.

أوسترو عرب نيوز
 
الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب
 

 
مع تنامي أعداد المسلمين في أوروبا تتنامى طموحاتهم نحو مشاركة أرحب في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ وخاصة في المجالات التي من شأنها أن تمنحهم قوة مؤثرة لحماية مطالبهم وحقوقهم كأقلية دينية، مع ربطهم في الوقت ذاته بمجتمعاتهم، فلا يعيشون في مجتمعات موازية بمعزل عن المجتمع الرئيس.

ولعل أهم مجال تشاركي لمسلمي أوروبا هو المجال السياسي، لما له من أهمية كبرى في التعريف الصحيح بالإسلام وتشكيل جبهة نخبوية قادرة على الدفاع عن حقوق المسلمين وتعريف أبناء الأقليات بحقوقهم وواجباتهم وفق الأطر القانونية داخل الدول الأوروبية. فقضية المشاركة السياسية لم تعد شاغلا هامشيا في ساحة مسلمي أوروبا، بل تنامى الاهتمام بها، أكثر من أي وقت مضى، وسط تجارب شقّت طريقها منذ زمن ومحاولات تنهض على هذا الصعيد.

من خلال كتابه "مسلمو أوروبا والمشاركة السياسية.. ملامح الواقع وخيارات التطوير" الصادر عن المجلس الأوروبي للإفتاء، يستعرض حسام شاكر، الباحث والإعلامي المقيم بالنمسا، تجربة المشاركة السياسية للأقليات في عديد من الدول الأوروبية، وما واجهها من تحديات، عارضاً سبل تحقق النجاحات السياسية للمسلمين الأوربيين بما لا يتعارض مع المنظومة الأوروبية أو الهوية الإسلامية.

 

ويرى شاكر أنه "لا جدال في أن المشاركة السياسية لا تقتصر على جولات انتخابية وحشد موسمي للأصوات؛ فهي أعمق مفهومًا وأعرض نطاقًا. كما أن التعامل معها بمعزل عن رؤية أوسع للمشاركة المجتمعية ككل؛ لا يأتي إلا منقطع الأوصال معزولا عن سياقه".

 

ويعرف الكتاب المشاركة السياسية بأنها تلك الأداءات التي يتولى الجمهور القيام بها بشكل طوعي بما يهدف للتأثير على القرارات في المستويات المتعددة للنظام السياسي. أي أن هذه المشاركة يقصد بها ما يتعلق بتلك الأداءات التي يُرجى بوعي من خلالها، الوصول إلى هدف سياسي. وفيما يتصل بحالة مسلمي أوروبا فينبغي أن تقرأ هذه المشاركة باعتبارها محصلة مشاركة المجموع المسلم المتنوع في ذاته، والتي تأتي في سياق فعل المشاركة للمجتمع العام، دون فقدان خصوصيتها الجوهرية.

وتهدف تلك المشاركة الإسلامية في المجال السياسي إلى الحضور اللائق في ساحة العمل السياسي والحزبي على أسس التفاعل السليم مع شركاء المواطنة من الأطراف المجتمعية والسياسية الأخرى، وهو ليس بالمطلب المتيسر على أي حال؛ خاصة في ظل أجواء التحامل على الإسلام والمسلمين بجميع أقطار العالم، وما يصاحب ذلك من صورة سلبية نمطية تتكون لدى المواطن ورجل الشارع الأوروبي مبنية على منهجية إعلامية تقودها مؤسسات صحفية بهدف الإبقاء على صيغة تعريفية مفككة في ذهن العامة بأوروبا لكل ما يتعلق بالإسلام.

 

 المشاركة الرشيدة

أما إذا تعلّق الأمر بالحالة النموذجية من المشاركة، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالمشاركة السياسية الرشيدة لمسلمي أوروبا؛ فيخلص الكاتب إلى أن يكون المقصود بذلك المصطلح ما يُبتغى منه تحقيق تفاعل المسلمين الإيجابي المثمر مع الساحة السياسية، بشتى الأشكال الممكنة، بالصورة التي تتوافق مع خصوصيات الساحة الأوروبية وتستهدي أيضا بالتوجيهات الإسلامية. أي أن المشاركة السياسية الرشيدة لمسلمي أوروبا، في مقاصدها العامة؛ وفق مفهوم الكاتب هي تجسيد بليغ لمفهوم المواطنة الصالحة في المجتمعات الأوروبية، بما يترتب عليها من أدوار ينبغي النهوض بها في شتى المجالات، ومن بينها المجال السياسي بمستوياته المتعددة، وبما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية.

أما الضابط الأساسي الذي يجعل من وسائل أو أدوات ما، في حقل المشاركة السياسية للمسلمين في أوروبا، مقبولة؛ هو ضرورة تقيدها بالمعايير والتوجيهات الإسلامية والقانونية والأخلاقية والأدبية ذات الصلة.

 

 أهداف المشاركة السياسية

وحدد الباحث أهدافا مباشرة للمشاركة السياسية المنشودة لمسلمي أوروبا، نوجزها فيما يلي:
1- التأثير الإيجابي في صناعة القرار السياسي: على المستويين الشريعي والتنفيذي، مع التوجه إلى تعزيز كفة الأطراف المعتدلة داخل الحياة السياسية الأوروبية، واحتواء أي مواقف سلبية أو ميول متطرفة قد تظهر فيها.


2- حماية الوجود المسلم: بما في ذلك ما يتصل بالشأن الديني الإسلامي، من أي تجاوزات قد تستهدفه أو أي انتهاكات قد تقع عليه، مع قطع الطريق على عوارض الإقصاء والتهميش، وحالات التفرقة والتمييز، مع السعي لتعزيز تكافؤ الفرص في المجتمع الواحد.


3- التحسين المستمر للحضور العام الإيجابي للمسلمين في الفضاء المجتمعي وفي تعاطي المستوى السياسي معه، بكل ما يتطلبه ذلك من جهود ومساعٍ. ويلحق بذلك توفر أجواء مشجعة للمسلمين للتعبير عن تصوراتهم وآرائهم ومواقفهم في الرأي العام.


4- رعاية مصالح الأقليات المسلمة وبالصورة التي تتمتع بالمسئولية وتتماشى أيضا مع المقاصد والتوجيهات الإسلامية ذات الصلة، وبما يعزز في الوقت ذاته الصالح العام للمجتمعات الأوروبية، ويدعم السلم المجتمعي ويتقدم بحالة التعايش والتفاهم المتبادل داخلها.


5- العناية بالجانب المطلبي لمسلمي أوروبا، وإنضاجه، أخذا بعين الاعتبار مجمل الحقوق الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية المقررة، مع السعي لكسب تفهم الفضاء المجتمعي والأطراف السياسية لما يترتب على هذا الجانب.


6- التعبير عن تصورات المسلمين ومواقفهم من مجمل الشئون العامة والسياسات في الواقع الأوروبي، ومما يتعلق بالمسلمين أو الشأن الإسلامي وقضاياه منها على نحو أخص.


7- العمل على ضمان تحقّق كافة الأطر والأنظمة القانونية والسياسية والإجرائية التي تكفل حالة مثلى من تنظيم العلاقة مع الأقليات المسلمة في بلدان أوروبا على الأصعدة القطرية والمحلية، علاوة على الأصعدة فوق القطرية والأوروبية العامة.


8- تنوير عموم المسلمين في أوروبا بحقوقهم وواجباتهم، وبمكتسباتهم ومسئولياتهم، ضمن مجمل الواقع العام في مجتمعاتهم الأوروبية، بما يعزز وعيهم السياسي ويطور من قابلياتهم لحضور سياسي ومجتمعي فاعل ورشيد.


9- إيجاد قنوات كفؤة للتواصل بين الساحة السياسية في أوروبا بشتى مستوياتها؛ والأقليات المسلمة الأوروبية، ولا شك أن المشاركة السياسية الرشيدة بوسعها أن توفر قنوات كهذه مما لا يستغنى عنه في مجتمع تعددي.

 

 البعد الاجتماعي

ولما كان المسلمون جزءا من المجتمع الكبير؛ فلا مجال للتحدث عن إمكانيات تحقق نجاح المشاركة السياسية دون الحديث عن المشاركة الاجتماعية لأبناء الأقليات المسلمة؛ لكونها قاعدة الانطلاق للعمل السياسي؛ حيث لا يمكن عزل المشاركة السياسية عن المشاركة المجتمعية كسياق عام. ومما لا شك فيه أن العلاقة بين المشاركة السياسية والمشاركة المجتمعية هي علاقة جدلية، فكلما تزايد منسوب المشاركة المجتمعية الفاعلة لمجموعة بشرية أو أقلية ما؛ ازدادت احتمالات مشاركتها السياسية الفاعلة، وكلما انخفض ذلك المنسوب تضاءلت فرص المشاركة السياسية الفاعلة وإمكاناتها. كما أن المشاركة السياسية ذاتها تنعكس بالإيجاب على تطوير واقع المشاركة المجتمعية بمفهومها الشامل، وتحفيزها بالنسبة للمجموعة البشرية أو الأقلية المعنية.

 

 صعوبات المشاركة السياسية

وليس سرًّا أن مشاركةَ مسلمي أوروبا في الساحة السياسية تعترضها صعوبات عدة، يعزى بعضها إلى صعوبات عامة بالنسبة للسياق المجتمعي، وأخرى متعلقة بالأقليات أو من يصنفون على أنهم "أجانب"، علاوة على صعوبات متعلقة بخصوصيتهم كونهم مسلمين. ويمكن القول إن واقع مسلمي أوروبا ما زال شاهدًا على الافتقار إلى تبلور أدوات للعمل السياسي لتكون في مستوى يلائم ما عليه الحال في الساحة الأوروبية، سواء تعلق الأمر بالبلدان والأقاليم الأوروبية كل على حدة؛ أم تعلق بالمستوى الأوروبي العام. ومع ذلك؛ فلا يمكن تجاهل النمو النوعي الذي شهدته بعض الساحات الأوروبية في غضون الأعوام الماضية؛ إلا أن الطابع العام ما زال دون المستوى الذي يمكن التعويل الجاد عليه.

 

وقد برهن عديد من الحالات على أن مسلمي أوروبا إجمالا، وفي بعض البيئات الأوروبية على نحو خاص؛ يفتقرون بوضوح لأدوات المشاركة المجتمعية والسياسية الفاعلة والقادرة على التعاطي مع خصوصيات الساحة التي يتحركون فيها، وهو ما يمكن أن يعزى إلى ظروف ذاتية متعلقة بخصوصية الوجود المسلم ذاته في البلد أو الإقليم المعني ومقدراته وإمكاناته؛ وإلى ظروف موضوعية متصلة بالبيئة أو الظرف الناشئ.

ومما يقتضي لفت الاهتمام إليه؛ أن تحفيز المشاركة السياسية لمسلمي أوروبا، أو لأية أقلية كانت على نحو عام؛ هي مسئولية مشتركة تقع على عاتق الأطراف الفاعلة، مؤسسات وقيادات، في نطاق الأقلية ذاتها، من جانب؛ وعلى عاتق الأطراف الممسكة بزمام النظام السياسي في البيئة المعنية، أي في الدول الأوروبية والنطاق الأوروبي العام، من جانب آخر، علاوة على مجمل الفضاء المجتمعي من منطلق الشراكة والتعاون والتفاعل المتبادل المثمر.

 

الداخل الإسلامي

ويصنف شاكر مواقف مسلمي أوروبا، مؤسسات وتجمعات وقادة رأي وشخصيات عامة، من المشاركة السياسية؛ ضمن فئات عدة، تتوزع إجمالاً بين خانات "المؤيدين" و"المترددين" و"المعارضين". لكن التيار الرئيس (mainstream) المسلم في أوروبا، المعبر إجمالاً عن الوجود المسلم، يؤيد فكرة المشاركة السياسية بلا مواربة، بل يرى أهميتها وربما قال بعض قياداته بوجوبها أو ما فوق ذلك، حتى مع وجود بعض التقديرات المترددة في الإقدام على المشاركة الفعلية.

وفيما يتعلق بملامحها العامة؛ فيعتبر الكاتب أن المشاركة السياسية لمسلمي أوروبا بدت في الغالب مكتسبة طابع الأداء المتقطع، الذي لا يستند إلى برامج متواصلة أو أدوات مستقرة. ورغم المؤشرات المتصاعدة لفعل المشاركة هذا في الأعوام القليلة الماضية؛ إلا أن الحصيلة العامة لتجاربها تبدو متواضعة، وغالبا ما جاءت أدنى بوضوح من المنسوب المتعارف عليه في الساحتين المجتمعية والسياسية في بلدان القارة، مع تفاوت في ذلك بين بلد أو إقليم وآخر.

 

ومع هذا؛ فإن شاكر يؤكد من وجهة نظره على أن المؤشرات المتاحة تسير عموماً في اتجاه نمو المشاركة السياسية للمسلمين، وربما النمو المتسارع بشكل ملحوظ في بعض البلدان والأقاليم، ومن المتوقّع، بحسب الكاتب أن يكون ذلك النمو في الأمد القريب كميا أكثر من كونه نوعيا، أي بحجم الحضور في الميادين ذات الصلة بالتأثير السياسي، من ناحية الثقل والزخم (كما في مدى إقبال الناخبين المسلمين على الاقتراع، وأعداد المسلمين المرشحين على القوائم الحزبية، وأعداد البرلمانيين وأعضاء المجالس البلدية، ووتيرة الإدلاء بمواقف سياسية أو عدد البيانات التي يجري إصدارها، وغير ذلك)، في ما أنه يبقى منتظرًا أن يطرأ نمو في الجوانب النوعية للمشاركة، والتي يمكن أن تمنحها تأثيرا أكبر (مثل جودة الأداء السياسي، ومواصفات المواقف والبيانات ونوعية التصريحات، وطبيعة الصلات مع المستوى السياسي، وغير ذلك).

 

وتمثل مشاركة المسلمين السياسية على المستويات المحلية (كالبلديات والمقاطعات أو الولايات) والقطاعية (كالنقابات) ميداناً هاما لتوسيع نطاق مشاركتهم السياسية وإكسابها زخما كبيرا. وفي واقع الأمر؛ يحقق مسلمو أوروبا حضورا متزايدا في المستوى السياسي المحلي في بلدانهم، بينما ظل حضورهم السياسي في المستويات القطرية متواضعا نسبيا. وإجمالا؛ يمكن القول إن مسلمي أوروبا قدموا وجوها أكثر عددا في العمل السياسي المحلي، بالمقارنة مع الندرة الملحوظة في الوجوه السياسية المسلمة العاملة ضمن المستويات القطرية والأوروبية.

 

  • عرض : أحمد المتبولى
  • الكتاب: مسلمو أوروبا و المشاركة السياسية
  • المؤلف : حسام شاكر
  • عدد الصفحات: 350 صفحة
  • الناشر: المجلس الأوروبي للإفتاء و البحوث
  • الطبعة الأولى: 2007