والمثير في كتاب لائير - كما يقول
الدكتور محمد محمد
أبو غدير الذي
قام بترجمته - أنه "يقدم نقداً
عنيفا للتفسيرات الإسرائيلية التي
أعطيت لتبرير هزيمة الجيش
الإسرائيلي في حرب 1973، مؤكداً
ضعف تلك التفسيرات وأنها لا
تتناسب أبداً مع هذا الحدث الهائل
في تاريخ العسكرية الإسرائيلية
لكونها أول هزيمة عسكرية لإسرائيل
على أيدي العرب، كما أنها لم تفد
في الكشف عن جوانب التقصير
التنظيمية والمخابراتية من جانب
الجيش الإسرائيلي، ولا في تحليل
عنصر المفاجأة وكيفية حدوثها، حيث
إنها تناولت قشور القضية فقط
والظواهر السطحية لها ولم تتناول
صلب المفاجأة والأسباب العميقة
لها حتى لا تعترف بانتصار الفكر
السياسي والعسكري العربي على
الفكر الإسرائيلي، لذلك فإن هذا
الكتاب يعد شهادة تقدير واعتراف
قوي بالنجاح الذي حققته العسكرية
العربية في 1973 على الرغم من
محاولات التخفيف من الصدمة التي
لحقت بإسرائيل وبالإسرائيليين
وبمؤسساتها السياسية والعسكرية،
والتي تصل إلى حد عدم الاعتراف
الكامل بالهزيمة.
وقد تحدث لائير في كتابه عن
المفاجأة والإنذار المبكر، وهل
المفاجأة في حرب أكتوبر كانت
نتيجة لفشل في الإنذار المبكر،
وأن المخابرات العسكرية
الإسرائيلية فشلت لأنها لم تقدم
الإنذار المبكر المطلوب، وبالتالي
فهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن
الانتصار المصري السوري في
الحرب؟. وهنا ثارت ثائرة
الإسرائيليين وعتموا على هذا
الكتاب تعتيما شديداً، إذ يعتبر
الإسرائيليون جهازهم الاستخباراتي
أفضل جهاز في العالم، وفي قول
لائير ما يفند هذا الزعم.
ولكن المثير حقاً أن يتحدث الكتاب
الصادر حديثاً في إسرائيل أيضاً،
تحت عنوان: "وهم مستحوذ من دون
غفران" للإسرائيليين:
دافيد أربيل،
أوري نئمان، وهما من كبار
المسؤولين السابقين في جهاز
الموساد الإسرائيلي، عن عامل
المفاجأة في حرب أكتوبر 1973،
مؤكداً أن عدداً من التحذيرات
وصلت إلى إسرائيل تنبئ بأن
الجيشين المصري والسوري يستعدان
لشن الحرب، وأن رئيسة الوزراء
الإسرائيلية في ذلك الوقت جولدا
مئير ووزير الدفاع موشيه ديان
كانا بانتظار هذه الحرب.
ويتطرق هذا الكتاب إلى ما يشبه
الاتهامات التي طالت الإدارة
الأمريكية وقالت صراحة إن الحكومة
الأمريكية كانت على علم مسبق
بهجمات الحادي عشر من سبتمبر
2001، وإنها تركتها تحدث من أجل
تحقيق إستراتيجية كبرى، تتمثل في
القضاء على النظام الطالباني
واحتلال أفغانستان ثم العراق
للسيطرة على مصدرين من أهم مصادر
الطاقة في العالم، حيث يذكر أربيل
ونئمان أن القيادة السياسية
والعسكرية في إسرائيل أدركت
تماماً الإنذارات المبكرة التي
تتالت عليها وعرفت أن الحرب وشيكة
ولكنها على الرغم من ذلك لم تفعل
شيئاً حتى تمنعها، وكانت مستعدة
لدفع ثمنها من خلال اعتبارات
باردة تهدف إلى دفع أهداف
إستراتيجية إلى الأمام.
ويرفض المؤلفان نظرية "المفاجأة"
والرأي السائد بأن شعبة
الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية
لم توفر الإنذار المطلوب،
ويعتبران أن كل الحديث حول عامل
المفاجأة كان فرية ابتدعت في وقت
لاحق لتمكين قادة إسرائيل من
التملص من تهمة الفشل.
وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت
مؤخراً عرضاً لهذا الكتاب وذكرت
أنه يتحدث بصورة موسعة عن سلسلة
تحذيرات وصلت تباعا إلى الموساد
وشعبة الاستخبارات العسكرية في
الأسابيع التي سبقت الحرب
وبواسطتها يعد أربيل ونئمان لائحة
الإدانة ضد وزير الدفاع ورئيسة
الحكومة في فترة الحرب.
ورأى نئمان أن "هذا الفريق
السياسي الأمني عرف وتوجه لهذه
الحرب بعيون يقظة: "لقد عرفوا
أنهم سيضطرون إلى دفع الثمن
ولكنهم اعتقدوا أن الثمن لن يكون
باهظا وأن دفعه جدير من أجل الهدف
لأننا سنحقق من خلال الحرب المزيد
من الإنجازات والثروات التي
تستوجب خوض المخاطرة: "ولكنهم
عرفوا بصراحة ووضوح أن الحرب على
الأبواب: "كانت هناك إنذارات
محددة تم طرحها بصورة منتظمة على
النقاش في مكتب وزير الدفاع".
وأضاف نئمان أن "المستوى السياسي
الذي يتخذ القرارات كان مطلعا على
هذه المعلومات إلا أنه قرر بالرغم
من ذلك عدم استدعاء قوات الاحتياط
وعدم توجيه ضربة وقائية وإنما
السماح للعرب بالبدء في الحرب على
افتراض أنهم سيضربوننا: "قيادتنا
اعتقدت: إذا ضربناهم بعد حرب أخرى
قاموا هم بالمبادرة إليها ونحن
(فوجئنا بها)، وبالرغم من ذلك
نجحنا في قلب الأمور رأساً على
عقب فسيكون بإمكاننا أن نأتي
للعالم وللعرب وأن نقول لهم لا
مفر، أنتم تريدون صنع السلام معنا
فلتفعلوا ذلك في الحدود التي
نقررها نحن. هذا هو السبب من وراء
ملاءمة حرب إضافية لهم".
وكتب أربيل ونئمان في كتابهما أن
"السعي إلى تعديل الحدود وإلى
تسوية جيواستراتيجية جديدة دفع
إلى إغلاق العيون على المستوى
السياسي والعسكري: "هذا كان جذر
النواقص والإخلالات والخسائر
الفادحة التي لحقت بالجيش في
الأيام الأولى من حرب الغفران
والأمر لم يحدث بسبب إخفاق أمني
وإنما بسبب فكرة مستحوِذة".
واعتبر الكاتبان رئيس أركان الجيش
الإسرائيلي إبان حرب أكتوبر 1973
دافيد ألعازر شريكاً في هذه
الرؤية وأنه "لعب الدور الذي
طلبته منه هذه الـمجموعة من دون
أن يعرف بتاتا أنه يقوم به: "فهو
أيضا مثل (جولدا مئير)، وديان كان
ينتمي للتيار الذي يعتقد أن حدود
دولة إسرائيل كما جرى رسمها في
عام 1948 هي مأساة للأجيال
القادمة وعليه يتوجب توسيعها.
كما اعتقدوا أن حرباً إضافية
ستمهد الطريق في الساحة الدولية
وعند العرب أيضا لقبول هذا
الـموقف".
ويعتبر نئمان وأربيل أنهما يغلقان
من خلال كتابهما ما تركته لجنة
أغرانات مفتوحاً عندما لم تحدد
المذنب المركزي ولم تقدمه
للمحاكمة لأن "لجنة أغرانات فرت
من تقديم المذنبين للمحاكمة وهذا
الأمر أبقى جرح حرب الغفران
نازفاً. والآن، بعد صدور الكتاب،
سيصبح الأمر أقل إيلاما وربما
سيكون بالإمكان إغلاق قصة يوم
الغفران والاستراحة منها".
ولفتت يديعوت أحرونوت إلى أن هذا
أول كتاب حول يوم الغفران يكتبه
رجال الموساد.
|