.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب

الطريق إلى مكة
محمد أسد

 
كتاب الطريق الى مكة ليس سيرة ذاتية تحاكي الزمن، بل هو وثيقة استبصار باطنية إيمانية صادقة تحاول قراءة الزمن العربي قراءة جديدة واعية مسلحة بإيمان لا ينهزم أمام الفكر الغربي، بل يحاول مقارعته الحجة بالحجة بنفس السلاح الذي يستخدمه الغرب، وهو في النهاية يمنحنا اعتزازا خاصا بماضينا وحاضرنا وإسلامنا، ديننا الحنيف الذي يدعو إلى السلام، كما يدعو المؤمن الحق بالأيمان بكل الأديان السماوية، وكل الأنبياء والرسل عليهم السلام.

القارىء لكتاب : الطريق الى مكة .. لـ محمد أسد (1900 م - 1992 .. ليوبولد فايس  سابقا) سوف يخرج بعدة نتائج هامة، أهمها هو أن الكتاب يرد على تلك النعرات التي سادت الغرب الآن ضد الاسلام وضد تلك الافتراءات على الرسول الكريم .. صلى الله عليه وسلم .. وضد كل من يدعي أن الإسلام هو دين العنف وأنه ساد بحد السيف.
كل تلك الافتراءات يرد عليها هذا الكتاب الهام، والذي قام بترجمته عن الإنجليزية المترجم القدير الدكتور
رفعت السيد علي .. وهو طبيب بشري

 يقع الكتاب في أكثر من أربعمائة صفحة من القطع الكبير، ويحدد المؤلف في مقدمته للكتاب المنهج الذي حدد رؤيته بأن ما يرويه في هذا الكتاب لا يعد سيرة ذاتية، كما لا يعد رواية لمغامرات خاضها على الرغم من أنه صادف مغامرات عجيبة، كما أنه أيضا لا يعد قصة حياة رجل يفتش بقصد ونية عن ايمان عميق أو عقيدة بذاتها، انما الحكاية ببساطة هي حكاية اكتشاف رجل أوروبي للإسلام كدين متكامل في أي مجتمع اسلامي.
ومؤلف هذا الكتاب يهودي الأصل تسمى بعد إسلامه باسم محمد أسد عام 1926 .
عمل صحافيا ومراسلا لكثير من صحف وسط أوروبا وألمانيا وهولندا وسويسرا عن منطقة الشرق الأوسط وإيران وأفغانستان والهند، عاصر وشارك في كثير من الأحداث التي شكلت مستقبل المنطقة الممتدة من ليبيا حتى الهند قبل وبعد إعلان دولة باكستان الإسلامية المستقلة، ومن أهم أعماله سلسلة مقالات عن فلسطين مؤيدة للحق العربي وذلك قبل إسلامه، كما أن له عدة كتب أهمها:
الإسلام في مفترق الطرق، الطريق إلى مكة الذي ترجم إلى كل لغات العالم ومن بينها العربية.

 

يقسم المؤلف كتابه إلى اثني عشر فصلا لها عناوين دالة مثل :

الفصل الأول : حكاية قصة.

الفصل الثاني : ظمأ.

الفصل الثالث : بداية الطريق.

الفصل الرابع : رياح .

الفصل الخامس : أصوات.

الفصل السادس : روح وجسد.

الفصل السابع : أحلام.

الفصل الثامن : منتصف الطريق.

الفصل التاسع : جن.

الفصل العاشر : دجال.

الفصل (11) : جهاد.

الفصل (12) : نهاية الطريق.

الفصل الأول والمعنون بـ العطش يعد من أروع فصول هذا الكتاب الهام، ففي هذا الفصل يصف المؤلف رحلته الأولى في صحراء الجزيرة العربية والربع الخالي، وليس معه في هذه الرحلة سوى ناقة يمتطيها وأحد الادلاء العرب، ويصف كيف تاه عن دليله العربي وكيف واجه عاصفة من الرمال في صحراء الربع الخالي محتميا بناقته وقد كاد يهلك من شدة الظمأ وليس معه ماء ولا طعام، معه فقط ايمان عميق بالدين الجديد الذي اعتنقه عن قناعة متخليا عن حضارة مادية جافة وعن ميراث هائل من سوء الفهم للاسلام والمسلمين، يلتقي محمد أسد في رحلته الايمانية الشاقة والشيقة في آن معا بالعديد من الشخصيات مثل الشيخ المجاهد عمر المختار حيث يكلفه شيخ السنوسيين في مكة المكرمة بنقل رسالة سرية اليه في ليبيا، وقد كان محاصرا من قبل الاستعمار الايطالي، فيوافق على نقل الرسالة ويقسم على القرآن ألا يخون المجاهدين فيبر بقسمه ويخوض رحلة شاقة تهدد حياته أكثر من مرة حتى ينجح في توصيل الرسالة ويعود الى مكة مرة أخرى حاملا رسالة من عمر المختار الى الشيخ أحمد السنوسي، كذلك يلتقي بالأمير عبد الله الذي سيصبح ملكا على الاردن فيما بعد، وتتعمق صداقته بعبد العزيز آل سعود .
ويفسر محمد أسد سبب عداء الغرب للإسلام والمسلمين بأن الغرب يوقن بأن التجربة الحضارية الغربية ليست فقط الأفضل والاسمى، بل انها فوق أي قياس مقارنة بحضارات العالم الأخرى، وهكذا يؤمن المواطن الغربي أن نمط الحياة لديهم هو النمط الوحيد الصالح والملائم للحياة، وأنه النموذج الأوحد الذي لابد أن تقاس عليه أنماط اخرى، ويستتبع ذلك بالطبع أن أية مفاهيم معرفية أو ثقافية أو انساق اجتماعية أو قيم أخلاقية تختلف عن النمط الغربي انما تنتمي الى مستوى أدنى من الحياة.
ويقول محمد أسد إننا لكي ندرك سبب عداء الغرب الآن للأسلام لابد وأن نعود للماضي كي نفهم، أي لزمن الحروب الصليبية، فقد كان للحروب الصليبية أقوى تأثير »جمعي« على حضارة كانت بالكاد قد بدأت تعي ذاتها، كانت أول وأنجح محاولة مبكرة في رؤية أوروبا لذاتها، وقد توحدت تحت راية ثقافية واحدة هي راية الدين، وقد وهبت هذه التجربة المريرة للحروب الصليبية أوروبا وعيا بثقافتها ووحدتها، الا أن تلك الحروب ذاتها قدر لها أن تبرز الاسلام بوجه شائن مزيف في عيون الشعوب الاوروبية، ذلك أن الخسائر التي نجمت عن الحروب الصليبية لم تقتصر على الصدام المسلح، كانت الخسارة الكبرى والأهم، خسارة فكرية نتجت عن تسميم الفكر الاوروبي ضد العالم الاسلامي عبر التصوير الارادي المشوه والكريه لتعاليم الاسلام ومثله العليا، فتم تصوير الاسلام على أنه دين العنف والقسوة ووصفوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأوصاف لا تجب .. وادعوا أنه معاد للمسيح، وأنه دين طقوس لا دين تطهر من القلب، لقد دخلت كل تلك الافكار الشائهة والمغلوطة عن الاسلام الفكر الغربي، ولم تخرج منه بعد .

كم كان بودي ان استعرض الكتاب في مساحة أوسع لأوفيه بعض حقه علينا، ولكن حسبنا أن نشير إليه عسى أن تتلقفه يد كريمة فتتصدى لطبعه ثانية، وثيقة صادقة ورائعة عنا نفخر بها أمام العالم وهي تروي حكاية من ألفنا وأحبنا في الله واختار العيش بيننا مفضلاً صحارينا ومدننا وأهلنا على قصور ومدن أوروبا وخوائها الروحي المريع.

 

  • عرض : جمع العرض من أكثر من مصدر
  • الكتاب: الطريق إلى مكة
  • المؤلف : محمد أسد
  • الترجمة :  رفعت السيد علي
  • عدد الصفحات: 400 صفحة
 مواضيع ذات صلة
       محمد أسد (1900 ــ 1992)