرحين مستبشرين و صلوا الصبحَ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فلما سلم مِن الصلاةِ أقبل عليهم يُذكرهم بنعمةِ اللهِ و يوجههم ٳلى شكرها فقال لهم : هل تدرون ماذا قال ربكم اليوم ؟ قال تعالى فى الحديثِ القدسىِّ : أصبح فريقٌ مِن عبادى – المراد مِن عباده عموم الناس و ليسوا عباد الرحمنِ المتشرفين باضافتهم ٳليه فقط - مؤمنٌ بى يسند نعمتى ٳلىِّ , كافراً بالكواكب , لا يسند ٳليها ما ليس منها يقول : مُطِرنا بفضلِ اللهِ و رحمته فله الحمد و له الشكر , و أصبح فريقٌ مِن عبادى كافرٌ بى , يجحد نعمائى و يسند نعمى ٳلى غيرى و يجعل جزائى على رزقى ٳياه تكذيباً لى و يعتقد أن النجومَ صاحبة الفضلِ فى رزقهِ فيقول : مُطِرنا بفضلِ نَجمِ كذا و مُطِرنا بتأثيرِ كوكبِ كذا فيجحدنى و يشكرها و ينسانى و يذكرها فلذلك كافرٌ بى مؤمنٌ بالكواكب .

يُطلق الكفر شرعاً و يراد به الخروج عن ملةِ اﻹسلامِ و يُطلق و يراد به كفر النعمةِ و جحودها .

و على هذا ينبغى أن يقال : ٳن مَن قال : مُطِرنا بنوءِ كذا معتقداً أن الكوكبَ فاعلٌ مدبرٌ منشئٌ للمطرِ كما كان بعض أهل الجاهليةِ يزعم فهو كافرٌ خارجٌ عن الملةِ و مَن قال : مُطِرنا بنوءِ كذا معتقداً أنه مِن اللهِ تعالى و برحمته فهذا لا يكفر و ٳن كره هذا القولُ لأنها كلمة ترددت بين الكفارِ  واللهُ أعلم .

بقلم : مروة برهان

داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

الاستعاذة من عذابِ القبر

عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه و سلم رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو فى الصلاة : " اللهم ٳنى أعوذ بك من عذابِ القبرِ و أعوذ بك مِن فِتنةِ المسيحِ الدجالِ و أعوذ بك مِن فتنةِ المحيا و فِتنةِ المماتِ اللهم ٳنى أعوذ بك مِن المأثمِ و المَغْرمِ فقال له قائل : ما أكثر ما تستعيذ مِن المَغْرمِ ؟ فقال : ٳن الرجلَ ٳذا غرم حَدَّثَ فَكَذَبَ وَ وَعَدَ فَأَخْلَفَ" .

رجعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم مِن المسجدِ ٳلى بيتِ عائشةِ فوجد عجوزين تناقشان عائشة فى عذابِ القبرِ كانتا مِن يهودِ المدينةِ و كانتا تخدمان عائشة و كانتا تستعيذان مِن عذابِ القبرِ و كانت عائشة تكذبهما و تقول : أفى القبر عذاب ؟ .

كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يوافق عائشة على ٳنكارهِ حيث لم ينزلْ بذلك وحى و يخشى أن يكونَ الخبر مِن صُنعِ اليهودِ لفتنةِ المؤمنين . نزل الوحى و هو فى المسجدِ بأن عذاب القبر حق و رجع ليجد العجوزين تناقشان عائشة فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : صدقيهما يا عائشة لقد أُوحِىَ ٳلىَّ أن عذابَ القبرِ حق . تقول عائشة : فما رأيته صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يصلى ٳلا و يستعيذ فى صلاته مِن عذابِ القبر . كان صلى الله عليه و سلم يُعلِّم أصحابه الاستعاذات كما يُعلِّمهم القرآن و كان يرفع بها صوته فى الصلاةِ لتعليمهم و ليقتدوا به فكان يقول لهم : استعيذوا باللهِ فى صلاتكم بعد نهايةِ التشهدِ الأخيرِ و قبل السلامِ مِن أربع : عذاب القبرِ و مِن فِتنةِ نزولِ المسيحِ الدجالِ و مِن فتنةِ الحياةِ أى زينتها و زخارف الدنيا و مِن فتنةِ المماتِ أى سوء الخاتمةِ و كان صلى الله عليه و سلم يكثر أمام أصحابه مِن الاستعاذةِ من المأثم و المَغْرمِ أى مِن اﻹثمِ و العصيانِ و مِن غلبةِ الدَّينِ أى الغرامات المالية التى لا يقدر على أدائها فقيل له : يا رسول الله . ما أكثر ما تستعيذ مِن المَغْرمِ فما خطره الذى أزعجك حتى أكثرتَ مِن الاستعاذةِ منه ؟ قال صلى الله عليه و سلم : ٳن المَغْرَمَ باب شر كبير لأن الرجلَ ٳذا غرم و لم يستطعْ الأداء اختلق لصاحبِ الحقِ الأكاذيب و وعد أن يُوفِىَ الدَّينِ فى يومِ كذا ثم لا يُوفِى فيورث المغرم شعبتين مِن شِعبِ المنافقين : الكذب و خلف الوعد و ما أقبح هاتين الرذيلتين ! ! و ما أقبح مَن يتصفَ بهما .

و هكذا عَلَّمَ الرسولُ الكريم أمته دعاء يقيهم الشرور فى الدنيا و الآخرة .

صلى الله عليه و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و مَن اهتدى بهداه .

" اللهم ٳنى أعوذ بك " أى ألجأ ٳليك طالباً الحصانة و الحماية . " مِن عذابِ القبر " أضيف العذاب ٳلى القبرِ مع أن مَن لم يُقبرْ مِن الموتى يُعذَّب أو يُنعَّم فى وضعه الذى صار ٳليه بعد الموتِ لأن الغالبَ على الموتى أن يُقبروا . " و أعوذ بك مِن فِتنةِ المَسيحِ الدجال " الفتنة أى الاختبار . " و أعوذ بك مِن فتنةِ المحيا و الممات " بمعنى الحياةِ و الموتِ أى الفتنة زمن الحياة مِن الجهالاتِ و الفتنةِ زمن الاحتضار مِن سوءِ الخاتمةِ و العياذ بالله . " اللهم ٳنى أعوذ بك مِن المأثمِ و المَغْرم " أى مِن اﻹثمِ الذى يجر ٳلى الذمِّ و العقوبةِ أى أعوذ بك مِن الوقوعِ فى الذنب و " المَغْرم " الدَّين ثم يعجز عن الأداءِ فالاستعاذة مِن غلبةِ الدَّينِ و قيل : ما يصيب اﻹنسان فى ماله مِن ضرر .

 اختلف العلماء فى عذابِ القبر , هل يقع على الروحِ فقط أو عليها و على الجسد ؟ أو على الجسدِ وحده ؟ جمهور العلماء أنه يقع على الروحِ و الجسدِ و استدلوا بالحديث " ٳنهم يُعذَّبونَ عذاباً تسمعه البهائم " و حديث " يُضرب بين أذنيه " و حديث " فيُقعدانه " مما يدل على عذابِ الروحِ و الجسدِ فان عذابَ الروحِ وحده لا يُسمع .

عذاب القبرِ ثابت بهذه الأحاديثِ و يُستدل له بقوله تعالى ( فكيف ٳذا توفَّتهمُ الملائكةُ يَضربونَ وجوههُم و أدبارهُم ) ٳذ يفيد أن الضربَ يعقب الوفاة و بقوله تعالى عن آلِ فرعون ( النار يُعرضونَ عليها غدوَّاً و عشيَّاً و يوم تقومُ الساعةُ أَدخلوا آلَ فرعونَ أشدَّ العذاب ) . الأحاديث صريحة فى أنه يقع على المؤمنين و الكفار مِن أمتنا و مِن الأممِ السابقة .

الاستعاذة الواردة مستحبة بعد التشهدِ و قبل السلامِ و دعاؤه صلى الله عليه و سلم قصد تعليم الأمة أو أن دعاءَه و استعاذته لأمته فيكون المعنى أعوذ بك لأمتى و فيه تحريض لأمته على ملازمةِ ذلك .

أما الاستعاذة مِن فِتنةِ الدجالِ و يدل على ذلك قوله صلى الله عليه و سلم فى حديث رواه مسلم " ٳن يخرج و أنا فيكم فأنا حجيجه " قال البدر العينى : فائدة استعاذته صلى الله عليه و سلم مِن المَسيحِ الدجالِ أن ينتشرَ خبره بين الأمةِ مِن جيلٍ ٳلى جيل , انه كذَّاب , مغتر و ساعٌ على وجه الأرض بالفساد .

يؤخذ من الحديث :

1 – ٳثبات عذاب القبر .

2 – ٳثبات المسيح الدجال و أنه سيخرج فى آخرِ الزمانِ و أنه فِتنة و شر .

3 – الاستعاذة باللهِ مِن جميعِ الشرورِ الدُّنيويَّةِ و الأخروية .

4 – بشاعة الدَّينِ و التنفيرِ منه لِما يؤدى ٳليه مِن الكذبِ و الخلفِ بالوعدِ عند العجز .

5 – الاستعاذة باللهِ مِن اﻹثمِ و العصيان .

6 – استحباب الدعاءِ فى آخرِ الصلاة .

7 – كمال شفقته صلى الله عليه و سلم و كمال حرصه على ما ينفع أمته .

بقلم : مروة برهان

داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

النهى عن رفعِ البصرِ ٳلى السماءِ فى الصلاة

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ما بالُ أقوامٍ يرفعون أبصارَهُم ٳلى السماءِ فى صلاتهم " فاشتد قوله فى ذلك حتى قال " لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهُم " .

ظن الصحابة أن التوجهَ ٳلى السماءِ بالوجهِ و اليدينِ حين الدعاء مستحسن لقوله تعالى ( و فى السماء رزقكم و ما توعدون ) لأنها – كما قيل – قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة فكان بعضهم يرفع رأسه و بصره ٳلى السماءِ فى الدعاءِ فى الصلاةِ و نهاهم صلى الله عليه و سلم عن ذلك لأنه ينافى الخشوع و الخضوع المطلوب فى الصلاة .
يبدو أن بعضَ الصحابةِ رفع بصره ٳلى السماءِ بعد النهى مما أغضب النبى صلى الله عليه و سلم حتى شددَ النبى صلى الله عليه و سلم الوعيد و خيرهم بين الانتهاء عن رفعِ الأبصارِ ٳلى السماءِ فى الدعاءِ فى الصلاةِ و بين العمى و خطف الأبصار فكان هذا التهديدُ كافياً فى الانتهاء .
ظاهر الحديث النهى عن رفعِ البصرِ ٳلى السماءِ فى الصلاةِ مطلقاً سواء أكان ذلك أثناء الدعاء أم كان عند غير الدعاء لكن فى رواية مسلم " لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاءِ فى الصلاةِ ٳلى السماء ... " مما يقيد النهى بلحظةِ الدعاءِ فى الصلاةِ فان حملنا المطلق على المقيد كان المقصود من حديثنا النهى عن رفعِ البصرِ ٳلى السماءِ فى الصلاة أثناء الدعاء فقط .
السؤال الذى يفرض نفسه : ٳذن , فما هى الهيئةُ المشروعةُ للنظرِ أثناء الصلاة ؟
قال ابن بطال : يرى مالك أن نظرَ المصلى يكون ٳلى جهةِ القبلة .
قال الشافعية و الحنفية : يستحب للمصلى أن ينظرَ ٳلى موضعِ سجودهِ لأنه أقرب للخشوع .
أما ٳذا أغمض عينيه فى الصلاةِ فقد قال الطحاوى : كرهه أصحابنا .
قال مالك : لا بأس به فى الفريضةِ و النافلة .
قال النووى : لا يكره ٳذا لم يخف ضررا لأنه يجمع الخشوع و يمنع من ٳرسال البصر و تفريق الذهن .
أما عن رفعِ البصرِ ٳلى السماءِ فى الدعاءِ فى غيرِ الصلاةِ فقد أجازه الجمهور لأن السماءَ قبلة الدعاء كما أن الكعبةَ قبلة الصلاة والله أعلم .

بقلم : مروة برهان
داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

معصية المتخلفين عن الجماعة

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " والذى نفسى بيده لقد هَمَمْتُ أن آمر بحطب فيُحطب ثم آمر بالصلاة فيُؤذَّن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف ٳلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذى نفسى بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرماتين لشهد العشاء " .

مِن أبرزِ أهدافِ اﻹسلامِ ترابط المجتمع و غرس المودة و المحبة بين أبنائه حتى يُصبح كالجسدِ الواحدِ ٳذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى .

لقد وُلد اﻹسلام فى مجتمعٍ متفرق , لا يضمه هدف و لا تجمعه غاية و تترفع كل قبيلة على الأخرى فحارب اﻹسلامُ هذه العصبية و سوى بين الناس كأسنان المشط و نادى بقرآنٍ يُتلى ( يا أيها الناس ٳنا خلقناكم مِن ذكرٍ و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا ٳن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

كانت صلاة الجماعة ٳمامها رسول الله صلى الله عليه و سلم و مناديها بلال بن رباح العبد الحبشى , يقف المسلمون فيها صفوفاً كصفوف الملائكة و الأقدام مساوية للأقدام و الكل يتحرك حركة واحدة فاذا ما قضيت الصلاة التقى المسلمون بعضهم ببعضٍ و عرفوا غائبهم .

دخل فى اﻹسلام منافقون , ثَقُلَت عليهم صلاة الفجر و صلاة العشاء و ثَقُلَت عليهم الجماعات فكانوا يتخلفون – التقييد بالرجال يُخرج النساء و الصبيان -  فكان المناسب لهم الوعيد و التهديد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد فكرت و هممت – قصدت , و الهم العزم -  أن أنفذ فكرتى أن يؤذن المؤذِّن للصلاة و يقيم ثم آمر رجلاً يصلى بالناس بدلاً منى ثم آخذ بعض الفتية و بعض حزم الحطب فنحرق بيوت المتخلفين عن الجماعةِ و هم فيها و خاف المنافقون فحافظوا حتى الأعمى الذى يشكو تعثره فى الظلماء و فى السيل لم يؤذن له بالتخلف عن الجماعة و أصبحت الجماعة فى المسجد لا يتخلف عنها ٳلا منافق معلوم النفاق مغاضب لله و رسوله و المسلمين ( فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاةَ و اتبعوا الشهواتَ فسوف يلقَون غَياً ) .

يشير الحديث ٳلى صلاة الجماعة لأنها أفضل مِن صلاةِ الفردِ بخمسٍ و عشرين أو سبع و عشرين درجة .

حكم صلاة الجماعة :

المذهب الأول : فرض عين و ليست شرطاً لصحةِ الصلاةِ فتصح الصلاة بدونها مع اﻹثم و هو مذهب الأوزعى و أحمد و جماعة من محدثى الشافعية و قالوا : لو كانت فرض كفاية لكان قيام النبى صلى الله عليه و سلم بها كافياً و لو كانت سُنة لما هدد تاركها بالتحريق ثم ٳن النبى صلى الله عليه و سلم لم يرخص لابن أم مكتوم و هو أعمى فى ترك الجماعة و لو كانت فرض كفاية لرخص له .

المذهب الثانى : أنها فرض كفاية و هو مذهب جمهور المتقدمين من الشافعية و به قال كثيرٌ مِن الحنفيةِ و المالكية .

المذهب الثالث : أنها سُنة مؤكدة و استدلوا بعدة نقاط ٍمن الحديث نفسه :

1 – أن الحديث يدل على عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه و سلم هَمَّ و لم يفعل و لو كانت فرض عين لنفذ ما هَمَّ به .

2 – ٳن المراد بالصلاةِ صلاة الجمعة خاصة .  

يؤخذ من الحديث :

1 – أخذ منه بعضهم أن العقوبة كانت فى أول الأمر بالمال لأن تحريق البيوت عقوبة مالية .

2 – جواز الانصراف بعد ٳقامة الصلاة لعذر .

3 – تقديم الوعيد و التهديد على العقوبة .

4 – جواز أخذ أهل الجرائم على غرة .

5 – جواز ٳمامة المفضول مع وجودِ الفاضل .

بقلم : مروة برهان
داعية ٳلى اﻹسلام & كاتبة

فضل الأذان و الصف الأول

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لو يعلم الناس ما فى النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا ٳلا أن يستهموا لاستهموا عليه و لو يعلمون ما فى التهجيرِ لاستبقوا ٳليه و لو يعلمون ما فى العَتَمَةِ و الصبحِ لأتوهما و لو حَبواً " .

لقد رَغَّبَ صلى الله عليه و سلم فى الصفِ الأول – أول صف تام يلى اﻹمام -  كثيراً فقد قال : " خير صفوف الرجال أولها و شرها آخرها و خير صفوف النساء آخرها و شرها أولها . ربط صلى الله عليه و سلم فضل الصف الأول بالأذانِ و فضل المؤذنين و أن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة فقال : لو يعلم المسلمون فضيلة المؤذن و فضيلة الصلاة فى الصفِ الأولِ لاستبقوا ٳليهما و لتنافسوا فى الوصول ٳليهما حتى يضطروا ٳلى القرعةِ تفصل بينهم . لما كان المقام بيان التسابق فى الخيرات اقتضى أن يقرن بذلك الدعوة ٳلى التسابق ٳلى الصلاة و التبكير ٳليها و بخاصة صلاة العشاء و صلاة الفجر و هما أثقل صلاة على المنافقين فقال : لو يعلم المسلمون ما فى التهجير أى التبكير ٳلى الصلاة – أى صلاة كانت - من الأجر لتسابقوا بشأنه و لو يعلمون ما فى -  العَتَمَةِ و الصبحِ - صلاة العشاء و الفجر - من الأجر لأتوهما سراعاً و لو كانوا مرضى لا يستطيعون المشى لأتوهما حَبواً على أيديهم و أرجلهم .

قال النووى : فى هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل ٳلى اﻹمامِ لأنه يتفطن لتنبيه اﻹمامِ على السهو لما لا يتفطن له غيره و ليضبطوا صفة الصلاة و يحفظوها و ينقلوها و يعلموها الناس .

لا يختص هذا التقديم بالصلاةِ بل السُنة أن يقدم أهل الفضل فى مجالس العلم و الذِكر و المشاورة و مواقف القتال و ٳمامةِ الصلاةِ و التدريس و اﻹفتاء و ٳسماع الحديث .

يؤخذ من الحديث :

1 – فضيلة الأذان و المؤذن .

2 – فضيلة الصف الأول فالأول .

3 – مشروعية القرعة عند التنازع .

4 – فضيلة التهجير و التبكير ٳلى الصلاة .

5 – الحث على حضور جماعة العشاء و الفجر و الفضل الكثير فى ذلك لما فيهما من المشقة على النفس , من تنغيصهما أول النوم و آخره و لهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين .

بقلم : مروة برهان
داعية اسلامية و كاتبة

مَن نسىَ صلاة فليصلها ٳذا ذكرها

عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : " مَن نسىَ صلاة فليصل ٳذا ذكرها لا كفارة لها ٳلا ذلك و أقم الصلاة لذكرى " .

حينما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم هو و أصحابه من غزوة خيبر و فى ليلةٍ مظلمةٍ بعد أن تعبوا من المسير , نزلوا يستريحون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابِه : مَن يحرسنا ؟ فيظل يقظاً لا ينام ليوقظنا لصلاةِ الفجر ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله . قال : فاحفظنا . نام رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم هو و أصحابه و قام بلال يصلى ما قدر له ثم أسند ظهره ٳلى بعيرٍ فنام فلم يستيقظ أحد ٳلا بعد أن طلعت الشمس و كان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فزعاً و قام الناس فزعين . قال : يا بلال , ألم أقل لك ؟ قال : يا رسول الله . بأبى أنت و أمى أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك من النوم الغالب لقوَى البشر , ما ألقيت على نومة مثل هذه النومة قط و أخذ الصحابة يهمسون : ما كفارة نومنا عن الصلاة ؟ سمعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهم : لكم فى رسول الله أسوة حسنة , ٳن الله قبض أرواحكم حين شاء و ردها عليكم حين شاء , ليس فى النوم تفريط و لا ٳثم ٳنما التفريط و اﻹثم على من تكاسل و أهمل الصلاة حتى خرج وقتها فمن نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصل فوراً ٳذا ذكرها , لا كفارة لها ٳلا ذلك فقد قال تعالى ( و أقم الصلاة لذكرى ) أى لتذكرك ٳياها و ٳياى .

" مَن نسىَ " و فى رواية فى الصحيح " مَن نسىَ صلاة أو نام عنها " و فى رواية أخرى " ٳذا رقد أحدكم عن الصلاةِ أو غفل عنها " و المقصود من الصلاة فريضة أى وقت و فى الصحيح " فليصلها ٳذا ذكرها " فان الله يقول ( ٳننى أنا الله لا ٳله ٳلا أنا فاعبدنى و أقم الصلاة لذكرى ) .

يؤخذ من الحديث :

1 – قال النووى : يؤخذ من قوله " مَن نسىَ صلاة فليصل " و فى رواية " فليصلها " وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذرٍ كنوم و نسيان أو بغير عذر .  

2 – جملة " ٳذا ذكرها " تفيد وجوب المبادرة و عدم التأخير فى قضاءِ الفائتة .

3 – تنكير " صلاة " فى قوله " مَن نسىَ صلاة " على عموم الفريضة و النافلة فقال بوجوب قضاء الفريضة و باستحباب قضاء النافلة الراتبة . قال النووى : و ٳن فاتته سنة راتبة ففيها قولان للشافعى و أصحهما أنه  يستحب قضاؤها , و قيل : لا يستحب , و أما السنن التى شرعت لعارض كصلاة الكسوف و الاستسقاء فلا يشرع قضاؤها بلا خلاف .

الملائكة يجتمعون بالناس فى صلاتى الفجر و العصر

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليلِ و ملائكة بالنهارِ و يجتمعون فى صلاةِ الفجرِ و صلاةِ العصرِ ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم و هو أعلم بهم كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون : تركناهم و هم يصلون و أتيناهم و هم يصلون " .

كما فضَّلَ الله بعض الناس على بعضٍ و فضَّلَ بعض الأماكن على بعضٍ و فضَّلَ بعض الأوقات على بعضٍ ففضل الله وقتى العصر و الفجر على بقية أوقات اليوم لأن الفجر وقت النوم و وقت البرد فى الشتاء و لأن العصر وقت انشغال الناس بالأعمال و الكسب فكان الترغيب فى المحافظة على الصلاةِ فى هذين الوقتين و شاء الله أن يباهى بعباده المصلين ملائكته ينزل من السماء ٳلى الأرض فى هذين الوقتين .

تنزل ملائكة الفجر فتشهد الصلاة مع المصلين و تستمر ٳلى صلاةِ العصرِ فتنزل طائفةٌ أخرى من الملائكة تجتمع مع الأولى فى صلاة العصر مع المصلين ثم تعرج – تصعد -  طائفة النهار ٳلى ربها و تبقى ملائكة الليل فتبيت حتى الفجرَ فتنزل ملائكة النهار فتجتمع مع ملائكة الليل فى صلاةِ الفجرِ ثم تصعد ملائكة الليل فيسألهم ربهم سؤال استنطاق : كيف تركتم عبادى ؟ و هو أعلم بهم فيقولون : تركناهم و هم يصلون و أتيناهم و هم يصلون . فيا سعادة مَن شهدت صلاته و شهدت له الملائكة و يا خسارة مَن أضاع هذا المغنم .

ذهب أكثر العلماء ٳلى أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الذين يكتبون أعمال العباد فسؤاله لهم عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم و الغرض من سؤالهم على هذا مدح المؤمنين و الثناء عليهم رفعاً لدرجاتهم و زيادة فى الرضا عنهم 0 قال القاضى عياض : يحتمل أن يكونوا غير الحفظة فسؤاله لهم ما سبق فى علمه بقوله : ( أتجعل فيها مَن يفسد فيها و يسفك الدماء ) و أنه ظهر لهم ما سبق فى علمه بقوله : ( ٳنى أعلم ما لا تعلمون ) . قال القرطبى : هذا مِن جميل ستره جل شأنه ٳذ لم يطلعهم ٳلا على حال عباداتهم و لم يطلعهم على حالة شهواتهم و ما يشبهها .

يؤخذ من الحديث :

1 - الصلاة أعلى العبادات .

2 – الحديث فيه ٳشارة ٳلى عظم هاتين الصلاتين .

3 – فضل هذين الوقتين .

4 – الملائكة تحب هذه الأمة .

5 – الله تعالى يكلم ملائكته .

بقلم : مروة برهان
داعية اسلامية و كاتبة

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .
 

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا