.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب

الغرب والعالم الإسـلامي
ملخص كتاب
صدام الحضارات

 
هذا الكتاب تقرير عن برنامج لوزارة الخارجية الألمانية المسمى " الحوار الثقافي الأوروبي-الإسلامي " شارك فيه ستة من المؤلفين المسلمين بدعوة من معهد الحوار والتفاهم، ويناقش العلاقات الغربية-الإسلامية ويحللها تحليلا نقديا لن يوافق العرب على جميع ما فيه.

وهؤلاء المؤلفون هم: سلوى بكر (مصر)، و باسم الزبيدي (فلسطين) و داتو محمد جوهر (ماليزيا) و فكرت كارتتشتش (البوسنة والهرسك) و حنان كساب (سوريا) و مظهر زيدي (باكستان).

 

ويتطرق التقرير إلى الجذور التاريخية للمواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، ويعرف القوالب النمطية والتحيزات، ثم يمتد ليعالج أسباب ضربات 11 سبتمبر/أيلول 2001 والحرب على العراق وأفغانستان وتبعاتها. ويصوغ مؤلفو الكتاب -الذي صدر باللغات العربية والإنجليزية والألمانية- توصيات ومنطلقات حول المستقبل المشترك.

 

 السياق الحقيقي للعلاقة
تبدي الندوات والمؤتمرات والبحوث المختلفة في موضوع العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي مدخلات كثيرة ومختلفة في تفسير هذه العلاقة، مثل العداء بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، والتناقضات الأساسية والثقافية "صدام الحضارات"، وهو تفسير يضع العالم الإسلامي والغرب قطبين متعارضين ومتناقضين على الدوام، ويتجاهل التغاير الداخلي في الجانبين، ويهمل الحقيقة الثابتة الأساسية التي تقول إن الثقافات والمجتمعات ليست كيانات ثابتة ودائمة ولكنها في حالة تغير دائم، كما يتجاهل الخلط والمزج الذي يجري بين الثقافات.

فالغرب لم يعد عالما مقتصرا على الأوروبيين والتراث المسيحي، فيوجد في الغرب اليوم عشرات الملايين من المسلمين الذين يحملون جنسيات دول الغرب واستوعبوا نمط الحياة الغربية، وكان لهم أيضا تأثيرهم على المجتمعات الغربية، فقد أصبحت تقاليدهم وفنونهم وأطعمتهم من العناصر الثقافية في الحياة اليومية الأوروبية.

وكان العامل الإسلامي مهما في حفظ واستيعاب التراث اليوناني الفلسفي والحضاري بالإضافة إلى علومهم وحضارتهم التي أبدعوها، وكانت مدخلا أساسيا في النهضة الأوروبية المعاصرة.

 

وفي المقابل أيضا لم يعد ثمة مجتمع إسلامي يخلو من المؤثرات الغربية، وقد أدت وسائل الاتصال الحديثة إلى دخول التأثير الغربي إلى المجتمعات الإسلامية حتى المحافظة منها، والعالم الإسلامي نفسه ليس عالما واحدا ولكنه يموج بالتناقضات والاختلافات.

وتنطوي النظرة الغربية للعالم الإسلام على تعميم غير منصف، وتحوله وسائل الإعلام إلى تصورات نمطية وتحيزات ضارة، وهو الأمر الذي يؤجج المشاعر العنصرية والعدائية نحو كل من ينتمون إلى العالم الإسلامي دون تمييز بين من يعتمدون أسلوب العنف وبين من يعانون من عواقبه على المستوى المحلي.

وليس ثمة تعريف واضح للعالم الإسلامي، والدعوات الرامية إلى توحيده لا تتجاوز تجمع البلدان الإسلامية في منظمة "المؤتمر الإسلامي"، ولا يمكن القول بوجود قوة متراصة تسمى العالم الإسلامي يمكن اعتبارها خطرا يتهدد الغرب الذي يمتلك قوة أكبر بكثير.

والموقف السياسي والاقتصادي في العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي أكثر تعقيدا من الصدام والمواجهة التي تغرق وسائل الإعلام، فالعلاقات التجارية المكثفة بين بلدان العالم الإسلامي وأوروبا والولايات المتحدة كبيرة جدا، حتى في بلدان محافظة وتؤسس مشروعيتها على الدين مثل السعودية.

و العداء الظاهر بين الغرب والبلدان الإسلامية لا يرد إلى الدين، فرفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي يعود إلى مشكلات الهجرة المتوقعة من تركيا إلى أوروبا، والتدخل الأميركي في البلقان لصالح المسلمين ضد الصرب يعود إلى أسباب جغرافية سياسية، واحتلال العراق ذي النظام السياسي العلماني مرتبط بالنفط.

فالعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب ترتبط ارتباطا جوهريا بالقضايا السياسية الدالة، وهي: القضية الفلسطينية والمواقف التي يتخذها الغرب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، والقضية العراقية واحتلال العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية، والسيناريوهات الخطرة المحتملة التي يناقشها علانية المسؤولون في الولايات المتحدة وتدعو إلى إحداث تغييرات جذرية في المنطقة، وتهديد سوريا وإيران.

ويبدو ثمة اختلاف في المعسكر الغربي بين أوروبا والولايات المتحدة في موضوع العلاقة مع العالم الإسلامي، وقد لوحظ ذلك بوضوح في الغزو الأميركي للعراق، فقد عارض هذه الحرب بقوة كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا، كما أن الدول الأوروبية نفسها كانت منقسمة حول الحرب، وهو ما وصفه الأمريكان "بأوروبا القديمة وأوروبا الجديدة".

 

 ميراث الماضي.. تراث المواجهة
يكشف تاريخ العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي عن مواجهة عسكرية، وعن تبادل سلمي وثقافي للفوائد المشتركة، ولكن يبدو أن الوعي التاريخي للعلاقة تشكل عبر فترات المواجهة، فبالنسبة للمسلمين يصعب محو الذكريات التاريخية التي خلفها الصليبيون، فقد أصبح "الصليبية" مصطلحا مشحونا بالغزو والمذابح والهيمنة والتعصب الديني.

وكان للاستخدام غير الموفق لمصطلح "الحملة الصليبية" من قبل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش للدلالة على الحملة على ما يعتبره إرهابا أثر يعيد المعاني والذكريات نفسها للحروب الصليبية سيئة الذكر بالنسبة للمسلمين.

وفي المقابل فإن المسلمين كانوا يمثلون العدو منذ معركة بواتييه عام 732م على حدود فرنسا وحتى هزيمة العثمانيين الأتراك عام 1683 في فيينا وشكلوا تهديدا كبيرا (الخطر الأخضر). وكانت الفترة التي أعقبت سقوط القسطنطينية عام 1453 بيد الأتراك العثمانيين فترة شعور بالتهديد والاجتياح من قبل تركيا، حتى أصبحت كلمة تركي مصطلحا يطلق على المسلمين يستحضر الكفار والقسوة.

ويمكن لدعاة الحوار أن يجدوا في التاريخ أمثلة للتبادل الثقافي والتعاون بين العالمين، فعلى سبيل المثال نظر المسلمون الأوائل إلى التراث اليوناني والروماني بانفتاح وإعجاب، واستخدموا وطوروا كثيرا من الخصائص التي شكلت أساس الحضارة الغربية في مختلف مجالات الفلسفة والأخلاق والعلم، وكان اسم "المعلم الثاني" الذي أطلق على الفارابي نتيجة اعتبار أن أرسطو هو المعلم الأول، وكان الطلاب الأوروبيون الذين درسوا في الجامعات الإسلامية بإسبانيا في العصور الوسطى يمثلون حالة شبيهة بالطلاب الذين يهاجرون اليوم إلى أوروبا للدراسة في جامعاتها.

 

 تصورات نمطية حول الغرب وصور مشوهة عن الإسلام  
كان الاستشراق بمثابة المورد الفكري الرئيسي لإنتاج وتناول الصور المشوهة عن الإسلام، وتستخدم هياكل القوة في البلدان الغربية هذه الصورة بوصفها أداة لتبرير الهيمنة على العالم الإسلامي.

وهناك أيضا مقاربات غربية منهجية متوازنة لدراسة الإسلام، مثل ترجمات بعض النصوص الإسلامية، والحفاظ على المخطوطات الإسلامية، وإنتاج أدوات مرجعية بلغات أوروبية تحظى بتقدير كثير من العلماء المسلمين.

وتخضع الرؤية الإسلامية للغرب لتحيز نمطي مرتبط في الذاكرة الجماعية بكل التداعيات السلبية الممكن حصولها لحالة الهيمنة والاحتلال التي مارسها الغرب بحق العالم الإسلامي، وظهرت في الوعي العربي الجماعي النظريات التآمرية، وعدم الثقة بالغربي.

وقد اتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رغم أصوله العلمانية القائمة على الاحتلال العسكري شكلا دينيا مع بداية المقاومة الإسلامية الشيعية في جنوب لبنان وحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي. وفي تلك الفترة استيقظت مشاعر الشك مرة أخرى، وبدأت تحتوي التصورات الإسلامية النمطية عن الغرب عناصر دينية، وبدأت تسمية "اليهود" بالظهور، مشيرة إلى الانجراف الذي حدث تجاه إضفاء عنصر ديني على الصراع محولا إياه من سياسي إلى ديني وثقافي.

وتنامى العداء تجاه الولايات المتحدة وتحول إلى عداء صريح بعد حرب الخليج الثانية ثم تداعياتها التي وصلت إلى احتلال العراق. وفي الوقت نفسه فقد ساهم الموقف الأوروبي من الحرب الأميركية على العراق في تحول إيجابي في صورة الغرب الأوروبي، وبدأ كثير من المسلمين يدركون أن الغرب ليس كيانا متجانسا موحدا، ولكن الغرب يموج بصراعات في الرأي حول القضايا السياسية الرئيسية، وهو أمر يوفر مساحة لمزيد من التصور المتوازن والمتغاير والتحليلي، ومع ذلك لا يمكننا التنبؤ كم سيستغرق الأمر لإعادة بناء جسور التسامح والحوار بين الحضارات إذا أصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الاستمرار في سياساتهم.

 

 الحكم والتنمية في العالم الإسلامي
لقد أدى سوء الحكم وتعثر التنمية في كثير من دول العالم الإسلامي إلى تعقيد العلاقات مع الغرب، فقد نشأ خلل كبير في توازنات القوى، مما سهل على الغرب الأقوى -وبخاصة الولايات المتحدة- التلاعب والهيمنة والمعاملة فاضحة الظلم للعالم الإسلامي الأضعف، كما أن الفجوة التنموية الهائلة تغذي أيضا مشاعر التحامل والازدراء والضغوط والصراعات التي تفسد العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب.

وقد أدى الضعف وعدم التمكين النابعان من سوء الحكم وسوء التنمية إلى اعتماد كثير من البلدان الإسلامية على المساعدة الاقتصادية الغربية، وفي بعض الحالات على العون العسكري والحماية من جانب الغرب، وهو الأمر الذي يضع تلك البلدان تحت تأثير الإغراءات والضغوط التي تجعلها تتصرف بما يتفق مع مصالح الغرب، وبذلك تساوم تلك البلدان على استقلالها وسيادتها، وتضحي ببعض مصالحها الحيوية فضلا عن مصالح الشعوب الإسلامية الأخرى، كما يؤدي ذلك إلى الانقسام والنزاع وإيقاع الفوضى بين بلدان العالم الإسلامي مع تحريض تلك الدول التي أصبحت تابعة للولايات المتحدة ضد البلدان التي نجحت في استعادة نوع من الإرادة المستقلة.

لقد بدأت مصر تحصل بعد توقيع معاهدة كامب ديفد على 2.3 مليار دولار سنويا، وبدأت باكستان تحصل على 1.3 مليار دولار بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وبدأت أوزبكستان تحصل على مساعدات أميركية بعد سماحها لقوات الولايات المتحدة وطائراتها بأن تتخذ من أراضيها قاعدة لها قرب حدود أفغانستان، ويتمتع الأردن بمعونة عسكرية تصل نحو 200 مليون دولار.

إن سوء الحكم وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان والحكم غير الديمقراطي في كثير من البلدان الإسلامية يعطي صورة سلبية إلى حد كبير عن هذه الدول، ويدعو إلى النقد الغربي المحق وأحيانا الاستهجان الذي يجعل العلاقات عرضة للصراع، كما أن التوترات بين الحكام والشعوب في مثل هذه الظروف تؤدي أيضا إلى إضعاف الدولة وقدراتها على مواجهة الضغوط الغربية، وتصبح الدول الإسلامية الفاشلة في أسوأ حالاتها السياسية والاقتصادية مثل أفغانستان وأهدافا سهلة للعدوان العسكري، ففي العراق يتم إحياء الفظائع التي ارتكبها سابقا نظام صدام حسين ضد السكان، وذلك بهدف تبرير العدوان عليه.

ورغم عدم صحة اقتران الإسلام والمسلمين بسوء الحكم والتخلف، فالحكم السيئ موجود في كثير من البلدان بغض النظر عن تكوينها الديني فإن هذا الاقتران يضعف من صورة الدين ومنزلته فضلا عن أتباعه، وبالتالي العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب.

إن تفاوت وضع هذه العلاقات وطبيعتها علاوة على الذكريات المتبقية من القمع الذي مارسه الاستعمار في السابق، والتبعية المهينة مع العجز الراهن قد أدى إلى تغذية شعور الشعوب الإسلامية بالاستياء وشعورها بالعداء تجاه الغرب. ومن الناحية الأخرى تغذي هذه العوامل نفسها شعورا بالتفوق يصل أحيانا إلى حد الازدراء والغطرسة في بعض دول الغرب.

إن سوء الحكم والتخلف مشكلتان مركبتان جذورهما عميقة، وتتطلبان بذل جهود جبارة على أسس مستدامة للتوصل إلى حلهما، ويمثل كل بلد حالة قائمة بذاتها لديها مزيجها الخاص من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والذي يحتاج إلى المعالجة باستخدام مجموعة من المقاييس الخاصة به. ونرى البلدان الفقيرة ذات الموارد الطبيعية والشحيحة ورأس المال البشري المحدود، والتي تحتاج إلى التحرير أكثر من غيرها، أقل قدرة على التخلص من مأزقها بنفسها، فالعمل على المستوى الوطني فقط قد يكون عديم الفائدة بدرجة كبيرة، وتمثل المساعدة الإقليمية ضرورة ملحة.

 
  • اسم الكتاب: الغرب والعالم الإسلامي
  • المؤلف: مجموعة من الباحثين
  • الطبعة: الأولى 2004
  • عدد الصفحات: 258
  • الناشر:ألمانيا/شتوتغارت
    معهد الحوار
    والتفاهم
  • عرض : إبراهيم غرايبة