.

أوسترو عرب نيو ز

 

صور من النمساعــرب النمســاحقائق & أرقام

الدستور الأوروبي
EU Verfassung

 
قام الاتحاد الأوروبي, منذ نشأته اثر تصريح بتاريخ 9 مايو 1950 لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق
روبار شومان (جويلية 1948-ديسمبر 1952), على أربع معاهدات مركزية تعد المؤسّسة و هي :

1. معاهدة تأسيس المجموعة الأوروبية للفحم و الصلب بتاريخ 18 ابريل 1951 .

2. معاهدة تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية بتاريخ 25 مارس 1957 .

3. معاهدة تأسيس المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية بتاريخ 25 مارس 1957 .

4. معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي ماستريتش بتاريخ 7 فيفري 1992.

وقد وقع تنقيح هذه المعاهدات التأسيسية عدة مرات سيما عند دخول أعضاء جدد و نذكر منها :

  • 1973- دخول الدنمارك و ايرلندا و المملكة المتحدة .

  • 1981- دخول اليونان .

  • 1986- دخول أسبانيا و البرتغال .

  • 1995- دخول النمسا و فنلندا و السويد .

كما تجدر الإشارة إلى أن تعديلات أكثر أهمية قد اتخذت مضيفة بذلك مهام أساسية للمؤسسات مثل :

1. معاهدة الاندماج بتاريخ 8 ابريل 1965 التي أسست البرلمان و المفوضية الأوروبيتان .

2. المرسوم الأوروبي الموحد الذي أتم إنجاز مشروع السوق الداخلية .

3. معاهدة نيس بتاريخ 2 أكتوبر 2001 و التي عدّلت خاصة طريقة عمل مؤسسات الاتحاد

من المعاهدات إلي الدستور

الواقع السياسي

لقد مثلا سقوط حائط برلين سنة 1989 و تراجع نفوذ الاتحاد السوفيتي تحدّيا هاما للاتحاد الأوروبي واجهه سياسيا بالانفتاح على بعض بلدان أوروبا الوسطى و الشرقية مما ولّد حاجة إلى تكييف الهياكل و المؤسسات الاتّحادية مع هذا التوسع.

ففي هذا الأفق طرح اجتماع الحكومات المنعقد بنيس في شهر ديسمبر 2000 مشروع إجراء حوار معمق في كل الدول الأعضاء موضوعه مستقبل الاتحاد.

دام هذا الحوار الذي ساهمت فيه الشعوب و المؤسسات الإقليمية و الاتحادية طيلة سنة 2001 و تمخّض عن رغبة سياسية واضحة في إيجاد نص أساسي ينضّم العلاقات الأوروبية مما حدا بالمجلس الأوروبي المنعقد في ديسمبر 2001 أن يقرر بإجماع الخمس عشرة دولة الدعوة لمؤتمر مهمته البحث في المسائل الهامة التي أفرزها برنامج التوسع الذي سيشمل دولا من أوروبا الوسطى و الشرقية و كذلك بعث مشروع دستور يقنّن العلاقات الاتّحادية.

و بعد ستة عشرة شهرا من الحوار وقع تداول مسودة هذا الدستور من طرف الخمس و عشرين رئيس دولة و حكومة أوروبا الموسّعة المجتمعين في قمة تسالونيك يومي 19 و 20 جوان 2003 و الذي تمّت الموافقة عليه بالإجماع في قمة بروكسل يومي 17 و 18 جوان 2004 أما الإمضاء الرسمي فكان بروما في 29 أكتوبر 2004 مما فتح باب سيرورة الاقرار ذلك أن دخول الدستور حيز التنفيذ يستلزم قبوله ثم إقراره من كل الدول المنتمية للاتحاد مع التنويه أن الإقرار يمكن أن يكون عن طريق المجالس النيابية القطرية أو عن طريق الاستفتاء الشعبي كما اختارت فرنسا و دولا أخرى تقارب العشرة.

هدف الدستور

الهدف المعلن للدستور يتمثل في إشراك المواطنين الأوروبيين من مواصلة بناء الاتحاد و ذلك ب :

  • الاستعاضة بنظام مبسط و واضح عن الإجراءات والأساليب المتشعبة التي يعتمدها الاتحاد حاليا .

  • توضيح و رسم حدود ما هو اتحادي و ما هو قطري .

  • تقوية قدرة المؤسسات الاتحادية على اتخاذ القرار مع تقوية شرعيتها الديمقراطية .

فبصفة عامة نقول أن الدستور ينظم مسألة تعاطي السلطة الاتحادية و يحدد صلاحياتها ضمن صلاحيات الدول الأعضاء كما يقرّ بوجود مجموعة قيم مشتركة و حقوق أساسية يضفي عليها قوة القانون.

ألاحظ في هذا الإطار انه إذا بدا أن هناك شبه إجماع في ما يتعلق بالسلطة و تنظيم النفوذ السياسي و الاقتصادي فذلك راجع لا محالة للقواسم المشتركة و المرجعيات الليبرالية المقبولة عموما لدى الجميع في حين أن خلافا عميقا يشوب مسألة القيم الثقافية المشتركة و مرجعياتها, فعلى سبيل المثال و برجوعنا إلى روبار شومان وخاصة تصريحه الذي يعتبر فتيل بعث الاتحاد نجده يقول (في تصريحه في 9 ماي 1950) :

"إن كل البلدان الأوروبية قد تشكّلت بالحضارة المسيحية حيث تكمن الروح الواجب إحيائها"

 إن الرجوع إلى هذا الأصل الديني و القيم المسيحية يشكل ركيزة أساسية في البناء الاتحادي.:

"بين مخاوف مواطنينا أمام اتساع الاتحاد و ضرورة ارتباط أوروبا الخمس و العشرون بالقيم الموحدة فانه لا مناص عن السند التاريخي للإرث المسيحي الضروري للقيم الديمقراطية و الجمهورية التي نتقاسمها"

هكذا صرحت كريستين بوتان النائبة الفرنسية إذ تعتبر دون تردد أن الرجوع للإرث المسيحي هو القاسم المشترك الموحد الذي لا يمكن أن تؤثر فيه المشاكل الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.

 بل إنها تذهب إلى ابعد من ذلك إذ تقول "إن عدم التنصيص الصريح لهذا الإرث يمثل خطا تاريخيا و ثقافيا فضيعا انه يمثل حرمانا من قاسم مشترك غير هين موجودا في الواقع وهو الذي اوجد النموذج العلماني الفرنسي "

إنها تلتقي في هذا المطلب مع بابا الفاتكان  و الوزير الأول الايطالي برلسكوني إذ يناديا كلاهما بالتنصيص على مسيحية أوروبا في الدستور الأوروبي.

محتوى الدستور

يتكون الدستور من أربع أقسام :

1. القسم الأول يحتوي على أهداف الاتحاد و صلاحياته و وسائل اخذ القرار و آليات تنزيلها أي المؤسسات .

2. القسم الثاني مخصص لميثاق الحقوق الأساسية التي تصبح بذلك حقوقا دستورية .

3. القسم الثالث يتحدث عن مختلف السياسات المناطة بعهدة الاتحاد .

4. القسم الرابع يحدد كيفية دخول الدستور حيز التنفيذ.

الدستور و احترام الدول الأعضاء

يؤكد الدستور أن الاتحاد يحترم هويات الدول الأعضاء و انه لا يعوض دساتيرها بل يتعايش معها و يخول لها حق الانسحاب متى أرادت ذلك.

إنّ الدستور يعدّ نقلة نوعية نحو الديمقراطية بما انه يعتبر لأول مرة في تاريخ بناء الإتّحاد أن أساس الشرعية ينبع من إرادة المواطنين أنفسهم فهو بذلك يؤدي بالضرورة إلى تقوية الشرعية الديمقراطية للاتحاد.

الحقوق الأساسية للمواطن

يبرز من خلال التأكيد على القيم الاتحادية, كاحترام الكرامة الإنسانية و الحرية و الديمقراطية و المساواة, أن حقوق المواطن تحتل الصدارة خاصة و أن ميثاق الحقوق الأساسية قد أعطي قوة قانونية لم تكن له من قبل و في هذا الإطار يؤكد الدستور أن الاتحاد ينخرط في الإعلان الأوروبي للحفاظ على حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.

كذلك يدعم الدستور الديمقراطية التمثيلية و يعتبرها عنصرا مركزيا في الديمقراطية الاتحادية فيبرز ذلك من خلال توسيع سلطات البرلمان الأوروبي لتشمل الجوانب التشريعية و المالية و السياسية و حقوق المواطنة بحيث يقع التأكيد على أن الاتحاد ليس سوقا مشتركا و لا هو مجرد فضاء يتنقل فيه المواطن الأوروبي بل هو فضاء حريات و قيم همّه حماية كرامة المواطن و حريته في تواصل مع ما أسّس منذ سنة 1950.

الإتحاد و الإسلام

نشير إلى أن عددا من النشطين و المثقفين الأوروبيين يعتقدون انه من المهم التأكيد على علمانية أوروبا و غياب التمييز الديني كما ينادون بعدم إثبات الإرث المسيحي في الدستور خلافا لمن يعتبر أنّ أوروبا ناديا مسيحيا و لا بدّ لها أن تستمرّ كذلك.

كما نلاحظ انه لم يقع تناول الإسلام صراحة إذ لم يتمّ التطرق للإسلام في البناء الاتحادي إلا من خلال الحديث عن العلاقة بالحوض الجنوبي للمتوسط و بتركيا ذلك أن هاتين المسالتين غذيتا عدة أبحاث في المجالات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و ذلك لتحديد الهويات و ضبط الحدود بين أوروبا و الأخر.

العلاقات المتوسطية

الحديث عن العلاقات المتوسطية كثير خاصة منذ لقاء برشلونة سنة 1995 الذي تحدّث عن شراكة اورو-متوسطية وقع تحديدها بشكل أوضح خلال لقاء مرسيليا في نوفمبر 2000 حيث أعيدت صياغة العلاقة السياسية باعتماد "ميثاق الأمن و الاستقرار" الذي يظهر بوضوح أن الاتحاد يختزل هذه العلاقة في سياق عسكري تجلى في مشروع إنشاء قوة تدخل سريع تتكون من 60 ألف عنصر  في حدود 2003 و في فسح المجال لبلورة ثقافة و سياسة "الأمن المشترك" لحوضي المتوسط.

إن هذه السياسة الأمنية تتنزل في إطار رؤية تعتبر الإسلام حجر عثر قد يحول دون عملية دمج المسلمين في النسق الثقافي للديمقراطية الأوروبية و قد يشكل خطرا يمكن أن يحد من إشعاع أوروبا و من طموحاتها ومن انتشار قيمها.

إن الملاحظ في هذا السياق أن الديانة المسيحية حاضرة لدى الجميع إما كمبدأ أساسي يعتبرها روح الجسم الأوروبي آو كأرضية ثقافة أسّست قيم اللائكية التي من دونها لا يمكن الوصول إلى الديمقراطية.

أوروبا و تركيا

تركيا هي أول دولة ضمن الدول الثلاث عشر[1] التي طلبت الانضمام إلى أوروبا إذ يعود تاريخ هذا الطلب إلى سنة 1963 ثم وقع تجديده برجوعها إلى الديمقراطية سنة.1987

و نظرا لمكانتها كأقدم دولة تنتظر الانتماء لأوروبا و الاعتراف بنزعتها الأوروبية خلال اجتماع هلسنكي سنة 1999 و إقرار المفوضية الأوروبية بجهود مختلف الحكومات التركية لتلبية شروط الانتماء التي حدّدت في كبنهاقن فان أنقرة تعتبر أن دخولها للاتحاد حاصل بلا جدال غير أن وصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكم قد قلب المعادلة إذ اعتبر فالري جسكار دستان أن دخول تركيا إلى الاتحاد هو بمثابة نهاية الاتحاد.

يبقى السؤال الأساسي المطروح هو : هل لتركيا مكانا داخل الاتحاد ؟

لئن كانت تركيا تنتمي جغرافيا لآسيا أكثر من أوروبا فبماذا نفسر إذا قبول جزيرة نيقوسيا التي تنتمي جغرافيا و تاريخيا للشرق الأوسط؟

إننا في موضوع تركيا بصدد آراء مختلفة تتراوح بين الرفض و القبول:

المؤيدون : يقدم المؤيدون ثلاث حجج:

1. رفض تركيا يبرز أوروبا كناد مسيحي مغلق على نفسه .

2. دخول تركيا للاتحاد يؤكد خياراتها الديمقراطية و يبعدها عن المخاطر العسكرية .

3. تركيا هي منذ أمد بعيد طرف مهم في المؤسسات الأوروبية و الغربية

الرافضون: يقدم الرافضون عدة حجج نلخصها في:

1. حجة جغراتاريخية مفادها أن لا علاقة لتركيا بأوروبا إذ أن  جل سكانها خارج أوروبا (95 في المائة) أضف إلى ذلك انه على مدار التاريخ ظلت تركيا عدوّة لأوروبا, في إشارة إلى الخلافة العثمانية.

2. حجة ثقافية دينية تعتبر أن تركيا تفتقد الثقافة المشتركة ففي حين تقوم الثقافة الأوروبية على الإرث المسيحي و عصور التنوير فان تركيا تستمد ثقافتها من الإسلام .

3. حجة إستراتيجية تعتبر تركيا حليفا لأمريكا على حساب أوروبا .

4. حجة اقتصادية تقول أن دخول تركيا سيكون باهظا و سوف يحدث خللا اقتصاديا لم تستعد له الشعوب الأوروبية.

* * *

في نهاية هذا العرض الملخص للدستور الأوروبي نطرح جملة من الأسئلة لم نعثر لها على أجوبة في ثناياه:

من المعروف أن عددا هائلا من متساكني الاتحاد الأوروبي هم من المهاجرين القادمين من دول مختلفة جغرافيا و ثقافيا عن دول و شعوب الاتحاد.

و من المعلوم كذلك إن القوانين المتعلقة بتواجد هؤلاء المهاجرين تختلف من قطر إلى قطر إلى درجة التضارب أحيانا.

كيف سيتم التعامل مع هذا الأمر و هل للمهاجر حق حرية التنقل مثلا كمثل تغيير قطر سكنه و شغله إذا أراد ذلك وخاصة إذا أحس أن حظوظه في الشغل, السبب الرئيسي لهجرته, أوفر في بلد غير الذي يقيم فيه؟

فيما يتعلق بحقوق المواطنة الأوروبية, ما صلتها بالمهاجر و المواطنة القطرية.

نحن نلاحظ انه منذ عشرية تقريبا أصبح المثقفون و السياسيون في عدة أقطار يتحدثون عن حقوق المواطنة الواجب إعطائها للمهاجرين الشرعيين و من هذه الحقوق حق التجنس بجنسية قطر الإقامة.

ما هو مآل هذا الحق في ظل الدستور الأوروبي و هل يحق لمهاجر شرعي استوفى شروط نيل الجنسية في أي قطر عضو في الاتحاد من أن يتقدم بطلبها رغم انه لم يستوفي تلك الشروط في قطر إقامته مثلا؟

أسئلة أخرى كثيرة تنتظر أجوبة كحق المهاجرين في الاقتراع و حقوق الأقليات و إمكانية الأقليات في الاعتراض على قوانين قطرية تحرمهم من حقوق أساسية أعطاها الدستور قوة القانون. إن الأجوبة عن هذه التساؤلات كفيلة بتحديد هوية و قيم و ثقافة أوروبا الدستور و التأكد إذا ما كان الهدف بناء ناديا مغلقا أو كيانا منفتحا.


 [1]سلوفانيا-المجر-سلوفاكيا-تشيك-بولندا-دول البلطيق-مالطة-نيقوسيا-رومانيا-بلغاريا-تركيا

 

المصدر: مجلة الأوروبية صالح التقاز