لدغة
البرغوث
المقصود
هنا هو ليس البرغوث المتعارف عليه في علم
الأحياء، هناك فروق ضئيلة، فالاسم متشابه،
و هناك شبه أيضا في بعض الصفات . يا له من
كائن غتت، ثقيل الدم، لابِد في الفراش،
يدخل من تحت اللحاف و يزحف بدون حفيف تحت
القميص، و يقرص القرصة، لا تشعر بها إلا
بعد أن يصل هو لغايته و يأخذ مراده و
يتركك لتفرك أثر الأكلان في جتتك. ليس له
كبير، لا يفرق بين عزيز و حقير، و لا بين
ملك و صعلوك، لا يسلم من غتاتته الفراعين
ولا الهامانيون. أذكر هنا بعض الأمثلة
لوخزاته:
يا مصر هانت و بانت كلها
كام يوم، نهارنا نادي ونهار الندل موش
باين
الدولة ما فضلشي فيها غير
شوية شوم، لو مش مصدق تعالى ع الميدان
عاين
لم يسلم من لدغاته كنباوي
حين وخز بلسانه اللاذع:
يا ناس ما فيش حاكم إلا من
خيال محكوم، و اللي ح يقعد في بيته بعدها
خاين
اللي ح يقعد كأنه سلم
التانيين، للأمن بإيديه و قال له هم
ساكنين فين
و لم يسلم من لدغاته وطني:
قلت لصحابي انزلوا، و أنا
بعيد عنهم
قلت لقرايبي انزلوا، و أنا
بعيد عنهم
نزلوا الشباب الميدان و
أنا بعيد عنهم
كسروا الشباب البيبان، و
أنا بعيد عنهم
دخل الشباب في الموت، و
أنا بعيد عنهم
يا موت قوم امتحنني أعتذر
منهم
اشمعنى يا كلب تستثنيني من
بينهم
يوم الخطر قبلها ما كنت
أجبنهم
يا موت تعالى أعوض غربتي و
منفاي
يا موت تعالى أحاسبك ع
القديم و الجاي
يا موت تعالى و نتقاسمك
أنا و عداي
و لا تطال عزوتي، و أنا
بعيد عنهم
يا ولداه، حتى الموت لم
يسلم من قرصه. و القدر؟
يا صبح طلّعت روحنا لاجل
تيجي يا خيّ، طالعين نجيبها أهُه في كل
حارة و حيّ
الآلهة لم تسلم من
البرغوت:
كان للفراعنة إله قرد و
إله تمساح
و للإله كهنة و عسكر يقف
بسلاح
و خزنة متقفلة بالضبة و
المفتاح
و قصر يشبه قصور الجمهورية
براح
يا عيني ع الآلهه بقوا
فرجة للسياح
آه منك مخلوق غتت، يحلو لك
الوخز في الجروح، و النخورة فيها قبل أن
تلتئم. أدعو الله لك أن يلهمك مزيدا من
الوخز و حارق اللسع، فمن لم يستطع مثل هذا
البرغوت أن يقلق منامه، لا يستحق أن يوصف
بالآدمية، فتحية لكل ملسوع منك متيقظ، و
الويل لمعدومي الإحساس.
أما العبد لله فلم يسلم مع
غيره من اللدغ، و تسبب البرغوت في قض
المضجع، و لم اعد اهنأ من ساعتها بنومة
صحية:
لما تشوف الشهيد تبقى
السلامة خجل،
و تبقى عايز تقول له: يا
أخي آسف
طب قول لي بس اعمل ايه؟ لو
يعني فيها عمل
اللقمة دي لك نصيب فيها
باشيلهولك،
و اشيل نصيبك من القعدة و
كاسات الشاي
لكن نصيبك في أنفاسي أشيله
ازاي؟
و ازاي أشيل لك نصيبك من
فرحنا الجاي
مين قال لك الموت طبيعي
يبقى مش شايف،
الموت ده شيء مش طبيعي
الموت ده أصله خلل
الأصل فينا الخلود، و ها
ييجي يوم نلقاه
ما تحسبوش الشهيد إدّاكوا
بس حياة،
ما موتهوش هو وحده اللي
برصاصة رماه
ده طخ إبنه اللي لسه ما
اتولدشي معاه
و طخ أولاد ولاده لآخر
الأيام،
موّت معاه بشرية كاملة
محتملة
عِدّوا بقى فيها كام شاعر
و كام رسام،
و كام طبيب عبقري بين
الأطبة إمام
و فيلسوف له على حكم
الليالي كلام
و بنت نظرتها تشفي القلب
من داؤه
فيه شعب كامل رحل ما عرفش
أسماؤه
في جسم كل شهيد فيه مصر
مكتملة،
ف خلوا مصر اللي فاضلة
تعيش كما شاؤا
إمضاء: ملسوع
(مقبسات
من أشعار تميم البرغوثي) |