.

الديـنالطــبالقانونالتعلـيمالتربيـةكومبيوترثقــافـة
آثــارتغذ يـةعلـــومالأدبكتــــب

رحلة ملك الروك آند رول إلى الإيمان 
كات ستيفـنز
يوسـف إسـلام

 
كان المشهد مأساويا .. الشاب الإنجليزى ستيفن جورجيو ذو الثمانية و العشرين ربيعا يسبح فى البحر فى صيف عام 1975 ، دوامة شديدة تظهر فجأة فيشعر بضعف شديد يجعله غير قادر على الإحتفاظ بتوازنه فى الماء .. لا يجد أحدا قريبا منه يمكن أن يساعده .. ينادى بأعلى صوته لعل أحدا ينقذه لكن من غير جدوى .. و حين أوشك على الغرق صرخ بأعلى صوته: يا رب .. و أخذ على نفسه العهد: "لئن أنقذتنى فلسوف أعمل من أجلك شيئا"! كان هذا الشاب هو "كات ستيفنز" الذى كان يلقب بملك موسيقى الروك آند رول فى بريطانيا ، و حين إستجاب الله له و نجاه من ضره ، كان أول ما حرص عليه أن يبر بوعده فلم يمكث كثيرا حتى أعلن إسلامه و صار يوسف إسلام أشهر دعاة الإسلام فى الغرب الآن!

رحلة البحث عن اليقين
ولد ستيفن جورجيو فى 21 يوليو 1947 بلندن فى بيت مسيحى متعدد المذاهب ، فقد كان أبوه يونانيا أرثوذكسيا ، بينما والدته سويدية كاثوليكية ، فى الوقت الذى يعيش فيه المجتمع البريطانى طبقا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية ، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلها إذا أتقن عمله ، فشجعه هذا على إجادة الغناء ، إذ أنه سجل 8 شرائط قبل أن يبلغ العشرين من عمره ، و وصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات فى بريطانيا آنذاك فغير إسمه إلى كات ستيفنز ، و هو الإسم الذى ذاعت به شهرته و أصبح يحلق فى آفاق أوروبا كلها أثناء موجة "الهيبز" فى ستينات القرن الماضى و لم يكن قد تعدى الثانية و العشرين من عمره بعد.
و عندما اتم عامه الثانى و العشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذى أقعده فى الفراش معزولا عن الناس فى أحد المستشفيات لمدة عام تقريبا عكف فيه على القراءة فى كتب الفلسفة و التصوف الشرقى و تمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحى ، إذ كان يشعر أن حياته بها شىء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذى حققه ، و فى النهاية قرر أن يعود إلى الغناء و لكن بمفاهيم جديدة تتفق مع ما قرأه فى أثناء المرض.
و بالفعل حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله" و "ربما أموت الليلة" نجاحا كبيرا زاده حيرة ، فطرق باب البوذية ظنا منه أن السعادة هى أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره ، فصار قدريا و آمن بالنجوم و قراءة الطالع ، ثم إنتقل للشيوعية ظنا منه أن السعادة هى تقسيم ثروات العالم على الجميع و لكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة ، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطى الخمور و المخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين ، و عاد إلى تعاليم الكنيسة التى أخبرته أن الله موجود و لكن يجب أن تصل له عبر وسيط ، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينا له يفرغ فيها أفكاره و معتقداته.

الطريق إلى الإسلام
و تصادف حادث الغرق و مرض كات ستيفنز بالسل مع عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس و أحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن.
و يحكى كات هذه اللحظة فى مذكراته:" أمسكت بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله ، فنظرت للغلاف فلم اجد إسم مؤلف ، حاولت أن أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد ، إنما وجدته منسجما مع الوحدانية الخالصة ، فعرفت الإسلام".
و بعدها قرر كات ستيفنز السفر إلى فلسطين ، و دخل المسجد الأقصى فأحس بالطمأنينة ، و عندما رجع لندن إلتقى بفتاة مسلمة صرح لها برغبته فى نشر إسلامه فأخذته إلى المركز الثقافى الإسلامى بلندن ، و هناك نطق بالشهادتين و أعلن إسلامه ، و فى تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزى صفحة "كات ستيفنز" تماما و أصبح يعرف باسم "يوسف إسلام".
- الدعوة بالموسيقى الهادئة!
و بدخوله الإسلام إعتزل يوسف إسلام الموسيقى الصاخبة و رأى أن يستغل موهبته التى أعطاها الله إياها فى خدمة الدعوة إلى الله فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية التى ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات و جمل عربية لإكسابها روحا إسلامية عذبة ، فبدأ منذ 1993 فى تسجيل مجموعة من الألبومات و صلت حتى الآن إلى 10 ، و حرص فى تلك الألبومات على إيصال قيمة و مفهوم الإسلام للمسلمين و غير المسلمين ، إذ تضمنت هذه الشرائط أناشيد و أغنيات دينية ذات محتوى تثقيفى تعليمى.
فقدم أول ألبوماته الإسلامية كمنشد بعنوان "حياة آخر الأنبياء" الذى روى فيه القصة الكاملة لحياة الرسول ، كما تضمن أغنية "طلع البدر علينا" ، و تلاه بالألبوم الثانى عام 1997 ، و بالإضافة إلى هذين الألبومين سجل يوسف إسلام عددا من الأغنيات الإسلامية للأطفال من أشهرها "هذا من أجل الله" التى تحولت إلى نشيد رسمى فى عدد كبير جدا من المدارس الإسلامية فى بريطانيا ، و قدم بعدها أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزى "ريحان" و هما:" الله هو النور" ، و" خاتم الرسل".
و تعليقا على هذه النوعية من الموسيقى و الغناء شدد يوسف إسلام فى اللقاءات التى أجريت معه على أن الإنشاد الدينى وسيلة صالحة لمحاربة الموسيقى الفاسدة ، فهو يرى أنه من غير الطبيعى أن يمنع الناس من الترفيه و الإستمتاع بأوقاتهم ، كما أضاف فى أحد اللقاءات الصحفية: "إذا كنا نرى السوء فى بعض الأشياء فعلينا مهمة توفير البديل الحلال ليستمتعوا به ، فأنا أحرص دائما على أن تكون أناشيدى الدينية على نفس المستوى الفنى و التقنى لألبوماتى السابقة حتى لا ينفر منها أحد".
كما إفتتح يوسف إسلام فى سبتمبر 2002 مقرا إقليميا لشركة "جبل النور" للتسجيلات و الإنتاج الإعلامى ذات التوجه الإسلامى فى دبى ، فى خطوة استهدفت تعزيز نشاط الشركة فى منطقتى الشرق الأوسط و الأقصى ، و تعمل "جبل النور" فى مجال إنتاج المواد الإعلامية المسجلة على إسطوانات CD و DVD و أشرطة الفيديو ، بجانب طبع الكتب و المؤلفات الخاصة بشرح ثقافة و قيم الإسلام.
و قد ركز يوسف إسلام على إيصال صوته إلى الأطفال إنطلاقا من أن المجتمع الغربى مبتلى بحوادث عنف و قتل يقوم بها الأطفال ، بسبب عدم ترسيخ روح الإيمان بالله فى نفوسهم منذ الصغر ، و هذا الأمر جعل يوسف إسلام يخصص شريطا للأطفال يعرفهم فيه بالله ، و سماه:(A is for ALLAH) و أرفق مع الشريط كتيبا صغيرا كتب فيه:" ان الطفل الغربى يتعلم منذ اليوم الأول "(A is for Apple) و لكننى أريده أن يتعلم منذ الحرف الأول (A is for ALLAH)الأمر الذى سينعكس عليه فى المستقبل.

البداية من المدرسة
و رغم إهتمام يوسف إسلام بأمور المسلمين المختلفة فإن جل إهتمامه إنصب على التعليم الذى رآه البداية الحقيقية لتكوين جيل مسلم فى أوروبا ، فبدأ إهتمامه بالتعليم الإسلامى عام 1983 عندما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا ، فأسس المدرسة الإبتدائية الإسلامية تحت إسم "إسلامية" ، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين و البنات فى شمال لندن - و هما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين - ثم طالب يوسف إسلام الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الإسلامية أسوة بالمبالغ التى تخصصها الحكومة للطوائف الدينية المسيحية و اليهودية ، و رغم أن الحكومة لم تستجب لطلبه آنذاك فإنه لم ييئس ، بل إستمر فى حملته إلى أن وافقت حكومة بلير الحالية على تخصيص ميزانية لدعم المدارس الإسلامية ببريطانيا ، و ليس هذا فحسب بل نجحت حملته فى دعوة الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا إلى زيارة إحدى المدارس الإسلامية بلندن و الذى إمتدح تلاميذها قائلا :"أنتم سفراء تقدمون المثل لأحد الأديان السماوية و هو دين الإسلام".
و لم يقتصر العمل الدعوى ليوسف إسلام على الأناشيد و التعليم الإسلامى فيوسف يدير عددا لا بأس به من المؤسسات الخيرية الإنسانية ، من أهمها مؤسسة "العطف الصغير" التى تقدم خدماتها فى مجال رعاية الأطفال و ضحايا الحرب فى منطقة البلقان ، و هى مؤسسة معتمدة لدى الأمم المتحدة ، حيث مثل يوسف شخصيا المؤسسة فى إجتماعات المؤتمر السنوى الخامس و الخمسين للجمعيات غير الحكومية (NGOS) فى سبتمبر الماضى 2002 بنيويورك.
كما يشرف يوسف إسلام على جمعية "عمار المساجد" الدينية بجانب تأسيسه لعدد من الحلقات الدراسية للمسلمين الجدد فى بريطانيا.

مدافع السياسة و قطار السلام
و لبغضه للحروب و الدمار و القتل دخل يوسف إسلام معترك السياسة و أصبح داعية سلام عالميا ، فنتيجة لنشاطه و ثقل مركزه العالمى قبلت الحكومة العراقية وساطته أثناء إندلاع حرب الخليج الثانية 1991 ، و أفرجت عن 4 أسرى إنجليز ، كما وافقت الحكومتان السعودية و الكويتية على إقامة مخيمات سلام على حدودهما لفريق من دعاة السلام على رأسهم يوسف إسلام ، و قام بالعديد من الزيارات إلى البوسنة ، و عقد العديد من الحفلات الدينية فى سراييفو ، و ألف ألبوما سياسيا عن مأساة البوسنة أسماه بـ"ليس لدى مدافع هادرة" فى 1997.
و نال يوسف إسلام نصيبه من العنجهية الإسرائيلية عندما كان يزور القدس فى عام 2000 لتصوير فيلم تليفزيونى عن الأماكن التى زارها فى مقتبل حياته الإسلامية ، حيث رفضت السلطات الصهيونية دخوله إلى القدس ، بل و إحتجزته فى زنزانة صغيرة بلا ماء أو خدمات قبل أن يتم ترحيله إلى ألمانيا ، و كان حجة الإسرائيليين أن يوسف يخصص جزءا من عمله الخيرى لصالح حركة حماس ، الأمر الذى أنكره يوسف متساءلا: "هل تقديم الأموال ليتامى الفلسطينيين دعم لحماس؟!".
و إزاء الحملة الشرسة التى تعرض لها الإسلام منذ هجمات 11 سبتمبر حرص يوسف إسلام على حضور الندوات الدينية فى شتى أنحاء العالم ، و أكد فيها على سماحة الدين الإسلامى و براءته من التهم الموجهة إليه جزافا.
و على الرغم من مشروعية إهتمام يوسف إسلام بالسياسة فإنه كان يهتم بعدم إعلان ذلك حتى لا تتأثر المؤسسات الخيرية التى يديرها من وراء ذلك ، أو أن يتم إيقافها بدعوى دعمها للإرهاب كما حدث مع مؤسسات أخرى عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر.
و فى 6 مارس 2003 و قبيل الحرب الأمريكية على العراق أصدر يوسف إسلام توزيعا جديدا لأغنيته قطار السلام "Peace Train" التى إستخدم فيها الدفوف و الإيقاعات النحاسية و جاءت لتعلن موقفه الرافض للحرب على العراق ، و يعلق عليها يوسف بقوله:" كتبت قطار السلام ضد الحرب لتصل رسالتها لقلوب الملايين ، و تلبى حاجة كبرى للناس لكى يشعروا بأن ثمة أملا يتزايد ، فأنا كإنسان و كمسلم أشعر أن هذا هو إسهامى فى الدعوة للحل السلمى".
يوسف إسلام متزوج و لديه 5 أولاد ، حرص على تعليمهم تعليما إسلاميا بجانب التعليم النظامى الإنجليزى ، دخل أخوه الإسلام مبكرا ، أما أبوه فقد أسلم قبل وفاته بيومين.