السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 
 

السيرة النبوية الشريفة

تقديم : د. محمد الرمادى
فيينا / 201
7

 

« يُتم „ محمد ‟! »
ابتلاءات الرسول:
" ١ "﴿ أبلغ اليُتم(1) ﴾

تمهيد لمسألة يتم محمد :
مِن سُنة الحياة ومن نواميسها «„ الابتلاء ‟» سواء أكان في الجسد والصحة البدنية أو النفسية أو العقلية أو المال والتجارة أو العجز الجسدي والأمراض الموسمية العابرة أو المرض العضال الذي يصعب برؤه مع التقدم العلمي الحالي.. وأخيرا في الحياة الدنيا ما يصيب المرء من نهاية محتومة : أي الموت.
سأذكر طائفة من نصوص الوحي بشقيه: القرآن الكريم؛ والسنة النبوية العطرة؛ واللافت أن الإبتلاء والإختبار -بغض النظر عن نوعه ودرجته- يأتي حسب القدرات البدنية أو النفسية وإمكانات الصبر والإحتساب.. والدرجة من الإيمان وثبات العقيدة.
اُقسمُ الآيات البينات إلى مقاطع أو مشاهد ليسهل على المتـأمل لنصوص الوحي إدراك المعني التبليغي والمراد التشريعي من ذكر هذه الآيات الكريمات.. فأبدء العرض الموضوعي لهذه المسألة «„ الابتلاء ‟» بتعبير مناسب للنفس البشرية بصفة عامة.. إذ نطق الذكر الحكيم فجعل «„ الابتلاءَ بِـ "شَيْءٍ" ‟» من الخوف.. وليس بالخوف كله.. والناظر في مقاطع آية البقرة يجد خمسة مشاهد، فجاء في سورة البقرة قول مَن رفع السموات بغير عمد نراها: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم ﴾ ﴿ بِشَيْءٍ ﴾ ( ١ ) المشهد الأول؛ ﴿ مِّنَ الْخَوْفِ ﴾ ( ٢ ) أما المشهد الثاني: ﴿ وَالْجُوعِ ﴾ ( ٣ ) المشهد الثالث يتحدث عن﴿ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ ﴾ ( ٤ ) لمشهد الرابع: ﴿ وَالْأَنفُسِ ﴾ ( ٥ ) والمشهد الخامس يتحدث عن نقص ﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ .. والنص الكريم لم يترك حالة إنسانية وإلا وهي تنطوي تحت واحدة من هذه الخمس المذكورة.. ثم يأتي بحكمٍ شرعي بعد هذه أو بعض الإبتلاءات المذكورة وهي بشارة إلهية لمَن صبر وأحتسب فنطق القرآن يقول : ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾(2)
ثم يأتي الإبتلاء سواء أكان بالإنعام والإكرام أو بقلة الرزق.. وجعلهما القرآن العظيم إبتلاءً؛ فقال: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ﴾ ﴿ ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾ ﴿ فَأَكْرَمَهُ﴾ ﴿ وَنَعَّمَهُ ﴾ ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ *.. فجعل سبحانه الإنعام والإكرام ابتلاءً.. وهذا إبتلاءُ الإنعام؛ ثم يأتي بعكس الإنعام وخلاف الإكرام في قوله : ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ ﴾ ﴿ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ * يأتي الرد مباشرة بـ ﴿ كَلَّاۖ ﴾ ثم يذكر حالات ما جرى بسببه الإبتلاء: ﴿ بَل لَّا تُكْرِمُونَ ﴾ ﴿ الْيَتِيمَ ﴾ * ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ * ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا ﴾ * ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾(3)
الله جل وعلا وهو العليم الخبير الحكيم يخبرنا باسلوب بلاغي يناسب العقل البشري والإدراك الإنساني والفهم الآدمي فيقول:" ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ ﴿حَتَّىٰ ﴾ ﴿ نَعْلَمَ ﴾ مراد العليم الخبير أن ترى بنفسك رد فعلك بما تم من اختبارك.. ﴿ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ ﴾ في كافة أنواع الإبتلاءات والإختبارات والإمتحانات ويحدد ما يتصفون به﴿ وَالصَّابِرِينَ ﴾ ﴿ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾(4).
وأخيراً أعتبر الوحي المنزل من فوق سبع سموات طباقا „الموت‟ بأنه „مصيبة‟ فقال . ﴿ مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾(5).
ولا نغفل السنة النبوية المحمدية بخصوص مسألة الإبتلاء.. وهي جزء من الوحي السماوي الذي نزل به أمين السماء جبريل -عليه السلام- على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله؛ ولنأتي بمثال منها .
جاء في المستدرك على الصحيحين؛ للحافظ النيسابوري في » كتاب الفتن والملاحم »؛ الجزء الخامس:" حديث رقم "8835 .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وقد خرَّجه الترمذي في سننه » كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» ؛ " بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ؛ حديث رقم: 2396 .. عَنْ أَنَسٍ .. وذكر الترمذي الحديث.
وقد جاء في شرح المباركفوري:" على تحفة الأحوذي:" قَوْلُهُ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ.. أَيْ أَسْرَعَ لَهُ الْعُقُوبَةَ.. أَيِ الِابْتِلَاءَ بِالْمَكَارِهِ.. فِي الدُّنْيَا.. لِيَخْرُجَ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ. وَمَنْ فُعِلَ ذَلِكَ مَعَهُ فَقَدْ أَعْظَمَ اللُّطْفَ بِهِ وَالْمِنَّةَ عَلَيْهِ. أَمْسَكَ.. أَيْ أَخَّرَ عَنْهُ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِذَنْبِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. أَيْ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَبْدُ بِذَنْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي لَا يُجَازِيهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يَجِيءَ فِي الْآخِرَةِ مُتَوَفِّرَ الذُّنُوبِ وَافِيهَا، فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنَ الْعِقَابِ ".
وجاء عند الترمذي؛حديث رقم :" 2396: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا؛ وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
**
وما سبق ذكره من أنواع لم أحصرها من الإبتلاءات ولكني أتيت بأمثلة فقط فهذه كلها تمت بإرادة الله وقضاءه وقدره ووفق ناموس الحياة وسنن الوجود.. له سبحانه وتعالى حكمة من ذلك كله لا ندركها كبشر.. ولكن بعضاً من السادة العلماء سمح لنفسه في البحث عن مدلولات وشواهد في إطار ما تحصَّل عليه مِن علم يعينه على فهم هذه الظاهرة البشرية «„ الابتلاء ‟» التي تصيب البعض منا لذلك نبحث معاً مسألة «„ يُتم محمد ‟» رسول رب العالمين وخاتم السادة المرسلين وآخر الأنبياء الأجلاء ومتمم المبتعثين صلى الله عليه وآله وسلم.. .
أما :" حكمة اليُتم التي مر بها الرسول في فترة مبكرة جدا من حياته، فـ إنها حكمة التماسية.. بمعنى أنه لا يوجد نصوص شرعية تحدد لنا مثلا : حكمة "يُتمه" أو حكمة "رعي الغنم"، لكننا نلتمس عظات من ذلك(6).".
وقال آحدهم:" تأملتُ في هذه المسألة؛ وبحكم دراساتي في قضية القيادة وتأملي في تاريخ العظماء وجدت أن كثيراً من العظماء كانوا أيتاماً، وهذه حكمة عظيمة في قضية القيادة(7).".
ويرى آخر:" أن هذا اليُتم كان يمثل معجزة أراد الله بها أن يقول إن هذا الصبي الصغير الذي عاش يتيماً ونشأ في أحضان اليُتم، لم يكن ليتأثر بتربية أبوية أو ليتأثر بأم توجهه، ولم يكن متأثراً حتى على مستوى عمه أبي طالب ولا على مستوى جده عبدالمطلب. ويشرح ذلك قائلا: المعجزة الإلهية أرادت أن يكون طفلاً مبرئاً من كل تأثيرات ثقافية سوى تلك التي هيئها الله له منذ أن كان في صلب والده وبطن أمه، لأنه هو المختار من قبل الله سبحانه وتعالى. وأضاف أن حالة اليُتم هي حالة يراد منها فعلاً أن ينزه عن أي مؤثرات يمكن أن تحمل الآخرين على أن يقولوا إن الذي تحصل عليه إنما من ثقافة والده أو ومن ثقافة والدته (8)".
**
وأسألُهُ -سبحانه وتعالى- أن يوفقني إلى صحيح الفهم.. ويلهمني حسن الإدراك وأن يفتح عليَّ فتوح العارفين ويبعد عني الخطأ والزلل فهو السميع المجيب.
**
عَنْون كثيرٌ من السادة أهل العلم والمعرفة هذه المسألة «„ ابتلاء يُتم محمد ‟»؛ فمنها عنوان :" كان مولده صلى الله عليه وآله وسلم تكريما لليتامى ". وكَتبَ آخر يقول :" شاء الله تعالى ان يكون نبيه ومصطفاه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم يتيماً، ولم يكن يُتيم الأب فقط بل كان يُتيم الأبوين معا". وكاتب هذه السطور يزيد على هذا:" أن جده مات بعد برهة يسيرة من الزمن مِن موت أمه الشابة الأرملة السيدة آمِنة بنت وهب الزُهرية. فـ
على الترتيب وخلال السنوات الثمانية الأولى من طفولة محمد المبكرة :
١.] توفي والده صلى الله عليه وآله وسلم (عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي) وهو في بطن أمه ودُفن في المدينة.
٢.] توفيت أمه صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ست سنوات ودفنت في الأبواء (بين مكة والمدينة).
٣.] توفي جده صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ثمان سنوات ودفن في مكة.(9).
**
كما بحثوا الحكمة من وراءها..!!
..... مقدمة بحث يتم محمد
ما زلنا نتعايش طفولة نبي الإسلام وخاتم المرسلين ومتمم المبتعثين صلوات الله تعالى وسلامه ورحماته عليه وآله.. نتعايش طفولته المبكرة فقد عاش الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يتيمًا يتنقل من كفالة لكفالة، إلا أن كفيله الأكبر الذي أواه هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي تكفل به، يقول تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ } (10) ليربيَّه بعين الرعاية: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } (11)، وكما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي(12)".
إن من حكمة الله البالغة أن جعل خاتم أنبياءه محمدا يتيماً فقَد الوالدين من صغره ثم آوله الله إلى كنف من يكنفه وجعله سيداً ومثالاً لجميع العالمين. واليُتم: الإنفراد أو الإبطاء: قيل منه أخِذ اليتيم لأن البر يبطئ عنه (13)
واليتيم في اللغة: هو ذلكم المنقطع عما يلتصق به؛ وهو في العرف الشرعي: كل من فقد أباه قبل البلوغ، فإذا بلغ خرج عن كونه يتيماً(14).
قال العلامة الآلوسي:"اليُتم: " انقطاع الصبي عن ابيه قبل بلوغه(15) . و
اليتيم: مَن فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال(16) فإن حال اليتيم هو منتهى الضعف وانعدام الحيلة.. وقد بدأ محمد حياته يتيماً.. والملك والسيادة هو ذروة السلطة المادية؛ وقد انتهت حياته إليها "(17).
*.) المُرضعات يأبيّن اليَتِيم :"
والأمر الملاحظ كما ترويه السعدية حليمة:" .. فما منا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها: إنه يَتيم.. وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يَتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكنا نكرهه لذلك.. فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً.. فقلت لزوجي: " والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنَّه"، فقال:" لا بأس عليك.. أن تفعلي.. عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة (18). ".
يَتيم الأبوين :
وبعد أن عاد محمد إلى أمه في مكة بعد غربة عنها دامت قريباً من خمس سنوات؛ بدأ حياته مع أمه الحنون آمنة بنت وهب الزُهرية والتي كانت في غاية الشوق إليه.
ولحكمة غائبة عنا لا يعلمها إلا الخبير العليم البصير.. لم تبق هذه العيشة الهنيئة التي ذاق الطفل محمد فيها حنان أمه وشمله عطفها وملأ كل جوانحه حبها ورعايتها ما جعله في أشد تعلق بأمه.. هذه العيشة الهنيئة لطفل تجاوز ست سنوات إلا قليلاً لم تتعد عدة شهور أو سنة واحدة على الأكثر حتى غابت عنه فجأة إلى يوم القيامة.
تَخَيّلْ هذا الصبي اليَتيم!!؟.. رأى أمه تموت بين يديه في الصحراء.. ولم يكن معه إلا امرأة حبشية حاضنته -أم أيمن- بركة رضي الله عنها.. وهي المرأة الوحيدة.. بل أزد أنها الإنسان الوحيد -حسب علمي؛ وما تحت يدي من مراجع ومصادر- التي عاشت ورافقت محمد وهو حمل في بطن أمه فالوليد.. فالرضيع.. فالطفل.. والصبي.. والشاب.. والرجل.. والكهل.. قبل نبوته وبعد نزول الرسالة عليه.. أي منذ ميلاده إلى إنتقاله إلى الرفيق الأعلى.. لذا نحتاج لإلقاء أضواء على سيرتها مع نبي الإسلام.. كما لم ينس ذكرى أبيه من قلبه؛ وصورة قبره لم يزل أمام عينيه.. وهو لم يتجاوز من عمره إلا ست سنوات.. وبالقرب من يثرب؛ والتي ستكون مدينته المنورة ضاع منه ملجأه الحبيب ومأواه الوحيد.
في كفالة جده:"
وقع خبر وفاة آمنة بنت وهب الزُهرية على جده عبدالمطلب؛ بل على جميع أهل مكة كالصاعقة؛ وشق على الجد الشيخ يُتم حفيده في هذه السن الصغيرة المبكرة فاحتضنه في كنفه وجعله تحت رعايته ليعوضه فقدان كل مِن الأب والأم(19).
وما طالت هذه الكفالة المباركة حتى توفي جده عبدالمطلب بن هاشم لثماني سنوات وشهرين وعشرة ايام من عمره(20). فالطفل محمد لم ير أباه ثم بعد حين ماتت أمه الحنون وبعدها بيسير مات جده العطوف.. ونبينا صلى الله عليه وسلم ولدته أمه وقد توفي أبوه وهو حمل عليه الصلاة والسلام، فأخبر الله جل وعلا بأمر واقع ومشهود، ولذلك قريش كانت تسمي النبي عليه الصلاة والسلام: يتيم أبي طالب ؛ لأنه نشأ في كنف عمه أبي طالب ،
**
فلِم جعله الله يتيماً.. فآواه:"
قد يسأل سائل: ما الحكمة من يُتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
ومما لا شك فيه أن الله الحكيم الخبير.. العليم البصير هو الذي ربّاه يتيماً منذ صغره في رعاية مَن يريد من عباده ليجعله خاتما لسلسلة الأنبياء؛ وآخر المرسلين.. ليكون إنساناً كاملا قبل النبوة وبعد الرسالة.. فقدر الله يُتمه وقضاه فإيواءه من عند الله سبحانه { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ } (21). وكما قال الله تعالى حكايةً عن فرعون لموسى حيث رباه في قصره الملكي (22) { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا }. فـ
كان أول أمره في رعاية السعدية حليمة رضيت باليَتيم حين تأباه غيرها.. ثم في حضن؛ وعلى صدر أمه سنة واحدة من حياته؛ وبعد ذلك في كنف جده الحاني.. سيد قريش لمدة سنتين من عمره ثم في رعاية عمه الفقير المقل لسنوات طوال ثم مات -العم- قبل الهجرة المباركة بثلاث سنوات.
**
وأرى حِكَمَاً بالغة ودروساً هامة في كونه يَتيماً صلى الله عليه وآله وسلم وفي عيشه في كفالات عديدة؛ والجواب والله أعلم على سبيل المثال:
*.) انه صلى الله عليه وآله وسلم ليس كغيره من البشر في خَلقه وخُلقه، فان من معاني اليُتم: التفرد والتوحد، بمعنى ان يكون فيه شيء ليس في غيره كقولهم: درة يتيمة. وفي الصحاح للجوهري قال:" وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم.. يقال: درة يتيمة تنبيها على انه قد انقطعت مادتها التي خرجت منها".(23).
ورحم الله شوقي حيث قال:
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة ** وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم
*) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغ أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه» .
*.) لئلا يكون لأحد مِنَّةً سوى كفالة الحق تعالى؛ حتى لا يكون لأحد كائن مَن كان فضل عليه صلى الله عليه وآله وسلم فيما هو فيه من نعمة لأن فضله مستمد من الله تعالى مباشرة وليس من انسان، ولذلك قيل لمحمد بن جعفر الصادق: لم أوتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبويه؟. فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه حق(24) .
*.) حتى يتولى الله تعالى تربيته ويصنعه على عينه، ولذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) (25).
*.) وقد يكون حكمته تعالى تقتضي أن يكون بيّناً بعيداً عن التدلل فيأدبه ربه فيحسن تأديبه.
*.) يُتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه رداً على المبطلين دعواتهم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم تلقَّى دعوته بتوجيهات وإرشادات والده أو مكانة جده في قريش(26).
*.) نشأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طفولته مع والدته وقد كان مثله بعض الأنبياء مثل: إسماعيل وموسى وعيسى ويدل هذا على أهمية اختيار الزوجة(27).
*.) شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يتيماً حتى لا تدخل يد أب حانية في توجيهه بل يتولاه الله سبحانه وتعالى ولا يتلقّى شيئاً من مفاهيم وأعراف وعادات الجاهلية وإنما يتلقّى من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى(28).
*.) . تقوية عزيمته على فضيلة التوكل على مولاه سبحانه، فاذا حزبه امر لا يقول: أبي ولا أمي ولكن يقول ربي.
ولذلك لما ارادت أمه آمنة من باب الوفاء لزوجها إن تزور قبره في المدينة واخذت معها ولدها محمدا وكان عنده يومها ست سنوات وجلس محمد صلى الله عليه وآله وسلم امام قبر ابيه الذي لم يره في حياته، وفي طريق العودة الى مكة وبينما هو عند مكان يسمى الابواء بين مكة والمدينة شكت أمه آمنة وجعا آلم بها وفارقت الحياة في هذا المكان وهي تتعلق بابنها وتقول له:" يا محمد كن رجلا". وعندها نسي محمد صلى الله عليه وآله وسلم آلامه وأحزانه وعاد مع حاضنته أم أيمن التي كانت ترافق مع أمه في هذه الرحلة..فهو كان رجلا في طفولته، رجلا في شبابه، رجلا في شيخوخته بل كان بين الرجال بطلا وبين الابطال مثلا.
*.) ليعرف من تتابع الأموات أمامه؛ أن هذه الدنيا فانية ليس تبقي على أحدٍ.
*.) ليتعلم الحياة منذ صغره ويعرف الغنى والفاقة والسيد والفقير.
*.) ليتعلم تحمل المسؤولية والمساعدة والمشاركة في الأمور.. فقد اكتسبها من رعاية الغنم -وسنتكلم عنها في فصل قادم- كما اكتسب منها الصبر والتحمل واليقظة والقدرة على إمساك زمام الأمور وجمع الشتات.
*.) ليعرف الزهد والكفاف والتباعد عن الدنيا ليكون نموذجاً للأمة في الإمتناع عن التكالب على الدنيا.
*) وقد يكون من حكمة الله تعالى أن يجعله وحيداً لا أخ له شقيق كما لم يعش له الأبناء (الذكور) من أولاده. (ولا ننسى ما نسبت فرقة الشيعة إلى علي كرم الله وجهه.. وهو ابن عمه دون شقيقه) .
*.) ولم يجعل الله يُتمه ممقتاً على قومه ومغضباً عليهم لحرمان الحب والحنان والعطف بل جعله في رعاية من يحبه حباً لا مثيل له؛ فتربى في كنفهم..ولذا صار رغم يُتمه وفقره سيد شباب قريش.. قال عمه عند خطبته خديجة رضي الله عنها:" إن ابني هذا: محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل شرفاً ونبلاً وفضلاً؛ فإن كان في المال قلَّ؛ فإن المال ظل زائل؛ وأمر حائل؛ ورعاية مستردة(29) . والله أعلم (30)
*.) إن يكرم اليتامى في شخصه صلى الله عليه وآله وسلم فان الطفل من اطفال المسلمين اذا نشأ يتيما ورأى الاطفال ينعمون بآبائهم فان سلوته في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نشأ يتيما، ومن هنا يهون عليه يتمه ما دام فيه شبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
*.) يُتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه أسوة للأيتام في كل مكان وزمان ليعرفوا أن اليُتم ليس نقمة وأنه لا يجب أن يُقعد بصاحبه عن بلوغ أسمى المراتب وأعلاها.
*.) الوصية باليتامى، لأنه نشأ يتيما وقاسى آلام اليتم.. قال النيسابوري: قال اهل التحقيق: الحكمة في يُتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن يعرف قدر الأيتام فيقوم بأمرهم، وان يكرم اليتامى المشاركين له في الاسم، ولذا كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار باصبعيه: السبابة والوسطى، (31).
والنبي ذاق مرارة اليتم ليكون الأب الحاني للأيتام عبر التاريخ كله؛ ورأى في أمه الترمل ليكون اللمسة الحانية للأرامل في التاريخ كله؛ وذاق مرارة الفقر ليدرك معاناة الفقراء في التاريخ كله، وهكذا جميع صور الحياة وتقلباتها التي مر بها صلى الله عليه وآله وسلم، والتي قال عن نفسه التي صاغتها هذه الأحداث إلى أن تلقى الرسالة :" أدبني ربي فأحسن تاديبي."(32).
وأنهي هذا البحث بالقول:"
*.) أن الحكمة من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد وعاش يتيمًا حتى لا يقول أهل الشرك والكفر أن الإسلام قد انتشر واستقر بفضل عشيرته وأهله، أو يقولوا إن أباه قد نصره أو إن جده أو عمه قد تعصبوا له فانتشر الإسلام بدعمهم، فالله سبحانه وتعالى أراد أن يكون الفضل كله لله. ولعل هذا إشارة واضحة لأهل العلم ورجال الدعوة.
ومن الحكمة كذلك من نشأة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم يتيمًا ألا يدعي البعض أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى دعوة الإسلام وتعلمها من أبوه أو من جده ليكون لقومه السيادة على قريش.
يقول الإمام الشهيد الدكتور محمد رمضان البوطي في كتابه "فقه السيرة النبوية": "لقد اختار الله عز وجل لنبيه هذه النشأة لحكم باهرة، لعل من أهمها أن لا يكون للمبطلين سبيل إلى إدخال الريبة في القلوب أو إيهام الناس بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم إنما رضع لبان دعوته ورسالته التي نادى بها منذ صباه، بإرشاد وتوجيه من أبيه وجده. هكذا أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيما، تتولاه عناية الله وحدها".
ولعل ما ذكرته يعتبر من الفوائد في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاش يتيماً".

وهذا ما أعتبره الإبتلاء الأول في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم ".

ملف يُتم محمد - رسول الرحمة والهدى- من إعداد :
محمد الرمادي
24 صفر 1439 هـ ~13. نوفمبر 2017م
يتبع بإذنه تعالى..

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

كفالة ورعاية جده
تمهيد: " اليتم ورعاية الجد ثم العم "

اختلف أهل المغازي وأصحاب السير في تاريخ وفاة والده.. والذي قاله ابن إسحاق في السيرة النبوية؛ ورحجه ابن سعد: أن ذلك كان وهو حمل بين قلب أمه وفؤادها؛ وهو المشهور الذي رجحه كثير من العلماء.. أمثال: الذهبي في تاريخ الإسلام: السيرة النبوية؛ وابن كثير في موسوعته: البداية والنهاية.. وهو الذي قطعت به الآية القرآنية:« أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ » ﴿آية رقم ٦: من سورة الضحى ورقمها ٩٣﴾.. وبذلك يكون الرسول ﷺ قد ولد يتيماً.. وعندما مات والده عبدالله بن عبدالمطلب؛ كفله جده لأبيه: عبدالمطلب بن هاشم؛ واليتيم -محمد بن عبدالله- تحت رعاية أمه آمنة بنت وهب الزُهرية؛ وقد ثبتت كفالة جده له.. وعليه ظل الرسول ﷺ في رعاية أمة آمنة وكفالة جده عبدالمطلب بعد أوبته من بادية بني سعد..
وفي الفصل السابق تحدثتُ أنه عندما بلغ من العمر ست سنين توفيت والدته آمنة بالأبواء..فـ حملته مولاته وحاضنته أم أيمن (بركة الحبشية) إلى جده عبدالمطلب بمكة؛ فأخذ يحوطه بعنايته إلى أن توفي وللنبي ﷺ ثمان سنوات من العمر؛ فأوصى به إلى عمه أبي طالب.. أخي أبيه عبدالله لآمه وأبيه: فأمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ.. وهذا ما سأتكلم عنه في فصل قادم -بإذنه تعالى في سماه وتقدست اسماه- فــ لنصحب مواقف الجد؛ عبدالمطلب بن هاشم مع حفيده إثناء حضانته له وكفالته إياه ورعايته بعد أن توفيت آمنة بنت وهب الزهرية -أم اليتيم محمد-..
لما توفيت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمه إليه جده عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده.. واقسم تلك الفترة الزمنية اليسيرة إلى مشاهد ومواقف:
[« ١ .»] المشهد الأول:
قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبدالله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبدالمطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه.. فيذهب أعمامه يؤخرونه فيقول جده:« دعوا ابني».. فيمسح ظهره ويقول:« إن لابني هذا لشأنا ». و
[« ٢ .»] المشهد الثاني:
روى أبو نعيم عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- مثل ما قاله ابن إسحاق.. وزاد على لسان جده عبدالمطلب:« دعوا ابني يجلس.. فإنه يحس من نفسه بشئ، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده ». و
[« ٣ .»] المشهد الثالث:
روى ابن سعد؛ وابن عساكر عن الزهري ومجاهد ونافع وابن جبير .. قالوا:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبدالمطلب:« دعوا ابني ليؤنس ملكا ». و
[« ٤ .»] المشهد الرابع:
قال قوم من بني مدلج لعبدالمطلب:" احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدام التي في المقام منه" . و
[« ٥ .] المشهد الخامس:
قال عبدالمطلب لأم أيمن: « يا بركة احتفظي به.. لا تغفلي عنه.. فإن أهل الكتاب -يزعمون- أنه نبي هذه الأمة ». و
[« ٦ .»] المشهد السادس:
روى المحاملي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت أبي يقول: كان لعبدالمطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره.. وكان حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو غلام لم يبلغ الحلم فجلس على المفرش فجذبه رجل.. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبدالمطلب [وذلك بعد ما كف بصره] :« ما لابني يبكي ؟».. قالوا له:" أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه".. قال:« دعوا ابني يجلس عليه.. فإنه يحسن من نفسه بشرف.. وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده ». و
[« ٧ .»] المشهد السابع:
روى البلاذري عن الزهري ومحمد بن السائب أن عبدالمطلب كان إذا أتي بالطعام أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وربما أقعده على فخذه فيؤثره بأطيب طعامه، وكان رقيقا عليه برا به، فربما أتي بالطعام وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا فلا يمس شيئا منه حتى يؤتى به. و
[« ٨ .»] المشهد الثامن:
كان يفرش له في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه فإذا خرج قاموا على رأسه مع عبيده إجلالا له.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول عبدالمطلب:« دعوا ابني ما تريدون منه ؟.. إن له لشأنا ».. ويقبل رأسه ويمسح صدره ويسر بكلامه وما يرى منه. و
[« ٩ .»] المشهد التاسع:
روى أبو نعيم عن محمد بن عمر الأسلمي عن شيوخه قالوا: بينا عبدالمطلب يوما في الحجر.. وعنده أسقف نجران وهو يحادثه ويقول:" إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل، هذا البلد مولده ومن صفته كذا وكذا".. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه.. فقال:" هو هذا، ما هذا منك ؟".. قال:« هذا بني ».. قال الأسقف:" لا، ما نجد أباه حيا".. قال:« هو ابن ابني.. وقد مات أبوه.. وأمه حبلى به». قال:" صدقت". قال عبدالمطلب لبنيه:« تحفظوا بابن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه ؟». و
[« ١٠ .»] المشهد العاشر:
روى البخاري في تاريخه؛ وابن سعد؛ والحاكم وصححه، عن كندير بن سعيد بن حيوة.. ويقال حيدة، عن أبيه، والبيهقي عن معاوية بن حيدة.. قال الأول:" خرجت حاجا في الجاهلية".. وقال الثاني:" خرجت معتمرا في الجاهلية".. قالا:" فإذا شيخ طويل يطوف بالبيت وهو يقول:
« رد إلي راكبي محمدا ** اردده ربي واتخذ عندي يدا »
فسألا عنه فقيل هذا سيد قريش عبدالمطلب له إبل كثيرة فإذا ضل منها شئ بعث فيه بنيه يطلبونها فإذا غابوا بعث ابن ابنه ولم يبعثه في حاجة إلا أنجح فيها، وقد بعثه في حاجة أعيا عنها بنوه وقد أبطأ عليه. قالا:" فلم نلبث حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل معه"، فقال له عبدالمطلب:« يا بني حزنت عليك حزنا.. لا تفارقني بعد أبدا ». و
روى ابن الجوزي عن أم أيمن رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبدالمطلب قائما على رأسي يقول:« يا بركة!! ».. قلت:" لبيك". قال:« أتدرين أين وجدت ابني ؟».. قلت:" لا أدري". قال:« وجدته مع غلمان قريبا من السدرة، لا تغفلي عنه.. فإن أهل الكتاب -يزعمون- أنه نبي هذه الأمة.. وأنا لا آمنهم عليه ».
وأتحدثُ في الفصل القادم-إن شاء الله تعالى- عن :"حكمة يتم الرسول ﷺ "..
**
فصلٌ من: السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التحيات
„أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. صاحبة حضارة‟

 

 

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

" وَفَاةُ « „ آمِنَةَ ‟ »"
ـــــــــ وفاة أمه الحنون ـــــــــ

﴿ « ٤٨ ق. هـ ~ ٥٧٥ م [-٥٧٦ [1] م] » ﴾

*. ] مازلنا نتعايش أحداث العهد المكي؛ ومازلنا نعيش مع الطفولة المبكرة للعدناني القرشي المكي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله وسلم.. ابن الزُهرية « „ آمنة بن وهب‟ »...
*.] تمهيد لمسألة موت آمنة بنت وهب‟ » أم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب[صلى الله عليه وآله وسلم] .
1 .] وَكَانَتْ مُدَّةُ رَضَاعِ رَسُولِ اللَّهِ [صلى الله عليه وآله وسلم] عند السعديّة حليمة سَنَتَيْنِ[2]... وقد خشيت السعدية « „ حليمة ‟ » على الطفل محمد بعد حادثة شق الصدر؛ وهي حادثة عظيمة؛ ومِن دلائل نبوته صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي -الحادثة- كانت كذلك سببا في خوف حليمة السّعديّة عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّا جعلها تعيده إلى أمّه.. والتي تكلمتُ عنها في الفصل السابق فردته إلى أمه.. وبينتْ السعدية « „ حليمة ‟ » وجهة نظرها في هذه العودة المفاجئة بالطفل فـ قَالَتْ : قَدْ بَلَّغَ اللَّهُ بِابْنِي، وَقَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ، وَتَخَوَّفْتُ عَلَيْهِ الْأَحْدَاثَ فَأَدَّيْتُهُ إِلَيْكِ كَمَا تُحِبِّينَ[3]".. وقولها هذا جاء بعد ما قال لها زوجها.. إذ تروي أنه قَالَ أَبُوهُ لها:" وَاللَّهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أُصِيبَ فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ [4] ".
*. ] " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ ذِكْرِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَى أُمِّهِ آمِنَةَ بَعْدَ رَضَاعَةِ حَلِيمَةَ لَهُ: " قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَجَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ فِي كَلَاءَةِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ، يُنْبِتُهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ[5]. . فقال الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- ممتنّا على نبيّه بهذه النّعمة:{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى }.
لقد عاد محمّد [صلى الله عليه وآله وسلم] إلى أحضان أمّه، ترعاه وتحنو عليه، شأنه شأن كلّ صبيّ، وشأنها شأن كلّ أمّ: تحدّثه ويحدّثها، تلاعبه ويلاعبها، تملأ عليه دنياه، ويملأ عليها دنياها[6].
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ[7]
2 .] أحداث ما قبل وفاة أمه:
مقدمة وتمهيد لزيارة قبر والد الرسول :"
*.] السبب الذي دعى آمنة بنن وهب؛ والدة السيد الجليل المصطفى للخروج من مكةَ إلى يثرب:"
السيدةُ آمنة كانت وفية لزوجها عبداللَّه؛ والد الرسول صلّى اللَّه عليه وآله سلم بعد وفاته، فكانت تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره، فلما أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبدالمطلب وأم أيمن -بركة- حاضنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها. [8]
ولعلها فعلت ذلك وفاءً لذكرى زوجها الراحل؛ بأن تزور قبره بيثرب؛ فخرجت من مكة بوحيدها اليتيم قاطعة رحلة تقترب من خمسمائة كيلومتر.. رافقتهما في هذه الزيارة خادمتها أم أيمن؛ بركة[9]
3.] مَن رافق آمنة في زيارتها:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:" وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدِمَتْ بِهِ الْمَدِينَةَ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ تُزِيرُهُ [10] إِيَّاهُمْ فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا أَتَتِ الْمَدِينَةَ تَزُورُ قَبْرَ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَأُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ[11] ،
وَقِيلَ : إِنَّ عَبْدَالْمُطَّلِبِ زَارَ أَخْوَالَهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ، وَحَمَلَ مَعَهُ آمِنَةَ وَرَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا رَجَعَ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ، وَدُفِنَتْ فِي شِعْبِ أَبِي ذَرٍّ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . [12] .
وعليه فكما روى ابن إسحاق في السيرة نقرأ أن مَن رافق آمنة مع وحيدها في رحلة الزيارة لـ :" أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ":
1.] َأُمُّ أَيْمَنَ -بركة- حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ[13] ؛ السيدة الحبشية؛ وهي بنت ثعلبة بن حصن؛ التي أعتقها أبو المصطفى.. وقيل: بل هو صلى الله عليه وسلم، وقيل: كانت لأمِهِ[14] ."
وبتتبع الخبر كما رواه ابن الأثير في الكامل نجد أن المرافق الثاني هو:
2.] عَبْدُالْمُطَّلِبِ .. جد محمد بن عبدالله.
فائدة:
لم أطلع على أن آمنة بنت وهب كان لها أخاً؛ وعليه نفهم أن الزيارة كانت لأخوال الجد عبدالمطلب؛ وليس أخوال الطفل اليتيم محمد؛ أو إطلاق التعبير من باب النسب.. بإضافة الأخوال إليه مجازًا؛ لأنهم أخوال جدّه عبدالمطلب؛ لأن أمه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن عدي بن النجار النجّاريّة.
سبب ذكر في عودتها إلى مكة :
وجاء في طبقات ابن سعد ؛ والراوي ابن عباس" ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ، وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ فَزَارَتْ أَخْوَالَهُ..
قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَجَاءَنِي ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلَانِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَا لِي:" أَخْرِجِي إِلَيْنَا أَحْمَدَ نَنْظُرُ إِلَيْهِ".. فَنَظَرا إِلَيْهِ.. وَقَلَّبَاهُ.. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:" هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهَذِهِ دَارُ هِجْرَتِهِ، وَسَيَكُونُ بِهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَمْرٌ عَظِيمٌ".. فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّهُ خَافَتْ وَانْصَرَفَتْ بِهِ فَمَاتَتْ بِالْأَبْوَاءِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ . "
**
علة آمنة التي ماتت بسببها:"
يكمل صاحب المواهب فيقول:" وروى أبو نعيم من طريق الزهري عن أسماء بنت رُهم [وفي نسخة: بنت أبي رهم، وفي كتب السيوطي نقلا عن أبي نعيم عن أم سماعة بنت أبي رهم، فلعل اسمها أسماء وكنيتها أم سماعة] عن أمها قالت: " ماتت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم في علتها ". جاء الخبر في دلائل النبوة بسند ضعيف
قلت(الرمادي): ولم يتبين لي العلة؛ بيد أن السبب الوحيد لموت الإنسان هو إنقضاء وإنتهاء أجله.. وليس كما يدعي البعض بأن للموت أسباب عدة؛ لكن توجد حالات يكون فيها الموت محققاً كحالة الغرق لمن لا يحسن السباحة والقي في بحر؛ أو قطع شريان في يد..
*.] تصرف أم ايمن بركة بعد موت آمنة :"
فَلَمَّا كَانُوا بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فَقَبَرَهَا هُنَاكَ، فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى الْبَعِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدِمُوا عَلَيْهِمَا مَكَّةَ وَكَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهِ[15] ".
﴿ موضع قبر آمنة بنت وهب .. ﴾ :"
1.] القول الأول :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ " أَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنَةُ تُوُفِّيَتْ. بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ."
وصحح هذا القول ابن الأثير في الكامل فقال : " وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.. فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا أَتَتِ الْمَدِينَةَ تَزُورُ قَبْرَ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَأُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا عَادَتْ مَاتَتْ بِالْأَبْوَاءِ[16].
بيد أنه ذكر موضعا أخرا:
2.] القول الثاني : ذكره الطبري في تاريخه :" وَيُقَال إِن قبر آمِنَة بنت وهب فِي شعب أَبى ذَر بِمَكَّة. [17].".
ووافق صاحب الكامل فيما قاله ابو جعفر محمد الطبري: وَقِيلَ : إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ زَارَ أَخْوَالَهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ، وَحَمَلَ مَعَهُ آمِنَةَ وَرَسُولَ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ ، وَدُفِنَتْ فِي شِعْبِ أَبِي ذَرٍّ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . [18] "...
وبهذا القول الذي قال به الطبري وابن الأثير فـ لم يوفق محمد بن عبدالوهاب في قوله :" ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء، منصرفَها من المدينة من زيارة أخواله. ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين[19]." .. ولعله سبق قلم أو لم تتوفر لديه المراجع حين كتب ابن عبدالوهاب مختصره في السيرة.
ولعل عبدالوهاب مالَ لما قرأه في الطبقات لأبن سعد :" عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَكَّةَ أَتَى جِذْمَ قَبْرٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ ، فَجَعَلَ كَهَيْئَةِ الْمُخَاطِبِ ، ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَبْكِي ، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ ، وَكَانَ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا الَّذِي أَبْكَاكَ ؟ فَقَالَ : " هَذَا قَبْرُ أُمِّي سَأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فَأَذِنَ لِي، وَسَأَلْتُهُ الاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَذَكَرْتُهَا فَرَقَقْتُ فَبَكَيْتُ "، فَلَمْ يُرَ يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ يَوْمَئِذٍ ،
تعليق ابن سعد :
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : وَهَذَا غَلَطٌ وَلَيْسَ قَبْرُهَا بِمَكَّةَ وَقَبْرُهَا بِالأَبْوَاءِ .
ويعلق الزرقاني في شرحه على القسطلاني بالقول :" ودفنت بِالأَبْوَاءِ على المشهور ".
بيد أن الزرقاني تتبع الأقوال والأحوال فقال شارحاً:" وهو قول ابن إسحاق، وجزم به العراقي وتلميذه الحافظ، ويعارضه ما مر؛ كالأحاديث من أنها بالحجون، وجمع بعض- كما في الخميس- بأنها دفنت أولا بالأبواء، وكان قبرها هناك، ثم نبشت ونقلت بمكة ".
قرية الأبواء :
(الأَبْواء) هي موضع بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، [20] إذ أنه وادٍ بين مكة والمدينة، "وقيل: بشِعب" أي ما انفرج بين جبلين أو الطريق في الجبل، أي قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وموضعها في الشمال عن الجحفة على ثمان فراسخ (210 كلم إلى جنوب المدينة المنورة)؛ وهي تعرف الآن باسم «الخريبة» نظرا لتعرضها لسيل جارف أحدث فيها خرابا فسميت به." ومر بها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه مرارا، وفيها مسجدان ثبت أنه صلى فيهما، كما ورد أنه اغتسل بها، وأُهدى إليه حمار وحشي من أهل القرية." وقرأ في أمهات الكتب أن أول غزوة غزاها النبي في الإسلام كانت في الأبواء، بعد اثني عشر شهرا من مقدمه إلى المدينة، وكانت في شهر صفر، ولم يقاتل فيها ولم يلق كيدا. وأن النبي أقام بالأبواء بقية صفر وعاد في ربيع الأول، وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة أبيض اللون يحمله عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وتم الصلح في مكان يقال له «شعيب جاروه» وهو مكان معروف بهذا الاسم حتى الآن."
**
وجاء عند السيوطي في فتاويه[21] :"
أَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أم سماعة بنت أبي رهم عَنْ أُمِّهَا قَالَتْ : شَهِدَتْ آمنة أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِلَّتِهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا وَمُحَمَّدٌ غُلَامٌ يَفْعٌ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ عِنْدَ رَأْسِهَا فَنَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَتْ :
بَارَكَ فِيكَ اللَّهُ مِنْ غُلَامٍ
يَا ابْنَ الَّذِي مِنْ حَوْمَةِ الْحِمَامِ
نَجَا بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمِنْعَامِ
فَوَدَى غَدَاةَ الضَّرْبِ بِالسِّهَامِ
بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلٍ سِوَامِ
إِنْ صَحَّ مَا أَبْصَرْتُ فِي الْمَنَامِ
فَأَنْتِ مَبْعُوثٌ إِلَى الْأَنَامِ
مِنْ عِنْدِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
تُبْعَثُ فِي الْحَلِّ وَفِي الْإِحْرَامِ
تُبْعَثُ بِالتَّحْقِيقِ وَالْإِسْلَامِ
دِينِ أَبِيكَ الْبَرِّ إِبْرَاهَامِ
فَاللَّهُ أَنْهَاكَ عَنِ الْأَصْنَامِ
أَنْ لَا تَوَالِيَهَا مَعَ الْأَقْوَامِ".
قلتُ(الرمادي) :لي مراجعة لتلك الأبيات المنسوبة لآمنة بنت وهب في ملحق:"الشخصيات المحورية".
*( ثُمَّ قَالَتْ : كُلُّ حَيٍّ مَيِّتٌ وَكُلُّ جَدِيدٍ بَالٍ، وَكُلُّ كَبِيرٍ يَفْنَى، وَأَنَا مَيِّتَةٌ وَذِكْرِي بَاقٍ، وَقَدْ تَرَكْتُ خَيْرًا، وَوَلَدْتُ طُهْرًا. ثُمَّ مَاتَتْ،..*
**
4: .] عمر الطفل محمد حين وَفَاة أمه آمِنَةَ:
محاولة لتحديد سنه:"
أختلف أهل السير وعلماء السيرة إختلافا بيّناً في تحديد عمره حين توفت أمه السيدة الزُهرية آمنة بنت وهب .. وإليك أقوال السادة العلماء :
١ .] :" القول الأول ست سنوات: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: (وأيضاً تجده عند[ تاريخ ابن أبي خيثمة])" فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ[22] ".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنَةُ تُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ[23]"
ونقل ابن عساكر في تاريخ دمشق [رقم الحديث: 1488 ؛ (غير أنه حديث مقطوع)] مقالة ابن إسحاق وأضاف قائلاً:" عن ابن إسحاق ، قَال : كان النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع جده ، فهلكت أمه وهو ابن ست سنين بعد الفيل بثمان سنين [24]"
2. ] وَرَدَّتْهُ حَلِيمَةُ إِلَى أُمِّهِ وَجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ فِي قَوْلٍ[25] ."
قلتُ(الرمادي) فيفهم من قول ابن إسحاق وابن الأثير ان رحلة يثرب مع أمه وحاضنته أم أيمن بركة كانت في نهاية العام الخامس من عمره وبداية السادس.
وقال ابن كثير في البداية :" وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ[26] ، وَمَاتَ جَدُّهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ فَأَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ "..
قلتُ(الرمادي) : وما ذهب إليه ابن كثير يعود لرواية السعدية حليمة نفسها..
*.] وقال المقريزي في إمتاع الأسماع محدداً العمر بالسنة والشهر واليوم :" وله صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام،
ولكنه للأمانة العلمية نقل الأقوال الآخرى؛ فذكر ما قيل أن: عمره كان أربع سنين، ثم يذكر قولا ثالثاً:" فقد قيل: ثمانية أعوام، ثم عاد ليؤكد وفقا لما بحثه وتبين له بأن :" الأول أثبت "
تخريج الأقوال :"
ماتت أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وله ست سنين وقيل: أربع : تجده في " تهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 24".
أما القول بأنها :" توفيت وهو ابن أربع سنين: فتجده عند " تلقيح فهوم أهل الأثر؛ ص 13 .
والإمام الزرقاني[27] ؛ المصري المالكي ذكر في شرحه على المواهب للقسطلاني الإقوال التي قيلت في عمر الطفل محمد حين وفاة أمه الزهرية آمنة؛ مع إضافات لم أجدها عند المقريزي: فذكر الزرقاني "
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربع سنين –
وقيل: خمسًا[28]، و
قيل: ستًا[29]، و
قيل: سبعًا[30]، و
قيل: تسعًا[31]، و
قيل: اثنتي عشرة سنة وشهرًا وعشرة أيام[32]- هذا ما ذكره الزرقاني من حيث عمر اليتم وقت أن ماتت أمه..
ثم يذكر مكان وفاتها..فـ
الأول:" وماتت أمه بالأبواء :
أما القول الثاني في موضع موتها فقد "قيل: بشعب أبي ذئب بالحجون[33]. وفي القاموس: ودار رائعة[34] بمكة فيه مدفن آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم."
فترة إقامتها في يثرب:"
جاء في طبقات ابن سعد :" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ إِلَى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالْمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ بِهِ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَهُمْ عَلَى بَعِيرَيْنِ، فَنَزَلَتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ، فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أُمُورًا كَانَتْ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، لَمَّا نَظَرَ إِلَى أُطُمِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ عَرَفَهُ، وَقَالَ : " كُنْتُ أُلاعِبُ أُنَيْسَةَ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى هَذَا الأُطُمِ وَكُنْتُ مَعَ غِلْمَانٍ مِنْ أَخْوَالِي نُطَيِّرُ طَائِرًا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ " ، وَنَظَرَ إِلَى الدَّارِ ، فَقَالَ : " هَهُنَا نَزَلَتْ بِي أُمِّي، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ قُبِرَ أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَحْسَنْتُ الْعَوْمَ فِي بِئْرِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، "
يكمل صاحب المواهب:" فأقامت به عندهم شهرًا، فكان صلى الله عليه وسلم يذكر أمورًا كانت في مقامه ذلك، ونظر إلى الدار فقال: "ها هنا نزلت بي أمي، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار، "
**
:" وورد سؤال :" كم كان عمر آمنه بنت وهب والدة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما توفيت؟
االإجابــة: فإن آمنة ذكر بعض أهل العلم أنها توفيت وهي بنت عشرين سنة."
**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبقى في بحث وفاة آمنة بنت وهب أم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب مسألة مروره بقبرها وما قاله وسأتكلم في موضعها عنها...

يتبع بإذنه تعالى

الثلاثاء: 4 صفر 1439هـ ~ 24 أكتوبر 2017

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

حادثة شق الصدر

من أهم أحداث مرحلة طفولته صلى الله عليه وآله وسلم:
سنتعرض لـ أهم أحداث طفولة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. ابن الزهرية آمنة بنت وهب.. لما يهمنا من الإستفادة لكيفية تربية وإنشاء جيل يتحمل صعاب الحياة ليكون نافعاً لأمته ومن ثم للبشرية جمعاء.. إذ أننا نفتقد - في هذا الزمان - لمثال صالح يحتذى به وقدوة حسنة.. ومِن أهم تلك الأحداث :
[١.] : حادث شق الصدر:" ٤٩ ق.هـ ~ ٥٧٥ م " .
تمهيد :
عند تلقي أو سماع خبر ما؛ توجد طرق مختلفة في التعامل معه من حيث التصديق أو التكذيب أو الإنكار؛ أو قبول جزء أو أجزاء منه؛ أو نشره بقدر المستطاع؛ خاصة حين تتنوع وتزايد وسائل الإعلام والنشر.. وبروز منصات التواصل الإجتماعي، والتي مكنت الكثير من الكتابة.. وهناك مَن يصدق على الفور ما ينشر دون إعمال عقل أو تدبر؛ أو تحقيق وتدقيق ومراجعة علمية ومِن ثم يعمل على نشره وإن كان نص الموضوع فاسد أو باطل.. كحديث عائشة والإبرة ونور وجه الرسول.. ويوجد فريق آخر يمحصه ويفكر في متنه ويدقق في سنده ويحقق في مَن رواه؛ ويبحث عن مَن نقله أو تحدث به؛ وهناك فريق يشكك في الخبر على الفور والتو؛ وهناك فريق ينفي وقوع الخبر: إما عناداً وإما إنكاراً.. وإما مكابرة.. والأفكار المسبقة عن الآخر والصورة النمطية عن الغير وفق إيديولوجية متبناه مِن قَبل؛ كما يلاحظ عند البعض تلعب الدور الرئيس في القبول أو الرفض من حيث التعامل مع الخبر الوارد.. وهذا يظهر بوضوح عند الحديث من حيث القبول أو الرفض لحادثة شق صدر محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله وسلم سواء حدثت في طفولته المبكرة أو في صباه أو عند تبليغه الوحي ونزول عليه الرسالة.. أو قبيل معراجه.
**
مدخل للمسألة :
أصل حادث شق الصدر - دون الزيادات والإضافات والتوضيحات والتفريعات - تجده ثابت في صحيح البخاري حين خرَّج أحاديث الإسراء بعد تكليفه بالنبوة مقتربا من عامه الخمسين - إذ يوجد ستة أقوال في تحديد ليلة الإسراء؛ سنبحثها في موضعها - وتجد أصل الحادثة في صحيح مسلم حين خرَّج أحاديث متعلقة بطفولته؛ كما تجد ذلك في المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم الأصبهاني؛ وعند النووي في شره على متن صحيح مسلم؛ وفي صحيح ابن حبان؛ وأخبرنا به ابن إسحاق في السيرة النبوية؛ ومِن بعده ابن هشام؛ ثم شرح الحادثة السُهيلي في الروض الأُنف.. وعند مسند أحمد بن حنبل والبحر الزخار بمسند البزار.. وتجده في الشريعة للآجري.. وعند أبي يعلى الموصلي؛ وأيضا عند البيهقي في دلائل النبوة؛ وفي مستخرج أبي عوانة؛ وفى حديث شداد بن أوس عن رجل من بنى عامر، وتجد الحديث هذا عند أبى يعلى وأبى نعيم وابن عساكر؛ وقد خرَّج الحديث البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة وهذا الحديث إسناده ضعيف.
ودار " الإفتاء المصرية " كتبت تقول:" لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يُشق صدر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مرتين: أولاهما وهو صغير دون الخامسة في بادية بني سعد - وهي مسألة البحث هنا -، والثانية ليلة الإسراء والمعراج[1] - وهذه ستأتي في موضعها في البحوث إن شاء الله تعالى -... والإفتاء المصرية أكتفت بذكر مرتين لحادث شق صدره دون التعرض للباقي.
**
المشككون:
ورغم كل هذا التخريج فقد شكك المستشرقون ومن سار خلفهم من المضبوعين بالثقافة الغربية مِن المسلمين - شككوا - في صحة هذا الخبر.. وتعدى البعض حدوده فوصمه عليه السلام بأنه كانت تنتابه نوبة من الصرع - معاذ الله تعالى وحاشا لله -.. هذا مِن جانب؛ ومن جانب آخر ومِن السادة أتباع الشيعة مَن وصف هذه الروايات بأنها خرافة: تقرأ ذلك في " أضواء على الصحيحين "؛ لــ محمد صادق النجمي؛ ص: 236 فقال:"... وهذا الحديث هو من الأحاديث الغريبة؛ مع إقرار صاحب "الأضواء" بأن الحادث قد أخرجه البخاري ومسلم(!) في كتابيهما، وتبعهما أكثر المؤرخين". ثم يكمل و "المفسرون اعتمدوا على أحاديث الصحيحين(!) اعتمادا كبيرا، فذكروا هذه الأسطورة في تفاسيرهم ".. ثم يقول النجمي:" القصة تعد من قضايا التاريخ الإسلامي!؟.. ولو فرضنا أنهم -يقصد: أهل البيت - تطرقوا إليها.. فلِمَ لَمْ نر لها أثرا في أحاديثهم الصحيحة التي وصلتنا!؟ ".
ثم أكمل النجمي:" وزد على كل ما ذكرناه، ما أقر به العلامة المجلسي - من علماء السادة الشيعة - مِن أن القصة لم تصلنا بسند موثوق ومعتبر. وهذه.. لا أصل ولا حقيقة لها[2] ". أنتهى كلام النجمي..
قلتُ (الرمادي)" سأبحث هذه المسألة في: باب الـ „شبهات” حول السيرة و „مغالطات” حول السنة.. وكذا مسألة التي تكلم البعض عنها؛ أي :"هل الشق كان حسيا أم معنويا!!؟".. وهذا ملحق خاص سأجعله - بمشيئته وعونه - في نهاية البحوث.
والحادثة - شق صدره [بطنه] صلى الله عليه وآله وسلم حدثت في طفولته المبكرة:
[١. ١.]: ــــ حادث شق الصدرــــ
مِن أهم أحداث مرحلة طفولة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب المبكرة: وتقع ضمن إرهاصات النبوة؛ ومقدمات الرسالة الخاتمة مِن مَن رفع السموات بغير عمد نراها - سبحانه وتعالى - إلى أهل الأرض ومَن عليها: حادث شق صدره صلى الله عليه وآله وسلم؛ وقد وردت بتعبيرات عدة؛ في زمنها وحاله.. وكيفيتها ومن نزل للقيام بفعل الشق.. منها:
شق «الصدر».. وجاء في صحيح البخاري :" فَفَرَجَ صَدْرِي[3]".. وهذا في حديث الإسراء.. وفي البحر الزخار بمسند البزار.. وأيضا رواية مسلم " فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ صَدْرَهُ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ".
وجاء بتعبير شق «البطن[4]».. " فَشَقَّا بَطْنَهُ " . فـ عند الحاكم في المستدرك على الصحيحين : اقبل" .. طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ ... فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ ".
وعند دلائل النبوة للبيهقي:" عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّهُ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ ".. ثم يحدد موضع الشق وطوله :" مِنْ عِنْدِ صَدْرِهِ إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ.." وهذه رواية عن قتادة وليس ثابت البناني.
أو شق [غسل] «القلب».. في صحيح ابن حبان:" فَشَقَّ قَلْبَهُ "،
وقال شارح صحيح البخاري: العسقلاني[5]:" قَوْلُهُ : ( فَفَرَجَ صَدْرِي ) أَيْ شَقَّهُ، وَرَجَّحَ عِيَاضٌ في الشفا :" أَنَّ شَقَّ الصَّدْرِ كَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ"، وَتَعَقَّبَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ[6] "...
قلتُ (الرمادي) :" وهذا ما قالت به دار الإفتاء المصرية؛ كما أسلفت..
وعن حال حدوثها:
جاء في صحيح ابن حبان[7]:"أتاه جبريل- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ[8] ".
أما وعن كيفيتها:" فقد جاء في صحيح ابن حبان:" فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ.."؛
وعند الحاكم في المستدرك على الصحيحين :" فَأَضْجَعَاهُ.. "، فيقول :
1.] أقبل " طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ ... فَأَقْبَلَا :
2.] يَبْتَدِرَانِي
3.] فَأَخَذَانِي
4.] فَبَطَحَانِي لِلْقَفَاءِ
5.] فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ
6.] اسْتَخْرَجَا قَلْبِي
7.] فَشَقَّاهُ
8.] فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ "..
وهذا عن حديث عتبة بن عبدٍ السلمي أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟.. فأجابه... ولهذا الحديث شواهد الصحة والحسن.
وعن ما استخرج من العضو:
جاء في صحيح ابن حبان؛ وايضاً رواية مسلم:" فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ -المَلك- :" هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ .
أما رواية الحاكم النيسابوري :" في المستدرك على الصحيحين :" فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ ".
وعن ما وضع بدلا من تلك العلقة:
١.] جاء عند البيهقي في دلائل النبوة:" ثُمَّ مُلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً "..
٢. ] وجاء عند مجمع الزوائد[9]:" وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ -:" أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْرَجَ حَشْوَةً فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَغَسَلَهَا ثُمَّ كَبَسَهَا حِكْمَةً وَنُورًا وَحِكْمَةً وَعِلْمًا "
وعن المواد المستخدمة في حادث الشق جاء عند رواية مسلم:
١. ] بِـ " مَاءِ زَمْزَمَ " ، ثُمَّ "لأَمَهُ "، ثُمَّ "أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ".
٢. ] وايضاً رواية مسلم: " ثُمَّ غَسَلَهُ فِي " طَسْتٍ " مِنْ " ذَهَبٍ" ..
وفي رواية أبي نعيم عند ابن كثير :" فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِــ
٣.] مَاءٍ ثَلْجٍ فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِـــ
٤.] مَاءٍ بَرَدٍ فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي ".
السيرة النبوية والإعجاز العلمي:"
واللافت للإنتباه أنه توجد في العصر الحديث ومع التقدم العلمي الهائل بحوث جراحية طبية عن هذه المسألة سنضعها في مكانها بإذنه سبحانه وتعالى.
ومؤخراً.. ومن الناحية العلمية قام علماء جراحون بإجراء عملية فتح صدر دون تخدير بالطريقة القديمة التي كانت متبعة بواسطة وضع المريض في حوض من الثلج.. وسأبحثه في موضعه.. إن شاء سبحانه وتعالى.
**
[١. ٢.]: « مدخل لمسألة فاعل الشق في صدر محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب »:
يتكلم الدميري[10] فيقول تحت عنوان:" فائدة:
ذكر السهيلي في الروض الأُنف عن رواية ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بني سعد، نزل عليه :
[١. ٢. ١ .] كركيان فشق أحدهما بمنقاره جوفه، ومج الآخر في فيه بمنقاره ثلجاً، أو برداً أو نحو هذا. - وذكر الدميري ما علق به السهيلي[11]- في شرحه عن رواية أوردها ابن إسحاق بالقول :" هي « رواية غريبة[12]»".
يكمل الدميري فيقول: وفي أوائل المجالسة للدينوري، أنه " أقبل عليه صلى الله عليه وسلم – ولعل هذا وصف لمَن نزل -"
[١. ٢. ٢ .] طَيرَان أبيضان، كأنهما نسران.
وفي المستدرك للحاكم النيسابوري[13]:" [1636] ذِكْرُ شَقِّ صَدْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [4288] - عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍالسُّلَمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ "؛ قَالَ :" كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَانْطَلَقْتُ أَنَا، وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا. فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي، وَكُنْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ ؟، قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَاءِ فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ - يَعْنِي خِطْهُ وَاخْتَتِمْ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرُّوا عَلَيَّ، فَقَالَا: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لِمَالَ بِهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا " . وذكر الحديث بطوله.
وروى ابن أبي الدنيا وغيره، بإسناد يرفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت:" يا رسول الله(!) كيف علمت أنك نبي؛ وبم علمت حتى استيقنت؟". قال صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أبا ذر أتاني :
[١. ٢. ٣ .] مَلَكَان فوقع أحدهما بالأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض... ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه. فشق بطني، فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، ثم قال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملاء، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه، فخاط بطني، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن، وولياً عني فكأني أعاين الأمر معاينة "
[١. ٢. ٣ .١. ] وفي صحيح ابن حبان:" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ .صلى الله عليه وآله وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ : وأيضاً رواية مسلم في صحيحه ".
[١. ٢. ٤ .] وجاءت رواية: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيِّ: جَاءَهُ " رَجُلَانِ[14] " عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ " [ابو يعلى الموصلي؛ وأيضا عند : مسند عبد بن حميد ].
[١. ٢. ٥ .] وفي رواية أبهم الفاعل:
فــعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: " بَيْنَمَا هُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ إِذْ أَتَاهُ آتٍ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ بَطْنِهِ ".[15]
بحث مسألة حادثة شق الصدر :
[١. ٣.]: ابن هشام[16] يمهد ويقدم لحادثة شق الصدر بقوله عن السعدية حليمة؛ وأيضا تجد رواية اثبتها المجلسي في كتابه الأنوار[17] :".. حَتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ، وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا.
قَالَتْ : فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا، لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ. فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ.. وَقُلْتُ [أي: السعدية: حليمة] لَهَا [أي: أمه: آمنة بنت وهب ]: لَوْ تَرَكْتُ بُنَيَّ [تقصد: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ] عِنْدِي حَتَّى يَغْلُظَ ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَأَ مَكَّةَ، قَالَتْ : فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى رَدَّتْهُ مَعَنَا [18] ".
ثم يخبرنا ابن هشام عن " حَدِيثِ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ شَقَّا بَطْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ" .. قَالَتْ [ السعدية: حليمة.] : فَرَجَعْنَا بِهِ، فَوَاَللَّهِ إنَّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا ( بِهِ ) بِأَشْهُرِ :"- يحدد الذهبي المدة بالقول:" فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ ".
إذاً حادثة شق الصدر وقعت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بادية بني سعد كما جاء صريحاً في رواية أبي نعيم عند ابن كثير في بدايته[19] :" ونصها :".. قَالَ [صلى الله عليه وآله وسلم] : كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ[20] لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا فَقُلْتُ: يَا أَخِي[21] اذْهَبْ فَائْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا[22] فَانْطَلَقَ أَخِي؛ وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهْوَ هُوَ ؟؛ فَقَالَ: نَعَمْ.. فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي؛ فَأَخَذَانِي؛ فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا؛ فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلْقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءٍ ثَلْجٍ فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءٍ بَرَدٍ فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ [ رواية ابي نعيم عند ابن كثير في البداية] :قَالَ : ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ[23] فَحَاصَهُ، وَخَتَمَ عَلَى قَلْبِي بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيِّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ ، ثُمَّ انْطَلَقَا فَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي. فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ فَرَحَّلَتْ بَعِيرًا لَهَا، وَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلَفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتْ فَلَمْ يَرُعْهَا، وَقَالَتْ : إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ..."
قال ابن كثير:" وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ بِهِ.[24]"..[25].
يصف الذهبي[26] حال الطفل محمد مع أخيه من الرضاعة فيقول :" فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وَأَخُوهُ خَلْفَ الْبُيُوتِ – وفي روايةٍ خَلْفَ بُيُوتِنَا - يَرْعَيَانِ بُهْمًا لَنَا"..
ثم تلتقط خيط الرواية السعدية؛ حليمة فتقول:" إذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ؛ فَقَالَ : أَدْرِكَا أَخِي قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدُّ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَأَنَا، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ يَا بُنَيَّ؟؛ قَالَ : أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَضْجَعَانِي ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا، فَرَجَعْنَا بِهِ. قَالَتْ: يَقُولُ أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ. فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ : مَا رَدَّكُمَا بِهِ؟؛ فَقُلْتُ: كَفَلْنَاهُ وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ، ثُمَّ تَخَوَّفْنَا عَلَيْهِ الْأَحْدَاثَ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا، فَأَخْبِرَانِي خَبَرَكُمَا، فَمَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا. قَالَتْ: فَتَخَوَّفْتُمَا عَلَيْهِ؟؛ كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنًا، إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ فَلَمْ أَحْمِلْ حَمْلًا قَطُّ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَلَا أَعْظَمَ بَرَكَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ نُورًا كَأَنَّهُ شِهَابٌ خَرَجَ مِنِّي حِينَ وَضَعْتُهُ أَضَاءَتْ لِي أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، ثُمَّ وَضَعْتُهُ فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، دَعَاهُ، وَالْحَقَا شَأْنَكُمَا. [هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ] . [27] ".
[١. ٣.]: فحاله بعد شق الصدر :
جاء عند ابن حبان في صحيحه وعند رواية مسلم:" وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ، وعند رواية مسلم:"يَعْنِي : ظِئْرَهُ - مرضعته] فَقَالُوا :
[١. ٣.]: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ".] قَالَتْ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَحْوَهُ ، فَـ
[١. ٣.]: وَجَدْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَقَعَا وَجْهُهُ [ابن حبان في صحيحه وعند رواية مسلم:":
[١. ٣.]:" فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ ".]. قَالَتْ : فَالْتَزَمْتُهُ وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ ، فَقُلْنَا لَهُ : مَا لَكَ يَا بُنَيَّ ، قَالَ : جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي ، فَالْتَمِسَا ( فِيهِ ) شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ . قَالَتْ : فَرَجَعْنَا ( بِهِ ) إلَى خِبَائِنَا . " [السيرة النبوية لابن هشام؛ ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعته].
أما رواية الطبري في تاريخه يذكر حديثاً مرفوعاً (٣٧٩)؛ تختلف بعض مفرداته عن الحديث السابق نثبته.. فــ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكَلاعِيِّ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ؟؛ قَالَ: نَعَمْ ، ... ثم قال: وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ .. ؛ ثم قال :" وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، أَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَأَخَذَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلا بَطْنِي وَقَلْبِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ : دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا.".
**
أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ :
عند ابن حبان في صحيحه وعند رواية مسلم:" قَالَ أَنَسٌ : قَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ .صلى الله عليه وآله وسلم ".[28]
تصرف السعدية حليمة بعد وصولها لموضع الطفل محمد؛ كما جاء عند مستدرك الحاكم النيسابوري:
ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتَبَسَ بِي فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكَبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا أُمِّي :" فَقَالَتْ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ"
مقولة آمنة بنت وهب للسعدية حليمة:
فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ : إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ.
وقال الحاكم صاحب المستدرك:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ".
[١. ٤.] عدد مرات شق الصدر:
ثبت شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات[29]:
وإليك البيان:
1. ] الأول في طفولته عند حليمة ‏لنزع العلقة التي قيل له عندها:" هذا حظ الشيطان منك"، والحديث في ذلك ثابت صحيح؛ ‏أخرجه مسلم وغيره[30].
وقال الذهبي :" وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِيُعْرَفَ أَنَّ جِبْرِيلَ شَرَحَ صَدْرَهُ مَرَّتَيْنِ؛ وهذا ما ذكره [قال الحافظ البيهقي (70) عقب (ما روى مسلم حديث المعراج): "ويحتمل أن ذلك كان مرتين، مرةً حين كان عند مرضعته حليمة، ومرة حين كان بمكة بعدما بعث ليلة المعراج".ا.هـ.[31]]
أي : فِي صِغَرِهِ [32]؛ وهنا يعلق العسقلاني شارح صحيح البخاري فيقول:" وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الشَّقَّ الْأَوَّلَ كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِنَزْعِ الْعَلَقَةِ الَّتِي قِيلَ لَهُ عِنْدَهَا :" هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ "[33] .
الثانية : عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير.. قال ‏الحافظ في الفتح عند شرحه لحديث باب المعراج من البخاري قال: وثبت شق الصدر عند ‏البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل.‏ وقد ذكر هذه الشقة أصحاب السير[34].‏
وهذه الثانية عند الذهبي؛ والثالثة: عند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة. قال الحافظ ويحتمل أن تكون الحكمة في ‏هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبتت هذه المرة في الصحيحين وغيرهما.‏
ويؤيد هذا الكلام ما ذكره ابن حبان(71) حين قال:[35] " كما ينهي ابن حبان الحديث بصحيحه بالقول :" قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شُقَّ صَدْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ صَبِيٌّ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ الْعَلَقَةُ، وَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلا الإِسْرَاءَ بِهِ، أَمَرَ جِبْرِيلَ بِشَقِّ صَدْرِهِ ثَانِيًا، وَأَخْرَجَ قَلْبَهُ فَغَسَلَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا غَيْرُ مُتَضَادَّيْنِ . ".[36]
وقال عبدالعزيز اللمطي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار :‏
وشق صدر أكرم الأنام * وهو ابن عامين وسدس العام
وشق للبعث وللإسراء * أيضاً كما قد جاء في الأنباء
روى أحمد (الفتح الرباني (20 /195)، وابن عساكر (تاريخ مدينة دمشق (: ص: 375 ، وهو من طريق أحمد نفسها) وغيرهما أن شق الصدر قد وقع له وهو ابن عشر سنين وأشهر.
وروى البخاري (الفتح(13/ 24 / ح: 3207 ) ومسلم((1 /147/ ح: 261؛ 262)) وأحمد (المسند (3/ 121؛ 149؛ 288) والحاكم (المستدرك ( 2 / 616) والترمذي (صحيح الترمذي للألباني (3 / 631 – 632 / ح: 3584) أن شقاً لصدره قد وقع له وقد تجاوز الخمسين من عمره؛ وحين أسري به إلى بيت المقدس،
وذكر الذهبي (السيرة النبوية؛ ص 49) الروايات الدالة على أن شق صدره كان مرتين:
[1. ] في صغره، و
[2. ] وقت الإسراء به.
وهناك من ذكر وقوعها مرة رابعة (انظر دلائل النبوة للبيهقي ( 2 / 6)؛ والفتح الرباني ( 20 / 195 - 1969).
وقد ختم الحافظ ابن حجر(الفتح (15 / 25 / ح: 3887) مبحثه في شق صدره صلى الله عليه وسلم وغسل قلبه بكلمة تحدد ‏واجب المسلم تجاه ما ثبت في هذا الصدد وأختم بها بحثي هذا.. قال الحافظ :" وجميع ما ‏ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب ‏التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك.
أما وَقْتِ الْإِسْرَاءِ بِهِ[37] . ثم يعلق هنا العسقلاني بالقول :" وَالشَّقُّ الثَّانِي كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِلتَّلَقِّي الْحَاصِلِ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ[38] ". وهذا ما نميل إلى تأكيده ؛ بيد أنه :"
قَدْ رَوَى الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّقَّ وَقَعَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مَجِيءِ جِبْرِيلَ لَهُ بِالْوَحْيِ فِي غَارِ حِرَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ .
وَرُوِيَ الشَّقُّ أَيْضًا وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ . وَرُوِيَ مَرَّةً أُخْرَى خَامِسَةً وَلَا تَثْبُتُ[39].".
**
"سنه" عند: شق البطن أم شق الصدر:
حدثٌ تم زمن رضاعته صلى الله عليه وآله وسلم عند حليمه السعدية.. أو قيل ختن يوم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة "
وقد سكتت بعض المصادر عن تحديد سنه صلى الله عليه وآله وسلم حين وقعت له هذه الحادثة لأول مرة[40] . هذا أولا .
أما ثانيا :"البعض الذين حددوا سنه؛ فلم يتفقوا على سن محددة:
*.] فيفهم من رواية ابن إسحاق (ابن هشام (1 / 214)، وهي ضعيفة)[41] أن ذلك كان وعمره فوق الثانية بشهور؛ إذ تقول حليمة :" حَتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ ،... فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا . قَالَتْ : فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا ، .. : فَرَجَعْنَا بِهِ، فَوَاَللَّهِ إنَّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا ( بِهِ ) بِأَشْهُرِ :. "... مع أَخُيهِ لْفَي بهم لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا..
وفي رواية ابن سعد ( الطبقات(1 / 112) من طريق شيخه الواقدي؛ فالرواية ضعيفة جداً)[42] : "أن القصة وقعت وللرسول أربع سنين؛ وقال بهذا ابو نعيم دلائل النبوة ( 1/ 159؛ 161)[43] "من طريق ضعيفة أيضاً.".
*.] ويذكر آخرون أنه كان في الخامسة (انظر : دلائل النبوة لأبي نعيم (1 / 162)؛ ونسب ذلك لابن عباس؛ ولم يسق لذلك سنداً؛ وذكر أن غير ابن عباس كان يقول إن إرجاع حليمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمه بعد الحادثة كان عمره أربع سنوات )[44] ،
أو
*.] بعدها (انظر المواهب اللدنية بشرح الزرقاني (1/149 – 150)، والبداية لابن كثير (2/ 300 – 301) حيث ذكر رواية للأموي مرسلة موقوفة على ابن المسيب وضعيفة لأن بها عثمان الوقاصي؛ وهو ضعيف كما قال ابن كثير؛ ذكر الأموي أن عمره كان ست سنين.[45] .
*.] وإني أميل مع الزرقاني (في شرحه على المواهب اللدنبة (1 / 150)[46] وأرجح رواية ابن سعد في أنه كان في الرابعة؛ لأنها السن التي يمكن أن يمارس فيها رعي البهم؛ ويفهم شيئا مما يدور حوله.
وتكررت حادثة شق الصدر مرات آخرى غير هذه التي في بادية بني سعد.
قبيل رحلة الإسراء:" ذَكَرَ الذهبي في سير أعلام حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ:" وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :" أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئَةٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي قَالَ أَنَسٌ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِينَا أَثَرَهُ - فَعَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا" . وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ[47] ".
تحديد سنين عمره علية صلى الله عليه وآله وسلم:" جاء عند محمد رشيد رضا ( سيدنا محمد { صلى الله عليه وسلم }):" كان أول ما شق صدره صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثالثة من عمره[48]، أما د. هيكل فيشكك في القصة بقوله :"في هذه الفترة وقبل أن يبلغ الثالثة تقع الرواية التي يقصونها ".[49] ..
وتقرأ في كتاب "سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"؛ لـ رشيد رضا: وقيل: في الرابعة وذلك لتطهيره وإخراج حظ الشيطان منه[50] ، وهذا ما قال به صاحب الرحيق:"
وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، ". و
وعند رشيد رضا : شق صدره صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء كما رواه البخاري.
حكمة شق الصدر:
1.] يبدو أن هذه الحادثة كانت إعلاناً لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتهيئة للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية، ليكون ذلك اقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته .
إنها إذاً عملية تطهير معنوي؛ ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي، ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أبصار الناس وأسماعهم[51] .
2.] فيها بيان إعداد الله تعالى عبده ورسوله محمداً لتلقي الوحي عنه.
3.] تشير الحادثة إلى تعهد الله نبيه من مزالق الطبع الإنساني، ووساس الشيطان، وهي حصانة أضفاها الله على نبيه محمداً (مهدي رزق الله؛ ص 119)".
محمد الرمادي
**
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٩ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الجمعة : ٣٠ محرم ~ ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ م

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

ـــــــــ طفولته المبكرة ـــــــــ

تعايشنا الجزء الأول من المرحلة المكية.. وهي تبدء من مرحلة الميلاد ففترة رضاعته وسنتعايش زمن طفولته المبكرة فصباه وتنشأته وشبابه وبلوغه مبلغ الرجال وزواجه من السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وسأتعرض إلى الأحداث التي تمت في هذه الفترة العُمرية وحتى قبيل البعثة؛ ثم نزول الرسالة الخاتمة.. وهذه السنون تقترب من الأربعين عاما.. وأثْبتُ خمس بركات جليلات واضحات ظهرت علاماتها للسعدية الحليمة منذ اللحظة الأولى لرضاعتها المصطفى المجتبى والحبيب المرتضى المحتبى وزمن إقامته في ديار بني سعد في بحثي :« البركة بقدوم الرضيع أرض بني سعد.. ومرضعاته »
ثم نسعى لنتواجد مع الرسول الأعظم والنبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - وسوف نتعايش الجزء الثاني من المرحلة المكية أي منذ بدء نزول الوحي بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام- ومجئ الرسالة الخاتمة ومرحلة التبيلغ وسنلقي نظرة على الآيات القرآنية النورانية المتعلقة بالطريقة المحمدية والكيفية المصطفوية لهذه المرحلة بجزئياتها وحتى الهجرة المصطفوية إلى يثرب المدينة المنورة.. واستغرقت هذه المرحلة من عمر الزمان ثلاثة عشر سنة.. وهذه المرحلة المكية بجزئياتها وتشابك مفاصلها استغرقت من عمر الزمان ما يقرب من ثلاثة وخمسين عاماً.. ثم الحديث عن المرحلة المدنية وهي ذات أحداث كبار .. وقيام المجتمع الإيماني كنواة للكيان الإسلامي.. ثم الحديث عن مرضه عليه الصلاة والسلام ومن ثم إنتقاله إلى الرفيق الأعلى.. وفي خطة بحثي سأرفق ملاحق.. منها ما هو متعلق بـ «الشخصيات المحورية» في السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.. وملحق آخر أنبه فيه عن «ما شاع من السيرة على ألسن الناس ولم يصح».. وثالث الملاحق : خرائط تبين الأحداث والأماكن التي مرت بالسيرة النبوية كما سأسعى - ومن الله تعالى الهداية والعون والتوفيق - لتأريخ الأحداث باليوم والشهر والسنة -في حال تمكني من ذلك؛ واطمئننتُ لهذا التقسيم- وأبدء بالتقويم ما قبل الهجرة ثم أكمل مبتدأ بالهجرة الشريفة ويرافقهما معاً -ما قبل الهجرة وما يليها- التقويم الميلادي؛ رغم أن التقويم الميلادي به أربعة أعوام مفارقة..
« مدخل لطفولة الرضيع: ‚‚ محمد ’’ المبكرة » باستقراء المصادر الأصلية المعتمدة والمتوفرة وبمراجعة ما كتب حول طفولة ‚‚ محمد ’’ المبكرة يجد المتابع والباحث:
1.] شُحا في الأخبار والمعلومات التي تتحدث عن هذه المرحلة الطفولية المبكرة في حياته - ﷺ -.. مع تردد أسماء شخصيات محورية لعبت دوراً ما.. وتجد الكثرة من الروايات الضعيفة أو التي لم تصح.. ويتناولها وعاظ لا يملكون ملكة التحقيق وأداة التدقيق فيسمعها العامة ويصدقونها..
2.] ادخل القصاصون حكايات لا سند لها؛ وتندرج تحت الضعيف..
3.] توجد عدة مأخذ على ما كتب ونشر؛ من هذه المأخذ ترى مخالفات عقدية؛ ومنها ما يخل بالتعظيم والتبجيل والتكريم لشخص الرسول..
4.] في بعض الروايات التي ذكرها الكثير من السادة العلماء اعتمدوا على قاعدة مفادها :" التساهل فيما ليس هو من الأحكام العملية المتعلقة بافعال الإنسان اليومية والحياتية، وهذا جانب؛ والجانب الآخر: التساهل بما هو ليس من أركان العقيدة والإيمان.. فيتم وضعه بين سطور مؤلفاتهم ". وينبغي التنبيه على هذه المسائل.
وسأذكر -بمشيئة الله جلَّ وعلا- بالتحديد مسائل.. وما لم أذكره مما يوجد وسطر في بطون الكتب سأتعرض له في ملحق تحت عنوان« ما شاع على ألسن الناس من أخبار؛ ولم تصح ».
فمن هذه المسائل:
١. ] لما بلغ - صلى الله عليه وسلم - أربع سنوات، أتاه ملكان فشقَّا صدره وغسلا قلبه، ثم أعاداه [1].
٢. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - ست سنوات، ماتت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة، فكفله جدُّه عبدالمطلب[2].
٣. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثماني سنوات، توفِّي جده عبدالمطلب، وكفله عمه أبو طالب.
٤. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - الثانية عشرة، خرج به عمه أبو طالب إلى الشام، فلما بلغوا بصرى، رآه بحيرى الراهب، فتحقق فيه صفات النبوة، فأمر عمَّه بردِّه، فرجع [3].
٥. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - الخامسة عشرة، كانت حرب الفِجَار بين قريش وهوازن[4].
٦. ] ثم شهد - صلى الله عليه وآله وسلم - حِلفَ الفضول لنصرة المظلوم [5].
٧. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - الخامسة والعشرين، تزوَّج السيدة الجليلة خديجةَ بنت خويلد - رضي الله عنها- [6] . (ولكاتب هذه السطور بحث كامل عن هذه السيدة الجليلة)
٨. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - الخامسة والثلاثين، اختلفتْ قريش فيمن يضع الحجرَ الأسود مكانه، فحكم بينهم[7].
٩. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - الثامنة والثلاثين، ترادفت عليه علامات نبوته، وتحدَّثَ بها الرهبان والكهان[8].
١٠. ] ولما بلغ - صلى الله عليه وآله وسلم - التاسعة والثلاثين، حُبِّب إليه الخلوة، فكان يخلو بغار حراء شهرَ رمضان يتحنث فيه[9].
١١. ] وقبل مبعثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بستة أشهر كان وحيه منامًا، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءتْ مثل فلق الصبح[10].
**
« مدخل إلى أول لقاء مع السعدية حليمة مرضعته ».
1. 1. 3: [ ٥٢ ق. هـ ~٥٧١ م ]
يبدء تواجد الرضيع السعيد في ديار بني سعد مع مرضعته السعدية حليمة من العام [٥۲] ما قبل الهجرة الشريفة المنيفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام والتي توافق العام [٥٧١] من الميلاد العجيب المعجز للسيد الجليل كلمة الله وروح منه «عيسى ابن مريم» عليهما السلام.. إذ أن فترة الرضاعة لصاحبة السعادة في الدارين -كما اراد الله جل وعلا- السعدية السيدة حليمة بدأت من العام [٥۲] قبل الهجرة المصطفوية الشريفة المنيفة المقابل للعام [٥٧١] مِن ميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام.
1. 1. 3. 1:[ ١٢ ربيع الأول ٥۲ ق.هـ - ۲٦ نيسان=أبريل ٥٧١ م ]
وبالتقريب تبدء الرضاعة السعدية للرضيع محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. ابن آمنة بنت وهب في هذا التوقيت.. "
1. 1. 4:" في " ـــــــــ ديار بني سعد؛ عند أمه من الرضاعة : السعدية „ « حليمة « ‟ ـــــــــ"
قَالَ السُّهَيْلِيّ: وذكر غير[11] ابن إسحق فِي حَدِيثِ الرَّضَاعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يُقْبِلُ إِلَّا عَلَى ثَدْيِهَا الْوَاحِدِ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِ الآخَرَ فَيَأْبَاهُ، كَأَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَ أَنَّ مَعَهُ شَرِيكًا فِي لِبَانِهَا، وَكَانَ مَفْطُورًا عَلَى الْعَدْلِ، مَجْبُولا عَلَى جَمِيلِ الْمُشَارَكَةِ وَالْفَضْلِ - صلى الله عليه وآله وسلم -. [12].
وهنا نثبت ملاحظات؛ فلاحظ أيها القارئ الكريم :"
1.) في عام مولده الشريف؛ أقصد عام هلاك أصحاب الفيل :" لما ولد عليه الصلاة والسلام في عام الفيل حدثت المعركة العظيمة بين جنود الله -عز وجل- [مع فارق التشبيه والتمثيل] وبين أبرهة، وانهزم جيشه وولوا الأدبار، وتسامعت العرب في كل أنحاء شبة الجزيرة بل وخارجها بالكارثة العظيمة السماوية التي أصابت أبرهة ولحقت بجيشه، وحجارة تنزل من السماء.. لا شك أنه شيء مستغرب للغاية وعجيب، فاتجهت أنظار العالم إلى المكان الذي حدثت فيه هذه القارعة، وهو مكة، وصارت الأضواء متجهة إلى "مكة" و "الكعبة" و "قريش" في زمن واحد.. أي في عام الفيل، فالله -عز وجل- جعل أنظار الناس تتجه إلى مكة في عام الفيل؛ لأن هناك حدثاً آخر سيتم في هذا العام وهو ولادة النبي عليه الصلاة والسلام. فصارت ولادته في عام الفيل الذي اتجهت أنظار العالم كله إلى مكة بسبب حادثة أبرهة؛ لأن حادثة أبرهة كانت شيئاً فوق الوصف، كانت شيئاً عجيباً، طيرٌ تحملُ حجارةً ترجم أفيالاً عظاماً وتهلك الأفيال ومَن عليها، ولذلك كان شيئاً قضاه الله –تعالى ذكره- لتأتي الأضواء والناس يعظمون الكعبة، وتصبح لقريش مكانة؛ لأن من قريش سيبعث النبي الذي سيدعو قريشاً ويدعو العرب وفي مكة، ولذلك كانت بداية توجيه الأنظار توطئةً لحادثة الفيل لكي يولد النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك العام، ويحفظ الناس ذلك العام جيداً وكل أحداث العام، وفيه الولادة النبوية، ثم بعد ذلك تأتي حليمة لتأخذه، وتأتي هذه الخيرات والبركات، ويصبح أمره عليه الصلاة والسلام منتشراً منذ صغره، هكذا يسير الله -سبحانه وتعالى- الأحداث لكي تتركز الأذهان، والأنظار تتجه إلى الأحداث المتعلقة بهذا النبي الكريم وتاريخ النبي الكريم منذ ولادته."[13].
وعليه فإن
2.) ولادته عليه الصلاة والسلام ملفتة للنظر، و
3.) طفولته ملفتة للنظر، فالله -عز وجل- يقيض من الأحداث ما يسلط به الضوء على النبي القادم عليه الصلاة والسلام منذ طفولته كأن هذا الغلام سيكون منقذ البشرية ".
ثم ملاحظة :
4.) حال غنم السعدية حليمة وسائر الأغنام في ديار بني سعد . تقول حليمة: لما جئنا بالمولود كان رعاة بني سعد يذهبون كلهم ويرجعون جياعاً، ما وجدوا خيراً ولا كلأ ولا شيئاً، وأغنامي ترجع شباعاً بطاناً حفلاً، أي: شبعانة سمينة، الثدي محمل باللبن. فنحتلب ونشرب، فيقولون: ما شأن غنم الحارث بن عبدالعزى ؟ -وهو زوج حليمة - وغنم حليمة تروح شباعاً حفلاً وتروح غنمكم جياعاً، ويلكم اسرحوا حيث تسرح غنم رعائهم، اجعلوا غنمكم تذهب مع المكان الذي تسرح فيه غنمهم، ربما يصير لكم مثلما حصل لهم، فيسرحون معهم فما تروح إلا جياعاً كما كانت وترجع غنمي كما كانت حفلاً سمانا.".[14].
* [ ٥٤ ق.هـ ~ ٥٧٣ م ] " نمو الطفل اليتيم: ".
عامه الثاني :
مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ.. فتقول -مرضعته- السعدية حليمة:" وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَشِبُّ شَبَابًا لا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ، يشب في اليوم شباب الغلام في الشهر".فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلامًا جَفْرًا "[15].
يعني: ينمو ويزيد في اليوم ما ينموه الغلام العادي في شهر-، ويشب في الشهر شباب السنة".[16]...
.. فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ عِنْدَنَا لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ، فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ فِي تَرْكِهِ عِنْدَنَا، فَأَجَابَتْ .
قَالَتْ : فَرَجَعْنَا بِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا بِهِ بِأَشْهُرٍ مَرَّ مَعَ أَخِيهِ فِي بُهْمٍ لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا.
إذاً مكث الطفل محمد في ديار بني سعد ما يقرب من خمس سنوات؛ ففي مبدأ الخامسة من عمره عادت به السعدية حليمة إلى والدته آمنة في مكة لتكمل رعايته وعنايتها به[17] .

ونكمل بعد ذلك بحث حادثة شق الصدر الشريف:
**
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا قَلْبًا عَقُولًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَيُوَفِّقَنَا لِلسَّدَادِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏ .
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
الأربعاء : ٢٨ محرم ١٤٣٨ هـ ~ ١٨ . أكتوبر ٢٠١٧ م.

[يتبع بإذنه تعالى ذكره]

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

مناغاة القمر في مهده
المبحث الثالث والثلاثون [٣٣] الطفولة المبكرة (*)

مباحث طفولة النسمة المباركة
ــــــ نَسَمَةٌ مُبَارَكَةٌ( ).ـــــــــــ طفولة وتنشأة محمد ـــــــــ.]
1.] : " ـــــــــ طفولته المبكرة ـــــــــ

مقدمات مجئ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلوات الله وسلامه عليه وآله- واكبت الخليقة منذ نشأتها من عهد أبي البشرية جمعاء أبينا آدم -عليه السلام-؛ وما ثبت من آية ميثاق الأنبياء؛ ودعاء الخليل إبراهيم أبي الأنبياء؛ وبشرى عيسى ابن مريم كلمة الله وروح منه؛ ومرافقة الإرهاصات التمهيدية لمسألة زواج عبد الله بن عبد الطلب بآمنة بنت وهب وقد تكلم فيها علماء السير؛ ومقدمات الحمل والوضع وأخبار الميلاد وقد تحدثت عنها كتب السيرة..
اليوم نبدء مرحلة جديدة حين نريد الحديث عن السيرة النبوية ونتكلم عن طفولة محمد بن عبد الله.. ونشأته .. وشبابه ثم زواجه من خديجة بنت خويلد.. وأحداث ما قبل البعثة.. وقبيل نزول الرسالة.. وهذه المرحلة العُمرية أستغرقت من عمر الزمان ما يقارب من أربعين سنة.. فلنبدء معاً الرحلة..
1 . 1 .] المطلب الأول: " ـــــــــ طفولة اليتيم المبكرة -محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ـــــــــ
سنتكلم عن أبرز الأحداث التي كانت في طفولة النبي صلى الله عليه وسلم من ولادته، وقلتُ مِن قبل: كيف أن الله سبحانه وتعالى قيظ الأحداث التي ركز فيها على مكان مولده وسنة ولادته، وكيف كان الغلام مباركاً لأول أمره كما دلت على ذلك قصة السعدية حليمة، وكيف أن الله رعىٰ نبيه من الصغر وحفظه.. ورعاه رعاية إلهية وعناية ربانية، وسنتحدث عن حادثة شق الصدر -في موضعها؛ إن شاء الله تعالى- لإعداده للمستقبل، ونزع من قلبه حظ الشيطان منه، وكيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صار في كفالة جده بعد وفاة أمه؛ ثم مِن بعد في حضانة عمه.
بيد أن بعض الأخبار التي ذكرت من قبل وسنورد بعضا منها لاحقاً شابها الضعف أو جهالة الراوي؛ وإن سُطرت في العديد من المصادر والمراجع وسنخرجها -بإذنه تعالى- لكن لقناعة مني أنه يجب تنقية كتب التراث؛ خاصة المتعلقة بالسيرة النبوية.. ومِن بعد السنة المحمدية لِما علق بها مِن ضعف أو دس ويتناقلها الناس دون تخريج أو تحقيق أو تدقيق.. وهذا يعود إما لحالة الضعف الشديد التي طرأت على أذهان المسلمين في فهم الإسلام؛ أو التساهل في النقل دون مرعاة القواعد.
وهذه السلسلة من البحوث تسلِّط الأضواء على المراحل الأولىٰ المبكرة مِن حياة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد تحدثنا من قبل عن رضاعته وانتقاله إلى بني سعد -فلا داعي للإعادة-، وسنتكلم عن وفاة أمه، ثم انتقال كفالته إلى جده ثم إلى عمه، متضمنة لقصته مع الراهب بحيرا، وفوائدها، ومشاركته صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول. فهذه المادة من البحوث تتميز بوفرة الأدلة، مع النظر إلى جانب العظة والعبرة في الأحداث والوقائع.
ونذكر أنه جاء في صفة مولده صلى الله عليه وسلم أخبار فيها الضعيف والموضوع، وينبغي لأتباع ومحبي الرسول أن يعرضوا عن ما ذكره الجهال يوم مولده.. فحاشا لله أن يربط الحبيب المصطفى ومولده بمثل هذه الخرافات( )؛ ومن ذلك أنه حين ولدته أمه
*] اعتمد على يده رافعا رأسه إلى السماء، وأنه صلى الله عليه وسلم
*.] ولد مختونا مسرورا ( أي مقطوع السر)، وأن
*.] هواتف من الجان بشرت أمه ليلة مولده، و
*.] انتكاس بعض الأصنام و
*.] ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته، وخمود نيران المجوس وغيض بحيرة ساوة، و
*.] إخبار اليهود بليلة مولده.".
**
ـــــــــ طفولته المبكرة في بيت „ « آمنة بنت وهب « ‟-الأرملة الشابة- ـــــــــ
مبحث 1 . 1 . 1 ]: ".. تُنَاغِي الْقَمَرَ .. ".
ومن مِلح ما روي عن طفولته المبكرة وليس من متين العلم ما ذكره ابن كثير في البداية؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق والبيهقي في دلائل النبوة فقد :" قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ : „ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ !؛ دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ، أَمَارَةٌ لِنُبُوَّتِكَ رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ ، وَتُشِيرُ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ.. فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ . قَالَ : إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي وَيُلْهِينِي عَنِ الْبُكَاءِ ، وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ حِينَ يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ‟.
ثُمَّ قَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ . .
وقال أبو عثمان الصابوني: هذا حديث غريب الإسناد والمتن. وقال البيهقي: تفرد به أحمد إبراهيم الحيلى وهو مجهول. وقال ابن أبى حاتم في الحلبي: لا أعرفه وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول”. وقال ابن حجر سنده واهٍ جدًا. ( ).
وعليه فهذا الخبر لا يعتبر.. ولا يؤخذ به .
:" المناغاة: المحادثة. وناغت الأم صبيها لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة ".

ثم نكمل ما حدث في المهد :
1 . 1 . 2. ] " كلامه صلى الله عليه وسلم في المهد( ).
قال الحافظ ابو الفضل بن حجر في شرح البخاري :" في سير الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم اوائل ما ولد.. وذكر ابن سبع في الخصائص ان مهده كان يتحرك بتحريك الملائكة وأن أول كلام تكلم به أن قال ألله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ".
*
فائدة:
تكلم في المهد جماعة نُظم أسماءهم صاحب كتاب قلائد الفوائد وشرائد الفرائد؛ عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي ( جلال الدين السيوطي ) فقال:
تكلم في المهد النبي محمد * * وموسى وعيسى والخليل ومريم
ومبرئ جريج ثم شاهد يوسف * * وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مر بالأمة التي * * يقال لها تزني ولا تتكلم
وماشطة في عهد فرعون طفلها * * وفي زمن الهادي المبارك يختم
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. "..
(*) [٣٣]: وفق فهرس موقع آسترو عرب نيوز الإلكتروني؛ والذي يبث من مدينة فيينا ~ جمهورية النمسا ~ عضو الإتحاد الأوروبي.
تنبيه :
المصادر والمراجع تطلب من صاحب البحث عن طريق الموقع .
14 محرم 1439~04. سبتمبر 2017

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

[ ١. ] ﴿«قصة إهلاك» „أصحاب الفيل‟﴾

الجزء الأول : ﴿١. ١ .﴾ „ بيان عام المولد‟:
..من الأحداث المتعلقة بِسَنةِ مولد خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين.. بل أهمها.. رغبة أبرهة بهدم الكعبة المشرفة بمكة المكرمة؛ وقد هيأ جيشاً عرمرماً ليحقق غايته؛ تعداده: „٠٠٠ ,٦٠ ‟ محارباً يتقدمه نوع جديد من أدوات الحرب -إن صح التعبير- ووسائل الهدم والتخريب؛ لا عهد للعرب بها من قَبل.. وهو حيوان ضخم الجثة قوي الجسد وهو : „الفيل”.
..كانت واقعة الفيل وما جرى فيها إرهاصاً آخراً بمقدم نبي آخر الزمان وخاتم رسل رب العباد لبني الإنسان.. فصح أن نتعرض لهذه الحادثة قبل التقدم خطوات في سيرة النبي المصطفى وسنة الرسول المرتضى وطريقة الحبيب المجتبى وطريقة حياته العملية للخليل المحتبى.. صلوات الله عليه وسلامه وآله.
**
واقعة الفيل: « قصة إهلاك أصحاب الفيل »
اثبت وحي السماء المنزل بواسطة أمين السماء جبريل على قلب آخر المرسلين أحداث ووقائع تعتبر من مقدمات النبوة وإرهاصات الرسالة.. كما أخبرنا بذلك -من خلال الكتاب المقدس- أحبار أهل الكتاب ورهبانهم بقرب قدومه.. أضف ما جاء على لسان الكهان والعرافين عن بعثة نبي آخر الزمان.. وأثْبَتُ مِن قبل -فيما مضى من بحوث- دعوى الخليل إبراهيم أبي الأنبياء؛ كما نطق القرآن الكريم والذكر الحكيم فقال [ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ]؛ ثم بشرى كلمة الله عيسى ابن مريم وروحه [..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..]؛ ورؤية آمنة بنت وهب؛ وجاء النص القرآني ليثبت وقائع وأحداث عن حياة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومبعوث العناية الإلهية للعالمين: منها ما تكلم القرآن الكريم به عن واقعة الفيل في سورة كاملة فقال: " بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾﴿ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴾﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴾﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴾﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾..
كما تحدث النص القرآني الكريم عن زمن طفولته.. وتكلم الذكر الحكيم عن وقت شبابه
فتحدث عن حالة اليتم فقال:" ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ﴾ والحديث عن يتم -سأعقد له فصلاً كاملاً- الطفل محمد بن عبدالله بن عبد المطلب يدور حول محاور عدة.. منها :
1. ] يُتم الأب: أي موت عبدالله بن عبدالمطلب؛ وهو مازال جنينا في بطن أمه؛
2. ] ثم وفاة أمه: آمنة بنت وهب. وعمره ست سنوات؛
3.] كفالة جده عبدالمطلب ثم وفاته.. والطفل محمد بن عبدالله بن عبد المطلب في الثامنة من عمره(!).
4. ] ثم رعاية عمه أبي طالب إلى أن شبَّ وابتعث..
وتحدث عن حالة التحنث في غار حراء بمكة فقال: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ﴾
كما تحدث عن حالة ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ﴾.
**
قصة الفيل:
١. ٢. ] تمهيد: في قصة إهلاك أصحاب الفيل؛ وذلك عام ولادته صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أكثر العلماء. فـ تحديد زمنها:" لما كان المحرم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حمل في بطن أمه على الصحيح، حضر أبرهة بن الصباح الأشرم يريد هدم الكعبة".
١. ٣. ] تحديد وقتها:" وبعض البحوث في تحديد سنة الواقعة تتحدث عن عام [٥٣] ق.ه. وهي الفترة الزمنية الممتدة -تقريباً- من ١٢ فبراير عام ٥٧١م. إلى ٣١ يناير ٥٧٢ بعد ميلاد السيد المسيح -عليه وعلى أمه العذراء البتول السلام-" .
إذاً فـ حادثة الفيل تلك واكبت [حمل(!!!)] مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولعل أدق تعبير تجده عند الصالحي في تبويب كتابه فقال:" « قصة إهلاك أصحاب الفيل » .
**
١. ٤. ] مقدمة:
كانَ أمرُ الفيل تقدِمة قدَّمها الله لنبيه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كِتاب، وكان دينهم خيرًا مِن دين أهل مكّة إذ ذاك، لأَنهم كانوا عُبَّاد أوثان، فنصرهم الله على أهل الكِتاب نصرًا لا صنُع للبشر فيه، إرهاصًا وتقدِمة للنبي الذي خرج من مكَّة، وتعظيمًا للبيت الحرام.. الكعبة المشرفة.. وكان إهلاكهم تشريفا له صلى الله عليه وسلم ولبلده، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
٢. ] الإشارة إلى القصة على وجه الاختصار:
٢. ١. ] في قِصَّةِ " أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ " أَنَّ „ذَا نُوَاسٍ”؛- وَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ وَكَانَ مُشْرِكًا - وهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَصْحَابَ الْأُخْدُودِ، وَكَانُوا نَصَارَى، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا [٠٠٠ , ٢٠ ]، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا „دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانِ”، فَذَهَبَ فَاسْتَغَاثَ بِـ „قَيْصَرَ” مَلَكِ الشَّامِ -الروم- وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَكَتَبَ لَهُ إِلَى „النَّجَاشِيِّ” مَلَكِ الْحَبَشَةِ؛ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إِلَيْهِمْ، فَبَعَثَ مَعَهُ أَمِيرَيْنِ: „أَرِيَاطَ” وَ „أَبْرَهَةَ بْنَ الصَّبَاحِ أَبَا يَكْسُومَ” فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَدَخَلُوا الْيَمَنَ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَاسْتَلَبُوا الْمُلْكَ مِنْ حِمْيَرَ، وَهَلَكَ „ذُو نُوَاسٍ” غَرِيقًا فِي الْبَحْرِ. وَ
٢. ٢. ] اسْتَقَلَّ الْحَبَشَةُ بِمُلْكِ الْيَمَنِ وَعَلَيْهِمْ هَذَانَ الْأَمِيرَانِ: „أَرِيَاطُ” وَ „أَبْرَهَةُ” فَاخْتَلَفَا فِي أَمْرِهِمَا وَتَصَاوَلَا وَتَقَاتَلَا وَتَصَافَّا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: [قال أبرهة لأرياط]: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى اصْطِدَامِ الْجَيْشَيْنِ بَيْنَنَا، وَلَكِنْ ابْرُزْ إِلَيَّ وَأَبْرُزُ إِلَيْكَ، فَأَيُّنَا قَتَلَ الْآخَرَ اسْتَقَلَّ بَعْدَهُ بِالْمُلْكِ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ فَتَبَارَزَا - وَخَلْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَنَاةٌ [الصواب: فتاهُ]- فَحَمَلَ „أَرِيَاطُ” عَلَى „أَبَرْهَةَ” فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَشَرَمَ أَنْفَهُ وَفَمَهُ وَشَقَّ وَجْهَهُ، وَحَمَلَ „عَتَوْدَةُ” مَوْلَى „أَبَرْهَةَ” عَلَى „أَرِيَاطَ” فَقَتَلَهُ، وَرَجَعَ „أَبَرْهَةُ” جَرِيحًا، فَدَاوَى جُرْحَهُ فَبَرِأَ، وَاسْتَقَلَّ بِتَدْبِيرِ جَيْشِ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ.
٢. ٣. ] فَكَتَبَ إِلَيْهِ „النَّجَاشِيُّ” يَلُومُهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَيَتَوَعَّدُهُ وَيَحْلِفُ لَيَطَأَنَّ بِلَادَهُ وَيَجِزَّنَّ نَاصِيَتَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبَرْهَةُ يَتَرَقَّقُ لَهُ وَيُصَانِعُهُ، وَبَعَثَ مَعَ رَسُولِهِ بِهَدَايَا وَتُحَفٍ، وَبِجِرَابٍ فِيهَا مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ، وَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ:« لِيَطَأَ الْمَلِكُ عَلَى هَذَا الْجِرَابِ فَيَبِرُّ قَسَمَهُ؛ وَهَذِهِ نَاصِيَتِي قَدْ بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ». فَلَمَّا وَصَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَعْجَبَهُ مِنْهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ، وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ .. ثم..
٣. ] لما غلب- „أَبْرَهَةَ” - على اليمن وملكها من قبل „النجاشي”، رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج [إلى بيت الله الحرام]، فسأل:" أين يذهبون؟"،
فقيل:" يحجون بيت الله بمكة!"،
قال:" وما هو؟"،
قيل:" من الحجارة"،
قال:" وما كسوته؟"،
قيل:" ما يأتي من [ها] هنا من الوصائل"، فأقسم قائلاً:" والمسيح لأبنين لكم خيرًا منه".
٤. ] بِنَاءُ „الْقُلَّيْسِ”
قال علماء السير:
لَمَا دَامَ مُلْكُ „أَبْرَهَةَ” بِـ „الْيَمَنِ” وَتَمَكَّنَ بِهِ‏ بنَى „كَنِيسَةً” [هائلة] لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءِ مِنْ الْأَرْضِ بِـ „صَنْعَاءَ”.... إلى جانب „غُمْدان”؟
٤. ١. ] " وصفها ":
فَشَرَعَ „أَبْرَهَةُ” فِي بِنَاءِ كَنِيسَةَ هَائِلَةٍ بـ „صنعاء” رفيعة البناء، عَالِيَةَ الْفِنَاءِ، مُزَخْرَفَةَ الْأَرْجَاءِ.. بالرخام الأبيض والأصفر والأحمر والأسود، وحلاها بالذهب والفضة وفصل بينهما بالجواهر.. وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة ونقل لها ما تحتاج إليه من الرخام المجزع والحجارة المنقشة بالذهب والفضة من قصر „بلقيس”، وكان على فرسخ من موضعها ونصب فيها صلبانًا من ذهب وفضة ومنابر من عاج وأبنوس وغيره..
٤. ٢. ] " تصرفه مع أهل „اليمن”:
وأذل أهل „اليمن” [في بنيان هذه الكنيسة] وكلفهم فيها أنواعًا من السُخر؛ وكان يوقد فيها بالمندل ويلطخ جدرها بالمسك، وكان حكمه في العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن يقطع يده، يوضح ابن كثير في البداية هذه الجزئية بالقول :" وَكَانَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الْعَمَلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، يَقْطَعُ يَدَهُ لَا مَحَالَةَ.. فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت معه أمه. وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تشفع لابنها وأبى إلا أن يقطع يده، فقالت:" اضرب بمعولك اليوم لك وغدا لغيرك". فقال: " ويحك ما قلت ؟"؛ قالت:" نعم، صار هذا الملك من غيرك إليك، وكذلك يصير إلى غيرك".. فأخذته موعظتها وأعفى الناس من ذلك.
٤. ٣. ] " أهتمامه ببنائها بنفسه :"
وكان يشرف منها على „عدن” لارتفاع بنائها وعلوها،
٤. ٤. ] "التسمية"
٤. ٤. ١ .] ولذا سماها „القُلَّيس”: بضم القاف؛ وفتح اللام مشددة ومخففة فتحتية ساكنة فسين مهملة، أو بفتح القاف وكسر اللام "..
وهذا الفرض الأول في التسمية؛ ويتفق الصالحي مع ابن كثير في هذه الجزئية بالقول فـقد :" سَمَّتْهَا الْعَرَبُ الْقُلَّيْسَ؛ لِارْتِفَاعِهَا؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ إِلَيْهَا تَكَادُ تَسْقُطُ قُلُنْسُوَتُهُ عَنْ رَأْسِهِ مِنَ ارْتِفَاعِ بِنَائِهَا ".
٤. ٤. ٢ .] أما الإفتراض الثاني في سبب تسميتها فقد: قيل: إنما سماها بذلك „العرب” فيحتمل أنهم تبعوه، واحتمال عكسه.. إذا لا تطيب نفسه بتبعيتهم في تسمية ما بناه افتخارًا عليهم، هذا قول ابن عباس
٤. ٥. ] فلما أراد صرف الحج إليها أَرْسَلَ „أَبَرْهَةُ” يَقُولُ لِلـ „نَّجَاشِيِّ” : إِنِّي سَأَبْنِي لَكَ كَنِيسَةً بِأَرْضِ الْيَمَنِ لَمْ يُبْنَ قَبْلَهَا مِثْلُهَا .
لذا فـ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ:يقول: « إنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ».
٤. ٥. ١ . ] فأمر الناس فحجوها، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيها رجال يتعبدون ويتألهون ونسكوا له..
انتهى الجزء الأول..
[ ٢. ] الجزء الثاني مِن: „ قصة إهلاك أصحاب الفيل ”
٤. ٦. ] "رد فعل العرب"
" قِصَّةُ النَّسَأَةِ؛ وغضب أحد رجالها:
قال صاحب السيرة؛ ابن إسحاق: " فَلَمَّا تَحَدَّثَتْ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ النَّسَأَةِ أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ مِنْ مُضَرَ".
٤. ٦. ١ . ] مَعْنَى النَّسَأَةِ :
وَالنَّسَأَةُ هم : الَّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيُحِلُّونَ الشَّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَيُحَرِّمُونَ مَكَانَهُ الشَّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلِّ، وَيُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّـهُ ».
٤. ٦. ٢ . ]: الْمُوَاطَأَةُ لُغَةً ".
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا؛ وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ تَقُولُ الْعَرَبُ: وَاطَأْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُكَ عَلَيْهِ .
٤. ٦. ٣ . ] كَراهِيةِ الْعَرَب الْعَدْنَانِيَّةُ وَالْقَحْطَانِيَّةُ ذَلِكَ، وَايضاً غَضِبَتْ قُرَيْشٌ غَضَبًا شَدِيدًا :
يقول ابن كثير؛ في تفسير القرآن العظيم:".. عَزَمَ أَبَرْهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ حَجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا كَمَا يُحَجُّ إِلَى الْكَعْبَةِ بِمَكَّةَ، وَنَادَى بِذَلِكَ فِي مَمْلَكَتِهِ، فَكَرِهَتِ الْعَرَبُ الْعَدْنَانِيَّةُ وَالْقَحْطَانِيَّةُ ذَلِكَ، وَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى قَصَدَهَا بَعْضُهُمْ، وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ دَخْلَهَا لَيْلًا. فَأَحْدَثَ فِيهَا.. وَكَرَّ رَاجِعًا. فَلَمَّا رَأَى السَّدَنَةُ ذَلِكَ الْحَدَثَ، رَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى مَلِكِهِمْ أَبَرْهَةَ وَقَالُوا لَهُ:" إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا بَعْضُ قُرَيْشٍ غَضَبًا لِبَيْتِهِمُ الَّذِي ضَاهَيْتَ هَذَا بِهِ"؛ فَأَقْسَمَ أَبَرْهَةُ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْتِ مَكَّةَ، وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا".
٤. ٦. ٣ . ١. ] : تحديد الفاعل :
إحْدَاثُ الْكِنَانِيِّ فِي الْقُلَّيْسِ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ:
اشتهر الخبر عند العرب فـ خرج رجل من كنانة مغضبًا فتغوط فيها.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:" فَخَرَجَ الْكِنَانِيُّ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ فَقَعَدَ فِيهَا ".
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:" يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا ".
يوضح ابن الأثير في الكامل تلك الفعله بقوله :" تَغَوَّطَ؛ ثُمَّ لَحِقَ بِأَهْلِهِ".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:" ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ"؛ يعلق الزرقاني بالقول :" هذا قول ابن عباس.".
ثم يقول الزرقاني:" فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ :" مَنْ صَنَعَ هَذَا ؟"، فَقِيلَ لَهُ:" صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ [رجال(!)] مِنْ الْعَرَبِ؛ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكَّةَ، لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ:" أَنَّكَ تُرِيدُ صَرْفَ الْحُجَّاجِ عَنْهُ فَفَعَلَ هَذَا ."؛ أي قولك:" أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ.. فــ غَضِبَ فَــ جَاءَ فَــ قَعَدَ فِيهَا"، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ.
فَغَضِبَ غضباً شديداً عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَهْدِمَهُ؛ وينقض الكعبةَ حجرا حجرا...
٤. ٦. ٣ . ٢. ] ما حدث لهذا الرجل :
قَتَلَتْ بَنُو كِنَانَةَ ذَلِكَ الرَّجُلَ؛ فَزَادَ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ غَضَبًا وَحَنَقًا،". هذه رواية؛
أما الآخرى :"
٤. ٦. ٣ . ٣. ] وكان في عمارة القُلَّيس خشب مموه، إذ أن فتية من قريش دخلوها فأطلقوا فيها نارا فحملتها الريح وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت؛ فأحرقتها.. فحلف ليهدمن الكعبة". وهذا قول مقاتل. و
٤. ٦. ٣ . ٣. ١. ] قد :" قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ -يَزِيدُ أَحَدَهُمَا وَيَنْقُصُ-؛ ويثبت ابن كثير في تفسيره ما :" ذَكَرَه مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ:" أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوهَا فَأَجَّجُوا فِيهَا نَارًا، وَكَانَ يَوْمًا فِيهِ هَوَاءٌ شَدِيدٌ فَأَحْرَقَتْهُ، وَسَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ".
وتروي رواية أحداث آخرى :
٤. ٦. ٣ . ٤. ] " مَا رُوِيَ أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّارًا إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فَنَزَلُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى بِيعَةٍ لِلنَّصَارَى، تُسَمِّيهَا النَّصَارَى "الْهَيْكَلَ"، فَأَوْقَدُوا نَارًا لِطَعَامِهِمْ وَتَرَكُوهَا وَارْتَحَلُوا؛ فَهَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفٌ عَلَى النَّارِ فَأَضْرَمَتِ الْبَيْعَةَ نَارًا، فَاحْتَرَقَتْ"، "يفهم من هذه الرواية أن الفعل ليس فيه قصد الإحراق بل ترتب على السهو أو النسيان أن أحترقت بيعة النصارى :"الْهَيْكَلَ".
أما الرواية الأولى فهي تدل على سذاجة وقلة عقل الفاعل.. ولعل هذا ماتعانيه الأمة الإسلامية من حالة غباء سياسي من تصرفات بعض أحزابها وجماعاتها؛ وقلة إدراك لما تؤول إليه الأمور من تصرف بعض مَن ينتسب لها.
**
٤. ٦. ٣ . ٥. ] رواية آخرى: قال:" ابن سعد ".كان نفيل [ بن حبيب ] الخثعمي يتعرض لأبرهة بالمكروه [يورض له ما يكره]،فأمهله حتى إذا كانت ليلة من الليالي لم ير أحدًا يتحرك [فقام] فجاءً بعذرة فلطخ بها قبلتها، وجمع جيفًا فألقاها فيها.
[ ٣. ] الجزء الثالث مِن: „ قصة إهلاك أصحاب الفيل ”
٤. ٧. ] ..احْتَرَقَتْ البيعة.. إذاً، فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَأَخْبَرَهُ، فَاسْتَشَاطَ غَضَبًا. فَأَتَاهُ أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَّاحِ؛ وَحُجْرُ بْنُ شُرَحْبِيلَ؛ وَأَبُو يَكْسُومَ الْكِنْدِيُّونَ؛ وَضَمِنُوا لَهُ إِحْرَاقَ الْكَعْبَةِ، وَسَبْيَ مَكَّةَ. وَكَانَ النَّجَاشِيُّ هُوَ الْمَلِكُ، وَأَبْرَهَةُ صَاحِبُ الْجَيْشِ، وَأَبُو يَكْسُومَ نَدِيمُ الْمَلِكِ، وَقِيلَ وَزِيرٌ، وَحُجْرُ بْنُ شُرَحْبِيلَ مِنْ قُوَّادِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَبُو يَكْسُومُ هُوَ أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَّاحِ. فَسَارُوا وَمَعَهُمُ الْفِيلُ".
٤. ٧. ١ .] تصرف أبرهة ورد فعله :
تروى الأحداث بصورة آخرى فقد ..كتب [ أبرهة ] إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيلِه، وكان له فيل يقال له "محمود"، وكان فيلا عظيما لم ير مثله في الأرض عظما وقوة، فبعث به إليه
٤. ٧. ٢ .] إذاً فقد .. عَزَمَ أَبَرْهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ حَجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا كَمَا يُحَجُّ إِلَى الْكَعْبَةِ بِمَكَّةَ،
٤. ٧. ٣ .] وَأَقْسَمَ أَبَرْهَةُ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْتِ مَكَّةَ، وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا؛ فَتَأَهَّبَ أَبَرْهَةُ لِذَلِكَ، وَصَارَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ عَرَمْرَمٍ؛ لِئَلَّا يَصُدَّهُ أَحَدٌ عَنْهُ،
وَ
٤. ٧. ٤ .] اسْتَصْحَبَ مَعَهُ فِيلًا عَظِيمًا كَبِيرَ الْجُثَّةِ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، يُقَالُ لَهُ: مَحْمُودٌ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ لِذَلِكَ.
وهذا ما قَالَه الْأَكْثَرُونَ: وهُوَ فِيلٌ وَاحِدٌ.
٤. ٧. ٤. ١.] وَيُقَالُ : كَانَ مَعَهُ أَيْضًا ثَمَانِيَةُ (٨) أَفْيَالٍ.
وَهذا ما قَالَه الضَّحَّاكُ.
٤. ٧. ٤ . ٢.] :"وَقِيلَ : اثْنَا عَشَرَ (١٢) فِيلًا .
٤. ٧. ٤ .٣.] يضيف صاحب الكامل في التاريخ؛ ابن الأثير :" وَقِيلَ : كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ (١٣) فِيلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
٤. ٧. ٥ . ] ثُمَّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ في ستين ألفا (٠٠٠ ,٦٠ )، ثُمَّ سَارَ نحو أرض مكة..
يوضح صاحب الكامل فيقول:" وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِيلًا وَهِيَ تَتْبَعُ مَحْمُودًا، وَإِنَّمَا وَحَّدَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الْفِيلَ لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ كَبِيرَهَا مَحْمُودًا، وَقِيلَ فِي عَدَدِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ"..
يربط الحديث صاحب الكامل؛ فيقول ابن الأثير :" فَلَمَّا سَارَ سَمِعَتِ الْعَرَبُ بِهِ ... ".
٤. ٧. ٦ . ] تصرف العرب:
وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ الْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ.
**
[ ٤. ] الجزء الرابع مِن: „ قصة إهلاك أصحاب الفيل ”
٤. ٨ . ] جاء بالفيل لِيَهْدِمَ بِهِ الْكَعْبَةَ :
يقول ابن كثير في تفسيره:".. يَعْنِي لِيَهْدِمَ بِهِ الْكَعْبَةَ بِأَنْ يَجْعَلَ السَّلَاسِلَ فِي الْأَرْكَانِ، وَتُوضَعَ فِي عُنُقِ الْفِيلِ، ثُمَّ يُزْجَرَ لِيُلْقِيَ الْحَائِطَ جُمْلَةً وَاحِدَةً. فَلَمَّا سَمِعَتِ الْعَرَبُ بِمَسِيرِهِ أَعْظَمُوا ذَلِكَ جِدًّا، وَرَأَوْا أَنَّ حَقًا عَلَيْهِمُ الْمُحَاجَبَةُ دُونَ الْبَيْتِ، وَرَدُّ مَنْ أَرَادَهُ بِكَيْدٍ.
٤. ٨. ١ . ] هَزِيمَةُ „ذِي نَفْرٍ” أَمَامَ أَبْرَهَةَ:
وفي سيرة ابن هشام: فلما سمعت العرب أنه يريد هدم الكعبة بخروجه قطعوه ورأوا جهاده حقًا عليهم؛ " فَخَرَجَ إلَيْهِ [عند الكامل :" عَلَيْهِ "] رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ: „ذُو نَفْرٍ”، فَدَعَا قَوْمَهُ ، وَمَنْ أَجَابَهُ [أطاعه] مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ إِلَى حَرْبِ أَبَرْهَةَ وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَخَرَابِهِ؛ [فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ]؛ وَقَاتَلُوا أَبَرْهَةَ فَهَزَمَهُمْ -أي هُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ- لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَرَامَةِ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمِهِ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ وَأُسِرَ"، فَأُتِيَ بِهِ [إليه] أَسِيرًا.
فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ:" أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَكَ خَيْرًا لَكَ مِنْ قَتْلِي". فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا".
..هذه الهزيمة الأولى للعرب!! لكي يتحقق مراد الله تعالى..
٤. ٨. ٢ . ] مَا وَقَعَ بَيْنَ „نُفَيْلٍ” وَأَبْرَهَةَ:
ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ، حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ „خَثْعَمَ” عَرَضَ لَهُ :" نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ " فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ: "شَهْرَانِ"؛ وَ "نَاهِسُ"؛ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ "نُفَيْلٌ" أَسِيرًا فَأُتِيَ بِهِ فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ:"نُفَيْلٌ": " أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنِّي دَلِيلُكَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَكَ عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ:"شَهْرَانِ"؛ وَ "نَاهِسُ" بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ".
..وتلك الهزيمة الثانية للعرب كما أراد الله تعالى في قصة هلاك أصحاب الفيل..
٤. ٨. ٣ . ] „ابْنُ مُعَتِّبٍ” وَأَبْرَهَةُ :
وَخَرَجَ [أبرهة يريد مكة] بِهِ (ابن معتب) مَعَهُ يَدُلُّهُ، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ "مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَرْوِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ" فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ.
٤. ٨. ٤ . ] اسْتِسْلَامُ أَهْلِ الطَّائِفِ لِأَبْرَهَةَ:
ذكر ابن الأثير في الكامل :" سَارَ حَتَّى إِذَا مَرَّ عَلَى الطَّائِفِ بَعَثَتْ مَعَهُ ثَقِيفٌ „أَبَا رِغَالٍ” يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ حَتَّى أَنْزَلَهُ بِالْمُغَمَّسِ.
٤. ٨. ٤ . ١. ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا لَهُ:" أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّمَا نَحْنُ عَبِيدُكَ سَامِعُونَ لَكَ مُطِيعُونَ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَكَ خِلَافٌ. وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي تُرِيدُ - يَعْنُونَ اللَّاتَ - إنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ. وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ، فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ . ، فبعثوا معه أبا رغال.
واللَّاتُ: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطَّائِفِ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ.
٤. ٨. ٤ . ٢. ] مَعُونَةُ „أَبِي رِغَالٍ” لِأَبْرَهَةَ وَمَوْتُهُ وَقَبْرُهُ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثُوا مَعَهُ "أَبَا رِغَالٍ" يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ وَمَعَهُ أَبُو رِغَالٍ حَتَّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمِّسَ -بطريق الطائف-؛ فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ هُنَالِكَ، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الَّذِي يَرْجُمُ النَّاسُ بِالْمُغَمِّسِ إلى اليوم.
٤. ٨. ٤ . ٢. ١.] و „أبو رِغَال” وحكمة تقبيح حاله وإظهار شناعة أمره حتى صار يرجم بعد موته دون نفيل أنه إنما جعل نفسه دليله وقاية من القتل؛ فكان كالمكره على ذلك بخلاف أبي رِغال، فإن قومه تلقوا أبرهة بالسلم واختاروه دليلا، ولم يكن ذو نفر دليلا إنما كان أسيرًا معه في الوثاق، كما تلي عليك".
فـ سار أبرهة من صنعاء إلى خثعم إلى الطائف ومنها بَعث رجلا من قومه: وَنَزَلُوا بِذِي الْمَجَازِ.. وَاسْتَاقُوا سَرْحَ مَكَّةَ، وَفِيهَا إِبِلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَأَتَى الرَّاعِي نَذِيرًا، فَصَعِدَ الصَّفَا، فَصَاحَ: «وَاصُبَاحَاهُ» ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ بِمَجِيءِ الْجَيْشِ وَالْفِيلِ. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى أَبْرَهَةَ، وَسَأَلَهُ فِي إِبِلِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي النَّجَاشِيِّ، هَلْ كَانَ مَعَهُمْ؛ فَقَالَ قَوْمٌ كَانَ مَعَهُمْ . وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ.
٤. ٨. ٥ . ] „الْأَسْوَدُ بْنَ مَقْصُودٍ” وَاعْتِدَاؤُهُ عَلَى مَكَّةَ :
فَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمِّسَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ عَلَى خَيْلٍ لَهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَّةَ، فَسَاقَ إلَيْهِ أَمْوَالَ (أَهْلِ) تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا.. فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ؛ وَمَنْ كَانَ بِذَلِكَ الْحَرَمِ (مِنْ سَائِرِ النَّاسِ) بِقِتَالِهِ. ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بحربه، فَتَرَكُوا ذَلِكَ.
٤. ٨. ٦ .]:" „حُنَاطَةُ” وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ "
وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ- حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ : " سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ؛ جاء في الكامل :" سَيِّدِ قُرَيْشٍ " وَشَرِيفِهَا"؛ ثُمَّ قُلْ (لَهُ) :" إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنَّمَا جِئْتُ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ؛ صياغة الكامل جاءت بلفظ:" فَإِنْ لَمْ تَمْنَعُوا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ لِي بِقِتَالِكُمْ ".
٤. ٨. ٦ . ١.] فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا فَقِيلَ لَهُ:" عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ (بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ)"؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:" وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ؛ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- صلى الله عليه وسلم - [أَوْ كَمَا قَالَ] فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ. وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَوَاَللَّهِ مَا عِنْدَنَا دَفْعٌ عَنْهُ . فَقَالَ (لَهُ) حُنَاطَةُ:" فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ" .
٤. ٨. ٦ . ٢.] ذُو نَفْرٍ وَأُنَيْسٌ وَتَوَسُّطُهُمَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَدَى أَبْرَهَةَ :
فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى أَتَى الْعَسْكَرَ ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ، فَقَالَ لَهُ :" يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ غَنَاءٍ [من شئ ] فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ ". فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ :" وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا؛ [والله] مَا عِنْدَنَا غَنَاءٌ فِي [من] شَيْءٍ مِمَّا نَزَلَ بِكَ[بكم]؛ إلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِكَ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقَّكَ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلِّمُهُ بِمَا بَدَا لَكَ. وَيَشْفَعُ لَكَ عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ". فَقَالَ:" حَسْبِي". فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ، [فجاء] فَقَالَ لَهُ : إنَّ [هذا] عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ [عين] مَكَّةَ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ. وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ". فَقَالَ :" أَفْعَلُ ".
فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ:" أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَهُوَ صَاحِبُ [عين] عِيرِ مَكَّةَ، وَهُوَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ، فَيُكَلِّمْكَ فِي حَاجَتِهِ، ( وَأَحْسِنْ إلَيْهِ )". قَالَ:" فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ.
٤. ٨. ٦ . ٣.] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحُنَاطَةُ وَخُوَيْلِدُ بَيْنَ يَدَيْ أَبْرَهَةَ :
..وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ،
[وجاء في " الدر المنظم " أن عبد المطلب لما دخل على أبرهة سجد له فيل من الفيلة، وكان لا يسجد لأبرهة كغيره من الفيلة، فتعجب أبرهة من ذلك ودعا بالسحرة والكهان فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه لم يسجد له وإنما سجد للنور الذي بين عينيه. انتهى. ].
ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ:" قُلْ لَهُ: [ما] حَاجَتُكَ؟". فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ؛ فَقَالَ:" حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي". فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ:" قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قَدْ جِئْتُ أَهْدِمُهُ؟؛ لَا تُكَلِّمْنِي فِيهِ".
٤. ٨. ٦ . ٣. ١.] رد عبدالمطلب على أبرهة :
قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:" إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ".
قَالَ:" مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنِّي".
قَالَ:" أَنْتَ وَذَاكَ".
وَكَانَ فِيمَا -يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- [ابن السائب ومقاتل]، قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَةَ، يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدُّئْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي بَكْرٍ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ هُذَيْلٍ؛ فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ [عن خراب البيت] عَنْهُمْ وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا (!!!).
٤. ٨. ٦ . ٣. ٢.] تصرف أبرهة مع عبدالمطلب:
فَرَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْإِبِلَ الَّتِي أَصَابَ لَهُ.
صاحب الكامل يقول :" وَأَمَرَ بِرَدِّ إِبِلِهِ، فَلَمَّا أَخَذَهَا قَلَّدَهَا [وأشعرها وجللها] وَجَعَلَهَا هَدْيًا [للبيت]، وَبَثَّهَا فِي الْحَرَامِ لِكَيْ يُصَابَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَغْضَبَ اللَّهُ؛ فعمد القوم إليها فحملوا عليها وعقروا بعضها، فدعا عليهم عبد المطلب.
**
٤. ٨. ٧ .] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْكَعْبَةَ يَسْتَنْصِرُ بِاَللَّهِ عَلَى رَدِّ أَبْرَهَةَ:
فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَنْهُ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالتَّحَرُّزِ فِي شَعَفِ [عند الكامل:"رُءُوسِ"] الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ: تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ :
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا
يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا
إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا
امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا [عند ابن الجوزي:" فِناكا "] قُرَاكَا
وَقَالَ أَيْضًا :
لَا هُمَّ إنَّ الْعَبْدَ [المرء] يَمْـــــــــــ * ـــــــــــنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ[رحالك]
وَلَئِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّهُ * أَمْرٌ تُتِمُّ بِهِ فِعَالَكْ
أَنْتَ الَّذِي إِنْ جَاءَ بَا * غٍ نَرْتَجِيكَ لَهُ كَذَلِكْ
وَلَّوْا وَلَمْ يَحْوُوا سِوَى * خِزْيٍ وَتُهْلِكُهُمْ هُنَالِكْ
لَمْ أَسْتَمِعْ يَوْمًا بِأَرْجَسَ * مِنْهُمُ يَبْغُوا قِتَالَكْ
جَرُّوا جُمُوعَ بِلَادِهِمْ * وَالْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمَدُوا حِمَاكَ بِكَيْدِهِمْ * جَهْلًا وَمَا رَقَبُوا جَلَالَكْ
زَادَ الْوَاقِدِيُّ :
إنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَقِبْلَتَنَا [عند الصالحي:" وكعـ‍ * * ــبتنا "] * فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
٤. ٨. ٧ . ١.] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَغَفِ الْجِبَالِ فَتَحَرَّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكَّةَ إذَا دَخَلَهَا." فمنعه الله من دخولها؛ كما يجيء.
وذكر مقاتل:" لم يخرج عبد المطلب من مكة[معهم] بل أقام بها، وقال:" لا أبرح حتى يقضي الله قضاءه"؛ ثم صعد هو وأبو مسعود الثقفي على مكان عال لينظر ما يقع،بـ أبرهة.
٤. ٨. ٨ .] : دُخُولُ أَبْرَهَةَ مَكَّةَ، وَمَا وَقَعَ لَهُ وَلِفِيلِهِ:
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ وعبأ جَيْشَهُ، قال ابن جرير: ويقال كان معه ثلاثة عشر فيلا هلكت كلها. ونقل الماوردي عن الأكثرين أنه لم يكن معهم إلا فيل واحد اسمه محمود. وعن الضحاك كان معه ثمانية أفيلة.
وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، زاد مقاتل: وجعل الفيل مقابل الكعبة ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة. وقال غيره: بل ليجعل السلاسل في أركان الكعبة وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة. ثُمَّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ .
٤. ٨. ٨ . ١.] : فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ [نحو الكعبة] إلَى مَكَّةَ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ ( الْخَثْعَمِيُّ ) حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ. فَقَالَ :" اُبْرُكْ مَحْمُودُ [يا محمود أنت بحرم الله]، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ ".
٤. ٨. ٨ . ٢.] : فَبَرَكَ الْفِيلُ؛ وَأَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ؛ وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا (فِي) رَأْسِهِ بالطَّبَرْزِينَ لِيَقُومَ فَأَبَى فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ لَهُمْ فِي مَرَاقِّهِ فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَوَجَّهُوهُ إلَى مَكَّةَ فَبَرَكَ؛ فإذا وَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ؛ وألقى جرانه إلى الأرض وجعل يعج عجا. وفي رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن الفيل لما ربض جعلوا يقسمون له بالله أنهم رادوه إلى اليمن فيحرك لهم أذنيه -كأنه يأخذ عليهم بذلك عهدا- فإذا أقسموا عليه قام يهرول فيردوه إلى مكة فيربض، فيحلفون له فيحرك أذنيه كالمؤكد عليهم القسم، ففعلوا ذلك مرارا.
وفي معاني القرآن للزجاج أن دوابهم لم تسر نحو البيت، فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم الله تعالى بأبلغ موعظة. فأقوموا على قصد أن يخربوا البيت فلم يزالوا يعالجون الفيل حتى غشيهم الليل.
وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أنهم استشعروا العذاب في تلك الليلة، لأنهم نظروا إلى النجوم كالحة إليهم تكاد تكلمهم من اقترابها منهم، فلما كان السَحر أرسل الله الطير الأبابيل.
[ ٥. ] الجزء الخامس مِن: „ قصة إهلاك أصحاب الفيل ”.
٤. ٩ . ] وَنَظَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بِالطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ؛ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:" إِنَّ هَذِهِ الطَّيْرَ غَرِيبَةٌ بِأَرْضِنَا، وَمَا هِيَ بِنَجْدِيَّةٍ وَلَا تِهَامِيَّةٍ وَلَا حِجَازِيَّةٍ "؛ وَإِنَّهَا أَشْبَاهُ الْيَعَاسِيبِ. وَكَانَ فِي مَنَاقِيرِهَا وَأَرْجُلِهَا حِجَارَةٌ؛ فَلَمَّا أَطَلَّتْ عَلَى الْقَوْمِ أَلْقَتْهَا عَلَيْهِمْ، حَتَّى هَلَكُوا .
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ جَاءَتِ الطَّيْرُ عَشِيَّةً؛ فَبَاتَتْ ثُمَّ صَبَّحَتْهُمْ بِالْغَدَاةِ فَرَمَتْهُمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي مَنَاقِيرِهَا حَصًى كَحَصَى الْخَذْفِ، أَمَامَ كُلِّ فِرْقَةٍ طَائِرٌ يَقُودُهَا، أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ، أَسْوَدُ الرَّأْسِ، طَوِيلُ الْعُنُقِ. فَلَمَّا جَاءَتْ عَسْكَرَ الْقَوْمِ وَتَوَافَتْ، أَهَالَتْ مَا فِي مَنَاقِيرِهَا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا، مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ بِهِ.
وَقِيلَ : كَانَ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ مَكْتُوبٌ: مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ نَجَا، وَمَنْ عَصَاهُ غَوَى. ثُمَّ انْصَاعَتْ رَاجِعَةً مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ: حَمَامُ مَكَّةَ مِنْهَا.
وَقِيلَ : كَانَ يَقَعُ الْحَجَرُ عَلَى بَيْضَةِ أَحَدِهِمْ فَيَخْرِقُهَا، وَيَقَعُ فِي دِمَاغِهِ، وَيَخْرِقُ الْفِيلَ وَالدَّابَّةَ. وَيَغِيبُ الْحَجَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ وَقْعِهِ. وَكَانَ أَصْحَابُ الْفِيلِ سِتِّينَ أَلْفًا، لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ إِلَّا أَمِيرُهُمْ، رَجَعَ وَمَعَهُ شِرْذِمَةٌ لَطِيفَةٌ. فَلَمَّا أَخْبَرُوا بِمَا رَأَوْا هَلَكُوا.
فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ مِنْ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ وَالْبَلَسَانِ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ؛ فَقَذَفَتْهُمْ بِهَا وَهِيَ أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ.
ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم، فصاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما من حجر وقع على جنب رجل إلا خرج من الجنب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره ولا تصيب شيئا إلا هشمته وإلا سقط ذلك الموضع. فكان أول ما رئي الجدري والحصبة، وبعث الله تعالى ريحا شديدة فضربت بأرجلها فزادتها قوة.].لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَصَابَتْ .
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: وليس كلهم أصيب. وخرجوا وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيقَ الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا، وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ :
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ * وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ [ابن الأثير؛ الكامل:" غَيْرُ "] لَيْسَ الْغَالِبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ : لَيْسَ الْغَالِبُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَيَهْلِكُونَ بِكُلِّ مَهْلِكٍ عَلَى كُلِّ مَنْهَلٍ ،
وروى أبو نعيم عن عطاء بن يسار قال: حدثني من كلم قائد الفيل وسائسه قال: إنهما أخبراني خبر الفيل". قالا:" أقبلنا ومعنا فيل الملك الأكبر لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم، فلما دنونا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فيهبط وتارة نضربه حتى نمل ثم نتركه. فلما بلغ المغمس ربض فلم يقم فطلع العذاب، فقلت:" نجا غيركما ؟"؛ :" نعم ليس كلهم أصابهم العذاب.
٤. ١٠. ] وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ؛ يقول ابن الأثير؛ في الكامل:" فَسَقَطَتْ أَعْضَاؤُهُ عُضْوًا عُضْوًا، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ الْفَرْخِ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ تَسْقُطُ (أَنَامِلُهُ) [منه] أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدَّةٌ تَمُثُّ قَيْحًا وَدَمًا، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، -فِيمَا يَزْعُمُونَ -.. وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده، فكلما دخل أرضاً وقع منه عضو حتى انتهى إلى بلاد "خثعم" وليس عليه غير رأسه فمات.
وأفلت وزيره وطائره يتبعه حتى وصل إلى النجاشي فأخبره بما جرى للقوم، فلما فرغ رماه الطير بحجره فمات بين يدي الملك.
وروى سعيد بن منصور عن عكرمة :" أن رؤوس هذه الطيور مثل رؤوس السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده، فأثرت في جلودهم فإنه لأول ما رئي الجدري.
وروي أيضا عن عبيد بن عمير :" أنها كالخطاطيف بلق.
وروى عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال:" دعا الله تعالى الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم صفت عليهم ثم رمتهم، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه.
وروى الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير:" أنها خرجت من قبل البحر كأنها رجال الهند معها حجارة أمثال الإبل البوارك، وأصغرها مثل رؤوس الرجال، لا تريد أحدا منهم إلا أصابته ولا أصابته إلا قتلته. والأبابيل: المتتابعة.
وروى أبو نعيم عن نوفل بن معاوية الديلي -رضي الله تعالى عنه- قال:" رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل، حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كأنها جزع ظفار.
وروي أيضا عن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال: كانت في المقدار بين الحمصة والعدسة حصى به نضح أحمر مختم كالجزع.
٤. ١١. ] عند ابن الأثير؛ الكامل:" وَأَرْسَلَ اللَّهُ [سبحانه وتعالى] سَيْلًا [عظيما] [فاحتمل جثث الحبشة و] أَلْقَاهُمْ فِي الْبَحْرِ وَخَرَجَ مَنْ سَلِمَ مَعَ أَبْرَهَةَ هَارِبًا يَبْتَدِرُونَ "]؛ لَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنِ الْكَعْبَةِ وَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ
ثُمَّ مَاتَ يَكْسُومُ وَمَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ مَسْرُوقٌ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ أَوَّلَ مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا رُئِيَ بِهَا مَرَائِرُ الشَّجَرِ الْحَرْمَلِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ ذَلِكَ الْعَامَ.
٤. ١٢. ] وَلَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ الْحَبَشَةَ، وَعَادَ مَلِكُهُمْ وَمَعَهُ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ، وَنَزَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنَ الْغَدِ [لما أصبح] إِلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا يَصْنَعُونَ وَمَعَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ لَمْ يَسْمَعَا حِسًّا، فَدَخَلَا مُعَسْكَرَهُمْ فَرَأَيَا الْقَوْمَ هَلْكَى، فقال له أبو مسعود: انظر نحو البحر. قال: أرى طيرا بيضا. فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال: قد دارت فوق رؤوسنا. قال: هل تعرفها ؟ قال: لا. قال: ما هي بنجدية ولا تهامية ولا يمانية ولا شامية وإنها لطير بأرضنا غير مؤنسة. قال: ما قدرها ؟ قال: أمثلا اليعاسيب في مناقيرها الحصى كحصى الخذف وهي أبابيل يتبع بعضها بعضا، أمام كل فرقة منها طائر يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، حتى إذا جازت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم. فقال أبو مسعود: لأمر ما هو كائن. ثم إن عبد المطلب أرسل ابنا له على فرس له سريع لينظر ما جرى للقوم فذهب الفرس نحوهم فرآهم مشدخين جميعا فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه فلما رأى ذلك عبد المطلب قال: إن ابني لأفرس العرب وما كشف عن عورته إلا بشيرا أو نذيرا. فلما دنا منهما قالا له: ما وراءك ؟ قال: هلكوا جميعا. فانحطا من الجبل ربوة أو ربوتين فلم يؤنسا أحدا، فلما دنيا من المعسكر وجدا القوم خامدين، فعمد عبد المطلب وأخذ فأسا وحفر حتى أعمق في الأرض فَاحْتَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حُفْرَتَيْنِ مَلْأَهُمَا ذَهَبًا وَجَوْهَرًا لَهُ وَلِأَبِي مَسْعُودٍ؛ وجلس كل واحد على حفرته، وَنَادَى عبد المطلب فِي النَّاسِ، فَتَرَاجَعُوا فَأَصَابُوا من ذلك ما ضاقوا به ذرعا مِنْ فَضْلِهِمَا شَيْئًا كَثِيرًا، وازداد عبد المطلب عظما لعدم خروجه من مكة. فَبَقِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي غِنًى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى مَاتَ .

يتبع بإذنه تعالى
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٨ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الخميس : ٢٦ ذي الحجة ـ ~ ١٧ سبتمبر ٢٠١٧ م

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

« حَوَاضِنُهُ » و « مُرَبِياتُه »
« مُرَبِياتُ » «النبي » صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ و « حَوَاضِنُهُ »

تمهيد :
المرحلة الأولى في حسن تكوين الجنين في الرحم حسن إختيار أمه؛ والمرحلة الثانية في الإحسان إلى الرضيع هي حال مرضعته النفسية والبدنية والذهنية؛ مع طول فترة رضاعته؛ والمرحلة الثالثة في إجادة تربية الوليد حاضنته وقدراتها اللُغوية والفكرية؛ فإما أن تكون أمه؛ جدته.. أو خالته.. عمته.. جارته؛ أو أخته الكبرى.. والحالة النفسية للحامل إثناء فترة الحمل من أهم العوامل في مستقبل الجنين؛ والحالة المزاجية للمرضع من أهم العوامل في مستقبل الوليد؛ والحالة النفسية والذهنية للحاضنة من عوامل صنع رجال الغد ونساء المستقبل؛ إذ أن الحضانة: هي حفظ مَن لا يستقل بأموره، وتربيته بما يصلحه.. وهي تقتضي حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته لينمو، وتعهده بطعامه وشرابه، وغسله، وطهارته وغسل ثيابه، ودهنه، وتعهد نومه ويقظته.. والشرع الحنيف جعل حضانة الطفل لأمه إذ هي أرفق به وأحنى عليه، وحاضنته/مربيته تعلمه أمورا تتناسب وقدر سنين عمره وقدرته على الإستيعاب والفهم والتحصيل.. في حالة الوليد السعيد: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب حَوَاضِنُهُ تعددن.. فَمِنْهُنَّ
(*١*) أُمُّهُ : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. وَمِنْهُنَّ :
(*٢*) ثويبة و
(*٣*) السعدية .. حليمة ، وابْنَتُهَا؛
(*٤*) الشيماء.. وَهِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهَا، وَهِيَ الَّتِي قَدِمَتْ عَلَيْهِ فِي وَفْدِ هَوَازِنَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ رِعَايَةً لِحَقِّهَا.
وَمِنْهُنَّ الْفَاضِلَةُ الْجَلِيلَةُ:
(*٥*) أم أيمن؛ اسْمُهَا : بركة الحبشية، وَكَانَ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ دَايَتَهُ.. وَزَوَّجَهَا مِنْ حِبِّهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أسامة.
رُوِيَ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ مُرْسَلٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِأُمِّ أَيْمَنَ: يَا أُمَّهْ ، وَيَقُولُ : هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي.
وَهِيَ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا أبو بكر وعمر بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَا : يَا أم أيمن مَا يُبْكِيكِ!؟؛ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ؟. قَالَتْ : إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا أَبْكِي لِانْقِطَاعِ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَبَكَيَا.
وأرى أن أجعل في نهاية البحوث ملاحق لمسائل وموضوعات وقضايا لم تأخذ حقها في العرض.. منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ وما نحن بصدده : ترجمة -كتابة حياة وسِيّر- للشخصيات المحورية التي لعبت دوراً في حياة الجنين.. الوليد.. الرضيع.. الطفل.. الشاب.. الرجل: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. وملحق آخر عن أهم صحابيات وصحابة المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ.. كمثال صالح يحتذى به.
**
وما زلت أبحث:
*.] الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثه صلى الله عليه وآله وسلم: وسأكمل بحوث:
*.] وفاة أمه آمنه بنت وهب وحضانة أم أيمن له صلى الله عليه وسلم.
*.] كفالة عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه.
*.] استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركة صلى الله عليه وسلم.
*.] ما حصل له في سنة سبع من مولده صلى الله عليه وآله وسلم.
*.] وفاة عبدالمطلب؛ ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات.
*.] استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
*.] سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبدالمطلب إلى اليمن.
*.] سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام.
*.] في حفظ الله إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية؛ واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته، وتعظيم قومه له، صلى الله عليه وسلم.
*.] شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار.
*.] شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول.
*.] رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم.
*.] سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام.
*.] نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
*.] بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى.
**
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٨ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الجمعة : ٥ ذو القعدةـ ~ ٢٨ يوليو ٢٠١٧ م
**

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

مدة رضاعته !

مدخل:"
موقع آستروعرب نيوز الإلكتروني؛ والذي يبث من عاصمة الدانوب الأزرق: فيينا ~ جمهورية النمسا الإتحادية القابعة في قلب القارة الأوروبية العتيقة انفرد من بين منصات التواصل التي تخاطب التجمعات العربية المتواجدة في الغرب؛ ويعتبر جسرا إلى الشرق وتميز بنشر بحوث متواصلة عن السيرة النبوية العطرة -على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام- بصورة متسلسلة ومنذ بدء الخليقة وخلق آدم -أول البشرية- ولكاتب هذه السطور عظيم الشرف أن يكون باحثاً في سنة خادم الأنبياء ومعداً لسيرة آخر المرسلين المبتعث رحمة للعالمين وأن يشاركني هذا الشرف قراء الموقع وإدارته في متابعة ونشر وإكمال بحوث السيرة المحمدية المشرفة؛ ومن ثم السنة النبوية العاطرة وفق المصادر الأصلية والمراجع الصحيحة لإخراج موسوعة كاملة محققة ومدققة.. ويبدو لي أنه من الإنصاف -بجانب صفحة السيرة المحمدية التي ينشرها موقع آستروعرب نيوز- أن تضاف صفحة تتعلق بحياة وسير الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام.. إذ هم القدوة الحسنة والإسوة الصالحة خاصة لشباب وأبناء التجمعات العربية من الأجيال التي ولدت على أرض القارة وتسكن أمهات العواصم الأوروبية خاصة؛ وشباب العالم عامة.. يجاور هذا صفحة عن أمهات المرسلين وزوجات الأنبياء يرافق ذلك صفحة عن نساء حول المبتعثين.. والجدير بالذكر أن كاتب هذه السطور أعد وقام بمبادرة تحت عنوان عريض وهو « تعانق المبشر مع البشير؛ ورحلة العائلة المقدسة إلى أرض النيل؛ بلد الأمن والسلام » بالتنسيق مع أعضاء وإدارة الإتحاد العام للمصريين بالنمسا ومشاركة إيجابية متميزة مِن راعي وممتازة من شعب إيبارشية الأقباط الأرثوذكس -المصرية- في النمسا.. وأرسلت دعوة شخصية لرئيس جمهورية النمسا؛ ولرئيس البعثة الدبلوماسية الرسمية لجمهورية مِصر العربية المعتمدة لدى حكومة جمهورية النمسا.. وكانت النية حاضرة والإرادة متوفرة في تقديم دعوات تشريفية لأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي المعتمد.. والكاتب يرى أن مثل هذه الفعاليات تؤتي ثمارها؛ خاصةً إذا تم إقامتها من خلال فكر ورؤية أهل التخصص وتفعيلها من خلال أقلام رجال العلم في بناء جسور التلاقي بين الشرق والغرب وإزالة الغبار عما تراكم منذ سنوات من النظرة إلى الآخر أو الحكم عليه وإزالة الصورة النمطية التقليدية عن أهل المشرق وأهل الغرب.. ولعله في قابل الأيام يتمكن المرء من قراءة ومشاهدة والتفاعل مع مثل هذه المبادرات. إذ أن القراءة التفصيلية لسير حياة النبلاء من المرسلين والأنبياء ترسخ القيم العليا وتقعد المبادئ العلا وتنشر الأفكار السامية وتثبت المقاييس الحضارية ويكمل آحدانا الآخر في تقديم صورة ناصعة عن البشرية في عام 2017م~1438هـ .
أعود لموضوع السيرة المحمدية.. ولتوضيح معناها يجب عليَّ أن أعرفها.
تعريف السّيرة لُغة:
قال ابن فارس في مادة «سير»: السين؛ والياء؛ والراء: أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ وجريان، يقال: سار يسير سيراً، والسيرة: الطريقة في الشيء والسُّنة، لأنها تسير وتجري.
والسَّيْرة: المرّة الواحدة، والسِّيرة: الضرب من السير، قال ابن منظور: السّيرة: الطريقة، يقال سار بهم سيرة حسنة، والسّيرة الهيئة، وفي التّنزيل العزيز ﴿ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى﴾.
فما سار عليه المرء في حياته يُسمّى سيرة، لذلك قالوا: «السّيرة تقابل الصّورة»، أي: السّيرة في السّلوك، والصّورة في الجسد.
قال الجرجاني في "التّعريفات": «السيرة هي الطريقة، سواء كانت خيراً أو شراً، يقال: فلان محمود السيرة، وفلان مذموم السيرة». والسِّيَر: جمع سيرة، وهي الطّريقة سواء كانت خيرا أو شرّا". هذا تعريف السيرة من حيث اللغة.
أما من حيث: تعريف السيرة اصطلاحاً: أي في الاصطلاح الشّرعي:
السّيرة هي: العلم بحياة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من قبل ولادته إلى وفاته، وما يتعلّق بدعوته من الحوادث، فهي ترجمة حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الميلاد إلى الوفاة..
وأرى اختزالا في هذا التعريف.. بيد أن د. نزار ريان عرَّفها بقوله: «هي طريقة حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بكل ما يتصل بها، قبل البعثة وبعدها».
حتّى إنّه عند الإطلاق لا ينصرف لفظ السّيرة إلاّ إلى «حياة النبيّ» صلى الله عليه وسلم.".
وما جاء في التعريفات بأن :" السُّنّة " في اللغة‏:‏ هي الطريقة، مرضية كانت أو غير مرضية، والعادة، أما في الشريعة‏:‏ فهي الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض وجوب، فالسُّنة‏:‏ ما واظب النبي، صلى الله عليه وسلم، عليها، مع الترك أحياناً، فإن كانت المواظبة المذكورة على سبيل العبادة فسنن الهدى، وإن كانت على سبيل العادة فسنن الزوائد، فسنة الهدى ما يكون إقامتها تكميلاً للدين، وهي التي تتعلق بتركها كراهةً أو إساءة، وسنة الزوائد، هي التي أخذها هدى أي إقامتها حسنة ولا يتعلق بتركها كراهة ولا إساءة كسير النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه وقعوده ولباسه وأكله‏.‏
وهي مشترك بين ما صدر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، وبين ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه بلا وجوب، وهي نوعان‏:‏ سنة هدى، ويقال لها‏:‏ السنة المؤكدة، كالأذان والإقامة، والسنن، والرواتب، والمضمضة، والاستنشاق، على رأي، وحكمه كالواجب، المطالبة في الدنيا، إلا أن تاركه يعاقب وتاركها لا يعاقب‏.‏ وسنن الزوائد، كأذان المنفرد، والسواك، والأفعال المعهودة في الصلاة وفي خارجها، وتاركها غير معاقب‏.‏ "
وعليه.. اقول (الرمادي) فنحن في أحتياجٍ لمعرفة السيرة المحمدية إجمالاً؛ وفي ضرورةٍ لمعرفة السنة النبوية تفصيلاً.
أضيف (الرمادي): أن هناك فارق بين السيرة المحمدية والسنة النبوية؛ فالسيرة النبوية وفقاً لما قدمته من بحوث سابقة نشرت على موقع آستروعرب نيوز تبدء منذ عهد آدم عليه السلام، أما السنة النبوية فتبدء منذ البعثة النبوية وبداية الرسالة المحمدية الخاتمة.. أي مِن حيث مبتدأ الوحي وبداية التنزيل. وهذه الأخيرة لم تنشر بعد.
وحين أقول (الرمادي) أنه ينبغي معرفة السيرة المحمدية إجمالاً أقصد تلك المراحل والأحداث والتبليغات والروايات والإرهاصات منذ بدء وجود آدم إلى قبيل البعثة المحمدية؛ أي قبل أن يصل محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب سن الأربعين.. وغالب هذه الروايات أو الأحداث لا ينبني عليها أي أحكام شرعية سواء متعلقة بالعقيدة أو فعل ترك أو قيام بفعل.. والندرة الباقية إخبار من المعصوم عليه السلام -إذا صح الخبر- فقد صاحب ولادته بعض الإرهاصات الدالة على نبوته؛ منها ما ثبت بطرق صحيحة كالمعنى المستفاد من حديث :« أنا دعوة أبي إبراهيم» [الخليل أبي الأنبياء] «وبشرى عيسى» [أبن مريم عليهم السلام].. «ورأت أمي حين حملت بي كأن نوراً خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»؛ وكـ قدم نبوته مثلا؛ أما الغالب من الروايات فهي إخبارات أو مرويات قد تحرز السادة العلماء عن ذكرها؛ فقالوا قبل سرد الرواية أو التبليغ بالخبر «كما يقول الناس»؛ أو «فيما يـزعمون»؛ أو «والله تعالى أعلم»، بصيغة التمريض؛ أو التشكيك.. لذا توقف الكثير من السادة العلماء في ذكر روايات؛ كما ترى عند صاحب زاد المعاد مثلاً.. وهناك ما لم يثبت بطرق صحيحة ولكنه اشتهر مثل قولهم: «إنه حين ولد سقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى»؛ و « خمدت النار التي كان يعبدنها المجوس» و « غاصت بحيرة "ساوة"» و « انهدمت المعابد التي كانت حولها»
ثم استوقفني ما ذكره د. مهدي رزق الله أحمد في بحثه القيم :" السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية - دراسة تحليلية". إذ ذكر أن المحدثين عندما عَرَّفُوا السنة؛ جعلوا السيرة جزءاً منها. فقالوا :"إنها كل ما آثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة ". سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحنثه في غار حراء، أم بعدها. والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي.".
وأني أميل لتعريف الأصوليين للسنة؛ إذ قالوا :" السنة في اصطلاح الأصوليين هي: «ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير«.
قلت(الرمادي): أنتهى التعريف عند هذا الحد. وبالتالي وضح للقارئ الإختلاف بين تعريف المحدثين والأصوليين.
أقول (الرمادي): أثبتُ هذه التعريفات وذكرت هذه المداخلة إذ أن هناك روايات تنسب إلى السعدية حليمة؛ مرضعة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب لم أجدها إلا عند المجلسي (محمّد باقر بن محمّد تقي)؛ وهو من علماء السادة الشيعة الأمامية الأثنى عشرية؛ وما سطره يعتبر موسوعة هي : « بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار » يعد هذا الكتاب من أكبر الموسوعات الحديثيَّة عند الشيعة الإثني عشريَّة إذ تتجاوز عدد مجلَّداته المئة مجلد)؛ ولكني لم أجد مصدر لبعض الروايات.. كما لم أجد إحالة؛ بمعنى من أين أتى بهذه الرواية المنسوبة إلى السعدية حليمة؛ مرضعة محمد بن عبدالله بن عبد المطلب؛ وكذا تجد روايات عند شرف المصطفى؛ لـ: عبدالملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي، أبو سعد (المتوفى: 407هـ)) .
وهناك أخبار ومرويات تركتها للقارئ إذا اراد مراجعتها؛ ولكن بها ضعف شديد فلم أثباتها هنا (!)."

وبحثتُ بالقدر الكافي فلم أجد مَن خرَّج هذه الروايات كي يطمئن لها القلب وتقنع العقل فاضعها ضمن بحوث السّيرة.. وإن احتاط المؤلف فكتب «من العجب العجيب».. وذكر بعض الأمور المتعلقة بطفولة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب في سنواته الأولى عند السعدية حليمة مرضعته. لذا فإني أحتج -في هذه البحوث- بالصحيح من الروايات والأخبار؛ واستأنس بالضعيف فيما لا يتعلق بالعقيدة والأحكام؛ وأدع الواهي.. وهذا ما قرره السادة العلماء واتفقوا عليه.
ثم توقفتُ عن البحث في هذ الروايات وسارجأها إلى بحوث أختلاف الرواية في الحادثة الواحدة تحت عنوان عريض هو « شبهات حول السيرة »... وستأتي في نهاية البحوث إن شاء الله تعالى...
**
﴿« „ مدة رضاعه ‟ « ﴾
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكلمتُ مِن قبل عن الشخصيات المحورية في حياة محمد.. وبالطبع مِن هذه الشخصيات المحورية مَن لعبتْ دوراً أما جوهرياً أو ثانوياً في «حياة» الرضيع.. الطفل.. الشاب.. الرجل: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. وهذه مسألة حساسة جداً وغامضة للغاية ومعقدة عند البعض.. غير أنه ينبغي التفريق الكامل بين رعاية خالقه تعالى في سماه وتقدست اسماه ومرسله سبحانه وتعالى إلى الناس كافة.. كما أثبتُ من قبل:" أَنَّهُ قَالَ: „ أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي ‟... وعلق ابن تيمية بالقول :" الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ ثَابِتٌ " ينبغي التفريق الكامل بين -محمد- البشر والإنسان، وبين الرسول والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنه مبلغ وحي ربه وحامل الرسالة وآخر الأنبياء والمرسلين.. المصطفى المجتبى المحتبى المرتضى.. فالحديث عن الأول بإعتباره بشر وإنسان أتصف بصفات حميدة إثناء مراحل حياته الأولى وظهرت كرامة له ووجدت إرهاصات قبل الحمل به وإثناء حمله بين قلب وفؤاد أمه آمنة بنت وهب وإثناء الولادة وأحداث ليلة الولادة والخير والكرامة مع وعند السعدية حليمة وقضية شق الصدر في بني سعد.. وحتى المبعث.. استغرقت ما يقرب من اربعين عاما.. أما المرحلة الثانية من حياته فتبدءُ منذ البعثة ونزول الوحي وحتى إنتقاله إلى الرفيق الأعلى.. فهو إنسان بيد أنه مكلف في هذه المرحلة منذ نزول الوحي بواسطة أمين السماء جبريل بالتبليغ وتحمل أعباء النبوة وحمل الرسالة.. وهذه المرحلة العمرية أو الفترة الزمنية من حياة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين يبلغ عن ربه ولا يوجد شخص أو إنسان أو مخلوق يتأثر به أو يؤثر فيه.. بل وحي وتبليغ ودعوة وفق ما يرسله ويوحي إليه به خالقه ومولاه.. فالسنة النبوية -إجمالاً وتفصيلاً- تحتاج إلى معرفة كاملة؛ ولا أقصد هنا ما يتبادر إلى الذهن بأنه فعل المندوب أو الإتيان بالنافلة؛ أو القيام بالمستحب.. بل أريد القول بما هو يقابل للقرآن الكريم من حيث التشريع؛ أي القسم الثاني من الذكر الحكيم المنزل من السماء.. وتوضح هذه الجزئية بما قاله عليه السلام إثناء خُطْبَتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ فـ عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ :« ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ». وَوَجَدْتُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ».
**
أقول:" (الرمادي) هذا لما ترويه السعدية حليمة في الصفحات السابقات؛ إذ أن خبر إرضاع حليمة السعدية لمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب في ديار بني سعد، وما ظهر عليه من البركة هذا خبر مستفيض في كتب السيرة قديمها وحديثها، وأقدم مَن أورده مِن كُتاب السيرة ابن إسحاق (توفى: 151 هـ)؛ بأنها قالت كما جاء في سيرة ابن هشام.. إذ أنه قد تفرد ابن إسحاق برواية خبر إرضاع حليمة الرسولَ وإقامته معها ببادية بني سعد. وقد رواه بإسناد منقطع؛ إذ لم يصرح فيه عبدالله بن جعفر بالسماع من حليمة؛ وفي إسناده جهم بن أبي جهم، الذي عدّه الذهبي من المجاهيل: ورواه أبو يعلي في مسنده. وابن حبان في صحيحه، وليس فيهما تصريح بالتحديث بين عبدالله وحليمة، كما قال الألباني؛ وخَطَّأَ ابن حجر.. لأنه قال بـ:" أن عبدالله قد صرح بالتحديث".. ورواه الطبراني كذلك، ووثق الهيثمي رجال أبي يعلى والطبراني.
ومحصلة التحقيق :
حكم محققا سيرة ابن هشام، والألباني بضعف هذا الخبر.
وعلى الرغم مما قيل في إسناد هذا الخبر إلا أن مما لا شك فيه ثبوت استرضاع الرسول في بادية بني سعد؛ وذلك لأن:
1.] رواية الصحيح -عند مسلم- تتفق مع رواية ابن إسحاق في أن حادثة شق الصدر -وهذا بحثي القادم؛ إن شاء الله تعالى- قد وقعت للرسول وهو صغير مسترضع في بادية بني سعد، وكذلك:
2.] رواية الحاكم؛ وأحمد وابن إسحاق في حديث : « أنا دعوة أبي إبراهيم.... واسترضعت في بني سعد ابن بكر... «" وفي :
3.] الحديث الذي رواه ابن إسحاق بإسناد حسن، قال وفد هوازن للرسول وهو بالجعرانة حين منصرفه من حنين:" إنما في الحظائر -أي الأسر- عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك...." وفي هذا الحديث إشارة إلى رضاعة النبي في أهل مناطق الطائف، أي في هوازن، التي منها بنو سعد.. قوم حليمة بنت أبي ذؤيب. وروى :
4.] ابن سعد بسنده إلى ابن القبطية أن النبي كان مسترضعا في بني سعد بن بكر. وفي :
5.] رواية آخرى لابن سعد أن أم النبي دفعته إلى السعدية التي أرضعته.... . وذكر ابن كثير:
6.] أن ابا نعيم روى بسنده إلى عتبة بن عبدالله أن رجلا سأل النبي، فقال :" كيف كان أول شأنك يا رسول الله !؟ . قال :" كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر ... الحديث " ... فـ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :" كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ". قَالَ : «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ».
ويضاف إلى هذه الآثار التي تدل على
7.] مجئ أبوي الرسول من الرضاعة إليه و
8.] تعرفه على الشيماء -أخته من الرضاعة- التي جئ بها ضمن أسرى غزوة حنين .
وهذا كله يثبت رضاعته عليه السلام من حليمة السعدية..
ثم أثبتُ قول السيدة السعدية حليمة مرضعته؛ إذ قالت : « فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنْ اللَّهِ الزِّيَادَةَ وَالْخَيْرَ حَتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ، وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ »، وهذه الرواية قريبة من رواية الطبري : « فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنَ اللَّهِ زِيَادَةَ الْخَيْرِ بِهِ، حَتَّى مَضَتْ سَنَتَانِ وَفَصَلْتُهُ وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا ».. أما رواية ابن كثير : « فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ يُرِينَا الْبَرَكَةَ نَتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْهِ فَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا تَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ، وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ ».. وفي رواية آخرى لابن الأثير: « وكان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة » .. فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا. قَالَتْ : فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا ، لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِه » .
والذي نثبته من تضافر الأقوال لوجود الرضيع اليتيم في بني سعد :
«١.»: نَتَعَرَّفُ مِنْ اللَّهِ الزِّيَادَةَ وَالْخَيْرَ؛
«٢.»: نَتَعَرَّفُ مِنَ اللَّهِ زِيَادَةَ الْخَيْرِ بِهِ؛
«٣.»: اللَّهُ يُرِينَا الْبَرَكَةَ نَتَعَرَّفُهَا. وهذا كله «" حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْهِ ".».
نثبت هنا محصلة قول السعدية حليمة من وجود البركة والخير والزيادة لوجود الطفل الرضيع «الـيتيم»: منذ اللحظة الأولى التي وضعت الرضيعَ في حجرها وحتى وصل إلى سن الفطام..
وإذا كان خبر حليمة الطويل المشتهر حول رضاعة لم يحظَ بتصحيح المحدثين لعلل إسنادية، فإن رضاعه صلى الله عليه وسلم في بني سعد من قبل حليمة السعدية ثابت من طرق كما أسلفت. إذاً اشتهر عند أهل المغازي والسير أن ممن أرضعنه حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية؛ في بني سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان حين اخذته معها إلى بادية قومها؛ فاقام معها نحو
«١.»: أربع سنين ثم ردته إلى أمه."
تكمل الحديث السيدة السعدية المرضعة مع السيدة آمنة بنت وهب أم الرضيع فتقول: « فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ.. وَقُلْتُ «السعدية؛ حليمةـ» لَهَا : لَوْ تَرَكْتُ بُنَيَّ عِنْدِي حَتَّى يَغْلُظَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَأَ مَكَّةَ، قالت: ونحن أضنُّ شىء به مما رأينا من بركته. قَالَتْ : فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى رَدَّتْهُ مَعَنَا ». قالت«أمه: آمنة بنت وهب»: ارجعا به، تكمل السعدية الحديث فتقول :"فرجعنا به فمكث عندنا شهرين...." وهنا تحدث حادثة شق الصدر...

وذكر ابن الجوزي أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين..
فَكَانَتْ مُدَّةُ رَضَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«٢.»: سَنَتَيْنِ ،.
وقال ابن قتيبة:
«٣.»: لبث فيهم خمس سنين وَرَدَّتْهُ حَلِيمَةُ إِلَى أُمِّهِ وَجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ فِي قَوْلٍ .
الظاهر أن قول ابن الجوزي يعود إلى المرة الأولى قبل شق الصدر الشريف؛ وما ذكره ابن قتيبة وابن الثير يعود لمجمل المدة التي مكثها عليه السلام في ديار بني سعد ... والله أعلم
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٨ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ؛ يوم الإثنين : 1 ذو القعدة 1438 ~ ٢٤ يوليو ٢٠١٧ م

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

البركة بقدوم الرضيع أرض بني سعد.. ومرضعاته

قَالَتْ حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ؛ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ:« كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ... »
أثبتُ في الحلقة السابقة بركات الرضيع؛ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب منذ اللحظة الأولى التي وضعته السعدية؛ حليمة في حجرها وذكرتُ أربع بركات.. وهذه الخامسة:
﴿ „»٤. ٢. ٥. ٥. «‟﴾ : البركة الخامسة:"غنم حليمة:
قَالَتْ : ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا(1) مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا، فَكَانَتْ غَنَمِي(2) تَرُوحُ عَلَيَّ حِينَ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبَّنًا(3)؛ فَنَحْلُبُ(4) وَنَشْرَبُ، وَمَا يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ؛ وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرُوحَ جِيَاعًا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ أَوْ لِرُعْيَانِهِمْ(5)" وَيْحَكُمُ انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ "؛ فَيَسَرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ؛ فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ أَغْنَامِي شِبَاعًا لَبَنًا(6)؛ نَحْلِبُ مَا شِئْنَا فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ يُرِينَا الْبَرَكَةَ نَتَعَرَّفُهَا؛ فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنْ اللَّهِ الزِّيَادَةَ وَالْخَيْرَ بِهِ(7).
**
﴿ „»٤. ٣. «‟﴾ :« مراضعه صلى الله عليه وآله وسلم »
السيدات؛ الأمهات اللَّواتي أرضعن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب: ابن آمنة بنت وهب الزهرية قيل إنهن «عشر» (1) ﴿١٠﴾ نسوة(2).
وقيل «ثمان» ﴿٨﴾.
وقيل «ثلاث» ﴿٣﴾.
**
مَنْ أَرضَعَه (3):
﴿ „»٤. ٣. ١. «‟﴾ إن أول مرضعة تشرفت برضاعه صلى الله عليه وسلم أُمُّه العفيفة الشريفة الطيبة ذات النسب والحسب: «آمنة بنت وهب» الزهرية التي رأت إثناء حملها به ووضعها ما رأت.. وقمتُ بعرضه في الصفحات الماضيات؛ فـلمّا ولَدتْه صلى الله عليه وسلم أرضَعته سبعة(4) أَيَّام، ذكر ذلك جماعة منهم؛ صاحب المورد والغُرر.
وقد ثبت(5) أنه أَرضعته:
﴿ „»٤. ٣. ٢. «‟﴾ «ثُوَيْبَةُ» الأَسلمية مولاة أبي لَهَبٍ ساعة ولد (6)؛ وقيل أيّاماً (7)؛ قبل قدوم حليمة.وأرضعت عمه حمزة كذلك، فكان أخاً للنبي من الرضاعة. وهو عمه صنو أبيه.
**
وأكثرهن إرضاعاً له؛ ولا خلاف(8) أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرضعته :
﴿ „»٤. ٣. ٣. «‟﴾ «حليمة»؛ وتكنَّى أم كبشة(9)) - أي باسم بنت لها اسمها كبشة؛ وكانت من هوازن؛ أي من بني سعد بن بكر بن هوازن(10)، رضع عليه السلام مع ابنتها الشَّيْماء بنت الحارث بن عبدالعزى.
بيد أنه ورد في طبقات ابن سعد:" وَقَالَتْ أُمُّهُ- آمنة بنت وهب-:" يَا ظِئْرُ سَلِي عَنِ ابْنِكِ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ"؛ وَأَخْبَرَتْهَا مَا رَأَتْ؛ وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ حِينَ وَلَدَتْهُ، وَقَالَتْ :" قِيلَ لِي ثَلاثَ لَيَالٍ: اسْتَرْضِعِي ابْنَكِ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ؛ ثُمَّ فِي آلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ "، قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَإِنَّ أَبَا هَذَا الْغُلامِ الَّذِي فِي حِجْرِي أَبُو ذُؤَيْبٍ وَهُوَ زَوْجِي، فَطَابَتْ نَفْسُ حَلِيمَةَ (11)". ويوضح مَن الطفل الرضيع زمن قدوم السعدية؛ حليمة إلى مكة فقال : قَدِمَ مَكَّةَ عَشْرُ نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ يَطْلُبْنَ الرَّضَاعَ فَأَصَبْنَ الرَّضَاعَ كُلُّهُنَّ إِلا حَلِيمَةَ بِنْتَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ وورد ذكر اسم الرضيع وهو :" عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ تُرْضِعُهُ "... وليس الرضيع الشيماء -كما أدعى البعض- وسأوضح -بإذنه تعالى ذكره - في بحث قادم أن جُدامة -وهي الشيماء-كانت تلاعبه؛ وهذا يعني أنها أكبر سناً منه.
**
والمرضعات القادمات ظهر تضارب في الأقوال حولهن؛ وأذكرهن كي أستوفي البحث:
﴿ „»٤. ٣. ٤. «‟﴾ «خولة بنت المنذر»؛ بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن عدي بن النجار، أم بردة الأنصارية.
قال الإمام الشامي: ذكر الإمام أبوالحسن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم المعروف بـ"ابن الأمين" أنها –أي خولة- أرضعت النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال: ذكرها العدوي وتابعه في العيون والموارد.
وهو وهمٌ إنما أرضعت ولده صلى الله عليه وآله وسلم إبراهيم، كما ذكر ابن سعد وأبو عمر وغيرهما وعليه جرى الحافظ في الإصابة، ونصه بعد أن ساق نسبها: مرضعة ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا هو الصواب خلافاً لما في بعض النسخ السقيمة في إسقاط ابن.
وعليه فقد صوب جماعة أنها أرضعت ولده إبراهيم، ابن ماريا بنت شمعون -القبطية؛ يعني المصرية- وليس هو -صلى الله عليه وسلم. (12). هذا ما ذكره أبو الفتح اليعمرى عن ابن اسحاق.
وفي محاولة توفيقية من صاحب السيرة الحلبية في هذا القول.. قال:" ونسب هذا البعض في ذلك للوهم، وأن خولة بنت المنذر التي هي أم بردة إنما كانت مرضعة لولده إبراهيم. وقد يجاب عنه بأنه يجوز أن تكون خولة بنت المنذر اثنتان: واحدة أرضعته صلى الله عليه وآله وسلم، وواحدة أرضعت ولده إبراهيم ابن ماريا بنت شمعون المصرية، وأن خولة التي أرضعته صلى الله عليه وسلم هي السعدية التي كانت ترضع حمزة -عمه- التي قال فيها الشمس الشامي: لم أقف على اسم تلك المرأة، والله أعلم" .. قلتُ: وهي القادمة:.
﴿»„ ٤. ٣. ٥. ‟«﴾ و «امرأة سعدية» (13) أي -امرأة من بني سعد؛ غير حليمة-. ذكرها ابن القيم في الهدي.
روى ابن سعد عن ابن أبي مليكة:" أن حمزة كان مسترضعاً له عند قوم من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند أمه حليمة.". (14)
قال صاحب السيرة الحلبية :" ولم أقف على اسم تلك المرأة ".
أما السادسة: ﴿ „»٤. ٣. ٦. «‟﴾ و السابعة: ﴿ „»٤. ٣. ٧. «‟﴾ والمرضعة الثامنة: ﴿ „»٤. ٣. ٨. «‟﴾ فهنَّ : «ثلاث» نسوة من بني سليم مر عليهن، ذكرهن القرطبي وغيره: (15).". اسم كل واحدة منهن عاتكة؛ نقله السهيلي عن بعضهم في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم :« أنا ابن العواتك من سليم »...
قلتُ(الرمادي) : سأبحث هذه المسألة قريباً (16).
قال أبو عمر :" أنه صلى الله عليه وسلم مُرَّ به على ثلاث نسوة من بني سُليم.. فأخرجن ثديهن فوضعناه في فيه فدرَّت عليه ورضع منهن."
والسيرة الحلبية توضح هذه المسألة-وإن كان فيها نظر- :" قال: وأرضعه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث نسوة: أي أبكار من بني سليم، أخرجن ثديهن فوضعنها في فمه فدرت في فيه فرضع منهن، ويضيف صاحب السيرة الحلبية:" وأرضعته صلى الله عليه وسلم أم فروة اهـ. –وهي القادمة في بحثي هذا- وهؤلاء النسوة الأبكار كل واحدة منهن تسمى «عاتكة»، واللاتي عناهن صلى الله عليه وسلم بقوله: «أنا ابن العواتك من سليم» .
قلتُ:" والأمر إذا كان هكذا؛ فيعتبر أعجازا؛ أحتاجُ إلى بحثه في باب إرهاصات ما قبل الرسالة ومعجزات النبوة".
﴿»„ ٤. ٣. ٩. ‟«﴾ «أم فرْوة». (17) ذكرها المستغفري: ثم روى عن ابن إسحاق عن أم فروة ظئر النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ".[سورة الكافرون]. (فإنها براءة من الشرك).
تخريج:" قال أبو موسى المديني :" اختُلف في راوي الحديث: فقيل: فروة، وقيل: أبو فروة، وقيل: أم فروة ، وهذا أغرب الأقوال.
وقال الحافظ في الإصابة: بل غلط محض وإنما هو أبو فروة، وكان بعض رواته لمَّا رأى عن أبي فروة ظئر النبيّ صلى الله عليه وسلم ظن أنه خطأ والصواب أم فروة، فرواه على ما ظن فأخطأ هو، واسم الظئر لا يختص بالمرأة المرضعة بل يُطلق على زوجها أيضاً، وقد أخرجه أصحاب السنن الثلاثة من طرق عن ابن إسحاق عن ورقة بن نوفل عن أبيه. هكذا أخرجه أبو داود والنسائي من رواية إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق مجرداً وفيه على أبي إسحاق اختلاف وهذا هو المعتمد. ".
﴿ „»٤. ٣. ١٠. «‟﴾ «أم أيمن» بركة ذكرها القرطبي(18)؛ عزيزة(19)، وصوب جماعة أنها من الحواضن لا من المرضعات (20)؛ والمشهور أنها من الحواضن لا من المراضع.
وما تقدم من أن أم أيمن أرضعته صلى الله عليه وآله وسلم ذكره السيوطي في الخصائص الصغرى، ردّ بأنها حاضنته لا مرضعته(21).
وعلى تقدير صحته ينظر بـ لبن أي ولد لها كان، فإنه لا يعرف لها ولد إلا أيمن وأسامة، إلا أن يقال جاز أن لبنها در له صلى الله عليه وسلم من غير وجود ولد كما تقدم في النسوة الأبكار(22).
قلتُ:"وهذا إعجاز جديد؛ يحتاج لتثبت. غير أني قرأت أن معجزات المصطفىٰ المهتدىٰ المرتضىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ تصل إلى عشرة آلاف معجزة.. وهذا يلزمنا البحث في كافة صفحات السيرة النبوية الشريفة العطرة".
**
واللافت للإنتباه أنه جاء عند البعض أن :" المذكور في كتب التاريخ والسير حسب -ما وقف عليه صاحب الفتوى- أن مرضعاته صلى الله عليه وآله وسلم :فقط هن:
﴿ ١ ﴾ «ثويبة» مولاة أبي لهب أرضعته أياماً وهي أول من أرضعه، (قلتُ الرمادي: يمكن القول هنا أنها أول مَن ارضعته بعد أمه ) ثم أرضعته
﴿ ٢ ﴾ «حليمة» «السعدية» بلبن ابنها عبدالله بن الحارث وبقي عندها إلى الفطام،
وذكر ابن سعد في الطبقات وابن القيم في زاد المعاد أن
﴿ ٣ ﴾ «أم حمزة» أرضعته يوما وهو عند حليمة.
فتحصل من ذلك ثلاث ( ٣ ) مرضعات ثويبة وحليمة وأم حمزة إن صحت الرواية بإرضاعها له صلى الله عليه وآله وسلم. وأما غير ذلك فلم نقف عليه(23)"
**
والخلاصة : بعد التبحر في مسألة رضاعة الوليد محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب فإني لم أتمكن من ترجيح قول على آخر؛ غير ما بدأته بكلمة"ثبت" عند الحديث عن ثويبة الأسلمية، أو كلمة "لا خلاف" عند الحديث عن السعدية حليمة.. وبالطبع رضاعة أمه السيدة الجليلة آمنة بنت وهب الزهرية.. فيصير عدد أمهاته من الرضاعة أربع.. وإذا ما توصلتُ إلى جديد سأذكره بمشيئته جل وعلا.
يتبع بإذنه تعالى
الخميس : ١٢ شوال ١٤٣٨ هـ ~ ٦ يوليو ٢٠١٧

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

السعدية.. حليمة

أتحدث عن :" ذِكْرِ مَنْ أَرْضَعَ(1) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم؛ إذ أن مسألة الرضاعة لها أهمية قصوى في بنية وحياة الوليد ومستقبل الرضيع؛ ومدى قوة العلاقة الوثيقة بينه وبين مرضعته؛ وفي قصة إرضاع الكليم موسى عليه السلام وقفات ووقفات تحتاج إلى تبيان؛ وسوف أتحدث عن مسألة الرضاعة في تعليقاتي نهاية هذا البحوث؛ ولكي لا نخرج عن صلب الموضوع.. أقول أرضعت محمد بن عبدالله بن عبدالطلب أمه(2)؛ ثم من بعدها ثُوَيْبَةُ.. فأول امرأة أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ثويبة كما في تاريخ الطبري.
[ ٤. ١. ٢.] وفاة ثُوَيْبَة مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"... وَفِي السنة السابعة من الهجرة تُوُفِّيَتْ ثُوَيْبَةُ مُرْضِعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ؛ وهي التي أَرْضَعَتْهُ قَبْلَ حَلِيمَةَ أَيَّامًا(3).
وثُوَيْبَةُ أُختلف في اسلامها(4) وماتت عقب فتح خيبر؛ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَيْهَا إِلَى مَكَّةَ بِصِلَةٍ وَكِسْوَةٍ، حَتَّى جَاءَهُ مَوْتُهَا سَنَةَ سَبْعٍ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ : « مَا فَعَلَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ ؟ »؛ قَالُوا : مَاتَ قَبْلَهَا.(5)".
**
وكان من عادة العرب إذا ولد لهم مولود أن يلتمسوا له مرضعة من غير قبيلتهم ليكون أنجب للولد وأفصح له(6). وكانوا يقولون: إن المربّى في المدن يكون كليل الذهن فاتر العزيمة(7)، وكان أهل مكة يسترضعون أولادهم في البادية لفصاحتهم وليجمعوا للولد ما بين صحة البادية وفصاحتها وآداب الحضارة وملاحتها(8).
قال علماء السير : ثم احتملته حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب - مصغر ذئب - من بني سعد بن بكر بن هوازن، ثم قيس بن عيلان ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان؛ حين قدمت مع قومها يلتمسون الرضعاء، لما يرجونه من المعروف من أهليهم. وكان أهل مكة يسترضعون أولادهم فيهم لفصاحتهم، ولصحة هواء البادية، فأقام صلى الله عليه وسلم فيهم نحو خمس سنين(9).
**
ثويبة.. أرضعت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه " حمزة بن عبدالمطلب "، وأرضعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبا سلمة بن عبدالأسد "، ثم بعد رضاعه من " ثويبة " أرضعته " أم كبشة "، حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث بن سعد بن بكر بن هوازن السعدية " بلبن زوجها الحارث بن عبدالعزى السعدي، وأرضعت معه صلى الله عليه وسلم ابن عمه " أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب..
**
... وبعد أن أرضعته ثويبة بضعة(10) أيام قبل قدوم حليمة عليه، فقد كان إرضاعها للرسول أياما قلائل قبل أن تقدم حليمة السعدية، وفي روايات تقول : إن ثويبة أرضعته أربعة أشهر(11) فقط، ثم راح جده يبحث عن المرضعات ويجد في إرساله إلى البادية، ليتربى في أحضانها فينشأ فصيح اللسان، قوي المراس، بعيداً عن الامراض والاوبئة إذ البادية كانت معروفة بطيب الهواء وقلة الرطوبة وعذوبة الماء وسلامة اللغة، وكانت مراضع بني سعد من المشهورات بهذا الأمر بين العرب.
﴿ „»٤. ٢.«‟﴾ : « أم نبي الله التي أرضعته وفصلته(12)؛ أُمُّ كَبشة(13) حَلِيمَةُ » (14)
ثم رضع عليه الصلاة والسلام مِنْ «حَلِيمَةَ» بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ «السَّعْدِيَّةِ»، وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَآيَاتِ النُّبُوَّةِ(15) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتُرْضِعَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ؛ يُقَالُ لَهَا : حَلِيمَةُ(16). ولا خلاف أنه أرضعته .
﴿ „»٤. ٢. ١. «‟﴾ :" حَدِيثُ حَلِيمَةَ عَمَّا رَأَتْهُ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ تَسَلُّمِهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ(17).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ(18) مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ(19) بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَوْ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ قَالَ:
﴿ „»٤. ٢. ٢. «‟﴾ :"خروج حليمة لإستجلاب رضيع من مكة ؛ ووصفها لحالها وعائلتها قبل أخذ الرضيع محمد".
كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، تُحَدِّثُ(20): أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ.
قَالَتْ : وَذَلِكَ فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ(21) لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا. قَالَتْ : فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ(22) لِي قَمْرَاءَ(23).
يكمل ابن هشام الرواية فيقول :" و... مَعَنَا شَارِفٌ(24) لَنَا، وَاَللَّهِ مَا تَبِضُّ(25) بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيِّنَا الَّذِي مَعَنَا، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ الْجَوْعِ. مَا(26) فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا(27) فِي شَارِفِنَا مَا يُغَدِّيهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ : يُغَذِّيهِ(28)- وَلَكِنَّا كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانِي تِلْكَ فَلَقَدْ أَدَمْتُ(29) بِالرَّكْبِ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ(30) نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ(31)
﴿ „»٤. ٢. ٣. «‟﴾ :"عدم رغبة المراضع في أخذ الرضيع اليتيم : فيكمل ابن هشام الرواية عن حليمة " فَمَا مِنَّا امْرَأَةٌ إلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، إذَا قِيلَ لَهَا إنَّهُ يَتِيمٌ(32)، وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا كُنَّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ(33) مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ، فَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ وَمَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ(34) أُمُّهُ وَجَدُّهُ فَكُنَّا نَكْرَهُهُ لِذَلِكَ(35)، فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي(36)، فَلَمَّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْتُ لِصَاحِبِي(37).
﴿ „»٤. ٢. ٤. «‟﴾ :"إرادة الله سبحانه وتعالى في أن تكون السعدية؛ حليمة هي مرضعة الطفل اليتيم ثم يكمل ابن هشام قولها :" وَاَللَّهِ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاَللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، فَقَالَ : لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً . قَالَتْ : فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ(38)، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ . قَالَتْ : فَلَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي.
﴿ „»٤. ٢. ٥. «‟﴾ : بركات بداية الطريق :
﴿ „»٤. ٢. ٥. ١. «‟﴾ : البركة الأولى:
تقول السعدية :" فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ،
﴿ „»٤. ٢. ٥. ٢. «‟﴾ : البركة الثانية: ثُمَّ نَامَا وَمَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ(39)،
﴿ „»٤. ٢. ٥. ٣. «‟﴾ : البركة الثالثة: وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ . فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ(40). قَالَتْ : يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: تَعَلَّمِي وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ(41)، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً مُبَارَكَةً(42)، قَالَتْ : فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ.
﴿ „»٤. ٢. ٥. ٤. «‟﴾ : البركة الرابعة: قَالَتْ : ثُمَّ خَرَجْنَا(43) وَرَكِبْتُ ( أَنَا ) أَتَانِي، وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا مَعِي، فَوَاَللَّهِ لَقَطَعَتْ بِالرَّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ حُمُرِهِمْ(44)، حَتَّى إنَّ صَوَاحِبِي لِيَقُلْنَ لِي: يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَكَ ارْبَعِي عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَكَ الَّتِي كُنْتُ خَرَجْتُ(45) عَلَيْهَا(46))؟؛ فَأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ : وَاَللَّهِ إنَّ لَهَا لَشَأْنًا. :" وكانت قبل ذلك قد أضرّ بالرّكبِ انقطاعُها عنهم لِضعفها وهزالها(47).

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

ـــــــــ الْمَرَاضِعُ ـــــــــ

تمهيد :
أبدء الحديث؛ فأقول:" الْحَمْدُ لِلَّهِ حمد الشاكرين ونشكره شكر العارفين؛ ونعترف بوجوده إله واحدا فردا صمدا؛ ليس له صاحبة ولا ولدا معرفة الراسخين؛ وَبِهِ نَسْتَعِينُ، ونثني عليه ثناء الكاملين؛ ونستغفره إستغفار التائبين؛وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ‏؛ أبدء بحوله وقوته بحوث مرحلة الطفولة لسيد الخلق وحبيب الحق..

[ ٤. ] القسم الرابع
الْبَابُ الْأَوَّلُ : " طفولته؛ رضاعه؛ حواضنه؛ تنشأته:
مدخل:
من أهم مراحل تكوين رجل الغد؛ وامرأة المستقبل -الإنسان السوي- مرحلة الحمل؛ ومازال الجنين بين قلب أمه وبين فؤادها؛ فيتمركز في وسط جسد حاضنته الأولى الطاهر -الأم- ويتشكل بأحشاءها وفق مزاجها الراقي المنسجم مع رجل يملك مقومات الرجولة ويتميز بصفات الراعي الأمين والمسؤول الرشيد.. يتكون جنينها برحمها ونفسيتها الراضية المطمئنة سعيدة بوجوده وستفرح بقدومه؛ وعقلها الواعي يدرك أهمية مستقبل ما تحمل فتحافظ على جنينها أكثر مما تحافظ على نفسها.. فتتغذى بما يصلح للحامل وتبتعد عن ما يؤثر في الجنين تأثير سلبي؛ وإثناء الحمل يكتب(1) له ما قدره خالقه المولى عز وجل.. فإذا أراد الله تعالى في سماه وتقدست اسماه خروجه من واسع الرحم وأمانه وسعته إلى ضيق(2) الدنيا ونكدها والإبتلاء بالإهانة أو التكريم.. تبدء مرحلة جديدة فبمجرد أن يتنفس من هواء الدنيا وتعلو صرخته(3) الأولى؛ تبدء مرحلة الطفولة والرضاعة؛ فيتغذى من ثدي أمه(4) الحنونة الراغبة في بقاءه والتي تريد له السلامة والعافية إلى أن يبدء في قضم قطعة خبز؛ فتبدء مرحلة آخرى جديدة؛ وهي مرحلة(5) التنشأة والتعليم والتثقيف والتربية؛ وتكوين الشخصية بشقيها العقلية والنفسية وتحديد الهوية وإدراك الإنتماء ولمن سيكون الولاء.. تمر مرحلة الطفولة فتقبل مرحلة ما قبل البلوغ.. وهي مرحلة تحتاج إلى مزيد عناية فيصل الإنسان إلى سن البلوغ وهي أخطر المراحل في تكوين وتنشئة إنسان الغد.. فينخرط الصبي في مجتمع الذكورة فيتهئ ليصير رجلاً أو يبقى بين جدران سجن النسوان(6) فتختلط عليه الأمور والتصرفات فيظل حبيس المحبسين؛ محبس الضعف ومحبس الإعتماد على أمه؛ ويبقى يترنح بين حظيرة الحريم وبين أعتاب صالون الرجال؛ فتجد أشباه الذكور من حيث الشكل ولكن يعبث به أهل الشطارة(7) والفساد.. كما ستصير الطفلة المدللة أنثى كاملة.. فتحافظ على سمعتها وشرفها فترتفع بعفتها بين سماء الطهارة ونجوم الكرامة وتصون اسم مَن تحمل لقبه.. وكلاهما-الرجل والمرأة- يستعدا للقيام بدورهما الطبيعي المعد لهما في الحياة.. فهذا رجل صاحب مسؤولية ورعاية.. وهذه امرأة ربة مسؤولية ورعاية(8).. وهنا ينبغي أن نعلم أن ميل الذكر للأنثى؛ وميل الأنثى للذكر طبيعي وفق التركيبة الآصلية للإنسان؛ ولكن يجب الإعداد وما يحدث في تغيير خلق الله تعالى ما هو إلا نتيجة للتربية الفاسدة أو الإهمال من قبل حاضنته الأولى ومربيته.. أو مِن قبل اب جاهل يبحث عن وقت يقضيه بين حانات ومقاهي ضياعة الوقت والمال. لذا فمن الأهمية القصوى إحسان أختيار الزوجة(9)؛ أم الوليد.. ومعرفة بيقين الرجل الذي سيحمي ابنة تمت تربيتها على العفاف والكرامة إذ هي منشأة الأجيال ومربية الرجال.. وهي صانعة المستقبل.

تحدثتُ عن الوالد عبدالله بن عبدالمطلب؛ وما زال هناك بقية للحديث عنه ستأتي في موضعها.. وحفظ الله تعالى للوالد من إضاعة ماءه الطاهر ووضعه في رحم عفيف طاهر كان لحفظ وصيانه نبيه(10) وسنكمل هذه الجزئية عند الحديث عن نسب محمد بن عبدالله بن عبد المطلب.

وقفتُ في نهاية البحث السابق عند(11) :" فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، أَرْسَلَتْ إلَى جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ: أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ لَكَ غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ، وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمِّيَه.. و فَرَحُ جَدِّهِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَالْتِمَاسُهُ لَهُ الْمَرَاضِعَ : فَـ -يَزْعُمُونَ- أَنَّ عَبْدَالْمُطَّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ؛ فَقَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمِّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا. وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الرُّضَعَاءَ(12) ".

تفصيل مسألة رضاعة محمد:
[ ٤. ١.] ذِكْرُ رَضَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ(13).
وَأَوَّلُ مَنْ أَرْضَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ :
﴿ „»١« ‟.﴾ : ثُوَيْبَةُ(14) مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ(15) بِلَبَنِ ابْنٍ لَهُا يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ، وَكَانَتْ قَدْ أَرْضَعَتْ قَبْلَهُ :" عَمِّهَ(16) حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَأَرْضَعَتْ بَعْدَهُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِالْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . (17)
[ ٤. ١. ١.] إكرام نبي المرحمة «محمد» لمرضعته:
كَانَتْ ثُوَيْبَةُ تَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَيُكْرِمَهَا وَتُكْرِمُهَا-صاحبة الفضل والحسب- خَدِيجَةُ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي لَهَبٍ أَنْ يَبِيعَهَا إِيَّاهَا لِتُعْتِقَهَا(18)، فَأَبَى، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَيْهَا بِالصِّلَةِ، إِلَى أَنْ بَلَغَهُ خَبَرُ وَفَاتِهَا مُنْصَرَفَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَسَأَلَ عَنِ ابْنِهَا مَسْرُوحٍ، فَقِيلَ : تُوُفِّيَ قَبْلَهَا، فَسَأَلَ : هَلْ لَهَا مِنْ قَرَابَةٍ ؟ فَقِيلَ : لَمْ يَبْقَ لَهَا أَحَدٌ .
ثُمَّ أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بَعْدَ ثُوَيْبَةَ
...
يتبع بإذنه تعالى
الأربعاء : ٤ شوال ١٤٣٨ هـ ~ ٢٨ يونيو ٢٠١٧ م
**

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

تَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ
﴿ „»٧« ‟.﴾ الْبَحْثُ السَّابِعُ „ تسمية الوليد المبارك ‟:

مدخل:
تقول العرب : „ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنِ اسْمِهِ نَصِيبٌ[(1)] ‟ . والظاهر أن تسمية المولود المبارك -ابن عبدالله- لم تأت صدفة أو خبط عشواء؛ فلستُ أميل لقول زُهَيْرٍ حين قَالَ:
رَأَيْتُ الْمَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ * مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وقال صاحب القاموس المحيط؛ مجدالدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:" وَخَبَطَهُ خَبْطَ عَشْوَاءَ: رَكِبَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ [(2)] " .. لذا فأجزم أن تسمية الوليد المبارك ما جاءت إلا وفق رؤية صائبة وبصيرة ثاقبة؛ ولقد جاء في سنة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ما يؤكد على حسن تسمية الوليد -أنثى كان أو ذكر- : ورأيتُ في كلام بعضهم: أن حزن بن أبي وهب أسلم يوم الفتح؛ وهو جد سعيد ابن المسيب؛ فقد جاء في صحيح البخاري :" عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ « مَا اسْمُكَ!؟ »، قَالَ :"حَزْنٌ"، قَالَ« أَنْتَ سَهْلٌ»؛ قَالَ:" لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي"، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ . [(3)] والله أعلم.
واقتضت الحكمة أن يكون بين الاسم والمسمى تناسب في الحسن والقبح؛ واللطافة والكثافة، ومِن ثَمَّ غير صلى الله عليه وسلم الاسم القبيح بالحسن وهو كثير، وربما غير الاسم الحسن بالقبيح للمعنى المذكور كتسميته لأبي الحكم بأبي جهل، وتسميته لأبي عامر الراهب بالفاسق.
وجاء: أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه« ادع لي إنسانا يحلب ناقتي »، فجاءه بإنسان، فقال « له ما اسمك؟ »، فقال له :"حرب"، فقال« اذهب ». فجاءه بآخر فقال« ما اسمك؟ »، فقال:" يعيش"، فقال« احلبها » .
ويروى: أنه صلى الله عليه وسلم طلب شخصا يحفر له بئرا، فجاءه رجل، فقال« له ما اسمك؟ »؛ قال:" مرة"، قال« اذهب».
وليس هذا من الطيرة التي كرهها ونهى عنها، وإنما هو من كراهة الاسم القبيح، ومن ثم كان صلى الله عليه وآله وسلم يكتب لامرائه «إذا أبردتم لي بريداً فأبردوه» أي إذا أرسلتم لي رسولا فأرسلوه «حسن الاسم حسن الوجه»، ومن ثم لما قال له سيدنا عمر رضي الله عنه لما قال لمن أراد أن يحلب له ناقته أو يحفر له البئر ما تقدم :" لا أدري أقول أم أسكت!!"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « قل »، قال:" قد كنت نهيتنا عن التطير"، فقال له صلى الله عليه وسلم: « ما تطيرت ولكن آثرت الاسم الحسن» [(4)].
وفي الخصائص الصغرى: وخص صلى الله عليه وسلم باشتقاق اسمه من اسم الله تعالى وبأنه صلى الله عليه وسلم سمي « أحمد » ولم يسم به أحد قبله، ولإفادته الكثرة في معناه، لأنه لا يقال إلا لمن حمد المرة بعد المرة، لما يوجد فيه من المحاسن والمناقب
**
والتسمية لها أربعة مباحث:
﴿ „ » ٧ . ١. « ‟.﴾ تسمية من قبل أمه آمنة بنت وهب.
﴿ „ » ٧ . ٢. « ‟.﴾ تسمية جده عبدالمطلب.
﴿ „ » ٧ . ٣. « ‟.﴾ وورد اسمه عند أهل الكتاب.. وسأجعل له فصلاً مستقلا بذاته.
﴿ „ » ٧ . ٤. « ‟. ﴾ : وإخبار النبي عليه السلام عن اسمائه. وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى بَقِيَّةِ الأَسْمَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مدخل :" جاء في البداية :" قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ سَمَّوْهُ « مُحَمَّدًا » لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ لِيَلْتَقِيَ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ، وَيَتَطَابَقَ الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى كَمَا قَالَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَيُرْوَى لِحَسَّانَ
وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ * فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ[(5)]
وأبدء -بعون الله تعالى في سماءه وتقدست اسماه- بحوث التسمية :
﴿ „ » ٧ . ١. « ‟. ﴾ تسمية من قبل أمه آمنة بنت وهب.. ورد عنها أنها أخبرت ان تسميه محمدا واحمدا
1.) „ تَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا ‟
وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ[(6)].. أَنَّهَا -أمه آمنة بنت وهب- أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، فَقِيلَ لَهَا : « إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَنَبِيِّهَا ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا ».
وأورد ابو بكر البيهقي حديثا مرفوعا (رقم33) جاء فيه:" وَاسْمَهُ فِي الْفُرْقَانِ مُحَمَّدٌ". ثم قالت:" فَسَمَّيْتُهُ بِذَلِكَ". وآخر رقم 48 جاء فيه:" فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا ". وهما عن رواية ابن إسحاق.". وفي السيرة الحلبية المسمى :" إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون" وهو المشهور في الروايات؛ والتسمية بأحمد اقتصر الحافظ الدمياطي عليها.
**
:" الخميس :" روى[(7)] أنه لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عبدالمطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا. وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى عقيقته[(8)] " .. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ ذَبَحَ عَنْهُ ، وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا:" يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى وَجْهِهِ مَا سَمَّيْتَهُ ؟ قَالَ : سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا[(9)] قَالُوا : فَلِمَ رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ ، وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ ".
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : كُلُّ جَامِعٍ لِصِفَاتِ الْخَيْرِ يُسَمَّى مُحَمَّدًا كَمَا قَالَ الأعشى:
إِلَيْكَ - أَبِيتَ اللَّعْنَ - أَعْمَلْتُ نَاقَتِي ** إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْكَرِيمِ الْمُحَمَّدِ".[(10)]
وتوجد رواية آخرى فقد :" ذَكَرَ السّهيلي وأَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ : وَيُرْوَى أَنَّ عَبْدَالْمُطَّلِبِ إِنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِرُؤْيَا رَآهَا، -زَعَمُوا- أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، لَهَا طَرَفٌ فِي السَّمَاءِ وَطَرَفٌ فِي الأَرْضِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ، ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ، عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا، فَقَصَّهَا فَعُبِّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ، يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُحَمَّدًا مَعَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ أُمُّهُ.". أي مع ما حدثته به أمه بما رأته
ما يلفت الإنتباه أن انشغل البعض في تأويل الأحلام والرؤى؛ وصرفوا جهدا جهيدا ووقتاً سمينا في تأويل وتفسير الأحلام؛ واعتمدوا على ما يقال لهم، ولعلي ابحث هذه المسألة من الناحية الشرعية والفقهية.. فتكلموا عن تأويل هذه الرؤيا؛ فقال :"التويجري" في كتاب الرؤيا ما نصه : قلت؛ أي :" التويجري ": الظاهر في تأويل هذه الرؤيا أن الشجرة العظيمة هي الإسلام الذي ملأ نوره ما بين المشرق والمغرب وعلا فوق جميع الأديان ودان له العرب والعجم، وأما خفاء الشجرة ساعة وازدهارها ساعة أخرى فهو -والله أعلم- ما يطرأ على الإسلام من القوة والإقبال في بعض الأحيان، وما يطرأ عليه من الضعف والإدبار في بعض الأحيان كما قد جاء ذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني في ذكر إقبال الدين وإدباره، وأما الرهط من قريش الذين تعلقوا بأغصان الشجرة فهم -والله أعلم- الذين دخلوا في الإسلام من شيوخ قريش الذين كانوا في زمان عبد المطلب وأدركوا الإسلام فأسلموا، وأما القوم من قريش الذين يريدون قطع الشجرة فهم -والله أعلم- صناديد قريش وكبراؤهم الذين حاربوا الإسلام وأرادوا طمسه وإطفاء نوره، وأما الشاب الذي كان يكسر أضلع الذين يريدون قطع الشجرة من قريش ويقلع أعينهم فهو -والله أعلم- رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن جهاده لصناديد قريش وصدعه بالدعوة إلى الإسلام بين ظهرانيهم كان بمنزلة كسر ضلوعهم وقلع أعينهم حتى أظهر الله الإسلام وهم كارهون وقطع دابر الكافرين على يدي رسوله محمد صلى الله عليه وآلهو سلم، وأما منع الشاب لعبدالمطلب من تناول النصيب من الشجرة فهو -والله أعلم- لأن عبدالمطلب مات قبل الإسلام فلم يكن له نصيب منه، هذا ما ظهر لي:"أي التويجري" والعلم عند الله."[(11)].
ورد أن قيل :" في حديثٍ « أنه صلى الله عليه وآله وسلم عقّ عن نفسه بعد ما جاءته النبوة».
وتحقيق هذه المسألة:
قال الإمام أحمد، هذا منكر: أي حديث منكر، والحديث المنكر من أقسام الضعيف لا أنه باطل كما قد يتوهم، والحافظ السيوطي لم يتعرض لذلك وجعله أصلا لعمل المولد، قال لأن العقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهارا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين، وتشريعا لأمته، كما كان يصلي على نفسه لذلك. قال: فيستحب لنا إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم هذا كلامه. "[(12)].
أقول: هذه المسألة سأعيد بحثها في فصل مستقل، أتحدثُ فيه عن قضية مشروعية الإحتفال بالمولد-مع أنها مسألة قُتلت بحثاً في القديم وفي العصر الحديث.
**
2.] „ تَسْمِيَتُهُ أَحْمَدَ ‟
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ[(13)] قَالَ : « أُمِرَتْ آمِنَةُ وَهِيَ حَامِلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَنْ تُسَمِّيَهُ أَحْمَدَ » .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : وَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ تُحَدِّثُ : أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا : " وذكرت أموراً [(14)] ثم قال : « فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا؛ فَإِنَّ اسْمَهُ فِي : " التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ : أَحْمَدُ ». بيد أنه توجد كمالة لهذا الخبر عن أمه آمنة بنت وهب؛ سنذكرها في أخبار الكهان والعرافين وأهل الكتاب عن مولده وعنه في فصل قادم .
والحديث الذي رواه ابن إسحاق؛ جاء فيه على لسان جده عبدالمطلب :"
أَنْتَ الَّذِي سُمِّيتَ فِي الْفُرْقَانِ
فِي كُتُبٍ ثَابِتَةِ الْمَبَانِي
«أَحْمَدَ» مَكْتُوبٌ عَلَى اللِّسَانِ ".
**
وأخبر هو -صلى الله عليه وآله وسلم- عن نفسه :" طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : « إِنَّ لِي أَسْمَاءً : أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ».[(15)]
وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى بَقِيَّةِ الأَسْمَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
**
وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ قَالَ: لا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ مَنْ تَسَمَّى بِهَذَا الاسْمِ قَبْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، إِلَّا ثَلاثَةٌ، طَمِعَ آبَاؤُهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وِبِقُرْبِ زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ بِالْحِجَازِ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لَهُمْ.
وفي عيون الأثر :" ذَكَرَهُمُ ابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ، وَهُمْ :
١.] مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ جَدُّ الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرِ، وَالآخَرُ
٢.] مُحَمَّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجَلَّاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبَا بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ ، وَالآخَرُ
٣.] مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ وَهُوَ مِنْ رَبِيعَةَ، وَذَكَرَ مَعَهُمْ مُحَمَّدًا رَابِعًا أُنْسِيتُهُ، وَكَانَ آبَاءُ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ قَدْ وَفَدُوا عَلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ الأُوَلِ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالْكِتَابِ الأَوَّلِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَبِاسْمِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ خَلَّفَ امْرَأَتَهُ حَامِلا، فَنَذَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. [(16)]
وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الْفَضْلِ عِيَاضٍ، فِي تَسْمِيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ «مُحَمَّدًا» وَ«أَحْمَدَ»، قَالَ : فِي هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ مِنْ بَدَائِعِ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبِ خَصَائِصِهِ، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ حَمَى أَنْ يُسَمَّى بِهِمَا أَحَدٌ قَبْلَ زَمَانِهِ، أَمَّا «أَحْمَدُ» الَّذِي أَتَى فِي الْكتب، وَبَشَّرَتْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، فَمَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ، وَلا يَدَّعِي بِهِ مَدْعُوٌّ قَبْلَهُ، حَتَّى لا يَدْخُلَ لَبْسٌ عَلَى ضَعِيفِ الْقَلْبِ أَوْ شَكٌّ، وَكَذَلِكَ «مُحَمَّدٌ» أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ وَلا غَيْرِهِمْ، إِلَى أَنْ شَاعَ قُبَيْلَ وُجُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَمِيلادِهِ، أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ اسْمُهُ «مُحَمَّدٌ»، فَسَمَّى قَوْمٌ قَلِيلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ هُوَ « وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاتِهِ».. وتوجد هنا عند القاضي إضافة لم يذكره السهيلي؛ فقال القاضي عياض:" وَهُمْ :
١. ] مُحَمَّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجَلَّاحِ الأَوْسِيُّ، وَ
٢. ] مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَ
٣. ] مُحَمَّدُ بْنُ بَرَاءٍ الْبَكْرِيُّ، وَ
٤. ] مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ، وَ
٥. ] مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ الْجُعْفِيُّ، وَ
٦. ] مُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيِّ السُّلَمِيُّ، لا سَابِعَ لَهُمْ، وَيُقَالُ : إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّى بِهِ : مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ ، وَالْيَمَنُ تَقُولُ : مُحَمَّدُ بْنُ الْيَحْمدِ الأَزْدِيُّ، ثُمَّ حَمَى اللَّهُ كُلَّ مَنْ سَمَّى بِهِ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ، أَوْ يَدَّعِيَهَا أَحَدٌ لَهُ، حَتَّى تَحَقَّقَتِ السِّمَتَانِ لَهُ، وَلَمْ يُنَازَعْ فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
**
التوفيق بين تسمية الجد عبدالمطلب وتسمية الوالدة آمنة بنت و هب بـ محمد:
أقول: اجتهد العلماء في التوفيق بين الروايتين :" فمِن الأخبار السابقة يستدل على أن تسميته صلى الله عليه وآله وسلم بذلك كانت في يوم العقيقة، وأن العقيقة كانت في اليوم السابع من ولادته، هذا خبر؛ أما الآخر فيقول :" ولد لعبدالله بن عبدالمطلب غلام سموه محمدا، وهو يدل على أن تسميته صلى الله عليه وسلم بذلك كانت في ليلة ولادته أو يومها "
ويقال: لا منافاة، لأنه يجوز أن يكون قول جده هنا: وسماه محمدا، معناه أظهر تسميته بذلك لعموم الناس، وهذا التعليل للتسمية بهذا الاسم يرشد إلى ما قيل: ".
وهذا هو الموافق لما اشتهر أن جده سماه محمدا بإلهام من الله تعالى تفاؤلا بأن يكثر حمد الخلق له، لكثرة خصاله الحميدة التي يحمد عليها، ولذلك كان أبلغ من محمود وإلى ذلك يشير حسان بن ثابت رضي الله عنه في قول له. بيد أن الطبرسي في (اعلام الورى ) روى عن سفيان بن عيينه انه قال : احسن بيت قالته العرب هو قول أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وشق له من اسمه كي يجله * فذو العرش محمود وهذا محمد.
ثم قـال : وقال غيره : ان هذا البيت لحسان بن ثابت في قطعة له اولها :
الم تر ان اللّه ارسل عبده * ببرهانه واللّه اعلى وامجد
وقد علق الحلبي بالقول:" وهذا الإلهام لا ينافي أن تكون أمه قالت له- أي جده عبدالمطلب- إنها أمرت أن تسميه بذلك، وقد حقق الله رجاءه بأنه صلى الله عليه وسلم تكاملت فيه الخصال المحمودة والخلال المحبوبة فتكاملت له صلى الله عليه وسلم المحبة من الخالق والخليقة، فظهر معنى اسمه على الحقيقة.". [(17)]
وقيل بل سمته بذلك أمه لما رأته وما قيل لها فى شأنه؛ وأراد الجمع بين القولين؛ فقال صاحب أنفس النفيس :" ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى سببها يصح القول بأنها سمته به " [(18)]
وَسَأَذْكُرُ -بمشيئته وعونه وتوفيقه- أَسْمَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَشَمَائِلَهُ وَهِيَ صِفَاتُهُ الظَّاهِرَةُ، وَأَخْلَاقُهُ الطَّاهِرَةُ، وَدَلَائِلُ نَبُّوَّتِهِ، وَفَضَائِلُ مَنْزِلَتِهِ فِي آخِرِ السِّيرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ".
ســـ ننتقل بلطف الله تعالى ذكره وجل قدره إلى القسم الرابع من هذه البحوث الكريمة في السيرة النبوية العطرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله وصحابته الكرام ومن أتبعهم بإحسان بتمام.. وسنبدء بعونه تعالى وحسن توفيقه وهدايته الحديث عن طفولة محمد..
[ ٤. ] القسم الرَّابِعُ:
مرحلة التنشأة.. وفترة التربية.. وزمن التكوين.. وعمر التهيئة..
**
نال شرف قراءة ومراجعة النصوص والروايات المتعلقة بسيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم واعداد هذه البحوث :
محمد فخر الدين بن إبراهيم الرمادي مِن ثغر البحيرة المتوسطية: الإسكندرية بمصر المحمية المحروسة
والشكر الجزيل لموقع استروعرب نيوز والعرفان بالجميل لمدير الموقع.. لسماحه بالنشر..
وارجو من السادة القراء التواصل بالتنبيه على خطأ أو زلل وقعتُ فيه دون قصد أو عمد.. والكمال لله سبحانه في سماه وتبارك في علاه وتقدست اسماه.. أقول: الكمال له وحده.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا ند ولا وزير ومعين ولا مشير له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.
﴿ „»موقع استرو عرب نيوز.. والكاتب يهننئا الأمة الإسلامية عامة ومسلمي النمسا خاصة بعيد الفطر السعيد أعادة الله تعالى باليسر واليمن والبركات على شعوب العالم أجمع والأمم « ‟﴾
**
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا قَلْبًا عَقُولًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَيُوَفِّقَنَا لِلسَّدَادِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏ .
الخميس : صباح ليلة القدر: ٢٧ رمضان ١٤٣٨هـ ~٢٢ يونيو ٢٠١٧ م
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

„ إعْلَامُ أُمِّهِ جَدَّهُ بِوِلَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ‟
الشخصية المحورية الثانية في حياة محمد: „عبدالمطلب‟

تمهيد
ألمحتُ إلى مجموعة من المباحث حول „الشخصيات المحورية” في حياة الوليد والطفل والشاب محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب؛ قبل البعثة وقبل الرسالة، وذكرت أن أولى هذه الشخصيات المحورية أمه „آمنة بنت وهب” ولم نبحث بعد بالتفصيل دورها في تكوين شخصية ونفسية محمد؛ ولنعلم أن جَدَّ محمَّدٍ بن عبدالله على رأس تلك الشخصيات المحورية الهامة في حياة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين... لذا سنبحثها بالتفصيل في فصل مستقل..
ولا يفوتني أن أنبه إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو :" الْمُرَبِّي الْكَامِل الْمُكَمَّل الَّذِي قَالَ عن نفسه الزكية :" أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي"[(1)]. وجاءت رواية :" أَدَّبَنِي رَبِّي تَأْدِيبًا حَسَنًا "[(2)] وهذا مِن نوع أَحَادِيثِ يَرْوِيهَا الْقُصَّاصُ وَغَيْرُهُمْ بِالطُّرُقِ وَغَيْرِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ؛ والْمَعْنَى صَحِيحٌ؛ لَكِنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ ثَابِتٌ [(3)] ؛وفي حديث إسناده منقطع؛ قال عبدالله بن مسعود :" إنَّ اللَّهَ أدَّبَني فأحسنَ تَأديبي؛ ثمَّ أمرَني بمكارمِ الأخلاقِ، فقالَ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ "[(4)]. وسأتكلم بعد إذنه تعالى وتوفيقه وهدايته عن خُلق الرسول الكريم وشمائله وفضائله صلوات الله وسلامه عليه وآله في بحث قادم.
مدخل:
لِمَا كَانَ قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ ظُهُورِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ خَاتَمِ الرُّسُلِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ مِنْ صُلْبِ عَبْدِاللَّهِ.. فَذَهَبَ عَبْدُالْمُطَّلِبِ بِـ وَلَدِهِ فَزَوَّجَهُ أَشْرَفَ عَقِيلَةٍ فِي قُرَيْشٍ: آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةِ الزُّهْرِيَّةَ؛ فَحِينَ دَخَلَ بِهَا، وَأَفْضَى إِلَيْهَا حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ.. إذاً تم زواج عبدُالله بن عبدالمطلب من آمنةَ بنت وهب.. وتم الحمل كما أراد الحق تبارك وتعالى؛ ثم ولد ابن عبدالله في حالة غياب الوالد عن الدنيا وعن لحظة الوضع[(5)]
﴿ „»٥« ‟.﴾": الْبَحْثُ الْخَامِسُ
إعْلَامُ أُمِّهِ جَدَّهُ بِوِلَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ[(6)]: فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَرْسَلَتْ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ[(7)] فَجَاءَهُ الْبَشِيرُ - جَارِيَتَهَا - [(8)] وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ، مَعَهُ وَلَدُهُ وَرِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ [(9)]؛ وهناك رواية آخرى تحدثنا:" وكان يطوف بالبيت تلك الليلة[(10)] " فَأَخْبَرَهُ إِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لَكَ غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ، وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ[(11)]؛ وجاء في إخبار أم محمد؛ آمنة بنت وهب لجده أنها قالت :" „ وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمِّيَهُ ‟ [(12)]
فَرَحُ جَدِّهِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَالْتِمَاسُهُ لَهُ الْمَرَاضِعَ.
فـَـ يَزْعُمُونَ[(13)] أَنَّ عَبْدَالْمُطَّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ[(14)]؛ فَقَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمِّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا. وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الرُّضَعَاءَ.
﴿ „»٦« ‟.﴾: الْبَحْثُ:" السَّادِسُ " «„ مأدُبة عبدالمطلب‟»
زمنها :
روى أنه لما ولد صلى الله عليه وسلم أمر عبدالمطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا؛ ثم يخبرنا ابن عباس أن جده عبدالمطلب في يوم سابعه صنع له مأدبة وسماه محمدًا. [(15)]
**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بإذنه -تعالى في سماه وتقدست اسماه- سأضع تخريج الأحاديث والتعليقات واسماء المصادر في نهاية البحوث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحث القادم؛ إن شاء الله سبحانه وتعالى..
﴿ „»٧« ‟.﴾ الْبَحْثُ السَّابِعُ تسمية الوليد المبارك:
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا قَلْبًا عَقُولًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَيُوَفِّقَنَا لِلسَّدَادِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏ .
**
الإثنين : ٢٤ رمضان ١٤٣٨ هـ ~١٩ يونيو ٢٠١٧ م
**
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

بقية أحداث ليلة المولد

نجمل ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب إلى أن بعثه اللَّه برسالته:
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم من أمارات النبوة آيات وأعلام يهتدى بها إلى ثبوت نبوته وصدق رسالته، قدمها اللَّه تعالى ذكره وجل قدره قبل بعثته برسالته ليكون دليلا واضحا وبرهانا صحيحا لائحا على نبوته وتحقيق رسالته.
فمن ذلك:
١.] إخبار الحَبر لعبدالمطلب بأن في إحدى يديه ملكا؛ وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة، وأن
٢.] عبداللَّه بن عبدالمطلب كان يرى بين عينيه نور النبوة، وأن أمة
٣.] آمنة بنت وهب لما حملت به بشّرت بأنه خير البرية، ولما ضربها
٤.] المخاض دنت منه نجوم السماء، وخرج منها لما وضعته
٥.] نور أضاء له البيت، وانتشر حتى أضاءت له قصور الشام وغيرها، وطرحوا عليه بعد ولادته
٦.] بُرمة فانفلقت، و
٧.] ولد مختوناً مسروراً، و
٨.] فتحت لولادته أبواب السماء، واستبشرت الملائكة، و
٩.] تطاولت الجبال و
١٠.] ارتفعت البحار، و
١١.] قلّ الشيطان ومردته، و
١٢.] ألبست الشمس نوراً عظيماً، و
١٣.] نكست الأصنام و
١٤.] حجبت الكهان، و
١٥.] ارتجس إيوان كسرى، و
١٦.] سقطت منه أربع عشرة شرفة، و
١٧.] خمدت نار فارس، و
١٨.] غاضت بحيرة ساوي، ورأى المؤبذان
أن إبلا تقود خيلا وانتشرت في بلاد فارس.
وردّ اللَّه ببركته
١٩.] أصحاب الفيل عن مكة، ومنعهم من تخريب البيت الحرام الّذي جعل اللَّه حجّه أحد أركان الإسلام، تحقيقا لشريعته، وتأييدا لدعوته، وما ظهر لـ
٢٠.] ظئره حليمة من البركة حين أرضعته من إقبال لبنها، وكثرته بعد قلته، و
٢١.] حلبها اللبن من شاتها التي لم يكن بها قطرة لبن، و
٢٢.] سبق أتانها حمر رفاقها بعد تخلفها عنهم لضعفها، و
٢٣.] سمن أغنامها دون أغنام قومها، و
٢٤.] شق صدره المقدس عندها، ومعرفة
٢٥.] اليهود له وهو طفل مع أمه بالمدينة، و
٢٦.] توسم جده عبدالمطلب فيه السيادة، و
٢٧.] قول بني مدلج: إن قدمه أشبه بقدم إبراهيم الخليل، و
٢٨.] معرفة أسقف نجران وهو غلام، و
٢٩.] إخبار اليهودي أنه يخرج من صلب عبدالمطلب نبي يقتل يهود، و
٣٠.] ما كان عمه أبو طالب يرى من البركة منذ كفله، و
٣١.] تظليل الغمام له، و
٣٢.] اعتراف بحيرا الراهب بنبوته، و
٣٣.] إخبار نسطور بذلك.(1).
وقلتُ(الرمادي): بينتُ بالدليل في الصفحات السابقة الضعفَ الشديد الظاهر على كثير من هذه الإرهاصات والعلامات والنبوءات؛ ووصل حال بعضها كأساطير الأولين.. تروى من خلال الإخباريين والقصاصين، ولكني ذكرتها لأبين أن بعض السادة الذين يعتلون منابر المصليات والزوايا؛ ومَن يكتب على منصات صفحات التواصل الإجتماعي؛ بل الأمر وصل إلى أن بعض الفضائيات تستضيف مَن يجهل لعلم مَن لا يعرف؛ فيزداد الطين بله ويصير ضغثاً على إبالة –وللأسف.. حتى كتابة هذه السطور- فهم ينقلون ما هو في بطون الكتب دون تدقيق أو تحقيق أو مراجعة.. أو موافقة لشيخ أو إلتزاماً بطريقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ » „ ٤ . ‟ « ﴾ الْبَحْثُ الرَّابِعُ:
„ دنوّ النجوم منها عند ولادته ‟
رواية عن : الشِّفَاءِ أُمِّ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وكَانَتْ قَابِلَتَهُ.(2). :
٤. ١.] قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ؛ حَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا شَهِدَتْ، وِلَادَةَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لَيْلَةَ وَلَدَتْهُ قَالَتْ : » فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ، وَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لِأَقُولُ لَيَقَعْنَ عَلَيَّ (3).
٤. ٢.] وزاد الصالحي :" فلما وضعته خرج منها نور أضاء له الدار والبيت حتى جعلت لا أرى إلا نورا ".
٤. ٣.] وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشِّفَاءِ أُمِّ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَابِلَتَهُ، وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِهِ حِينَ سَقَطَ عَلَى يَدَيْهَا، وَاسْتَهَلَّ سَمِعَتْ قَائِلًا يَقُولُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَإِنَّهُ سَطَعَ مِنْهُ نُورٌ رُئِيَتْ مِنْهُ قُصُورُ الرُّومِ.
قلت(الرمادي) بإذنه تعالى ذكره وجل قدره :" إذا تيسر الحال؛ سأبحث هذه الجزئية في شبهات حول السيرة النبوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ » „ ٥ . ‟ « ﴾ الْبَحْثُ الْخَامِسُ
بُرْمَةٌ انفلقت اثنتين
انفلاق البرمة عنه حين وضع تحتها صلى الله عليه وآله وسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ كان في عهد الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل وضعوه تحت الإناء لا ينظرون إليه حتى يصبحوا فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرحوه تحت بُرْمة فلما أصبحوا أتوا البرمة فإذا هي قد انفلقت اثنتين وعيناه صلى الله عليه وسلم إلى السماء فعجبوا من ذلك”.(5).
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
الأربعاء : ١٣ رمضان ١٤٣٨ الموافق ٨ يونيو ٢٠١٧

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر والتعليقات وتخريج الأحاديث والمرويات:
[(1.)] انظر : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: أحمد بن علي بن عبدالقادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ)؛ المحقق: محمد عبدالحميد النميسي؛ دار الكتب العلمية - بيروت؛ الطبعة: الأولى، جزء 4 / ص 34-35؛ 1420 هـ - 1999 م.
[( 2.)] أي المرأة التي تقوم بعملية توليد الحامل؛ وفي السابق كانت تعتمد على الخبرة وليس على المؤهل بخلاف الحال اليوم .
قلتُ(الرمادي): يلاحظ القارـ(ـة) الكريمـ(ـة) أن :
١.] اسم الأم : „آمنة”؛
٢. ] اسم المولدة أو القابلة „الشفاء”
٣.] اسم آحدى مرضعاته „بركة”؛ أم أيمن
٤.] واسم المرضعة الآخرى : „ثويبة”؛
٥.] اسم مربيته ومرضعته „حليمة”... وسوف أفصل في هذه المسألة؛ أقصد التيمن والإستبشار لمن قام برعايته أو حضانته.
[(3.)] زيادات للسياق من (أبي نعيم) ، وأما رواية (البيهقي) : حدثتني أمي: أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ليلة ولدته. قالت: فما شيء انظر إليه في البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعنّ عليّ. والحديث ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 135، حديث رقم (76)، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 111، رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 220، عن (تهذيب تاريخ ابن عساكر)، وابن الجوزي في (صفة الصفوة) : 1/ 25 والبرمة: قدر من الحجر. وقال: رواه الطبراني، وفيه عبدالعزيز بن عمران وهو متروك، والسيوطي في (الخصائص) : 1/ 113. سند هذا الحديث واه جدا. جاء عند الصالحي: ج:1؛ ص: 342 :" قال ابن دحية : وأما ما روي من تدلي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا. " فرد و" قال الزركشي: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلا فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهارا. [ الصالحي ج1/ص: 334 ].
انظر: البداية والنهاية؛ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي؛ كتاب السيرة النبوية؛ صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ ص: 386.
[(4)] هذا إسناد معضل، رواه أبو نعيم ج: 1؛ ص: 172.
والرواية الثانية : روى ابن سعد بسند رجاله ثقات أثبات عن عكرمة - مرسلا- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وضعته أمه.. وضعته تحت بُرمة.. فانفلقت عنه، قالت:„ فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء”.
أما الرواية الثالثة فرواها البيهقي في الدلائل: ج1؛ ص: 113، من مرسل أبي الحكم التنوخي وهو تابعي مجهول . قال: „ كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدت البرمة قد انفلقت عنه باثنتين، فوجدنه مفتوح العين شاخصاً ببصره إلى السماء فأتاهن عبدالمطلب”. فقلن: „ما رأينا مولوداً مثله؛ ووجدناه قد انفلقت عنه البرمة؛ ووجدناه مفتوحاً عينه شاخصاً ببصره إلى السماء” . فقال:„ احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيرا”.
أما الرواية الرابعة فبها غرابة: تجدها عند ابن الجوزي؛ عن أبي الحسين بن البراء- مرسلاً- عن آمنة أنها قالت: „وضعت عليه إناء فوجدته قد انفلق الإناء عنه؛ وهو يمصّ إبهامه يشخب لبناً ” . وانظر : سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله؛ وأعلام نبوته؛ وأفعاله؛ وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي؛ [ـ[سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد]ـ؛ محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ)؛ تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبدالموجود، الشيخ علي محمد معوض؛ ج: 1؛ ص: 346. دار الكتب العلمية بيروت - لبنان؛ الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م] . وانظر: صفحة رقم 346، الصالحي؛ سبل الهدى، وانظر : أمتاع الأسماع: ج: 4؛ ص: 55.
(5) روى بعض نقلة العلم فيما حكاه ابن دريد وذكر خبر ابن عباس ؛ انظر: محيي الدين الدرويش إعراب القرآن وبيانه؛ ص 188؛ المجلد السابع؛ الجزء السادس والعشرون.

 
 
 

أعلى الصفحة
فهرس

 

[ ٢ .] مِنَ دَّلَالَاتِ(1) وإرهاصات لَّيلةِ مَوُلِدَه

 „ ما روى من الأحداث ليلة ولادته

تمهيد :
كانت مكة على موعدٍ؛ بل إن أردت الدقة جزيرة العرب كلها؛ بل إن أردت الحقيقة امبراطورية فارس وامبراطورية الروم؛ وإن أردت الوقع فقد كان العالم بأسره -عربه وشرقه وغربه شماله وجنوبه- مع أمر عظيم سيظل يشرق بنوره على الكون كله إلى أن يرث الله جل جلاله الأرض ومَن عليها، إنه ميلاد خاتم الأنبياء وآخر المرسلين؛ المتمم للمبتعثين من رب الكون والإنسان والحياة والمخلوقات أجمعين النبي المرتضى والرسول المجتبى والحبيب المحتبى المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليخرج الناس من ظلم الإنسان إلى عدل واجد الإنسان وخالقه؛ -الرسول- الذي كان بشيراً لأمة عربية تعيش في جاهلية ولبقية أمم الأرض وشعوبها.. ثم لمن أمن به بعد ذلك في كل زمان وكل مكان؛ وهاديا لمن أعتقد في هداه وتسربل بوشاح سنته وسار على دربه، ونذيراً بزوال الشرك والظلم والجهل، وبُعث لنشر التوحيد والعدل بين الناس، والرحمة لكافة العالمين.. وعندما قرب شروق شمس مولده صلوات الله وسلامه عليه وآله كانت له إرهاصات ودلالات وأحداث فريدة.. وقد أكثر مؤلفو السير والشمائل والتاريخ في ذكر تلك الإرهاصات والحوادث، التي اقترنت بميلاده صلى الله عليه وسلم، والتي فيها الصحيح الثابت والضعيف الذي لا يصح.. ومع اعتقادي الذي يصل إلى حد الجزم في أن بعض الأحداث والمرويات أنها ضعيفة بل منها ماهو ليس بصحيح البتة -علكتها أفواه مَن جهل سيرته؛ أو وافقت ما اضمره صدر محب مغال وسريرته- إلا إنني اذكر تلك المراجع؛ ثم أقوم بتخريجها وفق قدرتي العلمية وقدر إستطاعتي الفهمية وحسب طاقتي الإدراكية العقلية؛ ومِن ثَمَّ التعليق عليها؛ إذ يجب أن تكون سيرة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين خالية من الشوائب التي قد تعكر صفو جريان ينبوع مائها بين الأحياء ليرتوا مِن نبعها الصافي فيعيشوا في هناء وصفاء فتتدفق هطول شلالاتها الغزيرة الوفيرة لتتحرك عجلة الإصلاح والتجديد في كل زمان ومكان.. فالحديث أولاً عن و « لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ » وثانيا عن و « لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا » ؛ فالأسوة الأولى العامة تجدها في ﴿سورة الممتحنة؛ آية: ٤﴾ والأسوة الثانية الخاصة تجدها في ﴿سورة الأحزاب؛ آية: ٢١﴾.. والعلي القدير أسأله أن يوفقني لما يحبه ويرضاه؛ ويزيل غشاوة الجهل وستار التقليد وغبار النقل دون تحقيق أو تدقيق عن بصيرتي وعقلي.. فهو نعم المسؤول وبالإجابة لما ادعوه قدير..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ „»٣« ‟.﴾ الْبَحْثُ الثَّالِثُ : « „ ما روى من أحداث ليلة المولد ‟ »:
نجمل القول أولاً؛ ثم نفصله.. فنبدءُ بـ السؤال:
ما هي معجزات ولادة الرسول الكريم !؟
الجواب:
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ الصَّادِقِ(2) - أي الامام جعفر بن محمد- قَالَ :
١ . ] كَانَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ يَخْتَرِقُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى عليه السلام حُجِبَ عَنْ ثَلَاثِ سَمَاوَاتٍ وَكَانَ يَخْتَرِقُ أَرْبَعَ سَمَاوَاتٍ، فَلَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حُجِبَ عَنِ السَّبْعِ كُلِّهَا، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالنُّجُومِ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا قِيَامُ السَّاعَةِ الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُ أَهْلَ الْكُتُبِ يَذْكُرُونَهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ- وَكَانَ مِنْ أَزْجَرِ(3) أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ- :
٢ . ] انْظُرُوا هَذِهِ النُّجُومَ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا وَيُعْرَفُ بِهَا أَزْمَانُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ رُمِيَ بِهَا فَهُوَ هَلَاكُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَبَتَتْ وَرُمِيَ بِغَيْرِهَا فَهُوَ أَمْرٌ حَدَثٌ .
٣ . ] وَأَصْبَحَتِ الْأَصْنَامُ كُلُّهَا صَبِيحَةَ وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْسَ مِنْهَا صَنَمٌ إِلَّا وَهُوَ مُنْكَبٌّ عَلَى وَجْهِهِ .
٤ . ] وَارْتَجَسَ(4) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِيْوَانُ كِسْرَى؛ وَ
٥ . ] سَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً .
٦ . ] وَغَاضَتْ(5) بُحَيْرَةُ سَاوَةَ .
٧ . ] وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ .وَ
٨ . ] خَمَدَتْ نِيرَانُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ .
٩ . ] وَرَأَى الْمُؤْبَذَانُ(6) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْمَنَامِ إِبِلًا صِعَاباً تَقُودُ خَيْلًا عِرَاباً قَدْ قُطِعَتْ دِجْلَةُ وَانْسَرَبَتْ فِي بِلَادِهِمْ .
١٠ . ] وَانْقَصَمَ طَاقُ الْمَلِكِ كِسْرَى مِنْ وَسَطِهِ .
١١ . ] وَانْخَرَقَتْ عَلَيْهِ دِجْلَةُ الْعَوْرَاءِ(7).
١٢ . ] وَانْتَشَرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نُورٌ مِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ ثُمَّ اسْتَطَارَ حَتَّى بَلَغَ الْمَشْرِقَ .
١٣ . ] وَلَمْ يَبْقَ سَرِيرٌ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوساً، وَالْمَلِكُ مُخْرِساً لَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَهُ ذَلِكَ .
١٤ . ] وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَةِ .
١٥ . ] وَبَطَلَ سِحْرُ السَّحَرَةِ .
١٦ . ] وَلَمْ تَبْقَ كَاهِنَةٌ فِي الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبِهَا.
١٧ . ] وَعَظُمَتْ قُرَيْشٌ فِي الْعَرَبِ، وَسُمُّوا آلَ(8) اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَتْ آمِنَةُ: إِنَّ ابْنِي وَاللَّهِ :
١٨ . ] سَقَطَ فَاتَّقَى الْأَرْضَ بِيَدِهِ، ثُمَّ
١٩ . ] رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا(9) ، ثُمَّ
٢٠ . ] خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لَهُ كُلُّ شَيْ‏ءٍ(10) ، وَ
٢١ . ] سَمِعْتُ فِي الضَّوْءِ قَائِلًا يَقُولُ : إِنَّكِ قَدْ وَلَدْتِ سَيِّدَ النَّاسِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّداً .
٢٢ . ] وَصَاحَ إِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- فِي أَبَالِسَتِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيهِ.
فَقَالُوا : مَا الَّذِي أَفْزَعَكَ يَا سَيِّدَنَا ؟
فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ، لَقَدْ أَنْكَرْتُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ عَظِيمٌ مَا حَدَثَ مِثْلُهُ مُنْذُ رُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام، فَاخْرُجُوا وَانْظُرُوا مَا هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي قَدْ حَدَثَ . فَافْتَرَقُوا، ثُمَّ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا : مَا وَجَدْنَا شَيْئاً . فَقَالَ إِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- : أَنَا لِهَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الدُّنْيَا فَجَالَهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ فَوَجَدَ الْحَرَمَ مَحْفُوظاً بِالْمَلَائِكَةِ، فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَصَاحُوا بِهِ، فَرَجَعَ ثُمَّ صَارَ مِثْلَ الصِّرِّ - وَهُوَ الْعُصْفُورُ - فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ حَرَى . فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: وَرَاكَ لَعَنَكَ اللَّهُ . فَقَالَ لَهُ: حَرْفٌ أَسْأَلُكَ عَنْهُ يَا جَبْرَئِيلُ، مَا هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ فِي الْأَرْضِ ؟ فَقَالَ لَهُ : وُلِدَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم . فَقَالَ لَهُ : هَلْ لِي فِيهِ نَصِيبٌ ؟ . قَالَ : لَا . قَالَ : فَفِي أُمَّتِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : رَضِيتُ(11).
هذا كان الإجمال في مسألة أحداث ليلة المولد ؛ وإليك التفصيل :
[٣. ١. ]: انتكاس بعض الأصنام:
قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ - الزبير - أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ؛ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ وَعُبَيْدُاللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، كَانُوا عِنْدَ صَنَمٍ لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ قَدِ اتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ عِيدًا كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَيَنْحَرُونَ لَهُ الْجَزُورَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ فَرَأَوْهُ مَكْبُوبًا عَلَى وَجْهِهِ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ؛ فَأَخَذُوهُ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْقَلَبَ انْقِلَابًا عَنِيفًا؛ فَأَخَذُوهُ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ فَانْقَلَبَ الثَّالِثَةَ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اغْتَمُّوا لَهُ، وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ،
فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: مَا لَهُ قَدْ أَكْثَرَ التَّنَكُّسَ، إِنَّ هَذَا لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ، وَذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَقُولُ :
أَيَا صَنَمَ الْعِيدِ الَّذِي صُفَّ حَوْلَهُ ** صَنَادِيدُ وَفْدٍ مِنْ بِعِيدٍ وَمِنْ قُرْبِ
تَكَوَّسْتَ مَغْلُوبًا فَمَا ذَاكَ قُلْ لَنَا ** أَذَاكَ سَفِيهٌ أَمْ تَكَوَّسْتَ لِلْعَتْبِ
فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَنْبٍ أَتَيْنَا فَإِنَّنَا ** نَبُوءُ بِإِقْرَارٍ وَنَلْوِي عَنِ الذَّنْبِ
وَإِنْ كُنْتَ مَغْلُوبًا تَكَوَّسْتَ صَاغِرًا ** فَمَا أَنْتَ فِي الْأَوْثَانِ بِالسَّيِّدِ الرَّبِّ
قَالَ : فَأَخَذُوا الصَّنَمَ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ فَلَمَّا اسْتَوَى هَتَفَ بِهِمْ هَاتِفٌ مِنَ الصَّنَمِ ، بِصَوْتٍ جَهِيرٍ وَهُوَ يَقُولُ :
تَرَدَّى لِمَوْلُوْدٍ أَنَارَتْ بِنُورِهِ ** جَمِيعُ فِجَاجِ الْأَرْضِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ
وَخرَّتْ لَهُ الْأَوْثَانُ طُرًّا وَأُرْعِدَتْ ** قُلُوبُ مُلُوكِ الْأَرْضِ طُرًّا مِنَ الرُّعْبِ
وَنَارُ جَمِيعِ الْفُرْسِ بَاخَتْ وَأَظْلَمَتْ ** وَقَدْ بَاتَ شَاهُ الْفُرْسِ فِي أَعْظَمِ الْكَرْبِ
وَصُدَّتْ عَنِ الْكُهَّانِ بِالْغَيْبِ جِنُّهَا ** فَلَا مُخْبِرٌ عَنْهُمْ بِحَقٍّ وَلَا كَذِبَ
فَيَالَ قُصَيٍّ إِرْجِعُوا عَنْ ضَلَالِكُمْ ** وَهُبُّوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْزِلِ الرَّحْبِ
قَالَ : فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ خَلَصُوا نَجِيًّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : تَصَادَقُوا ، وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا : أَجَلْ.
فَقَالَ لَهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ تَعْلَمُونَ - وَاللَّهِ - مَا قَوْمُكُمْ عَلَى دِينٍ، وَلَقَدْ أَخْطَئُوا الْحُجَّةَ ، وَتَرَكُوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ مَا حَجَرٌ تُطِيفُونَ بِهِ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ ؟ . يَا قَوْمِ، الْتَمِسُوا لِأَنْفُسِكُمُ الدِّينَ. قَالَ : فَخَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ، وَيَسْأَلُونَ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ حَتَّى عَلِمَ عِلْمًا،
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَسَارَ إِلَى قَيْصَرَ فَتَنَصَّرَ، وَحَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ فَحُبِسَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَرَبَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ الرِّقَّةَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ فَلَقِيَ بِهَا رَاهِبًا عَالِمًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَطْلُبُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : إِنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا تَجِدُ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِكَ يُبْعَثُ بِدِينِ الْحَنِيفِيَّةِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ رَجَعَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَغَارَتْ عَلَيْهِ لَخْمٌ فَقَتَلُوهُ،
وَأَمَّا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَ مَنْ خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَلَمَّا صَارَ بِهَا تَنَصَّرَ، وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ فَكَانَ بِهَا حَتَّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيًّا. (12).
.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[٣. ٢. ]: ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى(13)؛ وَ
[٣. ٣. ]: سُقُوطِ الشُّرُفَاتِ(14)، وَ
[٣. ٤. ]: خُمُودِ النِّيرَانِ(15)، وَ
[٣. ٥. ]: رُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ؛ و
[٣. ٦. ]: انبثاق دجلة(16) العوراء (شط العرب) (17)"
تحقيق مسألة البحث الثالث:
„ ارتجاس ديوان كِسرى.. وسقوط شرفاته.. وخمود نار المجوس(18)‟
قَالَ الْحَافِظُ الْخَرَائِطِيُّ(19). فِي كِتَابِ „هَوَاتِفِ الْجَانِّ(20)” حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ - مِنْ آلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ - حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ أَبِيهِ - وَأَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ - قَالَ (21) في خبرٍ طويلٍ جاء فيه: „ لمَّا كانتِ اللَّيلةُ الَّتي وُلِدَ فيها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّمَ : ارتَجسَ إيوانُ كِسرى؛ وسقَطَت منها أربعةُ عشرَ [أربعَ عشرةَ] شُرافةَ [شُرفةً]؛ وخَمدت نارُ فارِسَ؛ ولم تخمَد قبلَ ذلك ألفَ عامٍ، و
[٣. ٧. ]: غاضَت بُحيرَةُ ساوَةَ (22) يكمل هانئ المخزومي الخبر فلمَّا أصبحَ كسرى أفزعَهُ [ما رأى من شأنِ إيوانِهِ] ذلِكَ فصبرَ عليهِ تشجُّعًا إليه وأخبرَهم فلمَّا عيلَ صبرُهُ رأى أن لا يَسترَ ذلِكَ عن وزرائِهِ [ابن كثير البداية؛ ص: 395 لم يذكر وزرائه:" لَا يَدَّخِرُ عن" ] ومَرازبتِهِ فلبسَ تاجَهُ وقعدَ علَى سريرِهِ وجمعَهُم إليهِ [فلمَّا اجتمعوا عندَهُ قالَ: أتدرونَ فيمَ بعثتُ إليْكم قالوا: لا إلَّا أن يخبرنا الملِكُ] وأخبرَهُم بما رأى فبَينا هم كذلِكَ إذ وردَ عليهمُ الكتابُ بخُمودِ النَّارِ فازدادَ غمًّا إلى غمِّهِ فقالَ الموبِذانُ: وأَنا -أصلحَ اللَّهُ الملِكَ- اللَّهُمَّ قد رأيتُ في هذِهِ اللَّيلةِ [رؤيا ثمَّ قصَّ عليْهِ رؤياهُ] [البداية ص: 396].
ثم يكمل ابن كثير : (رأيتُ) إبلًا ضِعافًا [صعابًا] تقودُ خيلًا عِرابًا قد قطَعَت دجلةَ وانتشَرَت في بلادِها [ابن كثير : بِلَادِهِمْ] فقالَ: أيُّ شيءٍ يكونُ هذا يا موبذانُ ؟، وَكانَ أعلَمَهُم في أنفسِهِم قالَ: حادثٌ [حدثٌ] يكون في ناحيةِ العَربِ .
فَكَتبَ عندَ ذلِكَ:
مِن كِسرى ملِكِ الملوكِ إلى النُّعمانِ بنِ المنذرِ؛ أمَّا بعدُ؛ فابعَث [فوجِّه] إليَّ برجلٍ عالِمٍ بما أريدُ أن أسألَهُ عنهُ. فبَعثَ [فوجَّهَ] إليهِ بـ عبدِالمسيحِ بنِ عمرِو بنِ حيَّانَ بنِ بَقلةَ (ابن كثير البداية :" بُقَيْلَةَ ") الغسَّانيِّ، فلما قدِمَ (البداية:"وَرَدَ") عليه قال [لَهُ ألَكَ]: أعندَكَ علمٌ بما أريدُ أن أسألَكَ عنهُ؟. قالَ: لِيُخبِرني [ليَسألني] [البداية:"عَمَّا أَحَبَّ"] الملِكُ فإن كانَ عِندي منهُ علمٌ [إلَّا] أخبرتُهُ؛ وإلَّا [البداية:"أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ"] دَللتُهُ على مَن يخبرُهُ، فأخبرَهُ بما رأى فقالَ: عِلمُ ذلِكَ عندَ خالٍ لي يسكنُ مشارِفَ الشَّامِ يقالُ له „سَطيحٌ”؛ قال: فأتِهِ فاسألهُ عمَّا أخبرتُكَ [البداية:"سَأَلَتُكَ عَنْهُ"] ثمَّ ائتِني بجوابِهِ [البداية:"بِتَفْسِيرِهِ"] فخرجَ عبدُالمسيحِ [فرَكِبَ] حتى قدِم [البداية:" حَتَّى انْتَهَى إِلَى"] „سَطيحٍ” وقد أشفَى على [البداية:"الضَّرِيحِ"] الموتِ فسلَّمَ عليهِ وحيَّاهُ [البداية:"وَكَلَّمَهُ"] فلَم [يحر] يردَّ عليهِ جوابًا فأنشأ عبدُالمسيحِ يقولُ:
أصُمَّ لَم يسمَعْ غطريفُ اليمَنْ * أم فازَ [ابن كثير البداية :" فَاد"] فأزلَمَّ به شأوُ العنَنْ
يا فَاصِلَ الخُطَّةِ أعيَت مَنْ ومَنْ * [ابن كثير البداية :" وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ عَنْ وَجْهٍ غَضِنْ "]
أتاكَ شيخُ الحيِّ مِن آلِ سنَنْ
وأمُّهُ من آلِ ذئبِ بنِ حَجَنْ * أزرقُ [نَهمُ] [البداية ابن كثير :" بَهْمُ "] مُهمي النَّابِ صرَّارُ الأذُنْ
[ابن كثير البداية:" أَزْرَقُ بَهْمُ النَّابِ صَرَّارُ الْأُذُنْ * أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ "]
أبيضُ فضفاضُ الرِّداءِ والبدَنْ * رسولُ قَيلَ العُجْمِ يَسري للوسَنْ
لا يرهبُ الرَّعدَ ولا ريبَ الزَّمَنْ * تجوبُ بي الأرضَ علنداةٌ شَجَنْ [شزَنْ؛ عند الذهبي وابن كثيرالبداية]
ترفعُني وجنًا وتَهْوى بي وَجَنْ * حتَّى أتي عاري الجآجِئ والقطَنْ
[قلت(الرمادي): يوجد تقديم وتأخير في سرد الأبيات]
تلفُّهُ في الرِّيحِ بوغاءُ الدِّمَنْ * كأنَّما حُثْحِثَ من حضني ثَكَن [كأنَّما أخرجَ من جوفٍ ثَكن]
فلمَّا سمعَ سَطِيحٌ شعرَهُ رفع رأسه وقال :
عبدُالمسيحِ علَي جملٍ مُشيحٍ إلى (أَتَى) سطيحٍ .
وقد أوفى على الضريحٍ
بعثَكَ ملِكُ بَني ساسانَ لارتِجاسِ الإيوانِ وخُمودِ النِّيرانِ ورُؤيا الموبذانِ رأى إبلًا ضِعافًا ["صعابًا" عند ابن كثير؛ البداية] تقودُ خيلًا عِرابًا قد قَطَعَت دِجلةَ وانتشَرَتْ في بلادِها يا عبدَالمسيحِ إذا كثُرتِ التِّلاوةُ وظَهَرَ صاحبُ الهَراوةِ وخمدت نارُ فارسَ وغاضت بُحَيْرةُ ساوةَ وفاضَ وادي السَّماوةِ فليسَ الشَّامُ لسَطيحٍ شاما يملِكُ منهم ملوكٌ وملِكاتٍ علَى عددِ الشُّرفاتِ وَكُلُّ ما هوَ آتٍ آتٍ .
ثمَّ قضَى سطيحٌ مَكانَهُ ووثبَ [البداية:"فَنَهَضَ"] عبدالمسيح الغَسَّاني [البداية:"إِلَى رَاحِلَتِهِ"] [إلى رحلِهِ وَهوَ ] يقولُ:
شَمِّر فإنَّكَ ماضي الهمَّ شِمِّيرُ * لا يُفْزِعَنَّكَ تفريقٌ وتغييرُ
إن يمسِ ملِكُ بَني ساسانَ أفرطَهُم * فإنَّ ذا الدَّهرِ أطوارٌ دهاهيرُ
فربَّما ربموا [ربَّما] أضحَو بمنزلةٍ * تَهابُ [البداية : يَخَافُ] صولَهُمُ الأسدُ المَهاصيرُ
منهم أخو الصَّرحِ بَهْرامٌ وأخوتُهُ * والهرمُزانُ وسابورُ [البداية:" شَابُورٌ] وسابورُ
والنَّاسُ أولادُ عَلَّاتٍ فمَن علِموا * أن قد أقلَّ فمَحقورٌ ومَهجورُ
بيت من عند البداية: [وَرُبَّ قَوْمٍ لَهُمْ صُحْبَانُ ذِي أُذُنٍ * بَدَتْ تُلَهِّيهِمُ فِيهِ الْمَزَامِيرُ ]
وهُم بنوا الأمِّ أما إن رَأوا نَشبًا * فذاكَ بالغَيبِ مَحفوظٌ ومَنصورُ
فالخيرُ والشَّرُّ مَقرونانِ [مصفودانِ] في قَرَنٍ * فالخيرُ متَّبعٌ والشَّرُّ مَحذورُ
فلمَّا قدمَ عبدُالمسيحِ على كِسرى أخبرَهُ بقولِ سَطيحٍ. فقالَ كِسرَى: إلى [متى يملِكُ] أن يملِكَ منَّا أربعةَ عشرَ ملكًا قد كانَت أمورٌ [البداية :"وَأُمُورٌ"]. قال: فملَكَ منهُم عشرةٌ أربعَ سنينَ وملَكَ الباقونَ إلى آخرِ خِلافةِ عُثمانَ رضيَ اللَّهُ عنهُ ‟ (23)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر : أبو شهبة في السيرة النبوية :" ما صاحب الميلاد من الايات والعجائب:
ومن الآيات والإرهاصات(24) التي صاحبت الميلاد ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، فقد كان هذا إيذانا بأنه لم يبق من ملوكهم إلا أربعة عشر(25) ، وهذا ما كان، وصدّقه التاريخ والواقع(!!!)، وغاضت بحيرة ساوه(26)، وخمدت نيران فارس التي كانوا يعبدونها، ولم تخمد منذ ألف عام(27).
يقول بعد ذلك أبو شيبة في السيرة النبوية : « وقد أسرف المؤلفون في السير والمولد والتاريخ في ذكر العجائب التي اقترنت بالميلاد، ومنها كلام الهواتف(28)، والجن، وفيها الكثير مما لم يصح، وما هو مختلق، فأعرضت عن ذكر كل ذلك، واكتفيت بما هو ثابت، أو بعضه(29).
وقد ذكرت رواية إرتجاس إيوان كسرى وخمود نار الفرس في العديد من الكتابات والبحوث الحديثة دون تمحيص أو تدقيق؛ فتجدها على موقع قصّة الاسلام تحت اشراف الدكتور راغب السرجاني؛ دون تعليق أو تدقيق؛ وهذا ما لا أفهمه، خاصةً أن الدكتور يكتب في موقع قد يعتمد عليه الكثير كمرجع .
قلت(الرمادي): لم تخل كتب السنة أو الشيعة من ذكر هذه الإرهاصات؛ فأنت تقرأ في موسوعة :" محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي؛ بحار الأنوار [الجزء: 15؛ ص: 256] نفس الرواية؛ فكتب يقول :" وأصبحت الاصنام كلها صبيحة ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه، وبقية الرواية ذكرتها في المجمل في بداية هذا البحث فلتراجع.
قلتُ(الرمادي): والمجلسي ذكرها دون تعليق أو تصحيح أو تضعيف؛ ثم يكمل المجلسي القول ص : 257:" بما أثبتناه في المجمل؛ نقلا من الإمام جعفر.
وذكر الصالحي رواية عن ابن جرير؛ قريبة مما ذهب إليه المجلسي؛ فذكر في الباب الحادي عشر؛ تحت عنوان : « في انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران وغير ذلك مما يذكر»..
فكتب يقول:" ذكر ابن جرير؛ وغيره أن « كِسرى أبرويز كان قد سكر -سد- دجلة العوراء وأنفق عليها مالا عظيما، وكان طاق ملكه قد بناه بنيانا عظيما لم ير مثله، وكان عنده ثلاثمائة رجل من كاهن وساحر ومنجم، وكان فيهم رجل من العرب اسمه „السائب” قد بعث به بأذان من اليمن، وكان كِسرى إذا حزبه أمر جمعهم فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو. فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح كِسرى وقد انقصم طاق ملكه من غير ثقل وانخرقت دجلة العوراء فلما رأى ذلك أحزنه فدعا كهانه وسحاره ومنجميه وفيهم „السائب” فقال لهم: قد انقصم طاق ملكي من غير ثقل فانظروا في أمره بما تعلمونه من علمكم فأخذت عليهم أقطار السماء وأظلمت الأرض فلم يمض لهم ما رأوه وبات „السائب” في ليلة مظلمة على ربوة من الأرض ينظر فرأى برقا من قبل الحجاز قد استطار فبلغ المشرق، فلما أصبح رأى تحت قدميه روضة خضراء فقال فيما يعتاف: إن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب الأرض عليه كأفضل ما أخصبت على ملك. فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما أصابهم ورأى „السائب” ما رأى قال بعضهم لبعض: والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وإنه لنبي يبعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ملكه ويكسر وإن نعيتم إلى كسرى كسر ملكه ليقتلنكم فاتفقوا على أن يكتموه الأمر وقالوا له قد نظرنا فوجدنا وضع دجلة العوراء وطاق الملك قد وضع على النحوس، فلما اختلف الليل والنهار فوقعت النحوس مواقعها زال كل ما وضع عليها، ونحن نحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول. - فحسبوا فأمروه بالبناء فبنى دجلة العوراء في ثمانية أشهر وأنفق عليها أموالا جليلة حتى فرغ منها، فلما فرغ قال لهم: أجلس على سورها ؟ قالوا: نعم. فجلس في أساورته ومرازبته، فبينما هو كذلك انشقت دجلة وخرج ذلك البنيان من تحته، فلم يخرج إلا بآخر رمق، فلما أخرجوه جمع كهانه وسحرته ومنجميه وقتل منهم نحو مائة وقال لهم: أقربتكم وأجريت عليكم الأموال ثم إنكم تخونونني ؟ فقالوا: أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا. ثم حسبوا له وأمروه بالبناء فبناه وفرغ منه وأمروه بالجلوس عليه فخاف أن يجلس عليه فركب وسار على البناء فبينما هو يسير إذ انشقت أيضا، فلم يدرك إلا بآخر رمق. فدعاهم وقال: لأقتلنكم أو لتصدقني. فصدقوه وأخبروه بالأمر فقال: ويحكم هلا بينتم لي ذلك فأرى فيه ما أرى قالوا: منعنا الخوف. فتركهم. » (30).
قلتُ(الرمادي): تجولت مع القارئـ(ـة) الكريمـ(ـة) بين صفحات وسطور مصادر ذكرت هذه الأحداث؛ وقد بينتُ ضعف هذه الأخبار؛ أو عدم وقوعها اصلاً.. ومن الله تعالى ذكره وجل قدره التوفيق والسداد والهداية .
**
ذكرتُ في مجمل هذا البحث مسألة إختراق إبليس للسموات؛ فذكر ابن جماعة في المختصر " ورُميت الشياطين بالشُّهب الثواقب؛ ثم ذكرت بعض المصادر: حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله عليه السلام.".
ذكر الصالحي الشامي في : الباب العاشر تحت عنوان :" في حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
حَكَى السُّهَيْلِيُّ (31) عَنْ تَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْحَافِظِ « أَنَّ إِبْلِيسَ رَنَّ(32) أَرْبَعَ رَنَّاتٍ؛ ورنّة ً حِينَ لُعِنَ، وَورنّة ً حِينَ أُهْبِطَ، وَورنّة ً حِينَ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَورنّة ً حِينَ أُنْزِلَتِ الْفَاتِحَةُ »(33)
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
الجزء الثاني إرهاصات ليلة الميلاد ~ القسم الثالث: السيرة النبوية
منشورات موقع آستروعرب نيوز؛ فيينا ~ الجمهورية النمساوية
الخميس : ٦ رمضان المبارك ١٤٣٨ الموافق الفاتح من يونيو ٢٠١٧.
ــــــــــــــــــ
تخريج الأحاديث وذكر المصادر والتعليقات:
(1) انظر البداية والنهاية؛ ابن كثير.
(2) سلسلة الرواية فقد روى الشيخ الصدوق عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ؛
قلت(الرمادي): راجع المجلسي في موسوعته بحار الأنوار؛ الجزء 15؛ ص :"258".
(3) الزَجر : العيافة، وهو نوع من الكهانة. قال في النهاية: العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها،
(4) الارتجاس : الاضطراب والتزلزل . ارتجس: اضطرب وانشق.
(5) غاضت : قلَّ ونَضُبْ ماؤها . زيادة في المعلومات.. وستجد إختلافاً
https://www.youtube.com/watch?v=f_NwRcwVzEM
(6) المُوبذان : قال السهيلي: معناه القاضي أو المفتي بلغتهم. وقال ابن منظور في "لسان العرب": الموبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين."، والموبذ القاضي، وقال صاحب القاموس: الموبذان فقيه الفرس وحاكم المجوس.
(7) دجلة العوراء: دجلة نهر معروف بالعراق، وإن كِسرى كان سكَّر -سدَّ- بعض الدجلة وبنى عليها بناء، فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء لأنه عور وطم بعضها فانخرقت عليه وانهدم بنيانه
(8) قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الصَّادِقُ : إِنَّمَا سُمُّوا آلَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ.
(9) ومن عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم ما ظهر من آيات دالة على النبوة عند مولده، وما حكته أمه-آمنة بنت وهب- ومن حضر مولده من النساء من العجائب ومنها: "أنه صلى الله عليه وسلم كان رافعاً رأسه كالداعى الله - عندما وضعته - شاخصاً ببصره إلى السماء". [رواه البيهقى عن الزهرى مرسلاً.]. وسنبحث هذه المسالة إن شاء الله تعالى.
(10) ومن ذلك أيضاً ما روى عن فاطمة أم عثمان بن أبى العاص قالت: "لما حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع (أى حين خرج صلى الله عليه وسلم للدنيا) قد امتلأ نوراً، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علىّ". [ رواه البيهقى؛ والطبرانى]. وقد ذكرنا من قبل ما :" قد رواه أبو العجفاء التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رَأَتْ أُمِّى حِينَ وَضَعَتْنِى سَطَعَ مِنْهَا نُوراً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصرَى". [أخرجه ابن سعد. وما رواه العرباض فليرجع إلى موضعه] . وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشِّفَاءِ أُمِّ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَابِلَتَهُ، وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِهِ حِينَ سَقَطَ عَلَى يَدَيْهَا، وَاسْتَهَلَّ.. سَمِعَتْ قَائِلًا يَقُولُ :" يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَإِنَّهُ سَطَعَ مِنْهُ نُورٌ رُئِيَتْ مِنْهُ قُصُورُ الرُّومِ".
(11) انظر: محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي؛ بحار الأنوار؛ الجزء : 15؛ ص: 258 .
(12) أخرجه ابن عساكر (3 /423). وذكره ابن كثير في البداية: ص: 579- 580؛ كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كتاب مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر شيء من البشارات بذلك. وهذا حديث موضوع في إسناده وضاعان هما : عبدالله بن محمد البلوى، وعمارة بن زيد. فقد قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ بِمِصْرَ؛ وهو الأول؛ ثم يكمل :" حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ "؛ وهذا الثاني. وتجده عند الصالحي الدمشقي؛ ص: 351.
قلت(الرمادي): ولعلي أعود لبحث هذه المسألة؛ أقصد البشارات بمحمد كـ رسول الله؛ صلى الله عليه وآله وسلم
(13) انظر : عند ابن جماعة؛ فقد قال:" انشقَّ إيوان كِسرى حتى سُمع صوتُهَ "، وابن كثير في البداية.
(14) انظر : ابن كثير في البداية؛ وابن جماعة يحدد عددها نقلاً من المصادر التي سأذكرها:" وسقط منه أربع عشرة شُرفةً".
(15) انظر : ابن كثير البداية .
(16) إضافة من عند الصالحي الشامي.
(17) المصدر: ذي قار وبطائحها في العصر الإسلامي؛ (1- 656هـ / 622- 1258م)؛ دراسة في أحوالها الاجتماعية والاقتصادية؛ رسالة تقدمت بها الطالبة؛ ميادة سالم علي العكيلي؛ إلى مجلس كلية الآداب جامعة ذي قار، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي؛ بأشراف: أ. م. د. فاضل كاظم صادق. وجاء عند نهاية الأرب في فنون الأدب:"وانظر البدء والتاريخ؛ المؤلف: المطهر بن طاهر المقدسي: " وكانت المراكب التي ترد من الهند والصين تدخل في دجلة من بحر فارس إلى مدينة المداين، فاتفق أن انبثق في أسافل كسكر بثق عظيم على عهد قباذ بن قيروز فأهمل حتى طغى ماؤه وغرق غمارات وضياعا فصارت بطائح. ويسمى هذا البثق دجلة العوراء لتحول الماء عنه. وصار بين دجلة الآن ودجلة العوراء مسافة بعيدة تسمى بطن جوخى، وهو من حد فارس من أعمال واسط إلى نحو السوس من أعمال خوزستان؛ وانظر: نهاية الأرب في فنون الأدب؛ وتاريخ الطبري؛ تاريخ الأمم والملوك؛ محمد بن جرير الطبري أبو جعفر؛ ج:2؛ ص: 188-190.
قلت(الرمادي): وعند ابن جريرالطبري في تاريخه أخبار تنسب إلى نبي الإسلام سأحققها في موضعها بإذته تبارك وتعالى .
(18) روى ابن جرير الطبرى في تاريخه (2/143) وأبو نعيم (ص95)؛ والبيهقي (1/126) كلاهما في الدلائل "ونقله الصالحي من الخرائطي ص : 355 وذكره ابن كثير.
(19) ترجمته :" الْإِمَامُ الْحَافِظُ الصَّدُوقُ الْمُصَنِّفُ أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ شَاكِرٍ، السَّامَرِّيُّ الْخَرَائِطِيُّ؛ صَاحِبُ مصنفاتٍ مثل „مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ”، وَ„مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ”، وَ„اعْتِلَالِ الْقُلُوبِ”، وَغَيْرِ ذَلِكَ. سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ، وَعَلِيَّ بْنَ حَرْبٍ، وَعُمَرَ بْنَ شَبَّةَ، وَسَعْدَانَ بْنَ نَصْرٍ، وَسَعْدَانَ بْنَ يَزِيدَ، وَحُمَيْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَأَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيَّ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ : أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ زَبْرٍ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ مُهَنَّا الدَّرَانِيُّ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا مُوسَى السِّمْسَارِ، وَالْقَاضِي يُوسُفُ الْمَيَانَجِيُّ، وَعَبْدُالْوَهَّابِ الْكِلَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْحَدِيدِ، وَآخَرُونَ وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبِعَسْقَلَانَ. قَالَ ابْنُ مَاكُولَا :"صَنَّفَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنَ الْأَعْيَانِ الثِّقَاتِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ حَسَنَ الْأَخْبَارِ، مَلِيحَ التَّصَانِيفِ. قِيلَ: مَاتَ بِـ „يَافَا” فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ". [انظر الذهبي؛ سير أعلام النبلاء. ص:268] .
(20) قال الخرائطي في مقدمة كتابه :" هَذَا كِتَابُ هَوَاتِفِ الْجِنَانِ وَعَجِيبِ مَا يُحْكَى عَنِ الْكُهَّانِ مِمَّا يُبَشِّرُ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَيَدُلُّ مِنْهُ بِوَاضِحِ الْبُرْهَانِ".
(21) انظر ابن كثير البداية .
(22) اقتصر البعض على هذا الجزء من الخبر الطويل الذي رواه هانئ المخزومي: انظر ابن جماعة في المختصر. وقال الذهبي في السيرة النبوية: ج: 1؛ ص: 44 :„ هذا حديث منكر غريب” . وذكره ابن كثير بطوله في البداية: ج: 2؛ ص: 249، وقال :„ هذا الحديث لا أصل له في شئ من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا” .
(23) انظر : النخشبي؛ في : تخريج الحنائيات:ج: 2؛ ص: 994؛ الحديث : حسن غريب . يلاحظ ما بين المعكوفتين [] من عند ابن كثير؛ البداية؛ ومن عند الذهبي؛ في تاريخ الإسلام :ج: 1؛ ص: 35؛ والحديث : منكر غريب. والحديث جاء في دلائل النبوة لقوام السنة؛ وإسناده ضعيف؛ وذكر في :" دلائل النبوة؛ للبيهقي؛ وإسناد ضعيف" ؛ وانظر دلائل النبوة لأبي نعيم وإسناد ضعيف: حديث رقم 82 :" فنون العجائب لـ علي بن عمرو النقاش وإسناده ضعيف: حديث رقم :"62".؛ وتاريخ الطبري؛ ج: 2؛ ص: 166؛ وإسناده ضعيف : حديث رقم :"381" وتاريخ الطبري وإسناده ضعيف: حديث رقم 14 عند:" هَوَاتِفِ الْجِنَانِ " لـ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ السَّامَرِّيِّ؛ عُرِفَ بِالْخَرَائِطِيِّ ". ذكره ابن كثير في البداية: ج: ؛ ص: 398 -399:"فقال:" وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيِّ بِنَحْوِهِ؛ (حديث رقم 61) [انظر: البيهقي دلائل: دلائل النبوة للبيهقي؛ الْمَدْخَلُ إِلَى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ..؛ جِمَاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ؛ بَابُ : مَا جَاءَ فِي ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى. واعتبرها صاحب : كتاب الرؤيا: حمود بن عبدالله بن حمود بن عبدالرحمن التويجري (المتوفى: 1413هـ)؛ دار اللواء؛ الطبعة: الأولى، 1412هـ؛ من أحلام الأكابر دون تعليق أو وتخريج.
فائدة : يذكر صاحب البداية أن :" : كَانَ آخِرَ مُلُوكِهِمْ - الَّذِي سُلِبَ مِنْهُ الْمُلْكُ - يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوانَ وَهُوَ الَّذِي انْشَقَّ الْإِيوَانُ فِي زَمَانِهِ وَكَانَ لِأَسْلَافِهِ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَمِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَكَانَ أَوَّلَ مُلُوكِهِمْ خَيُومَرْتُ بْنُ أَمِيمَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ". [البداية ص:398- 399].
وقد تساءل البعض؛ ولهم الحق في السؤال :" كيف عرف الناس بالأحداث التي رافقت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ والبعض أطلق عليها :" معجزات ولادة الرسول الكريم ".مثل ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته، وخمود نيران المجوس وغيض بحيرة ساوة؟.
". والإجابة :" إن هذه الأحداث المذكورة لا تثبت، بل هي من الموضوع والضعيف، ". ثم إليك أيها القارئـ(ــة) الكريـمـ(ــة) ما قاله العلماء
1.] قال الألباني في كتابه "صحيح السيرة النبوية": "قد وردت بعض الروايات الواهية بلا إسناد تخص أحداثاً وقعت عند ميلاده صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت منها شيء، منها ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وخمود النيران التي كان يعبدها المجوس، وانهدام الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، وغير ذلك من الدلالات التي ليس فيها شيء ثابت".
2.] وقال صفي الرحمن في كتابه الرحيق المختوم: "رُوِيَ أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبري والبيهقي وغيرهما، وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعي التسجيل.
وأما كيف عرف الناس هذا الأحداث على فرض حصولها!؟.
فقد ذكر أصحاب السير أنه رآها بعض أهل البلاد التي حصلت فيها هذه الأحداث وسألوا عن سرها، كما يذكرون في ذلك أن
1.] كسرى أرسل إلى النعمان بن المنذر ليسأل له الكاهن عبدالمسيح بن عمرو عن سر ما حصل، قال الماوردي في أعلام النبوة: ومن هواجس الإنذار والإلهام والمنام: ما رواه
2.] أبو أيوب يعلى بن عمران النحلي عن مخزوم بن هاني المخزومي
ومع ضعف الروايات أو جهالة المرويات فقد ذكر الصالحي الدمشقي ما قاله : أبو عبدالله محمد بن أبي زكريا يحيى بن علي الشقراطسي حيث قال:
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت * * بشرى الهواتف في الإشراق والطفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده * * وانقض منكسر الأرجاء ذا ميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت * * من ألف عام ونهر القوم لم يسل
خرت لمولده الأوثان وانبعثت * * ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل .
والإمام أبو عبدالله محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي الشهير بالبوصيري رحمه الله تعالى حيث قال:
أبان مولده عن طيب عنصره * * يا طيب مبتدإ منه ومختتم
يوم تفرس فيه الفرس أنهم * * قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
وبات أيوان كسرى وهو منصدع * * كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف * * عليه والنهر ساهي العين منسدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها * * ورد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل * * حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والأنوار ساطعة * * والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم * * يسمع وبارقة الإنذار لم تشم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم * * بأن دينهم المعوج لم يقم
من بعد ما عاينوا في الأفق من شهب * * منقضة وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الحق منهزم * * من الشياطين يقفو إثر منهزم
وقال أيضا في قصيدته الهمزية:
ومحيا كالشمس منك مضئ * * أسفرت عنه ليلة غراء
ليلة المولد الذي كان للدي‍ * * ن سرور بيومه وازدهاء
وتوالت بشرى الهواتف أن قد * * ولد المصطفى وحق الهناء
وتداعى إيوان كسرى ولو * * لا آية منك ما تداعى البناء
وغدا كل بيت نار وفيه * * كربة من خمودها وبلاء
وعيون للفرس غارت فهل كا * * ن لنيرانهم بها إطفاء
فهنيئا به لآمنة الفض‍ * * ل الذي شرفت به حواء
من لحواء أنها حملت أح‍ * * مدا وأنها به نفساء
يوم نالت بوضعه ابنة وه‍ * * ب من فخار ما لم تنله النساء
وأتت قومها بأفضل مما * * حملت قبل مريم العذراء
شمتته الأملاك إذ وضعته * * وشفتنا بقولها الشفاء
رافعا رأسه وفي ذلك الرف‍ * * ع إلى كل سؤدد إيماء
رامقا طرفه السماء ومرمى * * عين من شأنه العلو العلاء
وتدلت زهر النجوم إليه * * وأضاءت بضوئها الأرجاء
وتراءت قصور قيصر بالشا * * م يراها من داره البطحاء.
[انظر الصالحي الشامي: ص: 255- 256]
(24) ما تقع بين يدي النبوة من الخوارق. هذا ما تجده عند أبي شيبة في كتابه.
قلت(الرمادي): ولكن هذه البحوث-حتى كتابة هذا الجزء من بحوث السيرة النبوية- تتعلق بما حدث قبل الحمل وإثناء فترته وليلة الميلاد.. فانتبه!.
(25) وقد ملكَ منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى سقوط دولتهم، وخضوعها للإسلام.
قلت(الرمادي): هذا ما يراه أبو شهبة ؛ سنعود بإذنه ورضاه إلى بحث هذه الجزئية في بحوث الدعوة وكيفية نشرها.
(26) بـ„سين” مهملة بعدها „ألف”، وبعد الألف „واو” مفتوحة فـ„هاء” ساكنة: من بلاد فارس، كانت بحيرة كبيرة متسعة الأكناف بين همذان وقم(!)، قال فيها الصرصري في بعض قصائده:
غارت وقد كانت جوانبها تفوت الميلا
وكانت ستة فراسخ طولا وعرضا، وتسير فيها السفن، ويسافر فيها الناس إلى ما حولها من البلدان. أما بحيرة „طبرية” فهي ببلاد الشام، وليست هي، وما قيل في بعض الكتب من أنها طبرية غير معروف وغير صحيح، فـ بحيرة „طبرية” لم يثبت أن ماءها غاض؛ لا تزال إلى يومنا هذا، وما قيل: إنها نقص ماؤها ليلتئذ فهو تكلّف.
قلتُ(الرمادي) راجع ماعند الصالحي الدمشقي: ص: 358.
(27) رواه البيهقي؛ حديث رقم 61، وأبو نعيم، والخرائطي في «الهواتف» وابن جرير، وابن عساكر كلهم من حديث مخزوم بن هانىء عن أبيه. قلت(الرمادي): والخبر خرجته فليراجع لموضعه.
(28) ما يسمع كلامه ولا يرى.
(29) انظر: شرح المواهب، ج 1 ص 142 وما بعدها. وانظر عند أبي شيبة ، ج: 1؛ ص: 177.
(30) الصالحي الشامي؛ ج:1؛ ص: 353- 354 ، نقلامن تاريخ ابن جرير الطبري.
(31) نقله السهيلي وأبو ربيع وغيرهما عن تفسير الحافظ ابن مخلد.
(32) رن: صوت بحزن وكآبة. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال إبليس لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا. فقال له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته. فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله جبريل فركضه برجله ركضة فوقع بعدن.
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن حزبوذ قال: « كان إبليس يخترق السموات السبع. فلما وُلد عيسى حُجب من ثلاث سموات، وكان يصل إلى أَربَعٍ.. فلما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب من السبع » [وعند ابن جماعة المختصر].
(33) الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ :« إنَّ إبليسَ رنَّ حينَ أُنزِلَتْ فاتحةُ الكتابِ وأُنزِلَتْ بالمدينةِ».[انظر: الطبراني في : المعجم الأوسط : 5/ 100؛ لم يرو هذا الحديث عن منصور إلا أبو الأحوص تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة. هذا مصدر والآخر : انظر تفسير القرطبي :" سُورَةُ الْفَاتِحَةِ "، قال:" وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ : حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِاللَّهِ الْوَرَّاقُ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : « إِنَّ إِبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ : حِينَ لُعِنَ ، وَحِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَحِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَحِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ ». وتجد الحديث عند ابن جماعة في المختصر.

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

إرهاصات(1) إثناء الوضع والولادة؛
إرهاصات ليلة المولد :

.. وأما ليلة المولد فرأت -آمنة بنت وهب- ذلك رؤية عين كما سيأتي من „ بيان احداث ليلة الولادة‟ وهذا ما سنتعرض له فِي المَبَاحِث التالية:"
﴿ „»١« ‟.﴾ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : لحظات الوضع
... ورأت أمُّه آمنة؛ حين وضعته كأنّه خرج منها نورٌ(2) أضاءت منه قصورُ الشام، روى ابن حبان عن حليمة(3) رضي الله تعالى عنها عن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن لابني هذا لشأنا إني حملت به فلم أجد حملا كان أخف علي ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى".. ثم قالت:" ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعا يديه بالأرض رافعا رأسه إلى السماء. ".(4) .
ذكر أبو بكر البيهقي حديثا مرفوعاً عن ابْنِ إِسْحَاقَ؛ في دلائل النبوة جاء فيه :" فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الأُمَّةِ... :"؛ ثم " قَالَ : آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ(5) يَمْلأُ قُصُورَ بُصْرَى(6) مِنْ أَرْضِ الشَّامِ... . "(7).
وقد يتساءل البعض مستفسراً أو مشككاً أو مستغرباً:
1.] هل هناك أي حقيقة على أنه قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ظهر ضوء في السماء ؟.
2.] وهل سطع نورٌ عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم !؟.
3.] هل كان من المبشرات بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه عندما حملت به أمه رأت في منامها أنه خرج منها نور بلغ الشام (8).
فتأتينا الإجابة من عدة مصادر:
1.] ما رواه ابن إسحاق بسنده؛ تجده عند سيرة ابن هشام.
2.] ومن طريقه أخرجه ابن جرير أبو جعفر الطبري في تفسيره؛
3.] والحاكم النيسابوري في مستدركه؛
4.] وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.. هذا في الحديث المروي عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال : ( دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ) ".(9).
وقد حسن الألباني مارواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام "(10) .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد :" إسناد ما رواه أحمد حسن؛ أي حديث العرباض بن سارية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله قال : ( ... وذكر الحديث وفيه : إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ) (11) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : فَلَمَّا وَلَدَتْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْت وَالدَّار . وَشَاهِده حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنِّي عَبْد اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَته؛ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : إِنِّي دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم، وَبِشَارَة عِيسَى بِي؛ وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ؛ وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَإِنَّ أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِين وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام ) (12) أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ عِنْد أَحْمَد نَحْوه اهـ
المقصود: يجب أن يعلم أن دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في هذه الآية، فسواء ثبتت أم لم تثبت فإن نبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالدلائل القطعية التي لا يستطيع منصف أن ينكرها. وإنما أنكرها من أنكرها إما جهلاً أو مكابرة .(13).
**
﴿ „»٢« ‟.﴾ الْبَحْثُ الثَّانِي :. « وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مَخْتُونًا؛ مَسْرُوراً » وَمَعْنًى مَخْتُونًا أَيْ : مَقْطُوعَ الْخِتَانِ ، وَمَسْرُورًا أَيْ : مَقْطُوعَ السُّرَّةِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ :"
جمهور أهل السير والتواريخ على انه صلى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرة
بيد أن فِي خِتَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ(14) :
1.] أَحَدُهَا : أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُولَدُ مَخْتُونًا . عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: « من كَرَامَتي عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنّي وُلِدْتُ مَخْتوناً ولَمَ يَرَ أحَدٌ سَوْأتِي » "(15).: وَالنَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ وُلِدَ هكَذَا مختوناً : „خَتَنَهُ الْقَمَرُ”، وَهَذَا مِنْ خُرَافَاتِهِمْ.
2.] الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ خُتِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ شَقَّ قَلْبَهُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ظِئْرِهِ حَلِيمَةَ . فـعن أبي بكرة أن ﴿ جبرئيل ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه ﴾(16).
وهناك قول يشوبه شبه حول هذه المسألة سنتعرض له في الجزء المتعلق بشبهات حول السيرة.
3.] الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ جَدَّهُ عبدالمطلب خَتَنَهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا .
قال الذهبي؛ في موسوعته سير أعلام النبلاء:" عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ عَبْدَالْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ الْمَكِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ الْعَدَنِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ قَالَ : وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ ، وَقَالَ : لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ. تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ ، عَنْ يُونُسَ ، لَكِنْ أَدْخَلَ فِيهِ بَيْنَ يُونُسَ وَالْحَكَمِ : عُثْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الصُّدَائِيَّ. قَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : خَتَنَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَهَّرَ قَلْبَهُ . قُلْتُ (الذهبي): هَذَا مُنْكَرٌ .
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِالْبَرِّ : وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ غَرِيبٌ، وذكر الحديث السابق؛ قَالَ يحيى بن أيوب: طَلَبْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ لَقِيتُهُ إِلَّا عِنْدَ ابن أبي السري، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ صَنَّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنَّفًا فِي أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا، وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ، وَهُوَ كمال الدين بن طلحة، فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كمال الدين بن العديم، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُتِنَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبُ، وَكَانَ عُمُومُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِيًا عَنْ نَقْلٍ مُعَيَّنٍ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثم قال الذهبي: إن جده صلى الله عليه وسلم ختنه على عادة العرب. ورواه أبو عمر قال الحافظ أبو الفضل العراقي: وسنده غير صحيح.
وقال د. العمري: „فسرور عبدالمطلب بالمولود الذكر وقيامه نحو اليتيم بالواجب من ختان ووليمة على عادة قومه لا يحتاج إلي أدلة وقد وردت في ذلك روايات واهية”.
**
وفي: "كفاية الطالب(17) اللبيب في خصائص الحبيب"؛ للسيوطي" ذكر أخبار؛ منها :
1.] :" وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ﴿: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا ﴾؛ قَالَ : فَأَعْجَبَ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ ، وَقَالَ : „ لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ ” (18).
2.] عن ابن عباس قال ﴿ ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا ﴾(19).
3.] عن ابي هريرة ﴿ ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا ﴾(20)
4.] عن ابن عمر قال ﴿ ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا ﴾(21)
5.] قال ابن الكلبي بلغنا عن كعب الاحبار انه قال ﴿ نجد في بعض كتبنا ان آدم خلق مختونا واثني عشر نبيا من بعده من ولده خلقوا مختتنين؛ آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وشيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود وصالح صلى الله عليهم أجمعين ﴾(22)
نال شرف إعداد هذا الملف ؛ بعد توفيق مِن مَن آمره بين الكاف و النون :
العبد الفقير إلى رضا وعفو ربه
ابن الرمادي؛ محمد؛
المدينة المنورة ؛ ربيع أول ١٤٣٣ هـ ،
المراجعة الأولى 16 صفر 1434هـ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
الإثنين : ٢٦ شعبان ١٤٣٨ الموافق ٢٣ مايو ٢٠١٧.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخريج الأحاديث والتعليقات :
(1) يكاد يكون أغلب مَن كتب السيرة والشمائل والخصائص والتاريخ يذكر أحداث ليلة المولد وما حدث إثناء الوضع وبعده من أمور عجيبة تصل بعضها إلى الخوارق؛ فنقرأ في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير:„ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قَدْ ذَكَرْنَا –الكلام للحافظ ابن كثير- فِي بَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خُرُورِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْنَامِ لَيْلَتَئِذٍ لِوُجُوهِهَا وَسُقُوطِهَا عَنْ أَمَاكِنِهَا، وَمَا رَآهُ النَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ، وَظُهُورِ النُّورِ مَعَهُ حَتَّى أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ حِينَ وُلِدَ، وَمَا كَانَ مِنْ سُقُوطِهِ جَاثِيًا رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَانْفِلَاقِ تِلْكَ الْبُرْمَةِ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَمَا شُوهِدَ مِنَ النُّورِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَدُنُوِّ النُّجُومِ مِنْهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ..”. [انظر: الإمام عماد الدين؛ ابو الفدَاء؛ الحافظ اسماعيل ابن كثير؛ قرشي النسب؛ دمشقي الدار (ت: 774هـ) البداية والنهاية؛ مكتبة المعارف؛ بيروت؛ الجزء الثاني؛ صفحة: 266؛ الطبعة السادسة: 1405هـ~1985م] .
(2) ذكره ابن جماعة في المختصر؛ رواه الإمام أحمد والبزار والحاكم وابن حبان وصححاه. وروى ابن حبان عن حليمة . وخرجه ابن سعد صاحب الطبقات رقم الحديث: 362؛ حديث مرفوع عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنَا عَنُ نَفْسِكَ ، قَالَ : " نَعَمْ .. وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ وَضَعَتْنِي خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ.. ".
(3) حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر السعدي البكري الهوازني: من أمهات النبي صلى الله عليه وسلم في الرضاع. كانت زوجة الحارث بن عبدالعزى السعدي من بادى الحديبية وكان المرضعات يقدمن إلى مكة من البادية لإرضاع الأطفال ويفضلن من يكون أبوه حيا لبره إلا أن محمدا كان يتيما، مات أبوه عبدالله، فتسلمته حليمة من أمه " آمنة " ونشأ في بادية بني سعد في الحديبية وأطرافها، ثم في المدينة، وعادت به إلى أمه. وماتت آمنة وعمره ست سنين فكفله جده عبد المطلب. وقدمت حليمة على مكة بعد أن تزوج رسول الله بخديجة، وشكت إليه الجدب، فكلم خديجة بشأنها فأعطتها أربعين شاة. وقدمت مع زوجها بعد النبوة فأسلما. وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وهو على الجعرانة، فقام إليها وبسط لها رداءة فجلست عليه. ولها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها عبدالله بن جعفر. توفيت بعد سنة 8 ه‍. [انظر : الأعلام: ج: 2 ؛ ص: 271]. قلت(الرمادي) سأقوم بإذنه تبارك وتعالى في شرح حمفصل لها إذ هي رضي الله تعالى عنها تعتبر من الشخصيات المحورية في حياة محمد الرضيع؛ ومحمد الطفل.
(4.) انظر:سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد؛ محمد بن يوسف الصالحي الشامي؛ ج1؛ ص: 342.
(5) ذكره صاحب : إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» كِتَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ » بَابٌ مَا جَاءَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ وَمَوْلِدِهِ ... ". .". والخبر خرجه البيهقي حديث رقم ٣٣:" عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، ... قَالَ : آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يَمْلأُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ...". كما ورد عند البيهقي برقم ٤٨. حديث مرفوع؛ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ".
قلت(الرمادي):" وذكرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ في الطبقات عدة أخبار تفيد نفس المعنى؛ نذكر منها :"
1.) : الحديث رقم: 200؛ حديث مرفوع؛ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: " أَنَّ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : لَمَّا وَلَدَتْهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ ".
2.) حديث رقم ٢٠٤ :"حديث مرفوع عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَأَتْ أُمِّي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ " . ورواه أحمد [انظر الصالحي؛ ج:1؛ ص: 342].
3.) وَ رقم الحديث: 199؛ حديث مرفوع:" عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ: أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، قَالَتْ : " لَقَدْ عَلِقْتُ بِهِ تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدْتُ لَهُ مَشَقَّةً حَتَّى وَضَعْتُهُ ، فَلَمَّا فَصَلَ مِنِّي خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ،..]
4.) وجاء في الطبقات باب"ذكر مولد رسول الله"؛ حديثا مرفوعاً رقم 200 :" عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، " أَنَّ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : لَمَّا وَلَدَتْهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ فَوَلَدَتْهُ نَظِيفًا وَلَدْتُهُ كَمَا يُولَدُ السَّخْلُ مَا بِهِ قَذَرٌ وَوَقَعَ إِلَى الأَرْضِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الأَرْضِ بِيَدِهِ". وأيضاً في الطبقات خبر رقم 201؛ حديث مرفوع عَنِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ فِي مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَالَتْ أُمُّهُ : رَأَيْتُ كَأَنَّ شِهَابًا خَرَجَ مِنِّي أَضَاءَتْ لَهُ الأَرْضُ".
5.) حديث مرفوع رقم ٢٠٣؛ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَأَتْ أُمِّي حِينَ وَضَعَتْنِي سَطَعَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى " . [ابن سعد في الطبقات 1 / 1 / 96.].

قلت(الرمادي) : وفق المصادر التي نعتمد عليها؛ والأخبار الواردة فيها تقسم مسألة النور إلى ثلاث حالات؛ الأولى منها: حين الحمل؛ والثانية : إثناء الحمل؛ والثالثة: حين الوضع... ولعل هناك حالة رابعة لا تحدد أوقت بدء الحمل أم عند الوضع ولحظة الولادة.. بيد أن صاحب كتاب دلائل النبوة لقوام السنة؛ إسماعيل بن محمد الأصبهاني ( تاريخ الوفاة " 535") بوب بابا أعتبر مِنْ عَلامَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِهِ .فكأنه اعتبرها من الحالة الثانية . وهناك حالة ملفتة للإنتباه؛ وإعمال النظر؛ وهو ما جاء عند ابن عساكر بقولها :" „شَيْءٌ”. ونعتبرها حالة خاصة..
أما أحاديث الحالة الأولى؛ فمصادرها :
1.] ذكر الطبري في تاريخه بخصوص النور حين الحمل حديثاً مرفوعاً (٣٧٩) عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكَلاعِيِّ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، ... ثم قال: وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ .. " والحديث له بقية ساعتمدها في موضعها من سلسلة البحوث. وايضا :"
2.] وتجده عند ". البيهقي." دلائل النبوة؛ الْمَدْخَلُ إِلَى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ وَمَعْرِفَةِ ... » جِمَاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ ... » بَابُ : ذِكْرِ مَوْلِدِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ ...) :" رقم الحديث: 35؛ (حديث مرفوع) عن ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ؛ هنا جاءت لفظ تعطي معنى زائداً :" كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ " ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . .
3. ] وذكره ابن عساكر في تاريخه :" عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ ؟ قَالَ : " .. وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.. " . أَسْنَدَهُ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدٍ.
الحالة الثانية يخبر عنها الطبري في تاريخه :" رقم الحديث: 378؛ حديث مرفوع، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، جَاءَ فيه : ... ثُمَّ إِنَّ أُمِّي رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا نُورٌ، قَالَتْ : فَجَعَلْتُ أُتْبِعُ بَصَرِيَ النُّورَ، وَالنُّورُ يَسْبِقُ بَصَرِي حَتَّى أَضَاءَتْ لِي مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا "؛... هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ لِضَعْفِ عُمَرَ بْنِ صُبْحٍ، وَالرَّاوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى الْكُوفِيِّ.
الحالة التي لم تحدد وقت انبعاث النور؛ بمعنى عند بدء الحمل؛ أم إثناء الحمل؛ أم عند الوضع وإثناء الولادة؛ فقد جاء عند أبي داود الطيلاسي في مسنده من أَحَادِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ؛ رقم الحديث: 1224؛ حديث مرفوع عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ ؟ قَالَ : " ... وَرَأَتِ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ " .
أما الحالة الخاصة الملفتة للإنتباه فهي ما جاء عند ابن عساكر في تاريخ دمشق بلفظ :„ شئ ”؛ رقم الحديث: 329؛ حديث مرفوع عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكُمْ ؟ قَالَ : " ... وَرَأَتْ أُمِّي „كَـــأَنَّمَا” خَرَجَ مِنْهَا „شَيْءٌ” أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ " . ". وذكره شارح أصول اعتقاد الالكائي؛ ولم يعلق عليه.
(6) قال الصالحي :"أراد بها هنا بلد بالشام من أعمال دمشق. قال في المسكة الفائحة: وفي تخصيص بصرى لطيفة، وهي أنها أول موضع من بلاد الشام دخلها ذلك النور المحمدي، وكذلك هي أول ما افتتح من بلاد الشام. وبصرى أيضا من قرى بغداد. )الصالحي يعلق على خبر ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي بالقول :" وإنما أضاءت قصور بصرى بالنور الذي خرج منه إشارة إلى ما خص الشام من نبوته صلى الله عليه وسلم فإنها دار مجده وملكه كما ذكره كعب أن في الكتب السابقة: محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام. وقد وردت أحاديث في فضل الشام، ذكر بعضها الحافظ المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب ". وقال بعضهم: أضاءت قصور بصرى إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم. ينور البصائر ويحيي القلوب الميتة. وفي خروج هذا النور معه صلى الله عليه وسلم حين وضعته إشارة إلى ما يجئ به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك منها. كما قال الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم). قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: وقد كان هذا النور الذي ظهر وقت ولادته صلى الله عليه وسلم قد اشتهر في قريش وكثر ذكره فيهم، وإلى ذلك أشار عمه العباس رضي الله تعالى عنه عن مولده صلى الله عليه وسلم: في أبياته السابقة حيث قال في حقه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا:
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ ** وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فِي الضِّيَاءِ ** وسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ". ""
ويرحم الله تعالى القائل :"
لما استهل المصطفى طالعا * * أضاء الفضا من نوره الساطع
وعطر الكون شذى عطره الطــــ * * ــــيب من دان ومن شاسع
ونادت الأكوان من فرحة * * يا مرحبا بالقمر الطالع "[الصالحي: ج1/ ص: 343].. .
". [الصالحي ؛ ج:1؛ ص: 342] حديث .
قلت(الرمادي).:" سألتُ نفسي بصوت خفيض يشوبه الخجل ويملؤه الألم والحسرة؛ فما حال „بر الشام” اليوم نهاية شعبان 1438~مايو 2017!!؟.
(7) وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني عند الله لخاتم النبيين " ( أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1 / 9، والطبري في التفسير 28 / 57، والبغوي في التفسير 1 / 111.) الحديث.. وفيه „ رؤيا أمي التي رأت”؛ و „ كذلك أمهات النبيين يرين”، وإن „ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام”. قلت(الرمادي) : والحديث سبق تخريجه.
(8) انظر إجابة المنجد بتاريخ 30. أكتوبر 2002..
(9) انظر: سيرة ابن هشام: 1 /166؛ وتفسير الطبري : 1 /566)، وقال الحاكم في مستدركه: 2 /600 :" صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والسلسلة الصحيحة: 1545..
(10) انظر: الألباني؛ صحيح الجامع: 224..
(11) انظر عند أحمد : حديث رقم : 16700..
(12) أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ وعِنْد أَحْمَد نَحْوه.
(13) راجع موقع أستروعرب نيوز بحث :" أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ؛ الجزء الأول"؛ هامش رقم (7).
(14) انظر ابن قيم الجوزية في الهدي؛ والحسين في تاريخ الخميس: ح:1؛ ص : 4؛ وانظر أيضاً عند الشفا بتعريف حقوق المصطفى.
(15) أخرجه الطبراني في الصغير: ج:2؛ ص:59 وفي الأوسط؛ وَفِيهِ سُفْيَانُ بْنُ الْفَزَارِيِّ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِهِ؛ وعند ابن عساكر: ج:3؛ ص:412؛ وأبو نعيم في دلائل النبوة؛ وساقه الخطيب:ج: 1؛ ص: 329 من طرق. واورده الحافظ ابن كثير في البداية: ج2؛ ص: 265؛ والسيوطي في الخصائص: ج:1؛ ص: 132؛ والهيثمي في الزوائد: ج:1؛ ص: 224؛ والذهبي في الميزان: ج2؛ ص: 172؛ والحافظ في اللسان: ج6؛ ص: 175 قال في الزهر: سنده جيد. انتهى. ولوجود متابعة الحسن بن عرفه لـ سُفْيَانُ بْنُ الْفَزَارِيِّ عند أبي نعيم وابن عساكر صححه الحافظ ضياء الدين المقدسي في المختارة. وحسنه المغلطائي كما ذكر الزرقاني في شرحه على المواهب: ج5؛ ص: 244. بيد أن ابن كثير في البداية قال :„ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ”.. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: „ مِنْ كَرَامَتِي عَلَى اللَّهِ أَنِّي وُلِدْتُ مَخْتُونًا ، وَلَمْ يَرَ سَوْءَتِي أَحَدٌ”.(رواه ابن سعد: ج:1؛ ص: 130، وابن عدي: ج: 2؛ ص: 576) ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ هُشَيْمٍ بِهِ ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ الْبَاغَنْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَيُّوبَ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي مُوسَى الْمَقْدِسِيُّ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا مَخْتُونًا . [انظر : ابن كثير في بدايته].
وزعم البعض أنه متواتر؛ قال الحاكم في المستدرك :" تواترت الأحاديث أنه ولد مختونا"؛ وتعقبه الذهبي فقال:"ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواتراً". راجع ما قاله ابن كثير في الفقرة أعلاه. [انظر هامش العلل المتناهية في الأحدايث الواهية؛ عند ابن الجوزي ج:1؛ ص: 166]. وقد جزم - بأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا - جماعة من العلماء منهم هشام بن محمد بن السائب في كتاب الجامع. وابن حبيب في المحبر. وابن دريد في الوشاح، وابن الجوزي في العلل والتلقيح. ". وجاء على على هامش العلل لابن الجوزي:"من المعلوم أن الحافظ ابن القيم قال في الهدي : ج: 1؛ ص: 18:"أن ابا الفرج ذكره في الموضوعات وهذا لا يصح". وجاء في متن العلل:" وقال المؤلف :"ولا شك أنه ولد محتوناً غير أن هذه الحديث لا يصح به ". انتهى.
بيد أن:" أكرم العمري قال: “والأحاديث في ذلك كلها معلولة بعلل قادحة لا تنتهي مجتمعة للاحتجاج بها لأن معظمها لا يخلو من وضاع أو متهم فحديث العباس عندا بن سعد فيه يونس بن عطاء وهو يروى الموضوعات، وحديث ابن عباس عند ابن عدى في إسناده جعفر بن عبدالواحد وهو متهم بالوضع، وحديث أنس عند الطبراني وفي إسناده سفيان بن محمد وهو واهن، وحديث أبى هريرة عند ابن عساكر وفي إسناده محمد بن كثير وإسماعيل بن مسلم”. [ويعلق هنا الحلبي بالقول :" فقد جاءت أحاديث كثيرة في ذلك. قال الحافظ ابن كثير: فمن الحافظ من صححها، ومنهم من ضعفها، ومنهم من رآها من الحسان: أي وقد يدعى أنه لا مخالفة بين هذه الأقوال الثلاثة، لأنه يجوز أن يكون من قال صحيحة أراد صحيحة لغيرها، والصحيحة لغيرها قد تكون حسنة لغيرها، ومن قال ضعيفة أراد في حد ذاتها.". ]
والظاهر أنها مسألة خلافية؛ أوردتُ الأقوال فيها لأمانة النقل والبحث.
(16) أخرجه الطبراني في الأوسط؛ وَفِيهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ وَلَمْ أَعْرِفْهُمَا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ" : هذا ما جاء في مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد:" علامات النبوة، وأيضاً أبو نعيم؛ وابن عساكر.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ »: خَتَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَهَّرَ قَلْبَهُ.« قُال محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي : هَذَا خبر مُنْكَرٌ. [انظر: سير أعلام النبلاء؛ لـ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. ثم علق ابن كثير على الخبر السابق بقوله : ״ وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ الْبَصَرِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ مُحَارِبِ بْنِ سَلْمِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ : أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ . وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. ورواه الخطيب عن أبي بكرة موقوفا. ولا يصح سنده.
(17) انظر : عند الصالحي؛ والحلبي ص: 45؛ وابن جماعة في المختصر. وبوب السيوطي في كتابه ﴿كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب ﴾ :" باب الآية في ولادته صلى الله عليه وسلم مختونا مقطوع السرة.
(18) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ؛ فَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ لِمَا وَرَدَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ . قال ابن سعد:" حدثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبدالمطلب"؛ وأخرجه البيهقي وأبو نعيم وابن عساكر . وأورده ابن كثير في البداية قال :" وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَدَّهُ عَبْدَالْمُطَّلِبِ خَتَنَهُ، وَعَمِلَ لَهُ دَعْوَةً جَمَعَ قُرَيْشًا عَلَيْهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[انظر: البداية والنهاية] .
وجاء في سير أعلام النبلاء؛ الذهبي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ عَبْدَالْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. قال صاحب البداية والنهاية؛ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي" وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ الْمَكِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ الْعَدَنِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ »:وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا ״، قَالَ :״ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عَبْدَالْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ ، وَقَالَ : لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ. فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ « . [انظر: ابن كثير في البداية] ثم قال :" وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْمَالِكِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ قَالَ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَالْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ ، وَقَالَ : لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ لِمَا وَرَدَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ . وَمَعْنًى مَخْتُونًا أَيْ : مَقْطُوعَ الْخِتَانِ ، وَمَسْرُورًا أَيْ : مَقْطُوعَ السُّرَّةِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ . [ راجع: البداية والنهاية؛ ابن كثير دار عالم الكتب؛ 1424هـ / 2003م .].
(19) وأخرجه ابن عدي وابن عساكر من طريق عطاء..
(20) واخرجه ابن عساكر..
(21) وايضاً : أخرجه ابن عساكر..
(22) انظر : الوشاح لابن دريد..

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

وَصْفُ وِلَادَتِهِ

تمهيد :
رُويَ عنه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« لَا تُطْرُونِي... إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ؛ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » ، وَلَمَّا صُفُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ :« لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». وَقَالَ أَنَسٌ :" لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ ». وَلَمَّا سَجَدَ لَهُ مُعَاذٌ نَهَاهُ وَقَالَ :« إنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ ». وَلَمَّا أُتِيَ عَلِيٌّ كرم الله وجهه بِالزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِمْ بِالنَّارِ (1).
أقول : ومع هذه التنبيهات الواضحة الدلالة؛ إلا أن البعض وقع في المحذور فوضعت أقوال أخرجت النبي صلى الله عليه وسلم عن النطاق الطبيعي للبشر؛ ولسائر الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نورا ظاهرا تراه الأعين في جبين عبدالله قبل أن تحمل به آمنة، فلما حملت به انتقل ذلك النور إليها (2)،
فلما ولدته آمنة بنت وهب؛ وصار نبياً وُضعَ حديث "الإبرة" التي سقطت من عائشة؛ أقصد حديث مسعدة بن بكر الفرغاني، عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: استعرت إبرة من حفصة بنت رواحة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت عني الإبرة، فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة بشعاع نور وجهه، فضحكت .. (3).
أضف ما قالوه عن ليلة مولده: مِن تصدع إيوان كِسرى، وانطفأت نار المجوس، وغارت بحيرة ساوة، ودنت النجوم حتى أوشكت أن تقع على الأرض.. فبحثتُ عن صحتها فلم أجد ما يؤيد ذلك عند المحققين من أهل الحديث، وعرضتُ رجال هذه الآثار على أهل الجرح والتعديل فوجدتهم بين ضعيف وكذاب(4).
**
بيان ذِكْرُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تاريخه ومكانه:
يختلف المؤرخون حول اليوم الذي ولد فيه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بل والعَام الذي ولد فيه كذلك، ولعل السر في هذا الخلاف أنه حينما ولد لم يكن أحد يتوقع له النبوة أو الرسالة، ومن أجل ذلك لم تتسلط عليه الأضواء منذ فجر حياته. فلما أذنَ اللهُ -تعالى ذكره وجلَّ قدره- أن يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بعد أربعين سنة من ميلاده، أخذ الناس يسترجعون الذكريات التي علقت بأذهانهم حوله، ويتساءلون عن كل شاردة وواردة من تاريخه، وساعدهم على ذلك ما كان يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عن الأحداث التي مرت به أو مر هو بها منذ نشأته الأولى وكذلك ما كان يرويه أصحابه والمتصلون به عن هذه الأحداث.
وبدأ المسلمون -حينئذٍ- يستوعبون كل ما يسمعون من تاريخ نبيهم صلى الله عليه وسلم لينقلوه إلى الناس على توالي العصور وكر الدهور، ولكن مهما اختلفت الروايات في وقت ميلاده، فيكاد يجمع المؤرخون على أن الميلاد كان في النصف الأول من شهر ربيع الأول وفي عام الفيل، ويرجح أن ذلك كان في صبيحة الاثنين الموافق 9 من ربيع الأول قبل الهجرة النبوية بثلاثةٍ وخمسين عامًا، وهو يوافق اليوم المكمل للعشرين من شهر أغسطس سنة 570 بعد ميلاد السيد الجليل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. (5) .
بعد فترةٍ قصيرة من هلاك أبرهة عام الفيل، ذاعت في أم القرى بشرى المولد. فحدد قوم هذه الفترة بخمسين يوما بعد الفيل. قال ابن كثير: وهو أشهر. وصححه المسعودي، والسهيلي قال " وهو الاكثر والاشهر:" على ما نقل السهيلي في روضه (6) . واكتفى آخرون بأن المولد كان في عام الفيل(7).
*
﴿ ١ .﴾ „ بيان عام المولد ‟:
قال ابن دحية: وكان مولده عام الفيل(8)، فقد قَالَ قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَقُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ . وابن كثير في البداية يعلق بالقول :" وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ.".
وتأتي هنا الفائدة الأولى:
أن كل الروايات المخالفة لهذا التاريخ معلولة الأسانيد، وهي تفيد أن مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بعد الفيل بعشر سنين أو ثلاثة وعشرين سنة أو أربعين سنة(9).
أما الفائدة الثانية :
حاول بعض الشعوبيين ان يضع حديثاً على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف كسرى انوشيروان بالعدالة فاشتهر على الألسنة أنه قال: “ولدتُ في زمن الملك العادل” (10) .
**
﴿ ٢ .﴾ „ بيان شهر(11) المولد ‟:
[٢ . ١.]: القول الأول : " مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ " . وذكر البيهقي في الدلائل حديثا مرفوعاً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ " وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، عَامَ الْفِيلِ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ" . قال السهيلي: "وهو المعروف". ونقل بعضهم فيه الإجماع.
يقول لنا لسان الحال منه * * وقول الحق يعذب للسميع
فوجهي والزمان وشهر وضعي * * ربيع في ربيع في ربيع (12).
وَ أما:
[٢ . ١.]: الْقَوْلُ الثَّانِي:
فَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْم عَاشُورَاء فِي الْمُحَرَّمِ، وَوُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ غَزْوَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ. وعليه أَنَّهُ وُلِدَ فِي رَمَضَانَ؛ وهذا ما نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ فَيَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ(13).
***
﴿ ٣ .﴾ „ بيان يوم المولد ‟:
الصواب: وُلِدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ(14) ولا شك في ذلك: لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟ فَقَالَ :« ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ .«
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. وقد تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُفَيْرٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ.
وَرَوَى عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَهَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَ
أَبْعَدَ بَلْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ : وُلِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. نَقَلُهُ الْحَافِظُ ابْنُ دِحْيَةَ فِيمَا قَرَأَهُ فِي كِتَابِ إِعْلَامِ الْوَرَى بِأَعْلَامِ الْهُدَى لِبَعْضِ الشِّيعَةِ ، ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي تَضْعِيفِهِ وَهُوَ جَدِيرٌ بِالتَّضْعِيفِ؛ إِذْ هُوَ خِلَافُ النَّصِّ ، ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقِيلَ :
[٣ . ١.]: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ ، وَقِيلَ :
[٣ . ٢.]: لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ . حَكَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ عَنْ أَصْحَابِ التَّارِيخِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ ، وَقَطَعَ بِهِ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْخُوَارِزْمِيُّ ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ :"التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ" . وَقِيلَ :
[٣ . ٣.]: لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ، وَرَوَاهُ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَرَّ ، وَقِيلَ :
[٣ . ٤.]: لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَفَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَفِيهِ بُعِثُ ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَفِيهِ هَاجَرَ ، وَفِيهِ مَاتَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ :
[٣ . ٥.]: لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ ، وَقِيلَ :
[٣ . ٦.]: لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ . نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ مِنْ خَطِّ الْوَزِيرِ أَبِي رَافِعٍ ابْنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ الْأَوَّلُ؛ أَنَّهُ لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْهُ. كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحُمَيْدِيُّ وَهُوَ أَثْبَتُ." (15) .
ومجمل القول أنه اختلف المؤرخون وأصحاب السير في ميلاد نبينا صلى الله عليه وسلم، والذي لا شك فيه أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول عام الفيل سنة 571 من ميلاد عيسى عليه السلام. وأكثر أهل السير على أنه ولد يوم الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، بعد الحادثة بخمسين يوما. والراجح يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول،
وفي مثل هذا اليوم الاثنين 12 ربيع الأول من عام 11 هجرية الموافق 20 نيسان(16) سنة 632 ميلادية توفي المصطفى صلوات الله عليه وسلامه، وهذا على أرجح وأشهر الروايات التاريخية وكتب السيرة النبوية. وهناك حساب آخر :" بالتاريخين القمري والشمسي، وتفصيل ذلك من كتاب الرحيق المختوم لصفي الدين المباركفوري حيث قال ما نصه: " ولد سيد المرسلين بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشيروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م" انتهى. واقول :" والله أعلم ".
فائدة :
قلت(الرمادي):" لا أعلمُ شيئا يفيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن تاريخ مولده، ولا أنه ذَكر في حديث صحيح أو ضعيف أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول، وأنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم الإثنين ".
****
﴿ ٤ .﴾ „ بيان ساعة المولد ‟:
وقع الاختلاف في وقت ولادته : أي هل كان ليلاً أو نهاراً؛ وعلى الثاني؛ في أي وقت من ذلك النهار، (17) . وروى الزبير بن بكار والحافظ ابن عساكر (ج: 3؛ ص: 68) عن معروف بن خَرَّبُوذَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قالوا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر. ويدل له قول جده عبدالمطلب: ولد لي الليلة مع الصبح مولود. أي وسطه.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به. وروىٰ الأربعة عن سعيد بن المسيب قال: «ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار»، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعة فتح الهدى أرفادها * * لطفا وقد منح الجزا إسعادها
لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي * * فاق الشهور جلالة إذ سادها
حيث النبوة أشرقت بماثر * * كالشهب لا يحصى الورى تعدادها
حيث الأمانة والرسالة قد بدت * * يعلي لمكة غورها ونجادها
*****
﴿ ٥ .﴾ „:بيان مكان المولد‟ :
اختلف في مكان مولده؛ هل ولدَ بمكةَ أو غيرها! ؟ .
والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول فلا خلاف في كون مولده بمكة المكرّمة، وهذا ما صرح به الصالحي في سبل الهدى والرشاد. وابن جماعة في المختصر قال: "هو المشهور". وعليه فاختلف في مكانه من مكة ؛ أي الدار التي ولد فيها :" وُلِدَ بِمَكَّةَ بِالدَّار الْمَعْرُوفَة بدار مُحَمَّد بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ" رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ مُكْرَمٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ ابْن شَرِيكٍ.
وجاءت في الدار أقوال:
[٥ . ١.]: أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شِعب مشهور بشعب بني هاشم. وكانت بيد عقيل.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالدَّارِ الَّتِي تُعْرَفُ بِدَارِ ابْنِ يُوسُفَ . قِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَهَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَبَاعَهَا وَلَدُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ ، فَبَنَى دَارَهُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا دَارُ ابْنِ يُوسُفَ ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ الْبَيْتَ فِي الدَّارِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْخَيْزُرَانَ، وَهِيَ أَمُّ هَارُونَ الرَّشِيدِ، لَمَّا حَجَّتْ أَمَرَتْ فـ أَخْرَجَتْهُ فَجَعَلَتْهُ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ.
وقيل إن عقيلاً باعها بعد الهجرة تبعا لقريش حين باعوا دور المهاجرين.
[٥ . ٢ .]: الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شعب بني هاشم. حكاه الزبير.
[٥ . ٣ .]: الثالث: أنه ولد صلى الله عليه وسلم بالردم.
[٥ . ٤ .]: الرابع: بعسفان (18) .
وللدقة في التعبير اقول أن : أكثر أهل السِيَّر على أنه صلوات الله وسلامه عليه وُلِدَ يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعد حادثة الفيل بخمسين يوماً،
قال ابن عبدالبَرِّ: "وُلِدَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدومِ الفِيلِ بشهر، وقيل بِأَرْبَعِين يَوْماً، وقيل بِخَمْسِين يوماً".
******
﴿ ٦ .﴾ „:بيان وصف ولادته‟ :
روى ابن سعد (1/101)، وأبو نعيم (1/172) عن حسان بن عطية أن „ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع على كفيه وركبتيه، شــاخصًا ببصره إلى السـماء ”. وزاد السهيلي في الروض الأنف (1/105): „ مقبوضة أصابع يده، مشيرًا بالسبابة كالمسبح بها ” (19) .

استأذن القارئـ(ـة) الكريمـ(ـة) بإكمال البحث في الجزء الثاني من „:بيان احداث ليلة الولادة‟ ...
والموقع„أستروعرب نيوز” والكاتب يحثا القارئـ(ـة) على التواصل من خلال قنوات الإتصال المتاحة؛ والعزم متوفر لعقد جلسات بحوث خلال الإسبوع الأخير من نوفمبر والإسبوع الأول من ديسمبر 2017م :
:" Maulid an-Nabī /14392017. beginnt am Abend vom:
Donnerstag, 30. November
und endet am Abend vom:
Freitag, 1. Dezember
Datumsangaben können abweichen.
.
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ وَجل قَدْره - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
الأربعاء : ٢١ شعبان ١٤٣٨ الموافق ١٧ مايو ٢٠١٧
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثبتٌ بتخريج الأحاديث والمصادر والتعليقات:
(1) راجع فتاوى ابن تيمية.
(2) انظر: بحث :" علاقة الظواهر الكونية بولادة الأنبياء وموتهم"؛ د محمد أبو رحيّم.
(3) رواه الأصبهاني في دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وأحمد بن عبدالواحد البخاري في جزء من حديثه. وإسناد الحديث لا يصح. وهناك حديث آخر في هذا المعنى؛ قال الحافظ ابن كثير في التكميل في الجرح والتعديل: حديث منكر جدًّا، وأحد رواته هو عمرو بن محمد بن جعفر غير معروف، فإسناد النكارة إليه أولى من إسنادها إلى أبي عبيدة. وكذا قال في البداية والنهاية، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة 4144، وقال: كذب موضوع.
وأنبه السادة القراء بأن الأحاديث الموضوعة والواهية لا يجوز الاستشهاد بها؛ ويجب الحذر من نشرها، وبيان أنها لا تصح؛ ومنتشر على صفحات التواصل الإجتماعي ما ينسب إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما لما قالت: "كنت في حجرتي؛ أخيط ثوباً لي؛ فانكفأ المصباح؛ وأظلمت الحجرة؛ وسقط المخيط- أي الإبرة-... فبينما كنت في حيرتي أتحسس مخيطي؛ إذ أطل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه من باب الحجرة.. رفع الشملة وأطل بوجهه "... قالت: "فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد أضاءت أرجاء الحجرة من نور وجهه.. حتى لقد التقطت المخيط من نور طلعته"؛ ثم التفتُ إليه فقلت : "بأبي أنت يا رسول الله.. ما أضوأ وجهك! "؛ فقال : "يا عائشةُ! الويل لمن لا يراني يوم القيامة"؛ قالت : "ومن ذا الذي لا يراك يوم القيامة يا رسول الله؟"؛ قال: "الويل لمن لا يراني يوم القيامة"؛ قالت: " ومن ذا الذي لا يراك يوم القيامة يا رسول الله؟"؛ قال: "من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ: ". وادعى مَن ينشر هذا القول أن الترمذي روى هذا الحديث، وايضاً أحمد بن حنبل. ثم اضاف الناشر -هداه الله تعالى- " اللهم صل على نور الأنوار وسر الأسرار.. ترياق الأغيار.. ومفتاح باب اليسار.. سيدنا محمد المختار.. وآله الأطهار.. عدد نِعم الله وأفضاله "
اقول(الرمادي) :والصحيح أنه قد :" خلط ناشر هذا الكلام بين عدة أحاديث جهلاً منه أو تلبيساً على العامة، فالثابت في شأن من ذكر عنده اسمه صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه هو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث « البَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ». وهذا الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وفي حديث آخر « رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة ». رواه الترمذي وصححه الألباني.
وأما قصة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها فلم يروها أحمد ولا الترمذي في كتبهما المعروفة، وإنما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "استعرت من حفصة بنت رواحة إبرةً كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت عني الإبرة فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع نور وجهه فضحكت، فقال" يا حميراء بم ضحكت؟"، قلت: " كان كيت وكيت ". فنادى بأعلى صوته: " يا عائشة الويل ثم الويل"- ثلاثا- لمن حرم النظر إلى هذا الوجه؛ ما من مؤمن ولا كافر إلا ويشتهي أن ينظر إلى وجهي". وهذا حديث منكر باطل، رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر؛ وفي سنده ابن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن، والمتهم به مسعدة بن بكر الفرغاني؛ قال الذهبي :" أتى مسعدة بن بكر الفرغانى عن محمد بن أحمد أبي عون بخبر كذب، يعني به هذا الحديث. ولم يذكر الذهبي نص الخبر انتهى من "ميزان الاعتدال" (4/ 98)، ولم أر في مدونات السنة رواية للفرعاني عن ابن أبي عون إلا في هذه القصة، فلعلها المقصودة للذهبي، وقال الشيخ عثمان الخميس: "لا يصح هذا الحديث"
وأما الصلاة بالقول:" اللهم صل على نور الأنوار وسر الأسرار وترياق الأغيار" فهي صلاة يسمونها صلاة "أحمد البدوي"؛ ويدَّعون أنها أفضل الصلوات، ولا أرى جواز الصلاة بهذه الصيغة لما اشتملت عليها من الغلو والإطراء المنهي عنهما على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما الغلو فقد نهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث: « إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو». رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني.
وأما الإطراء فقد نهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: « لا تُطروني.. فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله». رواه البخاري. ولما فيها من العدول عن الصلاة الإبراهيمية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما في حديث أبي محمد كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: " خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله: " قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك: قال: قولوا « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». [الحديث: متفق عليه] .
(4) مصدر سابق؛ د. محمد ابو رحيم.
(5) القول المبين في سيرة سيد المرسلين: جزء 1؛ ص: 78-79.
مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : يكون في 23 أبريل في مكة ؛ أو 20 أبريل حسب التقويم الميلادي القديم، وهو يوافق تقريباً 12 ربيع الأول 53 ق هـ .
(6) وانظر الزرقاني في المولد: 1 / 130، والنويري في نهاية الارب 6 / 68 ؛ طبعة دار الكتب المصرية.
(7) انظر : "مع المصطفى"؛ عليه الصلاة والسلام؛ الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) استاذة الدراسات القرآنية بكلية الشريعة ودار الحديث، جامعة القرويين - المغرب؛ دار الكتاب العربي بيروت - لبنان؛ الطبعة الاولى 1392 ه‍ 1972 م . ص: 38..
(8) هذا ما قَالَه ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَ الْفِيلِ.
قال ابن كثير: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ : وَهُوَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ، وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ".(حديثٌ : صَحِيحٌ ). [انظر : ابن كثير السيرة النبوية؛ من البداية والنهاية؛ بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ج: 1؛ ص:199-202:" .
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: كَانَ قُدُومُ الْفِيلِ لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَمَوْلِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ لَيْلَةً.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ عَامُ الْفِيلِ قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ سِنِينَ. قَالَهُ ابْنُ أَبْزَى.
وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
وَقِيلَ: بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً. قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَاخْتَارَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْعَجْلَانِيُّ: بَعْدَ الْفِيلِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَهَذَا غَرِيب جدا. وَأغْرب مِنْهُ مَا قَالَه خَليفَة بن خياط: حَدَّثَنى شُعَيْب بن حبَان، عَن عبدالْوَاحِد ابْن أَبِي عَمْرٍو عَنِ الْكَلْبِيِّ (وَهُوَ مُتَّهَمٌ سَاقِطٌ)، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَمُنْكَرٌ وَضَعِيفٌ أَيْضا؛ وكَذِبَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا . قَالَهُ بَعْضُهُمْ : قَالَ : وَقِيلَ بَعْدَهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا . قَالَ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: لَا أُبْعِدُ أَنَّ الْغَلَطَ وَقَعَ مِنْ هُنَا عَلَى مَنْ قَالَ ثَلَاثِينَ عَامًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ يَوْمًا فَقَالَ عَامًا .
قَالَ خَليفَة بن خياط: وَالْمجْمَع عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ.(مختصراً من البداية لـ ابن كثير؛ ج:1؛ ص:203.
ويقول الصالحي :" وبالغ خليفة بن خياط؛ وابن الجزار وابن دحية؛ وابن الجوزي؛ وابن القيم فنقلوا فيه الإجماع. وروى البيهقي والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي في مختصره، وصححه في تاريخه الكبير عن يحيى بن معين، عن حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. قال الحافظ في شرح الدرر: والمحفوظ لفظ العام. وقيل: يطلق اليوم ويراد به مطلق الوقت، كما يقال يوم الفتح، ويوم بدر، فإن كان المراد حقيقة اليوم فيكون أخص من الأول وبذلك صرح ابن حبان في تاريخه فإنه قال: ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. قال: ثم وجدت الحديث عن ابن مسعود عن يحيى بن معين بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل.
وذكر البيهقي في الدلائل حديثا مرفوعاً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : « وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ »، ويكمل صاحب الدلائل: قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ ، إِلا أَنَّهُ قَالَ : « يَوْمَ الْفِيلِ " . ».
والحديث المذكور في متن بحثي جاء عند عز الدين أبو الحسن علي المعروف بـ" ابن الأثير" في موسوعته الكامل في التاريخ؛ ص: 41؛ وتجده أيضا عند الصالحي في موسوعته: سبل الهدى والرشاد. وجاء في :" المستدرك على الصحيحين"؛ باب: معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ حديث رقم:6683 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْإَسْفَاطِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَالْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ [هذه رواية الْحَافِظِ الْبَيْهَقِيُّ] يَقُولُ لِلْقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ [الْكِنَانِيِّ ثُمَّ اللَّيْثِيِّ: الزيادة من عند ابن كثير البداية] يَا قَبَاثُ، أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : بَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، [وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ". الزياد من عند ابن كثير البداية]، وَتَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً».[ وذكره صاحب المعجم الكبير - باب القاف].
ويذكر ابن كثير في البداية :" وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولدت عَامَ الْفِيلِ.". وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَصْغَرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسنتَيْنِ." ويكمل ابن كثير في البداية :" قَالَ يَعْقُوب: وَحدثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، وَكَانَتْ بَعْدَهُ عُكَاظٌ [يَوْمٌ من أَيَّام الْعَرَب] بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، " وَبُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ، وَتَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ. [البداية ابن كثير؛ ج: 1؛ ص: 202 ].
وَالْمَقْصُودُ . [كما جاء في البداية لـ ابن كثير] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
فَقِيلَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ بِخَمْسِينَ يَوْمًا، وَهُوَ أَشْهَرُ.
فائدة:
يستفاد من الحديث السابق التأدب وحسن التكلم عند الحديث عن رسول الله؛ كما يفهم منه البلاغة في حسن الـعبير؛ إذ قال :« رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ » .
وفي سنن الترمذي؛ كتاب المناقب؛ بَاب مَا جَاءَ فِي مِيلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" 3619 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَال سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَقَ يُحَدِّثُ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ ،[زيادة ابن كثير البداية:" كُنَّا لِدَيْنِ]. [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ]
وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ أَخَا بَنِي يَعْمَرَ بْنِ لَيْثٍ" أَأَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ وَرَفَعَتْ بِي أُمِّي عَلَى الْمَوْضِعِ قَالَ وَرَأَيْتُ خَذْقَ الطَّيْرِ "[ خزق : روث] أَخْضَرَ مُحِيلًا.. " [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق بِهِ؛ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ " .
وفي مسند الإمام أحمد - مسند الشاميين"17434 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ فَحَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ فَنَحْنُ لِدَانِ وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا ".
وذكر البيهقي في الدلائل حديثاً مرفوعاً قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه؛ يَعْنِي ابْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ، قَالَ : « وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، كُنَّا لِدَيْنِ ». [جاءت رواية: ابْن هِشَام: " فَنحْن لدان.".] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ عُكَاظَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً [نقلا من عند الحافظ ابن كثير البداية].
وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ الْفُجَّارُ بَعْدَ الْفِيلِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْفُجَّارِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْمَبْعَثُ بَعْدَ بِنَائِهَا بِخَمْسِ سِنِينَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مطعم: كَانَت عكاط بَعْدَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِنَاءُ الْكَعْبَةِ بَعْدَ عُكَاظٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَالْمَبْعَثُ بَعْدَ بِنَائِهَا بِخمْس عشْرين سَنَةً.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَ بَيْنَ مَبْعَثِهِ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْفِيلِ سَبْعُونَ سَنَةً. كَذَا قَالَ . وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ : هَذَا وَهْمٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا . إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ وَبُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْفِيلِ.
والخلاصة : وكونه ولد عام الفيل، كما صح عن ابن عباس، وقيس بن مخرمة عند أحمد 4 / 215، والترمذي 4/ 589، و"سيرة ابن هشام" 1/ 171، و"البداية والنهاية" 2/ 261، و"دلائل النبوة" للبيهقي 1/ 75، و"طبقات ابن سعد" 1/ 101، و"المستدرك" 2/ 603 وبمثل هذا جاء الحديث عن قبات بن أشيم، ومحمد بن جبر، وغيرهم، كما أخرج ذلك عنهم البيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 79.". وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، قَالُوا : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ ، وَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ" آلَ اللَّهِ " وَعَظُمَتْ فِي الْعَرَبِ .
(9) انظر دلائل النبوة للبيهقي : ج: 1؛ ص: 78. وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ : كَانَ بَيْنَ الْفِيلِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ سِنِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ مُنْقَطِعٌ .
(10) قال الحافظ ابن حجر: إنه كذبٌ باطل لا أصلَ له، وقال الحاكم والبيهقي والسخاوي والحليمي: هذا الحديث لا يصح. وراجع :" موسوعة التاريخ الإسلامي؛ امحمد هادي اليوسفي ج 1؛ ص: 162..
(11) جاء في حديث ابن إسحاق: "...الشهر، فهو ربيع الأول. ولم أقف في ذلك على شيء صحيح مسند. ولكن تتابع الناس عليه. ولذلك قال ابن الجوزي في "صفة الصفوة" 1/ 12: اتفقوا على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، عام الفيل. واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال:
أحدها: أنه ولد لليلتين خلتا منه.
الثاني: لثمان خلون فيه.
الثالث: لعشر خلون منه.
الرابع: لاثنتي عشرة خلت منه.). (انظر: القسطلاني؛ المواهب اللدنية ج: 1؛ ص: 195 -197؛ كما في "سيرة ابن هشام": ج: 1؛ص: 171).
وابن جماعة في المختصر :" في شهر ربيعٍ الأول يوم الاثنين قيل لعشرة ٍ خَلَت منه حين طلع الفجرُ وقيل ثانية وقيل ثالثة وقيل ثامنه وقيل ثاني عشره ولم يذكر ابن إسحاق غيره. بيد ابن جماعة يضيف:" وقيل في صَفَر؛ وقيل في الثاني عشر من شهر رمضان؛ وقيل في شهر ربيع الآخر؛ ثم يقول:" والصحيح الأوَّل. وكان قدومُ أصحاب الفيل قبل ذلك في المحرَّم . [ابن جماعةالمختصر].
وتفصيل هذه المسألة :" قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة (خلت) منه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس[وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ: وُلِدَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ . وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ ] . قال في الغرر: وهو الذي عليه العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل أبو عمر عن أصحاب الزيج أنهم صححوه ورجحه ابن دحية. وقال الحافظ: إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه الدمياطي عن جعفر الباقر وصححه [قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ فِي " السِّيرَةِ " مِنْ تَأْلِيفِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ قُدُومُ أَصْحَابِ الْفِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ ] . وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر.
(12). يقول الزرقاني في حاشيته على المواهب :" وأنشد المصنف-قصد -القسطلاني- لغيره بيتين هما: "يقول لنا لسان الحال منه" صلى الله عليه وسلم "وقول الحق يعذب" يحلو "للسميع" إن سألت عن صفاتي وأحوالي، "فوجهي والزمان وشهر وضعي" فالفاء جواب شرط مقدر "ربيع" المراد به وجهه صلى الله عليه وسلم بالربيع في اعتداله وحسنه ورونقه، "في ربيع" أي: زمن الربيع "في ربيع" أي: شهر ربيع المولود فيه صلى الله عليه وسلم". ومن ملح الأخبار وليس من متين العلم أنْ :" قال أهل المعاني كما في السبل: كان مولده في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ويسميه معتدل بين اليبوسة والرطوبة، وشمسه معتدلة في العلو والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض ". (انظر: حاشية الزرقاني على المواهب اللدنية؛ ج:1؛ ص 257 )
(13) انظر: السيرة النبوية؛ من البداية والنهاية؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ تحقيق: مصطفى عبدالواحد؛ بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: :"(ج: 1؛ ص:199).
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ : حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَاشُورَاءِ الْمُحَرِّمِ، وَوُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ غَزْوَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ. وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ .
(14) وُلِدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ؛ كتاب الصيام رقم 197، والإمام أحمد في مسنده 5/ 297، وأبو داود في سننه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ، قَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ.. أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ». [انظر : السيرة النبوية من البداية والنهاية؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ تحقيق: مصطفى عبد الواحد؛ بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ].
فائدة:
ومن السنن النبوية : إنه يُسن صوم يوم الإثنين، فصومه مشروع مرغب فيه، ويدل لذلك جوابه صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن صوم يوم الاثنين؟ قال: « ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي ». وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلل صومه أحياناً بكونه تعرض فيه الأعمال على الله، كما ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعا: « تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ».[رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني].
ويمكنني أن أضيف أيضا :" فهو كان يصومه، لأنه يوم مغفرة للذنوب، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ، فَقِيلَ« يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ، فَقَالَ « إِنَّ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ إِلَّا مُهْتَجِرَيْنِ يَقُولُ دَعْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا ». [سنن ابن ماجه، وصححه الألباني]. وذكر البيهقي في دلائل النبوة حديثاً مرفوعا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : « وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ »[ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَأَخْرَجَهُ الْفَسَوِيُّ فِي تَارِيخِهِ .] .
(15) انظر السيرة النبوية من البداية والنهاية؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ تحقيق: مصطفى عبدالواحد؛ بَابُ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ج: 1؛ ص:199. والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 293، وفي "دلائل النبوة" 1/ 71- 72.
(16) قال السهيلي: "أهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان، وكان لعشرين مضت منه. فأثبت ابن كثير في بدايته قوله :" وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ مَوْلِدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ نِيسَانَ." ويعلق ابن كثير بالقول :" وَهَذَا أَعْدَلُ الزَّمَان وَالْفُصُولِ، وَذَلِكَ لِسَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ لِذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الزِّيجِ. وَزَعَمُوا أَنَّ الطَّالِعَ كَانَ لِعِشْرِينَ دَرَجَةً مِنَ الْجَدْيِ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي وَزُحَلُ مُقْتَرِنَيْنَ فِي ثَلَاثِ دَرَجٍ مِنَ الْعَقْرَبِ وَهِيَ دَرَجَةٌ وَسْطَ السَّمَاءِ. وَكَانَ مُوَافِقًا مِنَ الْبُرُوجِ الْحَمَلَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الْقَمَرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ. نَقَلَهُ كُلَّهُ ابْنُ دِحْيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ". وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: نظرت في أن يكون صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع وأن يكون ذلك في العشرين من نيسان فرأيته بعيدا من الحساب يستحيل أن يكون مولده في نيسان إلا أن يكون مولده في رمضان.
وذكر محمود باشا الفلكي في «التّقويم العربي قبل الإسلام»، ص 36- 39: أنّ ولادة الرّسول صلى الله عليه وسلم كانت في صبيحة يوم اثنين التّاسع من شهر ربيع الأوّل، الموافق لعشرين من (نيسان) عام الفيل سنة إحدى وسبعين وخمس مئة ميلاديّة. (أنصاريّ).
وقال الإمام أبو الحسن الماوردي: وافق شهر ربيع من شهور الروم العشرين من شباط. انتهى.
قال الدمياطي: في برج الحمل. قال في النور: وهذا يحتمل أن يكون في أوائل نيسان وأن يكون في آذار.
(17) انظر: السيرة الحلبية؛ المسمى: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون؛ علي بن برهان الدين الحلبي؛ جزء: 1؛ صفحة: 86.
(18) انظر : أثير الدين الدين الكامل في التاريخ. وعند ابن كثير في البداية : ج:1؛ ص : 200.
(19) قال د. أكرم العمري: "وإسناده ضعيف وقواه بعضهم ولا تشده روايات الواقدي لأنه متروك، كما لا تقويه تلك المراسيل عن التابعين من الطبقة الرابعة وهم حسان بن عطية وإسحاق بن عبدالله ومن بعدهم وهو داؤد بن أبي هند لاحتمال وحدة مصدرهم".

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

ولادةُ خيرِ البريّة وسيدِ البشريّة

الجزء الثالث:

تمهيد:
كأني لا أريد أن ابرح هذه اللحظة التاريخية من عمر الزمان؛ فما زلت أبحث عن إرهاصات ما قبل حمل آمنة بنت وهب بنور الهداية الربانية للعالمين؛ وشمس العناية الإلهية للبشرية، وأكمل التنقيب أيضاً إثناء أشهر الحمل وفترته وزمانه، ثم ما حدث قبيل الولادة وليلة الولادة وإثناء الولادة وما بعدها.. وكأن حالي يخبر أنني لم أعط قط أو بعد القدر الكافي من البحث والمراجعة والتدقيق في أحداث السيرة النبوية؛ خاصة ما قبل الحمل. وهذا لأن الحدث جلل؛ إذ ستتغير ملامح جزيرة العرب؛ بل ستتغير خريطة العالم أجمع وقتذاك وإلى اليوم والغد إلى أن يرث الله - تعالى - الأرض ومَن عليها. ولعل ما نتعايشه ونلاحظه مِن حال أمة المسلمين اليوم وتقهقرها إلى مرتبة ذيل الأمم ومؤخرتهم، وتأخر درجتها في سلم التقييم وهبوطها بين الشعوب يجعلنا نفهم ما يمر به رجال الفكر والقلم من إشكالية طرح النظريات والضعف في ترجمتها لسلوك أو عمل، وحالة الولادة العسيرة المتعسرة لأمة إسلامية جديدة تزيل مِن على كاهنها غبار التخلف وتراب الرجعية لتتصدر الأمم وتتقدم الشعوب جميعاً بحضارة عمادها ما قال الخالق الرازق بفهم صحيح واستنارة ووعي وتطبيقاتها بما قال الرحمة المهداة للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم. إذ لا يعقل أو يفهم أو نتمكن من إدراكه أن أناس تنتمي إلى المسلمين وتُصدر قولها بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال علماء سابقين تقوم بتصرفات وتفعل ما نراه ونشاهده متلفزا لحظة الحدث باسم الإله الرحمن الرحيم!!؟.. فهل هذا هو المخاض العسير لولادة أمة إسلامية حديثة.. وأقول : إذا كان ولابد فليعمل أهل العلم الشرعي وفق كتاب ربهم ومنهج نبيهم؛ وليعمل أهل العلم النظري والتطبيقي وفق معايير العلم الحديث وليهدي الله تعالى قوماً جهلوا طريقة المصطفى وجهلوا سيرة المرتضى ولم يدرسوا المرحلة المكية بتفصيل ولم يطبقوا المرحلة المدنية بوعي وإستنارة.. ليعملا معاً - أهل العلم الشرعي وأهل العلم النظري والتطبيقي- وإن غد الأمة الإسلامية الجديدة لقريب؛ ليعم الأمان المعمورة ويطمئن سكانها لأحكام الإسلام وتشريعاته وقوانينه.
***
الْمَبْحْثُ الْأَوَّلُ : حمل السيدة امنة بالنبي:
تقول لنا كتب السيرة والشمائل : ... في هذه الأيام المعدودة حملت السيدة الشريفة آمنة بنت وهب بقائد هذه الأمة، وسيد ولد آدم - ولافخر - وقد ادخرها القدر لأعظم أمومة في التاريخ، وتوالت عليها الرؤى والبشريات والمبشرات بجلال قدر هذا الجنين، فرأت فيما يرى النائم حين حملت به أنه خرج منها نور أضاء الأرض، وبدت منه قصور بُصرى من أرض الشام، وما كانت هذه الرؤيا ومثيلاتها ليخفى تأويلها على السيدة آمنة، وهي مِن هي ذكاء وفطنة، فقد فهمت أن من حملت به سيملأ الأرض نوراً وضياء، وهدى ورحمة، وسيكون له شأن وذكر(1).
ويحق للبعض أن يتساءل :" هل هناك أي حقيقة على أنه قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ظهر ضوء في السماء ؟.. إذ هي مسألة تندرج تحت مسائل :"العقيدة"؛ والإيمان بالرسل" !!؟. وأُجملُ ما قد توصلتُ إليه في هذه المسألة؛ أقصد رؤيا -أم النبي؛ صلى الله عليه وآله وسلم- آمنة بنت وهب فأقول :" حين حملت به(2) أنه خرج منها :" نور أضاءت له قصور الشام"، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة منها :"
١ .] : ما رواه ابن إسحاق حيث قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحين أخبر النبي الخاتم عن نفسه قال :« ... ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ». (3).
٢.] : ما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: « ... ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام ». (4).
٣.] : ما رواه الإمام الجليل أحمد بن حنبل والبزار والطبراني وابن حِبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك"؛ والبيهقي عن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه جاء فيه :« ... ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام».(5)
و ٤.] : ما رواه الإمام أحمد والدارمي عن عتبة بن عبدالسلمي رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – جاء في آخر الحديث: ... أن أمه - صلى الله عليه وسلم - قالت: « إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام». (6)
و ٥.] : ما رواه أبو نعيم(7) في "دلائل النبوة" عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسترضعًا في بني سعد بن بكر فقالت أمه آمنة لمرضعته: « انظري ابني هذا فسلي عنه فإني رأيت كأنه خرج مني شهاب أضاءت له الأرض كلها حتى رأيت قصور الشام ». (8).
و ٦.] : وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام » (9)
ومما يجب أن يعلم أن دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في هذه الآية - ظهور ضوء في السماء- ، فسواء ثبتت أم لم تثبت فإن نبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالدلائل القطعية التي لا يستطيع منصف أن ينكرها . وإنما أنكرها من أنكرها إما جهلاً أو مكابرة .
*****
[٢.] الْمَبْحْثُ الثَّانِي :" ﴿«... ووقع الاختلاف في مدة حمله »﴾.
نستأنف ما نبحثه؛ إذ أن أفرادا من الأمة الإسلامية؛ وجرَّ معهم طلبة العلم مَازالوا يبحثون مسائل لا تعود على الأمة الإسلامية بكبير أو صغير فائدة، إما جهلاً أو توطئة ومدفوع لهم الثمن مع مَن لا يرد خيرا لهذه الأمة الكريمة؛ أو أن هذه هي بضاعتهم المزجاة ولا يملكون غيرها لضعف عقل أو فساد إدراك أو سوء تربية، ويأتي الإعلام المصري ليزيد الطين بلة؛ فتستضيف آحدى القنوات الفضائية محامياً بالنقض يعرض تأملاته حول آية [٣] سورة النساء :" ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ﴾". ويتحدث فيها عن مسألة تعدد الزوجات؛ في وقتٍ الكل يعلم تماماً الوضع الإجتماعي السئ وفي زمن نعلم تماماً الحالة الإقتصادية المتردية؛ ثم يكون ضغثا على إبالة فتعاد نفس الحلقة بعد إسبوعين (أمس الجمعة 12. مايو 2017) .
أبدءُ بما كتبته عن :" حمل آمنة بنت وهب (10) ". :" الجزء الثاني ". :" الْمَبْحْثُ الْأَوَّلُ " :" اختلفوا في يوم ابتداء الحمل فقيل: في أيام التشريق. وعليه فيكون مولده في رمضان وقيل في عاشوراء وقيل غير ذلك.
قال أبو زكريا يحيى بن عائذ في مولده: بقي صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة(11) أشهر كملاً لا تشكو وجعاً ولا مغصاً ولا ريحاً ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء(12).
فترة الحمل ... نؤكد أنه لو كانت فترة حمله غير طبيعية لنُقلت إلينا كما نقلت أخبار حمله وولادته وغيرها من أموره،
روى ابن حبان عن حليمة عن آمنة؛ أم النبي أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ عَلَيْهِ وَآلِه أنها قالت « إن لابني هذا شأناً، إني حملت به فلم أجد حملا قط كان أخف عليّ ولا أعظم منه بركة ». (13). وحمل آمنة بنت وهب بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه أمر لافت سوى أنه كان حملاً خفيفاً، جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد: قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني علي بن يزيد عن عبدالله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة بنت وهب كانت تقول: ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء،. وتحدثنا عن الحديث من قبل وتم تخريجه فلاداع للإعادة..
[٣.] الْمَبْحْثُ الثَّالِثُ : " ﴿« الولادة »﴾. :
جاء في السيرة الحلبية:"... وقد ولد عند وجود المشتري وهو كوكب نير سعيد، فقد كانت ولادته عند وجود السعد الأكبر، والنجم الأنور، وكانت أمه تقول: « ما رأيت من حمل هو أخفّ منه ولا أعظم بركة منه » (14) .
يقول أبو شهبة في السيرة النبوية ص: 173: في فصل:" الميلاد" ... وتقدمت أشهر الحمل بالسيدة الشريفة آمنة بنت وهب، وهي تترقب الوليد الذي لم تجد في حمله وهناً، ولا ألماً، وهتف بها هاتف قائلا: «إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: «أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، وسميه محمدا» .
وبلغ الكتاب أجله، وبعد تسعة أشهر أذن الله للنور أن يسطع، وللجنين المستكن أن يظهر إلى الوجود، وللنسمة المباركة أن تخرج إلى الكون، لتؤدي أسمى وأعظم رسالة عرفتها الدنيا في عمرها الطويل. ففي صبيحة اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل (15) . الموافق سنة سبعين وخمسمائة « ٥٧٠ » من ميلاد السيد المسيح، حيث بدأ الصبح يتنفس، واذن نور الكون بالإشراق، افتر ثغر الدنيا عن مصاصة البشر (16) وسيد ولد ادم، وأكرم مخلوق على الله: سيدنا محمد بن عبد الله." (17).
** **
[٤.] الْمَبْحْثُ الرَّابِعُ : " ﴿« موضع ولادته »﴾. :.. وكانت ولادته صلّى الله عليه وآله وسلّم في دار أبي طالب بشعب بني هاشم (18) وكانت قابلته " الشِّفَاء بنت عَمْرو بن عَوْف؛ أم عبدالرحمن بن عوف، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم، ولد مسرورا مختونا ". (19) . واستدلوا على هذا بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا، ولم ير أحد سوأتي» (20) . وورد عن ابن عمر أنه قال: «ولد النبي صلّى الله عليه وسلّم مسرورا مختونا» (21) .
قال أبو شهبة: وقد ضعّف جماعة من العلماء هذه الأحاديث كالعراقي، وابن القيم في «زاد المعاد» وقال: ليس هذا من خصائصه، لأن كثيرا من الناس ولد مختونا، وقد عدهم صاحب المواهب. ".
ويلقي أبو شهبة ضوءاً على حالة الأرملة الشابة الحامل؛ والتي وضعت تواً وليداً سيملؤ العالم أجمع نور هديه وينير الدرب بشمس رسالته إذ يقول :" ولقد نعمت الأم التي ترملت في شبابها بالوليد الجميل، المشرق الجبين، الذي ملأ البيت من حولها نورا وسرورا، ورأت فيه السلوى عن الحبيب الغالي الذي تركه لها وديعة في ضمير الغيب ثم مات، وما إخالها إلا ذرفت الدمع سخينا، أن لم ير الأب الشاب هذا الوليد الذي يملأ العيون جمالا وبهاء، والقلوب محبة." (22).
قلت(الرمادي): سأتحدث - بإذنه تعالى - عن والدة الرسول الكريم؛ آمنة بنت وهب فترة رضاعته وزمن طفولته.
[٥.] الْمَبْحْثُ الْخَامِسُ : [« „ و ما رأته قابلته الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف ‟ ».]:" وروى عبدالرحمن بن عوف عن أمه الشفاء رضى الله عنهما قالت « ولدتْ آمنةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لى مابين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم قالت ثم ألبسته واضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال إلى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى ابتعثه الله فكنت فى أول الناس إسلاما. ». (23)
**
وَاللَّهُ - تَعَالىٰ ذِكْره- أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخريج والتعليقات :
(1) انظر : السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة؛ محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)؛ دار القلم؛ دمشق؛ الطبعة: الثامنة؛ 1427 هـ؛ ص: 165.
(2) قولها حين " حملت به " هي رؤيا منام وقعت في الحمل، انظر: " الصالحي. ". والحلبي.
(3) هذا حديث :" رواه ابن إسحاق بسنده ( 1/166 سيرة ابن هشام ) ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره ( 1/566) ،.قال ابن كثير في "البداية والنهاية": هذا إسناد جيد قوي. وقد رواه الحاكم في "مستدركه" ( 2/600) من طريق ابن إسحاق وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. وانظر السلسلة الصحيحة (1545).
(4) قال الهيثمي: إسناده حسن وله شواهد تقويه. وقد رواه أبو داود الطيالسي بالإسناد الذي عند أحمد، ورواه محمد بن سعد في "الطبقات" مختصرًا ولفظه: «رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام».
(5) قلتُ (الرمادي): كما جاء في شرح المواهب، جزء: 1؛ ص 136: "هذه الرؤية بصرية، وقد وردت بهذا المعنى في أفصح الكلام ومعجزه، وهي غير الرؤيا التي رأتها في مبدأ الحمل، فتلك كانت منامية . وأما التخريج فقد قال الهيثمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بتضعيف أحد رجال الإسناد؛ وهو أبو بكر بن أبي مريم الغساني. أما القول : «وكذلك أمهات النبيين يرين». فقد قال الحافظ ابن حجر: صحّحه ابن حبان والحاكم.". وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : فَلَمَّا وَلَدَتْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْت وَالدَّار . وَشَاهِده حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : «.... وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ »، « وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ» ، « وَإِنَّ أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِين وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام ». أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ عِنْد أَحْمَد نَحْوه .
(6) قال الهيثمي: إسناده حسن.
(7) رواه ابن سعد في «الطبقات» .
(8) انظر : الرؤيا؛ حمود بن عبدالله بن حمود بن عبدالرحمن التويجري (المتوفى: 1413هـ)؛ دار اللواء؛ الطبعة: الأولى، 1412هـ؛ ص: 192 - 194 ].
(9) حسنه الألباني في صحيح الجامع (224) .
(10) مِن منشورات أستروعرب نيوز؛ موقع إلكتروني يصدر من الجمهورية النمساوية؛ عضو الإتحاد الأوروبي، بتاريخ الخميس 14 مايو 2017 الموافق 08 شعبان 1438.
(11) جاء عند الصالحي؛ والسيرة الحلبية: " وقيل: كانت مدةُ الحمل عشرةَ (١٠) أشهرٍ. وقيل ثمانية (٨). وقيل سبعة (٧)؛ وقيل ستة (٦) أشهر،". يعلق الصالحي؛ وصاحب السيرة الحلبية بالقول :" أي ويكون ذلك آية. ". ثم يأتي الصالحي لمقارنة متعسفة إذ يقولا :" كما أن عيسى عليه السلام ولد في الشهر الثامن ". ويستشهدا فيقولا :" كما قيل به مع نص الحكماء والمنجمين على أن من يولد في الشهر الثامن لا يعيش، بخلاف التاسع والسابع والسادس الذي هو أقل مدة الحمل: أي فقد قال الحكماء في بيان سبب ذلك إن الولد عند استكماله سبعة أشهر يتحرك للخروج حركة عنيفة أقوى من حركته في الشهر السادس، فإن خرج عاش، وإن لم يخرج استراح في البطن عقب تلك الحركة المضعفة له، فلا يتحرك في الشهر الثامن ولذلك تقل حركته في البطن في ذلك الشهر، فإذا تحرك للخروج وخرج فقد ضعف غاية الضعف فلا يعيش لاستيلاء حركتين مضعفتين له مع ضعفه. [انظر: السيرة الحلبية: الجزء: 1؛ الصفحة: 75 ] ". ويقول الزرقاني في حاشيته على القسطلاني معلقاً :" بقي صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة أشهر كملا"، أي: كاملة، وهذا أحد أقوال خمسة في مدة الحمل ". قلت(الرمادي) : هذه الأقوال مرسلة من الدليل؛ ولو كان في حمله صلى الله عليه وآله وسلم «إعجاز» من حيث الحمل وزمنه وليلة المولد والولادة لأُخبرنا من مصادر نطمئن إليها، وليس كما ذكر لنا صاحب السيرة النبوية ابن إسحاق ومن جاء من بعده مِن مَن كتب السَّير والشمائل فـيبدء المقولة بـ فيما «يزعمون» و«كما يتحدث الناس» وحكاية القرآن بيَّنت "كيف خلق أبينا « آدم »". وأيضاً "كيفية خلق المبشر « عيسى ابن مريم » "، والسنة النبوية الصحيحة فلما إغفالت قصة حمل وولادة النبي المختار بدليل قاطع .. ومن هذا نفهم أن حمل وولادة المصطفى المرتضى المجتبى المحتبى خاتم الأنبياء وأخر المرسلين كانت كبقية البشر؛ مع الفارق الشاسع إذ لا توجد مقارنة بين أنه النبي الخاتم ورسول آخر الزمان وبقية البشر وإن كان منهم العلماء في كافة التخصصات والأتقياء.
وكانت تلك السنة التي حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال لها سنة الفتح والابتهاج، فإن قريشا كانت قبل ذلك في جدب وضيق عظيم، فاخضرت الأرض، وحملت الأشجار، وأتاهم الرغد من كل جانب في تلك السنة . وفي حديث مطعون فيه «قد أذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لرسول الله» .. قلت: ولم أقف على ما يجري على ألسنة المداح من أنه كان يذكر الله في بطن أمه، كما نقل عن عيسى عليه السلام أنه كان يكلم أمه إذا خلت عن الناس ويسبح الله ويذكره إذا كانت مع الناس وهي تسمع، وعن شداد بن أوس قال «بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل شيخ كبير من بني عامر هو مدرة قومه» أي المقدم فيهم «يتوكأ على عصا فمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونسبه إلى جده، فقال: "يا ابن عبدالمطلب إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء إلا أنك فهت بعظيم، وإنما كانت الأنبياء والخلفاء» أي معظمهم «في بيتين من بني إسرائيل وأنت ممن يعبد هذه الحجارة والأوثان، فما لك وللنبوة، ولكن لكل حق حقيقة فأنبئني بحقيقة قولك وبدء شأنك؟ قال: فأعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمسألته ثم قال: يا أخا بني عامر إن لهذا الحديث الذي سألتني عنه نبأ ومجلسا فاجلس فثنى رجليه ثم برك كما يبرك البعير، فاستقبله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث فقال: يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدء شأني أني دعوة أبي إبراهيم عليه السلام أي حيث قال أي (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) رأي أي وعند ذلك قيل له قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان» كذا في تفسير ابن جرير.
قال الحلبي:" ثم قال «وإني كنت بكر أبي وأمي وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء، وجعلت تشكو إلى صواحبها ثقل ما تجد، ثم إنها رأت في المنام أن الذي في بطنها خرج نورا، قالت فجعلت أتبع بصري النور والنور يسبق بصري حتى أضاءت له مشارق الأرض ومغاربها» وسنتكلم عنه في الرضاعة. والحديث رواه: شداد بن أوس؛ انظر البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة :7/16؛ الحديث:إسناده ضعيف.
ولعل إطالة النفس في هذا الجزء من بحثي هذا.. القصد من وراءه أن نركز على ما يفيد الأمة الإسلامية؛ فكما قلتُ ذات مرة -خطبة جمعة أبريل 2017~رجب 1437؛ وأيضاً مقال- أننا مِن سجادة الصلاة إلى ساعة اليد أو الحائط التي تعلن عن وقت الصلاة إلى السيارة والطائرة والأسلحة نستوردها جميعاً من دول الغرب المتقدم.. وقد قال آحدهم -والمقولة تحتاج إلى إعادة مراجعة- أن العرب تصدر الإرعاب والإرهاب.
(12) انظر: الصالحي ، والسيرة الحلبية.
(13) السيرة الحلبية؛ المسمى: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون؛ علي بن برهان الدين الحلبي.
(14). جاء عند الحلبي :" قال الحافظ أبو الفضل العراقي : آمنة رأت النور أيضا خرج منها عند الولادة. وهذا أولى لتكون طرقه متصلة. ويجوز أن يكون خرج منها النور مرتين مرة حين حملت به [هنا يقول صاحب :" السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة؛ محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة :" ولما وضعته السيدة والدته خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى رأت منه قصور بصرى بالشام، ووقع جاثيا على ركبتيه، معتمدا على يديه، رافعا رأسه إلى السماء، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها. وروى :" محمد بن سعد من حديث جماعة منهم: عطاء بن أبي رباح، وابن عباس، أن امنة بنت وهب قالت: «لما فصل مني- تعني النبي- خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع على الأرض جاثيا على ركبتيه، معتمدا على يديه، ثم أخذ قبضة من التراب، فقبضها، ورفع رأسه إلى السماء».
ثم يأتي هنا تأويل " أما النور فنور النبوة والرسالة، وأما الجثي على ركبتيه فإشارة إلى شدة تواضعه لربه، وتواضعه للخلق، وأما الاعتماد على يديه فإشارة إلى أنه لن ينشأ مدللا كسلان كما هو شأن أبناء الملوك والأشراف، وإنما سيعتمد من صغره على الله ثم على نفسه، وأما أخذه قبضة من التراب فإشارة إلى أن الأرض منها البدء، وإليها الإعادة، ومنها الإخراج للبعث، وأنه سيغلب أهل الأرض، وأما رفع رأسه إلى السماء فإشارة إلى عظم توكله على ربه، وإلى ارتفاع شأنه وقدره، وسمو غايته وسؤدده، وأنه يسود الخلق أجمعين. " . قلتُ (الرمادي): تجد هذا التأويل عند أبي شهبة. ثم يكمل الحافظ العراقي :" ومرة حين وضعته ولا مانع من ذلك. ولا يكون بين الحديثين تعارض . انتهى .
[انظر : السيرة الحلبية؛ المسمى: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون؛ علي بن برهان الدين الحلبي ] .
(15) هذا الذي ذكره ابن إسحاق وهو المشهور، وقيل: ولد لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: لتسع ليال، وكذلك اختلف في سنة ميلاده الميلادية فقيل ما ذكرنا، وقيل سنة إحدى وسبعين وخمسمائة (٥٧١)، وهو الذي رجحه محمود باشا الفلكي. " بيد ان ابن كثير يوضح مسألة المولد في :" الفصول في سيرة الرسول"؛ " فصل ـ ولادته ورضاعه ونشأته" : فقال :" ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: ثامنه، وقيل عاشره، وقيل لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان، وهو شاذ، حكاه السهيلي في روضه. وذلك عام الفيل، بعده بخمسين يوماً، وقيل بثمانية وخمسين يوماً، وقيل بعده بعشر سنين، وقيل: بعد الفيل بثلاثين عاماً، وقيل: بأربعين عاماً. والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرها إجماعاً.". [ انظر : أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ الفصول.في السيرة؛ تحقيق وتعليق: محمد العيد الخطراوي، محيي الدين مستو؛ جزء 1؛ ص: 91].
وقال الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي (المتوفى: 779هـ) صاحب كتاب المقتفى من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:" ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل: فِي أَيمن طالع وأسعده وَحلَّ فِي أفضل وَقت مَحْمُود بأحمده وَأَقْبل وخيل الْخَيْر تقاد بَين يَدَيْهِ وَقدم قدوم الْغَيْث إِلَى الأَرْض المحتاجة إِلَيْهِ وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ حِين طلع الْفجْر وَمضى اللَّيْل عَازِمًا على الهجر لعشر خلون من ربيع الأول عَام الْفِيل أَهلا بِهِ من عَام بالنجاة زعيم وبالنجاح كَفِيل وَقد خصت لَيْلَة ظُهُوره وَيَوْم سطوع ضوء نوره بخصائص لَا تتناهى ومزايا لَا تضاهى وَلَا تباهى إِذْ هُوَ سيد ولد آدم ومعولهم وَخَاتم النَّبِيين وأولهم فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين وَسلم تَسْلِيمًا وعَلى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ :".[ انظر: المقتفى من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي (المتوفى: 779هـ)؛ المحقق: د مصطفى محمد حسين الذهبي ؛ جزء 1؛ ص: 30~31 . ".
(16) يقال: فلان "مصاص" قومه، إذا كان أخلصهم نسبا.
(17) انظر: أبو شهبة؛ جزء 1 ص: 172- 173 .
(18) وقد صارت هذه الدار إلى محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، ذلك أن عقيل بن أبي طالب باع دور من هاجر من بني هاشم، ومنها هذه الدار، وقد أدخلها محمد بن يوسف هذا في داره التي يقال لها: البيضاء، ولم تزل كذلك حتى حجت الخيزران أم الرشيد، فأفردت ذلك البيت وجعلته مسجدا، وقيل: إن التي بنته هي السيدة زبيدة زوجته حين حجّت، وقد بقي هذا المسجد حتى هدم أخيرا وصار مكانه خاليا، وستقام فيه الان مدرسة لتحفيظ القران الكريم. [ انظر: أبو شهبة؛ جزء 1 ص: 174].
(19) مقطوع حبل السرة، ومقطوع القلفة.
(20) رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم، وابن عساكر من طرق متعددة، وقد صححه الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه «الأحاديث المختارة» مما ليس في الصحيحين، وتصحيحه أعلا من تصحيح الحاكم، وحسّنه الحافظ مغلطاي..
(21) رواه ابن عساكر.
(22) [ انظر: أبو شهبة؛ جزء 1 ص: 175].
(23) انظر : الأنوار المحمدية؛ مختصر المواهب اللدونية للقسطلانى؛ يوسف إسماعيل النبهانى؛ القاضى بيروت – لبنان.

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

حمل آمنة بنت وهب
« „ نورٌ عند بدء حمل آمنة بنت وهب ‟ » (!)

الجزء الثاني:
تمهيد:
أقولها بصراحة -قد تغيب عند البعض- أن شاب اليوم ورجل الغد؛ والفتاة التي تراها أمامك وامرأة المستقبل.. ما هما-الشاب والفتاة- إلا نتاج فترة حمل؛ ومرحلة رضاعة؛ وزمن تربية(1) أم ورعاية أب؛ والأم هي الحاضنة الأولىٰ في أشهر الحمل، والمرضعة في شهور الإغتذاء؛ والمعلمة الأولىٰ للسنوات الأوَّل مِن عمر الطفل -ثلاث سنوات الأوَّل من حياة الإنسان- مع تواجد ورعاية أب متفهم وواع.. هذه الأزمنة مجتمعة تؤثر سلباً أو إيجاباً على شخصية -بشقيها النفسي والعقلي- إنسان المستقبل ؛ ثم تأتي عوامل آخرىٰ ينبغي اعتبارها في عملية التنشئة والتربية والتعليم والتثقيف .
مدخل :
نسمع من امرأة.. ما سيحدث لها إثناء الحمل وتشكيل الجنين في أحشاءها؛ ومراحل تكوينه بداخلها؛ وتخبرنا عما ينتابها من أحوال وتحدثنا عما يعتريها من هواجس وما تأتيها من أفكار؛ وما تروي لها العجائز من علامات وإشارات؛ خاصةً وأنَّ المناخ العام -أحيانا كثيرة- يكون مهيئا لإستقبال مثل هذه الأقوال؛ فما بالك بالبيئة المحاطة والتي حملت آمنة بنت وهب بجنينها السعيد المبارك حينها؛ وزمن حملها وهو محاط بإرهاصات؛ واقوال الكهان والعرافين قد تكون وصلت إلىٰ مسامعها، وقد تكون سمعت بـ نبي آخر الزمان.
بيد أن توجد روايات تبين لي إثناء البحث والمراجعة والتحضير والتحقيق والتدقيق والكتابة أن مَن قال بها يوصف بأنه من الوضاعين، وروايات آخرى اراد القصاصون أن يذاع هذا الخبر أو تلك القصة والرواية. ما يهم أن هذه الروايات لا يترتب عليها أحكام شرعية عملية؛ فيستفاد منها من الناحية الفقهية؛ كما وأن ذكر القصة -مع ضعف رواتها وركاكة ألفاظها- لا يؤكد أن هذا الوليد هو النبي القادم كما وأن إهمالها لا ينفي مجيئه.. وسنذكرها ونبين ما فيها من ضعف أو وضع على لسان مَن قصها.. سنذكرها برواتها؛ فأهل صناعة تخريج الأحاديث ورجال هذا الفن من أهل الجرح والتعديل يعلمون حال الرواة.. ولنا قصد آخر أن مَن يقرأ بحثي هذا يعلم ما جاء في كتب التراث وحال ودرجة كل حديث أو رواية أو قصة أو حكاية... كما قصدنا -وهذا ما ندعو إليه- ونصرح به أننا جميعاً في حاجة ماسة لإعادة النظر في كتب التراث تحقيقاً وتخريجاً وتدقيقاً وأن تتولى المؤسسات الرسمية كالأزهر الشريف -وما يماثله- بعراقته وخدماته على مدار الأعوام القيام بهذا الدور وتفعله.


التوطئة لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد وَّطَّأ لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بمجموعة موطئات؛ ذكرتُ بعضها -سابقاً- مثل أنَّ :
[١.] أول من نَوَّه بذكره وشهره في الناس، الخليل ؛ أبو الأنبياء «إبراهيم» عليه السلام ولم يزل ذكره في الناس مذكوراً مشهوراً سائراً كما ورد في حديث أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَ بُدُوُّ أَمْرِكَ؟" فَقَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». وسأبحثها بإذنه تعالىٰ في باب بداية البعثة.
[٢.] أفصحَ باسمه خاتمُ أنبياء بني إسرائيل نسباً، وهو «عيسى ابن مريم» عليه السلام كما قال صلى الله عليه وسلم «.. وَبُشْرَى عِيسَى بن مَرْيَمَ»؛ حيث قام في بني إسرائيل خطيباً، وقال: {إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّـمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ «أَحْمَدُ»} [سورة الصف، الآية: 6].
[٣.] وكذلك قوله: « وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ » (2) ، لذا قال ابن كثير تعليقاً: " كان مناماً رأته حين حملت به، وقَصَّته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة لبعثته صلى الله عليه وسلم (3) . وهذا كــالتوطئة(4) للإمور العظام. قال ابن القيم: "عَادَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ التِي يَقْضِيهَا قَدَراً وَشَرْعاً: أَنْ يُوَطِّئَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا مُقَدِّمَاتٍ وَتَوْطِئَاتٍ تُؤْذِنُ بِهَا وَتَدُلُّ عَلَيْهَا".(5) .


حمل آمنة :
أقول(الرمادي) : هذا هو المبحث الثالث؛ الذي أتحدثُ فيه عن النور المصاحب لحمل آمنة بنت وهب بمحمد رسول الله. القسم الأول منه حين بدء الحمل وقد رُويت قَصص وأخبار حول صفة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات.
وأبدءُ بـ مَبَاحِث: " إرهاصات بداية حمل آمنة بنت وهب بوليدها الوحيد محمد بن عبدالله بن عبد المطلب "
[١.] الْمَبْحْثُ الْأَوَّلُ : « „ يوم ابتداء(6). الحمل‟ »
[١ . ١.] اختلفوا في يوم ابتداء الحمل. فقيل: في أيام التشريق(7) وعليه فيكون مولده في رمضان؛ وقيل في عاشوراء؛ وقيل غير ذلك ".
مِن نافلة القول أنه لو ترتب على الدقة في معرفة يوم ابتداء الحمل ويوم الميلاد وسنته فائدة شرعية يبنىٰ عليها حكم شرعي مستفاد من معرفتها بدقة.. لأخبرنا عنها صاحب الرسالة في حديث صحيح له.. وحيث أنه لم يترتب علىٰ المعرفة اليقينية أي نفع.. واجتهد العلماء القدامى في بحثها والوصول إلىٰ قول قد يصل عند البعض إلىٰ أنه راجح، وعند البعض يسلم بما قيل ويعتبره الحقيقة الوحيدة التي يجب علىٰ الجميع القول بها والتمسك بهذا التاريخ، وهنا مكمن الخطر وساحة الصراع الذي ليس من تحته طائل يستفاد منه.
[٢.] الْمَبْحْثُ الثَّانِي : « „ عرض ومناقشة ظاهرة النور المصاحب لبدء حمل آمنة برسول الله ﷺ ‟ »

[٢. ١.] المدخل لهذه المسألة :
أ.] لعلي أعود بذاكرة القارئ إلىٰ ماقالته المرأة الخثعمية في خبر قَالَه وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، قال أَخْبَرَنَا أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ ، قَالَ : " نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَىٰ امْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ فَرَأَتْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا سَاطِعًا إِلَىٰ السَّمَاءِ. فَقَالَتْ : "هَلْ لَكَ فِيَّ ؟". قَالَ : "نَعَمْ، حَتَّىٰ أَرْمِي الْجَمْرَةَ، فَانْطَلَقَ فَرَمَىٰ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ أَتَىٰ امْرَأَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ. ثُمَّ ذَكَرَ -يَعْنِي الْخَثْعَمِيَّةَ- فَأَتَاهَا، فَقَالَتْ : "هَلْ أَتَيْتَ امْرَأَةً بَعْدِي ؟". قَالَ : "نَعَمِ، امْرَأَتِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ"، قَالَتْ : "فَلا حَاجَةَ لِي فِيكَ؛ إِنَّكَ مَرَرْتَ؛ وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ « „ نُورٌ ‟ » سَاطِعٌ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا وَقَعْتَ عَلَيْهَا ذَهَبَ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا قَدْ حَمَلَتْ خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ ".(8) . الفقرة الآخيرة أظهرت مسألة النور ؛ هذه واحدة. والثانية هي الحمل بخير أهل الأرض.
ب.] يكاد يكون كل -إلا مَن رحم ربي من أهل العلم والتحقيق- مَن كتب عن هذه الجزئية من السيرة النبوية قبل المولد؛ وإرهاصات الحمل والوضع والولادة يذكرها ويعتمد المصدر دون التحقيق أو التدقيق في الرواية؛ أعترف بأن الروايات تنسب إلى قائلها بغض النظر عن قبولنا لها أو إعتراضنا عليها؛ لكن المسألة هنا تكاد تفهم أنها أقوال متقولة على مَن نسبت إليه كالرواية التي تقول كما جاء :" في الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية: ص 15-16 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: „كان دلالة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة؛ وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة، وهو إمام الدنيا وسراج أهلها، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا، وله في كل شهر من شهور حمله نداء في الأرض ونداء في السماء أن أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم مباركا ميمونا…”. أو الرواية التي تذكر :" وكانت آمنة تقول: „والله ما رأيت من حمل أخفَّ ولا أعظم بركة منه”، وكانت لا تشكو وجعا ولا مغصا ولا ريحا ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء ". القريب مِن الفهم أنها :„ حملت به صلى الله عليه وسلم كما تحمل كل النساء، ومرت بها أشهر الحمل، كما تمر بكل النساء، ووضعته كما تضع كل حامل”.
ج.] ومما زادني إندهاشاً ما قرأته على صفحة :" دار الفتوى؛ المجلس الإسلامي الأعلى في استراليا :" وقال بعض العلماء(!) ممن الف في قصة المولد الشريف أن „ءامنة بنت وهب حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب”، وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت „ ترى الطيور عاكفة عليها ”، إجلالاً للذي في بطنها وكانت إذا جاءت „ تستقي من بئر يصعد الماء إليها”، إلى رأس البئر إجلالاً وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك زوجها عبدالله فقال: „ هذه كرامة للمولود الذي في بطنك ”. قالت: „ وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي ” ، وسمعت قائلاً يقول ”هذا نور السيد الرسول”، ثم „ رايت في „المنام شجرة وعليها نجوم فاخرة أضاء نورها على الكل وبينما أنا ناظرة إلى نورها واشتعالها إذ سقطت في حجري وسمعت هاتفًا يقول: هذا النبي السيد الرسول”.
اقول(الرمادي) :" ذهب بعضهم إلى أن أمه لم تجد ثقلًا في حمله، وذهب آخرون إلى أنها حملت كأثقل ما تحمل النساء، وجاء آخرون يسعون في التوفيق بين الأمرين المتعارضين، فأعملوا أذهانهم في حل تلك المعضلة " فتقرأ عند المجلس الإسلامي الأعلى في أستراليا :" وقد روي أن ءامنة قالت لما وضعته صلى الله عليه وسلم: „ لقد علقت به فما وجدت له مشقة”. وأنه لما فُصل خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب. ووقع على الأرض معتمدًا على يديه قد شق بصره ينظر إلى السماء، وإنه ولد مختونًا مسرورًا ”.
قد أجد العذر لجهلة منصات التواصل الإجتماعي حيث أنهم لا يحملون قدراً من العلم الشرعي ؛ ولكن أنَّى أجد عذراً لمن اتوسم فيهم أنهم من أهل العلم .
« „ ظاهرة النور المصاحب لبدء حمل آمنة برسول الله ﷺ ‟ »
[٢. ٢.] يُصدر ابن إسحاق الرواية عند الحديث عن رؤيا آمنة(9) بالقول :" وَيَزْعُمُونَ "؛ كما في بعض الروايات السابقة، ثم يضع تعبيراً جديداً إذ يقول :" فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ " ؛ ثم كأنه يبرأ ذمته من صحة أو فساد الرواية بالقول :" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "؛ وهذا يشعر القارئ بأن ما سيقال بعد هذه المقدمة التشكيكية مدار حديث ناس لا يرتقي إلى صحة نسبته إلى قائلته؛ هذا المرنكز الأول في قبول ومن ثم تصديق الرواية أو قل اعتمادها من حيث ارهاصات ما قبل النبوة .
ثم يزداد الغموض حين ينقل بعض كلامها أي أن :" آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ " " أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " كَانَتْ تُحَدِّثُ ".. ثم يقص لنا الرواية التي تحدثت الناس عنها بقوله :" فَقِيلَ لَهَا ".. ونتساءل :" مَن القائل!؟"؛ لكن شراح السيرة النبوية اراحونا من عناء البحث وقالوا :"الملآئكة(!) " إنَّكَ قَدْ حَمَلْتِ بِـ " سَيِّدِ(10)" هَذِهِ الْأُمَّةِ(11) .
بوب ابن هشام في كتابه السيرة النبوية العنوان التالي : „ ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” (12) .
وَ „ يَزْعُمُونَ ‟ - فِيمَا „ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ‟ وَ „ اَللَّهُ أَعْلَمُ ‟(13) - أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ „ ‟ تُحَدِّثُ„ ‟ أَنَّهَا أُتِيَتْ (14) حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَـ „ ‟ قِيلَ„ ‟ لَهَا : إنَّكَ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ". " وهذا هو المشهد الأول من الرواية ، ثم تنقلنا رواية ابن هشام للمشهد الأخير من الحمل ؛ إذ جاء فيه : " فَإِذَا وَقَعَ إلَىٰ الْأَرْضِ فَـ „ قُولِي ‟: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ " ؛ ثم ننتقل إلى مشهد تسمية الوليد السعيد: " ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا.
ثم نعود مرة ثانية لمسألة البحث أي خروج "« „ نور عند بدء الحمل ‟ » فتقول الرواية :؛ ومن هنا تبدء رواية فيما يتحدث الناس " وَ „ رَأَتْ ‟(15) حِينَ „ حَمَلَتْ ‟ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ „ رَأَتْ ‟ بِهِ قُصُورَ بُصْرَى (16) . مِنْ أَرْضِ الشَّامِ .". .
ولعل ما قاله ابن سعد في الطبقات ينير درب هذه الرواية ففي حديث مرفوع) بترقيم:" 186" قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ (17) ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمَّتِهِ، قَالَتْ : " كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ ، كَانَتْ تَقُولُ : مَا شَعَرْتُ أَنِّي حَمَلْتُ بِهِ ، وَلا وَجَدْتُ لَهُ ثُقْلَةً كَمَا تَجِدُ النِّسَاءُ إِلا أَنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ رَفْعَ حَيْضَتِي ، وَرُبَّمَا كَانَتْ تَرْفَعُنِي وَتَعُودُ وَأَتَانِي آتٍ وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ ، فَقَالَ : هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكِ حَمَلْتِ ؟ فَكَأَنِّي أَقُولُ : مَا أَدْرِي ، فَقَالَ : إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَنَبِيِّهَا ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، قَالَتْ : فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقَّنَ عِنْدِي الْحَمْلَ ثُمَّ أَمْهَلَنِي حَتَّى إِذَا دَنَا (18) وِلادَتِي أَتَانِي ذَلِكَ الآتِي فَقَالَ : قُولِي : أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ ، قَالَتْ : فَكُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِنِسَائِي ، فَقُلْنَ لِي : تُعَلِّقِي حَدِيدًا فِي عَضُدَيْكِ وَفِي عُنُقِكِ ، قَالَتْ : فَفَعَلْتُ ، قَالَتْ : فَلَمْ يَكُنْ تُرِكَ عَلَيَّ إِلا أَيَّامًا فَأَجِدُهُ قَدْ قُطِعَ فَكُنْتُ لا أَتَعَلَّقُهُ ". (19) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع والتعليقات والهوامش:
(1) يقول البعض -سواء فوق منابر المصليات ودروس المساجد- ما ينسب إلىٰ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلم حيث يُحدث الْحَارِثُ بْنُ عِمْرَانَ الْجَعْفَرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أنها قَالَتْ: « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ » . وجاء في شرح السندي في حاشيته علىٰ سنن ابن ماجه: " قَوْلُهُ « تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ » أَيِ اطْلُبُوا لَهَا مَا هُوَ خَيْرُ الْمَنَاكِحِ وَأَزْكَاهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الْخُبْثِ وَالْفُجُورِ . وَجاء فِي الزَّوَائِدِ أنَّ فِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَدِينِيُّ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ لَا أَصْلَ لَهُ -يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ- عَنِ الثِّقَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
وأُضيفُ : أن بعض الدوائر الطبية في الدول المتقدمة علمياً تعرض لـ مَن يريد الزواج كشفاً طبياً عاماً لمعرفة ما إذا كان المتقدم للزواج -يريد إنجاح مشروع زواجه- ويحمل جينات غير مرغوب فيها؛ أو أمراض وراثية تنقل إلىٰ الجنين إذ كانت الزوجة تحمل نفس الموّرثات. وهنا يظهر الإعجاز العلمي لـخاتم الأنبياء وآخر المرسلين؛ لكني وقبل أن أكمل والخط الأساسي الذي اسير عليه والموقع البحث عن صحة الحديث ودرجته فـ بعد ما قاله الشارح -أن الحديث لا اصل له- وجدتُ وكانت مفاجأة :" أن القول بـ « تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم » ينسب إلىٰ أم المؤمنين عائشة فتجد أن: أبا حاتم الرازي في تهذيب التهذيب : 2 /152 : يقول :" الحديث: لا أصل له . ونفس الحكم يذكره في كتابه: الجرح والتعديل: 3 /84 : الحديث: ليس له أصل. لكن ابن حبان في كتابه المجروحين حكم علىٰ حديث « تخيَّروا لنُطفِكم وانكحُوا الأكفَاءَ وأنكِحُوا إليهم » : 1 /269 : قال الحديث: مرسل -يعني سقط منه الصحابي الراوي وهنا أم المؤمنين عائشة- وأضاف :"ورفعه باطل". بيد أن :" ابن عدي في الكامل في الضعفاء :2 /467 ؛ قال أن الحديث: فيه الحارث بن عمران-أحد الرواة- الضعف بيّن على رواياته ". أما البيهقي في سننه الكبرىٰ :7 /133 قال :" الحديث لا تقوم به الحجة ". والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :1 /279 قال الحديث: غريب وروي مرسلاً وهو أشبه بالصواب ". هذا بالنسبة لصحة الحديث؛ وتراجعت عن مسألة أعجاز علمي فيه لما وضح لي، وكنت تحدثت مع بعض الإخوة وإثناء إلقاء الدروس وخطب الجمع علىٰ أهمية ما يسمىٰ اليوم ويطلق عليه :" مدرسة الأزواج" لما تعانيه التجمعات الإسلامية في الغرب خاصة من تفكك أسري مدمر. وأترك هذه القضية لإبنتنا وسام بنت الحسن الرمادي تبحثه وتعرضه.
(2) رواه أحمد في مسنده [ج 5 / ص 262]؛ والطبراني في الكبير [ج 8 / ص 175] ؛ والحاكم في مستدركه، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية.
(3) الحديث :" عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ". انظر : تفسير إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي؛ الدمشقي لآية 129 من السورة التي يذكر فيها البقرة : 1/ 444 .
(4) جاء في لسان العرب: وَطَّأَ الشيءَ: سَهَّلَه، وتقول: وطَّأْتُ لك الأَمْرَ إِذا هَيَّأْتَه، ووَطَّأْتُ لك الفِراشَ ووَطَّأْتُ لك المَجْلِس تَوْطِئةً، والوطيءُ من كلِّ شيءٍ ما سَهُلَ ولان، وفِراشٌ وطِيءٌ لا يُؤْذي جَنْبَ النائِم والتَّوْطِئة: التَّمهيِدُ والتَّذليلُ. [انظر : ابن منظور ؛ لسان العرب 1/ 195] .
(5) قالها ابن القيم؛ زاد المعاد: 3 / 275 .
(6) انظر: الصالحي؛ سبل الهدى والرشاد ..
(7) يقول الزرقاني: [وقع] " عليها -أي آمنة بنت وهب- عبدُالله حين ملكها" أي: تزوج بها، "مكانه فوقع عليها" جامعها، زاد الزبير بن بكار "يوم الاثنين من أيام منىٰ" . وقيل من شهر رجب. يكمل الزرقاني :" في شِعب أبي طالب عند الجمرة " -أي الوسطىٰ-، وتجده أيضا عند إنسان العيون للحلبي إذ يقول :" قيل وقع عليها يوم الاثنين في شِعب أبي طالب عند الجمرة الوسطىٰ.". ثم يكمل الزرقاني" كما هو المنقول عن الزبير، قال النجم: " وهذا موافق لمن ذهبَ إلىٰ أن ميلاده في رمضان، وأما القول بأنه في رجب، فمنطبق علىٰ أن ميلاده في ربيع". ثم يعلق صاحب إنسان العيون بقوله :" أقول فيه: أنه سيأتي في فتح مكة أنه نزل بالحَجون، عند شِعب أبي طالب بالمكان الذي حصرت فيه بنو هاشم وبنو المطلب. ويمكن أن يقال: ذلك الشعب الذي كان في الحَجون كان محلاً لسكن أبي طالب في غير أيام منىٰ، وهذا الشعب الذي عند الجمرة الوسطىٰ كان ينزل فيه أبو طالب أيام منىٰ فلا مخالفة، والله أعلم. ".[انظر : الحلبي؛ إنسان العيون، الجزء: 1 ؛ الصفحة: 51] .
(8) حديث مقطوع؛ رقم: 185؛ انظر: محمد بن سعد بن منيع الزهري؛ (ت:230هـ)؛ الطبقات الكبرى؛ جزء 1؛ ص : 78. قلتُ(الرمادي) : الحديث هذا يلقي ضوءاً علىٰ الهامش رقم (7).
(9) عنوان عند السهيلي؛ شارح السيرة النبوية لابن هشام، المجلد الأول؛ ص : 180؛ ولم يعلق عليها!.
(10) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. » [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
(11) استوقفتني هذه اللفظة „ هَذِهِ الْأُمَّةِ ”.. فأي أمة قصد؛ إذ لا يخرج السياق التاريخي في هذه اللحظة إلا إذا قصد :„ أمة مكة ”؛ أو :„ أمة العرب”.!؟ .
(12) ابن الجوزي في المنتظم في التاريخ عنون الفقرة بـ :" ذكر ما جرىٰ لآمنة في زمان حملها لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(13) يقول الزرقاني في حاشيته علىٰ قول القسطلاني : "ويزعمون فيما يتحدث الناس" أن آمنة كانت تحدث أنها أُتيت" بضم الهمزة مبني لما لم يسم فاعله، أي: رأت في المنام، قاله في النور ونحوه قول الشامي هي رؤيا منام وقعت في الحمل. قلت(الرمادي) لعل دقة التعبير عند ابن هشام إذ يقول أولاً :" وَ " يَزْعُمُونَ "، ثم يردف صيغة التمريض هذه بالقول : "فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ"؛ وهذا ثانياً ؛ ثم ينهي عبارته قبل أن يبدء في سرد ما سمعه من الناس بالقول :" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". وهذا ثالثاً . فلا نملك أن نزيد على ما صرح به ابن هشام. ولكني أعتبر هذه الرواية من مُلَحِ القصص والروايات وليس من متين العلم.
(14) ذكره القسطلاني. وعند الحلبي :" أي من الملائكة ". " وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ" يقول الزرقاني والحلبي:" وأتاني آت وأنا بين النائمة واليَقْظانة"، والذي عند ابن إسحاق: وأنا بين النوم واليقظة، أو قالت: بين النائمة واليقظانة، ورواه الواقدي كما في العيون بلفظ: بين النائم واليقظان، قاله الشامي تبعًا للبرهان: ذكرت آمنة اللفظين على إرادة الشخص.
(15) « نور يخرج من حَمْلِ أمِّه به »: عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قال سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَة"[عند الدارمي؛ حديث رقم :"13" ] يقول: (قُلْتُ يَا نَبِيَّ الله ما كان أَوَّلُ بَدْءِ(12) ". " أَمْرِك؟ قال: نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى،« . وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ :»[ رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني ، وذكره الطبري في تاريخه، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ] .
من كُتاب العصر الحديث الذين ذكروا مسألة النور:
1.] عبدالله النجدي؛ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ص 12 .
2. ] صفي الرحمن المباركفوري؛ الجامعة السلية ~ الهند : بحث في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام: تحت مسمى : الرحيق المختوم، كٌتب البحث بتاريخ 24/7/1396ه~23/7/1976م، المكتبة القيِّمة؛ القاهرة ، ص 45. سنة النشر: 13/11/1396ه~6/11/1976م.
(16) قال ياقوت :" بُصرىٰ في موضعين بالضم والقصر: أحدهما بالشام من أعمال دمشق؛ وهي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديماً وحديثاً.
(17) الراوي هذا قيل فيه ما قيل من حيث أنه بصفة عامة :" ضعيف الحديث" وأشتهر بأنه من أهل الوضع والكذب؛ وإن قيل فيه خلاف ذلك تماماً كأنه ثقة . وتكلم عنه وفيه أكثر من 43 عالماً نقلا من كتاب الجرح والتعديل ما بين أنه :" فقال أبو أحمد الحاكم عنه :" ذاهب الحديث"؛ وقال أبو أحمد بن عدي الجرجاني :" متون أخبار الواقدي غير محفوظة، وهو بين الضعف " وقال أبو بشر الدولابي :" متروك الحديث ". وقال أبو بكر البيهقي :" ليس بالقوي في الحديث، ومرة: لا يحتج بروايته فيما يسنده ". وقال أبو حاتم الرازي:" حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين مناكير، ومرة: كان يضع ". أبو حاتم بن حبان البستي :" يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك". أبو دواد السجستاني:" لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه ما أشك أنه كان يفتعل الحديث ". أبو زرعة الرازي :"متروك الحديث، ومرة: ضعيف: فسئل؟ يكتب حديثه؟؟ قال ما يعجبني إلا على الاعتبار ترك الناس حديثه". ثم يبدء نسمع رأي مخالف للسابق تماماً إذ يقول أبو عامر العقدي:" ما يفيدنا الشيوخ والأحاديث إلا هو ". يكمل في نفس الطريق أبو محمد المسيبي فيقول هو ومعه أبو يحيى زكريا بن محمد الأزهري ومحمد بن إسحاق المسيبي:" ثقة مأمون ". مصعب بن عبد الله الزبيري:" والله ما رأيت مثله قط، ومرة: ثقة مأمون ". الصغاني والقاسم بن سلام الهروي محمد بن أحمد الذهلي ؛ يزيد بن هارون الأيلي ؛ يعقوب بن شيبة السدوسي اجتمعوا على أنه :" ثقة ". عبد العزيز بن محمد الدراوردي :" ذاك أمير المؤمنين في الحديث " . بيد أن أحمد بن حنبل يقول :" تركه، ومرة: كذاب، ما أشك في الواقدي أنه كان يقلبها يعني الأحاديث ". أحمد بن شعيب النسائي:" ليس بثقة، ومرة: الكذابون المعروفون بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره، ومرة: متروك الحديث ". إبراهيم بن إسحاق الحربي :" كان أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما الجاهلية فلم يعلم منها شيئا ". أما إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فقال عنه:" لم يكن مقنعا ". إسحاق بن راهويه:" هو عندي ممن يضع الحديث ". إسماعيل بن زكريا:" تركه ". ابن حجر العسقلاني:" متروك مع سعة علمه، وضعيف ". الخطيب البغدادي:" متروك ". الدارقطني "مختلف فيه، الضعف يتبين علي حديثه، ومرة قال: غيره أثبت منه". يفيدنا أخيرا الذهبي بالقول :" استقر الإجماع علي وهن الواقدي ". زكريا بن يحيى الساجي:" متهم، ومرة: في حديثه نظر واختلاف ". علي بن المديني:" لا أرضاه في الحديث، ولا في الأنساب، ولا في شىء، ومرة: ليس هو بموضع للرواية، وإبراهيم بن أبي يحيى كذاب، وهو عندى أحسن حالا من الواقدى، ومرة: عنده عشرون ألف حديث يعنى ما لها أصل، ومرة: يضع الحديث، ومرة: متروك الحديث". مجاهد بن موسى الختلي:" ما كتبت عن أحد أحفظ منه ". محمد بن إدريس الشافعي:" كتب الواقدي كلها كذب، كان بالمدينة سبعة رجال يضعون الأسانيد، أحدهم الواقدي ". محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري:" متروك الحديث، ومرة: سكتوا عنه ". محمد بن بشار العبدي:" ما رأيت أكذب منه ". محمد بن سعد كاتب الواقدي:" كان عالما بالمغازى، والسيرة والفتوح، وباختلاف الناس في الحديث ". محيي الدين النووي:" ضعيف باتفاقهم ". معاوية بن صالح الدمشقي:" ضعيف ". هشيم بن بشير الواسطي:" لئن كان كذابا فما في الدنيا مثله، وإن كان صادقا فما في الدنيا مثله ". يحيى بن معين:" ضعيف، ومرة: ليس بشيء، ومرة: كان يقلب حديث يونس يغيرها عن معمر ليس بثقة "."وجاء في تهذيب الكمال : " مُحَمَّد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي أَبُو عَبْد اللَّهِ المدني؛ قاضي بغداد مولى عَبْد اللَّهِ بن بريدة الأسلمي". وذكر فيه ماجاء في الجرح والتعديل؛ وعليه تسقط روايته .
(18) النسخة الأصلية لابن سعد جاءت الكلمة كما اثبتها هنا؛ وكذا طبعتي إحسان وعطا ؛ والمثبت من سبل الهدى جزء 1 / ص: 394؛ وهو ينقل من ابن سعد ؛ والزرقاني ج1/ ص : 106؛ وعيون الأثر جزء 1 / ص: 24 ؛ والنويري جزء 16/ ص 64 "دَنَتْ" )
(19) انظر :1.] ابن هشام؛ عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري؛ السيرة النبوية؛ الجزء الأول؛ ص: 174 ؛ آمنة بنت وهب تحمل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع؛ 1 شارع سليمان الحلبي(دوبريه) ؛ القاهرة، دارالجيل للطباعة ، جمورية مصر العربية ] .
2.] الفقيه المحدث أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد بن ابي الحسن الخثعمي السهيلي، الروض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام ؛ علق عليه طه عبدالرؤوف؛ الجزء الأول؛ دار المعرفة للنشر؛ بيروت –لبنان ؛ 1398 هـ ~ 1978 م.].
3.] ذُكر في الطبقات ؛ محمد بن سعد الزهري. كما ذكر ابن سعد حديثا مرفوعا رقم : 188 " قَالَ : عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، قَالَ : قَالَتْ أُمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ حَمَلْتُ الأَوْلادَ فَمَا حَمَلْتُ سَخْلَةً أَثْقَلَ مِنْهُ " ، قَالَ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِيُّ : وَهَذَا مِمَّا لا يُعْرَفُ عِنْدَنَا وَلا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ تَلِدْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَلا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
4.] ذكر البيهقي في الدلائل عن طريق آخر حديثاً مرفوعاً رقم : 33؛ وفيه زيادة أذكرها، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ ::" فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الأَرْضِ فَقُولِي : أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ مِنْ كُلِّ بِرِّ عَاهِدْ وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ يَرُودُ غَيْرَ رَائِدْ فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ حَتَّى أَرَاهُ قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ قَالَ : آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يَمْلأُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ ، فَإِذَا وَقَعَ ، فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ ، وَاسْمَهُ فِي الإِنْجِيلِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ ، وَاسْمَهُ فِي الْفُرْقَانِ مُحَمَّدٌ فَسَمَّيْتُهُ بِذَلِكَ " .
5.] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ؛ تاريخ الرسل والملوك ؛ ج: 2 ؛ ص : 243 و 244 و 245؛ تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم ؛ الطبعة الثانية ؛ دار المعارف بمصر ؛ القاهرة .
6.] وقال ابن كثير ؛ البداية والنهاية ؛ ج: 2 ؛ ص: 249 ؛ و 250 ؛ منشورات مكتبة المعارف - بيروت ؛ دون ذكر سنة النشر. [وقد تقدم في الحديث: « ورؤيا أمي الذي رأت حين حمل بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام». ثم يذكر ابن كثير:" وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في القرآن محمد، وهذا وذاك يقتضي أنها رأت حين حملت به عليه السلام كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، ثم لما وضعته رأت عيانا تأويل ذلك كما رأته قبل ذلك هاهنا، والله أعلم.
7.].وذكره دون تعليق صاحب الخصائص الكبرى؛ أبو الفضل جلال الدين عبدالرحمن أبي بكر السيوطي؛ دار النشر / دار الكتب العلمية - بيروت - 1405هـ - 1985م.
8.] وقال صاحب :" لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف؛ زين الدين عبدالرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ)؛ الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر؛ الطبعة: الأولى، 1424هـ/2004م"„ وأما إضاءة قصور بصرى بالنور الذي خرج معه فهو إشارة إلى ما خص الشام من نور نبوته بأنها دار ملكه كما ذكر كعب أن في الكتب السابقة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام فمن مكة بدئت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى الشام ينتهي ملكه ولهذا أسري به صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلى بيت المقدس كما هاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبله إلى الشام.” وهذا إجتهاد بالرأي؛ قلت(الرمادي): ما مدى صحته !؟ ؛ والواقع الحالي ينظر خلاف ذلك ؛ حتى ياذن الله تعالى بالفرج.

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

« „ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ ‟ »

الجزء الأول:
يجب عليَّ أن أنوه واركز على الشخصية المحورية الأولى في حياة محمد ؛ إذ أنها -أولاً- الحامل التي نمى في رحمها الطاهر الجنين(!) محمد بن عبدالله ؛ وهذه المرحلة العُمرية من تكوين الإنسان ينبغي أن نفرد لها بحثاً كاملاً وفق ما توفر لنا من حقائق شرعية –وفق الكتاب الكريم والسنة المطهرة- وحقائق علمية طبية ؛ -ثانياً- ثم دراسة شخصية -بشقيها: العقلي والنفسي- المرضعة الأولى التي التقم ثديها وتغذى بلبنها وقت كان محمد رضيعاً فتقوى في مهده بحليبها ؛ وإثناء الرضاعة شعر بحنان أم أرملة ؛ -الراجح- ؛ لذا فينبغي البحث والتنقيب ودراسة وتحليل شخصية المرأة الأولى -الأم- في حياة محمد . لتكون لنا دروساً عملية لنساء الغد وأمهات المستقبل.. ثم تلك السنوات الأول في حياته حين رافقته طفلا.
أقول (الرمادي) : رُويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات ؛ وأبدءُ بـ :
« „ مناقشة ظاهرة النور المصاحب لحمل آمنة(*) برسول الله صلى الله عليه وسلم ‟ »
هذا هو المبحث الثالث ؛ الذي أتحدثُ فيه عن النور ؛ الذي صاحب أولاً الجد ثم ثانياً الوالد ونتكلم هنا عن النور المصاحب لحمل آمنة بنت وهب بمحمد رسول الله.
هذا النور ينقسم إلى قسمين ؛ الأول حين بدء الحمل ؛ وهذا هو النور الأول ، أما النور الثاني فعند خروجه من رحمها الطاهر ؛ أي حين الوضع والولادة:
وهذا مِن مجمل ارهاصات ما قبل البعثة: فالارهاصات تعني الخوارق التي ظهرت قبل الولادة وإثناء الوضع وبعده وقبل النبوة، وتُعدّ من دلائل النبوة، لعلاقتها بها، وهي -الإرهاصات- غير المعجزات التي صاحبت فترة نبوته وإثناء رسالته ؛ والتي تصل إلى عشرة آلاف « „ ٠٠٠,١٠‟ » معجزة خلال ثلاثة وعشرين عاما زمن النبوة بمرحلتيها : « المكي » و « المدنية » وبالأيام تعادل « „ ٢٨٠,٨‟ » فيتبقى « „ ٧٢٠,١‟ » ؛ وكأن حدثت أكثر من معجزة في اليوم الواحد ؛ وهذه الإرهاصات اقسمها إلى ثلاثة اقسام:
« „ ١ ‟ » القسم الاول ما أخبرت به التوراة والانجيل والزبور وصحف الانبياء (1) عليهم السلام عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وهو ثابت بنص القرآن الكريم.". والقسم الثاني :
« „٢ ‟ » ما أخبر به الأحبار والرهبان والكهان ؛ أما الثالث :
« „ ٣ ‟ » فهي المعجزات التي صاحبت فترة نبوته. وسنفصل في البحوث القادمة كل منها .
**
إن إرهاصات مولده بدأت منذ خلق الله تعالى الأكوان، فعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ(أ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ (ب) لَخَاتَمُ (2) النَّبِيِّينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ (ج) عَنْ ذَلِكَ : دَعْوَةُ (3) أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبِشَارَةُ عِيسَى (د) (4) ، وَرُؤْيَا (5) أُمِّي الَّتِي رَأَتْ (6) (7).
ــــــــــــــــــــــــــ
زيادات الحديث وردت من مصادر :
(أ) جاءت رواية تقول : قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ :"...". .
(ب) وتوجد رواية تقول :"إني عبدالله" فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ .
(ج) وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ . وجاءت زيادة :" بأول أمري ". [صححه ابن حبان، والحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني. ].
(د) قَوْمَهُ .
**
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
الإصدار الأول من منشورات «استروعرب نيوز» القسم الثالث من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
نال شرف بحث ومراجعة هذه النصوص: مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
أثنين : ٢٠ رجب 1438ه~ 17 /04 / 2017م
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع والتعليقات :
(*) أُمَيْنَةُ تَصْغِيرُ آمِنَةَ.
(1) قال ابن تيمية في فتاويه ؛ ص: 238 :" لَكِنْ كَانَ ظُهُورُ خَبَرِهِ وَاسْمِهِ مَشْهُورًا أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ العرباض بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنِّي لَعَبْدُ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ : دَعْوَةِ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَ « رُؤْيَا » أُمِّي رَأَتْ حِينَ « وَلَدَتْنِي » كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ". قلتُ(الرمادي): الحديث هنا عن النور الثاني؛ أي عند الوضع والولادة.
(2) استسمح القارئ الكريم فأنبه على مسألتين آحداهما غير الآخرى فيوجد : بَاب « خَاتِمِ النُّبُوَّةِ » ، وهذه المسألة سأبحثها لاحقاً ؛ والآخرى : « خاتم النبيين ». فقد بوب البخاري باباً سماه :" بَاب « خَاتِمِ النَّبِيِّينَ » صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". خرج البخاري عَنْ طريق أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ " ، قَالَ: " فَأَنَا اللَّبِنَةُ " ؛ " وَأَنَا « خَاتِمُ » النَّبِيِّينَ ". وجاء بعدها زيادة عند المعجم الأوسط ؛ لـ أبي القاسم سليمان بن أحمد المعروف بـ( الطبراني) :" لَا نَبِيَّ بَعْدِي ".
كما بوب مسلم في صحيحه : 4237 بَاب ذِكْرِ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « خَاتَمَ النَّبِيِّينَ » وذكر عن طريق أبي هريرة كأستاذه محمد بن إسماعيل البخاري قول الرسول الكريم :" وَأَنَا « خَاتَمُ النَّبِيِّينَ » ". لكنه ذكر حديثاً عن طريق جَابِرٍ بن عبدالله الأنصاري جاء فيه :" جِئْتُ فَـ « خَتَمْتُ » الْأَنْبِيَاءَ " . وخرج أحمد بن حنبل في مسند أبي هريرة :" وَأَنَا « خَاتَمُ النَّبِيِّينَ » وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ". وذكر ابن تيمية في فتاويه ، ص: 151 :" وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ : وَمِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَصَابَ آدَمَ الْخَطِيئَةَ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : " يَا رَبِّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ إلَّا غَفَرْت لِي ". فَأَوْحَى إلَيْهِ : " وَمَا مُحَمَّدٌ ؟ ؛ وَمَنْ مُحَمَّدٌ ؟ ". فَقَالَ : " يَا رَبِّ إنَّك لَمَّا أَتْمَمْت خَلْقِي رَفَعْت رَأْسِي إلَى عَرْشِك فَإِذَا عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ إذْ قَرَنْت اسْمَهُ مَعَ اسْمِك " . فَقَالَ : " نَعَمْ ؛ قَدْ غَفَرْت لَك ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِك وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك ". ثم قال ابن تيمية :" فَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُمَا كَالتَّفْسِيرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . " قلت(الرمادي) : وهذا ما قبله ابن تيمية ؛ بل ذكره في فتواه . فتأمل.
(3) وَأخرجه الْبَزَّارُ ، وَالطَّبَرَانِيُّ : وَقَالَ : " سَأُحَدِّثُكُمْ تَأْوِيلَ ذَلِكَ : دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ ، دَعَا ...". فقال صاحب معارج القبول : " وَذَلِكَ تَأْوِيلُ دَعْوَةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذْ يَقُولُ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ إذ نطق القرآن في سورة البقرة فقال : « رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ﴿البقرة: ١٢٩﴾.: فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ الْمُبَارَكَةَ ، كَمَا قَضَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ ". [معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ؛ حافظ بن أحمد الحكي].
(4) وَبِشَارَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ كما نطق القرآن الكريم في سورة الصف فقال : « وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ »﴿الصف: ٦﴾. :" وَأَمَّا بُشْرَى عِيسَى فَقَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ : (« وذكر آية سورة الصف».[ معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ؛ حافظ بن أحمد الحكي] وجاء في المعجم الكبير : ص: 175 حديث: 7729 عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَ بُدُوُّ أَمْرِكَ ؟ فَقَالَ : " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبُشْرَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَ « رَأَتْ » أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ". [المعجم الكبير ؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد المعروف ؛ بـ ( الطبراني)] .
(5) ينبغي أن ننبه أن الرواية جاءت مرة بصيغة : " « رؤيا » أمي " ، والرواية الثانية : " « رأت » أمي ". وجاءت زيادة موضحة حال الرؤيا ؛ بأنها رؤية منامية في الرواية التي تخبر فيها عن الوضع والولادة فتقول: " وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ فِي « مَنَامِهَا » ، أَنَّهَا « وَضَعَتْ » نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" . [ التخريج: أَحَدُ أَسَانِيدِ أَحْمَدَ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ سُوِيدٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ] . ورواية آخرى مبينة :" وَرُؤْيَا أُمِّي رَأَتْ حِينَ « وَلَدَتْنِي » كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ".[انظر فتاوى ابن تيمية ] ؛ وَأَمَّا « رُؤْيَا » أُمِّهِ ، فَإِنَّهَا رَأَتْ « كَأَنَّهُ » خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ ، الْحَدِيثَ .". أنتبه للتعبير هذا « كَأَنَّهُ » [ انظر معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ؛ حافظ بن أحمد الحكي].
وعند العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري ما نصه :" وَمِمَّا ظَهَرَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ عِنْدَ مَوْلِدِهِ وَبَعْدَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أُمِّهِ -الراوية أم عثمان- أَنَّهَا حَضَرَتْ آمِنَةَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ قَالَتْ : فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدَلَّى حَتَّى أَقُولَ لَتَقَعْنَ عَلَيَّ ، فَلَمَّا « وَلَدَتْ » خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْتُ وَالدَّارُ . قلتُ( الرمادي): هذه شاهدةُ عينٍ تروي عما شاهدته. وَشَاهِدُهُ –أي ماعند العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري- حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : إِنِّي دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي ، وَ « رُؤْيَا » أُمِّي الَّتِي رَأَتْ ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ ، وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةُ عِنْدَ أَحْمَدَ نَحْوَهُ . وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ وَقَالَتْ : " أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ" . [انظر: فتح الباري شرح العسقلاني على صحيح متن البخاري :" بَاب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ". ] .
(6) ذكر ابن تيمية الحديث المروي عن طريق العرباض :" وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ « وَضَعَتْنِي » وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ".ثم ذكر السند ابن تيمية فقال :" رَوَاهُ البغوي فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَكَذَا ؛ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ بِالْإِسْنَادِ عَنْ العرباض:" وَ « رُؤْيَا » أُمِّي الَّتِي رَأَتْ " قلت(الرمادي): توجد زيادة أو إضافة في نهاية هذا الحديث تكلم عنها السادة علماء الحديث ألا وهي : « وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ » . فهل هذه الزيادة من كلام الراوي ؛ فأعتبرها البعض -خطاً- أنها من كلام النبي الرسول فنسبت إليه ؛ وأدرجها مع متن الحديث فصارت جزءا منه.!!؟؟. قلتُ(الرمادي): سأعود إليها.!! والله المستعان.
وذكر ابن كثير الدمشقي في البداية هذه الرواية :" وَرُؤْيَا أُمَّيِ الَّذِي رَأَتْ حِينَ « حَمَلَتْ » بِي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ :" . ثم قال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ :" أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهَا : إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ :" :" فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَقُولِي :
أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ
فِي كُلِّ بَرٍّ عَامِدْ ، وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ ،
نُزُولَ غَيْرِ ذَائِدْ ،
فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ
حَتَّى أَرَاهُ قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ
وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ « يَخْرُجُ مَعَهُ » نُورٌ يَمْلَأُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ :" . فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ ، وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ ، وَاسْمَهُ فِي الْقُرْآنِ مُحَمَّدٌ . وَهَذَا وَذَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ « كَأَنَّهُ » خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ، ثُمَّ لَمَّا ، وَضَعَتْهُ رَأَتْ عِيَانًا تَأْوِيلَ ذَلِكَ كَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَاهُنَا . ". وأنهى ابن كثير فقرته بالقول :" وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ".
وهناك رواية عن ابن عباس متداخلة السند قالت فيها :" حَتَّى وَضَعْتُهُ فَلَمَّا « فَصَلَ » مِنِّي خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ". ويكمل ابن كثير في البداية الرواية فيقول :" وَخَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ، وَأَسْوَاقُهَا حَتَّى رَأَيْتُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ . ". وسنضعها - هذه الرواية - في فصل قادم حين الحديث عن خروج النور عند الوضع والولادة .
(7) أَخْرَجَه أحمد ؛ وَالْبَزَّارُ ؛ وَالطَّبَرَانِيُّ ؛ والحاكم في مستدركه؛ تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ . ويوجد طريق آخر للحديث ؛ فكان من المبشرات بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه عندما حملت به أمه رأت في منامها أنه خرج منها نور بلغ الشام .:" عند الصالحي؛ سبل الهدى والرشاد: وروى الحاكم وصححه البيهقي عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم قالوا ؟ يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام" . (وفي لفظ « سراج » وفي لفظ « شهاب أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ».) . [تقرأه :عند " السيرة الحلبية؛ المسمى: إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون؛ علي بن برهان الدين الحلبي".].( رواه ابن إسحاق بسنده ( 1/166 سيرة ابن هشام ) ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره ( 1/566) ، والحاكم في مستدركه ( 2/600) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وانظر السلسلة الصحيحة (1545)) . قَالَ الْحَاكِمُ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ –رواي الحديث- مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ ، صَحِبَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَإِذَا أَسْنَدَ حَدِيثًا إِلَى الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجَاهُ.

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

ظاهرة نور جبين عبدالله

مناقشة(1) ظاهرة النور في جبين عبدالله في سياق « „ حكاية حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‟ »:
تحدثتُ عن مسألة النور الذي صاحب جد محمد ﷺ -عبدالمطلب- ونكمل في هذا الجزء -الثاني- النور الذي صاحب عبدالله بن عبدالمطلب: والعنوان العريض الذي أعتمده : « „ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ ‟ ».
نقرأ في سيرة ابن هشام تحت عنوان: مَا جَرَى بَيْنَ عَبْدِاللَّهِ وَالْمَرْأَةِ(2) الْمُتَعَرِّضَةِ لَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِآمِنَةَ : - فَزَعَمُوا - (3)" أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ، فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَا عَرَضَتْ فَقَالَ لَهَا : مَا لَكَ لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيَّ بِالْأَمْسِ ؟ قَالَتْ لَهُ : « „ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ‟ » ؛ : " فَلَيْسَ ( لِي ) بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ(4) . وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا - وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ؛ وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ : أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ .
قبل مناقشة ظاهرة النور في جبين عبدالله بن عبدالمطلب ينبغي القول ونؤكد :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا ، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وأن مسألة الإصطفاء والإجتباء والإرتضاء نص عليها الكتاب الكريم قطعيالثبوت قطعي الدلالة فنطق القرآن قائلاً: [ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ] ﴿آل عمران: ٣٣﴾ ؛ ومعلوم أن محمد بن عبدالله من آل إبراهيم ؛ فـ [... اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ..] ﴿الأنعام: ١٢٤﴾] ، لكنني ابحث روايات سطرت بين صفحات مراجع وحكاية تقرأ من بطون المصادر فيعتمدها مَن يقف بجوار منابر المساجد فينقل دون تحقيق ويروي دون تدقيق ؛ ويتمقعد كراسي الدرس والتدريس وأقواله لم يتحقق من صدقها... إذن نحن أمام حكاية مشهورة مروية في عامة كتب السيرة ودلائل النبوة ، ولها طرق وأسانيد متعددة ، ولكن عامة أسانيدها واهية.
ولنبدء مناقشة ظاهرة مشهورة :" ظاهرة النور في جبين عبدالله ".
امهدُ بالقول : لا يكاد يخلو كتاب من كتب السيرة من حديث النور وفيه : أن نور النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهر قبل الحمل به في جبين عبدالله والد رسول الله ﷺ .
ولما كان النور ظاهرة كونية فقد جعلها الناس من خصائصه الدالة على التبشير به قبل الحمل به وولادته .
قال العامري : " قال أهل السير ... وكان نور النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه (عبدالله ) فلما خرج منه ذلك النور وانتقل إلى وجه آمنة.... "(5).
وقال دحلان : " وكان نور النبي صلى الله عليه وسلم بيّـنا في وجهه (عبدالله ) " ؛
وفي رواية : " يرى في وجهه كالكوكب الدري " .
وفي شرح المواهب : " كان يتلألأ نورا في قريش فشغفت به نساء قريش " (6) . هذا أولاً .
أما ثانياً فقد اختلفت الروايات في تحديد اسم المرأة التي رأت النور -كما بيَّنت سابقاً-؛ فمنهم من زعم أنها :
1.) فاطمة بنت مر الخثعمية ، ومنهم من قال أنها :
2.) أم قتال ؛ أخت ورقة بنت نوفل ، ومنهم من قال أنها :
3.) ليلى العدوية ، ومنهم من قال أنها :
4.) زوجة أخرى كانت مع آمنة تحت عصمة عبدالله ، ومنهم من قال أنها :
5.) امرأة من قريش رأت النور فدعت النساء إلى المسارعة لأخذ النور من جبين عبدالله. [أخرجه أبو نعيم(7) في دلائل النبوة]. هذه الروايات بأسانيدها نضعها أمام أهل الجرح والتعديل ليقولوا قولتهم الصادقة في رجالها.
روايا ت ظاهرة النور :
1. ) رواية المرأة الخثعمية:
ذكر البهيقي حديثا موقوفا برقم: 44 ؛ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُالْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَعْرِضُ نَفْسَهَا فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ ، وَكَانَ مَعَهَا أَدَمٌ تَطُوفُ بِهَا كَأَنَّهَا تَبِيعُهَا ، فَأَتَتْ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، - فَأَظُنُّ أَنَّهُ أَعْجَبَهَا- ، فَقَالَتْ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَطُوفُ بِهَذَا الأَدَمِ وَمَا لِي إِلَى ثَمَنِهَا حَاجَةٌ ، وَإِنَّمَا أَتَوَسَّمُ الرَّجُلَ هَلْ أَجِدُ كُفُؤًا ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ ، فَقُمْ ، فَقَالَ لَهَا : مَكَانَكِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكِ ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَحْلِهِ ، فَبَدَأَ فَوَاقَعَ أَهْلَهُ [آمنة بنت وهب] ، فَحَمَلَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا ، قَالَتْ : أَلا أَرَاكَ هَهُنَا ؟ قَالَتْ : وَمَنْ كُنْتَ ؟ قَالَ : الَّذِي وَاعَدْتُكِ ، قَالَتْ : لا ، مَا أَنْتَ هُوَ ، وَلَئِنْ كُنْتَ هُوَ ، لَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورًا مَا أَرَاهُ الآنَ ". قلتُ (الرمادي) تجده عند البيهقي وعند ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال :" أخبرنا أبو عبدالله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي ".
رواية آخرى؛ حديث موقوف أيضاً برقم : 56 وذكر مثله.(8) . فيه عبدالوارث بن إبراهيم لم يعثر له على ترجمة ، وفيه عبدالباقي بن قانع ، اتفق المترجمون لحياته على "تغيير حفظه في آخر عمره" ، قال الدارقطني :" كان يحفظ ولكنه يخطئ ويصيب" . وضعفه البرقاني. وقال ابن حزم :" منكر الحديث تركه أصحاب الحديث جملة". وأيضا ابن سفيان في المالكيين نظير ابن قانع في الحنفيين وجد في حديثهما الكذب البحت والبلاء المبين والوضع اللائح ، فإما تغييرا ، وإما حملا لا خير فيه من كذاب ومغفل يقبل التلقين (9) . وفيه أيضا مسلمة بنت علقمة وثقه ابن معين . وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : ليس بالقوي وضعفه أحمد وقال :" روي عن داود مناكير" ووافقه الساجي وزاد وكان قدريا ، وذكره العقيلي في الضعفاء(10) . هذا الحديث الذي أورده البيهقي في دلائله ذكره أبو نعيم في دلائل النبوة فقال : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة قال : حدثنا علي بن حرب قال: حدثنا محمد بن عمارة القرشي قال : حدثنا مسلم بن خالد الزنجي،عن ابن جُريح عن عطاء عن ابن عباس(11). وفيه مسلم بن خالد الزنجي ذكره ابن حبان في الثقات وقال :"كان يخطئ أحيانا" ، ووافقه الساجي في قوله هذا . وقال ابن عدي :" أرجو أنه لا بأس فيه . وقال ابن سعد : "كان كثير الغلط في حديثه" ، وقال المدني :" ليس بشيء". قال البخاري :" منكر الحديث" ، وقال أبو حاتم لا يحتج به ، وضعفه أبو داود والنسائي ، وذكره ابن البرقي في باب من نسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه . وقد ذكر أهل الجرح والتعديل من روايته بعض الأحاديث الضعيفة ثم قال الذهبي معلقا :" فهذه الأحاديث وأمثالها ترد بها قوة الرجل ويضعف". (12). وفيه أيضا محمد بن عمارة لم يعثر له على ترجمة . وأورد أبو نعيم هذا الحديث من طريق آخر فقال : حدثنا عمر بن محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن السندي، حدثنا النضر بن مسلمة ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالعزيز عن أبيه قال : حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أم سلمة وعامر بن سعد عن أبيه سعد قال (13). وفيه محمد بن عبدالعزيز عن أبيه الزهري ، قال العقيلي : قال البخاري :" منكر الحديث لا يتابع" . وجاء في المغني : ضعفوه ، وقال ابن حبان:" كان ممن يروي عن الثقات المعضلات ، وإذا انفرد أتى بالطامات عن أقوام أثبات حتى سقط الإحتجاج به" . قال أبو نعيم : منكر الحديث(14).
قال أبو نعيم : رواه عبدالله بن بشير عن أحمد بن محمد ابن عبدالعزيز ولم يذكر عامر وسعيد . وذكر الحديث أيضا ابن سعد في طبقاته من طريق هشام بن محمد السائب الكلبي عن أبي الفياض الخثعمي (15). وفيه هشام الكلبي قال ابن حبان :" يروي عن أبيه ومعروف بن سليمان والعراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها ... أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وضعها ؛ فـهشام بن محمد وأبوه متهمان . وقال الذهبي:" تركوه وهو اخباري . وقال الدارقطني: متروك، وقال بن عساكر : رافضي ، وقال أحمد والبخاري صاحب سير ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه . (16). قال السيوطي : أخرجه ابن سعد من طريق ابن هشام ...معضلا(17). وذكر الحديث أيضا ابن سعد من طريق وهب بن جرير بن حازم ، حدثنا أبي ،سمعت أبى يزيد المدني ، قال: نبئت أن عبدالله أتى امرأة من خثعم. (18). وفيه أبو يزيد المدني : قال ابن أبي حاتم عن أبيه : سئل مالك فقال : لا أعرفه ، وقال أبوزرعة : لا أعلم به ، وقال ابن أبي حاتم : يروي عن ابن عباس وتارة يدخل بينه وبين ابن عباس عن عكرمة قال : وسألت أبي عنه قال: يكتب حديثه قلت : ما اسمه. قال : لا يسمى (19) .
قال محقق كتاب البداية والنهاية :" هذا (الحديث) ظاهر الاختلاق وعليه ركاكة الصنع ، وتفاهة الوضع ". (20) .
**
2. ) رواية أم قتال ؛ أخت ورقة بن نوفل:
ذكر البيهقي حديثا مقطوعا برقم: 41أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالْجَبَّارِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : " ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُالْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِاللَّهِ ، فَمَرَّ بِهِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ، وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ : أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَاللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَعَ أَبِي ، قَالَتْ : لَكَ عِنْدِي مِنَ الإِبِلِ مِثْلُ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ ، وَقَعْ عَلَيَّ الآنَ ، فَقَالَ لَهَا : إِنِّي مَعِيَ أَبِي الآنَ ، لا أَسْتَطِيعُ خِلافَهُ وَلا فِرَاقَهُ ، وَلا أُرِيدُ أَنْ أَعْصِيَهُ شَيْئًا ، فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُالْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَوَهْبٌ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا ، فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ امْرَأَةٍ فِي قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا [وذكر أمهاتها].. قَالَ : وَ- ذَكَرُوا - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ مَلَكَهَا مَكَانَهُ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا عَبْدُاللَّهِ ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا حَتَّى أَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي قَالَتْ لَهُ مَا قَالَتْ ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى وَهِيَ فِي مَجْلِسِهَا ، فَجَلَسَ إِلَيْهَا ، وَقَالَ لَهَا : مَا لَكِ لا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِثْلَ الَّذِي عَرَضْتِ أَمْسِ ؟ فَقَالَتْ : قَدْ « „ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ فِيكَ ‟ ». فَلَيْسَ لِي بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ ، وَكَانَتْ - فِيمَا زَعَمُوا - تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ ، يَقُولُ : إِنَّهُ لَكَائِنٌ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ". (21) . قال السهيلي: اسم هذه المرأة رقية بنت نوفل ، تكنى أم قتال. (22). وذكر البيهقي في الدلائل :" وَاسْمُهَا : أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ ". هذا الحديث منقطع الإسناد-كما بينت في بداية الإستشهاد- ، وهو موقوف على محمد بن اسحاق، صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر ؛ من صغار الطبقة الخامسة. (23).
قال محقق سير ابن كثير : الواضح من الرواية أنها طلبت من عبدالله الفاحشة فأبى ، وفي اليوم التالي عرض هو عليها فأبت وعللت -ذلك- بأن النور الذي كان في وجهه قد زال ، وفي هذا اتهام لعبدالله ، وفلسفة للفاحشة بأنها كانت رغبة في النور ... وليس نور النبوة افراز عضو ولا اشراقة وجه. والرواية ظاهرة الإختلاق وهي ذم في صورة مدح (24). قلتُ(الرمادي): وهذا ما جاء في تاريخ الطبري ؛ بنفس المنطق وذات الفلسفة ؛ لكن مع امرأة آخرى هي (فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ) الخثعمية الـ (كَاهِنَة) فقالت لعبدالله [ يَا فَتَى ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ نُورًا ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِي ، وَأَبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ أَرَادَ ، فَمَا صَنَعْتَ بَعْدِي ؟ : قَالَ زَوَّجَنِي أَبِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلاثًا ،]" وهذا الحديث موقوف.
**
3. ) رواية ليلى العدوية:
ذكر أبو نعيم في دلائل النبوة حديثا مرفوعا برقم: 73" حدثنا سليمان بن أحمد قال :حدثنا أحمد بن عمر الجلال المكي قال : حدثنا محمد بن منصور الجواز قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : حدثنا عبدالعزيز بن عمران قال : حدثني محمد بن عبدالعزيز بن وتذكر (لَيْلَى الْعَدَوِيَّةُ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلالُ الْمَكِّيُّ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْجَوَّازِ ، قَالَ : ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، قَالَ : ثنا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ، يَقُولُ : " نَحْنُ أَعْظَمُ خَلْقِ اللَّهِ بَرَكَةً ، وَأَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَلَدًا " . خَرَجَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ذَاتَ يَوْمٍ مُتَحَضِّرًا مُتَرَجِّلا ، حَتَّى جَلَسَ فِي الْبَطْحَاءِ ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ لَيْلَى الْعَدَوِيَّةُ ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ : أَرْجِعُ إِلَيْكِ ، وَدَخَلَ عَبْدُاللَّهِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، فَقَالَ لَهَا : اخْرُجِي ، فَوَاقَعَهَا وَخَرَجَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ لَيْلَى ، قَالَتْ : مَا فَعَلْتَ ؟ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ : قَدْ رَجَعْتُ إِلَيْكِ ، قَالَتْ لَيْلَى : " لَقَدْ دَخَلْتَ بِنُورٍ مَا خَرَجْتَ بِهِ ، وَلَئِنْ كُنْتَ أَلْمَمْتَ بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ لَتَلِدَنَّ مَلِكًا " . (25) ، ويعقوب بن محمد الزهري تالف ، قال أحمد ليس يسوي شيئا ، وقال أبو زرعة واهي الحديث ، وقال ابن معين أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي - والواقدي متهم - وقال الساجي منكر الحديث [تهذيب التهذيب: 11 /348 . وفيه عبدالعزيز بن عمران متروك الحديث(26) . قال السهيلي : وفي غريب ابن قتيبة أن التي عرضت نفسها عليه هي ليلى العدوية (27).
وهناك رواية آخرى عند أبي نعيم حديث رقم: 72؛ مرفوعا:" حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السُّدِّيِّ ، ثنا النَّضْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ ، قَالَ : أَقْبَلَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الطِّينِ وَالْغُبَارِ ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ ، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ : عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِهِ : فَمَرَّ بِلَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ ، وَرَأَتْ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ دَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا ، وَقَالَتْ لَهُ : إِنْ وَقَعْتَ بِي فَلَكَ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ : حَتَّى أَغْسِلَ عَنِّي هَذَا الطِّينَ الَّذِي عَلَيَّ وَأَرْجِعَ إِلَيْكِ ، فَدَخَلَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، فَوَقَعَ بِهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَثْعَمِيَّةِ ، وَقَالَ عَامِرٌ : إِلَى لَيْلَى الْعَدَوِيَّةِ ، فَقَالَ : هَلْ لَكِ فِيمَا قُلْتِ ؟ قَالَتْ : لا يَا عَبْدَاللَّهِ . قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَتْ : لأَنَّكَ " مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ نُورٌ ، ثُمَّ رَجَعْتَ إِلَيَّ وَقَدِ انْتَزَعَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ مِنْكَ ، فَحَمَلَتْ آمِنَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ سَعِيدٍ " . وقال أبو نعيم (28) وفيه محمد بن عبدالعزيز وهو منكر الحديث.
**
4. ) رواية الزوجة الثانية:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ قال : حدثنا أبو العباس : أحمد بن عبدالجبار ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن اسحاق قال عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري؛ في السيرة النبوية؛ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ عَبْدَاللَّهِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطِّينِ ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطِّينِ ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ ، فَمَرَّ بِهَا ، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا ، فَأَبَى عَلَيْهَا ، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمِّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ ، فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَكَ ؟ قَالَتْ : لَا ، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ ، فَدَعَوْتُكَ فَأَبَيْتَ عَلَيَّ ، وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : - فَزَعَمُوا - أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدِّثُ : أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ ، قَالَتْ : فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ بِي ، فَأَبَى عَلَيَّ ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ ، فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .): ورواه البيهقي في "الدلائل" : 1؛ 105؛ من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ حُدِّثْتُ أَنَّهُ ... ؛ فذكره بنحو مما سبق . وهذا مرسل . (29). هذا الحديث منقطع الإسناد ومن متنه يظهر وضعه وكذبه ، وقد علق أحد الباحثين على هذه الحكاية قائلا : وأغرب روايات المتعرضات رواية تذهب إلى أن عبدالله بن عبدالمطلب كانت له زوجة مع آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الزوجة هي التي عرضت عليه نفسها...وهذه الرواية تبدو عليها آثار الصنعة .....فكأن واضعي هذه الرواية أرادوا المبالغة في تطهير والد رسول الله صلى الله عليه وسلم (30) .
5. ) رواية تقول : أنها امرأة من نساء قريش:
قال أبو نعيم في دلائل النبوة : (31) ؛ حديث مرفوع: 75 :" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِالأَعْلَى ، قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : « كَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَحْسَنَ رَجُلٍ رُؤِيَ قَطُّ ، خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ : أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ بِهَذَا الْفَتَى ؟ " فَتَصْطَبُّ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَإِنِّي أَرَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا ، فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجْأَةً ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ». الحديث من مرسلات الزهري . ولعل في هذه النسخة المطبوعة تصحيفا ، وأن الصواب : ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب ؛ فإن ذلك هو المعروف ، ولا نعرف في شيوخ ابن وهب من اسمه أحمد بن يونس .
الخلاصة : " تبين من دراسة أسانيد الروايات السابقة أن بعضها منقطع وبعضها بلا اسناد ، وبعضها ظاهر الوضع والضعف . وهي روايات لا يقوي بعضها بعضا . لذا أُجزم بعدم ثبوت هذه الإرهاصات على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها لو كانت بالفعل لأثبتها نبينا صلى الله عليه وسلم لنفسه كما أثبت غيرها ، كحادثة شق الصدر وهي من الإرهاصات التي أثبتها لنفسه صلى الله عليه وسلم مما حصل له قبل مبعثه وليس قبل الحمل به أو يوم ولادته " . فهذه الحكاية « „ النور في جبين عبدالله في قبل حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‟ »:ضعيفة من جميع طرقها ، وأن عامتها واهية لا يستشهد بها فضلاً عن أن يحتج بها ، ومما يدل على تهافت هذه الروايات ؛ وأنها من تلفيق القصاص ما يلي :"
1.] تعارض مضمونها مع ما " قَالَه زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ »(32) ".
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رمي النجوم :" إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ." (33)".
2.] إن الروايات تحمل طابع الكهانة أو ادعاء معرفة الغيب وهذا مرفوض بالكتاب والسنة . و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ "(34).
3.] اضطراب الروايات في تحديد اسم المعترضة لأجل النور حيث بلغ عددهن خمس نساء ، وقد حاول محمد عرجون تبرير ذلك فقال : " إن قصة التعرض ربما تكررت مع أكثر من امرأة واحدة " (35) وهذا تبرير ليس له أساس وخاصة بعد ما تبين ضعف الروايات وأنها ليست بمتصلة ولا مرفوعة بل أحاديثها معضلة وبعضها بلا إسناد.
4.] إن ثلاثة نساء حاولن أخذ النور سفاحا ، ونور النبوة يؤخذ نكاحا . ولعل الأهم من وجهة نظري:
5.] أن آمنة زوج عبدالله لم يرو عنها أي شيء بخصوص هذا الأمر؛ وهي أولى من غيرها في ادعاء ذلك. (36).
==========
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ -أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
الثلاثاء ١٤ رجب ١٤٣٨ الموافق ۱١ من شهر أبريل عام ٢٠١٧
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات والمصادر :
(1) ما يجب بحثه باسلوب علمي في مسائل وقضايا السيرة النبوية ابتداءًا وأيضاً السنة المحمدية -المصدر الثاني من التشريع- ومِن ثم مناقشته تحقيقاً وتدقيقاً وبالتالي رده من حيث المعقول والمنقول كثير جداً ، وشأني في ذلك كله أن لا أثبت إلا ما ثبت بالدليل الصحيح عند علماء الحديث ورجال هذا الفن . والله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- أسأل أن يجعل عملي هذا وبحثي خالصاً لوجهه الكريم وصواباً وبعيدا عن الزلل والهوى.
(2) المصادر المعتمدة تذكر « المرأة » دون ذكر اسمها مما يدعو الباحث إلى التأكيد على أن الروايات عددت المرأة ولم تكن فقط امرأة واحدة فيذكر اسمها . فقد ذكر السهيلي اسم المرأة فقال :" هذه المرأة... رقية بنت نوفل ؛ أخت ورقة ابن نوفل؛ وتكنى أم قتال " وهذه رواية عن المرأة التي عرضت نفسها ؛ هذه هي الرواية الأولى المتعلقة بمسألة النور .
بيد أن البرقي ذكر عن هشام بن الكلبي فقال :" إنما مر على امرأة اسمها فاطمة بنت مر" ؛ وهذه الرواية الثانية ؛ ثم وصفها فقال :" وكانت من أجمل النساء وأعفهن " . ثم أكمل يقول :" وكانت قرأت الكتب" . والطبري في تاريخه رقم الحديث 388 ؛ ج: 2 ؛ ص: 439 يذكر حديثا موقوفا ؛ وابن كثير في البداية يذكرها :" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا انْطَلَقَ عَبْدُالْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ عَبْدِاللَّهِ لِيُزَوِّجَهُ مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ [عند الطبري :" خَثْعَمٍ " ] أَهْلِ تَبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ يُقَالَ لَهَا : فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ ". [رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" ؛ ص131 ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ج: 3 ؛ ص: 404 ، والخرائطي كما في "البداية والنهاية" : ج: 2 ؛ ص: 308.] .
قلتُ (الرمادي) : والشاهد هنا :" فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِاللَّهِ " [رواية الطبري :" فَرَأَتْ فِي وَجْهِهِ نُورًا " ] .
أما المرأة الثالثة فذكر ابن قتيبة :" ان التي عرضت نفسها عليه هي ليلى العدوية ". قلتُ (الرمادي) فوصل عددهن إلى ثلاث نساء.. ونثبت هنا للمرة الثانية ما أردنا تبيانه بضعف رواية «„ النور ‟» إذ قال ابن هشام في السيرة النبوية :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :" فَزَعَمُوا " أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدِّثُ : أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَ « „ بَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ ‟ » ؛ قَالَتْ : فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ بِي ، فَأَبَى عَلَيَّ ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ ، فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .".
وهناك امرأة رابعة - رواية ابن هشام - " إنما دخل على امرأة كانت له" . وهي التي قَالَتْ : « „ مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ ‟ » ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :" فَزَعَمُوا :" أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدِّثُ : أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَ « „ بَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ ‟ » . جاء في لسان العرب لابن منظور :" وَالْغُرَّةُ ، بِالضَّمِّ : بَيَاضٌ فِي الْجَبْهَةِ .وَغُرَّةُ الْفَرَسِ : الْبَيَاضُ الَّذِي يَكُونُ فِي وَجْهِهِ "(بَابُ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ). . [ راجع ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ جزء : 1 ؛ ص 172 و 173 و 174 ؛ دار الفكر ؛ القاهرة . دون ذكر سنة الطبع ] .
* . ) انظر الروض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام ؛ علق عليه طه عبدالرؤوف؛ الجزء الأول ؛ ص : 178 و 179 و 180 ؛ دار المعرفة للنشر ؛ بيروت –لبنان ؛ 1398 هـ ~ 1978 م ].
* . ) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ؛ تاريخ الرسل والملوك ؛ ج: 2 ؛ ص : 243 و 244 و 245؛ تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم ؛ الطبعة الثانية ؛ دار المعارف بمصر ؛ القاهرة .
* . ) ذكر صاحب الكامل في تاريخه : باباً تحت عنوان " نَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِكْرُ بَعْضِ أَخْبَارِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ ".
1.) :" مَرَّ عَلَى أُمِّ قِتَالِ ابْنَةِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ أُخْتِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَهِيَ عِنْدَ الْبَيْتِ " ؛ :" قَالَتْ : فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ ، فَلَيْسَ لِي بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ . وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ. ".
2.) :" وَقِيلَ : مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّة ، مُتَهَوِّدَةٍ مِنْ أَهْلِ تَبَالَةَ ، فَرَأَتْ فِي وَجْهِهِ نُورًا وَقَالَتْ لَهُ : يَا فَتَى هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْآنَ وَأُعْطِيَكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ؟ ، :" قَالَتْ : يَا فَتَى مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ نُورًا يَكُونُ لِي ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ أَرَادَ ، فَمَا صَنَعْتَ بَعْدِي ؟ قَالَ : زَوَّجَنِي أَبِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ".
* . ) ابن كثير ؛ البداية والنهاية ؛ ج: 2 ؛ ص: 249 ؛ و 250 ؛ منشورات مكتبة المعارف - بيروت ؛ دون ذكر سنة النشر.
* . ) يتساءل صاحب حياة محمد ؛ محمد حسين هيكل إذ يقول :" وهل عرضت عليه - عبدالله- نساء ... أنفسهن " . ثم يتوقف هيكل ليقول :" والوقوف لتقصِّي أمثال هذه الروايات لا غَناء فيه. " ثم يصل إلى القول :" وكل ما يمكن الإطمئنان إليه أن عبدالله كان شاباً وسيماً قوياً " ؛ قلتُ (الرمادي) : هذا الوصف لعبدالله أثبته الطبري [ص:246] إذ قال :" عن الزهري : أن عبدالله بن عبدالمطلب كان أجملَ رجال قريش ؛ فذكر لآمنة بنت وهب جمالُه وهيئته ؛ وقيل لها : هل لكِ أن تزَوَّجيه! ؛ فتزوَّجَتْه ". يكمل هيكل : " فلم يكن عجباً أن تطمع [نساء]... في الزواج منه ". ويستدرك بالقول :" فلما بنى بها -آمنة- تقطعت بغيرها أسباب الأمل ولو إلى حين . " . ولكنه -هيكل- تساءل ؛ ولا أذهبُ (الرمادي) إلى ما ذهب إليه حين قال :" ومَن يدري (!) لعلهن قد انتظرن أوبته من رحلته إلى الشام ليكنَّ زوجات له مع آمنة "(!!؟). قلت (الرمادي) يوجد رد في الروايات :" أن هناك نور قد ذهب حين ألتقى بـ آمنة." [ محمد حسين هيكل ؛ حياة محمد ؛ ص: 107 ؛ مكتبة النهضة المصرية ؛ القاهرة 1968] .
* . ) انظر : بحث الكاتب تحت باب « تَزْوِيجُ عَبْدِاللَّهِ بِـ آمِنَةَ » منشورات موقع استروعرب نيوز .
(3) صيغة تمريض ؛ اي ضعف للرواية . [ابن هشام ؛ السيرة النبوية ج: 1 ؛ ص: 173. ].
(4) ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ ص: 173 ؛ ذكر سرد النسب الزكي) .
(5) بهجة المحافل بغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل ، ج:1 ، ص: 35.
(6) السيرة النبوية والآثار المحمدية ، ج:1 ، ص:18 .
(7) دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني ؛ الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي تَزْوِيجِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ؛ رقم الحديث: 75؛ وهو حديث مرفوع.
(8) انظر : البيهقي : دلائل النبوة ، ج:1، ص: 107- 108 ؛ وهو حديث :" موقوف " ، وانظر ابن عساكر في تاريخ دمشق ؛ مجلد : 3 ص : 403 ، وانظر : حديث مجاعة بن الزبير ؛ وانظر : مختصر تاريخ دمشق ؛ ذكر معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله ؛ ذكر طهارة مولده وطيب أصله ؛ ص: 120. والخبر نقله السيوطي في خصائص الكبرى: ج: 1؛ ص:41 ؛ وأيضاً دلائل النبوة لـ أبي نعيم ، ص: 90 .
(9) انظر : لسان الميزان ، ج: 3 ، ص: 384.
(10) انظر : لسان الميزان ،ج: 3 ، ص: 384 ، وميزان الإعتدال ، ج: 4 ، ص: 109 ، وتهذيب التهذيب ، ج: 10 ، ص: 145 ، والضعفاء للعقيلي ، ص: 1799.
(11) انظر : دلائل النبوة لأبي نعيم ، ح: 74 ، والطبري ، م: 1 ، ص: 439 ، وابن كثير في البداية والنهاية ، ج: 1 ، ص: 178.
(12) انظر : تهذيب التهذيب ، ج: 10 ، ص: 129- 130 ، وميزان الإعتدال ، ج: 4 ، ص: 103 ، والضعفاء للبخاري: رقم 342 ، والضعفاء للنسائي: رقم 569..
(13) انظر : أبو نعيم ، دلائل النبوة ، حديث رقم: 72 ، قال محققه : أخرج القصة ابن هشام في السيرة ، ج: 1 ، ص: 156 بدون اسناد.
(14) انظر : التاريخ الصغير ، ج:2 ، ص: 184 ، والضعفاء للنسائي: رقم 528 ، والعقيلي: رقم 1661 ، والدارقطني: رقم 456، وعند أبي نعيم: رقم 235 ، والمجروحين ، ج: 2 ، ص: 264 ، وميزان الإعتدال ، ج: 3 ، ص: 267 ، ولسان الميزان ، ج: 5، ص: 259 ، والجرح والتعديل ، ج: 4 ، ص: 7 ، والتاريخ الكبير ، ج: 1 ، ص: 163، والمغني في الضعفاء : رقم: 5767.
(15) انظر : ابن سعد ، الطبقات ، ج: 1 ، ص: 69 ، والخصائص الكبرى ، ج: 1، ص: 41 ، وتاريخ الخميس ، ج: 1 ، ص: 184 ، والروض الأنف ، ج: 1 ، ص: 180 ، والسيرة الحلبية ، ج: 2 ، ص: 62-63 ، والكامل في التاريخ ، ج: 2 ، ص: 4 بدون اسناد .
(16) انظر : المغني في الضعفاء: رقم 6756 ، والمجروحين ، ج:3 ، ص: 19 ، وميزان الإعتدال ، ج: 4 ، ص: 304 ، والتاريخ الكبير : رقم 2707 .
(17) انظر: الخصائص ، السيوطي، ج:1 ، ص: 41 .
(18) انظر : طبقات ابن سعد ، ج: 1 ، ص: 69 ، والخصائص ، ج: 1 ، ص: 41 .
(19) انظر : تهذيب التهذيب ، ج: 2 ، ص: 380 .
(20) انظر : البداية والنهاية ، ج: 1 ، ص: 178.
(21) انظر: دلائل النبوة للبيهقي ، ج:1، ص:102-104، الْمَدْخَلُ إِلَى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ وَمَعْرِفَةِ ...» جِمَاعُ أَبْوَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ ...» بَابُ : تَزَوُّجِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ؛ والبيهقي يقول :" قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ :" وَهَذَا الشَّيْءُ قَدْ سَمِعَتْهُ مِنْ أَخِيهَا فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،.لكن جاء في متن ما قاله البيهقي :" وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ كَانَتِ امْرَأَةَ عَبْدِاللَّهِ مَعَ آمِنَةَ ". وانظر : ابن سعد في طبقاته : ج:1 ، ص: 85 ، وعيون الأثر ، ج: 1 ، ص: 31 ، ونهاية الأرب ، ج: 16 ، ص: 58 ، والطبري في تاريخه ، ج: 2 ، ص: 174 ، والكامل ، ج: 2 ، ص: 4 ، والخصائص الكبرى ، ج: 1 ، ص: 42 ، والسيرة ؛ ابن كثير ، ج: 1 ، ص: 176 ، وتاريخ الخميس ؛ ج: 1 ، ص: 184 . كماتجده عند سبل الهدى والرشاد ؛: الصالحي الشامي ؛ مجلد : : 1 ص : 326.
(22) انظر: الروض الأنف ، ج: 1 ، ص: 180.
قال البيهقي: قلت: وهذا الشيء قد سمعته من أخيها في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ويحتمل أن كانت أيضا امرأة عبداللَّه مع آمنة. قال د. عبدالمعطي قلعجي؛ محقق دلائل النبوة للبيهقي (4/43) تعليقا على هذا الخبر: خبر غريب موضوع، لا سند له، ولا منطق يؤيده، ويناقض الأحاديث الصحيحة، تناقلته كتب السيرة بما دسّه عليها أعداء الإسلام، من يهود، وسبيئة، وشانئين، ومنافقين.
1- فرغم ما عرف عن تمسك المؤرخين بالسند، وأن كل الأخبار الصحيحة وردت بالسند القوي المتواتر، فهذا الخبر ليس له سند، فلا هو بمتصل، ولا بمرفوع، لا، بل نقله (الطبري) :2/ 243، [ابن هشام: 1/ 291] ، [البيهقي: 1/ 102] ، [المقريزي في النسخة (خ) من إمتاع الأسماع] ، [بقولهم جميعا] : «فيما يزعمون» [قلت(الرمادي) نقلته من :"هامش دلائل النبوة للبيهقي ؛ ج:1 ، ص:104.".]
2- إن متنه وما تضمنه من حكاية المرأة التي عرضت الزنا على عبداللَّه وهو حديث عهد بزواج، تناقض الأحاديث الصحيحة، من طهارة وشرف نسب الأنبياء، وأن هذه الطهارة، وهذا الشرف من دلائل نبوتهم، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: «إن اللَّه اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» .وهذا الحديث في الترمذي ومسند أحمد، وأن اللَّه طهره من عهر الجاهلية وأرجاسها، ووالده –عبداللَّه- كان صورة طبق الأصل من عبدالمطلب، ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التي كانت بيد عبدالمطلب، وكان شعاره الّذي التزمه طيلة حياته: أما الحرام فالممات دونه رجل هذا شأنه، هل نطمئن إلى هذه الروايات المزعومة، وأنه بعد أن دخل بزوجته آمنة، عاد فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها: «مالك لا تعرضين عليّ اليوم ما كنت عرضت عليّ بالأمس؟» !!.
3- تخبطت الروايات في اسم المرأة، فهي مرة امرأة من خثعم، ومرة أم قتال أخت ورقة ابن نوفل، ومرة هي ليلى العدوية، ومرة كاهنة من أهل قبالة متهوّدة، ومرة أنه كان متزوجا بامرأة أخرى غير آمنة ... إلخ هذا التخبط الدال على الكذب، ولماذا اختار الرواة أخت ورقة ابن نوفل، أو امرأة كانت قد قرأت الكتب؟!.
4- إننا إذا نظرنا إلى الشعر الوارد في هذا الخبر على لسان المرأة، لوجدناه شعرا ركيكا، مزيفا، مصنوعا، ملفقا، مضطرب القافية، محشورة الكلمات فيه بشكل مصطنع واضح الدلالة على تلفيقه، وبهذا كله يسقط هذا الخبر الواهي، ويدل على هذا قول ابن إسحاق، والطبري.
(23) انظر : التاريخ الكبير ، ج: 1 ، ص: 40 ، والعقيلي في الضعفاء: رقم 1578. والجرح والتعديل ، ج:7 ، صك191. وابن عدي في الكامل في الضعفاء ، ج:6 ، ص: 2116 ، وميزان الإعتدال ، ج: 3 ، ص: 46 ، وتقريب التهذيب ،ج: 2 ، ص: 142 ، والضعفاء والمتروكون للدارقطني: رقم 513 .
(24) انظر: السيرة ؛ ابن كثير ، ج: 1، ص: 176-177.
(25) انظر : دلائل النبوة ، ح: 73 ، وذكره السيوطي في خصائصه ، ج: 1، ص: 40،ولم يعزه إلى غيره أبي نعيم ، وفي عيون الأثر ، ج: 1، ص: 23.
(26) انظر : التاريخ الكبير ، ج: 3، ص: 29 ، الصغير ، ج: 2، ص: 257، والعقيلي في الضعفاء: رقم 969 ، والجرح ، ج: 2 ، ص: 390 ، وميزان الإعتدال ، ج: 2، ص: 632، والتهذيب، ج: 6، ص: 351، الدارقطني في الضعفاء: رقم 349 ، والنسائي: رقم 392.
(27) انظر : الروض الانف ، ج: 1 ، ص: 179.
(28) نظر : أبو نعيم ، ص: 72.
(29) انظر : دلائل النبوة للبيهقي ، ج:1، ص: 105-106، الطبري في تاريخه ، م: 1 ، ص: 439 ، والروض الأنف ، ج: 1، ص: 179.
(30) انظر ، محمد رسول الله ، ج1 ، ص 83-84.
(31) انظر ، دلائل النبوة لأبي نعيم ،ح75، ذكره السيوطي في خصائصه ، ج1 ، ص41.
(32) متفق عليه .
(33) " أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ... ". رواه مسلم .
(34) قال صاحب المستدرك على الصحيحين ؛ الحاكم النيسابوري :" حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : " مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ". قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ.
(35) محمد رسول الله ، ج1،ص84.
(36) انظر :" علاقة الظواهر الكونية بولادة الأنبياء وموتهم؛ د. محمد أبو رحيّم .
**
« „ قصة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‟ »

 

أعلى الصفحة
فهرس

 

« „ النطفة(1) النورانية ‟ »
﴿ إذا اردت أن تفسد ديناً .. فأدخل فيه ما ليس منه ﴾

عدتُ مرةً ثانية لمسألة النور ؛ أقصد النور (الأزلي) المحمدي ؛ وسأدرسها من خلال ثلاثة مباحث :
المبحث الأول يتعلق بــ «جد محمد ؛ عبدالمطلب» ؛
المبحث الثاني نتجول فيما قيل عن نور «والد محمد ؛ عبدالله»؛
المبحث الثالث نسمح لأنفسنا أن نصطحب الزُهرية «أمَ محمد ؛ آمنة بنت وهب» قبيل الحمل وحينه وإثناءه ولحظات الولادة والوضع ، وسأضيف مبحثاً رابعاً عند الحديث عن النبوة والرسالة - هذا إذا يسر صاحب الفضل والكرم والجود والنعم خالقنا وسهل لي وأعانني على إتمامه فهو على كل شئ قدير إذ أنه المسؤول فنعم المولى ونعم المجيب-.
المبحث الأول : «جد محمد ؛ عبدالمطلب»
قال مؤرخو حادثة واقعة الفيل ؛ منهم ابن إسحاق ؛ ويذكرها ابن هشام :" ... وَكَانَ عَبْدُالْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَعْظَمَهُمْ وَأَجْمَلَهُمْ فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ ، وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إِلَى جَانِبِهِ ".(2) . وهذه الرواية لا إشكال فيها ؛ بل أثبتها ؛ ولكن رواية « „النور‟ » ؛ ذلك الذي صاحب عبدالمطلب -جد محمد- حين لقاءه وتحدثه مع أبرهة الحبشي.. هي التي تحتاج مني إعادة نظر وبحث ... إذ أن تصديق هذه الرواية يضعها تحت الإيمان والعقائد ؛ ومسائل العقائد كلها تحتاج إلى دليل قطعي الثبوت (وحياً) وقطعي الدلالة (معنى) ، كقضية وجود خالق (3) للإنسان والحياة والكون من عدم ؛ وهو واجب الوجود ؛ ومَن لا يصدق يقع في إشكال ؛ ومجرد اعتبارها رواية لا تصدق ولكنها تروى في المجالس نقع في إشكال آخر ؛ ألا وهو اهتزاز في الأسس التي يقوم عليها الدين وإضافة ما ليس منه ، ومِن هذا القبيل تسربت فكرة (أزلية وجود النور (4) المحمدي) وهي فكرة لا سند لها ولا توثيق فتقرأ عن النور في وجه عبدالمطلب -جد محمد- وهي رواية مرسلة السند تقول :" وأما عبدالمطلب ومن معه فإنهم أقاموا في ابتهال ودعاء وتضرع وقد استجيب لهم ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقالوا في دعائهم: (اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا اجعل لنا من كل كيدهم فرجا " (5) وانصرنا على أعداءنا) ونظروا هياكل الأعداء على وجه الأرض مطروحة، والفيل ولى هاربا "، (6) هذا مصدر ، أما الثاني فإن بعض العلماء المتأخرين -والذين لهم صلة بالباطنية ؛ أو يعتقدون بعض عقائدهم- تسربت إليهم فكرة (أزلية النور المحمدي) ومن هؤلاء العلامة الشهرستاني (548هـ) فتجده كتب عن :" معرفة أنساب أجداد النبي عليه الصلاة والسلام والإطلاع على ذلك النور الوارد من صلب إبراهيم(7). إلى إسماعيل عليهما الصلاة وتواصله في ذريته إلى أن ظهر بعض الظهور في أسارير عبدالمطلب‏ :‏ سيد الوادي ‏:‏ شيبة الحمد وسجد له الفيل الأعظم‏"(8). ثم يكمل الشهرستاني الحديث :" وببركة ذلك النور‏:‏ دفع الله تعالى شر أبرهة وأرسل عليهم طيراً أبابيل‏.. وببركة ذلك النور‏:‏ رأى تلك الرؤيا في تعريف موضع زمزم ووجدان الغزالة والسيوف التي دفنتها جرهم.‏.‏ وببركة ذلك النور‏:‏ ألهم عبدالمطلب النذر الذي نذر في ذبح العاشر من أولاده... ". (9).
قال ابن كثير وآخرون تعقيبا على حادثة الفيل التي ذكرها القرآن الكريم :" ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا قَالَتْهُ الْعَرَبُ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي نَصَرَ اللَّهُ فِيهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُشَرِّفَهُ وَيُعَظِّمَهُ وَيُطَهِّرَهُ ، وَيُوَقِّرَهُ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُشْرَعُ لَهُ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ الَّذِي أَحَدُ أَرْكَانِهِ الصَّلَاةُ بَلْ عِمَادُ دِينِهِ ، وَسَيَجْعَلُ قِبْلَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْكَعْبَةِ الْمُطَهَّرَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَا فَعَلَهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ نُصْرَةً لِقُرَيْشٍ ... وَإِنَّمَا كَانَ النَّصْرُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَإِرْهَاصًا وَتَوْطِئَةً لِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". (10) وقال بحرق :" ومن يومئذ احترمت النّاس قريشا، وقالوا: هم جيران الله، يدافع عنهم(11).".
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــ
المصادر والتعليقات :
( 1. ) النُّطْفَةُ : الْمَاءُ الصَّافِي . وَالنُّطْفَةُ وَالنُّطَافَةُ : الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ ، وَفِي الْحَدِيثِ : قَالَ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين : »هَلْ مِنْ وَضُوءٍ ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ « ، أَرَادَ بِهَا هَاهُنَا الْمَاءَ الْقَلِيلَ ؛ فقد ذكر مسلم في صحيحه وتجده في المعجم الكبير للطبراني : عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ »: ... فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » اجْمَعُوا بَعْضَ أَزْوَادِكُمْ « ، فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِطَعٍ ، فَمُدَّ ، فَجَاءَ الْقَوْمُ بِتَمْرٍ ، فَنَثَرُوهُ ، فَتَطَاوَلْتُ لَهُ أُحْزِرُهُ أَنْظُرُ كَمْ هُوَ ؟ ، فَإِذَا هُوَ كَرَبْضَةِ الشَّاةِ ، فَأَكَلْنَا جَمِيعًا ، حَتَّى شَبِعْنَا ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً (١٤٠٠)، فَحَشَوْنَا جُرُبَنَا مِنْهُ ». وهنا يظهر لنا آحدى معجزاته ؛ وبإذنه وكرمه نجعل لتلك المعجزات بابا خاصاً ؛ إذ هي تصل إلى (١٠٠٠٠) . والشاهد من الحديث « ثُمَّ دَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ فِي إِدَاوَةٍ ، فَأَمَرَ بِهِ ، فَصُبَّ فِي قَدَحٍ ، فَجَعَلْنَا نَتَطَهَّرُ بِهِ ، حَتَّى تَطَهَّرْنَا جَمِيعًا. »وهذه معجزة آخرى . ولم يذكر البخاري بقية الحديث ." وَالنُّطْفَةُ " : مَاءُ الرَّجُلِ . وَبِهِ سُمِّيَ الْمَنِيُّ نُطْفَةً لِقِلَّتِهِ . وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ (القيامة: 37) . «فائدة» وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:» تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ » [المستدرك؛ للنيسابوري] ، وَفِي رِوَايَةٍ »: لَا تَجْعَلُوا نُطَفَكُمْ إِلَّا فِي طَهَارَةٍ « ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى اسْتِخَارَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَنْ تَكُونَ صَالِحَةً ، وَعَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ . [انظر مقاييس اللغة لـ ابن زكريا ؛ ولسان العرب لـ ابن منظور] .
( 2. ) انظر عبدالملك بن هشام بن أيوب الحِمْيري ؛ السيرة النبوية ؛ جزء 1 ؛ صفحة 60 ؛ دار الفكر ؛ القاهرة ، والبداية والنهاية ؛ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ؛ جزء2 ؛ صفحة 172 ؛ منشورات مكتبة المعارف : باب : ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ ؛ كما انظر د. زغلول النجار ؛ من التفسير العلمي للقرآن الكريم ؛ سورة الفيل ؛ الجزء الثلاثون ؛ ص: 382.
( 3. ) كقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [٢٨٥] وبقية مسائل وقضايا الإيمان مثل ﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ﴿النساء: ٥٩﴾ .
( 4. ) هناك فارق في المعنى والتأويل والتفسير بين مسألة نور محمد خاتم الأنبياء وآخر المرسلين عليه السلام منذ عهد ابينا آدم وتنقله في الأصلاب الطاهرة والأرحام العفيفة وإلى وضع النطفة المباركة من أبيه عبدالله بن عبدالمطلب في رحم أمه آمنة بنت وهب ؛ وأنه خلق من نور الإله -كما يدعي البعض- وبين ما جاء في سورة الأحزاب ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ... [٤٥] ... سِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٤٦] ؛ وهذا ما سيأتي في المبحث الرابع كما قلتُ سابقاً ؛ كما وأن هناك فارق بين هذا وبين الآيات التي تتحدث عن السراج كقوله تعالى ذكره ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴾ [الفرقان: ٦١] ، أو قوله تعالى في سماه وتقدست اسماه ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: ١٦] وقوله ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾ [النبإ: ١٣].
( 5.) في المصدر " فرجا ومخرجا " .
( 6. ) صفحة ٧٤ ؛ جزء ١٥ من كتاب" بحار الأنوار " لمؤلفه المجلسي.
( 7. ) القاضي النبهاني في مختصره عن القسطلاني ذهب إلى أبعد من ذلك فقال :" ولدت حواء من آدم أربعين ولدا فى عشرين بطنا ووضعت شيثاً وحده كرامة لسيدنا محمد صلى الله علية وسلم ؛ فإن نوره انتقل من آدم إلى شيث وقبل وفاته جعله وصيا على ولده ؛ ثم أوصى شيث ولده بوصية آدم أن لايضع هذا النور إلا فى المطهرات من النساء ولم تزل هذه الوصية جارية تنقل من قرن إلى قرن إلى أن أدى الله النور إلى عبدالمطلب وولده عبدالله ". وبمراجعة ما قاله القسطلانى فى المواهب اللدنية وجدتُ ما نقله النبهاني عنه بالنص . قلتُ (الرمادي) : لم أجد ما يوثق أو يثبت هذه الرواية ؛ بل تكاد تكون رجماً بالغيب!. وكذا ذكرها محمد أبرار مسروى بن المرحوم شيرازى ألأمونتي دون سند ؛ بل تسمع مَن يقول:" ان تلك اللمعة المفخمة المعظمة المكملة النورية انتقلت من وجه آدم لوجه ابنه شيث كما روآه أهل الاتقآن" . قلتُ(الرمادي): ولكي أكون منصفاً ما زلتُ ابحث عن أهل الإتقان هؤلاء كي أتمم بحثي بشكل جيد . ثم أعود إلى يوسف النبهاني فتجد أنه :" روى فى كتابه" حجة الله على العالمين" عن كعب الاحبار [قلتُ (الرمادي): كعب الأحبار تابعي لم ير النبي عليه السلام ؛ ويروي الكثير من الإسرائيليات!!. كما قال الذهبي] قال: فكان نور محمد صلى الله عليه وسلم يُرى فى دائرة غرة آدم عليه السلام كالشمس فى دوران فلكها وكالقمر فى ديجور ليلة ظلماء ". ثم يذكر النبهاني نقلا من كعب الأحبار:" قال الله تعالى لآدم عليه السلام :" خذه -أى النور النبوى- بعهدي وميثاقي على أن لا تودعه الا فى الاصلاب الطاهرة والمحصنات الزاهرة " ، قال:" نعم يآ الهي ؛ وسيدي ؛ قد اخذته بعهدك أن لا ادعه الا فى المطهرين من الرجال ؛ والمحصنات من النساء "... الى أن قال :" فلم تزل حواء كذلك حتى انتقل النور الى وجهها " ، فعلم -آدم- أنها علقت بشيث فأصبح آدم عليه السلام والنور مفقود من وجهه وصار وجه حواء يتلألأ كل يوم حسنا لما حملت به حواء بشيث عليه السلام . بقى آدم لا يقربها لطهارتها وطهارة مَن فى بطنها وصارت تأتيها الملائكة كل يوم بالتحيات من رب العالمين . ثم قال كعب الأحبار:" وخلق الله شيثا فى بطن أمه وحده كرامة لنبيه صلى الله عليه وسلم وكان كل بطن بعد ذلك ذكرا وأنثى. قال: فلما وضعت حواء شيثا نظر آدم عليه السلام الى نور النبى صلى الله عليه وسلم بين عينيه ولما أيقن آدم عليه السلام بالموت قال له: يابنى ان الله أخذ عليك عهدا وميثاقا من أجل هذا النور المستودع فى ظهرك ووجهك الا تضعه الا فى أطهر نساء العالمين وزوجه البيضاء". قلتُ(الرمادي): هذا الحوار بين رب العزة في علاه وبين آحد أنبياءه تعلوه مظاهر الوضع وعلامات الكذب تراها في هذا السياق الهزيل.. بيد أني قرأت :"واخرج ابن حجر العسقلانى فى (المطالب العالية) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: ان قريشا كانت نورا بين يدى الله عز وجل قبل ان يخلق آدم بالفى عام يسبح ذلك النور فتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم جعل ذلك النور فى صلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.فأهبطه الله الى الارض فى صلب آدم فجعل فى صلب نوح فى السفينة وقذف فى النار فى صلب ابراهيم ولم يزل ينقلنى من الاصلاب الطيبة الى الارحآم الطآهرة حتى أخرجت من بين أبوى لم يلتقيا على سفاح قط ". وسأعود لبحث هذه المسألة في مبحث النسب الشريف وطهارته.
( 8. ) قال أبو سعد عبدالملك بن أبي عثمان محمد بن إبراهيم الخركوشي:" ولقد رأى عبدالمطلب من نور محمد صلى الله عليه وسلم عجبا عجيبا يوم قدم أبرهة بن الصباح لهدم بيت الله الحرام " [انظر شرف المصطفى ؛ عبدالملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي ، أبو سعد (المتوفى: 407هـ)؛ الناشر: دار البشائر الإسلامية – مكة؛ الطبعة: الأولى - 1424 هـ] .
والقاضي النبهاني يختصر المواهب للقسطلاني فيقول:" فركب (عبدالمطلب) فى قريش حتى طلع جبل ثبير فاستدار نور رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال وانعكس شعاعه على البيت الحرام فلما نظر عبدالمطلب إلى ذلك قال يامعشر قريش ارجعوا فقد كفيتم هذا الأمر فوالله ما استدار هذا النور منى إلا أن يكون الظفر لنا فرجعوا متفرقين . وتقرأ عند: شرف المصطفى ؛ عبدالملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي إذ تأتي إضافة :" فلما نظر عبدالمطلب إلى ذلك النور قال: معاشر قريش ارجعوا فقد كفيتم، فو الله ما استدار هذا النور مني قط إلا كان الظفر، ولا وقع على شيء كما وقع على هذا البيت إلا منع الضيم ". ثم يكمل أبو سعد النيسابوري الخركوشي أما :" عبدالمطلب فركب في نفر من قريش فلما أن توسط العسكر سعى سعيا حتى دخل على الملك وقال: قد جاءكم اليوم سيد قريش حقّا ، قال: ويلك كيف علمت ذلك؟ قال: لأني لم أر في الآدميين أجمل منه ، فأخذ أبرهة زينته ثم أذن لعبدالمطلب حتى دخل عليه فأخذ بكلتا يديه وأجلسه على سرير ملكه ، وأقبل الملك على وجه عبدالمطلب ثم قال: هل كان في آبائك من كان له مثل هذا النور والجمال؟ فقال عبدالمطلب: نعم، كل آبائي كان لهم هذا النور والبهاء ، فقال الملك أبرهة: فأنتم قوم قد فاخرتم الملوك ؛ وقد حق لك أن تكون سيد قومك".
ونعود لما قاله القاضي النبهاني :" ثم إن أبرهة أرسل رجلا [حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ (من بداية ابن كثير) من قومه فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبدالمطلب خضع وثلجلج (الصواب :"تلجلج") لسانه وخر مغشيا عليه فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خر ساجدا لعبدالمطلب وقال أشهد أنك سيد قريش حقا" ، ثم يضيف القاضي :" ولما قدم أبرهة ملك اليمن لهدم البيت الحرام وبلغ ذلك قريشاً فقال لهم عبدالمطلب لايصل إلى هذا البيت لأن له ربا يحميه ثم استاق أبرهة إبل قريش وغنمها وكان لعبدالمطلب فيها أربعمائة ناقة [ينبغي تصحيح هذه المعلومة (فـ 400 بعير مخالف لما عند ابن إسحاق وتبعه ابن هشام ؛ وجزم ابن حزم به والبغوي واليعمري والدميري والشامي والصواب :"أصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب " ؛ و هذا تجده عند ابن كثير في البداية :" فَقَالَ (عبدالمطلب موجها كلامه لأبرهة ) : حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي " . يكمل النبهاني نقلا من المواهب اللندنية :" وروى أن عبدالمطلب لما حضر عند أبرهة نظر الفيل الأبيض العظيم إلى وجهه فبرك كما يبرك البعير وخر ساجدا وأنطق الله تعالى الفيل فقال: السلام على النور الذى فى ظهرك ياعبدالمطلب ". [انظر: يوسف إسماعيل النبهانى ؛ القاضي ؛ الأنوار المحمدية ؛ مختصر المواهب اللدونية للقسطلانى] . قلتُ (الرمادي) : ما اختصره القاضي النبهاني من عند القسطلاني تلزمنا العودة لما قاله مؤلفه قبل الإختصار أو ما بينه شارحه الزرقاني .
قلتُ: يؤكد هذه الرواية ما كتبه صاحب إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون :" ... ثم إن الفيل لما نظر إلى وجه عبدالمطلب برك كما يبرك البعير وخر ساجدا ، وأنطق الله سبحانه وتعالى الفيل ، فقال: السلام على النور الذي في ظهرك يا عبدالمطلب". وفي كلام بعضهم أن أبرهة لما بلغه مجيء عبدالمطلب إليه أمر أن عبدالمطلب قبل دخوله عليه أن يذهب به إلى الفيلة ليراها ويرى الفيل العظيم وكان أبيض اللون."... :"... وإنما أُرى عبدالمطلب الفيلة إرهابا لها وتخويفا فإن العرب لم تكن تعرف الأفيال ، وكانت الأفيال كلها ما عدا الفيل الأعظم تسجد لأبرهة . وأما الفيل الأعظم فلم يسجد إلا للنجاشي ، فلما رأت الفيلة عبدالمطلب". " سجدت حتى الفيل الأعظم . وقيل إن أبرهة لم يخرج إلا بالفيل الأعظم ، ولما بلغ أبرهة سجود الفيلة لعبدالمطلب تَطَيَّرَ ثم أمر بإدخال عبدالمطلب عليه، فلما رآه ألقيت له الهيبة في قلبه ، فنزل عن سريرة تعظيما لعبدالمطلب. ثم رأيتُ -الحديث لصاحب العيون- العلامة ابن حجر في شرح الهمزية حاول الجواب عن هذا الذي تقدم عن الحافظ النيسابوري ، من أن النور استدار في وجه عبدالمطلب إلى آخره: أي وقول الفيل: السلام على النور الذي في ظهرك يا عبدالمطلب مع أن ولادته صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ، يلزمها أن يكون النور انتقل من عبدالمطلب إلى عبدالله ، ثم انتقل من عبدالله إلى آمنة ، بأن النور وإن انتقل من عبدالمطلب ، لكن الله سبحانه وتعالى أكرم عبدالمطلب فأحدث ذلك النور في ظهره ، وفي وجهه وأطلع الفيل عليه هذا كلامه " فليتأمل " (استدراكاً من صاحب السيرة الحلبية!!!) . [انظر السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ؛ ص88 - 89؛ علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي ، أبو الفرج، نورالدين ابن برهان الدين (المتوفى: 1044هـ) ؛ الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت ؛ الطبعة: الثانية - 1427هـ .]
قلت (الرمادي) أسعى لتحقيق كل ما نقل وكُتب عن هذه الجزئية ؛ أقصد سجود الفيل أمام -جد محمد- عبدالمطلب وأنقل ما كتبه الخركوشي :" وقيل: إنه لما دخل عبدالمطلب على أبرهة ملك الحبشة التفت إلى سايس الفيل- وكان فيلا عظيما ، أبيض له نابان مرصعان بأنواع الجواهر والدر ، وكان يباهي بذلك الفيل ملوك الأرض ، وكان ذلك الفيل لا يسجد للملك أبرهة بن الصباح كما يسجد له سائر الفيلة- فقال الملك لسايس الفيل: أخرجه ، فأخرجه وقد زين بكل زينة على وجه الأرض ، فلما نظر الفيل إلى وجه عبدالمطلب خرّ ساجدا ونادى بلسان الآدميين: السلام عليك أيها النور الذي في ظهرك يا عبدالمطلب ، معك العز والشرف ، لن تذل ولن تغلب "... فلما نظر الملك إلى ذلك وقعت عليه الرعدة وظن أن ذلك سحر ، فبعث إلى كل ساحر في مملكته فجمعهم وقال: الويل لكم ، حدثوني عن هذا الفيل ، لِمَ سجد لعبدالمطلب؟ ؛ قالوا: إنه لم يسجد له ، وإنما سجد لنور يخرج من ظهره في آخر الزمان يقال له: محمد صلى الله عليه وسلم يملك الدنيا ويذل ملوك الأرض ويدين بدين صاحب هذا البيت- إله إبراهيم- وملكه أعظم من ملك أهل الدنيا ، فائذن لنا أن نقبل يديه ورجليه ، فأذن لهم ، فقامت السحرة فقبلوا يدي عبدالمطلب ورجليه ، وقام الملك وحيدا متواضعا فقبل رأس عبدالمطلب ، وأمر له بجزيل الجائزة ، ورد عليه وعلى قريش ما أخذ منهم.". أقول(الرمادي): وبهذه الروايات التي مازالت في بطون الكتب تصبح المسألة جد خطيرة ؛ إذا لم نحقق ما كتب وسطر في بطون الكتب!!؟ .
قلتُ (الرمادي) : ينبغي العودة إلى الزرقاني ؛ شارح المواهب تأليف أحمد بن محمد القسطلاني(851~923هـ) ؛ وقبله قال ابن كثير في البداية :" قَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَيْ سَقَطَ -الفيل- إِلَى الْأَرْضِ ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْفِيَلَةِ أَنَّ تَبْرُكَ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مِنْهَا مَا يَبْرُكُ كَالْبَعِيرِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ ." ؛ إذ يذكر مقالة في أمر أن يبرك الفيل بالفاظ آخرى : قال" السهيلي: فيه نظر؛ لأن الفيل لا يبرك، فيحتمل أن بروكه سقوطه إلى الأرض، ويحتمل أنه فَعَل فِعْل البارك الذي يلزم موضعه ولا يبرح، فعبر بالبارك عن ذلك، وسمعت من يقول في الفيل صنف يبرك، كما يبرك الجمل ؛ "وخر ساجدًا" وفي الدر المنظم: فتعجب أبرهة من ذلك ، ودعا بالسحرة والكهان فسألهم عن ذلك، فقالوا: إنه لم يسجد له وإنما سجد للنور الذي بين عينيه، "وأنطق الله تعالى الفيل فقال: السلام على النور الذي في ظهرك يا عبد المطلب" ألهم الفيل أن أصله في ظهره فلم يقل بين عينيك؛ لأنه فاض مما في ظهره، فنوره صلى الله عليه وسلم حين صار إلى جده فاض حتى ظهر في جبهته مع بقائه في ظهره. وأما السحرة والكهان فنظروا للمشاهد إذ لم يلهموا، وهذا والله أعلم إنما يأتي على القول المردود الموهون: أن ولادته صلى الله عليه وسلم بعد الفيل بأربعين أو بخمسين سنة، ولذا ساقه المصنف بـ "صيغة التمريض ؛ وتبرأ منه " ، بقوله: "كذا في" كتاب "النطق المفهوم" لابن طغربك. وأطلعتُ(الرمادي) على محقق ثان -غير الزرقاني- للمواهب وهو صالح أحمد الشامي (منشورات المكتب الإسلامي ؛ الطبعة الثانية : 1425هـ~2004م) فعلق في ذيل صفحة 103 بعد هذا بالقول :"وهو إلى الخيال أقرب منه إلى الواقع ؛ فليت المصنف-القسطلاني- نزه كتابه عن مثل هذه الأخبار." .
قلتُ(الرمادي) تعمدت إثبات هذه النقول من بطون الكتب كي تضح الصورة تماماً ؛ إذ أنها نُقُول تتناقلها أجيال لم تعتمد الطريقة العلمية في التوثيق .
( 9 ) انظر : الملل والنحل ؛ الشهرستاني ؛ ص127 ؛ دار مكتبة المتنبي ؛ بيروت-لبنان 1992م.
( 10 ) مصدر سابق ؛ جزء 2 ؛ ص 175 ؛ ابن كثير: البداية.
( 11 ) نظر : حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار ؛ محمد بن عمر بن مبارك الحِميري الحضرمي الشافعي ، الشهير بـ «بَحْرَق» (المتوفى: 930هـ) ؛ الناشر: دار المنهاج – جدة؛ تحقيق: محمد غسان نصوح عزقولح. ... وشاركه الرأي الخركوشي فقال :" فكان بعد ذلك أن عظّمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عددهم ".

أعلى الصفحة
فهرس

 

إِرْهَاصُاتُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ
(١)

التَّمْهِيدُ:
„ يحتاجُ الإنسان في مسيرة حياته لأنظمة وأحكام ولوائح وقوانين لتسير شؤونه ، وليس أمامه إلا طريق التفكير - مع قصر مداركه - في إبتكار نظم وإختراع قوانين مع تعديلها من حين لآخر وتبديلها من زمن لزمن إثناء مسيرة حياته لتغيّر اطواره وتعدد نظرته للأشياء والأفعال ؛ فما كان محذوراً في زمن - بعقله - اباحه في الزمن الآخر لرغبته ؛ وما كان مقبولاً في مرحلة من حياته يمنعه في مرحلة لاحقة.. هذا إذا تكلف الإنسان عناء سن القوانين في البرلمان وتغير أو إلغاء قانون آخر.. وهذا طريق غير مأمون العواقب ونأتي بمثال بما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة العولمة بوصول الرئيس الحالي للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض ؛ أو دولة تركية العلمانية الأتاتوركية. أو أمامه الطريق الثاني أن تأخذ الأحكام على عمومها والأنظمة باتساعها مِن مَن خلق الإنسان وأعلم به من نفسه ؛ مع وجود حيز عريض في الإحتهاد العلمي الفقهي القائم على أسس وقناعات وقدرة عالية في فهم الواقع الجديد وإستنباط حكم يناسبه مع إعطاء الفرصة كاملة لمن يملك أدوات الإجتهاد.. وهذا بالطبع يختلف تماماً عن وسائل تنظيم الحياة كقانون المرور أو مكاتب البريد وما شابه ذلك .. لذا وجدت النبوات على مر العصور ووجدت الرسالات لبني البشر لحماية الإنسان من الإنسان.. وهي من أعظم النعم التي أكرم الله - عز وجل - بها الناس .
وأفضل هذه الرسالات وأعظمها وأشملها مع قدرتها على البقاء مع تغير الأزمان وتبدل الأحوال وعبقريتها في معالجة كافة مسائل وأمور الإنسان بإعتباره إنسان له حاجات عضوية تتطلب الإشباع الحتمي وله غرائز تتطلب فقط إشباعا وما يحمل بين جنبيه من مشاعر وأحاسيس ؛ أفضل هذه الرسالات باستقراءها هي رسالة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين من رب العالمين لكافة العالمين.. ولذلك أحاطها الله - تعالى ذكره - بعنايته وشملها برعايته فهو الخبير العليم إذ قال ﴿. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾(٢) . والسيرة النبوية لها دلائل باهرة وعلامات ظاهرة ، قبل أن يخلق ويوجد ؛ وقبيل ولادته وقبل بعثته وإثناءها وبعدها صلوات الله وسلامه عليه وآله كما نرى في الإعجازات العلمية التي تكشفها المختبرات والمعامل ومراكز البحوث العلمية ‟.
رأى مَن سبقنا إرهاصات ؛ وسمع مَن جاء بعدهم عن تلك الإرهاصات ؛ بيد أنه أضيف إليها ما ليس منها ووقع البعض – تجاوزا - فيما نهى عنه صاحب الرسالة السماوية ومبعوث العناية الإلهية إذ أنه قَالَ ::« لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (٣) » . فزادوا من عندهم واسرفوا في هذا الشأن من بنات افكارهم ؛ فاحتاط السادة العلماء لما لم يطمأنوا له بقولهم - زعموا - أو - فيما يذكرون - ثم ارجعوا الأمر لله الواحد الأحد فختمت العلماء اقوالهم بـ - والله أعلم- .
**
اقتربتُ من بداية القسم الثالث من سلسلة بحوث « الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم » ... بيد أني بدأتُ أتردد - رهبةً - من الخوض في البحوث - مع رغبتي القوية في النظر في المراجع ومراجعة المصادر ومقارنة أقوال السادة العلماء في كل مسألة على حدة - ، وتراجعتُ إشفاقاً على نفسي - وإن كنتُ أريد أن أعلم كل التفاصيل عنه - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ وأتعلم جميع سنته وهديه عليه السلام - ... والرهبةُ تعود والإشفاق مرجعه صغِر قدري وضعف قدراتي وخوار قوتي وهزالة لُغتي ولعثمة منطقي وأعجمية لساني وعوار ما أملك من معرفة وقصور في ذاتي... هذا وإن كان اسمي كاسمهِ - عليه السلام - .. ولكن أين إسمي من خصائله وشمائله وإن سعيت لأتصف بالمسىمى.. وأين النقش الثابت على جدران التاريخ المسجل بأنوار النبوة وإشعاعات الرسالة وشموس الهداية مِن تقليد الرسوم وحمل الكراريس ومراجعة صحف كتبت عن سيرته وأحداث عطرتها مسيرته ؛ وإين ما كتبَ السادة العلماء قبلي - وهم رجال علم - مِن طُليب علم تشابهت حروفه مع ابحاثهم وأقترب لون مداد قلمه المكسور مع مراجعاتهم ... لكني عزمتُ فتوكلت ولعل القارئــ(ـة) الكريمــ(ــة) يكون نِعم العون في اسداء النصح والمبالغة في التوجيه مع إحسان المراجعة والصحيح... فأكون لهـ(ـا) داعياً بحسن التوفيق.
**
[ ٣. ] القسم الثالث : إنبلاج النور المبين بمولد الرسول الأمين :
[ ٣. ١. ] المسلمون في أمس الحاجة اليوم - لغياب المعلم والقدوة وتراجع ملحوظ في مؤسسات عن دورها المناط بها- للتعريف بحياته ؛ ومدارسة سيرته ؛ وتعلم أقواله وممارسة أفعاله وإدراك معجزاته ؛ وفهم إرهاصات ما قبل إيجاده ؛ وهو مازال نطفة طاهرة في صلب أبيه عبدالله بن عبدالمطلب وقبل تخليقه في رحم أمه آمنة بنت وهب ، ثم معايشته طفلا يافعاً ؛ فشاباً بالغاً ؛ فرجلا كاملا ؛ ثم نبياً ورسولاً مبلغاً ، بممارسة فعلية حياتية وسلوك يومي في كافة شؤون الحياة لنكون كما جاء الوصف في محكم التنزيل ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .. ﴾(٤) والخيرية ستأتي بتفعيل ما أمر به سبحانه وتعالى حين قال﴿ ... تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ﴾ فـسبب أسلمة الآلاف - مثل محمد أسد ، ورجاء جارودي وغيرهما الكثير.- في الغرب يعود لـ قراءة واعية لسيرته العطرة ، ومنها إرهاصات مولده ،
[ ٣. ٢. ] المصادر التي كتبت وتحدثت عن الإرهاصات متنوعة، منها: القرآن الكريم، وكتب التفسير، وكتب الحديث، وكتب الدلائل النبوية، وكتب أعلام النبوة، وكتب الشمائل، وكتب السيرة، وكتب التاريخ الإسلامي، فمصادر السيرة النبوية أشارت إلى الإرهاصات من خلال السرد التاريخي لأحداث السيرة، أو من خلال عناوين مخصصة عن الإرهاصات والبشارات، ومن ذلك: "السيرة النبوية" لابن هشام الذي هذب "سيرة ابن إسحاق"، و "الروض الأنف" للحافظ السهيلي، و "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير" لابن سيد الناس، و "زاد المعاد" لابن قيم الجوزية، و "السيرة النبوية" للذهبي، و "إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع" للمقريزي، و "المواهب اللدنية" للقسطلاني، و "سبل الهدى والرشاد" للصالحي... وكتب الإرهاصات جاءت في عناوين مختلفة مثل: "الدلائل النبوية" و "أعلام النبوة"، و "آيات النبوة"، و "نبوة محمد صلى الله عليه وسلم"، ومن ذلك"هواتف الجان وعجيب ما يحكي عن الكهان، ما يبشر بالنبي محمد، ويدل منه بواضح البرهان" للخرائطي، و "هواتف الجن" لابن أبي الدنيا، و "دلائل النبوة" للاصهباني، و "تثبيت دلائل النبوة" للقاضي عبدالجبار، و "دلائل النبوة" للبيهقي، و "أعلام النبوة" للماوردي، و "الخصائص الكبرى" للسيوطي.
[ ٣. ٣. ] وقبل أن نشرع في بيان ميلاده الكريم ونشأته العزيزة، ورعاية الله عز وجل له قبل نزول الوحي عليه ، وسيرته العطرة قبل البعثة ، أود أن أتحدث عن الآيات العظيمة ، والأحداث الجليلة التي سبقت ميلاده عليه الصلاة والسلام، فقد سبق مولده الكريم أمور عظيمة دلت على اقتراب تباشير الصباح ، وسنن الله في الكون أن الانفراج يكون بعد شدة ، والضياء يكون بعد ظلام ، واليسر بعد عسر .
[ ٣. ٤. ] الإرهاصات هي البشارات والأمور الخارقة للعادة التي يُحدثها الله عز وجل لنبيٍ ؛ تبشيراً بنبوته قبل قدومه وقبيل مجيئه وقبل وإثناء بعثته ، فالأحداث العظيمة غالباً يسبقها من الإشارات ما يكون مؤْذِناً بقربها . وعلامة على وقوعها. وقد سبق مولده صلوات الله وسلامه عليه وآله أحداث وإرهاصات سُجِّلت في السيرة النبوية ، والبحث الأساسي :
" حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات "
ولقد رُويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة به، ولم يثبت منها شيء ، فـ الإرهاصات لها معنى لُغوي ومعنى أصطلح عليه عند العلماء ليس ببعيد عنه ؛ بيد أن هناك من الروايات الواهية ما لا يقام لها عماد ولا تستند إلى صحيح النقل او الإسناد ؛ غير أني سأذكرها تنبيهاً وليس تثبيتاً ... والله المستعان وعليه التوكل ؛ ومنه العفو والغفران إن أخطأت أو اسأت ؛ والحمد والشكر أن أحسنت ووفقت .. فهو نعم المسؤول وسبحانه وتعالى يمن علينا بالإجابة بالتوفيق والسداد .
وسأقسمها إلى أبواب منها :
- أهم الأحداث العامة التي جرت قبل المولد في جزيرة العرب أو مكة .
- حفر زمزم
- قصة الذبيح عبدالله بن عبدالمطلب
- كاهنة بني زهرة
- حادثة عام الفيل :
- إرهاصات ما قبل الحمل ؛ وهي متعلقة بـ "والد" النبي الرسول : عبدالله بن عبدالمطلب ؛ والنور الذي كان في جبهته .. ومقولة :« „ فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ‟ »، وقد تعرضنا لها ولكني سأذكرها هنا لتمام الفائدة ووحدة الموضوع ،
- مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إرهاصات إثناء الحمل ؛ وهنا تخص "أم" النبي الرسول آمنة بنت وهب ؛
- نور يخرج من حَمْلِ أمِّه به
- التسمية بـ أحمد ... محمد
- الإستعاذة
- ظهور نجم أحمد في السماء
- إرهاصات ليلة المولد
- إرهاصات ليلة الولادة ؛
- ما جاء في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم
- تدلي النجوم له
- إرهاصات إثناء الوضع والولادة ؛ . والنور الذي خرج معه
- وصف ولادته:
- نزوله صلى الله عليه وسلم ساجدا معتمدا على الأرض بيديه
- ما رأته قابلته الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه من الآيات ".
- انفلاق البرمة حين وضع صلى الله عليه وسلم تحتها
- ولادته صلى الله عليه وسلم مختونا مقطوع السرة
- مناغاته صلى الله عليه وسلم للقمر في مهده وكلامه فيه صلى الله عليه وسلم
- حزن إبليس وحجبه من السموات
- ما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
- صنم رأوه مكبوبا على وجهه
- ما روى من الأحداث ليلة ولادته:
- انتكاس بعض الأصنام
- انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان - ديوان كسرى - وسقوط الشرفات وخمود نار المجوس:
- تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم
- ارهاصات وقت مولده ؛
- يوم المولد
- شهر المولد
- عام المولد
- مكان المولد
**
الإثنين ٢١ جمادى الثاني ١٤٣٨ هــ~ ٢٠ مارس ٢٠١٧ م.
يتبع بإذنه تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع والتعليقات:
[ ١. ] عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛ انظر إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ؛ البداية والنهاية ؛ كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم » صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ ؛ باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ٢. ] آية : ( ٩) ؛ سورة الحجر .
[ ٣. ] حديث :" لا تُطرونِي كما أَطرتِ النصارى عيسى ابن مريمَ فإنّما أنا عبدُ اللهِ ورسوله " .جاء عن طريق :
[ أ. ] الصحابي الجليل والوزير الثاني وأمير المؤمنين الخليفة الثاني : عمر بن الخطاب انظر علي بن المديني في : تفسير القرآن : 2/430 ؛ وقال الحديث: إسناده صحيح. كما جاء برواية بها زيادة :" لا تُطْروني ، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ ، فإنما أنا عبدُه ، فقولوا : عبدُ اللهِ ورسولُه " . انظر البخاري في صحيحه : 3445 ، وانظر عند البزار في البحر الزخار 1/299 ، وقال الحديث : لا نعلمه يروى عن عمر بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ، وابن عيينة حسن السياق له . وتجده عند ابن كثير في موسوعة تاريخه المسمى بـ البداية والنهاية: 5/215 ؛ وقال الحديث : له طرق.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه : 6239 ؛ كما خرجه أحمد شاكر في مسند أحمد 1/90 ؛ وقال:" الحديث إسناده صحيح". وعنده-شاكر- أيضاً في تخريجه لـ مسند أحمد 1/94 وقال :" إسناده صحيح ". وحكم عليه ابن باز في مجموع فتاويه 405/ 2 بأن إسناده صحيح . وخرجه الألباني في مختصر الشمائل 284 ؛ وقال :" الحديث صحيح". وعنده -الألباني- في صحيح الجامع : 7363 وقال:" الحديث صحيح". وعنده

 في غاية المرام : 123 وقال:" صحيح ". وهذا الطريق الأول.
أما الطريق الثاني فـ جاء برواية عن
[ ب . ] عبدالله بن عباس ؛ انظر : البخاري في: صحيحه :6830 ؛ والحديث : صحيح " . وخرجه ابن حبان في صحيحه : 413 ؛ وعنده أيضاً -ابن حبان بـ- رقم :414 .
وعن عُبَيدِاللهِ بنِ عبدِاللهِ بنِ عُتْبةَ أنَّ عبدَاللهِ بنَ عبَّاسٍ أخبَره : أنَّه كان يُقرِئُ عبدَالرَّحمنِ بنَ عَوفٍ فذكَر حديثَ السَّقيفةِ بطُولِه وذكَر فيه أنَّ رسولَ اللهِ قال:" لا تُطرُوني كما أَطْرَتِ النَّصارى عيسى فإنَّما أنا عبدُ اللهِ ورسولُه فقولوا عبدُ اللهِ ورسولُه ...:"، انظر الطبراني في المعجم الأوسط 2/265 ؛ ولم يرو هذا الحديث عن عمرو بن قيس إلا خالد بن نزار
وانظر عند القرطبي في تفسيره 6/409 ؛ الحديث : صحيح ؛ وانظر عند ابن تيمية في مجموع فتاويه 10/151 ؛ ايضاً في فتاويه : 11/98 ؛ والحديث صححه وعنده أيضا - ابن تيمية - وفي مجموعة الرسائل والمسائل : 1/165 وصححه.
وخرجه أحمد شاكر في مسند أحمد 1/167 ، وقال الحدث :" إسناده صحيح ".
[ ٤. ] آية (١١٠ ) ؛ سورة آل عمران ()، والآية الكريمة بها تقديم وتأخير . إذ الآية تقول واصفة أمة محمد بأنها أنتم ( خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴿آل عمران: ١١٠﴾) وسبب الخيرية : ( تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ) فيترتب على هذا 1. ] ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) 2. ] (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)

 


أعلى الصفحة
فهرس

 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .
 

أعلى الصفحة

 


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان

 




أخبار عرب النمسا