.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومالأدب

الجينوم
مستودع أسرار البشرية

يتناول المؤلف في هذا الكتاب وهو أستاذ علم الحيوان في جامعة أكسفورد الخلية الوراثية أو الجينوم، ويستعرض في كل فصل جينا واحدا أو أكثر من الجينات الموزعة على أحد أزواج الكروموسومات الإثنين والعشرين الموجودة في نواة كل خلية.

وتؤكد الدراسات العلمية أن الجسم البشري يحوي قرابة مائة تريليون خلية, وفي نواة كل خلية توجد مجموعتان كاملتان من الجينوم البشري، ولا تشمل هذه القاعدة خلايا التكاثر (أي الحيوانات المنوية في الذكور والبويضات في النساء) ولا كريات الدم الحمراء، ففي خلايا التكاثر توجد مجموعة واحدة من الجينوم، وذلك لاستقبال المكمل لها من خلية التكاثر الأخرى، أما الكريات الحمراء فلا تحوي أي مجموعة جينية.
وتكون مجموعات الجينوم الكروموسوم، ويقول العلماء أن كل كروموسوم يتشكل من ستين إلى ثمانين ألف جين.

ولا ينظر المؤلف في كتابه للجين باعتباره مادة صماء ولكنه يتعامل معه باعتباره كتابا يحكي آلاف القصص الحية، ويشبه الإكسونات التي يتألف منها الجين الواحد بالفقرات المكونة للقصة، وتتكون الفقرة من كلمات تسمى في علم الجينات كودونات، أما الكودونات فتتألف من مجموعة حروف تسمى القواعد.

ويذهب المؤلف إلى أبعد من ذلك في التشبيه فيشير إلى أن كلمات القصص الجينية تتكون من أربعة حروف هي الأدنين والسيتوزين والجوانين والثيمين، وهي عبارة عن سلاسل طويلة من السكر والفوسفات تسمى جزيئات DNA.

ويوجد في كل كتاب مليار كلمة تجعله بحجم الإنجيل 800 مرة، وفكرة أن الجينوم كتاب ليست استعارة مجازية بل هي حقيقية بالمعنى الحرفي للكلمة، فالجينوم والكتاب معلومات رقمية تتحدد حسب شفرة تحول رموز الأبجديات الصغيرة إلى قاموس كبير من المعاني.

ويمضي الكاتب في وصف الوسائل التي ينسخ بها الجين نفسه، وكيف يؤلف كتبا جديدة مع الزمن، يكون بعضها مغايرا لقواعد النسخ المتبعة في ذلك الكتاب، وهو ما يعرف بالطفرة، ومعظم تلك الطفرات تكون تغيرا عميقا لكنه لا يضر ولا ينفع وإنما يغير في الموروث الجيني فقط.

والجينات تروي قصة الحياة على الأرض، وحسب الكتاب فإن الكلمة الجينية هي أول ما وجد على الأرض وأخذت تنسخ نفسها للأبد بلا انقطاع وحولت سطح الأرض إلى جنة خضراء، والحياة عملية خلق واحدة فقط.

والجينات هي السلالة المباشرة لأول جزيئات ناسخة، وهي من خلال سلسلة لا تنقطع من عشرات البلايين من النسخ قد وصلت لنا وهي ما زالت تحمل رسالة رقمية فيها آثار من أقدم تلك الصراعات في الحياة، والجينوم البشري يستطيع أن يخبرنا بأشياء كثيرة فهو سجل لتاريخنا مكتوب على مدى الحقب والقرون.

لكن العلم لا يملك حتى الآن إلا تلميحات مبهمة عن الطريقة التي يتولد بها النمو والشكل بواسطة الجينات، ويبدو أن نسبة قليلة من الجينات (حوالي 2% منها) هي التي تحدد النوع والصفات الوراثية والسلوكية أيضا, ولكن العلم لا يعرف حتى الآن كيف يتم ذلك.

 تكرار النسخ يحدد المصير
يكرر الجين نفسه مرات عدة، ويحدد عدد هذه التكرارات السن التي يبدأ فيها الإنسان بفقدان توازنه وعجزه عن رعاية نفسه، فإذا تكررت الكودونات خمسا وثلاثين مرة سيصاب الإنسان بخرف الشيخوخة في منتصف العمر أو بعد السبعين أو بعد ذلك, حسب عدد المرات التي نسخ فيها الجين نفسه أثناء عملية التكون.

وحتى بعض الأمراض ترد كامنة إلى البشر مع الجينات، فعلى سبيل المثال تأوي في الكروموسوم الخامس جينات عدة مرشحة لتكون المسؤولة عن مرض الربو، وهو مرض ليس وراثيا، وعلى كروموسومات أخرى تأوي جينات يعتقد أنها مسؤولة عن الربو أيضا حين تشهد عملية نسخها طفرة، وقد تكون جينات أخرى مسؤولة عن تشكيل الاستعداد للمرض. ولكن العلم ينمو إلى اللا قطعية، فكلما ازددنا معرفة بالجينوم ازداد الغموض.

 الذكاء
فالجينات بحد ذاتها سوية وليست مسؤولة عن المرض ولكنها في تشكلها وتفاعلها قد تؤدي إلى المرض، ولكن الوراثة في الأمراض والصفات تبدو حقيقية وهذا ينطبق على الذكاء، وثمة مؤشرات كثيرة تؤيد فرضية أن بعض الجينات مسؤولة عن الذكاء، ولعل أدمغة البشر وهي يمر فيها التراث الثقافي عبر الحقب اختزنت المهارات التي تعلمتها وباتت تتوارثها، فالبيئة التي يمارسها الأطفال تكونها الجينات والعوامل الخارجية معا، إذ يتعرف الطفل على بيئته كما أنه يساهم في تشكيلها، وعلى أية حال فالجدال في هذا الموضوع ماض ولم يتوقف.

 صراع الجينات
الجسم ضحية أو مجال لمعركة وهو أيضا وسيلة نقل طموحات الجينات، وهذه آخر مقولة لعلماء البيولوجيا, وهي تنسف مقولة أن الجينات عبارة عن وصفات تنتظر في سلبية استنساخها حسب هوى الاحتياجات الجماعية للكائن.

فالجينات يتصارع أحدها مع الآخر، وفكرة أن يكون الجينوم ميدانا لمعركة من نوع بين الجينات الوالدية والجينات الطفولية أو بين جينات الذكور وجينات الإناث, كل هذا قصة قلما يوجد من يعرفها خارج مجموعة صغيرة من البيولوجيين التطوريين, إلا أنها هزت بعمق الأسس الفلسفية للبيولوجيا.

فعلى سبيل المثال كل جينوم هو أكثر تعقيدا بكثير مما يلزم، وبعضها يحوي جينات حقيقية من نوع مختلف تماما ويتضمن امتدادات كثيرة تبدو بلا معنى، وكأنه كتاب يكتب نفسه ثم يضيف ويحذف ويعدل باستمرار على مدى الحقب، وتسلك الجينات وكأن لها هدفا أنانيا ليس على نحو واع وإنما ارتجاعي: الجينات التي تتبنى هذا السلوك تزدهر والجينات التي لا تفعل ذلك لا تزدهر. وهذا يفيد كثيرا فيما أصبح يعرف اليوم على نحو واسع بمصطلح "البصمة الوراثية" .

لقد حدث للبيولوجيا في سبعينيات القرن العشرين ما حدث للفيزياء من قبل بـ50 سنة وهو انهيار اليقين والاستقرار والحتمية ليقوم مكانه عالم من التقلب والتغير وعدم القابلية للتنبؤ. إن الجينوم الذي نفك شيفرته في هذا الجيل ليس سوى لقطة واحدة لوثيقة تتغير أبدا، فليس هناك وجود لطبعة نهائية من كتاب الجينوم.

 الجين يحدد معالم الشخصية
كل إنسان يتفرد بشخصية وصفات محددة، فهناك شخص لا مبال، وآخر عصبي المزاج أو قلق، وهناك من يلتمس المخاطر، وهناك الصامت والثرثار، ويعتقد العلماء أن على الكروموسوم الحادي عشر جين يعمل في الدماغ ويؤثر على الإشارات الكيميائية والكهربائية المختلفة مما يدفع الدماغ للبحث في الخيارات والحوارات واختيار أحدها، ولكن هذا لا يفسر سوى 4% من السلوك, فهناك عناصر أخرى كثيرة في تحديد الشخصية لا تقل عن اثني عشر, وهذا يعني أنه يوجد أكثر من خمسمائة جين تتنوع في تناغم مع الشخصيات البشرية، وهذا ينفي الحتمية الوراثية والجينية في السلوك والشخصية التي تتكون من مزيج غامض ومعقد من تلك الجينات.

ربما كنا نحن البشر محددين تحديدا مدهشا حسب أوامر جيناتنا, ولكننا نتحدد أكثر بما نتعلمه في حياتنا، فالجينوم يعالج المعلومات ويستخلص معلومات مفيدة بالانتخاب الطبيعي ويجسد هذه المعلومات في تصميمه. والتعلم يختلف عن الذاكرة، فالغريزة سلوك يتحدث وراثيا، أما التعلم فسلوك تعدله الخبرة.

 تحسين النسل
تقدم الكثير من السجلات التاريخية لتحسين النسل هذا العلم كمثل لمخاطر ترك العلم وبخاصة الوراثيات من غير سيطرة, إلا أن فيه مثلا أكبر كثيرا لخطر أن تترك الحكومات من غير سيطرة.

والحل في مقولة توماس جيفرسون: لا أعرف مستودعا آمنا للسلطات المطلقة للمجتمع غير الناس أنفسهم, وإذا كنا نظن أن الناس ليسوا متنورين بما يكفي لممارسة هذه السيطرة بتعقل كامل فإن العلاج لا يكون بأن نسلب منهم هذه السيطرة وإنما يكون العلاج بأن يتعلموا التعقل.

ربما يكون أوضح ما يوصلنا الكتاب إليه هو معرفة مدى جهلنا بأنفسنا وتفسير ما يحدث لنا من مرض وموت ونمو وسلوك ومواقف وتفكير وخيارات، وكأننا نتعلم ونقرأ ونبحث لنعرف جهلنا وليس لنعلم، أو كأن العلم هو معرفة الجهل.

 راهب مغمور فتح الطريق
يعد الراهب مندل (الذي ولد عام 1822) واختار الرهبنة كارها مؤسسا رائدا لعلم الوراثة، فقد اكتشف بعد سلسلة طويلة ومعقدة على نباتات البازلاء أن الخصائص لا تمتزج، بل هناك شيء صلب لا يقبل الانقسام، شيء كمي دقيق في قلب التوارث، فليس هناك مزج للدماء والسوائل ولكنها كريات صغيرة كثيرة ترتبط مع بعضها ارتباطا مؤقتا، وهذا يفسر الصفات السائدة والمتنحية، وكيف يكون لإحدى الأسر طفل بعينين زرقاوين وآخر بعينين بنيتين.

لكن مندل الذي زج به في سلك الرهبنة مرغما مات مغمورا دون أن ينتبه أحد لاكتشافه إلا بعد وفاته، وهو ما حدث للدكتور جارود أيضا الذي اقترب من فهم الجينات ولكن هذا لم يتأكد إلا بعد وفاته بعشر سنوات عندما عرفت الشفرة الوراثية.


اسم الكتاب:الجينوم
المؤلف:مات ريدلي ترجمة:مصطفى إبراهيم فهمي
ا
لطبعة: الأولى 2001
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت
عرض إبراهيم غرايبة ..
لجزيرة نت