.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةعلـــومالأدبكتــــب

النذير العريان
الشيخ عطية صقر

 

شيعت مصر السبت : 9 من ديسمبر 2006 .. الفقيه المجدد والداعية العامل الزاهد العالم الأزهري والداعية الإسلامي الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
حيث دفن بمسقط رأسه في قرية بهنباي بالزقازيق شرقية.

ولد الشيخ عطية صقر بقرية بهنباي مركز الزقازيق محافظة الشرقية يوم الأحد 4 من محرم 1333هـ. 22 نوفمبر عام .1914

بدأ حياته بحفظ القرآن الكريم بكتاب القرية حيث أتم حفظ القرآن كاملاً وهو في سن 9 سنوات. وتعلم أحكام التجويد حيث أتم حفظ القرآن الكريم مجوداً وهو في سن 10 سنوات. ثم التحق بالمدرسة الأولية ثم التحق بمعهد الزقازيق الأزهري عام 1928.

ومن الزقازيق إلي القاهرة حيث اختار الكلية التي تؤهله للقيام بمهام الدعوة الإسلامية. فالتحق بكلية أصول الدين جامعة الأزهر وحصل منها علي الشهادة العالية عام 1941. واختار تخصص الوعظ. وحصل علي شهادة العالمية مع إجازة الدعوة والإرشاد عام 1943. وكان الأول علي دفعته.
فور تخرجه في كلية أصول الدين تم تعيينه إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف حيث عمل خطيباً بمسجد عبدالمجيد الأحمدي بباب الشعرية بالقاهرة في 16 أغسطس عام 1943. وانتقل إلي مسجد الأربعين البحري عام .1944
ومن الأوقاف إلي الأزهر ليستمر عمله الدعوي.. فقد انتقل من الأوقاف إلي الأزهر حيث عين واعظا بالأزهر عام 1945 حيث عمل واعظاً عاماً لطهطا محافظة سوهاج ومن الصعيد إلي السويس. ومن السويس إلي رأس غارب بالبحر الأحمر حيث عمل واعظاً عاماً داعية لأهل رأس غارب يعظهم ويفقههم في دينهم وينتقل بين الوديان والصحراء لينشر دين الله وسط البدو هناك.

 مترجم فرنساوي
وبعد هذه الرحلة الدعوية التي جاب فيها مصر من أولها لأخرها ومن أقصاها إلي أدناها استقر به المقام في القاهرة منذ عام 1955 حيث عمل مترجماً للغة الفرنسية بمراقبة البحوث والثقافة. ثم عين وكيلاً لإدارة البعوث بالأزهر عام 1969 ثم انتدب للعمل بالقسم العالي للدراسات العربية والإسلامية بالأزهر. ثم عين مديراً لمكتب شيخ الأزهر عام 1970. ثم أميناً مساعداً لمجمع البحوث الإسلامية حتى أحيل إلي سن التقاعد في نوفمبر 1979م.
وحيث إن الداعية الإسلامي العامل الصادق لا يتوقف عمله الدعوى أو العلمي علي الوظيفة. فقد بدأت مرحلة الانتشار الأكثر اتساعاً في حياته بعد سن التقاعد حيث عمل مستشاراً لوزير الأوقاف. ثم عين عضوا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ثم انتخب عضوا بمجمع البحوث الإسلامية. وعضوا بلجنة الفتوى بالأزهر ثم عُين رئيسا لها خلفاً للشيخ الفقيه عبدا لله المشد.
وعلي الرغم من عمله الدءوب في المجال الدعوى إلا أنه أراد النفع الأكثر في مجال العمل العام فرشح نفسه لمجلس الشعب وانتخب عضوا بمجلس الشعب عام 1984 ثم عين من قبل الدولة عضوا بمجلس الشورى 1989 وعين مديرا لمركز السيرة والسنة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالأوقاف عام 1991. ورأس لجنة الموسوعة الفقهية بالمجلس.

 رحلات علمية دعوى
سافر الشيخ عطية صقر في رحلات علمية دعوية إلي خارج مصر. حيث عمل داعية في وزارة الأوقاف بالكويت عام 1972 لمدة أربع سنوات. كما سافر في رحلات علمية إلي العديد من الدول العربية والإسلامية إلي جانب بعض الدول الأوروبية.
كما شارك الفقيد في الكثير من البرامج الدينية بالإذاعة والتليفزيون حيث تم تخصيص برامج خاصة للفتوى الإسلامية وكانت مخصصة له. وكان أول من ساهم في إخراج البرامج الدينية المتعلقة بالفتوى عبر الفضائيات المختلفة. كما نشرت له الصحف والمجلات آلاف المقالات التي لا يترك فيها صغيرة ولا كبيرة تتعلق بأمور المسلمين إلا وتحدث عنها بالرؤية الإسلامية المعتدلة.
حصل الفقيد علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام 1983 وعلي نوط الامتياز من الطبقة الأولي عام .1989
مؤلفات الفقيد وإنتاجه العلمي والفقهي غزير ومتنوع حيث تضم مؤلفاته بحوثا ومقالات متنوعة. وفتاوى في جميع ما يُسأل عنه من قبل العامة والخاصة سواء في مصر أو أي مكان خارجها وكان آخر كتبه القيمة "منارات علي الطريق".

 خوف الفتنة
كان الشيخ عطية صقر - رحمه الله - خائفاً خوفاً رهيباً من الفتن. يخشى علي نفسه في مسيرته الدعوية من الفتنة حيث قال بعد أن تخطي الثمانين من عمره "أعيش في دوامة من الأفكار والرؤية المتضاربة هي صدي لما بتناقله الناس في محافلهم أو يكنونه في صدورهم أو كوابيس تلاحقني ليالي كثيرة. أقوم منها منزعجاً مستعيذاً بالله من شرها. ويمر علي ذهني شريط من النصوص الدينية يتلاقى الكثير منها مع الصور الواقعة في عالمنا الإسلامي. كانقلاب المعايير في تقويم الطيب من الخبيث والخير والشر والمعروف والمنكر. وتضييع الأمانة وقرب قيام الساعة إذا أوسد الأمر إلي غير أهله. والإنذار بفتنة تدع الحليم حيراناً.
ويستمر الشيخ عطية صقر يتذكر هذه الكوابيس والرؤى الانعكاسية ويضع أمامه قول الرسول "صلي الله عليه وسلم": "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر. يفر بدينه من الفتن".
وكما يقول رحمه الله: "شدتني إلي الثبات في معركة الدعوة كثرة الاستفسارات التي تلاحقني ليل نهار من كل أطراف العالم حيث لا أجد مناصاً من الإجابة عليها شفوياً وتحريرياً لقول رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة". ولذلك يقول: أيقنت تماماً أن المؤمن الصادق يمكنه أن يخدم دينه حراً مختاراً أكثر مما يخدمه موظفاً ملتزماً.
وكان كل ما يقلقه - رحمه الله - اختلال منظومة الأخلاق والمعايير القيمة في المجتمع. وكانت هذه النقطة بالذات تفزعه ليل نهار. لا تتركه في اليقظة ولا حتى في المنام

فقد روي وقص لنا إحدي الرؤي التي رآها في آخر أيامه فقد رأي الآلات الموسيقية الشعبية تضرب في المسجد الكبير. وقلة من الرجال في صف واحد يصلون بدون إمام. متجهين إلي الموسيقي لا إلي القبلة. ورأي أطفالاً يعبثون ويشوشون علي المصلين. حاولت والكلام له إبعادهم فلم أفلح والعامة خارج المسجد لاهون يختلط فيهم الرجال بالنساء. ويتجهون إلي قضاء حاجتهم في أماكن مكشوفة دونما خجل أو حياء وكما يقول: قمت من نومي مذعوراً. خفت أن تتحول الرؤيا المنامية إلي حقيقة. فيتحول المسجد رمز الدين إلي ملهي يعبث فيه العابثون. ويحاول الهازلون السذج أن يهدموا ما يبنيه العاقلون الجادون. ويؤم المصلين من يتجهون بهم إلي غير القبلة. ويتلون عليهم ما تصف ألسنتهم بالكذب. وسأل نفسه وقتها هل أنا كالمويلحي في حديث عيسي بن هشام و أنا كالنذير العريان؟!.

 فقيه نادر
رحم الله الشيخ عطية صقر. كان فقيهاً نادراً.. كان منهجه في كتابة الفتوى لا يقال عنه إلا أنها بحث فقهي وهذا إن دل فإنما يدل علي سعة علمه وكثرة إطلاعا ته عندما يتحدث في أي مسألة تعرض عليه يفصلها من خلال الكتاب والسنة. وينقل ما ورد فيها من أحاديث صحيحة. ثم ينتقل لآراء الفقهاء وأئمة الفقه الإسلامي. ثم في النهاية يرجح الرأي الذي يراه ببصيرته وفكره.. والمطلع علي موسوعته الفقهية يجد أنه تحدث في كل صغيرة وكبيرة من مسائل الحياة التي تخطر علي بال كل مسلم. تحدث في هذه الأمور من الطهارة والوضوء والصلاة إلي السياسة الشرعية ماراً بالقضايا المعاصرة المستحدثة من المسائل الاقتصادية والتعامل مع البنوك وكذلك المسائل الطبية المستحدثة مثل زرع الأعضاء. بنوك اللبن. تحديد النسل. طفل الأنابيب وغيرها.

وقد أدي جهره بفتواه حول بعض المسائل الفقهية إلي الاصطدام مع شيخ الأزهر .. الأمر الذي أدي إلي تغيير نظام لجنة الفتوي بالأزهر وإقالة الشيخ عطية من رئاستها وكذلك جميع الأعضاء الذين عملوا معه.
وأدي هذا الصدام إلي إحجام الشيخ عطية - رحمه الله - عن حضور جلسات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ولأول مرة في تاريخ مجمع البحوث الإسلامية يطبق القانون بإقالة من يتغيب عن الجلسات وصدر قرار بإقالته من مجمع البحوث الإسلامية!!

رحم الله الشيخ عطية صقر الذي ترك لنا فراغاً واسعاً في مجال الإفتاء نسأل الله أن يعوضنا عنه خيراً.
"وإنا لله وإنا إليه راجعون".


فتاوى
الحج و العمرة
الشيخ عطية صقر
رئيس لجنة الفتوى بالأزهر

 

أيمن وهدان