السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

عبد الرحمن الطويل
فيينا

الموالد . . موائد حب وذكر
لا يبطلها ما يفهمه المنكرون
الموالد جزء أصيل من أفراح المصريين وإحتفالاتهم . . يسعون إليها للبركه والمتعه . . ويقضون فى رحابها ساعات . . وربما أيام . . ليعودوا بعدها إلى حياتهم وقد غسلت صدورهم من غبار كثير علق بها . . لكن هناك من ينكد عليهم عيشتهم ويحرم عليهم ما لا حرام فيه . . فما مشروعية الموالد . . والأمور المخالطه والمصاحبه لها ! ! فى المؤتمر الصوفى الثانى الذى عقد بقاعة الإمام المجدد أبو العزايم الملحقه بمقر الطريقه العزميه بالقاهره نوقش الموضوع . وكالعاده كان اللقاء برعاية وحضور سماحة السيد / حسن محمد سعيد الشناوى شيخ المشايخ ورئيس المجلس الصوفى الأعلى وكان مقرر هذا الملتقى صاحب الفضيله الشيخ محمد علاء الدين ماضى أبو العزايم الذى أدار الحوار بحب وإقتدار .
قال الشيخ المقرر : كما هو متفق عليه من اللقاء الأول فإن موضوع هذا الملتقى هو الموالد وهى كلمه مطلوب إبراز الحقائق كافه حولها من حيث مشروعيتها وأقوال المعترضين عليها وما نتفق فيه مع المعترضين وما ينبغى تصحيحه وكل شىء حول هذا الموضوع . . ثم كان سماحة شيخ المشايخ يعلق بعد كل متحدث إما بالإضافه أو بالتعديل أو بالتوضيح وكل ذلك فى محبه غامره من قلوب بالموالد . . موائد حب وذكر
لا يبطلها ما يفهمه المنكرون
الموالد جزء أصيل من أفراح المصريين وإحتفالاتهم . . يسعون إليها للبركه والمتعه . . ويقضون فى رحابها ساعات . . وربما أيام . . ليعودوا بعدها إلى حياتهم وقد غسلت صدورهم من غبار كثير علق بها . . لكن هناك من ينكد عليهم عيشتهم ويحرم عليهم ما لا حرام فيه . . فما مشروعية الموالد . . والأمور المخالطه والمصاحبه لها ! ! فى المؤتمر الصوفى الثانى الذى عقد بقاعة الإمام المجدد أبو العزايم الملحقه بمقر الطريقه العزميه بالقاهره نوقش الموضوع . وكالعاده كان اللقاء برعاية وحضور سماحة السيد / حسن محمد سعيد الشناوى شيخ المشايخ ورئيس المجلس الصوفى الأعلى وكان مقرر هذا الملتقى صاحب الفضيله الشيخ محمد علاء الدين ماضى أبو العزايم الذى أدار الحوار بحب وإقتدار .
قال الشيخ المقرر : كما هو متفق عليه من اللقاء الأول فإن موضوع هذا الملتقى هو الموالد وهى كلمه مطلوب إبراز الحقائق كافه حولها من حيث مشروعيتها وأقوال المعترضين عليها وما نتفق فيه مع المعترضين وما ينبغى تصحيحه وكل شىء حول هذا الموضوع . . ثم كان سماحة شيخ المشايخ يعلق بعد كل متحدث إما بالإضافه أو بالتعديل أو بالتوضيح وكل ذلك فى محبه غامره من قلوب بحب الله ورسوله وآل بيته عامره .
سؤال : ما معنى الإحتفال ؟ قال أحد المشايخ وهو من رجال الأزهر إن الإحتفال فى القاموس هو يعنى الإجتماع وهو مأخوذ عن إحتفال المكان بالماء أى الإمتلاء به وعلى ذلك فالصحيح أن نقول الإحتفال للمولد وليس بالمولد وهذا لا يؤثر . . ثم قال أحد المشايخ : هل الإجتماع على طعام العقيقه عند مولد طفل مسلم يعتبر إحتفالاً ؟ قالوا نعم وذلك أن المولود حدث لورود نعمه وإفراج أزمه عند أمه عند ولادته فالإجتماع على طعام لشكر الله لحدوث نعمه أو شكره تعالى على كشف أزمه أوغمه هو من السنه المطهره . . ثم تدخل أحد المشايخ وقال أرى أن نحصر على قدر إستطاعتنا كل الأمور ثم نناقشها حتى لا يتوه الموضوع فإنه موضوع كبير . . قالوا نعم الرأى فقال وقالوا معه يبدأ الموضوع وينتهى بما هو آت :
1-    النيه.
2-    شد الرحال لبلوغ مقام الإحتفال .
3-    التجمع أو الإحتفال .
4-    الزياره للولى والطواف حوله وتقبيلاً للأعتاب والمقاصير .
5-    الصلاه بالمساجد .
6-    قراءة القرآن فى المسجد أوحول المسجد فى السرادقات .
7-    حلق الذكر أوما يسمى بالحضرات وما بها من أناشيد وتمايل يميناً وشمالاً .
8-    إستعمال الدفوف فى الموالد – وزفة الخليفه .
9-    الأكل فى المساجد وهو ما يسمى بالنفحه .
10- إطعام الفقراء والمساكين .
11- المحاضرات الدينيه الإرشاديه ومنها تلاوة سيرة الولى .
12- الباعه الجائلون وغير الجائلين حول المساجد .
13- المقاهى والملاهى والسيرك وألعاب الطفال .
14- التلوث البيئى من ضوضاء وإلقاء فضلات الطعام وغيره .
15- السرقات بأنواعها من نشل ونصب وإحتيال .
16- الدجل والشعوذه والألعاب الناريه .
17- الإختلاط وما يترتب عليه .
18- المخالفات الأمنيه كالمشاجرات والبلطجه والإكراه .
هذا كل ما يوجد فى الموالد .
قال العلماء : بخصوص النيه وهى ما يضمر فى القلب ولا حساب عليها إلا إذا أتبعت بفعل يظهر ما بطن فى الضمير وعندئذ فأى فعل مقرون بنيه يعتبر عملاً
 " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأه ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
صدق رسول الله وعلى إعتبار أن النيه لا يعلمها إلا الله فلا يحاسب أحد أحداً على نيته وبالتالى لا تفسد نيه بنيه . فمهاجر أم قيس " رجل هاجر من مكه إلى المدينه وراء أم قيس التى يحبها " لا تفسد بنيته هجرة من نوى الهجره إلى الله ورسوله . . وفى موضوعنا هناك من نوى الذهاب إلى حيث يقام المولد لكى يعرف شيئاً عن سيرة صاحب المولد , ونشأته وعلمه وجهاده وصبره وكرمه وحلمه وأقواله وحكمه وهناك من نوى الذهاب إلى الموالد للذكر أو أى من أنواع العباده فمن كان كذلك فقد خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله , وشد الرحال لهذا لهذه الأغراض لا يتنافى مع حديث " لا تشد الرحال إلا . . " وهناك من نوى الخروج من بيته للبيع والشراء فى المولد وهناك من نوى الذهاب إلى المولد لإرتكاب مخالفه شرعيه أو أمنيه فكل من هؤلاء له عمله المبنى على نيته ولا تفسد نيه بنيه ولا يبطل عمل بعمل ولا ننسى أننا نتعامل مع الله .
وهنا قال أحد المشايخ : ما حكم تلفيق الإتهامات ؟
وقال آخر : هو كرمى المحصنات من المؤمنات الغافلات وله عقوبته .
وقال آخر : لعل الشيخ المتداخل يقصد تلفيق النوايا . . فمال المشايخ , كل شيخ إلى من بجواره ضاحكاً وقالوا . . أول مره نسمع عن تلفيق النوايا فسألوه هل توضح أكثر ؟ قال : لو ان واحداً من حضراتكم ذهب إلى معمل التحاليل الطبيه لعمل تحليل صورة دم كأمر من طبيبه الخاص , فإذا بالمعمل يعطيه النتيجه دون الحصول منه على العينه , وهذه النتيجه فيها ما فيها فهل يقبل ذلك ؟ فقالوا : لا قال : لماذا ؟ قالوا : لأن العينه لا تخص صاحبها و بالتالى فالنتيجه لا تنسب إليه . . قال : سبحان الله إذا كان الأمر كذلك فلماذا نسمح لبعض الناس أن يأتوا بنوايا من عندهم يفترضونها ثم يفرضونها ثم يقيمون الحجه على الآخرين , على إعتبار أن ما فرضوه وإفترضوه صحيح ؟ ثم قال : يقول البعض إنكم تذهبون إلى الموالد لعبادة الأولياء ومع أن جميع العبادات مبنيه على النيه ولا عبره بعمل ولا قول بغير نيه , وبذلك يختلف العمد عن الخطأ والسهو والجهل والإستكراه والأمر ليس هكذا و فقط , بل إفترضوا وفرضوا نيه واحده إشترك فيها القادمون إلى مقام الولى من جميع الأماكن والأوقات , فالواحد من المنكرين يضع من عنده فى قلب الزوار نيه معينه وصاحبها لا يعلمها ثم يحاسبه عليها . أين نحن من ولى الله
" ذو النون المصرى " عندما قال كل علماء عصره إنه كافر ثم ساقوه إلى الحاكم فسأله الحاكم قائلاً : أجمعت الأمه على كفرك فما قولك ؟ قال ذو النون : إن رأى رجل لا يوازى رأى أمه , قال الحاكم : إذن أنت موافق على أنك كافر ؟ قال ذو النون : كيف أقر أو أرفض شيئاً هو فى قلبى لا يعلمه إلا الله ؟ قال الحاكم : هذا أمر عجيب إذا كان صاحب الأمر لا يعلم ما بداخله فكيف عرف هؤلاء المدعون ثم قال قولته الشهيره ( يا " ذو النون " لو أن مثلك كافر فما على الأرض مؤمن ) ثم قال الشيخ فيا إخوانى لقد وصل التزوير والتلفيق إلى حد تلفيق النيه ودسها على صاحبها كما يدس الرجل لإخيه شيئاً من المخدرات أوالسلاح ثم يبلغ عنه الشرطه ويضيع الرجل لأن الشرطه والقضاء لا يعرفان غير الوقائع والأدله الماديه والمنطقيه وقد يخدع القضاء ويلفق له المحترفون نية توافر القصد الجنائى عند المتهم أما رب العالمين الذى يعلم السر وأخفى وكيف لا يعلمه وهو الذى خلقه , ألا يعلم من خلق ؟ فكيف يلفق عليه نيه عباده ؟ وهنا صفق الحاضرون وقالوا : فتح الله عليك يا شيخ , فأول مره نسمع عن تطور فنون التزوير الذى وصل إلى حد تزوير النوايا ولكن الضمان أن القاضى الذى يعرض عليه الأمر قد رأى من يزور حال تزويره ورأى من يدس حال دسه ورأى من ينوى حال نيته ورأى من عمل حال عمله والله بكل شىء عليم .
ثم قال أحد المشايخ : أرى أن موضوع الموالد قد إنتهى القول فيه بهذه المعلومه الطريفه . . قال الآخرون : نعم ولكن ينبغى فى ضوء هذه المعلومه أن نوضح كل ما يجرى فى الموالد إحقاقاً للحق وإزالة الشبهه .
قال أحد المشايخ : أرى أن نقسم ما يحدث فى الموالد إلى شرعى وغير شرعى فقال الآخر : الحكايه مقسمه نفسها , فالنيه تكلمنا عنها وشد الرحال شرعى والمجتمع والمواكب والذكر وتلاوة القرآن والزياره والصلاه فى المساجد , وكذلك إطعام الطعام للفقراء والأغنياء وسماع السيره كل ذلك شرعى , أما البيع والشراء والعاب الأطفال فلا يطلب فيها حكم الشرع ولا تتم بتصريح من المجلس الصوفى الأعلى , ولا بدعوه عامه ولا خاصه من الطرق الصوفيه ولا تدخل تحت سلطة المجلس الصوفى الأعلى , ولكنها تعتبر خدمات بريئه وإذا ساد الرأى أنه اى مخالفه فيجب إزالتها إما عن طريق وزارة الداخليه أوعن طريق البلديه كإشغالات للطريق وإذا تركت فلا ضرر منها دينياً ولا قانونياً ولا إجتماعياً .
أما المخالفات الأخرى الشرعيه والأمنيه كالسرقه والنصب والدجل " فى القاموس هو الكذب "والشعوذه " خفة اليد التى تشبه السحر فى القاموس " وكذلك البلطجه وعدم الإنضباط فلا توجد جهه رخصت بهذا ولا دعت إليه ولا يعتبر من ضمن طقوس المولد , ولا يجب أن ينسب إلى الموالد ولكنه كالذباب الذى يتجمع عند الجزارين لا يحرم اللحوم ولا يمكن الإحتراز منه بسهوله . . وكما قلنا لا يبطل عمل قوم بعمل الآخرين ولا تفسد نيه رجل بفساد نوايا الآخرين والمجلس الأعلى للطرق الصوفيه لا يرضى عن ذلك ولا يطلبه وفى نفس الوقت لا يستطيع منعه لأن لا سلطان له إلا بالحكمه والموعظة الحسنه , وعلى كل حال فإن الموالد لا ينبغى أن يؤخذ فيها الحكم الشرعى جمله لأن كلمة موالد منحصره وما يحدث فيها غير منحصر ودخول ما لا ينحصر تحت المنحصر محال فلا يصح ان يقال ما حكم الشرع فى سكان محافظة القاهره , أو ما حكم رأى الدين فى الصعايده . . هذه مغالطه كبرى ولكن يجب أن يؤخذ رأى الدين فى كل أمر على حده . قال أحد المشايخ : لقد قلنا إن الذكر فريضه بأمر الله فكيف يكون الذكر الصحيح الخالى من التمايل و التطوح يميناً وشمالاً وبصوت عال وجماعى ؟ وما هى الضوابط العامه حتى يكون الذكر ذا مظهر حضارى يتناسب مع القرن الحادى والعشرين ؟
وهنا كانت أكثر من إجابه محورها جميعاً هو :
أولاً : إذا فرض الله فريضه وحدد لها كيفيه وجب أداؤها بنفس الكيفيه دون النظر إلى المظهر الحضارى , ولا يتغير ذلك بتغير القرون ولا الواحد والعشرين ولا الواحد والتسعين , فالصلاه على هيئتها والصيام على كيفيته المعروفه والحج وكذلك كل ما أمر الله به وبين له كيفيه , فهو فرض وكيفيته فرض .
ثانياً : إذا فرض الله فريضه وترك كيفيتها مطلقه فإنها تكون فريضه وإطلاق أدائها فريضه . دون النظر لأى إعتبار آخر . ولعل الله قد جعل الذكر مطلق الكيفيه حتى يتناسب مع قدرات وأمزجة الذاكرين , فلم يقيده سبحانه بليل ولا نهار ولا مكان ولا هيئه ولا عدد ولا بالسر ولا بالجهر ولا بالإنفراد ولا بالإجتماع وكذلك لم يقيده بجهه وبالتالى فهو فريضه فى ذاته وفريضه فى إطلاقه . . قالوا كيف ؟
قال الشيخ : " ويضرب الله الأمثال للناس " أضرب مثالاً لحضراتكم : أنتم جميعاً مشايخ طرق , لو سألك أحد المريدين كيف آكل اللحم الضانى المذبوح شرعاً فماذا تقول له ؟ لا شك أنك سوف تقول له يا بنى كله بأى شكل وأطبخه فى أى إناء وكله ليلاً أونهاراً مجتمعاً أو منفرداً طالما هو حلال ولم يرد له كيفيه . . فمن تيسير الله عليك أن جعل ذلك مطلقاً فمن قيد المطلق فقد أبتدع ومن أطلق المقيد فقد أبتدع .
أما إذا سألك أحد المريدين عن حكم أكل لحم الخنزير فلا شك أنك سوف تقول أنه حرام مطلقاً ولا يحله أسلوب الطبخ أوالتناول , فالذكر أمرنا به ولم يحدد له كيفيه فى كتاب الله وسنة رسوله على سبيل الحصر الوارد فى العبادات الأخرى , فمن قيده بكيفيه دون غيرها فهو مبتدع . . والعياذبالله .
قال أحد المشايخ : بالمناسبه ما هو تعريف البدعه ؟
قال المشايخ : إن البدعه السيئه هى إطلاق ما قيده الله ورسوله أوتقييد ما أطلقه الله ورسوله .
قال آخر : البدعه هى الخيره بعد حكم الله ورسوله " وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيره من أمرهم " صدق الله العظيم .
قال آخر البدعه هى الإجتهاد فيما ورد فيه نص إلا لفهم النص .
قالوا : نكتفى بهذا القدر فأحدها يكفى .
ثم شرع الحضور فى قراءة الفاتحه لإنهاء اللقاء وهنا جاء دور رئيس التحرير فقال موجهاً إلى سماحة شيخ المشايخ . .
سماحة الشيخ : أريد أن أعرف على سبيل الإجمال ما تم الإتفاق عليه فى هذا البحث .
قال الشيخ : إعلم يا بنى أن الإحتفالات بالموالد شأنها شأن كل الإحتفالات الدينيه وغير الدينيه ولها ما يخالطها فما خالطها من حلال لايزيدها من الجلال وما خالطها من الحرام لا يفقدها احترام ولا تفسد نيه بنيه ولا يبطل عمل بعمل مع المغايره . ووجود الشر لا يمنع عمل الخير , أنظر إلى الكعبه المشرفه قبل الهجره المباركه وحولها الأوثان والتى تعبد من دون الله والرسول يطوف حولها ويصلى ولم يقم وزناً لما حولها مما لا يليق بها ولا يطعن فى قدسيتها ذلك ولا يزيدها جلالاً أن تزال الأصنام من حولها . . فقبل الهجره كان لا يمكن الإحتراز من ذلك وبعد الفتح أمكن إزالة الأصنام والإحتراز منها , ومقامات الأولياء و المساجد لا يضرها ما حولها ولا يزيدها بهاءاً وعزاً إلا أنها بيوت الله .
رئيس التحرير : يحدث من البعض عند زيارة الأولياء تقبيل الأعتاب والمقاصير فما رأيك ؟
قال السيد : ليس ذلك دليل إيمان ولا صلاح وليس أيضاً دليل كفر أوشرك ولا يؤمر به أحد ولا ينهى عنه أحد ولا إعتبار له إلا عند فاعله ولا ثواب على فعله ولا إثم على تركه .
قال رئيس التحرير : إين هذا من قول سيدنا عمر للحجر الأسود " أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله ( صلعم ) يقبلك ما قبلتك " ؟
قال سماحة السيد : أعلم أن تقبيل الحجر الأسود وارد عن رسول الله وهذا واضح فى كلام سيدنا عمر رضى الله عنه . . وسيدنا عمر قال ذلك بعد أن قبل الحجر فعلً وقوله لا يطعن فى تصرف رسول الله بل يعلن عن عدم فهمه للحكمه من وراء ذلك التقبيل , وهو بذلك يروى الحديث على الحجاج ويقول لهم . قبلوا ذلك الحجر وإن جهلتم العله من تقبيله فأنا مثلكم لا أعلم العله ومع ذلك قبلت الحجر , ولو أعتبرنا الحجر جماداً فسيدنا عمر يخاطب الجمادات , ولوعلمنا أنه ليس كذلك " أى ليس جماداً " فماذا يكون ؟ ! ! وكل ما يفعله العوام لا أعتقد أنه بقصد النفع للأعتاب ولا للولى , ولكن مجرد تعبير لا إرادى يصدر عن صاحبه لا يؤدى إلى إفساد عقيدة المسلم لأنه يعلم أن الله ليس حجراً ولا حديداً ولا شيئاً من المخلوقات . . فالأم لا تقبل إبنها بغرض العباده والأب لا يغار من ذلك والعقلاء لا يعلقون على ذلك بالسلب أو بالإيجاب .
وإسمع نصيحتى : لا تلحق أعمال العباد بنيه من عندك فالأعمال كالأبنيه والنوايا كالأساسات وكل بناء قائم على أساسه لا على أساس غيره .
ثم قال رئيس التحرير : يا سماحة السيد إن الله يضرب للناس الأمثال لكى يفهموا وأنا ممن يفهمون كذلك فهل من مثال تقرب به المعنى ؟
قال سماحته : رجل وزوجته فقدا أبنهما وكان صغيراً عاقلاً وظنا أنه مات , وبعد سنين عاد الولد إلى أسرته وقد أصبح رجلاً , فوجد أمه فى المنزل بمفردها , فالطبيعى بعد أن تعرفت عليه أنها ألقت بنفسها بين أحضانه تقبله وتمطره بوابل من عبارات حب الأم لأبنها , ثم حضر أبوه فرآهما على هذه الحاله ولم يره أحدهما , ففكر وقدر ثم عزم وقرر ما شاء إلى للإنتقام لشرفه ثم بعد أن تعرف عليه وعرف أنه أبنه ماذا تظن أنه فعل ؟ ثم إستطرد يقول لا شك أنه بدل وغير ثم قبل وعبر ثم بكى وإستعبر ثم ضحك وإستبشر أليست هذه إحدى العبر؟ بعد أن كانت إحدى الكبر فعندما كانت نية الأب غير نية الأم كان أمراً وعندما إلتقت النوايا تشاهت بل تطابقت الأحاسيس , فهذه من الأشياء التى لا يؤمر بها ولا ينهى عنها ولا يقام لها أى وزن عند العقلاء .
وفى النهايه " لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " صدق الله العظيم .                حب الله ورسوله وآل بيته عامره .
سؤال : ما معنى الإحتفال ؟ قال أحد المشايخ وهو من رجال الأزهر إن الإحتفال فى القاموس هو يعنى الإجتماع وهو مأخوذ عن إحتفال المكان بالماء أى الإمتلاء به وعلى ذلك فالصحيح أن نقول الإحتفال للمولد وليس بالمولد وهذا لا يؤثر . . ثم قال أحد المشايخ : هل الإجتماع على طعام العقيقه عند مولد طفل مسلم يعتبر إحتفالاً ؟ قالوا نعم وذلك أن المولود حدث لورود نعمه وإفراج أزمه عند أمه عند ولادته فالإجتماع على طعام لشكر الله لحدوث نعمه أو شكره تعالى على كشف أزمه أوغمه هو من السنه المطهره . . ثم تدخل أحد المشايخ وقال أرى أن نحصر على قدر إستطاعتنا كل الأمور ثم نناقشها حتى لا يتوه الموضوع فإنه موضوع كبير . . قالوا نعم الرأى فقال وقالوا معه يبدأ الموضوع وينتهى بما هو آت :
1-    النيه.
2-    شد الرحال لبلوغ مقام الإحتفال .
3-    التجمع أو الإحتفال .
4-    الزياره للولى والطواف حوله وتقبيلاً للأعتاب والمقاصير .
5-    الصلاه بالمساجد .
6-    قراءة القرآن فى المسجد أوحول المسجد فى السرادقات .
7-    حلق الذكر أوما يسمى بالحضرات وما بها من أناشيد وتمايل يميناً وشمالاً .
8-    إستعمال الدفوف فى الموالد – وزفة الخليفه .
9-    الأكل فى المساجد وهو ما يسمى بالنفحه .
10- إطعام الفقراء والمساكين .
11- المحاضرات الدينيه الإرشاديه ومنها تلاوة سيرة الولى .
12- الباعه الجائلون وغير الجائلين حول المساجد .
13- المقاهى والملاهى والسيرك وألعاب الطفال .
14- التلوث البيئى من ضوضاء وإلقاء فضلات الطعام وغيره .
15- السرقات بأنواعها من نشل ونصب وإحتيال .
16- الدجل والشعوذه والألعاب الناريه .
17- الإختلاط وما يترتب عليه .
18- المخالفات الأمنيه كالمشاجرات والبلطجه والإكراه .
هذا كل ما يوجد فى الموالد .
قال العلماء : بخصوص النيه وهى ما يضمر فى القلب ولا حساب عليها إلا إذا أتبعت بفعل يظهر ما بطن فى الضمير وعندئذ فأى فعل مقرون بنيه يعتبر عملاً
 " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأه ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
صدق رسول الله وعلى إعتبار أن النيه لا يعلمها إلا الله فلا يحاسب أحد أحداً على نيته وبالتالى لا تفسد نيه بنيه . فمهاجر أم قيس " رجل هاجر من مكه إلى المدينه وراء أم قيس التى يحبها " لا تفسد بنيته هجرة من نوى الهجره إلى الله ورسوله . . وفى موضوعنا هناك من نوى الذهاب إلى حيث يقام المولد لكى يعرف شيئاً عن سيرة صاحب المولد , ونشأته وعلمه وجهاده وصبره وكرمه وحلمه وأقواله وحكمه وهناك من نوى الذهاب إلى الموالد للذكر أو أى من أنواع العباده فمن كان كذلك فقد خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله , وشد الرحال لهذا لهذه الأغراض لا يتنافى مع حديث " لا تشد الرحال إلا . . " وهناك من نوى الخروج من بيته للبيع والشراء فى المولد وهناك من نوى الذهاب إلى المولد لإرتكاب مخالفه شرعيه أو أمنيه فكل من هؤلاء له عمله المبنى على نيته ولا تفسد نيه بنيه ولا يبطل عمل بعمل ولا ننسى أننا نتعامل مع الله .
وهنا قال أحد المشايخ : ما حكم تلفيق الإتهامات ؟
وقال آخر : هو كرمى المحصنات من المؤمنات الغافلات وله عقوبته .
وقال آخر : لعل الشيخ المتداخل يقصد تلفيق النوايا . . فمال المشايخ , كل شيخ إلى من بجواره ضاحكاً وقالوا . . أول مره نسمع عن تلفيق النوايا فسألوه هل توضح أكثر ؟ قال : لو ان واحداً من حضراتكم ذهب إلى معمل التحاليل الطبيه لعمل تحليل صورة دم كأمر من طبيبه الخاص , فإذا بالمعمل يعطيه النتيجه دون الحصول منه على العينه , وهذه النتيجه فيها ما فيها فهل يقبل ذلك ؟ فقالوا : لا قال : لماذا ؟ قالوا : لأن العينه لا تخص صاحبها و بالتالى فالنتيجه لا تنسب إليه . . قال : سبحان الله إذا كان الأمر كذلك فلماذا نسمح لبعض الناس أن يأتوا بنوايا من عندهم يفترضونها ثم يفرضونها ثم يقيمون الحجه على الآخرين , على إعتبار أن ما فرضوه وإفترضوه صحيح ؟ ثم قال : يقول البعض إنكم تذهبون إلى الموالد لعبادة الأولياء ومع أن جميع العبادات مبنيه على النيه ولا عبره بعمل ولا قول بغير نيه , وبذلك يختلف العمد عن الخطأ والسهو والجهل والإستكراه والأمر ليس هكذا و فقط , بل إفترضوا وفرضوا نيه واحده إشترك فيها القادمون إلى مقام الولى من جميع الأماكن والأوقات , فالواحد من المنكرين يضع من عنده فى قلب الزوار نيه معينه وصاحبها لا يعلمها ثم يحاسبه عليها . أين نحن من ولى الله
" ذو النون المصرى " عندما قال كل علماء عصره إنه كافر ثم ساقوه إلى الحاكم فسأله الحاكم قائلاً : أجمعت الأمه على كفرك فما قولك ؟ قال ذو النون : إن رأى رجل لا يوازى رأى أمه , قال الحاكم : إذن أنت موافق على أنك كافر ؟ قال ذو النون : كيف أقر أو أرفض شيئاً هو فى قلبى لا يعلمه إلا الله ؟ قال الحاكم : هذا أمر عجيب إذا كان صاحب الأمر لا يعلم ما بداخله فكيف عرف هؤلاء المدعون ثم قال قولته الشهيره ( يا " ذو النون " لو أن مثلك كافر فما على الأرض مؤمن ) ثم قال الشيخ فيا إخوانى لقد وصل التزوير والتلفيق إلى حد تلفيق النيه ودسها على صاحبها كما يدس الرجل لإخيه شيئاً من المخدرات أوالسلاح ثم يبلغ عنه الشرطه ويضيع الرجل لأن الشرطه والقضاء لا يعرفان غير الوقائع والأدله الماديه والمنطقيه وقد يخدع القضاء ويلفق له المحترفون نية توافر القصد الجنائى عند المتهم أما رب العالمين الذى يعلم السر وأخفى وكيف لا يعلمه وهو الذى خلقه , ألا يعلم من خلق ؟ فكيف يلفق عليه نيه عباده ؟ وهنا صفق الحاضرون وقالوا : فتح الله عليك يا شيخ , فأول مره نسمع عن تطور فنون التزوير الذى وصل إلى حد تزوير النوايا ولكن الضمان أن القاضى الذى يعرض عليه الأمر قد رأى من يزور حال تزويره ورأى من يدس حال دسه ورأى من ينوى حال نيته ورأى من عمل حال عمله والله بكل شىء عليم .
ثم قال أحد المشايخ : أرى أن موضوع الموالد قد إنتهى القول فيه بهذه المعلومه الطريفه . . قال الآخرون : نعم ولكن ينبغى فى ضوء هذه المعلومه أن نوضح كل ما يجرى فى الموالد إحقاقاً للحق وإزالة الشبهه .
قال أحد المشايخ : أرى أن نقسم ما يحدث فى الموالد إلى شرعى وغير شرعى فقال الآخر : الحكايه مقسمه نفسها , فالنيه تكلمنا عنها وشد الرحال شرعى والمجتمع والمواكب والذكر وتلاوة القرآن والزياره والصلاه فى المساجد , وكذلك إطعام الطعام للفقراء والأغنياء وسماع السيره كل ذلك شرعى , أما البيع والشراء والعاب الأطفال فلا يطلب فيها حكم الشرع ولا تتم بتصريح من المجلس الصوفى الأعلى , ولا بدعوه عامه ولا خاصه من الطرق الصوفيه ولا تدخل تحت سلطة المجلس الصوفى الأعلى , ولكنها تعتبر خدمات بريئه وإذا ساد الرأى أنه اى مخالفه فيجب إزالتها إما عن طريق وزارة الداخليه أوعن طريق البلديه كإشغالات للطريق وإذا تركت فلا ضرر منها دينياً ولا قانونياً ولا إجتماعياً .
أما المخالفات الأخرى الشرعيه والأمنيه كالسرقه والنصب والدجل " فى القاموس هو الكذب "والشعوذه " خفة اليد التى تشبه السحر فى القاموس " وكذلك البلطجه وعدم الإنضباط فلا توجد جهه رخصت بهذا ولا دعت إليه ولا يعتبر من ضمن طقوس المولد , ولا يجب أن ينسب إلى الموالد ولكنه كالذباب الذى يتجمع عند الجزارين لا يحرم اللحوم ولا يمكن الإحتراز منه بسهوله . . وكما قلنا لا يبطل عمل قوم بعمل الآخرين ولا تفسد نيه رجل بفساد نوايا الآخرين والمجلس الأعلى للطرق الصوفيه لا يرضى عن ذلك ولا يطلبه وفى نفس الوقت لا يستطيع منعه لأن لا سلطان له إلا بالحكمه والموعظة الحسنه , وعلى كل حال فإن الموالد لا ينبغى أن يؤخذ فيها الحكم الشرعى جمله لأن كلمة موالد منحصره وما يحدث فيها غير منحصر ودخول ما لا ينحصر تحت المنحصر محال فلا يصح ان يقال ما حكم الشرع فى سكان محافظة القاهره , أو ما حكم رأى الدين فى الصعايده . . هذه مغالطه كبرى ولكن يجب أن يؤخذ رأى الدين فى كل أمر على حده . قال أحد المشايخ : لقد قلنا إن الذكر فريضه بأمر الله فكيف يكون الذكر الصحيح الخالى من التمايل و التطوح يميناً وشمالاً وبصوت عال وجماعى ؟ وما هى الضوابط العامه حتى يكون الذكر ذا مظهر حضارى يتناسب مع القرن الحادى والعشرين ؟
وهنا كانت أكثر من إجابه محورها جميعاً هو :
أولاً : إذا فرض الله فريضه وحدد لها كيفيه وجب أداؤها بنفس الكيفيه دون النظر إلى المظهر الحضارى , ولا يتغير ذلك بتغير القرون ولا الواحد والعشرين ولا الواحد والتسعين , فالصلاه على هيئتها والصيام على كيفيته المعروفه والحج وكذلك كل ما أمر الله به وبين له كيفيه , فهو فرض وكيفيته فرض .
ثانياً : إذا فرض الله فريضه وترك كيفيتها مطلقه فإنها تكون فريضه وإطلاق أدائها فريضه . دون النظر لأى إعتبار آخر . ولعل الله قد جعل الذكر مطلق الكيفيه حتى يتناسب مع قدرات وأمزجة الذاكرين , فلم يقيده سبحانه بليل ولا نهار ولا مكان ولا هيئه ولا عدد ولا بالسر ولا بالجهر ولا بالإنفراد ولا بالإجتماع وكذلك لم يقيده بجهه وبالتالى فهو فريضه فى ذاته وفريضه فى إطلاقه . . قالوا كيف ؟
قال الشيخ : " ويضرب الله الأمثال للناس " أضرب مثالاً لحضراتكم : أنتم جميعاً مشايخ طرق , لو سألك أحد المريدين كيف آكل اللحم الضانى المذبوح شرعاً فماذا تقول له ؟ لا شك أنك سوف تقول له يا بنى كله بأى شكل وأطبخه فى أى إناء وكله ليلاً أونهاراً مجتمعاً أو منفرداً طالما هو حلال ولم يرد له كيفيه . . فمن تيسير الله عليك أن جعل ذلك مطلقاً فمن قيد المطلق فقد أبتدع ومن أطلق المقيد فقد أبتدع .
أما إذا سألك أحد المريدين عن حكم أكل لحم الخنزير فلا شك أنك سوف تقول أنه حرام مطلقاً ولا يحله أسلوب الطبخ أوالتناول , فالذكر أمرنا به ولم يحدد له كيفيه فى كتاب الله وسنة رسوله على سبيل الحصر الوارد فى العبادات الأخرى , فمن قيده بكيفيه دون غيرها فهو مبتدع . . والعياذبالله .
قال أحد المشايخ : بالمناسبه ما هو تعريف البدعه ؟
قال المشايخ : إن البدعه السيئه هى إطلاق ما قيده الله ورسوله أوتقييد ما أطلقه الله ورسوله .
قال آخر : البدعه هى الخيره بعد حكم الله ورسوله " وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيره من أمرهم " صدق الله العظيم .
قال آخر البدعه هى الإجتهاد فيما ورد فيه نص إلا لفهم النص .
قالوا : نكتفى بهذا القدر فأحدها يكفى .
ثم شرع الحضور فى قراءة الفاتحه لإنهاء اللقاء وهنا جاء دور رئيس التحرير فقال موجهاً إلى سماحة شيخ المشايخ . .
سماحة الشيخ : أريد أن أعرف على سبيل الإجمال ما تم الإتفاق عليه فى هذا البحث .
قال الشيخ : إعلم يا بنى أن الإحتفالات بالموالد شأنها شأن كل الإحتفالات الدينيه وغير الدينيه ولها ما يخالطها فما خالطها من حلال لايزيدها من الجلال وما خالطها من الحرام لا يفقدها احترام ولا تفسد نيه بنيه ولا يبطل عمل بعمل مع المغايره . ووجود الشر لا يمنع عمل الخير , أنظر إلى الكعبه المشرفه قبل الهجره المباركه وحولها الأوثان والتى تعبد من دون الله والرسول يطوف حولها ويصلى ولم يقم وزناً لما حولها مما لا يليق بها ولا يطعن فى قدسيتها ذلك ولا يزيدها جلالاً أن تزال الأصنام من حولها . . فقبل الهجره كان لا يمكن الإحتراز من ذلك وبعد الفتح أمكن إزالة الأصنام والإحتراز منها , ومقامات الأولياء و المساجد لا يضرها ما حولها ولا يزيدها بهاءاً وعزاً إلا أنها بيوت الله .
رئيس التحرير : يحدث من البعض عند زيارة الأولياء تقبيل الأعتاب والمقاصير فما رأيك ؟
قال السيد : ليس ذلك دليل إيمان ولا صلاح وليس أيضاً دليل كفر أوشرك ولا يؤمر به أحد ولا ينهى عنه أحد ولا إعتبار له إلا عند فاعله ولا ثواب على فعله ولا إثم على تركه .
قال رئيس التحرير : إين هذا من قول سيدنا عمر للحجر الأسود " أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله ( صلعم ) يقبلك ما قبلتك " ؟
قال سماحة السيد : أعلم أن تقبيل الحجر الأسود وارد عن رسول الله وهذا واضح فى كلام سيدنا عمر رضى الله عنه . . وسيدنا عمر قال ذلك بعد أن قبل الحجر فعلً وقوله لا يطعن فى تصرف رسول الله بل يعلن عن عدم فهمه للحكمه من وراء ذلك التقبيل , وهو بذلك يروى الحديث على الحجاج ويقول لهم . قبلوا ذلك الحجر وإن جهلتم العله من تقبيله فأنا مثلكم لا أعلم العله ومع ذلك قبلت الحجر , ولو أعتبرنا الحجر جماداً فسيدنا عمر يخاطب الجمادات , ولوعلمنا أنه ليس كذلك " أى ليس جماداً " فماذا يكون ؟ ! ! وكل ما يفعله العوام لا أعتقد أنه بقصد النفع للأعتاب ولا للولى , ولكن مجرد تعبير لا إرادى يصدر عن صاحبه لا يؤدى إلى إفساد عقيدة المسلم لأنه يعلم أن الله ليس حجراً ولا حديداً ولا شيئاً من المخلوقات . . فالأم لا تقبل إبنها بغرض العباده والأب لا يغار من ذلك والعقلاء لا يعلقون على ذلك بالسلب أو بالإيجاب .
وإسمع نصيحتى : لا تلحق أعمال العباد بنيه من عندك فالأعمال كالأبنيه والنوايا كالأساسات وكل بناء قائم على أساسه لا على أساس غيره .
ثم قال رئيس التحرير : يا سماحة السيد إن الله يضرب للناس الأمثال لكى يفهموا وأنا ممن يفهمون كذلك فهل من مثال تقرب به المعنى ؟
قال سماحته : رجل وزوجته فقدا أبنهما وكان صغيراً عاقلاً وظنا أنه مات , وبعد سنين عاد الولد إلى أسرته وقد أصبح رجلاً , فوجد أمه فى المنزل بمفردها , فالطبيعى بعد أن تعرفت عليه أنها ألقت بنفسها بين أحضانه تقبله وتمطره بوابل من عبارات حب الأم لأبنها , ثم حضر أبوه فرآهما على هذه الحاله ولم يره أحدهما , ففكر وقدر ثم عزم وقرر ما شاء إلى للإنتقام لشرفه ثم بعد أن تعرف عليه وعرف أنه أبنه ماذا تظن أنه فعل ؟ ثم إستطرد يقول لا شك أنه بدل وغير ثم قبل وعبر ثم بكى وإستعبر ثم ضحك وإستبشر أليست هذه إحدى العبر؟ بعد أن كانت إحدى الكبر فعندما كانت نية الأب غير نية الأم كان أمراً وعندما إلتقت النوايا تشاهت بل تطابقت الأحاسيس , فهذه من الأشياء التى لا يؤمر بها ولا ينهى عنها ولا يقام لها أى وزن عند العقلاء .
وفى النهايه " لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " صدق الله العظيم

أمية الرسول

القضيه الإسلاميه الشائكه التى يعجز البسطاء عن تفسيرها عن تفسيرها النبى الأمى الذى علمه الله كتاب الخلق ! الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب . . لكن . . هناك أميه من عينات أخرى أخطر وأصعب وأسوأ . . أمية المثقفين . . وأمية المفسرين . . مثلاً .

وقد كان النبى محمد أمياً . . لكنه . . علم البشريه ما لم تكن تعلم بعد أن أضاء الله قلبه وعقله بعلم لا يعلمه غيره . . وكان القرآن . . معجزته المستمره ما لم تكن تعلم بعد أن أضاء الله قلبه وعقله بعلم لا يعلم غيره . . وكان القرآن . . معجزته المستمره . . خير دليل على ذلك . . على أن القراءه المتعجله غير الواعيه لكتاب الله توقعنا فى أخطاء شاعت وأزمنت وباعدت بيننا وبين التفسيرات التى قد لا يصل إليها إلا الذين وهبهم الله بعضاً من النور السماوى .
ماذا يقول هؤلاء فى تلك القضيه الشائكه الصعبه التى تؤخذ علينا بجهل . . ولا نقدر على الفوز بها . . قضية أمية الرسول ؟
إن هذه القضيه شائكه وربما نقول إنها صعبه وتحتاج إلى مزيد من التركيز ونحن نفك أسرارها سراً وراء آخر . . وربما إحتاجت أن نقرأ تفسيرنا لها أكثر من مره . . خاصه أننى كتبته أكثر من مره .
يقول سبحانه وتعالى : " هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " . . فهل بعث النبى للأميين رسولاً منهم ؟ . . هل النبى أمى من أميين وللأميين ؟ . . ولو كان كذلك فكيف لأمى لا يقرأ ولا يكتب أن يعلمهم الكتاب والحكمه ؟  . . وكيف وهم أميون يمكن أن يتعلمون الكتاب ولحكمه ؟ .
إذن لا بد أن يكون هناك معنى آخر لكلمة أمى غير المعنى الشائع الذى نعرفه ونستخدمه ونصر عليه . . لو حاولنا التفتيش فى قواميس اللغه العربيه لنكشف عن معنى أمى سنجد الفعل الماضى الثلاثى لكلمة أمى هو أمم . . ولوكشفنا فى الواميس نفسها عن الفعل الثلاثى لكلمه أخرى هى ام سنجد نفس الفعل الثلاثى أمم . . والفعل الثلاثى يسمى المصدر . . ومن ثم فمصدر كلمة أم هو نفس مصدر كلمة أمى . . وعندما يقول الله سبحنه وتعالى لسيدنا إبراهيم : " وإذ إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين " . . وهنا نأخذ من الآيه كلمه ثالثه هى الإمامه لنجد أنها تشترك مع كلمتى أم وأمى كلمة إمام فى المصدر نفسه .  
وكلمة أم لا تطلق إلاعلى المرأه التى أنجبت . . وهى أصل لمن أنجبت . . فإن لم تنجب تكون فرعا لا أصلاً . . وكذلك الإمام . . لا يسمى إماماً إلا إذا كان هناك مأمومون تابعون . . ساعتها يسمى هو أيضاً أصلاً . . ولو أنجبت أبنة الأم أو أنجب إبنها يكون الأصل متصلاً . . أصلاً ممتداً على خلاف الإمام الذى تنتهى علاقته بالإمامه بإنتهاء علاقته بالصلاه . . ويسمى أصلاً منقطعاً .
الأم الوالده هى أصل لمولودها وما يتناسل منها . . هى أصل يؤدى إلى أصول . . ومن ثم فإننا نكون أمام مرحلتين . . مرحلة الأمومه . . أن تنجب المرأه فقط . . وتكون مجرد أصل . . ومرحلة الأميه . . وهى أن ينجب من لأنجبتهم . . وتكون المرأه أصلاً يمتد فى أصول أخرى . . فى الحاله الأولى نكون أمام أصل لفرع وتسمى أمومه . . وفى الحاله الثانيه نكون أمام أصل لأصول وتسمى أميه .
أما الإمام فليس أصلاً لفرع ولا أصلاً لأصل . . ليس من باب الأمومه ولا من باب الأميه . . وهذا واضح فى قوله سبحانه وتعالى " " إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً " . . لكن . . هل كانت كلمة أمه من الأمومه أم من الأميه . . لا نعرف إلا إذا عدنا للآيه الأولى ( وإذ إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قا إنى جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين ) التى نجد إن الإمامه لسيدنا إبراهيم ليست له وحده ( وإلا كانت امومه فهو أصل لم يؤدى إلى أصول ) وإنما له ولذريته فتكون أميه . . أصل أدى إلى أصول .
إن تلك المعانى المحدده والمشتركه للكلمات الثلاث أمومه وأميه وإمامه هى مقدمه ضروريه قبل أن نعود لسيدنا محمد وقول الله سبحانه وتعالى ( هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم ) . . والمشكله فى هذه الآيه القول بعث فى الأميين رسولاً . . فلو كان المقصود بها أهل زمانه وما سيأتى بعده كان الأولى أن يقول سبحانه وتعالى " هو الذى بعث إلى ( وليس فى ) الأميين رسولاً " . . ولو كان النبى بعث لمن لا يقرأ ولا يكتب يكون نيياً للأميين وليس للمتعلمين . . وكل من يتعلم يكون من حقه الخروج من دينه . . لكن . . ذلك لا يستقيم . .فالنبى أرسل للعالمين ( للأميين والمتلمين وللأنس والجن والأصول وأصول الأصول ) . . ومن ثم فإن كلمة أمى هنا ليس مقصوداً بها من لا يقرأ ولا يكتب وإنما المقصود بها أصل الأصول طبقاً لما سبق تفسيره وإرتباط كلمات أمومه وإماميه وأميه بمصدر فعل واحد . . فعل أمم
وبالفعل كان النبى لا يقرأ ولا يكتب  . . لقوله تعالى : " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " . . والمعنى أنك يا محمد لم تكن تقرأ وتكتب قبل الوحى . . لكن . . ما هو الحال فى قوله تعالى : " إقلاأ " . . أليس ذلك أمراً من الله ؟ . . أم يجعل الأمر بالقراءه قارئاً مع إحتفاظه بصفة الأميه بإعتبارها أصلاً لأصول وليس بإعتبارها جاهلاً بالقراءه والكتابه ؟.
إن الله عندما قال له إرأ . . إذن فقد قرأ . . وزالت عنه صفة عدم القراءه والكتابه .
. إقرأ هنا تعنى أنه قد أصبح قادراً على الراءه . تنفيذاً لأمر سماوى بالقراءه . . لكن النبى قال : ما أنا بقارىء . . وجملة ما أنا بقارىء فى حالة وجود شىء أمامه يقرؤه تعنى " لا أعرف القراءه . . لكن . . فى حالة عدم وجود ما يقرؤه تعنى ماذا أقرأ . . إن الله عندما جاءه إبراهيم وقال له إقرأ كان ممسكاً بيده كتاباً ولوحاً . . فكان فعل الأمر بالقراءه يرتبط بما فى الكتاب واللوح . . لكن . . عندما صدر أمر القراءه للنبى لم يكن هناك ما يقرؤه . . فاعاد جبريل عليه الأمر . . إقرأ . . مره أخرى . . ومره ثالثه كذلك . . وكان قول النبى ما أنا بقارىء بمعنى ما الذى أقرؤه . . فجاء الأمر الأكثر تفصيلاً من جبريل : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " .
لو قلنا إقرأ باسم ربك الذى رزق يكون الكلام عن الرزق . . ولو قلنا إقرأ باسم ربك الذى أمات يكون الكلام عن الموت . . ولو قلنا إقرأ باسم ربك الذى بعث يكون الكلام عن البعث . . ولو قال سبحانه وتعالى للنبى : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " يكون الكلام عن الخلق . . بدليل قوله تعالى : " خلق الإنسان من علق " . . ثم يأتى بعد ذلك ما يتعلق بالقراءه : " إقرأ باسم ربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " .
هنا نتوقف قليلاً عند ثلاث كلمات ( المعطى والكريم والأكرم ) تتوازى مع الكلمات السابقه : الأمومه والإمامه والأميه .
إن المعطى هو من يعطينى أى شىء سواء كان يخصنى أو يخص غيره كى أوصله له . . هو من يعطينى شيئاً سواء كنت أريده أو لا أريده . . يكفينى أو لا يكفينى . . ينفعنى أو لا ينفعنى . . والكريم هو الذى يعطينى ما يخصنى وما أريده وما ينفعنى وما يكفينى . . أما الأكرم فهو الذى يعطينى ما يخصنى وينفعنى ويكفينى ويزيد .
 ونعود إلى قوله تعالى : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " لنجد أن كلمة خلق هنا تعنى التعميم . . فقد خلق الله كل شىء ( حيواناً وإنساناً ونباتاً ) . . وكان من الضرورى أن يخصصها فأضاف : " خلق الإنسان " . . ثم خصصها أكثر وقال : " من علق " . . التعميم نجده فى كلمة " خلق " . . والتخصيص نجده فى كلمة " الإنسان " . . وتخصيص التخصيص نجده فى كلمتى " من علق " .
لكن . . ما الفرق بين العلق والعلقه ؟ . . لو كانت كلمة العلق تعنى العلقه لأصبح هناك إستثناء لآدم وحواء وعيسى لأنهم لم يأتوا من العلقه ولكنهم خلقوا من العلق . . والعلق هو أصل العلقه . . لقد خلق آدم من علق وخلقت حواء من علق ثم أنجبا ذريتهما من العلقه . . إذن العلق هو أمُ العلقه . . أصل أصل العلقه . . أمية العلقه . . فقد قال سبحانه وتعالى : " ألم يك نطفه ( يقصد الإنسان ) من منى يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " .
إذن العلق هو أمية العلقه كما توصلنا . . لكن . . كيف يقرأ النبى باسم ربه الذى خلق الإنسان من علق ؟ . . كيف يقرأ النبى العلق ؟ . . كيف يقرأ أصـل أصل العلقه ؟ . .  كيف يقرأ أمية العلقه ؟ . . إن ذلك يعنى أن العلق . . علم أصل أصل الخلق . . علم أمية الخلق . . ومن هنا سمى بالنبى الأمى . . أوصاحب علم الأميه.
والأميه بهذا المعنى ( أى علم العلق أو علم الخلق ) .
تمتع بها من سبقوا رسول الله من أنبياء . . يقول نوح لله تعالى : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا " . . هنا نجد سيدنا نوح يفتش فى ظهور قومه بما يملك من علم العلق أو من أمية العلقه عن نور فلم يجد أثراً له . . لم بجد سوى الكفر والفجر . . فدعا عليهم لأنهم أصبحوا بلا فائده . . ولو لم يكن يملك علم العلق أو أمية العلق لم يعرف سوء ذريتهم .
والشىء نفسه نجده عند سيدنا عيسى الذى قال : " إنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله " . . هو يملك علم العلق . . يملك علم الخلق . . يملك أمية العلقه . . ويثبت ذلك أيضاً فى قول الله سبحانه وتعالى : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم " . . هذا علم غيب يأتى من علم العلق . . علم الأميه .
لذلك يطلق على الأنبياء الأميين . . يقول سبحانه وتعالى لنبيه الكريم  : " وأسأل من قبلك من أرسلنا . . لكن . . السؤال : كيف يسألهم وقد سبقوه ؟ . . والإجابه أنه يقدر على ذلك لأنه يملك علم العلق الذى يملكونه . . ومن ثم يقدر أن يسأل من سبقوه ويصلى خلفه من سبقوه ويقرأ باسم ربه الذى خلق الإنسان من علق . . لقد أعطاه الله كتاب العلق . . ومن ثم فإنه عندما يبعثه الله فى الأميين رسولاً منهم فهذا يعنى أن الرسل أميون ( يملكون كتاب الخلق أو العلق ) . . ومن ثم يكون التفسير أن الرسول الأمى بعث فى الرسل الأميين ولم يبعث إليهم . . وهذا يفسر لماذا كان حرف فى لا حرف إلى . . فهو الأمى الذى يملك كتاب الخلق وبعث فى باقى الرسل الذين يشاركونه الشىء نفسه .
والبعث يعنى إستيقاظ شىء موجود لا شىء يضاف إلى صاحبه . . فالرجوله موجوده فى الذكر منذ ولادته لكنها تبعث فى سن بلوغه . . ولا تضاف إليه فى تلك السن . . وموهبة الرسم موجوده فى الفنان وتبعث فى الوقت المناسب ولا تضاف إليه من خارجه . . إنها مثل طفل نائم ويصحو . . وبهذا المقياس فإن الرسل مخلوقون أميون ( نكرر بالمعنى الذى توصلنا إليه للأميه ) لكنه لا يبعث إلا إذا أذن الله له بالرساله . . إلا إذا بعث الله فيه صفات وخصائص النبوه . ., وهى الصدق والأمانه والكمال والعلم بالعلق . . وعندما يبعث الله محمداً فى الأنبياء فإنه يبعثه بصفات سابقه عليهم ويعنى أن وجوده سابق عليهم وإن بقيت بعثته أو رسالته لاحقه عليهم .
" هو الذى بعث أى هو الذى أحيا وأيقظ وأعطى الفاعليه وأذن بظهور خصائص النبوه التى هى أصل الأصل بالنسبه لسيدنا محمد . . هى أميته .
بعث هذه الصفات والخصائص فى كل الأنبياء فكانوا أميين . . وهو بعث نتج عنه تعليمهم الكتاب والحكمه وزكاهم وإن كانوا من قبله ( أى قبل أن يبعث فيهم ذلك ) لا يعرفون شيئاً وهذا هو الضلال المبين .
وهنا نسأل : هل سبق أن قرأ النبى حاله من حالات البشر باسم ربه الذى خلق ؟ . .
نعم . . عندما جاء إليه المشرك الذى كان يمسك بيده قطعه من العظام البشريه وقال له : يا محمد إنى يحيى هذه ربك بعد موتها ؟ . . فنظر النبى وقرأها باسم ربه الذى خلق ثم نظر إلى الرجل نفسه وقرأباسم ربه الذى خلق ثم قال له : يحييها ويدخلها الجنه ويميتك ويدخلك النار . . إنها قراءه تتجاوز ما هو واضح . . لأنها قراءه فى كتاب الخلق .

إن النبى يقرأ ما كتب الله فى الأزل . . ثم نزل قول الله تعالى : " وضرب مثلاً ونسى خلقه قال من يحييى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مره وهو بكل خلق عليم " .

إن الأمى من الأميه والأميه هى أصل أصل كتا الخلق الذى وهبه الله لرسوله الكريم فبعثه فى باقى الأنبياء الذين يتمتعون مثله بصفة الأميه ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه . . ولا حول ولا قوة إلا بالله

إياكم والشرك

لا أحد يستطيع أن يمنع حصاناً من الركض والفوز في ميدان السباق. ولا أحد يستطيع أن يمنع شخصاً من التعبير عما في قلبه من خواطر إيمانيه ويأخذ مكانه في سباق التفسير . هذا حق طبيعي فنحن مع كل من يركض بمهارة وحضارة وتناسق ودراية بأمور الدين. لكن الذي حدث أن بعض العقول التي تسللت إلى الميدان لا تصلح لأي شيء وسيطرت المخاوف على الناس أن يقعوا في المحظور. أن يقعوا فيما يسمى: ( أوحال التوحيد ) هل للتوحيد أوحال ؟ ؟ وما هي ؟ ؟ ومن الذي يقع فيها ؟ ؟ وكيف يمكن النجاة منها والابتعاد عنها ؟ ؟ من يعرض شيئاً إيمانياً بغير علم يمكن أن يلحد . أو يمكن أن يقع فيما يمكن أن نسميه

( الشرك الخفي ) يقول سبحانه وتعالى : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فالطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة أحياناً يقول سبحانه وتعالى : " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه " كيف ذلك . ربما يختلط على البعض منطوق العبارة فيعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد حل في مخلوق أو أتحد معه أو يشبه الخالق بشيء من خلقه أو يعطل فعل أسمائه .
بعبارة أخرى أبسط فإن أوحال التوحيد أربعه ( الحلول – الإتحاد – التشبيه – التعطيل ) وهى ترتبط ارتباطا وثيقاً بمقتضيات الألوهيه وهى ( السبق – الإطلاق – الذاتية – السرمدية ) فمن أدعى أن الله حل في رسوله أو أتحد معه أو يشبهه أو يقوم مقامه بغير إذن فقد أنزلق إلى هذه الأوحال . ومن أعتقد شيئاً منها فقد وقع فيها .
مثال ذلك من أدعى أن الله أتحد مع السيدة الطاهرة البتول مريم ثم حل في المسيح عليه السلام ثم بناء على ذلك ينسب إلى المسيح الألوهيه وهولا يدرى أنه وقع في المحظور . والسيد المسيح بريء من ذلك ويظهر ذلك في قول الله تعالى : " وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس إتخذونى وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " هذا مثال للحلول والإتحاد " .
أما التشبيه فهو أن يجعل المرء لله صوره لله كصورة رجل يجلس على كرسي وله عين وقدم حتى لو أن أحدهم جمع ما ورد من صفات تشابه صفات المخلوقين ووضعها في شكل واحد سوف يتصور شكلاً خرافياً لمخلوق ليس له وجود في الطبيعة . والإنسان عاقل ولكن لم يخطر على باله أن يتخيل شكلاً لعقله .
إن الأذن عاقله تميز الأصوات . والعين عاقله تميز الألوان . لكن لم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكل العقل . لا نقصد شكل المخ . المخ موجود في المخلوق العاقل . والمخلوق غير العقل .
ولم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكلاً للروح مع أنه يحيا بها . ثم بعد ذلك يتجرأ الإنسان ويتطاول وهو يتخيل شكل خالقه .
قال صلى الله عليه وسلّم : " المصورون في النار " أي الذين يتخيلون ويرسمون شكلاً لله . لن نمل من تكرار أن الذي يجعل صوره لله ويعتقد فيها ويعبده عليها هو في النار . ويبقى التعطيل وهو تعطيل فعل الأسماء الألهيه أو الاعتقاد بأن الأسماء الإلهية ليست فعاله قياساً على أسماء البشر وهذا من باب التشبيه أيضاً . فلو كانت ذات الله كدواتنا لأصبح أسمه كأسمائنا ليست فعاله . هنا لابد أن نفهم الفرق أو العلاقة بين الذات والاسم والصفة .
ولله المثل الأعلى , ولكننا نستخدم أسماؤه أحياناً دلاله على بشر مثل الملك والملك تعنى السلطان أو الرئيس أو الحاكم الذي يفعل فئ دولته كل شيء فهو المسئول عن الرعية وطعامهم وكسوتهم ومواصلاتهم وتعليمهم وصحتهم . . إلى آخره . لكن هل يفعل الحاكم ذلك بذاته , بيده , بجسمه , هل هو الذي يفعل ذلك كله بنفسه ؟ نقول حاشا لله ما ينبغي أن ينزل الحاكم إلى مستوى الأعمال المسئول عنها بنفسه , فهو لا يرصف الطرق بنفسه , ولا يكشف على المرضى بنفسه , ولا يعلّم التلاميذ بنفسه . . . . إلى آخره , لكنه يفعل ذلك بصفته وليس بذاته , فهو لو تنحى عن الحكم فإن ذاته تظل قائمه ولكن صفته هي التي زالت , وبالتالي لا يستطيع أن يفعل شيئاً بدونها , أما الاسم فهو يميز صاحبه من بين ذوى الأسماء فللذات البشرية تسميه : نقول فلان . . . . وللصفة نقول رئيس أو ملك أو سلطان أو حاكم . نقول فلان دلاله على أسم الذات . ونقول ملك أو سلطان دلاله على أسم الصفة . والرعية تتعامل مع الصفة لا مع الذات . فلا علافه للرعية بمكان الحاكم الآن هل هو خارج البلاد أم داخلها ؟ فهم يتعاملون مع الصفة وليس مع الذات التحى لا يهم أين هي ولا يبحث عنها . المهم الصفة التي توقع القرارات والقوانين بموجبها . فإذا كنا قد نزهنا الحاكم عن القيام بكل شيء بذاته , ألا ننزه خالقنا عن القيام بكل شيء بذاته ؟ ؟ ؟ بالنسبة للمخلوقين فإن بقاء الصفة كمسئوليه غير مرتبط ببقاء الذات ( بخلاف الصفات الشخصية ) إن ذات الرئيس الأمريكي لم تتغير بعد أن ترك البيت الأبيض . لكن صفته كرئيس زالت وفاعلية الأصم مرتبطة ببقاء الذات . . أما بالنسبة للخالق فذاته لا تزول وبالتالي فصفته دائمة وفاعلية أسمه قائمه . وقد عرفت صفات الله سبحانه وتعالى بعد أن تجلت فلو لم يخلق لما عرف أنه خالق ولو لم يبعث ما عرف أنه باعث . وهكذا , من هنا تكون الأسماء الألهيه فعاله , فالمريض يسأل الله الشفاء باسمه ( الشافي ) ويقول : يا شافي , والفقير يسأله باسمه
( المغنى ) ويقول : يا مغنى , والمظلوم يسأله باسمه ( العدل ) ويقول : يا حكم يا عدل . والضعيف يسأله باسمه ( القوى ) ويقول : يا قوى . ومن أعتقد بأن الأسماء الألهيه لا فعل لها فهذا هو التعطيل وهو المنزلق الرابع من أوحال التوحيد .علماً بأن كل وحله تحتوى على الأوحال الأربعة . فمن وقع في واحده منها فقد وقع فئ مجملها . ومن ثم فلا تجاوز . ومن تفضل الله عليه بالخير وقاه شر الوقوع في أحدى أوحال التوحيد , ومره أخرى : الحلول والإتحاد والتشبيه والتعطيل . فإنه يكون قد سلك طريقاً آمناً إلى التوحيد والتوحيد يحتاج إلى وقفه نؤجلها قليلاً ولا حول ولا قوة إلا بالله 

{ ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون }

الحمد لله الذى عجز الحامدون عن حمده فحمدوه بهذا الإقرار حق حمده ولم يُحصى أحدأً منهم ثناءاً عليه سبحانه إلا أنه كما أثنى على نفسه فهو السر المكنوز المتجلى بالألوهية التى مظهرها استواء الرحمن على عرشه .. والصلاة والسلام الدائمان المتلازمان من الله وملائكته والواجبان فريضة على المؤمنين استجابة للأمر وعرفناً بفضل هم عاجزون عن حده سيدنا ومولانا محمد الذى ختم الله به الرسالات والنبوات وأعجزنا عن معرفة قدره .. ورضى الله تبارك وتعالى عن سادتنا أهل الله الصالحين وأزواج نبينا أمهات المؤمنين وعن صاحب الكرامات الجليلة العالية الممدوة من ربه ومن جده سيدى إبراهيم أبن أبى المجد الدسوقى القرشى المحمدى الذى فتح الله به قلوباً غُلفاً وآذاناً صُماً فمنح مريديه ما يعجز الواصفون عن وصفه فهو رضى الله عنه المولود فى ليلة شك الصائمين ليمحو الله به اللبس ويثبت به اليقين وهو رضى الله عنه الصائم فى مهده الوافى بعهده صاحب الولى والكشف والاطلاعات بحر الورود والبركات عروس المملكة ولسان الحضرات الحسيب النسيب الشريف برهان الملة والدين ودرة تاج العارفين وميناء الواصلين وحجة الله على المنكرين وبعد :

·       فإن الصوفية إذا نُسبت لأهل الصُفة فلا يعيبها .
·       وإذا نُسبت إلى لبس الصوف فلا يزينها .
·       وإذا نُسبت إلى "سوفيا " بمعنى الحكمة فلا يشينها .
·  أما إذا نُسبت إلى الإصطفاء والصفاء والمكاشفة والمكالمة والفناء فى البقاء فإن هذا هو معينها .
وقد رأى بعض أهلها أن كلمة صوفى تخرج عن كونها إسماً وتعتدى ذلك لتكون فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول كما نقول عُوفى المريض أو سُومح المخطئ كذلك نقول صُوفى الرجل فهو مصافى من الله أى أطلعه الله وكاشفه وصافاه بأسرار خاصه فاستحق أن يكون من أهل الله وخاصته .
والمتصوفة لا يضيفون إلى الدين شيئاً ولا يحذفون منه شيئاً ولم يشادوه لأنه متين " ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه " إلا أنهم أوغلوا فيه برفق وتلمسوا مواضع أقدامهم ولم يكونوا خواضين فى بحره بل أقلتهم سفن الإذن الإلهى فربانها وقبطانها هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) } سورة الأحزاب .. وهم الذين أحبوا الله فاتبعوا رسول الله فأحبهم الله { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } سورة آل عمران ..ومن يتوهم أنه يمكنه أن يُضيف شيئاً إلى الدين فهو واهم يلجمه الله بلجام قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } سورة المائدة ..بل هو كمن يدعى الألوهية العليا لنفسه غير أن الصوفية أعطاهم الله أدوات استكشاف جواهر الدين وعجائبه وغرائبه فاستغرب الناس ما يسمعونه منهم لأنهم لم يعهدوه وليس معقولاً أن من يكتشف شيئاً من خبايا الكون يُقال أنه أضاف – كمن استخرج البترول من باطن الأرض يُقال أنه أضافه إليها وكذلك من يستخرج الذهب أو النحاس أو الحديد يُقال عنه كذلك ولا يُقال للغواص الذى يستخرج اللؤلؤ والمرجان من البحار أنه أضافها إليه .. وقارئ القرآن العالم بأحكام التلاوة لا يضيف من عنده شيئاً إلا أنه الأعلم بقواعد التجويد ..ولا أقول تجويد القرآن إلا مجازاً بل صوته بإتقانه للأحكام لأنه يعرف المد والإدغام والإخفاء والغُن والوقف الجائز والواجب والممنوع ...إلخ عندئذٍ تخرج الكلمات الكريمة مِن فِيه وفيها إضاءة لا إضافة وإذا استمع من لا يعرف القراءات إلى المتخصص فيها فقد يستهجن بعض ما يسمع وينسب إلى القارئ – بجهله – الخطأ .. وكما نرى الزهور فلا نلتفت إليها وعندما نسمع أحد الشعراء يصف ما فيها ويتغزل فى محاسنها عندئذٍ نشعر بها ونتفاعل معها فهو بذلك قد أضاء لنا وما أضاف إليها .
ونفس الحال مع الذين صافاهم الله فأطلعهم على غرائب وعجائب القرآن ولطائف وأسرار الأحكام قد يحول بيننا وبينهم جهلنا بما منَّ الله عليهم به والناس أعداء ما جهلوا ..حتى أن بعض الناس يرون فى محبة الصوفية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأكرمين أن ذلك نوعٌ من العبادة وهم فى زعمهم هذا أبعد ما يكونون عن الحقيقة وأقرب ما يكونون إلى الجهل .
وفى هذا المجال وجب علينا أن نتوقف عند الفرق بين العبادة والإتباع وكذلك العلاقة بين الإقتداء والتآسى .
·  فالعبادة : هى قصد المعبود لما عنده ابتغاء مرصاته ولا بد أن يكون ما عند المعبود سبحانه ليس مستمداً من غيره أى ذاتى وعلى ذلك فإذا أحب العبد معبوده يكون حبه له عبادة .
·  أما الإتباع : فهو طاعة المتبوع لما عنده ابتغاء مرضات الله وما عند المتبوع مستمد من الله فإذا أحب التابع متبوعه يكون حبه له إتباع وليس عبادة .
·  أما الإقتداء : فهو طاعة المقتدى به لما عنده ابتغاء مرضات الله ورسوله وما عند المقتدى به إنما هو من عند الله ورسوله فإذا أحب المقتدى به قدوته يكون حبه له إقتداء لا هو إتباع ولا هو عبادة .
·  أما التأسى : فهو طاعة الأسوة وتقليده على قدر المستطاع لأن ذلك مستحيل على المتأسى فلا يستطيع المسلم أن يصلى كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كما رأه يصلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتمونى أصلى ) ولم يقل صلوا كما أصلى كما أنه لا يستطيع مواصلة الصوم مثله صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) } سورة الأحزاب .
ويجب أن يعلم من لا يريد أن يعلم أن الصوفية هم أهل العمل بكتاب الله وسنة رسوله فى العبادات والعاملات ولم يحلوا حراماً أو يحرموا حلالاً كما أنهم يأكلون من عمل أيديهم ولا يُعطَى العهد لعاطل إقتداءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال ( ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من أن يأكل من عمل يده وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده ) لذلك فإن الصوفية يُعمرون مجتمعاتهم ولا يخربونها .. لا يشتهون ما فى أيدى الناس من مالٍ ولا جاه ولا سلطان ولذلك فإنهم محبوبون من الله ومن الناس ( وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) والصوفية لا يكفرون مسلماً إلا بجحوده بما أقر به ولا يفسِّقون الناس ولا يبدِّعونهم ولا يرون العيب إلا فى أنفسهم ويعملون بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم ( يسروا ولا تعسروا ) وكأن النبى يقصد توجيه المسلمين إلى أن يكونوا مكتشفين مخترعين لكل شئٍ يؤدى إلى تيسير حياة الناس وكذلك يدعوهم إلى إصلاح كل شئٍ يخدم الناس وكذلك يدعوهم صلى الله عليه وسلم إلى أن يسبقوا العالم وتكون أيدى المسلمين هى العليا يمدونها إلى الناس إعطاءاً وليس أخذاً أو تسولاً على عقول غير المسلمين .. فالرسول يرى أن من فعل الخير فقد أصلح ويسر ومن فعل الشر فقد أفسد وعسر { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } .
1-   والصوفية ليسوا حطباً للفتن ولا أطرافاً فى الصراعات على الدنيا ولكنهم أهل تنافس على الآخرة { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) } سورة المطففين .. وأهل استباق إليها { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) } سورة المائدة .. وأهل الفرار إلى الله { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) } سورة الذاريات .
2-   والصوفية لا يتعرضون للفتايا ويتركون ذلك لأهلها وعندما طُلب من الصوفى الجليل يحى ابن معين أن يتعرض للفتوى قال قولته المشهورة " أيُعبد رب العالمين على رأى يحى ابن معين " .
3-   والصوفية يوقنون أن حب الوطن من الإيمان فلا يحاربون بنى وطنهم تحت أى ظرف فهم رحماء بينهم .
4-   والصوفية لا يؤمنون بالصدفة فليس فى علم الله صدفة { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } سورة القمر .
5-   والناس يرون أن الأزمات مرجعها إما إلى الحاكم أو إلى المحكوم أو إلى كليهما .. أما الصوفية فإنهم يرون أن فوق ذلك المقدرات الإلهية التى هى السابقة وهى الحاكمة وعندهم الحكمة التى تقول " إذا أراد الله إنفاذ أمرٍ هيئ له الأسباب " .. يقول الإمام الشافعى رضى الله عنه " وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضاء ضاق الفضاء " .
6-   والصوفية يعرفون أن الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة فاللهم احفظ بلادنا من الوباء والغلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن ووفق بفضلك ولاة أمورنا إلى ما تحبه وترضاه واجمع حولهم بطانة الخير واجعل بأسنا على من عادانا ولا تجعل بأسنا بيننا إنك سبحانك ولى ذلك والقادر عليه .

الوهابية والشيعة والصوفية والأغلبية الطيبة

الوهابية يحبون الصحابة وينكرون أهل البيت والشيعة يحبون أهل البيت وينكرون الصحابة والصوفية يحبون أهل البيت ويوقرون الصحابة .

المتساهل شخص يكتب على زجاجة خمر كلمة حليب . . والمتشدد شخص يكتب على زجاجة ماء كلمة خمر . . والمعتدل شخص يفصل بين الحلال والحرام ويعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لقد فرضت هذه الاتجاهات الثلاثة نفسها على الأمة الإسلامية وراح كل منها يستقطب بعضاً من السواد الأعظم الذي لا حول ولا قوة ليشد ه إليه ويطويه تحت جناحيه .
إن الاتجاه الأول وهو الوهابية وما فى حكمها من جماعات متشددة ومتطرفة حرمت علينا عيشتنا نجدها تحترم الصحابه وينالون من أهل البيت .
والإتجاه الثانى وهو الشيعه فنجد العكس . . يقدسون أهل البيت وينالون من الصحابه .
والشيعه كلمه تأخذ أكثر من معنى . . فهى تعنى أحياناً الأهل والأقارب والأنصار . . كما فى قوله سبحانه وتعالى لسيدنا موسى " فإستغاثه الذى هو من شيعته على الذى من عدوه " . . أو قوله سبحانه وتعالى : " وإن من شيعته لإبراهيم " . . لكن فى موضع من القرآن آخر نقرأ : " الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون " . . الكلمه نفسها لا تسبب مشكله فى إستخدامها .
أما الإتجاه الثالث وهو الصوفيه فيحبون أهل البيت بنفس القدر الذى يحبون به الصحابه ويحترمون الصحابه بقدر تعظيمهم لأهل البيت بل إنهم يعتبرون كل صحابى هو من أهل البيت وكل أهل البيت هم صحابه .
ويبقى الإتجاه الرابع وهو العامه الذين لا يعرفون التفرقه بين الإتجاهات السابقه . . بل أكثر من ذلك تسعى إليهم تلك الإتجاهات ويحاول كل منها شدهم إليها . . الوهابيه تتمسك بالتفسير الظاهرى للنص . . والشيعه الذين يصرون على التفسير الباطنى للنص . . والصوفيه التى ترى أن العبره بالعلاقه بين الإنسان وربه وليست بين إتجاه وآخر .
والمنصف من العامة لا يعجبه فى الشيعة موقفهم من الصحابة ولا يعجبه في الوهابية موقفهم من آل البيت . . ويدرك بسهوله أن الوهابية تكره الصوفية بسبب حبهم لآل البيت وأن الشيعة تكره الصوفية بسبب حبهم للصحابة مع أن المفروض أن الوهابية يحبون ألصوفيه لحبهم للصحابة والمفروض أن الشيعة يحبون الصوفية لحبهم لآل البيت . . ولكن . . ذلك لا يحدث . . فكل اتجاه يرى إنه يملك الحقيقة وحده .
ولا جدال أن المتشددين فى الدين مثل الوهابية لم يأتوا بتشددهم من عندهم وإنما أتوا به من آيات قرآنيه تتكلم على العذاب بكل أشكاله وفى كل مواقعه . . وكذلك المبشٍرون لم يأتوا بالتسهيل من عندهم وإنما جاءوا به من آيات الرحمة والكرم والعفو والتوبة .
وخطأ كل فريق هو إطلاقه لما يتبنى . . فالإطلاق مستحيل . . لا أحد يكتفي بوصف الله بالمنتقم طوال الوقت دون أن يتحدث عن عفوه ورحمته . . وكذلك من يتحدث عن عفو الله ورحمته طوال الوقت وينسى أنه منتقم وجبار . . الاكتفاء بنصف الكوب فيه إشارة نقص إلى الله . . أستغفر الله . . فلو قلنا الله معط لابد أن نشير إلى أنه مانع أيضاً . . ولو قلنا جبار لكان علينا ألا ننسى أنه رحيم أيضاً . . الإطلاق فى الأحكام خطأ ونقص .
لقد أخذ الشيعة جانباً من الإسلام وأخذ الوهابية جانباً آخر . . بينما قطار الإسلام يحتاج إلى جانبين وقضيبين ليسير عليهما .
هذه هى الوسطية التى لا تميل إلى جانب على حساب جانب آخر . . فلو أطلقنا صفه التوبة زال عنا الخوف من مكر الله . . ولو أطلقنا صفات شدة العقاب لقنط الناس من رحمة الله .
لا يجرنا الخوف من الله إلى أن نقنط من رحمته ولا يجرنا الشعور بعفو الله وكرمه وإحسانه إلى أن نأمن مكره . . لابد أن نكون معتدلين بحيث لا نميل إلى الرحمة وننسى الجانب الآخر . . أونميل إلى القسوة وننسى الجانب الآخر . . احذر أن يجرك الخوف من الله إلى القنوط من رحمته أو تجرك الرحمة إلى أن تأمن مكره سبحانه وتعالى .
ولو كانت الوهابية تريد إقامة الدولة السنية وإن الشيعة تريد إقامة الدولة الشيعية فإن الصوفية تريد أن تعبد الله ولا تتوقف عن ذكره . . فهى تهدف إلى محبه الله . .
يقول سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم : " من يرتد عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " . . ويقول : " قل ‘ن كنتم تحبون الله فإتبعونى يحببكم الله " .
ورغم ذلك فإن المتشددين يتهمون الصوفية بالسلبية لأنهم لا يشاركون في أهدافهم الإنقلابيه والتكفيرية . . وفى الوقت نفسه يعتبر الشيعة الصوفية نوعاً من التقية والتقية مبدأ يسمح بأن نقول على غير ما نؤمن ونعتقد تجنباً للبطش. . أما العامة فيأخذون على الصوفية ما حولها من مظاهر سلبيه يجدونها فى الموالد الصوفية مثل الأصنام التي كانت موجودة حول الكعبة . . إن تلك الأصنام حرام ولكنها لا تفقد الكعبة احترامها .
إن تلك المظاهر الموجودة فى الموالد كالذباب والكلاب التى تتقاتل على محل الجزارة . . منظرها سيء ولكنه لا يحرم اللحم فى حد ذاته . . المظاهر الموجودة لا تعيب الموالد نفسها . . فلو جارى عاص فليس معناه إنني عاص مثله . . الأمر يحتاج إلى تريث وهدوء شديد .
ولو كانت الوهابية تعبر عن التشدد فقد خرج من بطنها وصلبها عشرات التنظيمات والجماعات والتيارات المتطرفة التي تختلف بين بعضها البعض . . كما أن الشيعة ليست جماعه واحده فهم يختلفون فيما بينهم . . إن من السهل القول إن الوهابية متشددون فيما بينهم والشيعة مختلفون بين بعضهم البعض أما الصوفية فمختلفون عن بعضهم البعض . . وهناك فرق بين أن تختلف مع غيرك وتختلف عنه . . وهو ما يفسر تعدد الطرق الصوفية .
عندما فرض الله علينا الصلاة علمنا النبي كيف نصلى فكانت هناك بعض الاختلافات البسيطة . . لكن عندما فرض علينا الله الصيام وحدد لنا كيفيته لم نختلف فيما بيننا . . وكذلك الحج . . حدده الله فلم نختلف فيه . . لكن . . عندما فرض الله علينا الذكر لم يحدده ولم يذكر كيفيته . . وهذا ليس نسياناً ولا تقصيراً من الله ورسوله وإنما ليجعل لأهل الذكر الطريقه التى تناسب كلا منهم للذكر . . فكل ولى من الأولياء أخذ طريقه فى الذكر . . فلا أحد يقدر على ذكر الله بكل الصور وبكل الطرق .
إن الذكر مثل الذبيحه فيها تخصصات كثيره مختلفه ومتنوعه فهناك من تخصص فى اللحم وهناك من تخصص فى الأحشاء وهناك من تخصص فى الفراء وكل هؤلاء لا يتبعون جزاراً واحداً . . لكن كل ذلك فى النهايه حلال .
الطرق الصوفيه تشبه طرق الطهى . . كل الطهى حلال وإن أختلف الإسلوب . . وهى أيضاً تشبه طرق التدريس . . كل معلم وله أسلوب . . وكل شيخ وله طريقه . . وهو فى الوقت نفسه لا ينكر الطرق الأخرى . . كل ميسر لما خلق له . . هم مختلفون عن بعضهم وليس مع بعضهم . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

العلم .. العولمة .. العلمانية
( قل أتعلمون الله بدينكم )

بفرحة المريد إذا التقى بمن يريد التقيت بسماحة الإمام أما وقد تفضل سماحته برد السلام . . فقد وجب على مثلى أن يبادر بالسؤال وإن يقصد في الكلام .

قلت : يا مولانا لقد أختلط علينا في هذه الأيام كثير من الفتاوى في الأحكام حتى وصلنا إلى وضع التيه بين كل متحدث والذي يليه والكل يجزم أن الحق كل الحق في أي كلام يخرج من فيه وما أريد أن أطرحه على سماحتكم هو السؤال عن العولمة والعلمانية
قال السيد : يا ولدى العولمة هي سلوك أونمط إقتصادى مؤداه إتاحة الفرصة للسلعة المتميزة أن تسود على غيرها من السلع الرديئة دونما تدخل من قريب أوبعيد لدعم السلعة الرديئة بحجة أنها محليه وهو أسلوب لو صح ظني يجعل البقاء والنماء للأصلح ويجعل البوار والفناء للأقل صلاحية أو السىء من السلع وكل من أحسن صنعاً أولى بأن يجنى نتيجة إحسانه وإتقانه وتميزه أما من أساء فعليه تبعة أساءته وتكافؤ الفرص أمر يحبه الإسلام ويحض عليه ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ) وقوله تعالى : ( وقل أعملوا  فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وخير الناس أنفعهم للناس هذا عن العولمة التي تجعل المقياس عالمياً .
أما ما يقولون عنه أنه العلمانية فهذا شيء آخر إنها كلمات حق أريد بها باطل ذلك لأن العلمانية تعنى أن العلم الإنساني هو الذي يسود بغض النظر عن النصوص الإلهية أو النبوية والحاكم هو العقل والمنطق وهذان الميزتان يختلفان حسب البيئة والظروف والمستويات المتفاوتة والطوائف والقبائل بعاداتها وتقاليدها التي تتوازى حيناً وتتقاطع أحياناً والعكس صحيح .
قلت : يا مولاي لقد أصبحت أنا في التيه وضاع منى التركيز في خضم العبارات الكبيرة
قال الشيخ : إن العلمانية ببساطه هي مخالفة النص وإتباع الهوى مع أن الله يقول : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع هواه وكان أمره فرطاً ) .
قلت : بمعنى ؟
قال الإمام : بمعنى أن العلماني يقول مثلاً إن توزيع التركات غير منطقي فلماذا يقسم الميراث على أساس ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ولماذا لا يكون بالتساوي وأين العدالة الإجتماعيه ؟ .
وقد يقول : لماذا يتزوج الرجل المسلم بأكثر من إمرأه واحده عند الضرورة ولماذا تحرم المرأة من هذا الحق ولا يكون من حقها الزواج بأكثر من رجل عند الضرورة أيضاً ومن وجهة نظره أن هذا الأمر يتنافى مع العدالة الإجتماعيه وحقوق الإنسان على اعتبار أن المرأة فقط هى الإنسان ؟ ! !
وقد يقول قائلهم لماذا تكون العصمة فى يد الرجل وعلى نيته وقوله هو يتوقف أمر الطلاق ؟
وعلى حد قوله يقول أن الشراكة الزوجية من طرفين والطرف الأكثر تحملاً في هذه الشراكة هو جانب المرأة من آلام فى الحمل والإرضاع والتربية لكل هذا هو يرى أن حق الطلاق لابد أن يكون للمرأة دون الرجل ثم يسأل سائلهم يقول لماذا يتسمى الولد باسم أبيه وليس باسم أمه فنقول له هذا هو الشأن الإلهي فكل الأنبياء ذكروا بآبائهم فيقول فيقول : إن عيسى عليه السلام ذكر بأمه . فإذا قيل له أن الله تعالى يقول : ( أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) يقول ما علينا من النص أوغيره فكل الأمور قابله للمناقشة والأخذ منها والرد عليها وهذه حياتنا ولنا أن نعيش فيها ونحن أعلم بأمور ديننا وهكذا يا بني نجد أن العلمانية هي إتباع للهوى وقد ضرب لنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المثل الأعلى عندما وقف أمام الحجر الأسود عند الكعبة المشرفة وقال : " أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك "  . . . هل فهمت ؟
قلت : قطعاً لا .
قال السيد : عندما قال سيدنا عمر " أعلم أنك حجر " كان يشير إلى قول العلمانيين الذين لا يهتمون كثيراً باحترام النصوص المقدسة ثم إنه عندما قال : " ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك " كأنه يقصد الرد على أهل الهوى وأهل الزيغ وعدم الالتزام بالنص فقال بعد ذلك " ما قبلتك " ومعناها أنه رضي الله عنه تخلى عن علمه بأن الحجر لايضر ولا ينفع ولجأ إلى تغليب النص على العلم لأنه إن كان ذاعلم فإن فوق كل ذى علم عليم وإنى أقصد أن سيدنا عمر كان يقول للناس : أيها الناس إن بلغكم عن رسول الله ما صح نسبه إليه عليه السلام فلا يمنعكم جهلكم بالحكمة عن أداء الأمر لأن الله لم يعط علمه كاملاً لأحد فكل الخلق فوق بعضهم البعض فى العلم والله تعالى أعلى وأعلم .
وبعبارة أخرى لعل أمير المؤمنين كان يريد أن يقول أنى رأيت رسول الله يقبل هذا الحجر وهذا مبلغ علمي ولذلك فقد قبلته مكتفياً بالامتثال للأمر الأدائي لرسول الله .
أما من ناحية علمي فليس عندي من العلم ما يوجب أويحبب إلى تقبيله . ولو أتبعنا أهوائهم عما جاءنا من الحق فلن نفلح أبداً .
قلت : من هم يا مولانا فضحك الشيخ هذه المرة لأنه علم إنى أمزح وقال : العلمانيين طبعاً وإني أقول لهم ( أأنتم أعلم أم الله ) .
قلت : الآن فهمتهم ويصح لى بناء على ذلك أن أقول ( كبرت كلمه تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) .
عزيزي : أما وقد إستجليت من مولانا الحقيقة ووقفت منها على الرقيقة والدقيقة فادع الله معي لسيدنا بالصحة والعافية وطول العمر .

كيف ينصرنا الله ؟

عندما نهزم فإننا نقول : ( إننا نسينا الله فنسينا ) . . وعندما ننتصر فإننا نتصور ملائكه تحارب معنا . . ولأن لحظات الإنتصار قليله فإن جلد الذات بسياط التصير فى حق الله سبحانه وتعالى لاحد له ولا نهايه . . إن ذلك ما فسرنا به ما جرى فى هزيمة يونيو . . وتسليم بغداد . . وتفوق إسرائيل فى مجازرها الجماعيه .
لقد قال الله سبحانه وتعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " .
تقول الآيه الكريمه " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " . . نحن الذين نرهب . . فلو شاء الله سبحانه وتعالى : ( أرهب به عدوى وعدوكم ) .
وطالبنا الله إن نعد لهم ما إستطعنا : -
1-    من قوه . . أى الحد الأقصى من القوه .
2-    من رباط الخيل .
ثم أضافت الآيه الكريمه " ترهبون به " . . ولم تقل ( ترهبون بهما ) . . ولأن الضمير يعود على الأقرب فإن " ترهبون به " تعود على رباط الخيل وليس على القوه . . وكلمة رباط تعنى إستعداد . . يقول النبى صلى الله عليه وسلم : " إذا فتح الله عليكم مصر فإتخذوا منها جنداً كثيفاً فإنهم خير أجناد الأرض وإنهم وإهليهم فى رباط إلى يوم القيامه " .
إذن كلمة رباط تعنى الإستعداد . . وليس المقصود بالخيل البغال والحمير . " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينه " . معنى " رباط الخيل " هنا الإستعداد فالذى يرهب عدو الله وعدونا ليس القوه فى حد ذاتها وإنما الإستعداد . . فكثيراً ما كانت هناك أسلحه كثيره ضاعت علينا لإننا لم نكن نضيف إليها الإستعداد . . وعندما نقول ( أعدوا لهم ما إستطعتم من قوه ) فهذا يعنى السلاح الكثير والكثيف . . ولكن هذا السلاح يمكن أن يكون فى المخازن . . أما التدريب عليه وتطويره فهذا هو الإستعداد . . وكلمة الخيل هنا من الخيلاء والخيلاء هى الإعتزاز بالنفس والإيمان بالقضيه التى نحارب من أجلها . . أوهى بالتعبير العسكرى الحديث : الروح القتاليه . . أوالروح المعنويه . . لقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً فارساً مسلماً ممسكاً بدرعه مؤمناً بقضيته ويسير فى خيلاء . . فقال : " مشيه ممقوته إلا فى هذا الموضع . . موضع الذهاب إلى القتال . . هذا هو رباط الخيل " .
إن رباط الخيل هو الذى جعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكه يأمر المسلمين عند الطواف بالبيت الحرام بأن يكشفوا سواعدهم وأن يرملوا ( يجروا جرياً خفيفاً ) ويقول لهم : " رحم الله أمرأٌ أراهم اليوم من نفسه قوه ". . رباط الخيل أن تعتز بقضيتك وتؤمن بها إلى درجة الخيلاء . . إن الخيلاء ممقوته إلا فى الروح القتاليه المرتفعه . . لقد تصور المفسرون خطأ أن الخيل هنا الخيل التى نعرفها وقد راحوا يقيسون قوة المعدات الميكانيكيه الحديثه بقوة الخيل ( هورس بور Horse power  ) ليعطوا لأنفسهم تفسيراً عصرياً مناسباً . . وربما كان أكبر دليل على تفسيرنا هو ما جرى فى هزيمة يونيو وإنتصار أكتوبر ففى الحاله الأولى كنا قوه بلا رباط خيل . . وفى الحاله الثانيه كنا قوه برباط خيل . . وفى الحاله الثانيه كان هناك سلاح وتدريب راق عليه وحاله معنويه مرتفعه وقضيه نؤمن بها هى قضية تحرير سيناء من المحتل الإسرائيلى . . ويقول العسكريون تأكيدً لذلك : ( عرق التدريب يوفر دماء كثيره فى المعركه ) . . أما الروح المعنويه فيقول سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ " . فالروح المعنويه تجعل قوة الجندى بعشره . . ولكن دون روح معنويه يقول  الله سبحانه وتعالى : " الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " . فالمؤمن فى ضعفه ضعف الكافر وفى كامل قوته بعشره . . وفى كل الأحوال لا يوجد مؤمن يساوى كافراً . . يقول سبحانه وتعالى : "كم من فئه قليله غلبت فئه كثيره بإذن الله " . . المؤمن إذا غلب عاش كريماً وإذا بذل قصارى جهده ومات يكون شهيداً . . أما تفسير الآيه الكريمه : " ً وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " فمعناها أنه بعد القوه ورباط الخيل والقضيه العادله التى نكون فيها على حق لا على باطل وهذا يعلمه الله يكون النصر من عنده فإن وجدنا سبحانه وتعالى فى قوه ورباط خيل وعلى غير حق فلن ينصرنا . . ولو وجدنا فى قوه ورباط خيل وعلى حق فسوف ينصرنا . . " فالله لا يظلم أحداً " وأحد هنا تعنى المسلم وغير المسلم . وقد يهزم المؤمن إختباراً من الله سبحانه وتعالى ليبلوه . . أيشكر أم يكفر . . وقد يهزم المؤمن قصاصاً . . وقد يهزم للتعلم . . لتكون الهزيمه درساً ينتصر به ويفيده فى حياته . . كما حدث فى موقعة أحد . . عندما أمر النبى صلى الله عليه وسلم الرماه بألا يغادروا أماكنهم مهما حدث فلما رأى الرماه المعركه ينقشع غبارها سال لعابهم على الغنائم فتركوا أماكنهم مخالفين بذلك ما أمر به الرسول وإنصرفوا إلى الغنائم وهم لم يكلفوا بجمعها فالتفت سيدنا خالد بن الوليد – وكان يومها لم يدخل الإسلام بعد – وهاجم المسلمين وهزمهم . . ومعنى ذلك إن الإسلام إنتصر يوم أحد وهزم المسلمون . . حتى إنهم تدارسوا المعركه بعد إنتهائها وقال قائلهم : ما سبب الهزيمه ؟ . . أجاب مجيبهم : إن سبب الهزيمه مخالفة أمر رسول الله وهو القائد : هذا معنى إن الإسلام إنتصر لأن المسلمين هزموا للتعلم . . وبضدها تتميز الأشياء . . بمعنى ماذا لو خالف المسلمون أمر القائد وهو النبى صلى الله عليه وسلم ثم إنتصروا ؟ . .
لا شك أنها سوف تكون قاعده : إن طاعة الرسول لا لزوم لها لإنهم خالفوه وإنتصروا . و على ذلك فإن " وما النصر إلا من عند الله ( يسبقها ) " وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوه " . . و( بعدها ) " قاتلوهم يعذبهم الله بإيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفى صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم " . ووضع الإسلام بعد ذلك قواعد القتال والأسرى وعقد معاهدات الصلح . . حتى لا تكون هناك فتنه . . ولا حول ولا قوة إل بالله .

موقف المسلم من الكافرين والكفره ! !

" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون " . . . الآيه

بفرحة المؤمنين بالإصطفاء والذين أمنوا بالإجتباء التقيت بسماحة الإمام وحوله جمع كبير من الذين آمنوا حافين به كالنجم بالبدر أو كالجٌند بالعلَم . . .
السلام عليكم ورحمة الله . . . وعليكم مثل ما قلتم وبركاته .
قلت : سيدى الكريم . . . هل أرسل الرسول ( أى رسول ) لإبادة الكفار وإفناؤهم ؟ وهل الرسول يكره الكافرين ؟ فبادرنى سماحته قائلاً : يا بنى إن الرسول لم يرسله الله إلا رحمه لقومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى وعلى ذلك فالله لم يكره خلقه ولو كفروا فلما رأى ما بى لم يستوقفه إستغرابى .

قال : لو كان الله يكرههم ما أرسل إليهم صفوة خلقه ليعيدهم إليه بعد أن أضلهم أسوأ خلقه ولما أرسل إليهم مع رسوله الكتاب ولما خاطبهم بالعتاب ولما فتح لهم إليه أوسع الأبواب ولما فتح لهم أبواب الجنه ولآخذهم بالمظنه ولكن الحليم الكريم الغفور الرحيم الذى سبقت رحمته فى الدنيا غضبه فى الآخره والرسول يحمل معه مفتاح الجنه لمن أطاعه وعاد معه إلى الله فعندما يرسل الله رسولاً إلى قوم كافرين فإنه أمر من الله أن يعاملهم بالحسنى ويصبر على أذاهم ولا يحزنه قولهم ولكن يعز عليه كفرهم مع أن كفرهم لا يضر الله ولا رسوله والرسول ( أى رسول ) لا يقسو على غير المؤمنين ولو كفروا بل لو أدعى أحدهم الربوبيه فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) ولو إدعى أيضاً الألوهيه فقال : ( ما علمت لكم من إله غيرى ) وقد حدث ذلك مع سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما وعلى نبينا السلام عندما قال لهما رب العالمين : " إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " . . . منتهى الرحمه ولو كان الأمر أمر إباده لما جعل الله ذلك مهمة لرسوله فإنه سبحانه الأقدر على ذلك من الرسل وكان الأولى من ذلك كله ألا يخلقهم أصلاً أليس الله بقادر ؟ قلت : بلى سبحانه .

ثم إستطرد الإمام يقول : لو خلقناهم لرحمناهم ولكن الله خلقهم ولذلك رحمهم ولذلك أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين وخلق الجنه وحسنها وطيبها وزينها للعائدين منهم إليه الراغبين فيما لديه وبعد إتباع النبى أوالرسول فتح الله باب المغفره لمن أذنب والتوبه لمن أخطأ وجعل الشفاعه بأنواعها للعباد ولمارأى الحاضرون الشيخ مسترسلاً فى العجائب مسهباً فى الغرائب صمتوا صمتاً رهيباً كأنما الطير حطت فوق رؤسهم لا خوف مكر ولكن خوف إجلال حتى حبست منهم الأنفاس آملين فى الفوز بالإقتباس وتوقفت فى أيديهم المسابح حتى قطع الصمت صائح يقول : صلوا على رسول الله التفت إليه الأمام وقال لأنه صلى الله عليه وسلًم الرحمه المهداه من الله فإنه يستحق الصلاه عليه من الله وملائكته والمؤمنين , ألم يقل عنه ربه : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
ثم سأله أحد الحاضرين قائلاً : هل هناك فرق بين الكفار والكافرين ؟

قال سماحته وأيضاً الذين كفروا والكفره .

فالكافرون لم يدخل الإيمان قلوبهم بعد ولذلك يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم : ( قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ماتعبدون ) . إلى أن قال سبحانه وتعالى ( لكم دينكم ولى دين ) أما الذين كفروا فهم الذين خرجوا من النور إلى الظلمات وهم خلاف الذين آمنوا الذين أخرجهم الله من الظلمات إلى النور . قال تعالى : ( الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوللؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات )
أما الكفره فإنهم الذين لم يؤمنوا ولن يؤمنوا وهؤلاء قال عنهم ربنا : ( أولئك هم الكفرة الفجره ) .
وبقى أن نعرف الكفار وهذه كلمه جامعه تقع فى السياق فتعطى المعنى ثم تقع فى سياق آخر فتعطى معنى آخر مثل قوله تعالى : ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) هذا مفهوم حسب السياق القرآنى العجيب يفيد الكفر بمعنى الضلال .
أما قوله تعالى : ( يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) . فهذا مفهوم يفيد غير ذلك وغير هذا وذاك والسؤال : هل بعث الله الرسل للقضاء على أهل الكفر ؟ طبعاً لا هذا هو الجواب كما يسألنى أحدكم : هل جعل الله الطبيب للقضاء على المرضى ؟ أقول أيضاً لا ولكن الرسول طبيب قلوب وأرواح إنما يبعثه الله للقضاء على الكفر فيسلم الكافر منه كما جعل الطبيب للقضاء على المرض فيسلم المريض منه والسؤال أليس من المناسب واللائق والمعقول أن يكون الدين عند الله الإسلام ؟
والسلام عليكم

تجارة الفتنة الرائجة بضاعتها إرهاب المسلم للمسلم

إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الرحمة فى قلبه حتى لا يكون قاتلاً للكفار أو مخرباً لبيوتهم أو مدمراً لممتلكاتهم  أو مذلاً لكرامتهم فهل يعقل أن يكون ذلك مباحاً بين المسلمين؟.. هناك نوعان من الإرهاب : ((  نوع يمارس ضد المسلمين .. ونوع يمارسه المسلمون )) .. النوع الذى يمارس ضد المسلمين نوع عتيق.. بدأ على يد المشركين الأقوياء منذ كانت الدعوة الإسلامية فى مهدها.. تحتاج إلى رعاية وحماية.. وقد أخذ هذا النوع من الإرهاب فيما بعد صوراً مختلفة.. حروباً صليبية.. فتناً طائفية.. بعثات تبشرية.. وفروقاً عنصرية وتفرقة دينية.

 وقد كان على المسلمين الرد على ذلك كله بالتلويح بالقوة قبل إستخدامها حقناً لدماء المشركين قبل المؤمنين.. فالمشرك اليوم هو مشروع مؤمن غداً.. فالإسلام أرسل للعالمين لا للمسلمين.. وهو ما فصلناه وشرحناه من قبل.. أما النوع الأخر من الإرهاب الذى يمارسه مسلمون ضد مسلمون يبدأ بالتكفير وينتهى بالتدمير والتفجير.. إن الذين يمارسون هذا النوع الخطر من الإرهاب يبدأون بإصدار الفتاوى التى يكفرون بها غيرهم من المسلمين.. وهم يختارون آيات من القرآن يفسرونها على هواهم  لتبرير ما يفعلون يقول سبحانه وتعالى (( وقاتلوهم حتى لا تكن فتنة ويكون الدين كله لله )) أنهم يستخدمون هذه الآية الكريمة لإتهام المسلمين بالنقض فى دينهم.. ومن ثم وجب قتالهم.
 يرد الله سبحانه وتعالى عليهم : (( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)).. إن الله سبحانه وتعالى ينبهنا إلى وجود مسلمين جعلوا رزقهم قائماً على التكذيب والتكفير وإثارة الفتن.. وفى البخارى : (( سيخرج فى أخر الزمان أناس حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون بقول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ومن قتلهم كان بالله أولى منهم )).
 إن هذه الآية وهذا الحديث يتحدثان عن أناس  داخل الإسلام وليسوا خارجه.. وهذا هو إرهاب المسلم .. أو هو بدقة إرهاب من يدعى الإسلام على المسلمين .. إنه يبدأ بإخراج المسلم من الإسلام فيدعى أن إسلامه ((دينه)) ناقص.. أما إذا كان المسلم حاكماً فيخرجه من الإسلام بثلاث آيات موجودة فى سورة المائدة ينزلهن فى غير موضعهن ويتقول على الله بغير الحق .. فى قوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) وفى قوله تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم فاسقون )) وفى الآية الثالة (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )).
 يستخدمون هذه الآيات فى تكفير الحاكم أولاً ثم يكفرون الرعية التى تأتمر بأمره ثم يستخدمون الحديث فى غير موضعه فيدعون أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بقتل المسلمين.. ولكن.. كيف يكون القتل فى القول الشريف (( فإذا لقيموهم فاقتلوهم؟ )) .. إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول (( إذا التقى المؤمنان "المسلمان" بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار)).. قالوا : عرفنا القاتل فما بال المقتول؟)).. فقال صلى الله عليه وسلم: (( إنه كان حريصا على قتل صاحبه )).. ويقول صلى الله عليه وسلم : (( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )).. وقال فى حجة الوداع : (( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة بلدكم هذا فى شهركم هذا فى يومكم هذا )).. إذن الرسول لم يقصد القتل بالمعنى المادى المعروف (( قتل المسلم للمسلم بالسيف )) ولكن قصد القتل بالحجة.. يقتله علماً وحجة ويقدم الدليل على ضعف تفسيره فيقطع رزقه الذى يتكسبه من الفتنة فإذا انقطع رزقه ماتت الفتنة.
 وهناك فرق بين القتل والقتال.. قال تعالى : (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين)).. فلو كان القتال يعنى القتل فكيف يمكن الإصلاح بين القتلى؟.. (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم )).. فأخلاق المسلم تكره القتال إلا أن يكون القتال فى حدود رد المظالم وفى حدود نصرة الدين ولا يتعدى ذلك.. يقول سبحانه وتعالى : (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين )).. إن كلمة ((فاءت)) تعنى عادت إلى رشدها.. ومن ثم لايمكن للطائفة الباغية أن تفىء إلى رشدها بعد قتلها.. ومن ثم القتل يعنى الموت.. أما القتال فيعنى الإستعداد للقتل ((اقتتلوا)) هنا يعنى أوشكو على القتال.. ((فاصلحوا بينهما))..تعنى أزيلوا سبب الخلاف.. ومن ثم فالقتل الذى يعنيه الرسول هو القتل بالحجة.. (( قاتلوهم حتى لا تكون قتنة)).. أى أقنعوهم بالحجة حتى تنتهى الفتنة حتى تطفئوا الفتنة.. والقتال هنا مثل العملية الجراحية التى يلجأ إليها الطبيب عندما يعدم حيلة للعلاج.. لكنه لا يتجاوز  الجزء المصاب.. ومن ثم فإن معرفة الدين معرفة صحيحة على هذا النحو هى أول الطريق للتخلص من الأرهاب الذى يمارسه من يدعى الإسلام على غيره من المسلمين.
 وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم اعطى الرحمة فى قلبه حتى لا يكون قاتلاً للكفار أو مخرباً لبيوتهم أو مدمراً لممتلكاتهم أو منتهكاً لأعراضهم أو مذلاً لكرامتهم.. فهل يعقل أن يكون ذلك مباحاً بين الملسمين؟.
 إذن عندما ترد كلمة ((قتال)) بين مسلم ومسلم فليس معناها قتل وإنما تعنى تدخلاً للفصل بين القوات المختلفة المتصارعة والمتصارعة لفرض الحق بالقوة سواء قوة السلاح أو قوة القانون أو قوة السلطة.. لكن.. هذه القوة مهما كان نوعها لا يمكن أن تصل إلى القتل.. لقد عاقب الإسلام على القتل الخطأ.. فكيف يكون من طبعه القتل العمد؟.
 يقول النبى صلى الله عليه وسلم : (( ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذىء )).. فهل يكون المسلم إرهابياً.. بلطجياً.. سفاحاً.. قاتلاً؟.. إذ كان النبى منع استخدام اللسان لايذاء الآخرين بالقول.. فهل يسمح باستخدام السلاح ضد المسلمين فى أموالهم وحياتهم وأعراضهم؟.. الإجابة معروفة.
 ولا جدال أن الإرهاب الداخلى بين أبناء الدين الواحد ظاهرة تتجاوز المسلمين إلى اتباع الديانات الأخرى.. وهو بلاشك لا أساس له ولا منطق سوى سوء التفسير.. فليس هناك دين سماوى يحرض على قتل أبنائه ولا غيرهم.. هذه هى القاعدة المتينة التى يجب الإرتكان إليها قبل أى شىء أخر.. وما بعد ذلك يسهل تفنيده..
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عميان يصفون فيلاً . . وعميان يفسرون القرآن

بعض الناس يقرآون القرآن وكأن هناك من يطاردهم بسكين حاد . . قراءه متعجله . . تنتهى بمعان كتسرعه . . وفتاوى خاطئه .
هناك مثلاً من يفسر آية " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " على أن كل أسم بمثابة إله مستقل . . وكأن هناك 99 إلهاً . . لذلك يضيف سبحانه وتعالى : " وزروا الذين يلحدون فى أسمائه " .
إن السرعه فى قراءة كتاب الله والسرعه فى تفسيره تفقد الإنسان تركيزه . . فيصعب عليه التوصل إلى المعنى الحقيقى .
والحقيقه أن معانى القرآن تحتاج إلى إتساع مدارك المسلم . . وهو ما يتفق مع ظاهر الإنسان . . وطبيعته . . الإنسان يحتاج إلى عين ليرى الألوان . . وإذن لتسمع الأصوات . . وطعم كى يتذوق الطعام . . وأنف لكى يشم الرائحه . . فمن يفقد حاسة الشم لا يستطيع أن يتخيلها . . ومن ضاعت منه نعمة البصر لا يستطيع أن يميز الألوان . . وهكذا .
بالنسبه للقرآن . . نادراً ما نجد شخصاً يتمتع بكل المدركات التى تؤهله كى يتناول عظمته . . عظمة القرآن فيه صوت لن يُسمِعْ من لا يتمتع بحاسة السمع . . وفيه لون سيغيب عن غير المبصر . . ورائحة لن يتوصل إليها فاقد الشم . . أما الذى يتمتع بكل هذه المدارك فيسمى صاحب المرتبه المرتفعه . . ففوق كل ذى علم عليم .
والخطر أن يتصور من يسمع فقط أنه يرى أيضاً ويتصرف على أنه مبصر . فيصف ما لم ير. . ويعترض على ما يراه المبصرون . . وهكذا .
ومن يعطيه الله نعمة البصر وهو يقرأ القرآن فقد فتح عليه باباً للعلم . . ومن يعطيه نعمة البصر والسمع وهو يقرأ القرآن فقد فتح الله عليه بابين للعلم . . ومن يعطيه نعمة البصر والسمع والشم وهو يقرأ القرآن فقد فتح عليه ثلاثة أبواب للعلم . . وكلما زاد عدد الأبواب التى يفتح الله علينا ونحن نقرأ القرآن كلما أصبحنا فى مرتبه أعلى من العلم . . وفى تفسير الآيه نفسها .
آيات القرآن مثل الفاكهه يمكن أن أرى شكلها وأتذوق طعمها لكن لا أشم رائحتها ولا أرى لونها . . فمهما قلت فى شرحها فلن أصل إلى سرها وجوهرها . . والذى لديه الإلمام الكامل بالفاكهه هو الذى أعطاه الله كل الحواس ليتعامل معها . . لو كانت حواسه نافصه كان إلمامه غير مكتمل مهما تصور نفسه .
الدين مثل الفاكهه . . كل عالم له رتبه فى تذوقها وشمها ورؤيتها . . وفوق كل ذى علم عليم . . ومن هنا لا مبرر لمن يعافر فى أشياء ليست له . . وفى تفسيرات لا يقدر عليها . . ولم يمنحه الله القدره والرتبه عليها . فمن لا يرى يجب أن يعترف بأنه أعمى . . قاصر فى الرؤيه . . لكن . . ذلك لا يحدث عادة . . بل يحدث العكس . . حيث يصدق المثل القائل : " من سمع كذّب من رأى " .
يقول سبحانه وتعالى : " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولاً " . . والمعنى أن هناك من أخذ البصر فقط . . وهناك من أخذ السمع فقط . . وهناك من أخذ أكثرأوأقل . . حسب قوله سبحانه و تعالى : " نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم " .
المعروف أن المكعب له ستة أوجه لكن عندما تنظر إليه من أية زاويه لا ترى سوى ثلاثة أوجه فقط . .
مسقط أفقى ورأسى وجانبى . . فهل ما نراه من المكعب فقط هو كل ما فيه ؟ . . هل أقتنعنا بأننا لا ندرك الأمور كامله ؟ . . هل هذا يعلمنا التواضع ونحن نقرأ ونفسر كتاب الله ؟ .
إن منتهى العلم بالنسبه لنا فى الغالب هو نصف العلم . . فهناك أمور تظل باطنيه . . لاتراها العين . . مثل المساقط الثلاثه فى المكعب التى لا نرى سواها . . وعندما يسمع موسيقار مقطوعه ما قد يرى فيها من الإبداع أو من التخريف ما لا يراه المتلق العادى غير المتخصص . . وعندما يتفرج ناقد فنى متخصص على لوحه سيرياليه سيكتشف فيها ما لا يكتشفه المتفرج العادى الذى لا يرى فيها سوى شخبطة ألوان .
ولوكانت الرسومات والموسيقى تخضع لقانون الرتبه الأعلى فى العلم فما بالنا بالقرآن . . لابد أن يغيب فهمه عن رتبة العلم الأدنى .
فشرحه مثل شرح عميان يصفون فيلاً . . كل منهم يصف ما طالت يداه . . فلو طالت يد أحدهم ظهره قال : أنه منحن . . ولو طالت يد آخر ساقه قال : لا بل هو طويل . . وهكذا نجد أن كل أوصافهم وآرائهم متناقضه وفى الوقت نفسه صحيحه فى حدود قدرتهم المحدوده وإن كانوا فى النهايه قد عجزوا عن بيان لونه ووزنه وجنسه وعمره . لكن . . الفرق بين هؤلاء العميان وبين العميان الذين يفسرون القرآن أن عميان الفيل لا يكذب بعضهم البعض . . فهم يعرفون أنهم لا يعرفون كل شىء . . أما عميان القرآن فيكذب كل منهم الآخر . . فكل منهم يعتقد أنه وحده المبصر .
يقول سبحانه وتعالى : " لا يستوى الأعمى والبصير " . . والمقصود . . أن درجات العمى لا تتساوى . . ودرجات الإبصار لا تتساوى . ويقول سبحانه وتعالى : " ولا الظلمات ولا النور " . . والمقصود . أن درجات الظلام غير متساويه . . ولا درجات النور . . يقول سبحانه وتعالى : " ولا الظل ولا الحرور " . . والمقصود . . أن درجات الظل غير متساويه . ولا درجات الحراره . . ويضيف سبحانه وتعالى قائلاً : " ولا الأحياء ولا الأموات " . . والمقصود . . أن كل الأحياء غير متشابهين . . فهناك أغنياء وفقراء . . ملوك وصعاليك . . ومثقفون وأميون . . وكذلك لا يتشابه الأموات فيما بينهم .
لو قلنا هذا المعنى فإن هناك من يتهمنا بالخطأ فى التفسير . . ويصر على تفسيره الذى توصل إليه . . إنه مثل الذى يصر على أنه لا يوجد سوى التفاح الأحمر . . لأنه لم يرتفاحاً أصفر ولا أخضر .
إن العلم علمان . . علم دراسه وعلم وراثه . علم الدراسه يسمى العلم الميت . . فهو ينتقل من علماء ماتوا إلى علماء على قيد الحياه . . علم ميت عن ميت عن حى سيموت . . أما علم الوراثه فهو علم يقول عنه سبحانه وتعالى : " ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " .
إن علم الوراثه هو هبه من الله . . منحه منه سبحانه وتعالى يمنحها لمن يشاء من عباده الذين إصطفاهم سواء كان ظالم لنفسه أو مقتصداً أو سابقاً بالخيرات . . فالله أعلم منا بالبشر وبأنفسنا .
ويقول النبى الكريم : " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " . . فعندما نعمل بما تعلمناه فى الدراسه يمنحنا الله علماً لم نتعلمه فى الدراسه . .
نتعلمه فى المهنه والخبره والموهبه .
ولا جدال إن إخضاع الدين للمنطق على طول الخط خطأ وإلا كانت تفسيراتنا للقرآن متضاربه وربما متناقضه . . الدين لا يخضع للمنطق على طول الخط . فالإيمان هو إيمان بما وراء المنطق . . إيمان بالغيب والملائكه والكتب والرسل واليوم الآخر . . لكن . . فى الوقت نفسه فصل الدين عن المنطق ينتهى عاده إلى الشعوذه .
وبين المنطق الضرورى وعدم الإغراق فى المنطق إلى درجة نسيان الإيمان نجد درجات العلم الإلهى التى يمنحها الله من يصطفى من عباده كما يشاء وهو ما يجعلنا نقول ونكرر إن فوق كل ذى علم عليم . . لكن أغلب الناس لا يعلمون . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

العباده بالنوم

الحمد لله رب العالمين أرحم الراحمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين

وبعد

فإن الله تعالى فرض الإسلام مبنياً على أركانه الخمسه وجعل أيسر الأركان أولها وأعلاها وأهمها وهو ركن الشهادتين وهذا الركن قائم على الكلام , يجب بالكلام ويصح بالكلام وكأن الكلام كله تجمع فى كلمتين أوعبارتين أوشهادتين كل منهما يتكون من أثنى عشر حرفاً لا إله إلا الله محمد رسول الله .

ثم الركن الثانى وهو الصلاه جعل الكلام فيه سراً وجهراً ويفسده أى كلام خارج عن الصيغه الشرعيه والكلام شرع وهو القرآءه . الركن الأول لا يؤدى أثناء النوم والركن الثانى يفسده النوم والزكاه هى الركن الثالث غالباً لا يؤدى أثناء النوم والركن الخامس وهو الحج لا يمكن أن يؤدى أثناء النوم أما الركن الرابع وهو الصوم فمن الغريب أنه يؤدى أثناء النوم حتى لا نظن به الظنون ونلفق به التهم ونتجنى على كرمه ونقول أرهقنا الصيام وضيق الصيام علينا فأى عباده هذه التى لا يفسدها القيام أوالنوم أى يؤديها الإنسان وهو نائم مستغرق معطله حواسه لا يشعر بشىء وقد رفع القلم عنه فهو أحد الثلاثه الذين رفع الله عنهم القلم " النائم " وإى عباده هذه التى تتجاوز عن السهو والخطأ إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً وأى عباده هذه التى ترفع عن صاحبها إذا كان مريضاً أومسافراً وعن الحُيّضْ والنفساوات وأى عباده هذه التى جعلت بهذا الكم الهائل من الكرم فلا تفسد بأى كلام مباح ولا تفسد بنوم ولا يشترط لها جهه ولا هيئه ولا أى نوع من المشقه وتؤدى أثناء فقد الإنسان لقدراته بالنوم .

عزيزى القارىء أليست الحكمه قد وضحت من قول الله تعالى أن كل عمل إبن آدم له " أى يؤديه بمجهوده وحركته وإتقان أداؤه بقدرته " إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به فمادام الإنسان لا يؤديه فمن الذى يؤديه " ؟ .

عزيزى القارىء أكاد أقول أن الله فرض الصيام علينا ويؤديه عنا ويعطينا أجره فرمضان إذن شهر الكريم وهو الله فإذا قيل لمن رمضان ؟ نقول رمضان كريم .

وكل عام ونحن فى ظل الكريم عسى أن نتعود الكرم مره أخرى كل عام وأحباب رسول الله فى خير والإسلام فى عزه والله كريم .

ولا حول ولا قوة إلا بالله

الصيام والصوم

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )

صدق الله العظيم
( فإما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً )
صدق الله العظيم

بفرحة الصائم بفطره والروض بعطره والسماء بقطره التقيت بسماحة الإمام وبعد رد السلام.

قلت : سماحة الإمام . . . . إن كل أبنائك من الصوفيه يتقدمون لسماحتكم بأرق التهانى والأمانى بحلول شهر رمضان الكريم .
فقال سماحته : أحياكم الله جميعاً إلى كل عام .
قلت : سيدى الكريم كل الناس يسألون سماحتكم عن الصيام وما وراء ذلك من أحكام فهل سأل أحد سماحتكم يوماً عن الصوم ؟ أم أن الصوم هو الصيام والصيام هوالصوم أم أن للصوم قوم وللصيام أقوام ؟
فضحك سماحته وقال على وزن للتين قوم وللجميز أقوام ثم أسترسل ســماحته يقول : لاشك أن الصيام شىء والصوم شىء آخر فالصيام هو المكتوب على المؤمنين فريضه
( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) وأما الصوم فهو ما زاد عن الصيام فى الكيفيه والمعنى والمضمون والنتيجه ثم نظر إلىّ سماحته فرآنى واضعاً يدى على فمى وقد أتسعت عيناى إستغراباً .
فقال : هكذا أنت يا ولدى تسأل السؤال وتستغرب الإجابه .
قلت : بل غالباً ما تدهشنى إجاباتكم كما أدهش الله نبيه زكريا عليه السلام إذ سأل زكريا ربه ولداً وأعلن علمه بإنتفاء المقومات وعندما بشره الله بالولد قال ( أنى يكون لى ) فلعلها يا سيدى دهشة من يجد المستحيل فى لحظه أصبح أيسر الممكنات فلا تؤاخذنى ولا يقطع جهلى إسترسالك .
قال سماحته : أنت تعلم أويجب أن تعلم أن الفرائض ديون على العباد ويحب الله من العباد قضاء ديونهم أما النافله فهى إستثمار يزيد عن الدين وهو من جنسه والله يحب العبد إذا تقرب إليه بالنوافل .
فالصيام فريضه كتبت علي الأمم السابقه كما كتب على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم وأما الصوم فلم يكتب على الأمم السابقه بل كان نافلة للخواص من عباد الله أنظر إلى قوله تعالى مخبراً عن السيده مريم عليها السلام : ( فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً ) والنذر ليس فريضه فلا يصح أن تقول إنى نذرت صيام رمضان لأنك مكلف به فإن صمته نجوت من الحساب وإلا فالعقاب العقاب وأنظر أيضاً  إلى قول الله مخبراً عن زكريا عليه السلام : ( قال رب إجعل لى آيه . قال آيتك ألا تكلم الناس ) وحددها الله بثلاث ليال أوثلاث أيام وجعل الكلام بالرمز إستثناء فقال : ( إلا رمزاً ) .
وعندما يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم : " يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءه فيتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم يقصد صوم المكتوبه بل صوم النافله .
قلت : هل يمكن أن يبجتمع الصوم والصيام ؟
قال سماحته : نعم .
قلت : زدنى .
قال السيد : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش معناه أمسك فقط عن الطعام والشراب ولم يراع الأصول الأخرى ويسمى هذا صيام العوام إذن فهو صيام فإذا صام المؤمن عن الطعام والشراب وعن كل شىء عدا ذكر الله فهذا يكون صيام الخواص كما أطلق عليه العلماء ذلك وفى إعتبارى أن هذا النوع هو المرحله الإنتقاليه من الصيام إلى الصوم .
قلت : هل من نوع ثالث ؟
قال الإمام : النوع الثالث هو الإمساك عن الطعام والشراب والإعراض عن كل ماسوى الله وهذا مقام يكون العبد فيه فى مقام المخاطبه والمشاهده أى فى مقام الإحسان ويسميه العلماء صيام خواص الخواص وفى إعتبارى أن هذا هو الصوم ومن هنا يمكننا القول أن الإمتناع أوالإمساك أدناه الصيام وأعلاه الصوم وقد كتب الله على الأمه أدنى إستطاعتهم وهو الصيام وترك لهم ميدان التسابق والتنافس والقرار مفتوحاً .
-      ( فإستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً ) .
-      ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون )
-      ( ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ) .
وكما تعلم أن "الوسع" "هو أدنى الإستطاعه وأقل الطاقه" والله برحمته لا يكلف نفساً إلاوسعها فمن تذوق حلاوة الطاعه فإنه يسعى إلى الإستزاده منها ومن لم يتذوق حلاوتها فإنه يؤدى ما كتب عليه وكأنه يتجرعه ولا يكاد يسيغه ولذلك ترك الله الباب مفتوحاً للراغبين فى التقرب إليه المحبين للقاؤه على موائد طاعته الآملين فيما عنده المستغنين به عن غيره المعرضين عن كل ما سواه الصوامين نافلة تقربهم إلى ربهم وتؤدى بهم إلى حبه لهم فإذا أحبهم كان سمعهم الذى يسمعون به وبصرهم الذى يبصرون به وأيديهم التى يبطشون بها وأرجلهم التى يمشون بها ولئن سألوه لأعطاهم وإن إستعاذوا به لأعاذهم وما تردد الله عن شىء هو فاعله تردده عن نفوسهم فإذا كرهوا الموت كره الله مسائلتهم وحاشاهم ذلك فهم المحبون للقاء الله .
قلت : سيدى الكريم لقد علمت أن فوق كل ذى علم عليم والله أعلم ورمضان كريم

صيام الصابرين وصيام الراضين وصيام الشاكرين
 
* ما أن يأتى شهر رمضان حتى تخمد أنفاس غالبية الصائمين . . ويسيطر عليهم الوخم . . ويتكاسلون عن العمل . . وتظهر عليهم أعراض التوتر . . وتضيق مشاعرهم . . كأنهم فى كرب كئيب . . لا يخرجهم منه سوى مدفع الإفطار .
* إن هذا النوع من الصيام يسمى صيام الصابرين . . الذين يتعاملون مع تكليف : " كتب عليكم الصيام " . . وكأنهم يسمعون آية : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " . . فصيامهم على مضض . . مجبرين عليه . . وكأنهم فى قرارة أنفسهم يتمنون أن يلغى الله تلك الفريضه الصعبه عليهم .
* ولو كان ذلك النوع من الصيام يخص عامة الناس فإن النوع الثانى يسمى صيام الخواص أوصيام الراضين . . وهم لا يتذمرون من الصيام . . ولكن . . لو خيروا بين بقاؤه وإلغاؤه لإختاروا إلغاؤه . . والفرق بينهم وبين الصابرين هو أنهم لا يعلنون شكواهم من الصيام . . ويخفون تبرمهم منه .
* أما النوع الثالث من الصيام . . صيام خواص الخواص . . فهو صيام الشاكرين . . وهنا نتوقف قليلاً عند قوله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " . وليس المقصود أننا نصوم كما كان يصوم من قبلنا . . ولكن . . المقصود أن الصوم فريضه لسنا أول من كتبت عليهم . . فمبدأ الصيام وهو الحرمان من شىء ما واحد . . بغض النظر عن إختلاف القواعد والتوقيت .
* وتضيف الآيه : " أياماً معدودات " . . أى هناك توقيت محدد . هو شهر رمضان . . لا يجوز تأجيله أو تقديمه .
* ويضيف سبحانه وتعالى : "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " . . ومعنى أن الله يتوجه بدعوة الصيام للذين آمنوا فإن من يستجيب لها عليه أن يشكر الله لإنه إحتسبه من المؤمنين . . وعليه أن يشكره أيضاً لأنه ليس مريضاً كى يعفيه منه . . وهى شهاده على الصحه . . وعليه أن يشكره كذلك لأنه يقيم وسط أهله وناسه ومن يحب . . وليس على سفر . . بكل ما فى السفر من متاعب فى الغربه . . ومن ثم فإن كل لائق للصيام عليه أن يشكر الله لوصفه بالمؤمن ولتمتعه بنعم الله لا أن يتبرم منه .
* لذلك يقول سبحانه وتعالى : " وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " . . وفى موضع آخر : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العده ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون " . . ومن الكلمه الأخيره جاء وصف صيام الشاكرين . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 تحريم الدعاء فى ليلة النصف من شعبان حرام !

وقد تغيرت القبله فى ليلة النصف من شعبان . . كان الرسول يصلى بالمسلمين صلاة العصر فى مسجد القبلتين ( وهو مسجد لايزال قائماً فى المدينه ) عندما إستدار ليغير قبلته ناحية المسجد الحرام .

وتثير ليلية النصف من شعبان جدلاً حولها . . فهناك من الشيوخ الأفاضل من يقول إن الدعاء فيها لم يرد عن الرسول ومعنى هذا أن الدعاء فيها لا يقبله الله . . وهو أمر يثير الدهشه بقدر ما يثير الإستغراب . . فالرسول لم يقل : " يارب إمنحنى سياره آمنه " . . فهل لايصح أن أطلب ذلك من الله ؟ .
إن الدعاء مفتوح . . ومباح . . وطالما أن الداعى يقول :" اللهم " فلا حرج عليه . . بل إن الدعاء واجب عليه .
وفى دعاء النصف من شعبان نقول لله : إن كنت كتبتنى شقياً أومحروماً فامح بفضلك شقاوتى وحرمانى وأكتبنى عندك سعيداً مرزوقاً . . ويقول المعترضون إن هذا عيب أن نقول ذلك إلى الله . . ولو صح أدعاؤهم فإن الإستغفار لا داعى له . . فالإستغفار طلب من الله بمحو ماكتبه علينا من ذنوب . . وهو أمر يسير عليه . . إن المهم هنا هو أن يقول الداعى " اللهم " . . فسبحانه وتعالى يقول : " وقال ربكم إدعونى " . . أما كون الله يستجيب أولا يستجيب فهذا شأنه . . فإذا دعونا الله فإنما نؤدى فريضه ( الأمر الإلهى يقول إدعونى ) أما إستجابة الدعاء فليست فرضاً على الله .
يا ليت الساده العلماء يهتمون بشروط الوجوب والصحه فى العبادات ويتركون شروط القبول والرفض . . فلا شأن لهم بها . . عليهم أن يقولوا لنا متى تجب الصلاه ؟ . . وكيف تكون الصلاه صحيحه ؟ . . وليس عليهم أن يقولوا كيف تقبل الصلاه ؟ . . فهى على الله .
هناك أوقات للصيام وأوقات يحرم فيها الصيام ( أيام العيد وليلة الشك ) وأوقات مفروضه للصلاه وأوقات تكره فيها الصلاه ( وقت الشروق والغروب ) ولا يصح الحج إلا يوم عرفه . . أما الدعاء فمفتوح طوال العام وفى أى زمان ومكان . . ومن ثم فإن الإختلاف على ميقات الدعاء يعد باطلاً . . ولو كان الإختلاف على النص فهو أيضاً باطل . .
ومن شروط الصحه أن تقصد الله بالدعاء . . أما كونه مقبولاً أومرفوضاً فهذا ليس شأن أحداً من خلق الله . . يا خلق الله خلوا بين الله وعباده .
لقد أعجبنى قول رجل بسيط عندما سئل عن دعاء النصف من شعبان . . قال : لماذا ترفضونه ؟ . . قيل له : لأن غالبية الناس لايدعون الله إلا فى هذا اليوم . قال : ليكن . . فلو فتح الله فيه على عباده بالدعاء فلماذا تريدون حرمانهم منه ولو كان يوماً واحداً فى السنه . . قالوا : يجب الدعاء طوال العام . . قال : لو كنا ندعو الله طوال العام فلماذا نتوقف فى ليلية النصف من شعبان ؟ .
وبالمناسبة فإن نص دعاء ليلة النصف من شعبان هو : " اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه . . ياذا الجلال والإكرام . . اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقياً أومحروماً أومطروداً أومقتراً على فى الرزق فأمح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى وأثبتنى عندك فى أم الكتاب سعيداً ومرزقاً موفقاً للخيرات فإنك قلت وقولك الحق فى كتابك المنزل على نبيك المرسل " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم أن ترفع عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم إنك أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم " .
إن ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير . . من قبلة المسجد الأقصى إلى قبلة المسجد الحرام . . من الحسن إلى الأحسن . . ومن ثم فالدعاء فيها رغبه فى التغيير من السىء إلى الأحسن . . فلماذا يضيق علينا بعض الشيوخ بتحريم الدعاء فى هذه الليله . . لماذا يضيقون ومن ضيق علينا ضيق الله عليه ؟ . . لماذا يعسرون ومن عسر . . عسر الله عليه فى الدنيا والآخره ؟ . . وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله

ليلة النصف من شعبان
الحمد لله رب العالمين بيده الأمر وإليه المصير يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وبعد . فإن ليلة النصف من شعبان اختلف حولها العلماء وغير العلماء خلافاً لا مبرر له فمن قائلاً يُجب ومن قائلاً لا يُجب ومن قائل بالحل ومن قائلاً بالحرمة ومن معترض على الدعاء فى حد ذاته ومن معترض على ما جاء فى الدعاء من النصف من شعبان وخروجاً من الخلاف نقول إن من يدعو فى هذه الليلة لا يطلب من آله آخر وإنما يطلب من الله وأما الخلاف حول ما جاء فى مضمون الدعاء المتواتر أو المتفق عليه أو المقبول لدى العامة نرى إن من حق العبد أن يطلب من سيده المعقول وغير المعقول وما يرى لازماً لحياته فى الدنيا والآخرة وعلى الله القبول أو عدمه وكل شئ يطلبه العبد من الله لا يقع تحت دائرة المستحيل فسيدنا موسى عليه السلام طلب أن يرى الله بعينى رأسه وهو يعلم أن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ولم يُخطئ سيدنا موسى فى طلبه بأن طلب الممكن وكل شئ تحت القدرة الإلهية هو عين الممكن ولو رأى الناس أنه مستحيل فلا مستحيل على الله ولا يوجد أوقات يمنع فيها الدعاء مع أنه توجد أوقات تُمنع فيها الصلاة كوقت الشروق والغروب وأوقات يُمنع فيها الصيام كليلة الشك والعيدين وأوقات يُمنع فيها الحج وهو طول العام ماعدا يوم عرفة وهكذا إلا أن الدعاء لا يوجد أوقات يُمنع فيها وجميع الصيغ التى يدعو بها العبد ربه لا حرج عليه فيها مع حسن الظن بالله وأفضل الأوقات للعبد هى التى يوفق فيها إلى دعاء ربه وأفضل الصيغ هى التى يُلْهم بها العبد من ربه ولى رجاء أن نترك الأمر لله ونخلى بين الله وعباده ولا نسد المنافذ على الناس فإلى الله تُرجع الأمور وإليه يرجع الأمر كله وكل عام وأنتم بخير .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

ركب النبي البراق ليخفف من سرعتة لا ليزيدها !

هناك  إجتهادات شائعة تحتاج إلى إعادة نظر . منها حقيقة مهمة البراق الذي ركبه الرسول عليه الصلاة والسلام في الإسراء الذي نحن في حضرته .. التفسيرات الشائعة أن النبي صلى الله عليه وسلم  ركب البراق ليزيد سرعته في السفر من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. والحقيقة أنه ركب البراق ليخفف من سرعته . إن النبي صلى الله عليه وسلم  عندما يتكلم مع الصحابة يكون في حالته البشرية وعندما يتكلم مع الوحي ( جبريل عليه السلام) والملائكة يكون في حالته النورانية .. يقول سبحانه وتعالى عنه : " قد جاءكم من الله نور" .. والنور هو الضوء .. وسرعة الضوء مذهلة .. لو قلنا إنها في الحد الأدني تزيد على 300 ألف كيلو متر في الثانية .. ولو قلنا إن المسافة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى لا تزيد على ألفي كيلو متر في حدها الأكبر .. يكون من الصعب تحديد الزمن .. جزء ضئيل جدا يكاد لا يذكر من الثانية .. ربما جزء ضئيل جدا من الفيمتو ثانية .  في ذلك الجزء من الثانية يمكن للرسول عليه الصلاة والسلام أن يذهب بسرعته النورانية من مكة إلى القدس عشرات المرات.. وهذا لا يعطيه فرصة كي ينزل ويصلي ركعتين في جبل الطور.. حيث كلم سيدنا موسى الله .. ولا يعطيه الفرصة ليصلى ركعتين في بيت لحم حيث ولد سيدنا عيسى .. ولا يعطيه الفرصة كي يشاهد كل ما مر به في الرحلة .. ومن ثم كان في حاجة إلى ما يخفض سرعته لا إلى ما يزيدها .. وكانت هذه مهمة البراق . وفي إجتهادات شائعة أخرى أن الحكمة من الإسراء والمعراج هي أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يسرى عن حبيبه في عام الحزن .. العام الذي ماتت فيه السيدة خديجة .. ومات فيه عمه أبو طالب .. ومع أن الله قادر على أن يشرح  صدره وهو في مكانه فإن ذلك  إجتهاد حسن .. ولكن غير مشبع .. كذلك فإنه عندما عاد من الرحلة وجد مشاكل لا حد لها .. فقد كان هناك من لم يصدقه .. وانصرف عنه .. وعن دعواه . واجتهد البعض الآخر في تفسير الإسراء والمعراج بقوله : إنها كانت رحلة مباركة ليتشرف الجسد المحمدي بما تشرفت به الروح.. والجسد المحمدي ليس في حاجة إلى تشريف .. فهو جسد نوراني. وقال بعضهم : بل ليتشرف الملأ الأعلى بجسده الشريف كما تشرف بروحه فيما قبل وليوحي الله إليه بغير جبريل لأن جبريل توقف عند منطقة معينة لم يكن يقدر على تجاوزها.. وعند حدود هذه المنطقة قال الرسول صلى الله عليه وسلم  له : أهنا يترك الخليل خليله .. فقال جبريل : يا رسول الله أنا لو تقدمت لاحترقت ولو تقدمت أنت لاخترقت وما منا إلا وله مقام معلوم .. يقول الله سبحانه وتعالى بعد أن توقف جبريل : " فأوحي إلى عبده ما أوحى .. وما أوحي به الله إليه هو شرع خاص به لا تتحمله الأمة .. وهو الوحيد المهيأ له .. مثلا .. كان صلى الله عليه وسلم  يصوم ويواصل الصيام أياما دون إفطار .. وقد أراد الصحابة أن يقلدوه فقال لهم : " إني لست كهيئتكم إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" .. ويقول سبحانه وتعالى : " أمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " .. ثم قال سبحانه وتعالى : " والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " .. والمعنى .. أن ما آمن به المؤمنون معروف .. أما الرسول فله علم مخصوص . وقد متعه الله برؤيته عشر مرات .. المرة الأولى التي التقاه .. وتسع مرات عندما سأله التخفيف في الصلاة .. فقد كانت الصلوات خمسين صلاة .. ثم سأل الله التخفيف بناء على نصيحة سيدنا موسى .. فكان التخفيف في كل مرة خمس صلوات .. فيكون قد شاهد نور الله تسع مرات .. خمسة في تسع بخمس وأربعين صلاة .. لتبقى لنا خمس صلوات. وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم  ربه بالأفق المبين .. ولكن ما هو الأفق المبين.. إن للرأس عينا يقول الله عنها ما زاغ البصر وما طغى " .. وللعقل عين يقول الله عنها " أفتمارونه على ما يرى" .. وللقلب عين يقول

الله عنها " ما كذب الفؤاد ما رأى " .. وللروح عين يقول الله عنها " ولقد رآه نزلة أخرى " .. وعندنا نحن البشر عين الروح أعلى من عين القلب .. وعين القلب أعلى من عين العقل .. وعين العقل أعلى من عين الرأس .. عندنا هذه العيون درجات .. أما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهي جميعا في مستوى أفقي واحد في خط مستقيم .. فما يراه بعينه يراه بعقله يراه بقلبه يراه بروحه .. وهذا هو الأفق المبين . ورحلة الإسراء والمعراج مقسمة إلى ثلاث مراحل .. الأولى : مرحلة أرضية .. والثانية : مرحلة سماوية تنتهي حيث توقف جبريل .. والثالثة : مرحلة سماوية تبدأ بعد أن توقف جبريل .. وتنتهي المرحلة الأرضية عند بيت المقدس .. وتنتهي المرحلة الثانية عندما توقف جبريل عند سدرة المنتهى .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الرؤية الإلهية .. لذلك لا مجال أن يحتج أحد بقوله تعالى : "لا تدركه الأبصار" .. فكل الأبصار لا تدركه إلا بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. إن رؤية الله مستحيلة إلا بقدرته ومشيئته .. ورؤية أي شيئ مستحيلة إلا بإرادة الله .. إن وجود عين في رأس إنسان ليست دليلا على الإبصار .. ووجود لسان ليس دليلا على النطق بالكلام .. ووجود أذن ليس دليلا على السمع .. إن الحواس هبة من عند الله .. يمنحها من يشاء .. ويحجبها عمن يشاء .. وهو على كل شئ قدير .. بما في ذلك تفضله على النبي صلى الله عليه وسلم  برؤيته .وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم  إلى السماء لم يغير ثيابه .. لم يلبس ملابس خاصة كالتي يلبسها رواد الفضاء .. ليواجهوا بها عوامل الطبيعة .. الضغط الجوي .. الجاذبية الأرضية .. انخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر في طبقات  الجو العليا .. فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم  نورا لتأثر بهذه العوامل .. تجمد من البرد .. لم يتحمل ضغط الهواء .. لما بقيت ثيابه على جسده .. لطار خفه في الهواء .. يقول أحد الصالحين : " على رأس هذا الكون نعل محمد علا.. فجميع الكون تحت ظلاله .. على الطور موسى نودي  إخلع .. وأحمد على العرش لم يؤمر بخلع نعاله " . ومراحل الإسراء والمعراج الثلاث هي مراحل الدين .. المرحلة الأولى من الرحلة هي مرتبة الإسلام .. والمرحلة الثانية هي مرتبة الإيمان .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الإحسان .. وهو ما ورد في حديث البخاري .. حيث جاء رجل شديد بياض الثياب .. شديد سواد الشعر .. لا يبدو عليه علامات السفر .. ولا يعرفه أحد .. جلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم  واضعا ركبتيه إلى  ركبة النبي صلى الله عليه وسلم  .. ووضع يديه على فخذيه كهيئة المتأدب.. وقال : يا رسول الله .. ما الإسلام ؟ .. فقال الرسول : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن إستطعت إليه سبيلا .. قال الرجل : صدقت .. فما الإيمان ؟ .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .. كل من عند الله .. قال  الرجل : صدقت .. فما الإحسان ؟ .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . الملاحظ في المرحلة الأولى أنها مرحلة عبادة جسدية .. الدليل فيها عقلي .. والعمل فيها بدني .. والإيمان فيها بالدليل والبرهان .. ولذلك  إستخدم فيها البراق وهو دابة تشبه دواب الأرض .. والمرحلة الثانية مرحلة الإيمان.. الإيمان بالغيب .. وهي مرحلة قلبية .. الأدلة فيها قلبية .. وقد استخدم فيها المعراج .. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الإحسان .. وهي مرحلة روحية والأدلة فيها روحية والعبادة فيها هي رؤية الله سبحانه وتعالى .. لو عدنا إلى حديث البخاري لنستكمله لوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. قالوا يا رسول الله عجبنا .. هذا الرجل يسأل ويصدق .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : أتدرون من السائل ؟ .. قالوا : الله أعلم ورسوله .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم .وفي المرحلة الأولى يسمى العلم المكتسب علم اليقين .. وفي المرحلة الثانية يسمى العلم المكتسب عين اليقين .. وفي المرحلة الثالثة يسمى العلم المكتسب حق اليقين .. وحتى نستوعب الفروق بينها .. تصور شخصا عنده صداع .. أخبرته بدواء يزيله .. ثم قدمته له .. فتنا وله بشربة ماء حتى زال الصداع . مرحلة إخباره هي علم اليقين .. مرحلة رؤية الدواء هي عين اليقين .. مرحلة تناوله والتعامل معه هي حق اليقين . لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  الناس عموما بأنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد ..  إكتفى بذلك بالنسبة لعموم الناس  إحتراما لعقولهم كما أنه يستطيع أن يقيم الدليل العقلي على ما يقول . وأخبر الصحابة بأنه صعد إلى السماء إلى موطن سمع فيه صرير  الأقلام . وأخبر أبا بكر بأنه رأى ربه .. هذه مستويات مختلفة .. تبدأ بالايمان القائم على دليل العقل .. وتنمو بإيمان يمكن  إستيعابه بالقلب إلى حدود معينة .. ثم إيمان بالقلب لا حدود له .. وهو  ما كان يتمتع به سيدنا أبو بكر فهو كان يصدق النبي صلى الله عليه وسلم  دون دليل .. ولذلك سمي الصديق . وفي النهاية فإن كل من يقرأ هذا مكلف بتصديقه .. ولكن .. ليقف كل منا عند حدود مداركه .. فمن توقف فهمه عند العقل فهذه نعمة .. ومن رفع الله مستوى التصديق عنده إلى حدود القلب فهذه نعمة أكبر .. ومن رفعه الله إلى ما هو أعلى من ذلك  فهو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

( الإسراء  و المعراج )
حكمة خواص الخواص

( سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه السميع البصير )
بفرحة السائل بلقاء الحبيب ذى الرأى المهيب التقيت بسماحة الإمام وبعد تفضله برد السلام .
قلت : سيدى أريد أن أعرف الحكمه من الإسراء والمعراج ؟.
قال سماحته : الحكمه يعلمها الحكيم .
قلت : ولكنه يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمه فقد أوتى خيراً كثيراً . . . . فليكن الإجتهاد .
قال سماحته : للمجتهدين شروط وعلامات .
ققلت : فإن لم يكن بأجرين فبأجر واحد . قال سماحته : هل عندك أوقرات أوسمعت للإسراء والمعراج حكمه ؟ .
قلت : نعم .
قال سماحته : ما الحكمه إذن ؟ .
قلت : لقد قرأت وسمعت كثيراً أن الحكمه من الإسراء والمعراج هى التسريه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث أنه كان حزيناً حزناً شديداً على وفاة عمه ابى طالب وكذلك زوجته السيده خديجه وكان هذا العام يسمى عام الحزن .
قال سماحته : عام الحزن وكان النبى حزيناً على موت عمه وزوجته فإين الإيمان بالقضاء والقدر إذا لم يكن هو من بديهيات الإيمان عند المؤمنين ناهيك عن الأولياء الصالحين فكيف بالأنبياء والمرسلين وفى النهايه ما بالك بسيدهم أجمعين فى الدنيا ويوم الدين يوم يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ؟ .
قلت : لقد وقع فى روعى أن سماحتكم لا تستريح لموضوع التسريه بسبب الحزن .
قال سماحته : لو فكرت قليلاً لوافقتنى الرأى خصوصاً إذا تذكرت المتاعب التى تعرض لها النبى صلى الله عليه وسلّم من التكذيب والإنكار والمعارضه واللغط بين المصدقين والمكذبين ولذلك فإن التسريه لم تحدث .
قلت : لا أجد معنى آخر خلاف هذا المعنى مع أنى – عفواً – غير مقتنع ولكن لا حيله .
فبادر سماحته يقول : إن الله لم يعط أحداً علمه كله بل جعل فوق كل ذى علم عليم وعندى رأى أوقع من ذلك الرأى . . . . فما رأيك لو قلنا أن الحكمه من الإسراء والمعراج هى لكى يتشرف الجسد المحمدى بما تشرفت به الروح ؟ .
قلت : هذا رائع و لكن . . . .
قال : ليس فيها لكن .
قلت : ولماذا ألم يكن هناك لكن وتحفظ على الرأى الأول ؟
قال : هل لديك تحفظ على هذا المعنى ؟
قلت : ليس تحفظاً – معاذ الله – ولكن ملاحظة أراها منطقيه من باب المحبه لسيدنا
قال سماحته : دائماً – ولاأقول غالباً – المحبه ملهمة للمحبين .
قلت : ملاحظتى هى على موضوع يتشرف الجسد المحمدى بالسماء وأنا أرى أن الجسد المحمدى أشرف من السماء والأرض أليس كذلك ؟
 فسكت السيد بل صمت صمت الحكماء ثم نظر بعيداً بعيداً ثم قال : لقد ذكرتنى أيها الولد بابيات من النظم الصوفى الراقى قال ناظمها :
                على رأس هذا الكون نعل محـــمد            علا فجميع الكون تحت ظلاله
                على الطور موسى نودى أخلع وأحمد            على العرش لم يؤذن بخلع نعاله
قلت : الله . . . . الله لعل الناظم المحب يشاركنى الرأى فألأمر أسمى من مجرد التسريه عن الرسول الكريم أوتشريف جسده الشريف بالصعود إلى السماء وهو أشرف منها .
وهنا قال سماحته : يا بنى ليس كل ما يعرف يقال إلا إذا جاء أوانه وحضر أهله وأنا أخشى على العامه من سماع آراء الخواص من الأولياء .
قلت : يا سيدى بهذا المنطق سيظل العوام عواماً والخواص خواصاً فإذا مات أحد الخواص تلو الاخر لإنقرض الخواص ولكن الصواب أن يعرض كلام الخواص على العوام ولا نتوقع الإجماع على الرفض وكذلك لا إجماع على القبول وبذلك سوف يرتقى بعض العوام ليصيروا خواصاً وهكذا ومعذره على إسترسالى غير اللائق .
فقال سماحته : ما رأيك لو قلنا إن الحكمه من الإسراء والمعراج هى لكى يتشرف الملأ العلى بالجسد المحمدى كما تشرف بروحه الشريفه من قبل ولكى يشرف جبريل بخدمة الرسول ويشرف ميكائيل بصحبته ويشرف الأنبياء بالصلاه خلف حضرته وتشرف الملائكه فى السموات برؤيته وقبل ذلك يشرف البراق بحمل حضرته وليمتع الله حبيبه برؤيته قلت : رؤية الله ؟
قال سماحته : نعم فهى ممكنه بإذن الله لا بقدرة من يراه فالعين بإذن الله ترى والعقل والقلب كذلك والروح ترى بإذن الله وليوحى الله إلى سيدنا محمد بدون واسطه جبريل ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) وفى النهايه فإن الهديه الغاليه فى موطن أعلى من منزلة جبريل أمين السماء .
فأما أن ينزل الملك ! ! أويصعد العبد لتسلّم الجائزه فما رأيك ؟
قلت : يصعد العبد فما هى الجائزه ؟ .
قال سماحته : الصلاه .
قلت لا حول ولا قوة إلا بالله .
والسلام عليكم
وعليكم السلام
مريد

ماذا حبب إليكم من الدنيا ؟
لقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر الصديق :" ماذا حبب إليك من دنيا الناس يا أبا بكر ؟ . . قال سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه : حبب إلى النظر إليك وجلوسى بين يديك وإنفاق مالى لديك ولم يقل من شدة الأدب إنفاق مالى عليك " . . وسأل الرسول سيدنا على كرم الله وجهه : " ماذا حبب من دنبا الناس إليك يا على ؟ . . قال سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه . . الصيام بالصيف والقتال بالسيف وقرى الضيف . . " إكرام الضيف . . ومن قرى جاءت كلمة قريه أى المكان الذى يتسم بالكرم " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبب إلى من دنياكم هذه ثلاث : النساء والطيب وجعلت عينى فى الصلاه .
وإعتبر كثير من الناس أن وضع النساء فى البدايه دليل على أن الإسلام دين شهوات مجنون بالجنس وهو تصور لا يصدر إلا عن عقول مريضه . . لا ترى فى المرإه سوى الجنس . لا ترى فيها قيمه سوى إطفاء نيران الشهوه . . لا ترى فيها مخلوق تستحق الإحترام والتقدير ووضعه فى المقدمه .
ويلاحظ أن الرسول قال : " حبب إلى ولم يقل أحببت " . . ومعنى حبب إلى أن الله حبب إليه النساء كقيمه . . فالمرأه نصف المجتمع . . وكن يتعاملن ككم مهمل فى الجاهليه . . حين كان الرجل يدفن بناته أحياء " . . ولا يدخلهن فى الميراث . ؟ يقول سبحانه وتعالى عنهم " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا ساء مايحكمون " .
ولكن . . الإسلام نظر إلى المرأه على أنها الوعاء الذى لولاه لا نتهى الدين فى زمن الصحابه . . فهى التى تحمل فى بطنها جنيناً يكون فيما بعد عالماً أو فارساً أوتاجراً أومزارعاً مسلماً . . إنها هى التى تحمل وترضع وتربى وتخلق الامتداد الطبيعى للإسلام . . وهو ما جعل الرسول يقر أن " الجنه تحت أقدام الأمهات " . . وقال صلى الله عليه وسلم : " إستوصوا بالنساء خيراً " . . وقال إتقوا الله فى الضعيفين المرأه واليتيم " .
لقد حبب الله الإيمان إلى قلب النبى صلى الله عليه وسلم وبغض الإيمان إلى قلوب الكفار . . وحبب العدل إلى قلب النبى صلى الله عليه وسلم وبغض العدل إلى قلوب الكفار . . وحبب الله الرحمه إلى قلب النبى وبغض الرحمه إلى قلوب الكفار . . كذلك حبب الله النساء إلى قلب النبى من باب إحترام المرأه وإعتبارها الوعاء الذى يخرج منه المسلمون الذين يدافعون عن دينهم . . ويجب ألا يؤخذ الكلام على النساء على النحو السىء الشائع .
ويكفى أن النبى صلى الله عليه وسلم زوجه الله من السيده عائشه رضى الله عنها وهى بنت تسع وليس فيها للرجال شىء وهى طفله وذلك بغرض أن تكون شديدة الحفظ وتعى وتتذكر عن رسول الله ما يقول وما يفعل ثم تنقله بأمانه وبراءه شديده إلى النساء فتتعلم منه النساء كل ما يخص العلاقه مع الرجل والطهاره والمعامله والحقوق والواجبات . . ثم قال : " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء " . . أى السيده عائشه . . ونصف الدين هنا هو النصف الذى يتعلق بفقه النساء . نصف المجتمع .
إن ذلك كان أمراً طبيعياً فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يكن لديه شيئاً يخفيه . . لأن أقواله سنه . وأفعاله سنه . . وأحواله سنه . . وإقراراته سنه . ومن ثم لا يجوز أن يؤخذ الكلام متعجلاً بظواهره . . فلو قال النبى صلى الله عليه وسلم : حبب إلى من دنياكم الرجال . . لفهم الكلام على أنه حبب إلينا خصال الرجال مثل الشهامه والجرأه والشجاعه . . فلماذا عندما تأتى سيرة النساء يكون التفسير والفهم الخاطىء جاهزين . . بارزين . . مسيطرين ؟ على أن الفهم السليم أوالعلم النظيف يحتاج إلى قلب سليم وعقل نظيف . . لقد كان الإمام الشافعى يحفظ بسهوله كل يقرأ . . لكنه ذات يوم ذهب إلى شيخه وإسمه " وكيع " ليقول له إنه فقد بعضاً من هذه الميزه . . وإستعرض معه شيخه ما جرى فى يومه فلم يجد شيئاً غريباً غير معتاد سوى أنه وهو يشترى بلحاً أخذ واحده وأكلها ولم تدخل فى الميزان دون أن يستأذن البائع . . إن هفوه واحده تكلف أشد الناس تقوى الكثير . . فقال الإمام الشافعى شعراً :
شكوت إلى وكيع سوء حفـظى
فأرشدنى إلى ترك المعـــاصى
وأخبرنى بأن العــلم نـــور
 ونور الله لا يؤتى لعــــاصى
ولا حول ولا قوة إلا بالله

الزواج العرفي

 

" و من آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمه "

صدق الله العظيم

 

بفرحة العارفين بالأعراف . . الواقفين على النعوت و الأوصاف المتصفين بالسوية و الأنصاف . . . التقيت بسماحة الأمام و بعد رد السلام قلت :

لقد كثر الحديث و الفتاوى و ثبت من ثبت و البعض قد تهاوى في أمر أسموه الزواج العرفي و لا أريد الحكم بل التعريف لأن الحكم على شئ غير معروف يأتى بشيء غير مألوف حتى السادة العلماء منهم من أنصف و منهم من غوى و هوى و لكل أمرىء ما نوى و أما العامة فقد اختلطت لديهم المعروف و تشابكت حول رقابهم الحروف فخالطوا بالخرافة الخريف و الخروف حتى أن الحليم منهم عن السؤال عزوف و إني موقن أنى سوف أستحلي من سماحتكم الحقيقة بالمعروف و لن أبرح حتى أعلم ولو طال بي على باب علمكم الوقوف .

قال سماحته :

صبرا أيها السائل الشغوف اللهوف الذى لا يعرف فى سبيل العلم الحياء ولا كما يقولون " الكسوف " ثم بدأ سماحته يقول : يا بنى إن الزواج زواج و العرف عرف فإذا إجتمعا معا كان الزواج المعروف الذى هو فى كتاب الله موصوف و معروف و مألوف .

قلت كنت قبل اليوم أقول تواضعا لا أفهم و الآن أقسم أننى بذلك أقطع و أجزم . .

قال سماحته :

لا تجزم و لا تقطع و لكن عليك أولا أن تسمع فما ساقك إلى ساحتنا إلا ما تقول ثم أخذ يقول إن الزواج فى شرع الله الحكيم مبنى على إيجاب و قبول و مهر و عقد ( عقد النكاح ) و شهود وولى و إعلان و هى ثوابت زمانا و مكانا و أما العرف فإنه من مكملات الزواج و ليس ذلك بقليل الأهميه حتى يهمل مثل الأتفاقات الجانبيه المكمله و اللازمه إجتمتعيا مثل المشاركه فى نفقات الزواج و الشروط المسبقه التى تجيب على أسئلة لم تطرح سدا للذرائع و توثيقا للوقائع و قد أخذ الأمام أبو حنيفه رضى الله عنه بذلك فى مذهبه العظيم و أنزل العرف منزل التشريع الحكيم و هذه الأعراف تتغير بتغير الأماكن و الأزمنه و المستويات و الظروف و لا ينبغى ان نجعل الشرع عرفا لأن ذلك سيجعل العرف شرعا ف‘ذا خالف العرف شرعا فلا عبرة به و إن خالف الشرع عرفا فهو الغالب بإذن الله و على ذلك ينبغى أن تكون الزوجه من ذوات الدين و كذلك الزوج أما أصحاب الأهواء فإنهم ينقبون فى جدار الشرع على مقاس هواهم متلاعبين بالحكام عابثين بالأحكام .

قلت :

الآن أجمل ما فهمت إن الزواج بشروطه الشرعيه و العرفيه معا يسمى أو الأصح أن يسمى الزواج العرفى فما هو موضوع الوريقه أو القصاصه التى يكتبها الراغب للراغبه أو الهارب للهاربه ثم استوقفنى سماحته برفق و لين و قال :

يا بنى إن ذلك لا يسمى زواجا بل هو علاقه سريه تتم فى غفله عن الدين و تستهوى

العابثات و العابثين و حتى بعض الناضجات و الناضجين فأنهم بدعوى قطع المعاش متعليين و متعللات و هذه العلاقه يغلب عليها العقوق و ضياع الحقوق خاصه عند موت الرجل أو ضياع قصاصة الورق أو ضياع ذمته فى زحام الأنانيه . إذا وجد أخرى أسهل من الأولى و أغنى و أجمل .

ثم قال :

كيف يسمى عرفيا و هو لا يعرف به أحد . . . هل تريد المزيد ؟

قلت :

المزيد يفيد و لكن الله يبغض الآكل فوق شبعه . . . . و إنى أشكر الله تعالى الذى جعل لكل داء دواء و لكل مشكلة حلا عند أهل العلم و أسأله أن ينفعنا بما علمنا و يعلمنا ما جهلنا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلى العظيم .

و السلام عليكم

و عليكم السلام

مريد

لماذا نسخت آيات من القرآن بآيات أخرى ؟

أستأذنكم في الخروج من هذا  الزمن الضيق . زمن التفسيرات .. الخفيفة .. السطحية الجاهزة .. وكأ نها كمبيالات مستحقة الدفع .. أو كأنها شيكات بدون رصيد علينا سدادها ..  إن الذي لا يعرف عليه أن ينسحب .. فليس شرطا للإيمان أن يفتى الإنسان إذا ما سئل في أمر من أمور الدين .. ليس شرطا أن يكون عالما ..  فقيها .. ومن قال لا أعرف فقد أفتى .. ومن عاد إلى شيخه ومعلمه فتح الله عليه بالثبات في مواجهة الذين يصطادون في المياه العكرة . لقد أزعجني أن يتورد شباب ممن يسمون أنفسهم بالجماعات الإسلامية في مناقشة أمور حساسة ودقيقة في الدين بدعوى الدفاع عن الدين .. فكانت النتيجة أنهم أساءوا إلى الدين .. فقد أخذوا من أموره قشورها .. فكانت أية رياح ولو خفيفة كفيلة بالقضاء عليهم . قرأت من يقول لهم : إن الناسخ والمنسوخ في القرآن يعني أن الله يقرر شيئا ثم يرجع فيه .. فما هذا الدين الذي يأتي بآيات ثم يشطبها .. وقد استخدم هذا المنطق الشكلي المجرد من الفهم والاستيعاب في توجيه سهام بدت قاتلة .. رغم أن من السهل – بقليل من العلم وبقليل من الشفافية وبكثير من الثقة – تفسير الناسخ والمنسوخ . يقول الله سبحانه وتعالى : " ما ننسخ من آية أو ننسيها نأتي بخير منها أو مثلها " .. وهو ما يؤكد وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن .. لكن الناسخ والمنسوخ ليس في الأديان فقط .. هو جزء أصيل من طبيعة الحياة .. فنحن إذا ما وجدنا قانونا لا نقدر على تنفيذ أحكامه طالبنا السلطة التشريعية بتغييره أو تعديله .. وإذا ما صدر حكم بعقوبة مشددة من محكمة تظلمنا منه لتخفيفه .. وعندما يغفر الله ذنبا لعبد استوجب عذابه هو نسخ للذنب .. إن الله هنا ألغى حكم العقوبة واستبدله بالعفو .. فهل رجع الله في كلامه .. استغفر الله .. إن نسخ حكم العقوبة بحكم المغفرة فيه رحمة . وإذا كلف عبدا ثم خفف الله عنه التكليف فإنه لا يعتبر  رجوعا وإنما يعتبر رحمة .. يقول سبحانه وتعالى : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " .. إذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم  إن أمته محاسبة على ما يخطر ببالهم ولو لم يفعلوه . فهذا حكم شديد .. فإذا ما خفف الله هذا الحكم بعد ذلك ألا يعتبر التخفيف رحمة ؟ .. قال سبحانه وتعالى : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " .. هذا هو الحكم .. فلما شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  لم يعترضوا ولم يتذمروا ولم يتظاهروا ولم يرفضوا .. ولكن قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم  قولوا : " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" .. هنا تدخلت الرحمة الألهية فقال الله سبحانه وتعالى بعدها : " أمن الرسول بما أنزل  إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( وهذا أدب المسلم وميزة المسلمين ) وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" .. فكان التخفيف في آخر سورة البقرة : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " .. هل يعتبر ذلك رجوعا في كلام  الله كرجعة أحدنا ؟ .. إن أحدا منا لو رجع في كلامه أو في حكمه فإنه يفعل ذلك عن ضعف أو تحين لفرصة أخرى .. لكن لو كان الأمر يتعلق بالله سبحانه وتعالى فإنه رجوع فيه رحمة .. ورحمة الله سبقت غضبه .. فالعفو عند المقدرة غير العفو عند العجز . إن كل الآيات التي نسخت إنما نسخت بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم  .. فما نسخت أية رحمة استبدل الله بها أية عذاب .. بل العكس هو الصحيح .. كل الآيات التي نسخت كان فيها مشقة واستبدلها الله بآيات الرحمة. والناسخ والمنسوخ دليل قدرة مطلقة .. فلو كان أحدنا قادرا على أن يكتب ولا يستطيع أن يمحو ما كتب فهو دليل نقص .. إن الله هنا يبرز قوته وقدرته .. فيقول : يا عبادي أنا قادر على عذابكم .. ولكني أرحمكم ليس لقوتكم وليس لاستحالة تنفيذ حكمي ولكن لشفاعة حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم  .. يقول سبحانه وتعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " .. ولو لم يكن الأمر متعلقا بقدرة الله على المحو الإثبات لما كان هناك داع لدعاء أو   إبتهال .. لكان عقاب الله أمرا نافذا وحكما لا رجعة فيه .  فلو أصيب إنسان بمرض فنحن نبتهل إلى الله كي ينسخ حكم المرض بحكم الشفاء .. ولو كتب  الله الفقر على شخص فهو يدعوه أن ينسخ حكم الفقر بحكم الثراء .. وهكذا في الظلم .. والضعف .. وكل ما يبتلى به الانسان .. وهنا يكون الدعاء قادرا على نسخ الأحكام .. ولو كانت الأحكام من إله غير الله لما استطاع الله أن ينسخها كما هو الحال في العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية .. فالسلطة التنفيذية ملتزمة بتنفيذ ما سنته السلطة التشريعية .. فلو كانت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية سلطة واحدة كالسلطة الإلهية لما كانت هناك ازدواجية .. فالله سبحانه وتعالى يقول لنا :أنا رب العالمين أضع حكما ثم أنسخه لمصلحة العباد .. فلا عيب على البشر إذا ما وضعوا قانونا أو سنوا تشريعا أن يغيروه إذا ما وجدوا فيه إجحافا وظلما .. لا عيب أن ينسخوه بقانون آخر يناسبهم ويناسب ظروفهم .. لا حرج في إلغائه .. مثل قانون لمنع الاستيراد في ظروف ما.  ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف .. ومثل قانون يثبت سعر العملة في ظروف ما ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف . إن الناسخ والمنسوخ جعله الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم  رحمة بعباده لا عجزا ولا نسيانا .. لم يكن سبحانه وتعالى عاجزا عن تنفيذ ما أمر به .. ولم يكن ناسيا ما أمر به ثم تذكره .. حاشا لله ... وإنما هو تذكير للعباد بقوته ثم برحمته . والناسخ والمنسوخ على أربعة ضروب .. إما أية نسخت نصا وحكما .. أو أية نسخت نصا وبقيت حكما .. أو  أية نسخت حكما وبقيت نصا .. أو أية بقيت نصا وحكما .. وعلى ذلك خفف الله سبحانه وتعالى الصلاة من خمسين صلاة إلى خمس صلوات .. وإن ابقى على ثواب الخمسين صلاة . وحتى يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن نكون رحماء بأنفسنا ووضع قواعد للقصاص : العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص " ثم قال سبحانه وتعالى : ": فمن عفي له من أخيه شيئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " . ومن ثم فإن كلنا يتمنى الناسخ والمنسوخ .. في حكم الإعدام نتمنى نسخه بالتخفيف .. وفي مجاميع كليات القمة المرتفعة نتمنى نسخها بتخفيف المجاميع التي تقبلها .. وهي طبيعة البشر أن يسألوا الله التخفيف .. هي الفطرة البشرية .. البرد الشديد نريد نسخه ببعض الدفء .. الحر الشديد نريد نسخه ببعض الهواء الرطب .. الظلم نريد نسخه بالعدل . يقول سبحانه وتعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك " . إلخ الآية .. ثم يقول الحق : " علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فأقرأوا ما تيسر من القرآن.. علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه " .. وليس التيسير في قراءة القرآن فقط وإنما في العبادات الأخرى .. فالحائض والنفساء معفية من الصلاة ولا تعيد .. وهي معفية من الصوم على أن تعيد .. مثلا .. " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

قوامة الرجل على المرأة لها شروط !

الكتابه عن المرأه . . هذه الأيام . . إختيار صعب . . أسهل منها أن تمسك بجمره مشتعله . . أو تتورط فى عملية تهريب . . أو عملية سطو على مصرف . . هناك من يدعون إلى دفنها حيه مره أخرى فى جاهليه جديده تعيش عصر الدش و الكمبيوتر و شعاع الليزر . . و هناك من يدعون إلى أن تخرج عن ةخصائصها و طبيعتها و جلدها . . و تتمرد على كل من يحاصرها و يقيدهخا و يحكمها . . و على كل هذه الحبال الذائبه راحت المرأه تتأرجح حتى فقدت توازنها فى غالبية الأحوال .
و فى غالبية الأحوال حاول كل فريق أن يشد المرأه ناحيته . . أن يستخدم نصوصا دينيه مقدسه كى يقنعها بما يريد . . و المشكله ليست فى النص . . النص الألهى لا يقربه الباطل من كافة النواحى . . المشكله فى التفسيرات الشخصيه المتعسفه و المتربصه للنص .
يقول سبحانه و تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا " . . إن هذا النص ليس ضد المرأه كما تصور البعض . . فالقوامه تجبر الرجل على تحمل مسئوليه المرأه . . الحياه المحترمه . . الراحه النفسيه . . الوفره الماديه . . و فى الوقت نفسه تفرض القوامه على الرجل أن لا يقترب من الذمه الماليه للمرأه . . و ألا يمس ممتلكاتها الشخصيه . . لو فعل ذلك سقطت قوامته عليها . . و لو لم ينفق عليها أيضا . . فالقوامه مشروطه بالإنفاق و بعدم مساس الرجل بممتلكات المرأه .
وقد قال النص " الرجال " و لم يقل " الأزواج ". . لم يقل الأزواج قوامون على الزوجات . . ذكر الرجال و النساء عموما . . و السبب هنا هو ما فضل الله بعضهم على البعض . . و التفضيل يعنى التمييز . . و التمييز يعنى الخصائص النسبيه للرجل هى القوه البدنيه و الطاقه العضليه و هو ما يؤهله لأعمال الحراسه و القتال و الزراعه . . و ما شابه ذلك . . و هى أعمال لا تناسب المرأه فى كثير من الأحيان . . لكن النص لم يحرم المرأه منها . . هى تكلييف للرجال . . لكن. . فى الوقت نفسه للنسلء الحق فى ممارستها . . إن الخصائص هى التى منحت الوظائف .
و عندما تكون شهادة المرأه نصف شهادة الرجل فهذا يعنى إعفائها من كل مسئولية الشهاده . . " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " . . تخفيفا من تبعية ما تشهد به المرأه . . إعفاء من واجب . . فعليها مسئوليه أهم . . وواجب لا يقدر أحد سواها على القيام به . . الحمل و الإنجاب . . الرضاعه . . تربية المستقبل . . إستمرار الحياه . . مواصلة رسالة البشر على الأرض . . و هى مهام لا يقدر عليها الرجل مهما بلغت قوته العضليه .
و عندما أعطى الدين المرأه نصف الميراث فإنه لم يكلفها بلإنفاق . . هى تحصل على نصيبها خالصا . . و تحتفظ به . . أما الرجل فهو مكلف بالإنفاق . . و من ثم فإن نصف ميراث بلا نفقه هو أفضل من ضعف الميراث مع النفقه . . فلو ورثت زوجه 100 جنيه فهى تحتفظ بها . . تضعها فى شنطتها . . و لو ورث شقيقها ؟أو زوجها أو أبنها ضعفها فهو ينفق منها على المسئولين منه . . الرجل ينفق على زوجته . . و الزوجه لها زوج ينفق عليها .
و لا يجرؤ أشد المطالبين بحقوق المرأه على القول إن الإسلام لم يكرمها . . لقد كرم الدين الوالدين معا . . يقول سبحانه و تعالى : " و قضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما " . . هنا ليست مفاضله . . هنا مساواه تامه . . لكن . . فى كثير من الأحيان كانت المرأه تنفرد بالتكريم . . " الجنه تحت أقدام الأمهات " . . و سئل رسول الله صلى الله عليه وم سلم " من أحق الناس بحسن صحابتى " فكانت الإجابه " أمك " ثلاث مرات . . ثم أبوك فى المره الرابعه .
و شتان بين وضع المرأه فى الجاهليه و فى الإسلام . . كانت الفتاه المولوده منذ ساعات تدفن حيه . . " وإذا الموءودة سئلت " . . و الذى لا حق له فى الحياه لا حق له فى الميراث . . و لا ذمه ماليه مستقله لها . . لقد تغير ذلك كله فيما بعد . . فى زمن النور .
و فى كل الأحوال يجب تنفيذ ما أمر الله به . . و الله يعلم خلقه . . يعلم من يستحقون . . و من لا يستحقون . . لو كان الأمر إجتهاد بشر لجاز

نصوص صحيحة وتفسيرات قاتلة!

كان المشهد مؤلماً مروعاً مثيراً للشفقة والرثاء.. رجلا ناضجاً فى منتصف العمر لا يظهر منه سوى عينين تنظران إلى ما حولهما بصعوبة.. وشفتين تتحركان بالهمس.. وكأن هناك ما يربطهما بثقل خفى.. ولحية كثيفة تفرض إرادتها على ما تصل إليه.. أما الملامح الأخرى فلا ظهور لها على الإطلاق.. الأنف مكسور.. الجبهة مغطاة بالأربطة الطبية البيضاء.. والجسد كله مدفون فى قالب من جبس سميك.. وكأن صاحبه قد صدمته شاحنة عملاقة وداست عليه هى ومقطورتها.. أو كأنه وقع فريسة فى غابة من الأفيال الجانحة الغاضبة.
  تصورت ومن معى انه رجل على باب الله دفعته المقادير للتسول بحثا عن لقمة خبز وقرص دواء وحائط يؤويه.. لكن.. قبل أن يمد كل منا يده فى جيبه ليخرج ما قسمه الله له.. سارع بالاعتراض قائلا: أنا الدكتور فلان الفلانى.. بكالوريوس فى الطب من كلية طب قصر العينى بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف.. ودبلوم فى الجراحة من الكلية نفسها.. وزميل سابق فى كلية الجراحين الملكيين فى بريطانيا.. ولا بد أن سخرية ما فرضت نفسها علينا.. طبيب لا يوجد فيه خلية سليمة.. باب النجار مخلع.. على أن ما لفت النظر أنه كان يردد فى صورة شبه هستيرية جملة واحدة: ضاع الإسلام.. ضاع الدين.
  كانت قصته مغرية بالسمع.. لقد استقبل الحياة العملية بعد تخرجه بتفاؤل ونشاط.. لكن.. قرأ بالصدفة الحديث النبوى الشريف: (( الشفاء فى ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار- وأنهى عن الكى)).. ما كاد يقرأ هذا الحديث لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر إلى شهادات الطب الحاصل عليها وكأنها حشرات معلقة على الحائط.. ثم سرعان ما نزعها ومزقها وحرقها وراح يضربها بالحذاء.. لقد شعر أن الطب الحديث الذى درسه وأضاع سنوات طويلة فى عمره يستوعبه لا معنى له.. لا معنى للكشف والأشعة والصيدلية والدواء وغرف الجراحة والتمريض ووزارة الصحة.. وأصبح مقتنعا بأن على زملائه الأطباء أن يمزقوا شهاداتهم العلمية مثله وأن ينقسموا إلى ثلاثة أقسام أو ثلاثة تخصصات.. قسم يتاجر فى العسل.. وقسم يمسك بموس حلاقة.. وقسم يمسك بسيخ حديد محمى بالنار.
  لكنه.. قرر أن يبدأ بنفسه.. وراح يعالج مرضاه الذين يترددون على عيادته بالوسائل الثلاث التى اعتبرها وسائل علاج شرعية.. مريض السرطان يعالجه بشربة العسل.. ومريض العيون يعالجه بمشرط الحجامة.. ومريض الروماتيزم بكية نار.. لكن.. لا أحد من المرضى تحسنت حالته.. فأصبحوا فى رأيه مرضى كفرة.. يرفضون الطب الشرعى.. ويصرون على العلاج بطرق الفرنجة.. وعندما تدهورت حالات بعضهم لم يجدوا مفرا من أن يفعلوا به ما فعلوا.. ضربوه ضربات متتالية موجعة كادت تقضى على حياته.
  كان معنا رجل عاقل لا تبدو عليه المظاهر الشكلية للتدين بل كان يرتدى الملابس الإفرنجية.. لا كان معمما ولا كان ملتحيا.. لا كان مجببا ولا كان مصنفا دينيا.. قال له: يا دكتور.. عفوا لهذه التسمية التى تضايقك.. لماذا عندما أصابك ما أصاب لم تستعمل إحدى الطرق الثلاث فى العلاج؟.. لماذا استعملت الجبس والجبيرة والمسكنات والقطن والشاش والمطهرات؟.. لماذا استعلمت هذه الوسائل وليس بينها شربة عسل ولا شرطة حجامة ولا كية نار؟.. لم يعد للطبيب السابق حيلة فى الرد وقال: الضروريات تبيح المحظورات؟.. ارتفع صوت من بين الحاضرين قائلا: استحالة أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث!.. قال الرجل غير الملتحى: إننا إما نفهم الحديث النبوى خطأ، يا ننكره إذا لم نعرف له تفسيراً.. أرى أن هذا الحديث صحيح ولا غبار عليه.. أما الذى صنع المشكلة فهو الفهم والتفسير الخاطئ للنص الصحيح.. هنا مربط الفرس.
  شد الرجل غير المصنف دينيا الجميع بكلامه العذب عن سيدنا رسول الله.. انتبهنا له أكثر.. ولتفسيره للحديث النبوى الذى لم ينجح فى تفسيره الطبيب فكان ما كان له ولمرضاه.. قال الرجل مفسراً: إن شربة العسل هى إشارة إلى أن العلاج يكون بأشياء تشرب.. ولا يشترط أن يكون الشرب مقتصرا على العسل.. بل إن كلمة عسل قد تكون صفة لما يشرب.. أى أن ما يشرب علاجا هو عسل سواء كان ما يشرب مرا أو حلوا.. فحتى الشربة المرة هى نوع من العسل بالنسبة للمريض الذى يحتاجها كدواء.. فما يدفع الإنسان للمر هو الأمر منه.. وقول رسول الله شرطة محجم إشارة إلى قبول فكرة التدخل الجراحى بالمشرط بجميع أنواعه.. وكية نار إشارة إلى ما يوصف فى عصرنا بالليزر الذى يفتت حصوة الكلى وحصوة الحالب وحصوة المرارة.
  وراح الرجل يفسر أكثر: إن قوله عليه الصلاة والسلام شربة عسل تعنى " كما تشربون العسل".. وقوله شرطة محجم تعنى " كما تشرطون بالحجامة".. وقوله كية نار تعنى.. أى "كما تكوون بالنار".. إن الطب الحديث لم يخرج عن العلاج بهذه الطرق الثلاث.. وما لم يرد به نص فهو من لوازمها مثل القطن والشاش والبلاستر والتمريض والمسكنات والمهدئات وغيرها.
  شعرنا براحة عميقة والرجل - غير المصنف دينيا – يشرح لنا الدين ويفسره دون مؤثرات صوتيه وبصرية فى اللبس وطريقة النطق واللحية.. فلا لبس دينياً كما يصر البعض وإلا كان هناك أيضا أكل دينى وشرب دينى وسرير دينى.. ولو خلع أولئك الذين يصرون على اللباس الدينى ما يلبسونه ليلا ويرتدون مثل ما نرتدى فهل يعنى ذلك أنهم خرجوا من دينهم؟.. هل يعنى ذلك ان الزى الدينى مثل الزى الرياضى نلبسه فى المعلب ونخلعه فى خارجه.. ومثل الزى العسكرى نلبسه فى الوحدات القتالية ونخلعه خارجها؟.. إن الزى الذى يرتديه البعض ويعتبرونه دينا لا عيب فيه ولكن لا يجوز أن يكون حجة على الدين ولا يجوز أن يرمز إلى شئ نحاكم به الذين لا يرتدونه.. لقد فسر الطبيب المكسور الحديث النبوى الشريف على مزاجه الخاص وبصورة سطحية خاطفة.. وهنا الخطأ.. فى التفسير الذى كان تفسيرا خاطئا لنص صحيح.. لا عمق فيه.. ولا يخضع للقاعدة الشرعية السليمة : إن ما قاله النبى عليه الصلاة والسلام صالح لكل زمان ومكان.. لكن.. بقدرة على الاجتهاد الواعى.. وعدم تقيد بحرفية الكلمات.. وإنما بمعانيها.. لا تغيير فى النص.. لكن.. تطوير فى فهمه.. وحسن ظن بالنبى الكريم الذى لا ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحى يوحى.
  النبى لا يخطئ.. والخطأ فى فهمنا لما قال.. وتسرعنا فى تفسيره.. هو ما فعله الطبيب المصاب الذى ابتسم لأول مرة وقال: لو أن الله أكرمنى بالشفاء ووجدت كل المرضى الذين ضربونى وكسرونى فسوف أعتذر لهم لأننى لن أقترب مرة أخرى من فقهاء التعسير الذين لا يعملون به وسأعتنق فكر التيسير الذى يريح الناس جميعا ولا يخرج بهم عن حدود الشرع.. ولم نجد ما نقوله بعد ذلك سوى لا حول ولا قوة إلا بالله.

لماذا لم يكسر الصحابة التماثيل فى مصر؟

كان رسول الله يصلى فى البيت الحرام والأصنام من حوله ثم هاجر إلى المدينة وتركها كما هى..... بدأ الرسول بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها كما يطرد النور الظلمة.
عندما دخل عمرو بن العاص مصر  إستراح فى مكان ما بالقرب من العريش .. وعندما سأله الصاحبة المرافقون له: "لماذا  إسترحت يا عمرو ولم تواصل التقدم  ؟ .. قال: "إن المساء عيد" .. وهو سر تسمية "المساعيد".
وعندما سيطر المسلمون على مصر: شمالها وجنوبها .. شرقها وغربها .. وجدوا فيها الآثار الفرعونية والقبطية والرومانية على جميع الأشكال بشر وحيوانات ونباتات وحشرات .. لكنهم لم يقربوها .. لم يحطموها .. وبقيت على ما هى عليه حتى اليوم.. فلماذا لم يكسرها المسلمون من صحابة رسول الله الذين فتحوا مصر؟
هناك عدة  إحتمالات:

(1)  أن هذه الآثار يومها كانت مخبأة فى سراديب وأنفاق تحت الأرض

(2)  أن هذه الآثار كانت صعبة الكسر فلم يستطيعوا تحطيمها وأبقوا عليها مرغمين.

(3) أن يكون الصحابة يوم أن دخلوا مصر مستضعفين فيها لا حول لهم ولا قوة.

(4) أن يكونوا على علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرق بين التمثال والوثن والصنم.

الاحتمال الأول مرفوض لأن الآثار لم تكن فى سراديب ولا أنفاق وكانت معابد وتماثيل شامخة فى الهواء الطلق .. والاحتمال الثانى مرفوض لأن الآثار كان من الممكن كسرها . والاحتمال الثالث مرفوض لأن المسلمين كانوا حكاما ولم يكونوا محكومين.. وكانت لهم اليد العليا .. ولا يبقى سوى الاحتمال الرابع .. وهو أنهم كانوا يعرفون الفرق بين التمثال والوثن والصنم .. و أنهم تعلموا معنى التوحيد على يد رسول الله الذى لم يقلد أباه سيدنا ابراهيم فى التعامل مع التماثيل.. لقد قام سيدنا إبراهيم بتكسيرها كلها وترك رمزا منها دون تكسيره .. وقد أدى بما فعل إلى رواج صناعة التماثيل .. كما أن هذه الصناعة حسنت واستخدمت فيها خامات صلبة يصعب كسرها ... وكانت هذه التماثيل تسمى الآلهة. أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقرب تمثالا بأذى وكان يصلى فى البيت الحرام عند الكعبة وحولها ما حولها من تماثيل .. وليس هذا إقرارا منه بها .. وانما له معها شأن يختلف عن التكسير المادى.. والتحطيم المادى .. فقد بدأ بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها كما يطرد النور الظلمة .. فتعلم الناس من رسول الله  أن لا إله إلا الله فبطلت كل الآلهة.
كان رسول الله يصلى فى البيت الحرام والأصنام من حوله ثم أسرى به وعرج وفرضت عليه الصلاة ولم يفرض عليه تكسير الأصنام يومها ثم هاجر إلى المدينة والأصنام حول الكعبة ثم تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام .. وكانت الأصنام يومئذ لا تزال فى مكانها حول الكعبة .. إلى ان فتح الله عليه مكة .. وكان معه رجال كانوا قبل ذلك يعبدون هذه التماثيل .. فكانوا هم (لا هو) الذين أسقطوها بأنفسهم.. كان الرسول عليه الصلاة وسلام يشير إلى الصنم بقضيب صغير فى يده (لا بمعول ولا فأس) ويقول "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" فإذا انكفأ صنم على رأسه لم يجد من يعدله.. وإذا انكفأ على قفاه لم يجد من يغيثه .. وكان الصحابة يدحرجون الآلهة المزعومة بأرجلهم بعد أن كانوا يعبدونها من قبل .. لقد نزع النبى صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء من قلوبهم فماتت واقفة. لقد  إستوعب الصحابة الذين فتحوا مصر هذا الدرس .. كانوا يعلمون هذه الحقيقة .. كانوا يعلمون من النبى صلى الله عليه وسلم متى يكون التمثال تمثالا .. ومتى يسمى التمثال صنما؟ .. ومتى يصبح وثنا؟ .. إن التمثال فى حد ذاته لا شئ فيه .. وكان سيدنا سليمان عليه السلام يصنع له الجن ما يشاء من محاريب وتماثيل .. وهذا لا يطعن فى نبوته .. فقد كان عليه السلام نبيا ورسولا وخليفة وملكا .. وصناعة التماثيل لم تطعن فى واحدة من ذلك. التمثال لا شئ فيه .. لكن .. إن عبدته طائفة ليقربهم إلى الله زلفى فهو عندئذ صنم بالنسبة إليهم فقط .. وإذا قامت طائفة أخرى بعبادة التمثال لا ليقربهم إلى الله بل باعتباره هو إله يصبح التمثال وثنا بالنسبة إليهم فقط وليس فى ذاته. فلما كان الصحابة فاتحين لمصر مقيمين لشرع الله ولم يجدوا أحدا من أهلها (وكانوا من أهل الكتاب قبل دخول الإسلام) يسجد لتمثال ليتقرب إلى الله فيكون صنما ولا ليسجد لتمثال ليعبده لذاته فيكون وثنا عندئذ لم يجدوا مبررا لكسرها .. بل حرسوها وحافظوا عليها حتى وصلت إلينا سالمة .. وما سمعنا صحابيا كسر شيئا منها .. هذا هو الدين الصحيح .. لسنا أعلم من الصحابة .. ولا ينبغى أن نزايد عليهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لو أحسن أعنَّاه...... ولو أخطأ قومناه !

عندما يرينا الله سبحانه وتعالى ما لم نره من قبل نقول:(( سبحان الله )).. وعندما نشعر بأشياء نعجز عن تفسيرها نقول:(( لا حول ولا قوة )).. وعندما نفتى مهما كانت درجات ثقافتنا فيما قلنا نقول:(( والله أعلم )).

أما فى كل ما أمرنا به فعلينا تنفيذه وطاعته دون تفسير لسبب أو بحث عن علة أو كشف لحكمة.. ربما نعرف السبب فيما بعد.. ربما يهدينا الله لتفسير نتوقعه.. ربما وضعنا وجها لوجه أمام العلة.. لكن.. سواء حدث ذلك أو لم يحدث فإن علينا الطاعة.. ولو نفذنا وأطعنا فإن الله سبحانه وتعالى سينير قلوبنا بالحكمة وسيضع فى طريقنا من سيكسف لنا السبب أو العلة كما فعل مع سيدنا عمر بن الخطاب والحجر الأسود.

لقد قال سيدنا عمر وهو يضيع يده عليه:(( أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك )).. فى هذه اللحظة شاء الله سبحانه وتعالى أن يكشف له العلة من وراء ما فعل.. فوجد يد سيدنا على تشده من ذراعه وهو يقول له: بل يا أمير المؤمنين ينفع ويضر.. " إنى لأشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ الحجر الأسود يمين الله فى الأرض وله لسان زلق ( فصيح ) يشهد لكل من استلمه ( وضع يده عليه ) بحق وصدق ].. وفى شريف أخر يقول صلى الله عليه وسلم:(( الحجر الأسود يا قوتة من يواقيت الجنة )).

  إن علينا السمع والطاعة دون بحث عن العلة.. إننا لا نعرف ما هى العلة فى الركوع ولا ما هى العلة فى السجود.. لكننا نركع ونسجد فى كل صلاة أكثر من مرة بعدد ركعاتها.. وفى الوقت نفسه لا يرتبط والثواب فيما نفعل بتفسير العلة أو فهم السبب.. وكذلك لا نوقف ما نفعل فى انتظار أن نفهم ونفسر أو نعرف العلة.

يقول سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه:(( لو كان العمل فى هذا الدين بالعقل فقط لكان مسح باطن الخف أولى من ظهره )).. والمعروف أننا نمسح على وجه الخف عند الوضوء ( أحياناً ) مع أن الخف لا يكون ملوثا من وجهه وإنما من أسفله وهو الجزء الملامس للأرض.. وفى الوضوء ( أيضا ).. إن ما يخرج من الإنسان يفرض عليه الوضوء.. لكن عملية الوضوء نفسها لا تقترب من المناطق التى تسبب نقضه.. وهى أحد السبيلين.. ولو عرفنا الحكمة من وراء ذلك أو لم نعرف فإننا سنقوم بالوضوء.. على أننا مطالبون بالبحث عن الحكمة والعلة.. لنقول يااااه.. كم من شيء كنا نجهله وأتضح لنا أنه نافع ومفيد.. فربما كان الوضوء على النحو الذى نقوم به حتى لا ينفر من يصلى جوارنا منا.

  إننا عبيد الله.. والعبد لا يناقش سيده.. الله يقول لنا: افعلوا.. فنعل.. ننفذ.. ولا نناقش.. لو قلت لعبدك: اذهب واحضر فأراً.. لا يجوز أن يسألك عن السبب.. أنت تعرف السبب.. ومن حقك أن تكشفه له أو لا تكشفه.. ولو منَّ الله علينا بالسبب وشرح ما غاب عنا فهذه مكافأة لنا على إيماننا بالغيب وطاعتنا لما يأمرنا به.

إن الإضراب عن الطعام شئ صعب.. لكن.. الصيام وهو تنفيذ لأمر الله شئ سهل.. وهذا هو الفرق بين العبد المطيع والعبد العاصى.. وعندما نطيع الله فإننا نعظمه.. وإن كنا فى الوقت نفسه نعظم أنفسنا.. فالذى يطيع الله وينفذ تعاليمه هو الذى يستحق التعظيم بين البشر.. هو الذى يستحق أن نحبه.. ونسمعه.. وليس أى شخص أخر مهما بدا لنا.. يقول سبحانه وتعالى على لسان سيدنا إبراهيم (( يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين )).. والشائع فى تفسير هذه الآية أن الله أمر سيدنا إبراهيم بذبح سيدنا إسماعيل فكان رد سيدنا إسماعيل عليه: تفضل اذبحني.. لكن تأمل الآيات يجعلنا نقول: إن سيدنا إبراهيم قال:(( إنى أرى فى المنام )) وأرى فعل مضارع يفيد الاستمرار.. ومعناها انه نائم ويرى.. وهو غير منطقى.. ومن ثم فكلمة أرى هنا تعنى رأيت.. بدليل أنه يقول لولده: (( فانظر ماذا ترى )) هنا لم يقل له سيدنا إسماعيل اذبحني.. وإنما قال:(( يا أبت أفعل ما تؤمر )).. ومعناها أنك يا أبت رسول الله تصدر إليك الأوامر والتشريعات بالوحى الإلهي.. فإن كان قد أوحى إليه بالذبح فلينفذ.. أما الرؤيا فيجب عليه تأويلها.. ولا تنفذ حرفياً.. إنها ليست تشريعا.. وإنما وجهة نظر.. ببساطة يقول سيدنا إبراهيم.. إنى أرى أنى أذبحك فما رأيك؟.. وكان الجواب: أفعل ما تؤمر.. ولم يقل أفعل ما ترى.. لم يقل سيدنا إبراهيم أُمرت أن أذبحك.. وإنما قال: (( إنى أرى فى المنام إنى أذبحك )).. والرؤيا غير الأمر الإلهى.. والتشريع غير المنام.. ومن ثم فلو صمم سيدنا إبراهيم على تنفيذ المنام وذبح أبنه لعاقبه الله على ذلك.. لقال له: يا إبراهيم هل صدقت الرؤيا؟.. وكان أن قام الله سبحانه وتعالى بتأويل الرؤيا وفداه بذبح عظيم.. وعظيم هنا تعنى تعظيم الكبش.. فالخروف هنا من شعائر الله.. مثله مثل عرفات.. والصفا  والمروة وقبر إبراهيم.

لقد امرنا الله بأن نعظمه ونعظم شعائره.. بأن ننفذ ما نؤمر به.. تماما كما سجد الملائكة لآدم.. قال لهم اسجدوا لآدم فسجدوا.. لم يستهجنوا أو يعترضوا كما فعل إبليس الذى حلت عليه العنة فور أن رفض الطاعة وتنفيذ الأمر.. هذا هو فقه التعظيم فى الإسلام.. لكن.. هل يمتد التعظيم إلى أشخاص عاديين مثلنا؟.

إن التعظيم فى هذه الحالة يكون للوالدين وهو حقهما علينا.. لكن.. كل منا يعظم والديه فقط.. وليس مطلوباً أن نعظم كل والدين نقابلهما.. والتعظيم أيضا يكون للوطن.. أكون جاسوسا عليه.. أعظَّم من يصونه.. ومن يحترمه.. ويدافع عن سيادته.. وأعظم العلم.. والعلماء.. أعظم من يتقن حرفة معينة ويبرع فيها.. أعظم من يعمل بكتاب الله.. لكن (( رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )).. ورب شخص لا يحفظ آية واحدة من القرآن ونكرمه بسلوكه وتصرفاته وأخلاقه.. وعلى ذلك فالتعظيم يكون بقدر.. ليس مفروضاً على خلق الله إلا بنص إلهى أو نبوى وغير ذلك فهو غير ملزم للناس إلا بقدر ما ينفع الناس.. يقول سيدنا عمر بن الخطاب:(( لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى )).. فقال رجل من الصحابة:(( لو وجدنا فيك اعوجاجاً قومناك بهذا )).. وشهر سيفه.. فقال عمر: (( الحمد لله الذى جعل فى أمة محمد من يقوم عمر بن الخطاب بسيفه )).. لقد وضع عمر بن الخطاب قاعدة التعظيم.. وهى قاعدة نطبقها على البشر الأقل منه مهما كانت مرتبتهم البشرية ووظيفتهم الدينية.. لو أحسن أعناه ولو أخطأ قومناه.. فلا مبرر أن نعطى حصانة وعصمة لشخص لا يستحقها حتى لو كان يرتدى ملابس رجال الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله .

هذا هو الإرهاب على الطريقة الاسلامية

يكشف الجواب ما فيه من عنوانه .. لكن.. الاسم يمكن ألا يكون على مسمى .. بل يمكن أن يكون عكس المسمى .. ف"قمر" يمكن أن تكون متواضعة الجمال .. و" ست الناس" يمكن أن تكون عاملة بسيطة .. و"عنتر" يمكن أن يكون أشد الناس جبنا .." إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " . ولو تصورنا أننا أطلقنا اسم فندق " الهيلتون" على سجن " أبي زعبل" .. هل سيصبح سجنا خمس نجوم؟ .. ولو تصورنا أن أحد أعضاء تنظيم القاعدة اسمه "بوش" أو "تشيني" أو "باول" فهل نتهم الإدارة الأمريكية بالإرهاب ؟ .. إن الأسماء لا تقول شيئا .. الأسماء لا تصبح صفات.. وبهذا القانون الذى لا طعن فيه لا يجوز أن نصف كل ما هو إسلامي بأنه إرهابي .. فالاسلام شيئ .. والارهاب شيئ آخر .. الارهاب عمل فردي مهما كانت دوافعه ومبرراته .. والاسلام دين سماوي جاء لهداية البشرية لا لنسفها وحرقها . إن الربط بين الاسلام والارهاب خطأ شائع وأحيانا متعمد .. وهو يحمل درجة عالية من الاستسهال بنفس الدرجة التي إستسهل بها الناس تصورهم للملائكة و إدعاءهم أنهم إناث .. يقول سبحانه وتعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ستكتب شهادتهم وُيسألون" .. أي سيحاسبون .. وفي الحساب زجر .. والزجر هو التعريف بحدود الله .. وفي الحساب والزجر لغة تبدو شديدة التهديد .. لغة فيها ترهيب .. لكنه ترهيب فيه مصلحة للمخطئين .. فالله لا يتركهم على ما هم .. لايتركهم على أخطائهم ليحاسبهم بعد ذلك يوم القيامة .. لولا الترهيب هنا ما انتبه المخطئون ولبقوا على ما هم فيه ليفاجأوا بالحساب يوم القيامة . لكن .. ذلك أسلوب الضعفاء .. الذين لا يستطيعون المواجهة .. ويؤجلونها إلى اللحظة المناسبة .. على أن الله سبحانه وتعالى هو القوي الجبار الذي عليه أن ينذر قبل أن يحاسب .. ويعاقب .. وهنا نجد فرقا بين مكر الله ومكر الناس .. أو نجد فرقا بين المكر الحسن والمكر السيئ .. يقول سبحانه وتعالى " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " .. الناس ضعفاء .. يخبئون حجتهم ليستخدموها وقت اللزوم .. في الوقت المناسب بصورة مفاجئة .. مباغتة.. مذهلة .. وقاتلة .. لكن .. مكر الله يظهر ما عنده سبحانه وتعالى من قوة .. يخبر عن القوة التي عنده .. القوة التي أعدها لمن يرتكب خطأ .. فأخبر سبحانه وتعالى أنه قادر على العقاب .. ليفتح بذلك باب الرجوع عن الخطأ .. أخبرنا عما خبأه من عذاب حتى لا نستمر فيما نحن عليه .. لو قرأت في القرآن الكريم أن لدى الله أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما هل ستستمر في معصية الله ؟ .. هو يقول ذلك حتى ينفذ الناس ما أمر به وينتهوا عما نهي عنه .. فلا يحرقهم يوم القيامة .. وهو أشبه بإعلان القدرة والقوة .. الذي يؤدي إلى الردع .. وإعادة الأمور إلى نصابها دون إراقة نقطة واحدة من الدماء. إن العبرة ليست بالكلام .. العبرة بما ينفع الناس .. لقد جاء الهدهد بخبر بلقيس ملكة سبأ إلى سيدنا سليمان .. فأرسل إليها رسالة لتأتيه مسلمة .. فجمعت حاشيتها ووزراءها لتشاورهم في طلب سيدنا سليمان .. يقول سبحانه وتعالى : " قالت يا أيها الملأ إني ألقى إلى كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين .. قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" .. ردت عليهم : " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون " .. وعندما وصلت الهدية إلى سيدنا سليمان أن قال " أتمدونني بمال فما أتاني الله خير مما أتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " .. هنا بدأ التلويح بالقوة .. مجرد التلويح بها .. فاستجابت إلى طلبه .. وسافرت إليه .. ولكن .. قبل أن تصل قال سليمان " قال يا أيها الملأ أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين .. قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك .. وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " .. قبل أن يغمض عينه.. وهو ما حدث .. الذي عنده علم من الكتاب هو وزير سليمان واسمه أصفان بن بارخيا . وجاء العرش .. نوعا من استعراض القوة وباستغلال الميزة النسبية ..علم من الكتاب .. والميزة النسبية بلغة عصرنا .. هي كل ما يمنحنا تميزا عن الآخرين ويضاعف من قوتنا .. البترول وقناة السويس .. مثلا .. لقد أظهر سليمان قوته .. ولوح بها .. لم يباغت بلقيس بجنوده .. بل أنذرها لم يتركها على عماها .. وهو نوع من الرحمة .. والثقة .. وهذا هو مكر القوي .. أن يحدد لك النتائج قبل أن ترتكب الجرائم .. لا يتركك ترتكبها لينقض هو ويعاقبك بسببها .. إن الله سبحانه وتعالى لوح لنا بعذاب النار حتى لا نرتكب ما يجعلنا من أهلها .. وفي الوقت نفسه بشرنا بجنات ونعيم ولكن للمتقين .. لو كان الغرض تعذيب الناس لتركهم على جهلهم .. وفاجأهم يوم القيامة بكل ما هو موجود من عذاب .. لكن .. إظهار ما عند الله هو نوع من الرحمة .. فهو لا يريدنا أن نرتكب الأخطاء .. ولا يريدنا أن ندخل النار ونتعذب .. إن ذلك يذكرنا بعبارة "السرعة مراقبة بالرادار " .. إنها تجعلنا لا نرتكب المخالفات . ومن ثم فإن ما يمسى إرهابا إسلاميا هو في الحقيقة نوع من الإرهاب الوقائي .. ولا مجال لإظهار القوة فيه سوى منع الوقوع في الأخطاء .. وسوف نضرب أكثر من مثال حي للتدليل على ذلك : يوم إسلام عمر بن الخطاب .. ويوم هجرته من مكة إلى المدينة .. ويوم فتح مكة قبل دخولها .. ويوم فتح مكة عند الطواف بالكعبة .. ويوم حنين .. كل هذه أمثلة ستؤكد المعنى .. ولكن علينا الانتظار إلى العدد القادم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

مقامهٌ الشريف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين وبعد ,

إن الله سبحانه وتعالى جعل للأيام أقداراً ويعلو بعضها فوق بعض بحسب ما جعل فيها للعباد من خير وجعل للأماكن أقداراً وجعل بعضها فوق بعض بحسب ما حدث فيها للعباد من الخير وجعل الملائكة بعضهم فوق بعض وجعل الناس أيضاً بعضهم فوق بعض درجات بحسب ما أستخدمهم فيه وأجرى على أيديهم لعباده الخير .
وبهذا المقياس يكون خير الأماكن مكة التي وقع فيها ما وقع للعالمين من خير حيث اختارها الله مكاناً ولد فيه خير مولود وأسعد موجود وجعل على يديه الخير غير محدود فهو حبل الله الممدود وصاحب الشفاعة العظمى والحوض المورود , ثم جعل الله خير أيام الناس يوماً ولد فيه سيد الناس الذي لا يقاس به ولا عليه يقاس وجعل  الله في يد حبيبه الممدودة إليه لا ترد إلا بالعطية ولا يحرم منها أصحاب الأعمال الشقية وجعل الله الصلاة عليه واجبه في السر وفى العلن وأدخل الصلاة عليه ضمن الصلاة المكتوبة في التشهد وميز أهل بيته بفضله أكراماً له فقال الشافعي :

          يا آل بيت رسول الله حبكم      فرضاً من القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم القدر أنكم      من لم يصلى عليكم فلا صلاة له

فصلاة على رسوله وآل بيته صلاة واحدة لا صلاتين فمن صلى على رسول الله دون أن يصلى على آل بيته فقد أتى بالبتراء والبتراء عديمة الفائدة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال إياكم والبتراء قيل ما هي يا رسول الله فقال التي يصلى علىّ فيها ولا يصلى على أهل بيتي .
ومن هنا كان تعظيم رسول الله لأوجب الواجب وحب رسول الله من أكد الفرض وطبعاً حب رسول الله يستوجب الصلاة عليه وقطعاً الصلاة عليه تستوجب الصلاة على أهل بيته ولو رأى العالم على اختلاف دياناتهم أن المسلمين يعظمون نبيهم
" وهذا واجب " ثم يصلون عليه سراً وعلناً والأحسن أن يكون عقب الآذان خمس مرات في اليوم يسمع الناس فيها المسلمون يصلون على رسول الله والمؤذن يصلى ويسلّم عليه وآل بيته والسامع يصلى عليه وآل بيته ثم لو أظهر المسلمون احترامهم لرسول الله ولم ينطقوا اسمه مجرداً بل مسبوقاً بالسيادة ثم لو رأى العالم أن المسلمين يحتفلون بمولده الشريف ويظهرون الفرحة بفضل الله عليهم ورحمته " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .
أقول لو رأى العالم أن المسلمين يعظمون نبيهم ويفرحون بنبيهم ويقرون له بالسيادة لما تجرؤا عليه ولحسبوا ألف حساب للمسلمين ولشعر العالم بقدسية النبي .
أيها المسلمون كيف تستبيحون لأنفسكم عدم تعظيم رسول الله ثم تخوضون في جنابه وبعد ذلك تتباكون عندما يتطاول السفهاء على مقامه الشريف .
أقول قولي هذا
ولا حول ولا قوة إلا بالله  العلى العظيم

الطعن فى سيدنا محمد هو طعن فى المسيح عليه السلام
والسخريه منه تلغى روحانية المسيحيه وتحطم أعمدتها

" يا مريم إن الله إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نساء العالمين  "

هكذا . . ترد سيرة السيده العذراء فى القرآن الكريم . . الكتاب المقدس للمسلمين . والإصطفاء هو المصارحه والمكاشفه وإزالة الحواجز بين العبد وربه . . والطهر هو خلو الروح والجسد من الدنس ووسوسة الشيطان وغوايته . . وقد كان إصطفاء مريم وتطهيرها أول الغيث لتكون إحدى سيدات العالمين . . قبل أن يرسل لها الروح الأمين ( جبريل ) فى صورة بشريه ليهب لها غلاماً . . " قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا " . . وتعجبت مريم مما سمعت . . وقالت : " أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً ؟ " . . قال : " كذلك قال ربك . . هو على هين . . ولنجعله آيه للناس ورحمه وكان أمراً مقضيا " .
وقعت المعجزه . . وعاد جبريل إلى مريم ليقول لها : " إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً فى الدنيا والآخره ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلاً ومن الصالحين " . . وفاجأها المخاض . . وأمسكت بجذع النخله وهى تتمنى أن تموت قبل أن يأتى مثل هذا اليوم وتكون نسياً منسياً . . لكن المعجزه لم تتوقف . . فقد ناداها الطفل من تحتها قائلاً : " أن لاتحزنى قد جعل ربك تحتك سرياً " . . وطلب منها ألا تكلم أحداً . . وأن تترك كل من يطعن فى شرفها له . . فأشارت إليه . . قالوا : " كيف نكلم من كان فى المهد صبياً ؟ " . . فقال عيسى عليه السلام : " إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبياً وجعلنى مباركاً أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا وبراً بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً " .
لقد ولد السيد المسيح بنفخه من روح الله . . " فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وإبنها آيه للعالمين " . . وجعله يبرىء أمه قبل أن يتنفس أول شمة هواء . . وعلمه الغيب . . والحكمه . . والرحمه . . والعداله . . والحكم بين الناس . . ونفذ مشيئة الله بإنزال مائده من السماء . . ومنحه معجزات الشفاء وإحياء الموتى . . وكشف الحقيقه . . وصعد بروحه إلى السماء .
هذا هو المسيح وأمه البتول عند المسلمين وفى كتابهم المقدس . . مكانه رفيعه . . تتجاوز القداسه . . بل ربما لم ينصف دين غير الإسلام نبياً مثل عيسى بكل ما أحيط به من أشياء غير معتاده بالنسبه لناموس الحياه . . لكن . . الغريب أن بعض رجال الدين المسيحى لا يكفون أحياناً فى الطعن فى الإسلام ونبيه . . والسخريه منه . . كما حدث فى المسرحيه التى أثارت الفتنه فى كنيسة محرم بك بالأسكندريه . . وما يحدث ليل نهار فى قناه فضائيه مسيحيه تبث لإرسالها من الخارج إسمها الحياه يتولاها كاهن أوقس مصرى هو زكريا بطرس .
لا يكف هولاء المصابون بعمى القلب عن الطعن فى رسول الله وفى دعوته وديانته وقرآنه دون أن يدركوا أن هذا الطعن لو صدق لسقطت عقيدتهم وهدمت من أساسها . . فلو مشينا معهم إلى آخر المشوار وأعتبرنا كل ما يمت للمسلمين بصله خرافه كما يدعون فإن ذلك يعنى أن تفسير الإسلام لتطهير مريم وإصطفائها ونفخة الله التى أتت بولدها بكل معجزاته هو أيضاً خرافه لا وجود لها . . ومن ثم يكون علينا . . كما يطلبوننا بتشغيل العقل والمنطق وعلم الأحياء البشريه . . أن نسأل كيف جاء المسيح ؟ . . وكيف جاء دون أب ؟ . . وما الذى فعلته أمه ؟ . . وما الرأى فيها ؟ . . وغيرها من الأسئله التى يفرضها العلم التجريبى والعقل البارد المجرد من الإيمان لو رفضنا القرآن وروايته . فمن مصلحة الذين يهاجمون الإسلام أن يدافعوا عن الإسلام فهو يتضمن الدفاع عن نبيهم . . ونبينا أيضا . . من مصلحتهم التمسك بما جاء فى القرآن والإصرار عليه لأن فى ذلك تمجيداً وتبجيلاً وتبريراً لكل ما تقوم عليه المسيحيه . . فلو أسقطوه لسقطت . ولو ضربوه ضربت . . ولو دمروه دمرت ولو شككوا فيه إنصرف الناس عنها وأعتبروا ما جاءت به من معجزات هى خرافات .
إن الفتنه قائمه لكنها نائمه . . لعن الله من أيقظها . . وقد جرت مناقشه بين شيخ صوفى ورجل دين مسيحى بدأها الكاهن بسؤال خبيث عن الإفك الذى أتهمت فيه السيده عائشه رضى الله عنها بما يسىء . . فكان رد العالم الصوفى الجليل : إن ذلك حدث مرتين فى الدنيا . . الأولى لسيده أنجبت دون زواج والثانيه لزوجه معها زوجها . . ففهم الكاهن الإشاره ولم يكمل الشيخ . . فلماذا نقبل بالروح ديانتنا ونستخدم العقل فى تشريح ديانة غيرنا . . " ولكم دينكم ولى دين " . . ولماذا لا تكون الدعوه لكل دين دعوه خالصه لا تشوبها شوائب الهجوم على الديانات الأخرى والسخريه من أنبيائها ؟ . . " أدع إلى سبيل ربك بالحكمه والموعظة الحسنه " .
إن المسلمين مطالبون بالإيمان بكل الرسل والملائكه الذين جاءوا قبل نبيهم لا يفرقون بين أحد منهم . . ولا يكتمل إيمانهم إلا بذلك . . ولكن . . لا يمكن السكوت علي ما يوجه إلى نبيهم من إهانات تأتى من الداخل والخارج وتفجر مشاعر من الألم والإهانه غير مقبوله . . فما الذى يريده هؤلاء المتجاوزون ؟ . . هل يريدون معامله بالمثل . . سخريه بسخريه . . وتشكيكاً بتشكيك . . وإهانه بإهانه ؟ . . هل يريدون الكيل بنفس المكيال ؟ . . لتشتعل النار ويحترق الجميع بها ؟
وقد كنا نتصور أن مثل هذه التجاوزات تجعل البابا شنوده رأس الكنيسه القبطيه ينفعل ويسخن ويمنع ذلك كله . . كان عليه أن يعاقب رجال كنيسة محرم بك على ما سمحوا به . . لا أن يسحبهم إلى دير وادى النطرون ليخفيهم عن العداله وغضب المسلمين . . وكأن الدير بعيده عن سلطة القانون فى مصر . . كان عليه أن يقدمهم بنفسه إلى النائب العام بتهمة الإساءه لديانه أخرى . . لا يتصرف وكأنه فوق القانون . . كان عليه أن يرسل أكثر من رسول إلى ذلك الرجل المتطاول زكريا بطرس كى يعيده إلى الصواب . . لا يكتفى بالقول أنه رجل دين قبطى مشلوح ولا سلطان للكنيسه عليه . . مما فتح الباب لتصور سائد عند البعض بما يسمى بتوزيع الأدوار .
إن الذى يتبع أى نبى لا يمكن أن يسىء الأدب إلى نبى آخر . . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأنبياء أخوه دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم فليس بينى وبينه نبى " . . وقد كان عيسى عليه السلام يعلم الناس " كيف يشيحون بوجوههم وألسنتهم عن القبح ويستخرجون من الكون أجمل مافيه " . . فكيف لم يفهم ذلك الذين يرتدون مسوح الرهبان . . فكانت دعوته قمه من قمم السمو الروحى والمثاليه النبيله . . فكيف لم يستوعبها الذين يروجون لرسالته ؟ . . فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أويصيبهم عذاب أليم " . .
ونحن لا نريد أن نكون فى الفتنه ظهراً يركب ولا ضرعاً يحلب ولا لحماً يؤكل فليخرج البابا شنوده ويقدم ما يفتح الله عليه به من إعتذار . . ووعد بألا يتكرر ما يحدث . وإلا لن نقدر على إنفلات الأعصاب الساخنه . . والنفوس المجروحه . . اللهم بلغنا اللهم فاشهد .
إن المسلمين لا يقبلون هذا التطاول على دينهم وليس هذا الأمر بجديد . . فقد حدث ذلك فى حياته صلى الله عليه وسلم . . فقد كان الكفار يهجونه شعراً . . وكما هو معلوم فإن الله لم يعلمه الشعر ليرد عليهم . . " وما علمناه الشعر وماينبغى له " . . ويومها أشار النبى إلى أحد صحابته وهو سيدنا حسان بن ثابت , وكان شاعراً , وقال له : " أجب عنى يا حسان " . . فأخذ حسان بن ثابت يرد هجاءهم بما هو أشد . . فسمع الشاعر الكافر يقول له : " لما تهجونى وأنا لم أهجك " . . فقال حسان بن ثابت له شعراً : " هجوت محمداً فأصبت عنه . . وعند الله فى ذاك الجزاء " . .
أتهجوه ولست له بكفء . . فشركم لخيركم الفداء " . . فمن يهجوا رسول الله منكم . . ويمدحه وينصره سواء " . . فإن أبى ووالده وعرضى لعرض محمد منكم وقاء "
هذا ما يعلمه المسلمون عن رسول الله . . وهم على إستعداد لفدائه من آبائهم وأجدادهم وأعراضهم . . والخوف كل الخوف أن يقتنع الشباب بما يسىء إلى رسول الله فيهدمون بذلك الأديان الأخرى . . فالرسول يعتبر الشاهد الوحيد على صدق وبرائة ونزاهة سيدنا عيسى عليه السلام وسيدنا موسى عليه السلام . . والطعن فى الشاهد الوحيد على برائة صاحب القضيه سوف يعود بالخسران على صاحب القضيه نفسه . . " وأتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه " . . ومره أخرى . . اللهم أنى بلغت . . اللهم فأشهد . . و لا حول و لا قوة إلا بالله .

{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
صدق الله العظيم

بفرحة المدعوين الكرام إلى بيت الله الحرام المؤدين بالكمال والمطالبين بالإتمام .. التقيت بسماحة الإمام السلام عليكم مولانا وعليكم من الله التحية والسلام .
قلت : مولانا الكريم وقد أهللت بالإحرام قاصدا البيت الحرام نسأل الله لسماحتكم سفراً أمنا وحجا مبروراً وعوداً مجبوراً وعملاً مأجوراً وذنباً مغفوراً .
 قال السيد والحاضرون : اللهم أمين .
قلت : قال الله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فلماذا لم يقل سبحانه وأكملوا بدلا من قوله وأتموا خاصة أن هذا اللفظ الكريم ورد فى أية أخرى فى قوله تعالى ( ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ) . وقد علمنا منكم أنه لا مترادفات فى القرأن ؟ .
قال سماحته : نعم .. وإذا أردت أن تعرف الفيصل فى هذا الأمر فعليك بقوله تعـــالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وعلى ذلك فالإكمال هو وفاء المطلوب من حيث العدد إن كان معدوداً والوزن إن كان موزونا والكيل إن كان مكيلأ وهكذا .. أما الإتمام فهو مراعاة المقاييس والمعايير والمواصفات الغير منظورة والمتعلقة بالتركيب الداخلى للمطلوب فمن أدى المطلوب حسب المواصفات الظاهرة فقد أكمل وإن كان رديئاً ومن أداه حسب المواصفات الباطـنة ( الخفية ) فقد أتم وإن كان ناقصاً ، ومن أداه حسب ظاهره وباطنه معا فقد وفى أى أكمل وأتم وكما أكمل الله لنا ديننا وأتم علينا نعمته فقد أعطانا بالوفاء وإذا طالبنا بشىء مما أعطانا فقد وجب علينا أن نؤديه بالوفاء كمالاً وتماماً ونعود إلى موضوعنا وهو الحج يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عنى مناسككم ) أى عليكم أن تتعلموا منى كيفية أداء المناسك الخاصة بهذه الشعيرة المباركة من النية والإحرام والسفر والتلبية والطواف والسعى والوقوف بعرفات والجمع تقديما مع القصر فى عرفات والجمع تأخيراً فى مزدلفة وجمع الجمرات ثم بعد ذلك الرجم أوالرمى والتحلل والهدى والإفراد والإقران فإن فعلنا ذلك نكون قد قضينا المناسك أى أكملنا أداءها ظاهراً ولكن هذا غير كاف فقد يفعل ذلك بعض الناس وهم لم يقصدوا البيت للنسك أصلاً بل لسمعة أوتجارة أومثلاً السرقة بين الزحام أوأى شىء أخر خلاف المقاصد الحقيقية للحج أوقد يحج بعضهم من مال حرام أوليأخذ هذا الأمر ستاراً لكسب ثقة الناس فيه وهو ليس كذلك والله أعلم بخلقه أكثر من علمهم بأنفسهم ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) لذلك قال سبحانه لعباده قصاد بيته أن إكمال المناسك لايعفى من إتمامها والإتمام معناه تحرى المال الحلال وقصد البيت للنسك مع الانضباط الكامل أثناء الحج فلا يرفث ولا يفسق ( فلا رفث ولا وفسوق ولا جدال فى الحج ) فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقل من حج وأدى المناسك كاملة رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه بل قال : ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ويمكنك القول أن الكمال أداء الكم وأن التمام أداء الكيف أى الجودة والوفاء هو الجمع بينهما وقدوة الحجيج جميعا هو أبوالأنبياء إبراهيم الذى أمره الله تعالى أن يؤذن فى الناس بالحج ( وأذن فى الناس بالحـج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات ) . وعلى ذك فإن سيدنا إبراهيم قد أدى المناسك الظاهرة والباطنة أى أكمل وأتم لهذا وصف الله سيدنا إبراهيم بالوفاء أى الجمع بين الكمـال والتمـام فقال تعـالى : ( وابراهيم الذى وفى ) فهل فهمت .
 قلت : نعم وهذه من المرات القلائل جداً .
 قال سماحته : هل أكملت لك الجواب  قلت : يامولانا لقد أكملت وأتممت أى وفيت وأوفيت لنا الكيل . وتصدقت علينا وجعلكم الله من المتصدقين المحبوبين عنده وأعتقد أن هذا إيجاز بغير إعجاز ( من التعجيز ) ولكنه إيجاز وإعجـاز ( أى يصعب رده أو إلاتيان بمثله ) ولا أزكى على الله أحدا .
العودة

من قتل سماحة الإسلام ؟

* المسلمون يرون في مشايخهم صورة من الرسول الكريم وصدمتهم تكون كبيرة عندما يكتشفون أن ذلك سراب .
* التسامح من صفات النبي .. فمن تأسى به وعفا وأصلح فأجره على الله .. وأكثر الناس تأسياً به هم الأنبياء .. والمرسلون .. والأولياء .. والعلماء .. وورثتهم .
* من حق الناس على علمائهم الرحمة والنصيحة والفتوى والسماحة والعفو عند المقدرة حتى لا يظن المسلمون أن الإسلام مات بموت رسول الله ..
لا يحتاج " رمضان " لطلقات الحبر التي نكتبها .. وإنما للحظات النور التي نتلقفها .. ونتنفسها .. ونتغذى عليها .. فأول " رمضان " رحمة .. ووسطه مغفرة .. وآخره عتقٌ من النار .. آخره مكافأة .. النجاة من جهنم .
ولو كان " رمضان " جوعاً وعطشاً لكنا مثل الذي أفلت رجليه من حافة مرتفعة دون أن يجد شُرفة بديلة يتعلق بها .. فيبقى قائماً بين السماء والأرض .. ينتظر من يرفعه .. ويمسك بيده .. وينقذه .. ولا يسقطه .. أو يُلقى به .. فتنكسر رقبته .. وينتهي أمره .
ولن ينقذنا من زلة القدم .. أو زلة القلب .. أو زلة اللسان .. سوى النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو المرشد .. والدليل .. والمعلم .. والإمام .. والشفيع .. والبوصلة .. وخارطة الطريق .. وبوليصة التأمين .
يقول سبحانه وتعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) " سورة الإسراء .. هذا كلام الله الذي يضع شروطاً على من يريد أن يكون النبي أسوةً حسنةًً له .. فالبوابة ليست مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب .. أن " يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ " .. و " ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " .
و " يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ " ..معناها يبتغى مرضات الله فى الدنيا والآخرة .. المشي على الصراط المستقيم .. أما ذكر الله .. فيجب أن يكون كثيراً .. كي نمشي في طريق النبي .. فمن يكتفي بذكر الله " قليلاً " .. في المناسبات .. والأزمات .. فهو منافق .. فقد قال الله عن المنافقين : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) " سورة النساء .
ولو كان ذكر الله قليلاً يضعنا في خانة النفاق فإن نسيان ذكره تماماً يهددنا بالخروج من الإيمان .. الإيمان الذي يتوقف درجته على مدى تأسينا بالنبي .. والتشبه به .. وبأخلاقه .. ومنها التسامح .
على قدر ما رُزق العبد من تسامح تكون درجة تأسيه بالنبي .. فلو قل التسامح عنده قل تأسيه بالنبي .. ولو زاد تسامحه زاد تأسيه بالنبي .
في بداية الدعوة لم يتوان أهل مكة في إيذاء النبي .. ومقاطعته .. وحصاره .. ومطاردته .. والتضييق عليه .. وتعذيب أتباعه الذين هاجروا مرتين وخرج النبي منها ليلاً وقلبه يتألم وهو يقول : " الله يعلم أنك أحب بقاع ألأرض إلى قلبي .. ولولا أن أهلك أخرجوني منها ما خرجت " .
فلما مكنه الله من رءوس أعدائه الكفار عندما عاد إلى مكة فاتحاً وقوياً ومنتصراً ومسيطراً وأصبح أهلها الذين يستحقون ما هو أكثر من الهلاك بسبب ما فعلوا في قبضته فسألهم : " ما تظنون أنى فاعلٌ بكم " .. قالوا : " خيراً .. أخٌ كريم وابن أخٍ كريم " فلم يُخيِّب رجاءهم .. ولو يُضيِّع آمالهم .. ولم يخذلهم رغم أنهم كفار .. فقال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " .. هل هناك دليل على التسامح أكبر من ذلك ؟ .
وعندما أُستشهد سيدنا حمزة بن عبد المطلب وتوعد الرسول بقتل عشرة رجال أمامه فور أن علم بالتنكيل بجثته حيث بقرت هند بنت عُتبة زوج أبى سُفيان وأم معاوية بطنه وأخذت قطعة من كبده ولاكتها بفمها .. لكن .. عندما جاءته مسلمة أفسح لها صدره وقلبه وعفا عنها .. إنها أخلاق النبي .. رسول الله .
لقد توعد بقتل عشرة فقال سبحانه وتعالى له : " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ .... ( 126 ) " سورة النحل .. فقال النبي : " إذاً فواحد " .. فقال سبحانه وتعالى : " وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) " سورة النحل .. عندها قال النبي : " أصبر .. وأحتسب الحمزة عند الله " .. نوع من السماح والعفو عند المقدرة .
ولم يتعامل أهل الطائف مع النبي بأفضل مما تعامل أهل مكة .. فقد سلطوا عليه صبيانهم حتى أن ملك الجبال جاء إليه قائلاً : " يا رسول الله لو أمرتني أن أُطبق عليهم الأخشبين لفعلت " .. فقال النبي : " اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله " .
قال ذلك في الوقت الذي كانت تنزف فيه قدماه دماً من شدة الإيذاء بالحجارة .. وقد آوى إلى حديقة دون أن يجد من يعطيه شربة ماء ولا كلمة طيبة إلا غلاماً كان مسيحياً تعرف عليه وسقاه وقدم إليه فاكهة وسمعه يناجى ربه قائلاً : " اللهم إني إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تَكِلُني إلى بعيدٍ يتجهمن أم إلى عدوٍ ملكته أمري إن لم يكن بك غضبٌ علىَّ فلا أبالى ولكن عافيتك هي أوسعُ لي " .
إن التسامح من صفات النبي .. فمن تأسى به وعفا وأصلح فأجره على الله .. وأكثر الناس تأسياً به هم الأنبياء .. والمرسلون .. والأولياء .. والعلماء .. وورثتهم .. ولا نظن أن عالماً منهم لا يعلم بما ذكرناه .. ولا يحفظه .. ولا يردده .. لكن .. لا نظن أيضاً أن مهمة العالم مجرد الكلام وهو يخطب في الناس بحماس .. ويطلب منهم ما لا ينفذه .. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) " سورة الصف .
والمعروف أن المسلمين يرون في مشايخهم صورة ولو بسيطة من رسول الله فتكون صدمتهم كبيرة عندما يكتشفون أن ذلك سراب .. ووهم .. ومجرد خُطب محفوظة مسبقاً .
لقد دخل رجل مسجد رسول الله ولم يكن مخموراً ولم يكن مجنوناً ومشى إلى القبلة ووقف قبالتها وراح يتبول فيها بينما الرسول يعطى درساً لصحابته .. فلما همَّ الصحابة من مكانهم ليؤذوا الرجل استوقفهم الرسول قائلاً برحمته وسماحته : " لا تقطعوا عليه بولته فتؤذوه " .. وعندما انتهى الرجل قال الرسول : " أريقوا عليه دلواً من الماء " .. ثم وضع يده الشريفة على كتف الرجل بحنان العالم على الجاهل وقال له : " يا هذا إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول أو القذر وإنما هي لذكر الله وقراءة القرآن " .. فنظر إليه الرجل متعجباً .. متسائلاً ولو بينه وبين نفسه : " هل هناك مخلوق على وجه الأرض يتحمل لهذه الدرجة وأصحابه حوله قادرون على الفتك به وهو ليس على دينهم ويقوم بالنصح بكل هذا الصبر ؟ " .
بعد ثوان من الصمت المتأمل قال الرجل : " يا محمد علمت أنك بالمؤمنين رءوف رحيم فقلت هذا منطقي فلما علمت أنك رحمة للعالمين استغربت ذلك فأردت أن أتيقن من حقيقة هذا القول وأنا واحد من العالمين آذيتك في مشاعرك وفى بيت الله الذي تحترمه وتقدره وأنا على غير الدين فما هذه الرحمة .. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله " .
إن النبي هو إمام المسلمين الأكبر بقرار من الله سبحانه وتعالى تقبل أن يكشف رجل كافر عورته ويبول في مسجده وفى حضرته وفى وجود صحابته فلا يقطع عليه ما يفعل حتى لا يؤذيه .. ثم يناقشه بالحسنى .. ويسامحه فيما فعل .. فتكون النتيجة دخوله الإسلام .
ولعلنا لو ننسى أن خالد بن الوليد حارب النبي طويلاً .. بل .. كان السبب في هزيمة المسلمين يوم أُحد .. ماذا حدث عندما أقبل على النبي ؟ .. عهد إليه بقيادة جيوش المسلمين .. فانتصر لهم .. لولا تسامح النبي معه لخسرته الأمة فارساً في الفتوحات الإسلامية .. لخسرت الأمة سيف الله المسلول .
بل إن معظم الصحابة الذين بُشروا بالجنة آذوا النبي قبل إسلامهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب .. لكن .. النبي عفا وأصلح وكان أجره على الله .. وهو ما حدث مع أهل مكة بعد عودته إليها .. عندما قالوا له : " أخٌ كريم وابن أخٍ كريم " اعتبر ذلك نوعاً من الاعتذار ولو لم يكن الاعتذار صريحاً واضحاً .. فلم يتردد في أن يقول لهم : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " .. عفا الله عما سلف .. كأن لم يكن .
هل يتأسى العلماء بحضرة النبي ؟ .. هل يجد الناس عندهم المأوى إذا خافوا .. والفتوى إذا فعلوا .. والنصيحة إذا تجاوزوا .. والعفو إذا أخطأوا حتى لا يظن المسلمون أن الإسلام انتهى بوفاة الرسول ؟ .
" وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ .... ( 7 ) " سورة الحجرات .. والمقصود .. إننا نريد أن نشعر بأن رسول الله لا يزال موجوداً بيننا .. واعلموا أن فيكم علماء كباراً يواصلون رسالتي .. يتأسون بي .. ويتصرفون مثلي .. ويحملون خلقي .. وينفذون وصيتي : " الراحمون يرحمهم الله " .. وإلا لا أحد يتحدث منهم في شئون الدين إلا على قدر ما يستطيع أن ينفذ ويشيل .. و " من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة ولن يلج الجنة " .
من حق المسلمين جميعاً أن يظنوا في علمائهم خيراًَ وأن ينزلوهم منازلهم وأن يحترموهم احتراماً شديداً .. ومن حق الناس على علمائهم الرحمة والنصيحة والفتوى والسماحة والعفو عند المقدرة حتى لا يظن المسلمون أن الإسلام مات بموت رسول الله ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا