الخطوط العريضة لبناء خطة استراتيجية لتعليم
اللغة العربية
لأبناء المسلمين في الغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

إيماناً بوحدة المسلمين ومصداقاً لقوله تعالى "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " (الأنبياء/92 )، وبأن أبناءهم في الغرب يعدون جزءاً من كيان الأمة الإسلامية المترامية الأطراف،

-         ووعياً بالمسؤولية المشتركة لحماية انتمائهم العقدي وهويتهم الحضارية وذاتيتهم الثقافية،

-         واعتباراً لما للغة العربية من أهمية وتأثير بوصفها لغة القرآن الكريم وثقافة الإسلام ومقوماً رئيساً لفهم الدين الإسلامي وصيانة وجود الأمة الحضاري،

-         واستناداً إلى قرارات الأمم المتحدة عام 1973 م، 1980 م باعتبار اللغة العربية لغة رسمية،

-         وإدراكاً للإسهام الرائد الذي أسهمت به اللغة العربية في إثراء الحضارة الإنسانية،

-         واسترشاداً باستراتيجيات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وخاصة استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي التاسع المنعقد في الدوحة سنة 2000 م،

-         واستفادةً من توصيات الاجتماعات والدورات والندوات التي عقدتها المنظمة الإسلامية لفائدة أبناء المسلمين ومعلميهم في الغرب،

فقد عقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالتعاون مع الهيئة الدينية الإسلامية الرسمية في النمسا (فيينا) اجتماعاً للخبراء الاستراتيجيين في المدة 24 – 26 / 7 / 2006 م لوضع (الخطوط العريضة لمشروع الخطة الاستراتيجية لتعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين في الغرب).

وبعد شكرهم وتقديرهم لجهود المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وعلى رأسها مديرها العام الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري على ما توليه من عناية لتعزيز قيم الوجود الحضاري للمسلمين في الغرب، وخاصة اللغة العربية باعتبارها مقوما من مقومات هذا الوجود ووسيلة للحوار والتفاهم الإنساني، فإن الخبراء المجتمعين قد خلصوا إلى تقديم مجموعة من التوجهات والملاحظات والأفكار لبناء خطة استراتيجية واضحة تهم تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين في الغرب.

وتبعا لذلك يقترح الخبراء المشاركون الخطوط العريضة التالية لهذه الاستراتيجية المنشودة:

أولا: المنطلقات

·  المرجعية القيمية الإسلامية في بناء المنظومة التربوية التعليمية في الغرب.

·  حاجة المسلمين في الغرب لاستراتيجية تعليمية تحدد الخصوصيات والمرجعيات والغايات .

·  اعتبار اللغة العربية قضية وجود حضاري إسلامي وجسرا للحوار والتعاون والتحالف بين الحضارات والثقافات.

·  إن الوجود الحضاري الإسلامي في الغرب ليس وجودا عابرا وغريبا بل هو وجود ثابت وأصيل يسهم بتنوع وثراء حضارته في إغناء البناء الحضاري الغربي والإنساني. 

·  الوعي بضرورة تكامل وشمولية المنظومة التعليمية التربوية في الغرب باعتبارها وحدة متلاحمة الأجزاء.

·  اعتبار الرسالة التربوية التعليمية رسالة تعبدية قبل أن تكون تقنيات ومناهج وتكنولوجيات .

·  جعل كل تطور وإصلاح للمنظومة التعليمية نابعا من احتياجات وخصوصيات الفئة المستفيدة.

ثانيا: الإطار المفاهيمي

يجب على الاستراتيجية المنشودة التدقيق في المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في الحقل التربوي والتعليمي الموجه للمسلمين في الغرب لما قد تحمله من تناقض مرجعي ونعوت مغرضة.

ثالثا: التحديات

هناك تحديات تواجه تعليم اللغة العربية في الغرب يمكن إجمالها في التالي:

·       اختلاف المرجعيات والمصطلحات والمفاهيم وتأثير ذلك سلبا في الرؤية التربوية للعملية التعليمية التعلمية.

·       ضعف الدوافع والحوافز الذاتية والأسرية والاجتماعية المؤثرة في الإقبال على تعلم اللغة العربية.

·       تدني المستوى التربوي والثقافي واللغوي والاجتماعي للمعلمين والمتعلمين .

·       ضعف المواقف البيئية والاجتماعية والثقافية لممارسة اللغة العربية لدى أبناء المسلمين في الغرب.

وبناء على هذه المنطلقات والمرجعيات والتحديات يقترح الاستفادة في بناء مشروع الاستراتيجية من التوجهات في المحاور التربوية التالية:

أ - المناهج والبرامج والكتب والوسائل التعليمية 

في هذا المحور يقترح بناء الاستراتيجية اهتداء بالموجهات التالية:

·       تحديد وصياغة الأهداف: (إجابة عن سؤال ماذا نريد ومن أين ننطلق؟).

·       رصد الاحتياجات والأولويات والقواسم المشتركة بين المسلمين في الغرب تلافياً لاختلاف المرجعيات المسببة في عدم إيجاد الرؤية الإسلامية المشتركة.

·       ربط تعليم اللغة العربية بالتنمية الشاملة الحضارية والثقافية والفكرية استنادا إلى المبادئ الحضارية والثقافية للأمة العربية الإسلامية.

·       تنسيق جهود المؤسسات التربوية المختلفة وتقريب رؤاها ومناهجها لبناء شخصية المتعلم المربى على قيم الوحدة ونبذ التطرف بمختلف أشكاله.

·       الاستثمار الأمثل للتكنولوجيا التربوية .

·       ربط أهداف ومضامين البرامج والمناهج بحاجات المتعلمين وأغراضهم من تعلم اللغة العربية. وهو منطلق يفيد في رسم التوجهات الكبرى لوضع كتاب مدرسي للغة العربية في الغرب مبني على الوعي بالذات والوعي بالاحتياجات والتحديات.

·       تأليف كتب مدرسية تستجيب للمعايير والحاجيات والمتطلبات والأسس العلمية والثقافية وتأخذ بنتائج الدراسات والأبحاث في المجال اللغوي والتربوي.

·       دمج الوسائل التعليمية الموازية في الطرق البيداغوجية وتطويرها وتحويلها إلى منهج فكري بما يخدم التكنولوجيا التربوية.

·       العمل على إنشاء مكنز (قواعد معطيات) وثائقي يهم تعليم اللغة العربية في الغرب ويعتبر مرجعاً يتزود منه المدرسون بمختلف الوسائل والوثائق البيداغوجية المكتوبة والسمعية والبصرية والمعلوماتية. وهو ما من شأنه أن يغني المواد الموازية ويعزز التجارب الرائدة.

·       إنشاء منصة ( موقع ) على الانترنيت لتعليم اللغة العربية عن بعد.، تكون أداة لتبادل الآراء والخبرات والتجارب. وتسهر على متابعة البرامج والمناهج وتطويرها على الشبكة .

ب-   مواصفات المدرسة الإسلامية في الغرب

تفعيلا لدور المدرسة الإسلامية في الغرب باعتبارها محضنا لتحقيق الأهداف التربوية يقترح ما يلي:

·       تبنيها لنظام تربوي تعليمي شامل يستقي معاييره من مصادر الشريعة الإسلامية السمحة التي تراعي تعدد الأبعاد في بناء شخصية المتعلم وتوازنه بين الأصالة والمعاصرة.

·       استناد فلسفتها ورؤيتها وبرامجها إلى التكامل في التكوين بين القيم التربوية الإسلامية والمعارف التعليمية المستجدة.

·       أخذها بمعايير الجودة المعتمدة في المؤسسات التربوية التعليمية تهم مختلف جوانب التعليم سواء على مستوى المضمون والمنهاج أو على مستوى متطلبات التعليم والتعلم أو على مستوى النتائج التي على المدرس والمتعلم الوصول إليها خلال مدة زمنية مضبوطة.

·       اعتمادها كفاءات علمية بيداغوجية وموارد  بشرية مدربة بما يضمن حسن التسيير وجودة التدبير.

·       تضمين برامجها ومناهجها مختلف مكونات البناء الحضاري الإسلامي من فنون وعلوم وثقافة وحضارة وأدب ...).

·       إنتاجها لبرامج ومناهج تستجيب للمعايير التي تحكم المدرسة العصرية والسهر على متابعة تطبيقها وتطويرها بهدف الحفاظ على درجة من الجودة في التعليم والتعلم.

·       إشراكها لأسر ولذوي المتعلمين في تدبير شؤونها وتحفيزهم للشعور بالمسؤولية للإسهام في إنجاح العملية التربوية التعليمية داخل المدرسة الإسلامية في الغرب. وهو ما يعني أن من واجبها القيام بتوعية الأسر والآباء بمسؤوليتهم الدينية والحضارية تجاه أبنائهم ومدارسهم ولغتهم .

·       تعايشها الإيجابي مع المحيط الاجتماعي والثقافي في الغرب، وهو ما يعني توازنها في غير شعور بالنقص ولا انغلاق أو ذوبان.

·       اعتمادها لنظام تقويمي معياري يشمل الأداءات المتعلقة بالمجال التعليمي عموماً سواء تعلق الأمر بالمدرسة كإدارة وفضاء أو بالمناهج والوسائل المستعملة أو بالممارسين التربويين.

·       تحديثها للإدارة المشرفة بما يضمن جودة التسيير والتدبير والأداء استنادا إلى المعايير الإسلامية والدولية في الأداء الإداري والتنظيمي والمالي والتربوي.

·       إعداد دليل بنظام الاعتماد ومعايير الجودة للمدرسة الإسلامية في الغرب.

د-  مواصفات مدرس اللغة العربية

سعيا إلى إيجاد مدرس كفء ومؤهل لحمل الرسالة التربوية لفائدة أبناء المسلمين في الغرب يقترح ما يلي:

·       التأهيل التربوي والتكنولوجي والمعرفي للمعلمين واعتماد المتخصصين منهم في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

·       العمل على إيجاد معايير دينية وتربوية ولغوية وثقافية يتم الاستناد إليها في اختيار المدرسين للغة العربية في الغرب.

·       العمل على تحسين ظروفهم المادية والمعنوية بما يضمن استقرارهم الفكري والنفسي.

·       عقد دورات تدريبية متخصصة وندوات تربوية واجتماعات متخصصة لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين معلمي اللغة العربية في الغرب.

·       إحداث مركز لتكوين مكوني معلمي اللغة العربية في المدارس الإسلامية بالغرب يشرف عليه خبراء تربويون متخصصون في إعداد وتكوين وتأهيل المعلمين.

·       إيجاد شبكة للتخطيط والبحث والتقييم لتطوير وضبط أداء المعلمين في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

·       إنشاء رابطة لمعلمي اللغة العربية في الغرب تفعيلا لرسالتهم وتوحيدا لجهودهم وتطويرا لأدائهم.

·       إشراكهم المباشر والفعلي في اختيار أو صياغة البرامج والمناهج والكتب المدرسية المعتمدة وكذا في تدبير شؤون المؤسسة خاصة فيما يتعلق بالشق التربوي التعليمي.

هـ  الدول والمنظمات والهيئات والمؤسسات العربية الإسلامية والدولية

وعيا برسالة اللغة العربية العقدية والحضارية ودورها في تعزيز التفاهيم بين الشعوب الإسلامية والتواصل الحضاري بين مختلف الأمم والثقافات يقترح ما يلي:

· إيلاء العناية والاهتمام باللغة العربية في الغرب باعتبارها لغة الحضارة والثقافة وقناة من قنوات التفاعل بين الثقافات والحضارات الأخرى.

· دعم المؤسسات التربوية المعنية بتعليم اللغة العربية في الغرب باعتبارها لغة وجود حضاري؛ تعزيزاً للحوار والتعايش المتكافئين وتصحيحاً للصور النمطية وإبرازاً لإسهام لغة القرآن قيماً وحضارة وثقافةً في الحضارة الإنسانية.

·  تعزيز روح التعاون والتكامل والتعايش الإيجابي بين أبناء المسلمين من جهة وبينهم وبين غيرهم من جهة ثانية في إطار سنة الاختلاف بين الثقافات وتنوعها وإشاعة القيم الثقافية الإسلامية  في تعاملاتهم وسلوكهم مصداقاً لرسالة الإسلام العالمية السمحة في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء. 107).

· العمل على وضع استراتيجية تربوية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها تطويراً لمناهجها وبرامجها وتحديثاً لكتبها ووسائلها التعليمية وارتقاءً بقدرات مواردها البشرية والبحثية ورفعاً لتحدياتها وإبرازاً لدورها الحضاري، بما يتلاءم وخصوصيات المجتمعات المسلمة في الغرب.

·       العمل على إنشاء هيئة إسلامية تختص بالعمل التربوي في الغرب وتعمل على تطوير تعليم اللغة العربية وحمايتها ونشرها وتعزيز تدريسها استناداً إلى حاجات وخصوصيات المجتمعات الإسلامية وتوحيداً لمرجعيتها في هذا المجال.

 ·          التأكيد على تمتين جسور الشراكة والتعاون بين مختلف المؤسسات الإسلامية وغيرها في الغرب العاملة في مجال تعليم اللغة العربية وإبرام اتفاقيات شراكة وتعاون فعال مع بعض المؤسسات ذات الاهتمام داخل البلدان العربية بهدف الرفع من جودة عملها وتنظيم ندوات ودورات تدريبية مكثفة وتنظيم رحلات علمية وثقافية لغوية للمتعلمين والمدرسين داخل البلدان العربية.

 ·          التفكير في إنشاء قناة فضائية تعليمية تعنى بتعليم اللغة العربية لفائدة أبناء المسلمين في الغرب.

 ·          حث الجهات المعنية بتربية  أبناء المسلمين في الغرب على التعاون لإيجاد بيئة تعلمية مناسبة للمتعلم.

 ·          إسهام الجميع مؤسسات وآباء ومسؤولين عن العمل التربوي في الغرب في تحرير الأبناء من عقدة النقص نحو لغتهم والانبهار بمظاهر الثقافات الأخرى باعتبارها مسؤولية الجميع.

 ·          توصية المجلس الأعلى للتربية والثقافة في الغرب التابع للإيسيسكو بالعمل على تفعيل هذه التوجهات خدمة لقضايا أبناء المسلمين التربوية والثقافية في الغرب.

فيينا   في  26  يوليو  2006.

الموقع غير مسئول قانونيا و أدبيا عن تحقيق هذا المستند