.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةتراجــمعلـــومكتــــب

لم يرحلٍ الزيتون

 
الوحشُ مختبئ
و<قانا> الطفلة السمراء تغفو قربَ جدَّتِها
وتحلمُ بالفراشاتِ الجميلةِ واللُّعَبْ
وتطيرُ في حقل من الزيتون،
تجلس تحت دالية لترفع شعرَهَا،
فترى العناقيد المضيئة مثل أقراصِ الذهبْ،
وترى أباها كامناً في الصخرِ
يحضنُ بندقيّتهُ،
وفي عينيه راياتُ الكرامةِ والغضب،
وتخاف، تصحو،
تحتمي بذراعِ جدّتها،
تحاول أن تنامَ،
وقبلَ أن تغفو تُغير الطائراتُ،
وتغرقُ الأشلاءُ في بحرِ الحرائقِ واللَّهبْ
لم يبقَ غيرُ حذائِها،
قبّلْتهُ،
وغمستهُ بدمائها،
ورميتهُ في وجه حكّام العربْ.
قطعوا الجسور إليكِ،
هل وصل الكلامُ
أم أنهم منعوا الكلامَ من العبورْ
أنا لم أكن أبكي،
فمن زمنٍ طويل لم أعُدْ أبكي،
ولكنّي انحنيتُ على جراحكِ
كي ألملمَ ما تناثرَ من بخورْ
وهمستِ لي:
<لم تُدْمني الطلقاتُ
تعبرُ من شراييني الى وطني،
وأدْمتني الخيانة والفجور>
أنا لست أملك ما يضمّدُ،
يا مرقّطة الجبين،
سوى اشتعال الحبِّ،
هل يكفي
وهل يُنسيكِ جرحَكِ؟
أم أضيفُ اليه حُبّ النازحين
الرافضين هوان مَن عشقوا القبورْ؟
مُدِّي يديكِ إلى يديَّ
فبيننا طرقٌ وأودية وأنهارٌ
وأرض من جراحاتٍ ونورْ
مُدِّي جراحكِ
وانظري كيف المواكب عابراتٌ نحو مجدكِ،
فالجراح هي الجسورْ.
لم يرحل الزيتون،
أرخى ظلّه فوق الجنوب
ونام منتصباً
وقال لسائليه:
<هذا التراب أبي،
وُلدِتُ على يديهِ
وعشتُ فيه
وأبي هنا باقٍ
ولم يرحلْ ولم يهجرْ بنيهْ
وأنا هنا باقٍ
فقد يأتي غداً طفلٌ نجا من جرح <قانا>.
مَن سوايَ يدلّهُ
إن راح يسأل عن أبيهْ>


الشاعر اللبناني : غسان مطر