.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
تغذ يـةتراجــمعلـــومالأدبكتــــب

استأثر وزراء الدولة الفاطمية بالنفوذ منذ النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وبدأ عصر الوزراء العظام الذين يقبضون على مقاليد الأمور ويختارون ويستبدون بالأمر دون الخلفاء الفاطميين، ويُسيِّرون شؤون الحكم حسبما يريدون، ويختارون خلفاء لا يحولون بينهم وبين تنفيذ مشيئتهم.

وبرز من هؤلاء الوزراء: الأفضل بن بدر الجمالي في عهد المستعلي بالله (487- 495هـ)، والآمر بأحكام الله (495- 524هـ) وطلائع بن رزيق في عهد الفائز (549-555هـ)، وأسد الدين شيركوه، وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في عهد الخليفة العاضد، آخر خلفاء الفاطميين (555- 567هـ).

 ولاية العاضد

في ظل سيطرة الوزراء على الدولة، اختار طلائع بن رزيق الوزير الفاطمي "عبد الله بن يوسف بن الحافظ" من أبناء البيت الحاكم خليفة للدولة، ولقبه بالعاضد لدين الله، وذلك في سنة (555هـ= 1160م)، وكان حدثا صغيرا، لا يتجاوز عمره عشر سنين؛ فقد وُلِدَ في (20 من المحرم 546هـ)، وكان من عادة الوزراء في نهاية عصر الدولة الفاطمية اختيار خلفاء من صغار السن، حتى يسهل عليهم تصريف شؤون الدولة دون تدخل من أحد، غير أن العاضد نجح بمساعدة بعض الأمراء في التخلص من وزيره المستبد بالأمر دونه سنة (556هـ =1161م) وأحل مكانه في الوزارة ابنه العادل بن طلائع، وظل في الوزارة سنتين حتى خلعه "شاور" والي الصعيد في سنة (558هـ=1163م).

 الصراع على الوزارة

ونظرا لأن منصب الوزارة كان محط أنظار كثيرين من قادة الجيش وكبار رجال الدولة؛ فقد قامت منافسات للظفر بهذا المنصب الجليل؛ ولهذا لم يهنأ شاور بمنصبه الجديد؛ إذ نجح "ضرغام" أحد كبار رجال الدولة في خلعه، والجلوس مكانه في منصب الوزارة؛ فهرب شاور إلى الشام مستنجدا بـ"نور الدين محمود" صاحب دمشق؛ ليعيده إلى منصبه، وفي الوقت نفسه استنجد ضرغام بـ"عموري" الصليبي ملك بيت المقدس.

لبى كل من نور الدين محمود وعموري نداء مَن استنجد به؛ فأرسل نور الدين سنة (559هـ = 1164م) حملة بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي وكان في السابعة والعشرين من عمره، وحضر الصليبيون إلى مصر بقيادة عموري، وتتابعت حملات نور الدين وعموري على مصر، حتى بلغ عددها ثلاثا، وانتهى الأمر بهزيمة الصليبيين، وانتصار حملة نور الدين، والقضاء على الوزيرين المتنافسين، وتقليد أسد الدين شيركوه منصب الوزارة في سنة (564هـ = 1169م).

أصبح أسد الدين صاحب السلطان الفعلي في البلاد بعد أن اختاره العاضد وزيرا له، ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش، وقلده جميع أمور الدولة، وكان شيركوه أهلا لما أُسنِدَ إليه؛ فاستطاع في الفترة القصيرة التي قضاها في الوزارة أن يقبض على زمام الأمور في البلاد، وأن يوزع الإقطاعات على عساكره؛ غير أنه تُوفِّي بعد أن ظل في منصبه ما يقرب من ثلاثة أشهر، وخلفه في منصبه ابن أخيه صلاح الدين.

 صلاح الدين والنهاية

شرع صلاح الدين منذ أن اعتلى كرسي الوزارة في تثبيت مركزه في البلاد، وتقوية نفوذه وسلطانه؛ فاستمال قلوب الناس نحوه بحسن سياسته، وكسب ثقتهم بعدالته ونزاهته، وعمل على إمساك زمام الأمور في يده، وإحكام قبضته على شؤون الدولة؛ فأسند مناصب الدولة إلى أنصاره، وأبعد كبار رجال الخليفة عن القاهرة، وأضعف نفوذهم، وأخذ إقطاعاتهم ومنحها لرجاله وقواده، ومنع الخليفة من الاتصال بالناس؛ فصار سجين قصره، وجعل اسم نور الدين محمود يأتي في الخطبة بعد الخليفة الفاطمي.

أثار ذلك حنق أهل القصر وأتباع الخليفة الفاطمي وجنده من السودان؛ فدبروا مؤامرة لاغتيال صلاح الدين في أواخر سنة 564هـ غير أنه علم بالمؤامرة؛ فقبض على زعيمها، وقمع الثائرين عليه، ثم خطا صلاح الدين خطوة كبيرة نحو القضاء على الدولة الفاطمية بإحلال المذهب السني محل المذهب الشيعي؛ فعمل على إنشاء المدارس لتدريس المذهب السني، وكانت المدرسة الناصرية التي أُنشِئت في الفسطاط لتدريس المذهب الشافعي أول مدرسة أنشأها صلاح الدين في مصر، ثم تلاها بإنشاء مدرسة أخرى لتدريس المذهب المالكي، ثم تبعه أفراد أسرته ورجال دولته، فأنشئوا مدارس أخرى لتدريس المذهب السني.

ثم عزز ذلك بتعيين صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعي قاضيا للقضاة؛ فجعل القضاء في سائر الديار المصرية شافعية؛ فاستعاد بذلك المذهب السني قوته، وأخذ المذهب الإسماعيلي في الاختفاء تدريجيا حتى لم يبقَ له أنصار في مصر.

وعلى الرغم من انفراد صلاح الدين بحكم مصر دون أن ينازعه منازع، وسيطرته على مقاليد الأمور في مصر؛ فإنه لم يسارع إلى إقامة الخطبة للخليفة المستضيئ بنور الله العباسي، وأعرض في بادئ الأمر عن تنفيذ رغبة نور الدين محمود في إحلال اسم الخليفة العباسي محل الخليفة الفاطمي، واعتذر بتخوفه من أن يثير هذا العمل غضب أهل مصر.

غير أن صلاح الدين إزاء إصرار نور الدين محمود جمع أمراء جيشه ليستشيرهم في أمر قطع الخطبة للخليفة الفاطمي؛ فترددوا كثيرا، لكن فقيها يدعى "الأمير العالم" قطع هذا التردد وأبدى عزمه على القيام بهذا الأمر، حيث صعد المنبر في أول جمعة من شهر (المحرم 567هـ= سبتمبر 1171م) قبل الخطيب ودعا للخليفة العباسي فلم يعارضه أحد.

وفي الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء في مساجد الفسطاط والقاهرة بإسقاط اسم العاضد من الخطبة، وذكر اسم الخليفة العباسي محله، معلنا بذلك نهاية الخلافة الفاطمية، وتبعية مصر للخلافة العباسية.

وكان العاضد إذ ذاك مريضا فلم يعلمه أهله وأصحابه، ثم لم يلبث أن توفي بعد ذلك بعدة أيام، وبموته انتهت الدولة الفاطمية التي حكم خلفاؤها الأوائل رقعة شاسعة امتدت من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا، ودُعي لأحد خلفائها على منابر بغداد عاصمة الخلافة العباسية عاما بأكمله.


الخلافة الفاطمية
مصر الفاطمية