السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

السيرة النبوية الشريفة

تقديم : د. محمد الرمادى
فيينا / 2018

﴿ ٤ . ٤. ﴾ الفصل الرابع البشارة بصفاته صلى الله عليه وسلم :

من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه أمي .
وصف في سفر أشعيا[(143)] "بأنه راكب الجمل".
وفي هذا إشارة إلى أنه من الصحراء وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .
ووصف في المزامير [(144)] بأن: " ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية"، وقد انتهى ملوك اليمن ولم يظهر نبي دان له ملوك اليمن إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
ووصف فيها[(145)] أيضا بأنه" يصلّى عليه ويبارك عليه كل وقت" ؛ وهكذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم، فالمسلمون يباركون عليه كل يوم عدة مرات في صلاتهم.
ووصف فيها [(146)]أيضا بأنه" متقلد سيفا"،
وفيها[(147)] أيضا : " وأنه يرمي بالنبل"..
وجاء في إنجيل متى [(148)] :" وصفه بأنه الحجر الذي أتم بناء النبوة"، ففيه " قال لهم يسوع[(149)] (هو عيسى عليه السلام) أما قرأتم قطّ في الكتب. الحجر الذي رفضه البناؤن هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرّب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمّة تعمل أثماره".
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة أمية، لم يكن لها شأن بين الأمم، وكان من العجيب أن يكون الرسول الذي يخرج منها هو رأس الزاوية في بناء النبوة.
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »[(150)].
وتذكر هذه البشارة على لسان عيسى عليه السّلام أن صاحب هذا الوصف ليس من بني إسرائيل، وأن النبوة ستنزع من بني إسرائيل وتعطى لأمة أخرى" تعمل أثماره" أي تحقق ثماره، فكانت هذه الأمة التي كانت مزدراة في أعين الناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمة الجديدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.
وجاء في سفر أشعيا[(151)] :" وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين[(152)] . هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار وبقية عدد قسيّ أبطال بني قيدار تقلّ؛ لأنّ الرب إله إسرائيل قد تكلم".
تفيد هذه البشارة أن الله أوحى إلى أشعيا:" لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم"بأن وحيا سيأتي من جهة بلاد العرب:" وحي من جهة بلاد العرب"وأن تلك الجهة من بلاد العرب هي الوعر التي تبيت فيها قوافل الددانيين، وددان(*) قرب المدينة النبوية المنورة كما تدل على ذلك الخرائط الكنسية القديمة.. :" ويأمر الوحي الذي تلقاه أشعيا أهل تيماء أن يقدموا الشراب والطعام لهارب يهرب من أمام السيوف، ومجيء الأمر بعد الإخبار عن الوحي الذي يكون من جهة بلاد العرب قرينة بأن الهارب هو صاحب ذلك الوحي الذي يأمر الله أهل تيماء بمناصرته:" هاتوا ماء لملاقاة العطشان. يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزه".
وأرض تيماء منطقة من أعمال المدينة، وفيها يهود تيماء الذين انتقل معظمهم إلى يثرب.ويذكر المؤرخون (الإخباريون) العرب نقلا عن اليهود في الجزيرة العربية أن أول قدوم اليهود الى الحجاز كان في زمن موسى عليه السّلام عندما أرسلهم في حملة ضد العماليق في تيماء، وبعد قضائهم على العالميق وعودتهم إلى الشام بعد موت موسى منعوا من دخول الشام بحجة مخالفتهم لشريعة موسى لاستبقائهم ابناً لملك العماليق. فاضطروا للعودة إلى الحجاز والاستقرار في تيماء[(153)] ثم انتقل معظمهم إلى يثرب[(154)]. فأهل يثرب من اليهود هم من أهل تيماء المخاطبين في النص. وكان تاريخ مخاطبة اشعياء لاهل تيماء في هذا الاصحاح هو النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. ويفيد الوحي إلى أشعيا أن الهارب هرب ومعه آخرون: " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا".
ثم يذكر الوحي الخراب الذي يحل بمجد قيدار [(155)]بعد سنة من هذه الحادثة، مما يدل على أن الهروب كان منهم، وأن عقابهم كان بسبب تلك الحادثة: فإنه هكذا قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " وتنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته تمام الانطباق ، فقد نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب ، وفي الوعر من بلاد العرب، في مكة والمدينة. وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من أرض بني قيدار [(155)] قريش الذين كانوا قد عينوا من كل بطن من بطونهم شاباً جلداً ليجتمعوا لقتل محمد صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته ، فجاء الشباب ومعهم أسلحتهم فخرج الرسول مهاجراً هارباً ، فتعقبته قريش بسيوفها وقسيها كما تذكر العبارة : " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ". ثم عاقب الله قريشاً أبناء قيدار بعد سنة ونيف من هجرته صلى الله عليه وسلم بما حدث في غزوة بدر من هزيمة نكراء أذهبت مجد قريش ، وقتلت عدداً من أبطالهم : " كما قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " .وتؤكد العبارة أن هذا الإخبار وأن هذا التبشير بنزول الوحي في بلاد العرب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجري له من هجرة ونصر هو بوحي من الله : " لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " إن ما حملته هذه البشارة من معانٍ لابد أن يكون قد وقع ، لأنه يقع في عصرٍ آلة الحرب فيه السيف والنبل ، وقد انتهى عصر الحرب بالسيف والنبل .‍‍‍‍
• فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
•‍‍‍ و هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماء غير محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
• وهل هناك هزيمة لقريش بعد عام من الهجرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ؟! إن هذه البشارة تدل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها إعلان إلهي عن مقدمه ينقلها أحد أنبياء بني إسرائيل أشعيا [(156)] وبقي هذا النص إلى يومنا هذا على الرغم من حرص أهل الكتاب على التحريف والتبديل .
وجاء في صفته في المزامير [(157)] انسكبت النعمة على شفتيك،لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك ".
وجاء في التوراة في سفر أشعيا [(158)] في وصفه: " هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته " وهذا يتطابق مع ما نقله الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنه من التوراة التي قرأها في زمنه ، فقد قال عطاء بن يسار له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي،سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ ( [(159)] فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ،وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا [(160)]
وما ترجموه عن أشعيا عليه السلام:" أنه قال : قيل لي :" قم نظاراً فانتظر ما ترى فاخبر له . فقلت : ارى راكبين مقبلين.. أحدهما على حمار والآخر على جمل.. يقول أحدهما لصاحبه : سقطت بابلُ وأصنامُها.
فهذه بشارة صريحة لمحمد؛ لأنه راكب الجمل لا محالة؛ كما أن راكب الحمار هو المسيح.
**
وجاء في صفة الدين الذي يأتي به ما يأتي :
أولاً : الأذان للصلاة.
ثانياً : الصلاة كتفاً إلى كتف : فقد جاء في التوراة في سفر صفنيا [(161)] ما يأتي: "لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شَفة نقية ليدعوا كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة".
وبالإسلام توحدت لغة العبادة لله، فيقرأ القرآن في الصلاة بلغة واحدة هي العربية، ويصفون كتفاً إلى كتف .
ثالثاً : تحويل القبلة : فقد جاء في إنجيل يوحنا [(162)] ما يأتي : إن امرأة سامرية تقول لعيسى عليه السلام : " آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم [(163)] .". الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال لها يسوع [(164)] ( وهو عيسى عليه السلام)" يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون " .
وهذا إعلان بأن القبلة ستتحول من بيت المقدس. ولا يكون ذلك إلا على يد رسول، كما حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم وفقاً لأمر الله القائل ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:144).
رابعاً : الهداية إلى جميع الدين الحق : فقد جاء في إنجيل يوحنا [(165)] ما يأتي: يقول عيسى عليه السلام :" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه "
قال الله تعالى:﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89). وقال تعالى﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾(النجم).
خامساً : ذكر بعض شعائر دينه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة :فقد جاء في كتاب: بفوشيا برانم [(166)] وصف لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم: "هم الذين يختتنون ، ولا يربون القزع، ويربون اللحى ،وهم مجاهدون وينادون الناس للدعاء [(167)] بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء [(168)] للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون ، ويسمون"بمسلي" (169)] بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا وأنا الخالق".
وجاء في كتاب "محمد في الأسفار العالمية" ما ترجمه الأستاذ عبدالحق من كتب الزرادشتية بشأن محمد وأصحابه" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النارفي هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام،ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين،وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ. [(170)] وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات" [(171)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بُحُوثُ السِيرَةِ النَّبوية -على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات-
»سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء«
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. ذات حضارة ‟
» الرسالة النبوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والدلائل الإعجازية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية لـــــسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم «
**
محمد الرمادي
١٦ ربيع الأول ١٤٤٠ هــ ~ ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨م

أعلى الصفحة
فهرس

﴿ ٤ . ٣. ﴾ الفصل الثالث مكان بعثته: صلى الله عليه وسلم

و :
أ . ] تذكر التوراة المكان الذي نشأ فيه إسماعيل -عليه السلام-، فقد جاء في سفر التكوين [(124)] :" (19) وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا [(125)]فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ[(126)]، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ [(127)]. (20) وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. (21) وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. ".
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن إسماعيل عليه السلام كان رامياً، فقد مر على نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم:( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ) [(128)] .
ب . ] كما جاء في التوراة في سفر أشعيا [(129)] : " وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ " وهذا إعلان عن المكان والأمة التي سيخرج منها الرسول حاملاً الوحي من الله إلى الناس .
ج .] ويأتي تحديد آخر للمكان الذي سترتفع فيه الدعوة الجديدة بشعاراتها الجديدة التي ترفع من رؤوس الجبال ويهتف بها الناس، فتقول التوراة في سفر أشعيا [(130)] :" (10) غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، (11) لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا[(131)]، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ [(132)]. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ [(133)]. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا[(134)]. ".
والأغنية عندهم هي الهتاف بذكر الله الذي يرفع به الصوت من رؤوس الجبال ، وهذا لا ينطبق إلا على الأذان عند المسلمين ، كما أن سكان سالع ، والديار التي سكنها قيدار هي أماكن في جزيرة العرب،وكل ذلك يدل على أن مكان الرسالة الجديدة والرسول المبشر به هو جزيرة العرب.
د .] وجاء في التوراة في سفر التثنية [(135)] : " فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ...". يرى بعض شراح التوراة ممن أسلم أن هذه العبارة الموجودة في التوراة تشير إلى أماكن نزول الهدى الإلهي إلى الأرض .
فمجيئه من سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام . وإشراقه من ساعير : إعطاؤه الإنجيل للمسيح عيسى عليه السلام. وساعير : سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة في فلسطين وهي الأرض التي عاش فيها عيسى عليه السلام .وتلألؤه من جبل فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وفاران هو الاسم القديم لأرض مكة التي سكنها إسماعيل عليه السلام . (فمجيء الرب من سيناء معناه إعطاء موسى عليه السلام التوراة، وقوله: (أشرق من سعير). التبشير بالمسيح عليه السلام؛ لأن ساعير جبل في أرض يهوذا في فلسطين، وقوله: (وتلألأ من جبل فاران). المراد به التبشير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن فاران جبل من جبال مكة، وقد سموه بكتابهم بهذا الاسم، فقالوا عن إسماعيل عليه السلام في سفر التكوين (21/21): (سكن برية فاران وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر) وإسماعيل عليه السلام لم يسكن إلا مكة.)[الدرر]
ه .] وجاء في التوراة أن داود -عليه السلام- يترنم ببيت الله ويتمنى أن يكون فيه، ويعلل ذلك بمضاعفة الأجر هناك[(136)]".
وتقول التوراة [(137)] [المزمور 84 الفقرة 6 ]: " ما أسعد أولئك الذين يتلقون قوتهم منك، الذين يتوقون لأداء الحج إلى جبل المجتمع الديني الذي خَلُصَ لعبادة الله[(138)] .
:" هو بالنص الإنجليزي جبل Zion، ومعنى Zion: المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله، أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس : Websteصلى الله عليه وسلم s Seventh New Collegiate Dictionaصلى الله عليه وسلم y، وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. وعند الرجوع إلى أصل الكلمة (Zion) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني : جفاف ، صحراوي ، أجرد (أرض أو مكان) جاف ، مكان مقفر ، برية. وهذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة، راجع كتاب The New St صلى الله عليه وسلم ong Exhaustive Concoصلى الله عليه وسلم dance of the Bible, James Stصلى الله عليه وسلم ong, LL.D. 5.T.D والمعجم العبري ص99 فقره: رقم 6723 . )وهم يمرون عبر وادي بكه الجاف فيصبح مكاناً للينابيع "[(139)]".)
وفي نسخة أخرى : " فيصيرونه بئراً[(140)] ( وادي بكه يصيرونه بئراً من المعجم "سترونغ المفهرس الشامل للكتاب المقدس" ص95 .".)أو ينبوعاً[(141)]..
" ووادي بكة قد ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه هو الذي فيه البيت الحرام قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ96فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ97﴾ (آل عمران:96-97). وقد ذكر الله جفاف هذا الوادي بقوله سبحانه وهو يذكر دعاء إبراهيم عليه السلام:﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …﴾ (إبراهيم:37).ومعلوم أن هذا الوادي الجاف قد جعل الله فيه بئر زمزم عندما سكنت هاجر فيه مع ابنها إسماعيل عليه السلام .
وقد أُحرج النصارى العرب بالنص على وادي بكة ! فحرفوه كما في الكتاب المقدس عندهم في الطبعة العربية فقالوا : " عابرين في وادي البكاء " وحذفوا أيضاً لفظ "الحجاج" الذي ورد في النص الإنجليزي المذكورة ترجمته سابقاً . ولا توجد صلة بين وادي بكة والبكاء ، وقد ورد اسم "بكة" في النص الإنجليزي مبتدئاً بحرف كبير مما يدل على أنه علم غير قابل للترجمة Baca. و كما جاء في الكتب الزرادشتية[(142)] ( يذهب بعض الباحثين إلى أن الزرادشتية هي المجوسية، وقيل بل المجوسية أسبق من الزرادشتية، وإنما زرادشت أظهر المجوسية وحددها في القرن الثالث الميلادي . قال النبي صلى الله عليه وسلم "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/435 ومالك في الموطأ 1/278 ومن طريقه الشافعي في مسنده 1/209 ومن طريق الشافعي البيهقي في السنن الكبرى، وكذلك رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/437 قال في مجمع الزوائد 6/13 : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم ، وقال في تلخيص الحبير : ورواه (يعني الحديث) ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن . أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 2/1149 ." .)
بشارات تشير إلى المكان الذي تظهر فيه دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك : "إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام "[(143)] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل (3) من :" الْبَابُ الرَّابِعُ :« إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ »
البحث القادم(إن شاء الله تعالى ذكره):
(4) البشارة بـ صفاته صلى الله عليه وسلم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرمادي
2 ربيع الأول 1440هـ ~10 نوفمبر 2018م

أعلى الصفحة
فهرس

﴿ ٤ ﴾ الْبَابُ الرَّابِع : إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
بشارةُ نَسَبِه
﴿ ٤ . ٢. ﴾ الفصل الثاني :" نسبه صلى الله عليه وسلم

لقد دعا خليل الرحمن إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- دعا اللهَ -جلَّ جلاله- وهما بمكةَ المكرمة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- دعاءهما كما جاء نصاً في القرآن الكريم والذكر الحكيم فنطق القرآن المجيد بقوله تعالى ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [128] .. والشاهد قوله تعالى في سماه وتقدست اسماه ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (سورة البقرة: الايتان : 128 و 129).
هذا ما اثبته الله تعالى في العهد الحديث -القرآن الكريم-؛ وإليك البيان من بشارات العهد العتيق والعهد الجديد:
أ . ] جاء في توراة موسى -عليه السلام- وهي آحدى الكتب السماوية؛ والتي يعترف بها أتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذكر للوعد الإلهي لإبراهيم أن يجعل من ذرية إسماعيل أمة هداية عظيمة.
فلنقرأ معاً كما ورد في سفر التكوين [(116)] ما يأتي :«وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً»[ الأصحاح: (17) من سفر التكوين: آية : (20)].
ب . ] وورد فيها أيضاً وفي نفس السفر: «وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ». [ الأصحاح: (21) من سفر التكوين: آية : (13)]. [(117)]
ولم تكن هناك أمة هداية من نسل إسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال الله عنها :﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ (آل عمران:110).
ج . ] وجاء في التوراة-أيضاً؛ ولكن في سفر التثنية [(118)] على لسان موسى -عليه السلام- :« (17) قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. (18) أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ» [سفر التثنية؛ أصحاح: (18)؛ الايتان: (17 و 18)]..
والمقصود باخوتهم أبناء إسماعيل  لأنه أخو إسحاق –صلوات الله وسلامه عليهما- الذي ينسب إليه بنو إسرائيل، حيث هما ابنا إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ومحمد -صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إسماعيل ولو كانت البشارة تخص أحداً من بني إسرائيل لقالت: «منهم» [(119)] .
فنبي الإسلام وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم متمم المبتعثين هو من وسط أخوتهم، وهو مثل موسى -عليه السلام- نبي ورسول وصاحب شريعة جديدة، وحارب المشركين وتزوج وكان راعي غنم، ولا تنطبق هذه البشارة على يوشع كما يزعم اليهود لأن يوشع لم يوح إليه بكتاب، كما جاء في سفر التثنية : «وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ». [سفر التثنية؛ أصحاح: (34)؛ آية : (10)] [(120)] .
كما أن البشارة لا تنطبق على عيسى -عليه السلام- كما يزعم النصارى، إذ لم يكن مثل موسى -عليه السلام- من وجوه ، فقد ولد من غير أب؛ وتكلم في المهد؛ ولم تكن له شريعة كما لموسى -عليه السلام-، ولم يمت بل رفعه الله تعالى إليه .
د . ] وفي إنجيل متى [(121)] جاء ما يلي: «(42) قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ[(122)]: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!.» «(43) لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ».
وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل؛ فاثبت القرآن المجيد هذه البشارة على لسان ابن العذراء البتول فقال : « . وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...» [ سورة الصف: آية رقم ٦]
التبشير هو: الإخبار بحادث يسر، وأطلق هنا على الإخبار بأمر عظيم النفع لهم؛ لأنه يلزمه السرور الحق، فإن مجيء الرسول إلى الناس نعمة عظيمة. ووجه إيثار هذا اللفظ: الإشارة إلى ما وقع في الإنجيل من وصف رسالة الرسول الموعود به بأنها "بشارة الملكوت"[(123)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحث القادم : البشارة بـ مكان بعثته صلى الله عليه وسلم :
الرمادي
24 محرم 1440هـ ~ 04 أكتوبر 2018م

أعلى الصفحة
فهرس

بِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ

﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
أثبتُ بالحجَّة والدَّليل والبرهان نبوةَ خاتمِ المرسلين وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين مِن قَبل إيجاد آدم وخلقه من عدم إلى عهد ابن العذراء البتول.. كلمة الله وروح منه.. معجزة خلقه مِن بعد أن كان عدما.. والرابط بينهما قوله تعالى في [آل عمران].. ﴿. إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩)﴾-عليهما السلام- فما زلتُ أبحث قضية «ما قبل „النبوة‟ المحمدية» وتمحيص[(87)] مسائلها؛ وخاصة مسألة البشارة بمجيئه في الكتب التي يؤمن أصحابها بها، ومَن يَتْبع نصوصَها بأنها كتب مقدسة.. أو جاءت على لسان نبي مرسل أو رؤيا كرؤية النبي „دانيال‟.. خاصةً وإن : ( موضوع البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يعدو إلا أن يكون فصلا صغيرا من كتاب أدلة الإيمان). [(88)] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(87)] مَحَصَ الذَّهَبَ بِالنَّارِ : صَفّاهُ بِالنَّارِ وَأَزَالَ مِنْهُ كُلَّ مَا خالَطَهُ مِنْ شَوْبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والبشارات في الكتب السابقة [(89)] هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مَقدم محمد صلى الله عليه وسلم مبينة :
"1" اسمه و
"2" صفاته البدنية و
"3" المعنوية و
"4" نسبه و
"5" مكان بعثته، و
"6" صفة أصحابه و
"7" صفة أعدائه ، و
"8" معالم الدين الذي يدعو إليه، و
"9" الحوادث التي تواجهه، و
"10" الزمن الذي يبعث فيه، لـ يكون ذلك دليلاً على صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة. وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد صلى الله عليه وسلم . فـ قال تعالى ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد:43].و قال تعالى ﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء:197]. و قال تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء:196].و قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة:146].و هذا يعني أن انطباق البشارات على محمد صلى الله عليه وسلم و يدل على أنه المقصود بها، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه، ومن هذه البشارات ما يأتي:
الفصل الأول :
﴿ ٤ . ١. ﴾ النبي الأمي في الكتب السابقة:
لقد أشار القرآن الكريم إلى أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل. قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف:157].
إن أمية النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلى يومنا هذا . فـ
قد جاء في سفر أشعيا: قال إشعياء النبي بالروح:" ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا.. أرجوك فيقول: أنا أمي " [(90)] .
ولكنك تجد النص : " .. وَيُقَالُ لَهُ: " اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ" (أشعياء29/10-12).
أي لست بقارئ [(91)] .
(أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارى وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم [(92)] . و
في النسخة المسماة Bible Good News ورد ما ترجمته كالآتي:
" إذا تعطيه إلى شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ."
(ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي :
"أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة" [(93)]
(ت) فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة !
هذا.. لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومطالبته له بالقراءة فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه القدرة على القراءة.
قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ" [(94)] . وكم من الزمن قد مر بعد عيسى عليه السلام ، وما نزل وحي على نبي أمي إلا على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتى يومنا هذا. [(95)].
2 . ] اسم النبي:
أ - لا تزال نسخ التوراة باللغة العبرية تحمل اسم محمد جلياً واضحاً إلى يومنا هذا. ففي نشيد الأنشاد من التوراة في الاصحاح الخامس الفقرة السادسة عشر وردت هذه الكلمات: حِكو مَمْتَكيم فِكلّو محمديم زيه دُودي فَزيه ريعي.
(ث ) ومعنى هذا : "كلامه أحلى الكلام إنه محمد العظيم هذا حبيبي وهذا خليلي".
فالفظ العبري يذكر اسم محمد جلياً واضحاً ويلحقه بــ:"يم" التي تستعمل في العبرية للتعظيم.
واسم محمد مذكور أيضاً في المعجم المفهرس للتوراة . [(96)] .
(ث) عند بيانه هذا اللفظ المتعلق بالنص السابق "محمد يم" . [(97)] . لكن عند اليهود والنصارى لم يتم التسليم بأن لفظ "محمد" هو اسم النبي وتصر على أنه صفة للنبي وليس اسماً له .
فيقولون إن معنى لفظ "محمد يم" هو "المتصف بالصفات الحميدة" كما جاء في نسخة الملك جيمس المعتمدة عند النصارى .
(ج) وعليه فيكون المعنى لهذه الإشارة عندهم "كلامه أحلى الكلام . [(98)] إنه صاحب الصفات الحميدة ".
(ح) فمن هو.. يا أهل الكتاب.. غير "محمد يم" محمد العظيم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كلامه أحسن الكلام وهو المحمود في صفاته كلها، وهو حبيب الله وخليله كما جاء ذلك في نفس النشيد عقب ذكر اسمه . "هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي".
ب- وأما ما جاء عن اسمه عند النصارى ، فقد ورد في عدة أماكن، منها ما جاء في إنجيل يوحنا [(99)] في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه : "لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط."
وكلمة "المعزي" أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني محمد أو أحمد. "إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ، ثم رجحوا هذه النسخة على النسخ الأخرى." [(100)]
جـ وهناك إنجيل اسمه إنجيل "برنابا" استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس ، وحرّمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب. وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه "فرامرينو" الذي عثر على رسائل "الإبريانوس" وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ.
يقول إنجيل برنابا في الباب "22":" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله".
وقد اسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس [(101)].
د- هذا وقد كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بجلاء في كتب اليهود والنصارى عبر التاريخ ، وكان علماء المسلمين يحاجون الأحبار والرهبان بما هو موجود من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم،قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157)
ومن ذلك:
• جاء في سفر أشعيا :" إني جعلت اسمك محمداً ، يا محمد يا قدوس الرب ، اسمك موجود من الأبد " ذكر هذه الفقرة علي بن ربّن الطبري الذي كان نصرانياً فهداه الله للإسلام في كتابه : الدين والدولة ، وقد توفي عام 247هـ [(102)] .
• وجاء في سفر أشعيا أيضاً :" سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد " [(103)] .
• وجاء في سفر حبقوق :" إن الله جاء من التيمان ، والقدوس من جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده " ذكره علي بن ربن الطبري في كتابه الدين والدولة [(104)] .
وذكره إبراهيم خليل احمد، الذي كان قساً نصرانياً فاسلم في عصرنا ونشر العبارة السابقة في كتاب له عام 1409هـ .
• وجاء في سفر أشعيا أيضاً : "وما أعطيه لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً ، يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البَرّية وسكانها ، ويوحدون الله على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية" [(106)] .
وذكره عبدالله الترجمان الذي كان اسمه : انسلم تورميدا ، وكان قساً من أسبانيا فأسلم وتوفي عام 832هـ .
ولقد روى جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله يقول : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي،وَأَنَا الْعَاقِبُ [(107)] .
قال الله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين﴾(الصف:6).
• ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور عبدالأحد داود الآشوري في كتابه: محمد في الكتاب المقدس [(108)] : إن العبارة الشائعة عند النصارى : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " لم تكن هكذا ، بل كانت: " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد "
هـ و لقد جاء ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند الهندوس فقد جاء في كتاب "السامافيدا" [(109)] ما نصه " أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس ".
و- وجاء في كتاب أدروافيدم أدهروويدم وهو كتاب مقدس عند الهندوس [(110)] " أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد" [(111)]
ز- وجاء في كتاب هندوسي آخر هو بفوشيا برانم "بهوشى بهوشى برانم" [(112)] : " في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [(113)] ، والملك يطهره بالخمس المطهرات" . وفي قوله الخمس المطهرات إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم [(114)].
و:" وأما البشارات التي كانت في كتب الأولين؛ فمنها ما ثبت بإسناد صحيح؛ ففي صحيح البخاري عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } . وحزرا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا. [(115)]
والبشارات منها ما له إسناد ضعيف، أو مختلف فيه؛ ففي مسند أحمد عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا، أي لا. فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم، ثم ولي كفنه وحنطه، وصلى عليه. قال ابن كثير: هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي الصَّحِيحِ. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي.
وبعض هذه البشارات لم يصح، وبعضها قد حُرِّف فيما بعد..
وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية (1/233) (وهو جزء من البداية والنهاية) جُملاً من هذه البشارات.
١٤ المحرم ١٤٤٠ ~ ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
"البحث القادم بشارة نسبه

أعلى الصفحة
فهرس

﴿... وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾
[آية رقم (١٩٦) ؛ من سورة الشعراء: ورقمها (٢٦) ]

﴿ [ ٣ ] ﴾ الباب "الثالث".
﴿... وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾
[آية رقم (١٩٦) ؛ من سورة الشعراء: ورقمها (٢٦) ]
﴿ [ ٣ ] ﴾ الباب "الثالث".

﴿ بشارة الكتب السابقة

﴿ [ ٣ . ١. ] ﴾ مدخل المسألة:
منذ بداية الخليقة على الأرض.. وتحت سماء مبدعها ورافعها بغير عمد نراها اختلف خامس البشرية -آنذاك- مع سادسها.. فلم يجد وسيلةً لإنهاء الخلاف إلا اقصاؤه من الوجود المنظور.. وبتصفيته الجسدية من الجوار المحدود.. وأما داخل الفسطاط الواحد فانقسم البشر فانعزل فريق وانفصل بخيمة عن الآخر.. ثم داخل الخيمة الواحدة تفرقوا فاستدارت طائفة بظهرها عن آخرى فوجدت جماعة تسير وفق الفطرة وطائفة تعاند وتكابر؛ فأراد واجدهم والحكمة عند رازقهم أن يهذبهم فارسل طوفانا كعقوبة لمن طغى وإنذار لمن سيأتي.. ثم توالت الأنبياء وتواترت المرسلون لتبين كلمة الحق المبين وتظهر الدين الصحيح القويم.. ثم أرسل -تعالى ذكره- آيات تسع بينات.. معجزات باهرات فنسي بعضهم نصيبا مما ذكروا به.. فمنذ التاريخ المسطور المدون المنشور وجد مَن اتبع فيلسوف اجتهد بعقله المحدود.. ظنا منه أنه يحسن الصنيع.. أو مَن تجذر تحت عباءة كبرى فتهوّد بعضهم وتنصّر فريق وكانوا جميعاً تحت عباءة الإسلام العام.. وقالوا جميعا أنهم يسيرون خلف دين.. بل بقايا دين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل الحنيف -عليه السلام- ثم لحكمة علوية أرادها -عز وجل- -يصلح لنا أن نتحسسها- وجد مسلمون.. ثم اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ فوجد اليوم تحت نفس الخيمة شيعة وسنة.. وكبر الراتق فوجدت جماعات دينية وأحزاب سياسية وفرق دعوية وكتل هلامية.. فصار السامع يُخبر عن إسلام سياسي وآخر إرهابي.. وتحت مسمى كل منهما تشيع فريق وتفرق آخر.. فازدادت السلوكيات تنافرا وتعارضت عقائد البعض كل بما يؤمن ويعتقد واختلف الإيمان كيفما رأى البعض وتسعت رقعة الخلاف بتواجد أفكار تبعتها مبادئ تخالف الفطرة التي خلق الناس عليها.. ومفاهيم تعارض التركيبة الأصلية للإنسان فتعارضت القيم فتعددت المسائل وكيفية النظر إليها منها الإجتماعية في سبل التزاوج وكيفية الإستمتاع.. ومنها السياسية في كيفية رعاية سؤون الناس.. فتناثرت الأمور الإعتيادية وتكاثرت النظريات الفلسفية.. فلكل قوم عادة وعادات وتقاليد.. صرنا اليوم نتحدث عن قضايا شتى متنافرة ومسائل عدة متعارضة.. والإشكال يأتي حين تريد إثبات خطأ ما مِن واقع حال مَن يقوم به.. فيصعب عليك اقناعه.. فقط.. كمثال: المدخن يرفض التوقف عن نرجيله.. ويسعى لرص فوق شيشته جمرا يحرق رئتيه قبل أن يحترق طباق التدخين.. ولا يكتفي بإذاء نفسه بل يتعدى الأذى مَن يجلس بجواره وإن كانت طفلته الرضيع أو نجله الوحيد؛ وكمثال آخر: شارب الخمر يدمنه مع مضاره وإن علمها ولكنه لم يدركها.. فصارت مسائل بحكم العادة والإعتياد والتقاليد لا تبحث بل تمارس.. بغض النظر عن صحتها أو مضارها.. فلا يسعى المرء لإدراك كنهها.. بل بحكم ميراث الأجداد لا تناقش.. وفي بعض المجتمعات صار هناك قانون ينظم وعقوبة تردع..
ومن مسائل التشرذم والتفرق ولعلها من المسائل الإستفزازية تحت الخيمة الإسلامية الواسعة: مسألة التشيع وكيف يتكلم عنها السلفي؛ أو مسألة التصوف وكيف يهاجمها السني؛ وإن كان الجميع يستدلون بقرآن واحد ويدعون أنهم يسيرون خلف نبي واحد.. وكمثال حي منظور فقد حدث في هذا الشهر (ذي الحجة) مولد سيدهم أبي الحسن الشاذلي في خميثرة تبعد 150 كيلومترا من مرسى علم.. وصعود -يوم عرفة- بسطاء عامتهم جبلا بالقرب من ضريحه بوسط مسجده الذي تكلف إعادة إعماره 12 مليون جنية.. يصعد عامتهم جبلا اسوة بجبل الرحمة الذي هو بالقرب من بيت الله العتيق.. وتزداد المسألة تعقيدا حين يكتب د. عبدالحليم محمود شيخ الأزهر -الأسبق- كتابا عن الشاذلي يذكر فيه أنه كلم ربه؛ وغفل الشيخ عن قوله تعالى : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾[(64)]. والحديث في الآية الكريمة عن الرسل؛ الذين اختارهم الله واصطفاهم واجتباهم، وليس الحديث عن بعض الصالحين.. أو مَن يرفع مقدار البعض ويسميهم أولياء الله المقربين.. وحين زار -عليٌ الشاذلي- المدينة المنورة التي طيّب الله ثراها بمقدم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.. ثم طيبت بمرقده الطاهر.. يقف الشاذلي على باب ضريح سيد الجميع(!)نصف نهار عار القدمين والرأس منتظرا الإذن من الرسول الأعظم فيُسمع من الروضة الشريفة مَن يقوله له :" يا علي (الاسم الأول للشاذلي) أدخل!!".. فهذه الروايات وما يشبهها تزيد الفجوة بين سكان يقطنون نفس الخيمة الواحدة..
ومسألةٌ آخرى مغايرة للسابقة -تعتبر من مسائل مقارنـ(ـبـ)ـة الأديان؛ وهو علمٌ استحدث فاستنبط من عموم آيات القَصص القرآني-.. أعني: مسألة “إثبات نبوة آخِر المرسلين” و“إثبات رسالة خاتم النبيين” وأنه “بُشر به متمما للمبتعثين مِن كتب السادة أهل الكتاب السابقين.. وأهل العلم الأولين”..
فهذه المسألة -بشارة الكتب السابقة بنبوته وإثبات مجيئه- من المسائل الشائكة؛ وفي نفس الوقت من المسائل المستفزة.. ولكن في حقيقتها أنها مِن أمتع البحوث وأرقى المباحث.. وأعمق المطالب؛ إذ أنك تخوص في تاريخ البشرية؛ وتتجول بين لآلِئِّ أديان وتتمحور بين أصداف كيانات.. خاصةً وإنها مسألة تتعلق بـ عقيدة ومرتبطة بـ إيمان.. قد ترسخ في الأذهان منذ آلاف السنين.. وبُني فوق هذه العقيدة أو الإيمان بنيان.. مَن يدخله بعلم يعلم خبر الأولين وحال المتقدمين.. انظر إلى آثار فراعنة النيل الفضي.. فقط كمثال..
وإثبات نبوة محمد؛ خاتم الأنبياء- من المسائل الحساسة.. والتي تثير غضب أتباع الديانات.. والصراع القائم منذ بداية عصر النبوات المكتوب مبني على هذه الجزئية.. يلحق ذلك كله محاولات بشرية بالقضاء على مَن يقول بنبوته إما بتصفيته المعنوية أو بتصفية جسدية.. وقصة نبي الله زكريا وابنه يحيى -عليهما السلام- مازالت تبصرها العيون، تليها قصة صلب ومِن ثم قتل السيد المسيح ابن مريم العذراء البتول -وفق رواية الكتاب المقدس- مازالت شاخصة أمام أعين الصغار والكبار وخاصةً طريق الآلام أو صور المحطات الأربع عشر المعلقة في كل كنيسة.. وقد قمتُ -عمداً زمن دراستي ومازلت- بزيارة العديد من كنائس.. وأجدها -المحطات الأربع عشر- بألوان مختلفة وتصوير أو رسم متغير.. وفي طفولتي المبكرة وصباي رأيتُ تلك الصور والمحطات على الشاشة الفضية وما جدَّ من تشخيص وإخراج لها..
إذاً هناك مسائل ملتهبة -تحرق ثوبه- حين يقترب المرء منها؛ خاصةً مَن لا يؤمن بصدقها كما هي عند المؤمن بها وعند المعتقد في صحتها.. أو حين يريد آخر التباحث والنقاش.. أو التناظر والتناصر.. والمكتبة الإسلامية الحوارية والتناظرية ممتلئة بمراجع ومصادر.. ومن طرائف ما حدث لي زمن كنت طالبا؛ أني سمعت مرارا عن كتاب ".الإعلام ".تأليف الإمام ".القرطبي".؛ وقدرا في عمرة 1429 هـ وجدته في مكتبة بمكة الكرمة اسمها "دار الزمان" وكان الكتاب في حالة سيئة للغاية.. وما يهمني المادة العلمية التي به خاصة أنه من تحقيق د. أحمد حجازي السَّقَّا وكان على غلافه الخارجي الثمن: 25 ريالا سعوديا وساومتُ البائع في السعر –خجلا- إذ أنني حُملت بعدة كُتب ومراجع وقمت بـ"هز" السعر؛ وهي عادة قبيحة.. فما كان منه إلا أنه وافق؛ وفهمت أنه لا يعرف قيمة المادة العلمية لكتاب الإعلام للقرطبي.
أعودُ لتلك المسائل الملتهبة أو القضايا الشائكة والتي لا يصلح فيها الحوار أو النقاش.. وتلك المناظرات -وما أكثرها- والردود ودحض ما يقوله علماء المسلمين من أهل الكهنوت تبين مدى رفضهم لفكرة وجود ما ثبت في الكتاب المقدس بخصوص الإخبار بنبوة مَن سُمي واتصف بصفة «أحمد».. وليس اسم محمد.. ونلاحظ مدى الحرج ودرجته مع مَن عاشرهم في ديارهم أو ساكنهم -وقت الدراسة- في دورهم أو مَن تزوج من بناتهم؛ وبالتالي تواجد بين عائلتهم.. أقصد هؤلاء الذين يحسنون لغة القوم.. يتبقى لي مَن يرى في نفسه القدرة على بحثها بحياد تام دون وجود صورة ذهنية سابقة ترفض ما يقال أو كُتب..
ما يخصني في هذه الجزئية من بحوث السيرة النبوية:
بيدَ أنه من إتمام بحوث السيرة النبوية العطرة لخاتم الأنبياء - وإني تشرفتُ في قراءتها ومراجعتها وكتابة بحوث حولها- يستلزم مني التعرض لما نملكه من فهم جيد قد يرتقي إلى دليل في هذه المسألة وفق ما أجده من مصادر أو في مراجع صالحة وفق ما يصلح/يصح الإستدلال به حسب ما تحمله اللغة من معنى أو وفق ما تصلح الرواية أو النص الإستدلال به.. ولن أحمل النص أكثر مما يتحمل.. هذا عند بحثي في كتب الأولين ومراجع ومصادر أتباع الأديان.. ثم إنني أجد في محكم التنزيل آية من الذكر الحكيم تشير إلى هذه المسألة وتتكلم؛ فنطق القرآن الكريم يقول : ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾[(65)] . والآية تحمل تأويلين.. فاقول بهما وأميل لآحدهما.. والأمانة العلمية في البحث وضرورة السير وفق الخطة المبدئية التي وضعتها لـ بحوث السيرة النبوية العطرة.. تلزمني أن أفتح بابا قد يأتي من خلاله ريح.. بل رياح تعود لضيق صدر مَن يقرأ مثل هذ المباحث ذات وجهات النظر المتعددة.. وأحيانا تكون مرفوضة! أو مَن لديه قلة إدراك .
﴿ [ ٣ . ٢. ] ﴾ الإشارة إلى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الأولين. [(66)]
"ومن سُنَّة الله تعالى أن كل نبي يُسَلِّم جذوة دعوته إلى الذي يليه، وهكذا فقد بَشَّرَتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم الكتب السالفة، وأَخْبَرَتْ به الرسل السابقة، من عهد آدم -أبي الأنبياء والبشر- إلى عهد المسيح عيسى بن مريم، كُلَّمَا جاء رسولٌ أُخذ عليه الميثاق بالإيمان برسول الله والبشارة بنُبُوَّتِه ورسالته. وهذه البشارات هي بمنزلة الإعلان والبلاغ المسبق من الله -تعالى- ومن الرسل -عليهم السلام- إلى الأمم والشعوب بمَقْدَم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحكمة منها أن لا يحدث انقطاع في الهدي الإلهي؛ فإذا جاء نبيٌّ جديد فلا يُقَابله أتباع النبي السابق بشيء من العداوة والبغضاء والتعصُّبِ المذموم، بل يشعرون أنه امتداد لما كان عليه النبي السابق؛ فتتواصل بذلك الهداية الإلهية، وتتعاضد وتتكامل الرسالات السماوية."
بشارة رسول الله [ﷺ] في كتب الهندوس:
أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل لكل أُمَّة رسولاً يدعوهم إلى التوحيد، فينذرهم ويُبَشِّرهم؛ ليُقيم عليهم الحُجَّة يوم القيامة، وأن كل هذه الأمم والشعوب قد عَرَفت وتَيَقَّنَتْ -عن طريق أنبيائهم ورسُلهم- بمجيء خاتم الأنبياء والرُّسل محمد، وهو ما أخبر به القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ ﴾ [(67)]، أي: “إِنَّ ذِكْرَ محمدٍ في كتب الأولين”[( 68)].
١. ] في كتب البراهمة «كتاب السامافيدا»:
ورغم أنه لم يَعُدْ من كتب السابقين إلاَّ بقايا قليلة جدًّا، لكنها لم تَخْلُ من ذِكْرِ لمحمد ورسالته؛ ففي كتاب «السامافيدا»، أحد الكُتب المقدَّسَة لدى البراهمة، نجد النصَّ التالي:
« أحمد تلقَّى الشريعة من ربِّه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قُبست من النور كما يقبس من الشمس » [(69)]
كتاب «أدهروهيدم»:
٢. ] وفي كتاب «اوروافيدم»:
وجاء في كتاب مُقَدَّسٍ آخر عند الهندوس وهو «أدهروهيدم» ما نصُّه:
« أيها الناس، اسمعوا وَعُوا؛ يُبْعَثُ المحمَّدُ بين أظهر الناس، وعَظَمَتُه تُحْمَدُ حتى في الجنة، ويجعلها خاضعة له وهو المحامد » [(70)]. يعني محمد.
كتاب «بفوشيا برانم»:
٣.] وفي كتاب بنوشيا برانم (بهوش برانم):.«
وفي كتاب هندوسي ثالث هو «بفوشيا برانم» ما يلي:
« في ذلك الحين يُبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [(71)]، والمَلِك يطهِّره بالخمس المطهرة » [(72)]. ولا شكَّ في أنها الصلوات الخمس التي يمحو الله بهنَّ الخطايا.
وقد جاء وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب (بنوشيا برانم)، فقد ورد فيه: وفي نفس الكتاب وصف لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«هم الذين يختتنون، ولا يربون القَزَع [(73)]، ويربون اللِّحَى، ويُنادون الناس للدُّعاء بصوت عالٍ [(74)]، ويأكلون أكثر الحيوانات إلاَّ الخنزير، ولا يستعملون الدرباء [(75)] للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويُسمون بمسليّ [(76)]؛ بسبب أنهم يُقاتلون من يُلبس الحقَّ بالباطل، ودينهم هذا يخرج منِّي وأنا الخالق » [(77)].
بشارة رسول الله في الترتيلات الهندوسية:
كتب الويدات:
ولقد قامت مجموعة من الباحثين الهندوس بتحليل العديد من الترتيلات الهندوسية المختلفة، والتي جاءت في كتب الويدات وغيرها من الكتب الهندوسية، فوجدوا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد ذُكِرَ صراحة، كما ذُكِرَتْ بعضُ محاور رسالته ودعوته؛ لذلك كَتَبَ عددٌ من علماء الهندوس وغيرهم بحوثًا حول هذه الشخصية الفذَّة التي وجدوها في كتبهم، وهي شخصية «نراشنس»، فدرسوها في ضوء ما ذُكِرَ لها من الخصائص والأوصاف.
وكلمة «نراشنس» كلمة سنسكريتية [(78)] مكوَّنة من مقطعين:
أوَّلهما: «نر»، ومعناه الإنسان، وهذا غريب بالنسبة للويدات التي قلَّمَا تختار من البشر أحدًا لمدحه والثناء عليه. و
المقطع الثاني: «أشنس»، ومعناه اللغوي: مَنْ يُحْمَدُ ويُثْنَى عليه بكثرة، فهو مرادف لمحمد مرادفة تامَّة، ومع ذلك فلم تَكْتَفِ الويدات بذكر اسم هذا النبي العظيم فقط، بل « وفَّرَتْ لنا تفاصيل أخرى تقطع سبل النقاش والجدال، وتَبُتَّ البشارة بتَّة لا مجال فيها لأدنى احتمال، وأكبر مجموعة لهذه التفاصيل هي ما ورد في «أتهرو ويد» في بابه العشرين، والفصل السابع والعشرين بعد المائة، بينما يوجد بعض البيانات في «مناتر» [(79)] أخرى جاءت متفرِّقَة في بقية الويدات والكتب المقدسة عند الهندوس » [(80)].
وقد تُرجمت هذه «المناتر » على الصورة التالية:
1- « اسمعوا أيها الناس باحترام، إن نراشنس يُحمد ويثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر -أو حامل لواء الأمن- بين ستين ألف عدوٍّ وتسعين عدوًّا ».
ويُلاحَظُ في هذه الترتيلة عدَّة أشياء:
أوَّلها: أن هذه الشخصية تتمتَّع بحمد الناس وثنائهم عليها، وتمتاز على الآخرين بذلك، ولا يُعرف في تاريخ البشر إنسانٌ حمده الناس وأثْنَوْا عليه بمعشار ما أثْنَوْا على محمدٍ وحمدوه، فهو الذي امتاز بهذه الخصيصة بين الأنبياء.
وثانيها: أن هذه الترتيلة ذَكَرَتْ كلمة المهاجر، ومن المعلوم أن محمدًا قد هاجر من مكة إلى المدينة، وموضوع الهجرة من أبرز الأحداث التي مرَّ بها الأنبياء عليهم السلام.
وثالثها: وهو الغريب في هذه الترتيلة أنها أحصت أعداء النبي ؛ فهم ستين ألفًا وتسعين عدوًّا، وقد تتبع بعض الباحثين عدد من عادى النبي في حياته فوجدهم يقربون من هذا العدد، والله أعلم [(8١)].
2- «يكون مركبه الإبل، وأزواجه اثنتي عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة، وسرعة المركب أنه يمسُّ السماء ثم ينزل».
وهذه الترتيلة واضحة جدًّا في دلالتها على نُبُوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به؛ إذ ما من وصف ذُكِرَ فيها إلاَّ وقد تَحَقَّقَ في رسول الله، فـ «نراشنس» -«محمد» – كان دائم الركوب للإبل في أسفاره وغزواته، وهذا مشهور متواتر في كتب السيرة، وهو دليل على أن ميلاد هذا النبي لا يكون إلاَّ في منطقة صحراوية؛ لأن الإبل لا توجد إلاَّ في مثل هذه المناطق، وقد وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل في مكة، وهي أرض صحراوية قاحلة تُحِيطُ بها صحاري شاسعة. ثم إن النبي لا يكون عزبًا بل يتزَوَّج من اثنتي عشرة امرأة، ولم يَثْبُتْ ذلك لأحد غيره من الأنبياء والمرسلين؛ فقد تَزَوَّج رسول الله من اثنتي عشرة امرأة على رأي مَن قالوا بأن السيدة « ريحانة بنت زيد » -رضي عنها - كانت زوجة من زوجاته [(82)]
وقد تحدَّث „ويد بركاش أبادهياي‟ -وهو أحد كبار علماء اللغة السنسكرتية في شبة القارة الهندية- عن ترجمة الفقرة الثانية من هذه البشارة في كتابة: “نراشنس أور أنتم رشي” ص14، وهي أن أزواجه تكون اثنتي عشرة امرأة، وهو لم يُشِرْ إلى احتمال أيِّ معنًى آخر سواه . [(83)].
وهناك إشارة أيضًا إلى رحلة الإسراء والمعراج التي ركب فيه النبي صلى الله عليه وسلم البراق [(84)] الذي كان من سرعته أنه يضع قدمه عند منتهى طرفه، وأنه علا به إلى السماء، ثم نزل إلى الأرض. [(85)]
ويتَّضِحُ من هاتين الترتيلتين -وغيرها من بقيَّة التراتيل المتعلِّقَة بـ«نراشنس»- مدى تطابقهما مع أوصاف «محمد» صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فهو دليل صريح من كتب الهندوس على التبشير بنُبُوَّة «محمد» صلى الله عليه وسلم، ولا يَتَوَانَى بعض علماء الهندوس في ذكر ذلك صراحة، ولا يَستغرب أحد أن كُتب الهندوس قد جاءت بأوصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاعتقادُنا(*) بأنها مجموعة من الكتب الموضوعة بأيدٍ بشريَّة قد يكون صحيحًا إن كان المقصود بذلك التحريف والتبديل؛ لأنه لا يُعقل أن تتنزل الرسالات في منطقة الشرق الأوسط، وتُنسى بقية المعمورة بساكنيها من الوحي والرسالات -وحاشا لله سبحانه ذلك- لأنه يتعارض مع رحمته وعدله، وقد أخبرنا القرآن الكريم أن كل أُمَّةٍ من الناس لم تَخْلُ من نذير أو بشير، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [(86)]. ومن ثَمَّ يمكن التعويل على هذه الترتيلات الهندوسية -استنادًا لما ذكره علماؤها- في التصديق والبشارة بنُبُوَّة «محمد» صلى الله عليه وسلم.
________________________________________
٤ .] في كتاب (زندا افستا):
بشارة عن رسول :
«يوصف بأنه «رحمة للعالمين» «سوشيانت».. ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة بأبي لهب، ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفواً أحد «هيج جيزبار ونمار» وليس له أول ولا آخر، ولا ضريع ولا فريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا ولد، ولا مسكن ولا جسد، ولا شكل ولا لون ولا رائحة «حزاخاز وانجام وابنا زود شمس والمنز ويار ويدر ومادر وزن وفرزند وماي سوى ومن آسيا وتنافي ورنك وبواست».
٥.] وفي الكتب الزرادشتية:
«إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم، يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، يومئذ يصبحون – وهم أتباع للنبي - رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم، وأن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات».
ــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الرمادي
٢٤ ذو الحجة ١٤٣٩ هـ~ ٤ سبتمبر ٢٠١٨م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى):"

أعلى الصفحة
فهرس

 
﴿ ٢ ﴾ الْبَابُ الثَّانِي :
« „ ـــــــــ ميثاق النبيين ـــــــــ ‟ »

﴿ ٢. ١ . ﴾ تمهيد :
لعله من المفيد -وليس من باب الإعجاب- أن آتي بشهادةِ مَن ليس مِن المسلمين؛ فـ استشهدُ بـ أمريكي المولد والمنشأ حين أريد أن أتحدث عن أعظم الشخصيات المؤثرة في التاريخ؛ خاصةً في بداية هذا الجزء من المجلد الثاني من موسوعتي :
« خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين »؛ والتي عنونتها بـ :
« الرسالة النبوية ؛ والشمائل المصطفوية ؛ والخصائل الرسولية ؛ والدلائل الإعجازية ؛ والصفات الأحمدية ؛ والأخلاق المحمدية لسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم »
والشهادةٌ التي أعتمدتها وصفَ صاحبها نفسه فقال إنه :" انفصالي.. عرقي.. مناصر للبيض"[(1)] فقد اقتراح عام 1996م تقسيم الولايات المتحدة إلى أربعة دويلات: دويلة للبيض، ودويلة للسود، ودويلة للهسبان السمر، ودويلة للأعراق المختلطة. [(2)] ".. صاحب هذه الشهادة هو:
‟ Michael H. Hart„ [(3)]
وهو فيزيائي فلكي يهودي [(4)] أمريكي ألفَ كتابه عام 1978م،:
‟ The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History„
وترجمة عنوان الكتاب : „ المائة: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ ‟، وقد اعتبر النبي محمد بالمرتبة الأولى لأكثر الأشخاص المؤثرين في التاريخ؛ وبرر "Hart " ذلك في كتابه حين قال: „ اختياري لمحمد على رأس قائمة الأشخاص الأكثر تأثيراً في العالم قد يفاجئ بعض القراء وقد يشكك به آخرون، ولكنه الشخص الوحيد في التاريخ الذي كان ناجحاً بتفوقٍ في الجانبين الديني والدنيوي ‟ [(5)]..
والشخصية العظيمة.. وضع فولتير لها معيارا يحددها فقال: „ إن الذي يتحكم في عقولنا من خلال قوة الحق.. لا .. الذي يستعبدها من خلال العنف.. هو من ندين له بتعظيمنا ‟ [(6)]..
وأكتفي بشهادة هذا الكاتب وإن كان هناك العديد من الشهادات مِن كبار علماء الغرب المسيحي كـ رجال إمبراطورية بريطانيا العظمى: الإنجليز، أو رجال فرنسا الفتية، أو رجال ألمانيا القوية.. شهادات تصف نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ] [ (7) ] .
والمدخل لهذا الباب „ ميثاق النبيين ” ينقسم إلى ما نطق به القرآن المجيد؛ أي ما في الصدور مسطور وفي القلوب محفوظ محفور قبل أن يسطر في الكراس بالحروف وهذا أولاً.. و
ثانياً : ما قاله الرسول الخاتم [ﷺ] من أحاديث نبوية.. أخبر بها عن مسألة الباب هذا.. ثم يأتي :
ثالثاً : ما بوَّب له السادة العلماء النجباء.. -على سبيل المثال وليس الحصر- ما صنفه شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي [توفى في مكة المكرمة في شهر رجب؛ سنة 973 هـ؛ ودفن بالمعلاة على تربة الطبريين] في كتابه «أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل»؛ وهو شرح لكتاب «الشمائل النبوية» للترمذي [توفى سنة (279) تسع وسبعين ومائتين] وابن حجر الهيتمي قراءه بالحرم المكي المكرم أمام الكعبة المشرفة في رمضان سنة (949هـ).
أقول [الرَّمَادِيُ] : ولتبيان المقصد من هذا الباب والحديث هنا عن- „ ميثاق النبيين ” - يستدعي الكلام على ابتداء وجوده[ﷺ]؛ وليس فقط الإخبار عن خَلقه [بفتح الخاء؛ وتكلمت على هذه الجزئية في المجلد الأول فلتراجع هناك] .
توضيح المسألة :
" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ.. ﴾ قَالَ [ﷺ]: « بُدِئَ بِي فِي الْخَلْقِ، وَكُنْتُ آخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ « [(8)].
وجاءت رواية : قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ [ﷺ]؛ كَانَ يَقُولُ : « كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ«. [(9)]
وله شاهد من حديث ميسرة الفخر.
وجاءت رواية : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ﴾ الْآيَةَ . قَالَ [ﷺ]: « كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ » فَبَدَأَ بِهِ قَبْلَهُمْ . [ (10) ] .
فإتاؤه النبوة والحكمة وسائر أصناف حقيقتِهِ وكمالاتها معجل لا تأخر فيه؛ وإنما المتأخر فيه تكوّنُهُ وتنقلُهُ في الأصلاب والأرحام الطاهرة إلى أن ظهر جسده الشريف المتصف بها.
﴿ ٢. ٢ . ﴾ ﴿ ... حِينَ أُخِذَ مِنِّي الْمِيثَاقُ ﴾
﴿ ٢. ٢ . ١. ﴾ قَالَ رَجُلٌ[(11)] لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَتَى اسْتُنْبِئْتَ ؟". فَقَالَ: « وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ..حِينَ أُخِذَ مِنِّي الْمِيثَاقُ » . [(12)]
رواية آخرى :
﴿ ٢. ٢ . ٢. ﴾ قال ابن عباس: قيل :" يا رسول الله متى أخذ ميثاقك؟". قال :« وآدم بين الروح والجسد».[(13)]
وجاءت رواية بإضافة حرف: « إِذْ »:
﴿ ٢. ٢ . ٣. ﴾ عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ قَالَ : قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ "؛ قَالَ : « إِذْ آدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ« [ (14) ]".
وجاء الحديث برواية :" مَتَّى كَنْتَ نَبِيًّا؟". بلفظ « كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ». [ (15) ].
وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :" متى كنت.. أو .. كتبت نبيا؟ "، قال: « كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ». [ (16) ]". وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا.".
وجاء برواية :" قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ : « بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ« . [ (17 ) ] .
وجاء :" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ "، قَالَ : « بَيْنَ الرُّوحِ وَالطِّينِ مِنْ آدَمَ« . [ (18) ]
وقَالَ عُمَرُ : " مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا؟ "، قَالَ: « وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي الطِّينِ .« [ (19) ]
وفي لفظ : « وآدم منجدل [ (20) ] في طينته». ففي صحيحي ابن حبان والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعا : « إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته » .
وهو يدل على أن آدم لمّا صوّر استخرج محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونُبّئ وأخِذَ منه الميثاق.. ثم أعيد إلى ظهره ليخرج أوان وجوده.. فهو أوّلهم خَلْقاً.. لأن خلق آدم حينئذٍ كان مواتاً لا روح فيه.. وخُصَّ بهذا الاستخراج الأوّل من بين ذريّة آدم الذين كان استخرجهم بعد نفخ الروح فيه وأُظْهِرَ ومُيّزَ بذلك.. وإنما خصّ الأظهار بحالة كون آدم بين الروح والجسد، لأنه أوان دخول الأرواح الأجساد والتمايز حينئذٍ أتم وأظهر.. فكان الحديث علىٰ ابتداء وجوده [ﷺ]؛ مِن الأهمية بمكان وليس فقط الإخبار عن خَلقه؛ وليس فقط الإخبار بميثاق النبيين!.
وقد فسرت آيةُ [« وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ».[ (21) ] بأنه -سبحانه وتعالى- أخذ من كل نبي بعثه من لدن آدم إلى محمّد لئن بعث محمّد وهو حي ليُؤمنن به ولينصرنه ويُلزم من هذا أن الأنبياء كانوا يأخذون الميثاق من أممهم بأنهم إن أدركوا محمّداً آمنوا به فتكون نبوته عامة لجميع الخلق من آدم إلى يوم القيامة، ويكون الأنبياء وأممهم من أمته.
قَالَ حَبر الأمة؛ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ : لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ: إنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ . [ (22) ].
وهنا يتضح قوله عليه السلام:"بعثتُ إلى الناس كافة" [ (23) ] وجاء برواية :" وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".. فيتناول الحديث هذا من قَبل زمانه ايضاً وبه تبين معنى :" كنتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد".. وحكمة كون الأنبياء تحت لوائه وصلاته بهم (جميعاً) ليلة الإسراء.".
﴿ ٢. ٣ . ﴾ وأخذ الله الميثاق منه كما أخذه من النبيين من قبله، لقوله تعالى في سماه وتقدست اسماه ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾[ (24) ].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ مِيثَاقَهُمْ ﴾ :" عَهْدَهُمْ ". [ (25) ].
وَعَنْه:أيضاً: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ﴾ قَالَ :" إِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ ". [(26) ]
﴿ ٢. ٤ .﴾ ثم أرتب الآيات المتعلقة بصلب الموضوع:
﴿ ٢. ٤ . ١. ﴾ آية 1.] :« وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ».[ (27) ] .
إعادة قراءة النص القرآني:
« وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ... لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ » يوضح معنى الآية بتأويلها إذ :" يقولُ اللهُ -تبارَك وتعالَى- لنبِّيه [ﷺ]: واذكُرْ- يا محمَّدُ- حينما عَهد الله تعالى إلى جميعِ الأنبياء، وأخَذ منهم الميثاقَ المؤكَّد، فقال لهم: بسببِ ما امتنَّ به عليهم من إعطائِهم الكتابَ والحِكمة، ثمَّ جاءَهم وجاء مَن يَتْبعهم من الأمم رسولٌ يُقِرُّ بما جاؤوا به ويُصدِّقه- وهو الرَّسول محمَّد [ﷺ] - فيجب عليهم الإيمانُ به وتصديقُه، ونُصرته.
ثمَّ قال لهم مؤكِّدًا عليهم ومُقرِّرًا لهم: أأقررتُم بهذا الميثاقِ والتزمتُم به، وأخذتُم عهدي ومِيثاقي الشَّديدَ عليه؟ .
فقال الأنبياءُ جميعُهم: أَقرَرْنا وقَبِلنا.
فقال لهم -تبارَك وتعالَى-: فاشْهدوا على أنفسِكم وعلى أَتْباعِكم من الأمم بذلك، وسأكونُ أنا –عز وجل- من الشاهِدين عليكم وعلى أُممكم؛ فمَن أَعرَض وتولَّى بعد ذلك عمَّا عاهَد عليه، فأولئك هم الفاسِقون الخارِجون من دِين اللهِ، والمستكبِرون عن طاعتِه والتِزام أمْره.". [ (28) ] .
و« الْمِيثَاقُ »: "عقدٌ مؤكَّدٌ بيمينٍ وعهدٍ، أو العهدُ المُحكَمُ، وأصله: العقدُ والإحكامُ". [ (29) ]
« ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ »أي: ثمَّ جاءَكم- أيُّها النَّبيِّون- وجاء أُممَكم وأتْباعَكم رسولٌ يُصدِّق ما معكم من الكتُب، وهو محمَّدٌ [ﷺ].
« لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ » أي: فعليكم أن تؤمنوا به؛ وتصدِّقوه؛ وتنصروه على أعدائه وتُعِينوه على نشْر رسالته . ولا يَحْمِلَنَّكم ما آتيتكم من كتاب وحِكمة على أن تَتركوا متابعتَه، أو تستغنوا بما آتيتكم عمَّا جاء به .
وفي الحديث عن جابر بن عبدالله -رضِي اللهُ عنهما-، أنَّ رسولَ اللهِ [ﷺ] قالَ: ﴿ لَو كَانَ أخِي موسى حيًّا، ما وَسِعَه إلَّا اتِّباعي ﴾ .". [ (30) ] [ (31) ] .
ثم نأتي إلى الحوار بين الرب الإله الذي أرسل كل الأنبياء والمرسلين وبين الأنبياء والرسل أجمعين فنطق القرآن يقول :« قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ».. أي: اعترفتُم والتزمتُم بذلك الميثاقِ، وأخذتُم عهدي الثَّقيل، ومِيثاقي الشَّديد المؤكَّد، ووصيَّتي بالإيمانِ بهذا الرَّسول ونُصرته، وقَبِلتُم ذلك ورضيتُموه؟
قَالُوا :« أَقْرَرْنَا ». أي: قالوا: اعتَرفنا وقَبِلنا، والتَزمنا بأنْ نؤمِنَ به ونَنصُره .
« قَالَ فَاشْهَدُوا » أي: قال اللهُ تعالى للأنبياءِ: فاشَهْدوا على أنفسِكم، وعلى أَتْباعِكم من الأُممِ بذلك .
« وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ » أي: مِن الشَّاهدين عليكم وعلى أُممكم، وكفَى بالله شهيدًا.". [ (32) ] .
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
1- في أخْذ اللهِ على النَّبيِّين الميثاقَ بالتكليفِ دليلٌ على أنَّهم مَرْبُوبُون، مُتعبَّدون لله عزَّ وجلَّ، كما أنَّ غيرهم كذلك .
2- في قوله: « وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ...» فضيلةُ نبيِّنا محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلوُّ مرتبتِه، وجلالةُ قدْره، وأنَّه أفضلُ الأنبياء؛ لكونِ اللهِ أَخَذ على جميعِ الأنبياء الميثاقَ والعهدَ أن يُؤمنوا به ويَنصُروه .
3- قوله تعالى:« وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ...» خبرٌ، مقصودٌ منه أمرُ الذين كانوا في زمان الرسول [ﷺ] أن يُؤمنوا به. [ (33) ] .
*-*-*-
﴿ ٢. ٤ . ٢. ﴾ آية 2. ] :" وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [ (34) ].
إعادة قراءة النص القرآني:
قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ : الـ :" مِيثَاقُ" [هو] الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَقْتَ اسْتِخْرَاجِ الْبَشَرِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ ، قَالُوا : فَأَخَذَ اللَّهُ حِينَئِذٍ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِالتَّبْلِيغِ وَتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَبِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ النُّبُوَّةُ . ". [ (35) ]
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُمْ بِذَلِكَ خَمْسَةً.. وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَبَيَّنَ الْمِيثَاقَ الْمَأْخُوذَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ :﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [ (36) ] .
فَـبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى خُصُوصِ الْخَمْسَةِ -الَّذِينَ اشْتُهِرَ أَنَّهُمْ- هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فِي سُورَةِ " الشُّورَى " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[ (37) ] .
وَبِمَا ذَكَرْتُ تَعْلَمُ أَنَّ آيَةَ " آلِ عِمْرَانَ " ، وَآيَةَ " الشُّورَى " ، فِيهِمَا بَيَانٌ لِآيَةِ " الْأَحْزَابِ " هَذِهِ . ". [ (38) ]
وَعِنَانُ الْكَلَامِ إِلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ هُوَ مِنْ عُهُودٍ أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى النَّبِيينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ أَوَّلِ عُهُودِ الشَّرَائِعِ؛ فيَكُونُ الْمَعْنَى : اذْكُرْ وَقْتَ أَخْذِنَا [الحق تبارك وتعالى] مِيثَاقًا عَلَى النَّبِيينَ..
وَقَالَ قَتَادَةُ : بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَالْإِعْلَانِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِعْلَانِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ : أَخَذَ مِيثَاقَهَمْ عَلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَيَدْعُوا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَيُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَنْصَحُوا لِقَوْمِهِمْ.. أَيْ عَهْدَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا حُمِّلُوا ، وَأَنْ يُبَشِّرَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، وَيُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ أَيْ كَانَ مَسْطُورًا حِينَ كَتَبَ اللَّهُ مَا هُوَ كَائِنٌ ، وَحِينَ أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوَاثِيقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ . ".
وأوضحُ المسألةَ: إذ يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ، وَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ : أَنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فِي إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ، وَإِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ وَالِاتِّفَاقِ.
فائدة:
خَصَّ-من سما في علاه وتقدست اسماه- هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ النَّبِيِّينَ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ وَأُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَقَدَّمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .. فَهَذَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أُخِذَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إِرْسَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا . فَبَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ [آية الأحزاب: 7] بِالْخَاتَمِ؛ لِشَرَفِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ثُمَّ رَتَّبَهُمْ بِحَسَبِ وَجُودِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ﴾ الْآيَةَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ، [ فَبُدِئَ بِي ] قَبْلَهُمْ «. .
وَقَدْ ذُكِرَ ضَمِيرُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُمْ إِيمَاءً إِلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى جَمِيعِهِمْ ، ثُمَّ جُعِلَ تَرْتِيبُ ذِكْرِ الْبَقِيَّةِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ . وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ خُصَّ ضَمِيرُ النَّبِي بِإِدْخَالِ حَرْفِ مِنْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ ، ثُمَّ أُدْخِلَ حَرْفُ مِنْ عَلَى مَجْمُوعِ الْبَاقِينَ فَكَانَ قَدْ خُصَّ بِاهْتِمَامَيْنِ : اهْتِمَامِ التَّقْدِيمِ ، وَاهْتِمَامِ إِظْهَارِ اقْتِرَانِ الِابْتِدَاءِ بِضَمِيرٍ بِخُصُوصِهِ غَيْرَ مُنْدَمِجٍ فِي بَقِيَّتِهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - . ". [(39)]
وتنتهي الآية بقوله تعالى :" ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ أي: عَهْدًا شَدِيدًا عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا حُمِّلُوا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ مَرَّتَيْنِ ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مُجَرَّدَ الْمِيثَاقِ بِدُونِ تَغْلِيظٍ وَلَا تَشْدِيدٍ ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ثَانِيًا مُغَلَّظًا مُشَدَّدًا [ (40) ]
ــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الرمادي
٢٥ ذو القعدة ١٤٣٩ هـ~ ٧ أغسطس ٢٠١٨م
سلسلة ابحاث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„المجلد الثاني‟ : ٢ .] الْبَابُ الثَّانِي : « ميثاق النبيين »
ويليه بإذنه تعالى الباب الثالث

أعلى الصفحة
فهرس

 

نبوة آخر المرسلين؛ وبعثة خاتم الأنبياء؛ ورسالة متمم المبتعثين [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ]

[ ٢.] المجلد الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــ
ـ
أبحاث المجلد الثاني :

﴿ ١ ﴾ الْبَابُ الْأَوَّلُ : [«ــــــــــــــــــ قِدَمُ نُبُوَّتِهِ ــــــــــــــــ »]
امهدُ لترجمة هذا الباب «قِدَمِ نُبُوَّتِهِ» بمقدمة فـ قد جاء في مبحث « أول الأنبياء... و « آخرهم[ (1) ]« حديث:
١. . ] عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ« كنتُ „ أَوَّلَ ‟ الأنبياء خلقا و „ آخِرَهم ‟ بعثا (*)».[ (2) ] .
قلتُ (الرمادي): وجاء في حديث طويل بعبارة:
٢. ] « وجعلتكَ أوَّلَ النَّبيِّينَ خَلقًا وآخرَهم بعثًا » [ (3) ] .
٣. ] وروى ابن إسحاق عن قتادة [مرسلا] قال: قال رسول اللهﷺ « كنت „ أول ‟ الناس في الخلق و „ آخرهم ‟ في البعث » (*)
٤. ] عَنْ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ قَالَ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ: “ أَلَا إنَّ اللَّهَ [عَزَّ وَجَلَّ[ (4) ] خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ ”
وجاء برواية :
٥. ] " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ ". [ (6) ]
معنى الحديث السابق يوضح من حديث
٣. . ] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ :" أَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ ".[ (7) ]
﴿ ١ . ٢. ﴾.] « „ وآدم ” بين الروح والجسد [ (8) ]
حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّ رَجُلًا [ (9) ] سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :„ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ ” [ (10) ].
قَالَ : « كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ[ (11) ] »
كما توجد رواية آخرى بصيغة سؤال "« قَالُوا [ (12) ] يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ[ (13) ] لَكَ النُّبُوَّةُ !؟.. ».[ (14) ]
تنبيه:
أَمَّا مَا يَدُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِلَفْظِ :
"كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ". [ (15) ] كمَا يَرْوِيه بعض الْجُهَّالُ: كَابْنِ عَرَبِيٍّ فِي الْفُصُوصِ[ (16) ] وَغَيْرِهِ مِنْ جُهَّالِ الْعَامَّةِ؛ وكقولهم:
" كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ لَا مَاءَ وَلَا طِينَ"[ (17) ].
فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّادِقِينَ؛ وَلَا هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ قَطُّ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ وَخَلَطَ التُّرَابَ بِالْمَاءِ حَتَّى صَارَ طِينًا؛ وَأَيْبَسَ الطِّينَ حَتَّى صَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَلَوْ قِيلَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ لَكَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْمُحَالِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا.. وَإِنَّمَا قَالَ: » بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ «[ (18) ]
قَالَ السَّخَاوِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَضْلًا عَنْ زِيَادَةِ: " وَكُنْتُ نَبِيًّا وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ" ،
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: إِنَّ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَا قَبْلَهَا قَوِيٌّ ،
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ : « مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ : وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ ، وَالْجَسَدِ »،
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَزَادَ الْعَوَّامُ :
" وَلَا آدَمَ وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ "
وَلَا أَصْلَ لَهُ أَيْضًا . [ (19) ] .
وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: « قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ ؟ قَالَ : " بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ ». [ (20) ]
ثم وجدتُ روايتين:
آحداهما : عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ ، بصيغة :" قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ :« وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ" « . [ (21) ]
والآخرى : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قِيلَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا ؟"، قَالَ:» وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ ، وَالْجَسَدِ ». [ (22) ]
وأختمُ الباب الأول؛ هذا من مباحث مبشرات ما قبل نبوته:" بما جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: » إنِّي عَبْدُ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ »[ (23) ]
ومعنى" منجدل " أَيّ مُلْتَفٌّ وَمَطْرُوحٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ صُورَةً مِنْ طِينٍ لَمْ تَجْرِ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ[ (24) ].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلتُ(الرمادي):" هَذَا آخِرُ مَا فَتَحَ اللَّهُ -تَعَالىٰ في سَمَاه وتَقَدسَت اسْمَاه- بِهِ الْآنَ عليَّ مِنَ قراءة ومراجعة هذا الباب وكتابته.. وَإِنْ فَتَحَ السميع العليم عليَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ أَلْحَقْتهَا في مستدركٍ خاص بالأبواب، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ، [ (25) ].

هذا البحث قراءه وراجعه وكتبه :

Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٩ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الأربعاء : ١٢ ذو القعدة ~ ٢٥ يوليو ٢٠١٨ م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات والتخريج والهوامش تطلب من صاحب البحث عن طريق إدارة الموقع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

أعلى الصفحة
فهرس

[ ٢.] المجلد الثاني
ما قبل النبوة المحمدية !

وجوب الشكر:
يجبُ عَلىَّ -كاتب هذه السطور- أن أتقدم بخالص الشكر الجزيل الموصول بالعرفان بالجميل لرئيس تحرير موقع „ آستروعرب نيوز ‟ الأخ -وهو رجل فَضَّال- الأستاذ «أيمن وهدان» لما تفضل به مِن السماح بنشر السيرة النبوية العطرة الشريفة، وأفرد لها بعنوانها باباً خاصاً ثابتاً؛ فتميزت هذه السلسلة الطيبة -إن شاء الله تعالى- من أبحاث سيرة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين صلوات الله وسلامه عليه وآله بموقع ثابت يرجع إليه مَن يريد معرفة السيرة الصحيحة عن خاتم الأنبياء؛ إذ هو -صحيح السيرة- شرط اساسي في منهاج بحثي. والشكر واجب وموصول لـ السيدات والسادة القراء.. وإنه لمن دواعي حُسن العمل واتقانه التواصل الإيجابي بين القارئ والكاتب؛ وإبداء النصحية له أو النقد البناء لما يكتبه.. وخاصةً وأن سيرته -عليه السلام- وسنته تحتاج إلىٰ إنزال سلوكي عملي علىٰ واقع حياتي يومي مشاهد ومحسوس؛ وإلا بقيت سيرته تاريخ مضى؛ واصبحت سنته لزمن ولىٰ وانتهىٰ.. خاصةً في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأوراق وضاع منهاج النبوة بين جمود قائل جاهل وبين قله فقه متكلم متحير..
واسأل الله العلي القدير أن تنفع ابحاثي هذه مَن يتبصر طريق الهداية ويتحسس في ظلام دامس سبل الرشاد، ويريد صالح المعاش وحُسن معاشرة الناس فيكسب النجاح في الحياة الدنيا وبتوفيق الله تعالىٰ ينال الجزاء الأوفىٰ من خالقه في الحياة الآخرىٰ.. والله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- من وراء القصد والهداية والتوفيق من عنده جل وعلا.
محمد بن عبد رب النبي بن إبراهيم الرمادي
مدينة فيينا المطلة علىٰ الدانوب الأزرق؛ في يوم:
الأحد : ١٧ شوال ١٤٣٩ هـ~01 يوليو 2018م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبوة آخر المرسلين وبعثة خاتم الأنبياء ورسالة متمم المبتعثين [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجلد الثاني
مدخل :"
يجب علىٰ قارئ مباحث الإسلام كي يفهمه مِن « تكوين رأي عام عن ما آلت إليه حياة الإنسان في كافة مناحيها السلوكية؛ ويصاحب هذا الرأي وعي مستنير لضرورة التغيير وحاجة الإنسان لمنهاج كامل شامل؛ ويرافق هذا الوعي تصور صحيح عن الحياة والإنسان والكون بصفة عامة؛ ومَن أوجدها وسيَّرها بصفة خاصة؛ وإلمام عقائدي وتشريعي-إجمالاً- بالأديان -سواء السماوية منها.. أو التي أخترعها البشر ووضعتها الفلاسفة- بصفة خاصة؛ مع إدراك حال شبة جزيرة العرب آنذاك؛ وخاصة مكة-مهبط الوحي- علىٰ وجه الخصوص. وقد يتعذر معرفة هذا كله لعدة اسباب.. منها طريقة العيش الحالية؛ وسُلَّم الإهتمامات عند البشر؛ ومصادر تلقي المعلومات؛ وضحالة الوعي الثقافي أو المعرفي؛ وسوء الإستفادة من وقت الفراغ؛ أضف وما يطلق عليه-وهي القشة التي كسرت ظهر البعير- الوعظ الديني الحالي والإرشادي.. وما شابه ذلك. وعند القلة مِن مَن يهتم بالشأن العام قد لا يتمكن-منهم- الدارس ومِن ثم الباحث من التخلص تماماً من انتماءه الفكري أو هويته المذهبية أو مدرسته التربوية أو الحزبية التكتلية.. وهذه صعوبة آخرى ترافق الباحث إثناء تحضير ومراجعة وكتابة بحث ما؛ هذا من جانب ومن جانب آخر القارئ المتمسك بقديمه أو ما تربىٰ عليه وتلقاه من شيخ يرتدي ثوبا جديدا لكنه محنط فكرياً أو مدرس يشبهه.. خاصة الذين يتحدثون أو يبحثون في دين وهم ينتمون إلى دين آخر غيره؛ فيغلب عليهم الهجوم ووضع صفات ونعوت علىٰ مَن يخالفهم وهنا تسقط المصداقية العلمية؛ أو العلاقة الإنسانية؛ فالمسلم الباحث „خطيب منبر أو مجدد ديني.. ثم الفقيه من بعدهما.. ويعلوهما المجتهد‟ إذا اراد الحديث عن الآخر في مناسبة ما عليه أولاً قراءة وبحث ما عند هذا الآخر، ومِن ثم دراسة عقيدته وشريعته وقبولها كما هي.. دون إنزال اي منهما موضع التسفيه أو الإحتكار.. وهذه هي الدرجة الأولىٰ في التعامل مع الآخر: وهي خطاب العامة مِن الناس دون إعطاء حكم عليها بالصحة أو الفساد.. ثم نعلو درجة-وهي المرحلة الثانية- فقهية أو بتعبير أدق نعلو درجة علمية-وهذه للخاصة وتجدها في المدرجات الأكاديمية لطلبة العلم والمعاهد الدينية الجامعات الكهنوتية- فتأتي مسألة المقارنة أو المقاربة مع عقيدته هو.. دون هجوم عليها أو تسفيه لأفكار الآخر أو تقليل من شأن شريعته.. إذ تنشأ الأجيال وفق ما تتعلمها تحت سقف الوالدين؛ ثم في محيط أسرتها أو من خلال زياراتها لدار العبادة التي تتبع عقيدتها ومنهاجها.. وهذا في مرحلة الطفولة وقت التكوين النفسي والعقلي الإدراكي؛ فالطفل يسلك في حياته ما اعتاد عليه مِن تشريع أو طقوس أو شعائر يراها دون إدراكها.. ثم تطبيقها إما بحكم العادة أو عن إقتناع.. ثم تأتي المرحلة التي تليها وهي إعطاء الحكم على عقيدة ما أو تشريع ما أو منهاج ما؛ وقد تتدخل هنا العادات والتقاليد وحمل رأي مسبق أو وجهة نظر مغلوطة عن الآخر وكذا العرف العام السائد في مجتمع ما في أعطاء الحكم.. وغالباً الشئ الغريب الجديد يجد صعوبة في تثبيت أركانه في مجتمع آخر؛ كما حدث منذ زمن يقارب السبعين عاماً ويحدث في القارة الأوروبية ذات الصبغة المسيحية؛ وخاصة عندما جاء العامل التركي المسلم مِن الأناضول لتنفيذ خطة مرشال( ) الأمريكي لإعادة إعمار القارة الأوروبية التي أنهكتها الحرب العالمية الثانية ودمرتها ثم لحقه العربي المسلم.. وهما-التركي والعربي- يحملا مستوى ثقافي متدني للغاية عن دينهما إجمالاً.. وعن التاريخ والسياسة والعلم المدني.. جاءا بعادات وتقاليد وقيم تختلف أو تخالف ما عند الغربي الأوروبي لذا أطلق عليهم «عامل ضيف». يجب عليه بعد أداء مهمته أن يرحل من حيث ما جاء؛ والإشكال أنهما-التركي والعربي –بقيا مع جميع أفراد العائلة دون إدراك لهذا الواقع الجديد؛ أو فهم المتغيرات الإجتماعية أو السياسيةعلى أرض القارة الأوروبية والصعود السريع لتيار يميني متطرف.. ففي فرنسا-مثلا- قُدم للمحاكمة عشرة افراد فرنسيين للمحاكمة بسبب تحضير لهجوم على المسلمين.. والظاهر على راحة اليد أن من الطرفين-مسلم وغير مسلم- لم يبق السجال كلامي بل تحول ومنذ حين إلىٰ تصادمي؛ مما ينذر بعواقب وخيمة؛ أضف : فشل في تطبيق عملية الإندماج أو التي تليها الذوبان.. ومما يثير حفيظة الأوروبي أن يطلع على أن اللاجئ أو المهاجر في عام 2016م قد أرسل لذويه في بلده الأم ما يقارب من 17,7 مليار €(*) آيرو؛ ولا يغيب عن البال ما يحدث من بعض مَن ينتمون إلى الإسلام سواء وعاظ المنابر أو المسلم العادي من تصرفات أو أقوال تخالف تعاليم دينه.. »
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(*)Eine Erklärung der deutache Bundesregierung in einer parlamentarische Anfragebeantworung (im Jahr 2007: sechs Milliarden) ؛]Zeitung: 02:07: 2018; Nr. 3459[
ـــــــــــــــــــــــــ
ولـكي نفهم -ليس فقط أهل الإسلام بل غيرهم- جيداً وبشكل واضح الرسالة الخاتمة؛ رسالة الإسلام الأخيرة؛ إذ أن جميع الأنبياء والمرسلين أتوا بـ«إسلام»؛ لكنهم جاءوه بخطوط عريضة فنطق القرآن فقال :«.. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ...( )».. وبعث كل نبي أو رسول لأمته.. يمكن القول بأنه «إسلام» عام وما جاء به النبي الخاتم الإسلام «الخاص» والذي حمل هذا الإسم.. هذا المصطلح.. والذي حفره أبو الأنبياء خليل الرحمن في عمق التاريخ فعن السيد الجليل غبراهيم نطق القرآن الكريم فقال: «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ» ( ).. وهنا وجب علينا [*] دراسة حقبة ما قبل الوحي الإسلامي الخاص بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين محمد بن عبدالله[*] فنلقي أضواءً على الفترة السابقة؛ فنبحث حال سكان الأرض قبل البعثة المحمدية.. ووضعهم من حيث العقائد والأديان والمستوى الثقافي والإجتماعي: ونسميها :
« دراسة حقبة ما قبل الوحي المنزل على محمد »..
فالرسول الكريم لم يخلق جيلا جديدا ليحمل معه الدعوة الإسلامية بل من نفسيات وعقول أهل الجاهلية بنيت الدولة الإسلامية في المدينة.. فما تلك الخصائص والميزات التي امتاز بها أهل الجاهلية لينزل خالقهم عليهم آخر الرسالات.
أليس كان هذا جديراً بأمة بني إسرائيل!؟.. والتي ذُكرت بتفصيل في كتاب «العهد الحديث»: القرآن الكريم!!..
أليس جديراً بهذه الرسالة أهل فارس أو أهل الروم.. وهما اصحاب مدنية!؟.
فلما أمة العرب!؟.
ولما بلسان أمة العرب!؟.
ولما نحن -أمة العرب- اليوم في أضعف حالات!!.. فلا نملك أن نقدم نموذجاً إنسانيا يناسب عام 2018 من الميلاد..
لذا وجب الحديث إجمالاً عن :
[«﴿﴿[«١»﴾﴾»]: جزيرة العرب؛ أهل مكة
[«﴿﴿[«٢»﴾﴾»]: إرهاصات ماقبل النبوة
[«﴿﴿[«٣»﴾﴾»]: المرحلة المكية
[«﴿﴿[«٤»﴾﴾»]: المرحلة المدنية
[«﴿﴿[«٥»﴾﴾»]: مرض الرسول وإنتقاله إلى الرفيق الأعلى
[«﴿﴿[«٦»﴾﴾»]: عالمية الرسالة .:" [*] الدور العالمي للإسلام:".
تنبيه: بدأتُ في تحرير المجلد الأول يوم الإثنين الموافق ٢١ صفر من العام ١٤٣٨ من الهجرة الشريفة أي ٢١ نوفمبر ٢٠١٦ من السنة الميلادية..
* * *
نستطيع ان نقول، لو أردنا ان نصنع لهباً من النار؛ وأردنا مشاهدته من أقصىٰ نقطة ممكنة وأردنا الإبقاء علىٰ اللهب لاطول فترة ممكنة فإن علينا ان نراعي ثلاثة أمور أساسية لإنجاز التجرية:
[*] الأمر الأول: طبيعة المادة التي سنستخدمها في صنع اللهب.
[*] الأمر الثاني: الطريقة التي سيتم بها حرق هذه المادة.
[*] الأمر الثالث: طبيعة الظروف المطلوبة والكافية لإيصال المادة التي يراد إشعالها إلىٰ درجة الاتقاد، وهكذا كانت الرسالة الإسلامية فقد كان المطلوب إيصال شعاعها إلىٰ ابعد نقطة زمانية ومكانية، فكان لا بد من اختيار المكان المناسب والناس المناسبين والظرف التاريخي المناسب حتى تستطيع ان تقفز من علىٰ الحواجز السميكة وان تعبر المسافات البعيدة في عمق الزمن والمكان لتصل إلىٰ كل كائن حي في هذا العالم المترامي.
لهذا كان لزاماً ان [*] نقف ملياً عند إنسان ما قبل الرسالة وعلىٰ الأرض التي قامت فوقها الرسالة ونعني بالأرض الظرف بكامل أبعاده - الظرف الجغرافي والظرف الاجتماعي والظرف السياسي -، وإذا ما أرفقنا بالأرض، الإنسان والفكرة لتكاملت العناصر الثلاثة البانية للحضارة، فالإنسان الرسالي هو الشعلة الوهاجة التي تحمل النور، والفكرة هي الصاعق التي توجد الشعلة والظرف هو الذي يعين درجة الاتقاد في المادة الملتهبة." كما نضيف ما قال به الأحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان العرب؛ ويصلح أن نستدل بما حدث من القدم ومنذ عهد آدم فقول غبراهيم الجليل فبشارة عيسى ابن مريم... فلنبدء..
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

أعلى الصفحة
فهرس

إسلام السيدة «خديجة» رضي الله عنها

تمهيد :
توجد شخصيات لم تسطر التاريخ أو تكتبه فحسب أو تتعايش معه فقط بل صنعته وشاركت في صياغته؛ مِن هذه الشخصيات السيدة «خديجة» رضي الله عنها؛ أم المؤمنين.. أم القاسم.. والفاطمة الزهراء البتول؛ سيدة نساء الجنة والعالمين، ونخرجُ من الروايات التي ذكرها كُتَّاب السير بنتيجة وهي أن السيدة «خديجة» اختارت برغبتها الزواج بالشاب الأمين «محمد»، وهي الزوج التي مكثت مع الشاب القوي الأمين خمسة عشر عاما قبل البعثة وكانت نِعم المرأة الصالحة التي تقف بجوار زوجها وكان لها دورا متميزا عند البعثة، فـ «خديجة» رضي الله عنها ألقى الله تعالى في سماه و تقدست اسماه في قلبها صفاء الروح، وفي فؤادها نور الإيمان، وفي عقلها الاستعداد لتقبُّل الحق، وقد مضى على زواجها من «محمد» 15 عاماً، وقد بلغ «محمد» الأربعين من العمر، وكان قد اعتاد على الخلوة في غار "حراء" ليتأمل ويتدبر في الكون.
قال السهيلي في روضه الأنف :" وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ.. وَكَانَتْ أَوّلَ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَصَدّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فَخَفّفَ اللّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ فَيَحْزُنُهُ ذَلِكَ إلّا فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهِ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبّتُهُ وَتُخَفّفُ عَلَيْهِ وَتُصَدّقُهُ وَتُهَوّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النّاسِ؛ رَحِمَهَا اللّهُ تَعَالَى ".
فلنتبعها عن كثب..
بداية البعثة ودور (*) أم المؤمنين «خديجة» في تثبيت النبي المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم والوقوف بجواره بما آتاها الله من رجحان عقل وقوة شخصية ليبشّره “ورقة بن نوفل” باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام، وفي ليلة القدر، عندما نزل الوحى على «محمدٍ» واصطفاه الله ليكون خاتم الانبياء والمرسلين كما : حَدَّثَنَا ‏يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏اللَّيْثُ ‏‏عَنْ ‏عُقَيْلٍ ‏عَنْ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏عَنْ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏عَنْ «عَائِشَةَ» أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏أَنَّهَا قَالَتْ:« ‏أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ‏ ‏مِنْ الْوَحْيِ: “الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ” فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ ‏‏فَلَقِ‏ ‏الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ “الْخَلَاءُ” وَكَانَ يَخْلُو‏ ‏بِغَارِ حِرَاءٍ‏ ‏فَيَتَحَنَّثُ (1) ‏فِيهِ ‏- ‏وَهُوَ التَّعَبُّدُ -‏ ‏اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ‏ ‏قَبْلَ أَنْ ‏ ‏يَنْزِعَ‏ ‏إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى‏ ‏«خَدِيجَةَ‏» ‏فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ (2) وَهُوَ فِي‏غَارِ حِرَاءٍ‏ ‏فَجَاءَهُ ‏الْمَلَكُ (3) فَقَالَ: “‏اقْرَأْ”، قَالَ : “مَا (4) أَنَا بِقَارِئٍ”، قَالَ : “فَأَخَذَنِي‏ ‏فَغَطَّنِي‏ ‏حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ‏ ‏أَرْسَلَنِي”، ‏فَقَالَ : “اقْرَأْ”، قُلْتُ : “مَا أَنَا بِقَارِئٍ”، فَأَخَذَنِي ‏فَغَطَّنِي ‏الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي، ‏‏فَقَالَ : “اقْرَأْ”، فَقُلْتُ : “مَا أَنَا بِقَارِئٍ” (5)، فَأَخَذَنِي‏ ‏فَغَطَّنِي (6)‏ ‏الثَّالِثَةَ ثُمَّ‏ ‏أَرْسَلَنِي ‏فَقَالَ : ﴿ ‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ ‏‏عَلَقٍ‏ ‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [ 96 / العلق / الآية - 1 - 5 ] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ‏ ‏يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى‏ ‏«خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ‏» ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏فَقَالَ ‏:“‏زَمِّلُونِي..‏زَمِّلُونِي”؛ ‏فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ‏ ‏الرَّوْعُ (7) فَقَالَ‏ ‏لِـ «خَدِيجَةَ» : “لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي”‏ ‏(8) وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ » .
فبماذا ردت السيدة الكريمة على زوجها في هذا الموقف العصيب وكيف تصرفت!!
فلنسمع لقولها بعد أن طمأنته قائلةً‏ ‏«خَدِيجَةُ» له؛ نافية لما قد يصيبه من قلق :«‏‏كَلَّا!!» ثم تقسم له لتثبته فتقول : «وَاللَّهِ‏ ‏مَا يُخْزِيكَ (9) ‏اللَّهُ أَبَدًا».. ثم تبدء رضي الله عنها وأرضاها تبين له ما به من صفات حميدة وأخلاق نبيلة فتبدء بالقول:
أولاً: «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ»..
ثم تثني قائلة له: «وَتَحْمِلُ‏ ‏الْكَلَّ»
وثالثاً: «‏وَتَكْسِبُ ‏الْمَعْدُومَ».
ورابعاً : «‏وَتَقْرِي‏ ‏الضَّيْفَ».
وخامساً : «وَتُعِينُ عَلَى‏ ‏نَوَائِبِ ‏‏الْحَقِّ» (10) .. فَانْطَلَقَتْ بِهِ‏ «‏خَدِيجَةُ» ‏حَتَّى أَتَتْ بِهِ “‏وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى”؛ ‏ابْنَ عَمِّ‏ «‏خَدِيجَةَ»،‏ ‏وَكَانَ امْرَأً قَدْ ‏ ‏تَنَصَّرَ ‏(11) ‏فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ (12) مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ «‏خَدِيجَةُ» : “‏يَا ابْنَ عَمِّ!!؛ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ” (13)، فَقَالَ لَهُ ‏“وَرَقَةُ”: "‏‏يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى !؟" .. فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ‏خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ “‏وَرَقَةُ” ‏:"‏هَذَا‏ ‏النَّامُوسُ ‏الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى‏ ‏مُوسَى (14)، ‏يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (15).. لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ !"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : “‏أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ !!” (16)، قَالَ : "نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ (17) وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا‏ ‏مُؤَزَّرًا"،‏ ‏ثُمَّ لَمْ ‏ ‏يَنْشَبْ (18)‏ “‏وَرَقَةُ”‏ ‏أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ حتى حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بلغنا [وَزَادَ الْبُخَارِيُّ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ]، حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال : يا محمد، إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك .‏» [ هذه رواية البخاري في صحيحه ] .
قلت(الرمادي):"هذه الرواية أي ما [َزَادهَ الْبُخَارِيُّ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ]، تحتاج مني إلى إعادة بحث مفصل في البحوث القادمة؛ كما في خطة البحث الرد الواضح والشافي عن شبهات اثيرت حول القرآن الكريم وشخصية نبي الإسلام عليه السلام؛ وبعض الأحكام العملية أو مايطلق عليه آيات وأحاديث الأحكام؛ وخاصة ما اثير اليوم: الأربعاء 6 شوال1439~20يونيو 2018م في تونس بتكليف رئاسي للجنة الحقوق والمساواة؛ وهي مسألة هامة في الرد على الشبهات؛ كما سأبحث مفردات العلاقة بين ما أطلق عليه “قس مكة” وبين خاتم الأنبياء وآخر المرسلين". انها حالة نادرة الحدوث وتحتاج لتثبت وموقف السيدة خديجة؛ زوج النبي وتصرفها يمتاز بالتثبت من أهل العلم ومراجعة ما يقولون .
‏قَالَ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ‏ ‏وَأَخْبَرَنِي ‏أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ‏ ‏أَنَّ ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ ‏ ‏قَالَ‏ ‏وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ :" بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا‏ ‏الْمَلَكُ‏ ‏الَّذِي جَاءَنِي ‏‏بِحِرَاءٍ ‏جَالِسٌ [ قاعد] عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ (19) [فجئت منه،حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي ] فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ :" ‏زَمِّلُونِي‏ ‏زَمِّلُونِي " [وجاء عند البخاري والشوكاني :" فدثروني، وفي رواية للبخاري أيضا (فزملوني) ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا ‏الْمُدَّثِّرُ‏ ‏قُمْ فَأَنْذِرْ ‏.... ‏إِلَى قَوْلِهِ ...‏ ‏وَالرُّجْزَ‏ ‏فَاهْجُرْ ﴾(20) .. قبل أن تفرض الصلاة ، - قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون، فَحَمِيَ‏ ‏الْوَحْيُ (21) وَتَتَابَعَ. ‏تَابَعَهُ (المقصود يَحْيَى بْن بُكَيْر) ‏عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏‏وَأَبُو صَالِحٍ ‏وَتَابَعَهُ ‏هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ ‏عَنْ ‏الزُّهْرِيِّ‏ ‏وَقَالَ ‏يُونُسُ ‏وَمَعْمَرٌ‏ ‏بَوَادِرُهُ (22) [ هذه الرواية جاءت أيضاً في صحيح البخاري ] .
يروي ابن حجر العسقلاني روايةً في الإصابةِ فيقول :" وعند أبي نعيم في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً معها (أي السيدة أم المؤمنين خديجة) إذا رأى شخصاً بين السماء والأرض فقالت له خديجة:" ادن مني فدنا منها " ، فقالت :" تراه!" ، قال :" نعم "، قالت :" أدخل رأسك تحت درعي "، ففعل فقالت :" تراه ! "قال :" لا "، قالت :" أبشر ؛ هذا ملك إذ لو كان شيطاناً لما استحيا ". [ضعيف]
وجاء في فتح الباري -شرح صحيح البخاري- لابن حجر العسقلاني أيضاً من رواية إسماعيل بن ابي حكيم: أن خديجة قالت :" أي ابن عم [ارادت المصطفى الهادي] أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء ؟"، قال :" نعم"، فجاءه جبريل، فقال :" يا خديجة، هذا جبريل"، قالت:" قم فاجلس على فخذي اليسرى"، ثم قالت :" هل تراه ؟" قال :" نعم"، قالت:" فتحول إلى اليمنى كذلك"، ثم قالت :" فتحول فاجلس في حجري كذلك"، ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها وقالت :" هل تراه ؟" قال :"لا" ، قالت :" اثبت"، فوالله إنه لملك وما هو بشيطان " . [ الحديث مرسل ] (23) .
وجاء أيضا عند ابن حجر العسقلاني في فتح الباري من رواية أبي ميسرة :" أنه صلى الله عليه وآله وسلم قصَّ على خديجة ما رأى في المنام فقالت:" له أبشر فإن الله لن يصنع بك إلا خيراً"، ثم أخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته، فقالت له:" أبشر إن هذا والله خير "، ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها:" أرأيتك الذي كنت رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن لى بأن ربى أرسله إلى" ، وأخبرها بما جاء به فقالت:" أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذي جاءك من الله فإنه حق وأبشر فإنك رسول الله حقا" . [ الحديث مرسل ]
وتوجد رواية آخرى جاءت في كتاب " السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 230 " : قال ابن إسحاق:"عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله:" أي ابن عم؛ أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟" قال:" نعم"، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله لخديجة:" يا خديجة هذا جبريل قد جاءني"، قالت:" قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى"؛ فقام رسول الله فجلس عليها، قالت:" هل تراه؟" قال :" نعم"، قالت :"فتحول واجلس على فخذي اليمنى"؛ فتحول رسول الله فجلس على فخذها اليمنى، فقالت:" هل تراه؟" قال:" نعم"، قالت:" فتحول واجلس في حجري"، فتحول رسول الله فجلس في حجرها، قالت :" هل تراه؟" قال:" نعم"، [وفي رواية أخرى] أدخلت رسول الله بينها وبين درعها، ثم ألقت خمارها عن وجهها، ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت:" له هل تراه؟" قال:" لا"، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت:" يا ابن عم؛ اثبت وأبشر ؛ فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان"..[وهذا حديث لا يثبت].
ثم رآه بأجياد فنزل إليه وبسط له بساطاً وبحث في الأرض فنبع الماء فعلمه جبريل كيف يتوضأ فتوضأ وصلى ركعتين نحو الكعبة وبشره بنبوته وعلمه «اقرأ باسم ربك» ، ثم انصرف فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال :" سلام عليك يا رسول الله "، فجاء إلى خديجة فأخبرها فقالت :" أرني كيف أراك فأراها فتوضأت كما توضأ ثم صلت معه وقالت أشهد أنك رسول الله ". ثم يقول في الإصابة في تميز الصحابة، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في نهاية الرواية؛ قلت :" وهذا أصرح ما وقفت عليه في نسبتها إلى الإسلام " .
**
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ- أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
قلت (الرمادي): تتبقى من هذا البحث عدة نقاط مفتوحة تحتاج إلى إعادة نظر وبحث وتدقيق وتحقيق !!
بحثٌ (*) في سيرة أم المؤمنين: « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال.

د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٩ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الأربعاء: ٦ شوال ~ ٢٠ يونيو ٢٠١٨ م

أعلى الصفحة
فهرس

الزواج الميمون من الشاب القوي الأمين

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
من الأحداث الهامة والمؤثرة في حياة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين قبل نزول الرسالة وتكليفه بمهام الدعوة إلى الله تعالى زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد؛ وهذا يعود لرجاحة عقلها وسمو فطنتها وقدرتها في حسن معالجة ما يحدث في حياتها؛ وخاصة وبجوارها نبي آخر الزمان.. وزاجه عليه السلام من خديجة من أهم أحداث السيرة النبوية.. لذا وجب الحديث عنه قبل الكلام عن مرحلة النبوة في حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال العسقلاني في الإصابة :" وكان تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وقيل أكثر من ذلك " . وجاء في الموسوعة التاريخية :" كان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها العام : 28 ق. هـ. الذ يوافق العام الميلادي: 595 ".
**
حَدِيثُ التَزْوِيجِ ؛ و مَنْ الّذِي زَوّجَ خَدِيجَةَ ؟
توجد روايات متعارضة وقد وَهمَ بعض الكُتَّابِ القدماء في هذه المسألة ويعود ذلك لما توفر وقتئذ لديهم من مرويات وسنذكرها ثم نحققها : فقد روى الحافظ ابن كثير في بدايته :" عن مقسم بن أبي القاسم - مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل - أن عبدالله بن الحارث حدثه‏أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وما يكثرون فيه، يقول‏ :"‏ أنا أعلمُ الناس بتزويجه إياها، إني كنت له ترباً، وكنتُ له إِلفاً وخِدناً‏.‏ وإني خرجتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ذاتَ يومٍ حتى إذا كنَّا بالحَزورةِ(1)، أجزنا على أختِ خديجةَ وهي جالسة على أدم تبيعها فنادتني، فانصرفتُ إليها، ووقف لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏ :"‏ أما بصاحبِكَ هذا من حاجةٍ في تزويج خديجة "‏.‏ قال عمار ‏:"‏ فرجعتُ إليه فأخبرتُه "، فقال‏ :" ‏بل لعمري ‏"‏‏.‏
فذكرتُ لها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏ :"‏ اغدوَا علينا إذا أصبحنا ". فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرةً، وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته، وكلمتْ أخاها، فكلم أباه، وقد سقى خمراً، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه، وسألته أن يزوجه فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرةِ طعاماً فأكلنا منه‏ .‏ ونامَ أبوها ثم استيقظَ صاحياً فقال‏ :"‏ ما هذه الحلة‏ وما هذه الصفرة، وهذا الطعام‏؟ ".‏
فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عماراً ‏:‏" هذه حلة كساكها محمد بن عبدالله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة "، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاؤه فكلموه ‏.‏ فقال ‏:"‏ أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة ‏؟‏ ،
فبرز له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر إليه قال ‏:"‏ إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته " ‏.‏
وقد ذكر الزهري في سِيره أن أباها (2) زوجها منه(3) وهو سكران.
وهذه الرواية فيها نظر.
ولا يترك المسألةَ السهيليُّ هكذا دون بيان فيقول في روضه الأنف :" وَذَكَرَ الزّهْرِيّ فِي سِيَرِهِ وَهِيَ أَوّلُ سِيرَةٍ أُلّفَتْ فِي الْإِسْلَامِ؛ كَذَا رُوِيَ عَنْ [عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ] الدّرَاوَرْدِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ قَالَ لِشَرِيكِهِ؛ الّذِي كَانَ يَتّجِرُ مَعَهُ فِي مَالِ خَدِيجَةَ :" هَلُمّ فَلْنَتَحَدّثْ عِنْدَ خَدِيجَةَ " وَكَانَتْ تُكْرِمُهُمَا وَتُتْحِفُهُمَا، فَلَمّا قَامَا مِنْ عِنْدِهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَنْشِئَةٌ - وَهِيَ الْكَاهِنَةُ - كَذَا قَالَ الْخَطّابِيّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَتْ لَهُ :" جِئْت خَاطِباً يَا مُحَمّدُ " ، فَقَالَ :"كَلّا"، فَقَالَتْ :" وَلِمَ ؟؛ فَوَاَللّهِ مَا فِي قُرَيْشٍ امْرَأَةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَدِيجَةَ إلّا تَرَاك كُفْئًا لَهَا"، فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ خَاطِباً لِخَدِيجَةَ مُسْتَحْيِياً مِنْهَا، وَكَانَ خُوَيْلِدٌ أَبُوهَا سَكْرَانَ مِنْ الْخَمْرِ فَلَمّا كُلّمَ فِي ذَلِكَ أَنْكَحَهَا، فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ خَدِيجَةُ حُلّةً وَضَمّخَتْهُ بِخَلُوقِ فَلَمّا صَحَا مِنْ سُكْرِهِ قَالَ مَا هَذِهِ الْحُلّةُ وَالطّيبُ ؟ فَقِيلَ إنّك أَنْكَحْت مُحَمّداً خَدِيجَةَ وَقَدْ ابْتَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ثُمّ رَضِيَهُ وَأَمْضَاهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ أَبَاهَا كَانَ حَيّا، وَأَنّهُ الّذِي أَنْكَحَهَا . كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . وَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فِي ذَلِكَ :
لَا تَزْهَدِي خَدِيجَ فِي مُحَمّدِ * نَجْمٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ الْفَرْقَدِ
وهذه رواية تجدها في بعض المصادر.
**
وَقِيلَ إنّ عَمْرَو بْنَ خُوَيْلِدٍ أَخَاهَا هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْهُ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ.
وحكى السهيلي في الروض الأنف فقال في الجزء الأول :" مَشْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَ عَمّهِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ خُوَيْلِداً كَانَ إذْ ذَاكَ قَدْ أُهْلِكَ وَأَنّ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا هُوَ عَمّهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ، قَالَهُ الْمُبَرّدُ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ وَقَالَ أَيْضاً :" إنّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ الّذِي نَهَضَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي خَطَبَ خُطْبَةَ النّكَاحِ وَكَانَ مِمّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ :"
أَمّا بَعْدُ!؛ فَإِنّ مُحَمّدًا مِمّنْ لَا يُوَازَنُ بِهِ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ إلّا رَجَحَ بِهِ شَرَفًا وَنُبْلًا وَفَضْلًا وَعَقْلًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ قُلّ، فَإِنّمَا ظِلّ زَائِلٌ وَعَارِيَةٌ مُسْتَرْجَعَةٌ وَلَهُ فِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَغْبَةٌ وَلَهَا فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ " . فَقَالَ عَمْرٌو :" هُوَ الْفَحْلُ الّذِي لَا يُقْدَعُ أَنْفُهُ "، فَأَنْكَحَهَا مِنْهُ ، وَيُقَالُ قَالَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ.
ويتابع السهيلي الحديث في روضه فيقول :" .. وَاَلّذِي قَالَهُ الْمُبَرّدُ هُوَ الصّحِيحُ لِمَا رَوَاهُ الطّبَرِيّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كُلّهِمْ قَالَ :" إنّ عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ هُوَ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَأَنّ خُوَيْلِداً كَانَ قَدْ هَلَكَ قَبْلَ الْفِجَارِ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ هُوَ الّذِي نَازَعَ تُبّعًا الْآخَرَ حِينَ حَجّ وَأَرَادَ أَنْ يَحْتَمِلَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ فِي ذَلِكَ خُوَيْلِدٌ وَقَامَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ ثُمّ إنّ تُبّعًا رُوّعَ فِي مَنَامِهِ تَرْوِيعًا شَدِيدًا حَتّى تَرَكَ ذَلِكَ وَانْصَرَفَ عَنْهُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ " .
التحقيق في مسألة التزويج :
يقول صاحب الرحيق المختوم :" ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وآله وسلم من خِلالٍ عَذْبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ
وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه(4) . ويتمم صاحب أسد الغابة المشهد بقوله :" فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أني قد رغبتُ فيك، لقرابتِك مني، وشرفِك وأمانتِك، وحسن خلقك، وصدق حديثك "، وصاحب الرحيق المختوم يقول :" ونفيسة بنت منبه؛ هذه ذهبت إليه صلى الله عليه وآله وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وخبر السيدة نفيسة بنت منبه جاء في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام(5) .
صاحب الرحيق المختوم يذكر عن نفيسة بنت منبه أنها قالت:" كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة شريفة مع ما أراد الله لها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكان كل قومه حريصاً علي نكاحها لو قدر علي ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال،
وهذا ما ذكره صاحب الروض الأنف :" ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَباً، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفاً، وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا، كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ . " فأرسلتني دسيساً إلي محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت :" يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟"، فقال :" ما بيدي ما أتزوج به! " . فقلت : "فإن كفيت ذلك ودعيت إلي المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟" قـال :" فمن هي ؟ " قـلت :" خديجة" . قـال : " وكيف لي بذلك ؟ " قلت :" عليّ ". قال :" فأنا أفعل " . فذهبت فأخبرتها، قالت :" فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا فحضر وأرسلت إلي عمها عمرو بن أسد ليزوجها فخرج أبو طالب مع عشرة من قومه حتي دخلوا علي عمها فخطبها منه، ثم قال :" الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضي معد (6) وعنصر مضر وجعلنا حضنةَ بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً وإن كان في المال قلاً (قلة) فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق عاجله وآجله اثنتي عشرة أوقية ونشا، فقال عمرو بن أسد عمها : هو الفحل لا يقدع أنفه(7).
***-**
محصلة التحقيق :
قال عمر بن أبي بكر المؤملي‏ :" المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه"،
وهذا هو الذي رجحه السهيلي، والذي أُسند عن عائشةَ عند العسقلاني في الإصابة إذ قال :" ثم أسند عن عائشة أن الذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية،
قال الواقدي :"هذا المجمع عليه عندنا " وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت‏ :‏" ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 362)‏ وكان خويلد مات قبل الفجار"‏.‏
وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة ‏:"‏ أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فالله أعلم‏ .‏ ابن كثير البداية والنهاية .
وبهذا التحقيق فقد وهم من ظنَّ بأن الزواج تم على يد خويلد وهو سكران فهو كما حققه المؤملي والواقدي والسهيلي : فقد هلك قبل حرب الفجار .
**
عُمر الشاب الأمين وقت زواجه :
اختلفت الأقوال في عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمر خديجة حين زواجهما، ولكن غايتنا هنا ليس هو ترجيح العام بقدر ذكر الحدث نفسه .
فقد قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :" فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً تَزَوّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ (8)، وقد أولم عليها رسول الله ، " فنحر جزوراً أو جزورين وأطعم الناس وأمرت خديجة جواريها أن يغنينَّ ويضربنَّ بالدفوف .وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة " (9).
**
يرجح صاحب أسد الغابة في معرفة الصحابة المسألة بقوله :" .. لما تزوج خديجة كان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي ابنة أربعين سنة" ولكنه يحتاط فلا يجزم فيقول :".. وقيل‏:‏ غير ذلك " .
**
صداق السيدة خديجة : ‏‏
قال صاحب الروض الأنف :" قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَتَزَوّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتّى مَاتَتْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا " .
وصاحب أسد الغابة يبين صداقها بقوله :" فخطبها وتزوجها على اثنتي عشرة أوقية ونصف الأوقية وأربعون درهماً‏. وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروةً وعقلاً، ولما تزوج خديجة كان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي ابنة أربعين سنة، وقيل‏:‏ غير ذلك‏."، وأصدقها عشرين بَكْرة (المصدر: السيرة النبوية لعلي محمد الصلابي ( 1 / 70 ) .
**
وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت‏ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
بحثٌ في سيرة أم المؤمنين
« الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
*****
يتبع باذن الله تعالى ..

أعلى الصفحة
فهرس

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
[ آية 30؛ سورة النمل 27]
« الطاهرة خديجة بنت خويلد »

بحث (*) في
سيرة أم المؤمنين رضي الله عنها

مازلنا في أُمِّ الْقُرَىٰ قبيل بزوغ نور الرسالة الخاتمة.. وقبيل إشراق شمس النبوة المتممة لرسالات الأنبياء الذي سبقوه.. لحظات في ساعة الدهر وعمر الزمان وستسطع سماء الدنيا بهدي نبي الإسلام الخاتم السائر على خطوات أول الأنبياء.. أبيه آدم ساكن الجنان.. ثم خليفة في الأرض.. فآدم الثاني.. نوح.. فأبي الأنبياء إبراهيم صاحب الدعاء.. فجده الأكبر .. الذبيح .. إسماعيل.. فبشارة أخيه ابن العذراء البتول: عيسى ابن مريم.. فالنور الذي سطع من أمه آمنة بنت وهب.. فهذه مقدمات توثيقية قبيل البعثة المحمدية.. وتوطئة تفسيرية قبيل الرسالة المصطفوية.. وتمهيد نبوي للسيرة الشريفة المرضية للنبي المجتبى والرسول المحتبى كي ندرك تماماً : أي رسول نتبع!!.. وأي نبي نلتزم هديه!!.. وأي مبلغ نعلم يقيناً من خلاله وبواسطته التكاليف الشرعية ومنهاج السماء وشريعة خالق الحياة وموجد الإنسان على كوكب الأرض..
«حياةُ كدح..»
تمهيد:
سيرةُ متمم المبتعثين.. وعيشُ خاتم المرسلين.. وحياةُ آخر الأنبياء في جميع مراحلها تصلح دائماً أبدا أن تكون قدوة حسنة وأسوة طيبة لنا جميعاً.. نتقدم خطوات فنقترب من عام (٢٧) قبل الهحرة المباركة ~ الموافق: العام (٥٩٥) من العام الميلادي..
فتقرأ عند ابن كثير (1) في بدايته "المباركة" ونهايته "المشرفة" حين ذكر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏ :« مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ ».. فَقَالَ أَصْحَابُهُ :" وَأَنْتَ ؟ ". فَقَالَ : « نَعَمْ !!.. كُنْتُ أَرْعَى عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ » [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] (2) ‏‏.‏
* وهذا هو المتاح في هاتيك المجال.. وذلك المكان فإما رعي وإما تجارة .. وإما زراعة وفق ما ينزل من السماء من ماء..
وكتب صاحب الرحيق المختوم تحت عنوان :
" حياة الكدح "
‏.. ثم روى البيهقي من طريق الربيع بن بدر - وهو ضعيف - عن أبي الزبير، عن جابر قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏ :« آجَرْتُ نَفْسِي مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ » (3). [الحديث لا يصح] " (4)
ولم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم عمل معين في أول شبابه ، إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً ، رعاها في بني سعد ، وفي مكة لأهلها على قراريط ، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شبَّ ، فقد وردَ أنَّه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له ، لا يدارى ولا يمارى ، وجاءه يوم الفتح فرحب به ، وقال ‏:‏‏« مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي ،‏‏»‏(5) .
يكمل صاحب الرحيق المختوم فيقول : وسُمعةُ المرءِ تسبقه قبل أن يحل على قوم ولعلها صاحبة المال والتجارة سمعت عن محمد الشاب الصادق الأمين.. والقرآن يصرح بهذا في قوله : ‏‏﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [28 القصص : آية ٢٦]‏ ، ومرت الأيام ووصل إلى مسامعها ذكر " محمد بن عبدالله " كريم الأخلاق ، الصادق الأمين ، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات .
* ويصح لي هنا وقفة مع رجاحة عقل السيدة خديجة ونباهتها حين نمى إلى مسمعها ما يتصف به هذا الشاب الوسيم؛ وما يحمل من أخلاق وصفات.. فيكمل الحديث ابْنُ إسْحَاقَ فيقول :‏" وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتُ شَرَفٍ وَمَالٍ تَسْتَأْجِرُ الرّجَالَ فِي مَالِهَا ، وَتُضَارِبُهُمْ إيّاهُ بِشَيْءِ تَجْعَلُهُ لَهُمْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْماً تُجّاراً ، فَلَمّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وسَلّمَ مَا بَلَغَهَا ، مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشّامِ تَاجِرًا ، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التّجّارِ مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتّى قَدِمَ الشّامَ "(6) .
ثم يلتقط خيط الأحداث صاحب الرحيق المختوم فيقول :" وفي الخامسة والعشرين من سِنِّهِ خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها ، كما قال ابن إسحاق ‏، وذكر ابن هشام في سيرته :" أن رسول الله وميسرة نزلا في سوق بُصْرَي فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيباً مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنْ الرّهْبَانِ يقال له نسْطورا (7) ، فَاطّلَعَ الرّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ؛ وكان يعرفه فَقَالَ لَهُ :" مَنْ هَذَا الرّجُلُ الّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ ؟ " ، قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ :" هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ " ، فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ :" مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ(8) قَطّ إلّا نَبِيّ " (9) .
ثم قال الراهب له :" في عينيه حمرة ؟ " ،
فرد ميسرة :" نعم لا تفارقه ".
قال الراهب :" هو .. هو ؛ وهو آخر الأنبياء ، وليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج " .
فوعي ذلك ميسرة .
ثُمّ بَاعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ سِلْعَتَهُ الّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنّ يَشْتَرِيَ ثُمّ أَقْبَلَ قَافِلاً إلَى مَكّةَ ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ فَكَانَ مَيْسَرَةُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدّ الْحَرّ ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلّانِهِ مِنْ الشّمْسِ - وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا ، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيباً .
فلما أخبر مَيْسَرَةُ السيدةَ خديجةَ رضي الله عنها بذلك وَحَدّثَهَا عَنْ قَوْلِ الرّاهِبِ وَعَمّا كَانَ يَرَى مِنْ إظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إيّاهُ ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً مَعَ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ ، فَلَمّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ وتذكرت قول الرجل (10) الذي دخل علي نساء قريش وأخبرهنَّ بأمر النبي المنتظر علمت أن هذا النبي هو محمد فبَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ- :‏‏« يَا بْنَ عَمّ إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِيك لِقَرَابَتِك ، وَسِطَتِك فِي قَوْمِك وَأَمَانَتِك ، وَحُسْنِ خُلُقِك ، وَصِدْقِ حَدِيثِك ‏‏» (11) ، ورغبتْ أن تكون زوجاً له ، فأرسلت السيدة نفيسة بنت منبه [ تذكر بعض المصادر .. بنت منــيـــة] إلي محمد بن عبدالله الشاب القوي الأمين .
قال ذلك أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المُعَاِفري [وقيل الذُّهْلِي ؛ [المتوفى سنة 213هـ في مصر بالفسطاط] تحت عنوان :
‏‏« خديجة ترغب في الزواج منه » ؛ صلى الله عليه وآله وسلم..
ثم يكمل فيقول :" وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسباً ، وأعظمهن شرفاً ، وأكثرهنَّ مالاً ؛ كل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه ‏‏.‏‏" (12) .
* ويا ليت أباء البنات -زوجات وأمهات المستقبل- يقومون بإعادة قراءة السيرة النبوية العطرة كي نبحث عن الزوج الصالح وليس الرجل الغني..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٣٩ الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ؛ الثلاثاء: ٦ رمضان ~ الموافق من سنة الميلاد العجيب ٢٠١٨ م :٢٢ مايو

أعلى الصفحة
فهرس

المرأةُ الأولى في بداية مرحلة النبوة

اتوقفُ لحيظة كي نلتقط الأنفاس قبيل الحديث عن مرحلة النبوة وتكاليف الرسالة وأعباء البعثة؛ إذ يجب ربط السيرة النبوية العطرة والسنة المحمدية الطاهرة... يجب ربطها بالحياة المعاشة اليومية؛ لأن سيرة المصطفى وحياة المجتبى وطراز عيش المحتبى كيفية عملية في الحياة تلزم المسلم معرفتها يقيناً ليترجمها لسلوك يومي ويعيش بها في حياته الدنيا... ولعل تراجع المسلم عن دوره الإيجابي في الحياة الخاصة والعامة وفي مجالات العلم وتخصصاته المختلفة والتكنولوجيا يعود لعوامل عدة منها غياب القدوة الحسنة والمثال الصالح الذي يحتذى به... لذا ينبغي إلقاء أضواء عدة على سيرتها؛ وهي المرأة الأولى التي عاصرت نزول خاتمة الرسالات على قلب خاتم الأنبياء... وعقد مقارنة بينهما وبين امرأة اليوم والحقيقة لا أدري عن أي امرأةٍ أتحدث!!؟.
أنتحدث عن الطفلة التي ستكبر؛ أم الفتاة التي قاربت سن النساء وشارفت مرحلة البلوغ، أم الشابة صاحبة الأنوثة ومالكة الإخصاب، أم المرأة صاحبة البعل والأولاد وربة البيت ومديرته، أم السيدة التي تجاوزت دورها البيولوجي إلى دورها الإجتماعي الفذ كجدة لها أحفاد؛ وهي في كل أدوارها ومرحل عمرها وسني حياتها تقوم بدورها الإجتماعي الخاص المتميز .
أنتحدث عن هذه وحدها !؟
أم يشاركها الرجل!!؟.
ويأتي - سلبياً - دور المتسلط والآمر والناهي والمتكبر والظالم وسليط اللسان؛ الذي لا يرى إلا رغباته ولا يحس إلا بمشاعره ولا يريد إلا نزواته، ولا يعرف إلا احتياجاته...
أم
أقصد الرجل؛ الذي إذا أقبلتْ عليه -امرأة اليوم- خلع غطرته(1) وفرشها لتجلس عليها فهي زينة رأسه، فبقعودها... عطرتها بآريجها الفواح فكسب قربها وهذا له فخرـ أقرأ المعلقات والمذهبات إن أردت ... و .. كسب عطرها ... يتزين به وبقى من آثرها ما لا يمحى، والغطرة ـ بجوار أنفه يتشممها دون تطفل غريب أو حاسد موتور لئيم، فإذا لامست أشعة الشمس بشرتها اسرع ونشر شماغه حرصاً على نصاعة آهابها بالقرب من سمائها وعلى مقربة من سنائها فتصبح ـ له ـ كـ منارة في الربع الخالي ترشد الحيارى في البوادي وهو على رأسهم ـ فـ بدونها هو تائه في صحراء الخيال يلهث خلف سراب الوهم وهو الذي يدعي أنه فارس الفرسان وزعيم الشجعان؛ فـ بقربها يهدأ الفؤاد ويطمئن القلب وترتاح النفس ....
راجعوا قصة خلق حواء في التوراة لتتأكدوا من صحة ما ذهبت إليه ...
أما إذا عطشت فـ يعصر المُزن بيمينه ويبردها فوق جبال تهامة بالقرب من وادي " الغيل " لتجلس في جنة بين نارين(2)؛ نار الشوق لرؤية محياها وبعد لحظات ... نار البعد إن غادرت المكان وأوقفت بذهابها الزمان، وصام النهار وصامت الشمس فالمرأة لا تريد ظلَ " ذكر " على حائط النسيان بل تريد قلب " رجل " محب ولهان ... فإذا بدأتْ بإلقاء السلام خرجت كلماتها مشبعة بأكثر من ثمانية وثلاثين نوعا من العسل(3) أحلى كلماتها عسل حضرمي وأذوقه من نبتة السدر وأعلاه ما تساقط من المَن ( وَأَنزَلْنَا .. الْمَنَّ ) ... تركيبة ... كلماتها على مسمعه وبجوار أذنه لا تفك شفرتها كـ شفرة عسل النحل لا يقلد .
ونتساءل: متى يحين الوقت لعرض اطروحة :" المرأة العصرية / النموذجية " مِن خلال الكتاب الكريم والذكر الحكيم والسنة المحمدية الطاهرة النقية بدلا من الشعارات الجوفاء وهي لا تُسمع، والمطالب البلهاء بأمر لا يمكن تحقيقه .
...
الكاتبُ يبحثُ عن طرحٍ اساسه الذكر الحكيم وعماده هدي النبي الكريم إذا طرح تقبلته العامة على الفور وفعلته في واقع المجتمع، وإذا سمع باشرته المرأة أينما كانت في شتى نواحي الحياة بدلا من الفوضى الخلاقة التي أعلنتها آحدى بنات العم سام ـ وزيرة الخارجية السابقة السمراء ـ ويجري تنفيذها على عين بصيرة بألسنة دعاة الفضائيات وما أكثرهم وجيش يماثلهم من العلمانيين والمتأسلمين والمضبوعين بالثقافة الدخيلة .
ألا يعمد كثير بتقديم المثال/ النموذج العصري للمرأة من خلال وجهة نظر الإسلام في الحياة ، فكلا الطرفين ؛ الأمريكي/ الغربي صاحب مبدأ الديموقراطية بأعمدتها الأربعة ـ
حرية الإعتقاد ،
حرية الرأي ،
حرية التملك
و الحرية الشخصية ـ
والتشريع الوضعي ،
ويقابله المسلم صاحب مقولة لا حل إلا بالإسلام ؛ كلاهما يريد أن يعرض بضاعته، إن الوسائط المتاحة للأول يملكها من جميع أطرافها والثاني عالة عليها، وقد تمنع بقرار سيادي .!؟
اسئلة اطرحها أمام نظر القارئة/ القارئ ولنثري الحوار معاً!
وكي لا تكون دعوة بلا إستراتيجية أو اطروحة بلا خطة، أعرض نموذجاً إسلامياً أريد تفعيله في واقع المجتمع والحياة، وبالتأكيد ستنجح المرأة أولاً في وضع التصورات الذهنية والخطوط الأساسية .. فهذه قضيتها .
...
فهل لدين الله أنصار أمثال :
خديجة رضي الله عنها وأرضاها
في الواقع الحالي المعاش !؟ .
الإجابة بالتأكيد :" نعم!! " ، ...
لكن ما يجب أن يبحث هو الكيفية العملية لـ تفعيل هذه الأفكار وإيجادها في واقع الحياة والمجتمع، والتي ينظر إليها ـ حزمة هذه الأفكار ـ على أنها تاريخ وحواديت؛ إذ ينبغي ان تلغى هذه النظرة السطحية لتاريخ الإسلام والمسلمين فليس ما يقرأ عن السيرة النبوية العطرة أو سيرة أمهات المسلمين -رضي الله تعالى عنهن- أو سيرة الصحابة الكرام ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ تاريخ مضى بل هي أسلوب حياة؛ ونمط معيشة، وطراز خاص من العيش، إي إنزال ما نقرأهُ ـ بعد التحقيق والتدقيق والمراجعة ـ على واقع معاش في النصف الثاني من الألفية الثانية للهجرة .

إلى كل فتاةٍ تبحثُ عن قدوة صالحة ؛
وكل امرأةٍ تريدُ أن تكون أسوةً لـ بناتها وصديقاتها .. سعيتُ أن أقدم ـ مع قلة علمي ـ مثالاً يحتذى ونبراسًا يُقتدى، لواحدةٍ من أمهاتِ المؤمنين لتحيا القلوب بسيرتِها العطرة وينتعش الوجدان بحبها لرجلها الوحيد، ويعتمل العقل بخصالِها النبيلة ويقوى الإدراك بمناقبها الجليلة، فتربى بنات الجيل الحالي على وقع مشيتها في طريقها إلى ابن عمها ـ الحَبر ورقة بن نوفل؛ لتستوضح خبرَ الزوج الحبيب بدلا من التمايل على أنغام موسيقى المادونا أو شاكيرا أو الكاسيات العاريات، وتتعلم نساء الإسلام ـ حفظهن الله تعالى ـ من نساء محمد -عليه السلام وعليهنَّ رضوان الله- كيف تكون المرأة مع زوج حبيب في كل الأحوال وعلى مر الظروف بدلا من تعلم العنج من أفلام / مسلسلات ... تارة أمريكية وآخرى تركية مُأمركة وثالثة مصرية مقتبسة من بلاد العم سام ؛ فقد قالت آحداهن :
" نحن نقتل الوقت الممل !!"،
فقلتُ :" بل انتنَّ بهذه الفرجة المجانية قتلتنَّ الفضيلة والعفة والطهارة في محراب الزمن الردئ " .
إذ ينبغي علينا أن نترجم الآيات القرآنية والهدي النبوي المصطفوي إلى سلوك عملي في واقع الحياة والمجتمع ونترجم سير الجيل الأول إلى واقع ملموس، وأود أن أنبه على :
( ١ . ) خطأ جسيم أن يكتب الباحث عن هذه الشخصيات باعتبارها تاريخ مضى دون تفعيلها مع الواقع المعاش، و
( ٢ . ) الخطأ الثاني أن يطالعها القارئ كـ تاريخ مفصول عن واقعه وأنها حكايات من زمان.
والطامة الكبرى أن :
( ٣. ) فئة وعاظ المساجد وحملة لواء الكهنوت الإسلامي افلسوا حين يعرضوا هذه النماذج الرائعة على أنها " حواديت " وإستخدام تعبير :" قد كانت ..." وقد كانوا .."، إذ بذلك التصوير يعطي للسامع بأن هذا الرعيل الأول صنف غير البشر أو ملآئكة يمشون على الأرض وليسوا بشرا مثلنا؛ صحيح تم اختيارهم لزمانهم وتم اختيارنا لزماننا غير أن المنبع الصافي واحد والهدي والمدرسة النبوية مازالت قائمة بالفعل.
( ٤. ) وصار الإسلام دين الذكريات فيتم الحديث عن ذكرى الهجرة وذكرى المولد وذكرى افسراء وذكرى المعراج وذكريات عن رجب فشعبان ...
( ٥. ) وتحول إلى مناسبات وصارت خطب الجمع تتحدث عن مناسبة رأس السنة الهجرية ومناسبة الربيع ومناسبة الصيام ومناسبة الحج.. ومناسبة ليلة 27 من رجب ومناسبة ليلة النصف من شعبان ...
( ٦. ) وصار مَن يتبع دين الأسلام يحمل لقب ... إما حاج وإما شيخ .. وإما داعية مطوف وإما ....
أقولُ: فئة وعاظ المعابد التقليديين تربوا في مدرسة الوعظ والإرشاد التي تفصل الدين عن الدنيا؛ والمجتمع عن الحياة، فيبذرون أشواك اليأس في نفس بشرية خُلقت على الفطرة بتوحيد الإله والاعتراف بربوبيته ووجدت على الهداية على سنن الأنبياء؛ والنبي محمد واحد منهم بل خاتمهم؛ صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، لتعيش في سعادة وهناء .
الغرض من هذه السلسلة ليس عرض/ تقديم تاريخ وقصص، بل المقصود تقديم نموذج حي لعلاقة بشرية يمكننا أن نعيد جزئياتها بشكل يناسبنا .

قال الزبير بن بكار :" كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة ". (4) و
في الإسلام خديجة الكبرى، وأم البتول، و
يلقبها أهل مكة بـ
" الجيدة "، مما يدل على ما لها من حظوة في قلوبهم .
وهي أوّلُ زوجات (5) النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وأمّ أولاده فــ هي : جدة الذرية المباركة ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به صلوات الله وسلامه عليه وآله من النساء والرجال وصدقه ، أم هند ؛ خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشية الأسدية ...
*-*-*
[ بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة 1 أم المؤمنين خديجة ؛ رضي الله عنها ، توطئة 1 ]
توطئة
يرتعش القلمُ وتتجمد قطرات المداد بداخله؛ وكأنها لا تريد أن تسطر حرفاً أو ترسم اسماً، وتهتز ورقة القرطاس أمام ناظري بل تتوقف النظرات ولا تتحرك حدقة العين؛ فهي توقفت في فلكها ... فصاحب القلم المعوج يرغبُ أن يكتبَ عن .... مَنْ !! ..
يريد أن يكتب عن امرأةٍ جاءها رسول السماء مِن قِبل مَلِك الأرضين ورافع السموات بغير عمد نراها وبث فيها الأفلاك والأنوار والشهب والنيازك؛ مَلَكٌ هبطَ مِن السماوات العلىٰ ليلقي على ضيفتنا؛ ونحن على طهارة بدنية وطهارة حسية وطهارة إيمانية وطهارة جوفية وطهارة مناخية، فالأولى طهارة الوضوء والصلاة، والثانية طهارة مداومة قراءة القرآن كل يوم نقرأ ما تيسر منه، والثالثة قلب امتلأ بيقين الإيمان، والرابعة جوف ثلثه امتلأ بحلال الطعام والشرابح والخامسة طهارة الزمان فنحن نقبل على شهر سُلسلت فيه الشياطين والمردة ـ اقول جاء أمين السماء ليخبر أمين الأرض والسماء صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقي السلام عليها ويخبرها ببشارة؛ كما جاء من قَبل نفس المَلَك بأمر من رب العزة إلى العذراء البتول؛ مريم بنت عمران عروس الأزمان ليلقي عليها السلام ويخبرها ببشارة .
*-*-*-
فأيُّ نساءٍ بكعب العفةِ بلغنَّ قممَ العزة والإباء والشرف؛ وأيُّ نساءٍ امتطينَّ أعلى سنام الفخر والمجد والثناء والدرجات العلى ... فلتنحني قامة الإنسانية تقديراً وإجلالاً لدورهنَّ، وليركع التاريخ أمام نساءٍ صنعنَّ عظماء التاريخ بل هنَّ مَن سطرن التاريخ بأيديهن فوقفن بجوار منارة الهدي بوحي السماء وأضاءوا نجوم الإيمان في حالك الأزمان ...
نكمل حديث اليوم بضوء ثاقب من النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال ...
*
المتتبع لحركة التاريخ ومساره يلاحظ أنه توجد حالة من الاصطفاء والاختيار والإجتباء لرجال بعينهم ونساء، وحين يعاد النظر تجد شخصيات محورية لعبت دوراً أساسياً فحركوا عجلة التاريخ كما رأوا وكما يريدون، وحين يعاد التركيز على حقبة زمنية محددة بعينها يلاحظ وجود جيل الأوائل(4) وهم نخبة الصفوة وصفوة النخبة؛ طراز خاص من البشر ليسوا بملآئكة فيرتفعون إلى سماء بل هبطت سماء المجد لترفعهم فوق رؤوس الآخرين ..
السيدة خديجة بنت خويلد جمعت لألئ عقد فريد جمع كل الأوائل فهي :
[١. ] المرأة الأولى في حياة محمد بن عبدالله الشاب الوسيم ،
وهي
[٢. ] الزوجة الأولى في حياة رجل يعرف كيف يعامل المرأة ويعالج النساء ،
وهي
[٣. ] الزوجة الأولى التي أنجبت له الأولاد ،
وهي
[٤. ] حبه الأول الذي ما فارقه وإن صعدت روحها للرفيق الأعلى ،
وهي
[٥. ] أول مؤمنة بعقيدة التوحيد ورسالة الإسلام ،
وهي
[٦. ] أول إنسان في عهد النبوة المحمدية يأتيها ملك من السماء برسالة من الله عز وجل وبشرى،
وهي
[٧. ] أول امرأة ردت السلام على الله السلام وعلى رسول آله السلام جبريل عليه السلام،
وهي
[٨. ] أول مسلمة تسمع الوحي الإلهي ـ القرآن الكريم ـ من فم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين،
وهي
[٩. ] المرأة الأولى التي ركعت وسجدت له -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- في باكورة كوكبة الموحدين في جوف مكة وهي - أم القرى التي تعلوها أصنام الشرك- صلَّت بجوار زوجها ورسول البشرية محمد المصطفى والرسول المجتبى والنبي المرتضى...
ثم
هي
[١٠. ] المرأة التي ربت علي بن أبي طالب حين احتضنه زوجها؛ ردأ لجميل عمه أبي طالب؛ الأخ الشقيق لعبدالله؛ والد الطفل اليتيم محمد .
ولعل هذه العشرة تكفيها فخراً بين نساء العالمين ...
فأنتِ أختي القارئة ما تملكين !!!؟.
**
قال الزبير بن بكار :" كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة ".
ميلاد خديجة :
ولدت بمكة؛ أم القرى قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة أي تقريباً 68 ق. هـ ~ 556 ب. م. .
**
نسب خديجة :
هِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزّى بْنِ قُصَيّ (5) بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ (6) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وخويلد هذا جد الزبير بن العوام.
وَأُمّهَا قرشية من بني عامر بن لؤي ؛ فهي فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ ؛ العامرية بنت جندب ، بْنِ الْأَصَمّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ (7) .
وَأُمّ فَاطِمَةَ : هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِمَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ (8) .
وَأُمّ هَالَةَ قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . (9) .
وفاطمة هذه هي عمة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم .
فخديجةُ بنت خويلد من أعرق بيوت قريشٍ نسباً وحسباً وشرفاً ، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة ، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة .
يلتقي نسبها بنسب (10) النبي في الجد الخامس فتجتمع مع النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم في جده قصي ؛ فهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، وهي أول امرأة تزوَّجها ، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين .
**
يتبع باذن الله تعالى ....
[ 3 بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة 3 أم المؤمنين خديجة ؛ رضي الله عنها 3 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نال شرف قراءة وبحث ومراجعة وكتابه هذا البحث عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد-رضي الله عنها- زوج النبي المصطفى-صلى الله عليه وآله وسلم-:
محمد الرمادي
السبت : 19 شعبان 1439 هـ 5 مايو 2018م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) متمم لفصل رقم ﴿ ٤٤ ﴾؛ منشورات استروعرب نيوز.

أعلى الصفحة
فهرس

مرحلة النبوة

من دقة البحث في السيرة النبوية الشريفة وتمام فصولها وتكامل ابوابها ودقة ترتيبها أن اتحدث عن إرهاصات نبوة محمد بن عبدالله عند أهل الكتاب وكهان العرب عندما قارب زمن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. بيد أنني فضلت وضعها ضمن ملاحق بحوث السيرة.
وفي بحثي السابق تحدثت عن إرهاصات النبوة قبيل البعثة وهذه الجزء الثاني ...
„مَبْعَثُ النَّبِيِّ‟ [صلى الله عليه وآله وسلم]
﴿[ 2 ] ﴾ المسألة الثانية
في ضوء كل ما سبق ننظر إلى الوحي وإلى لحظاته الأولى[(1)]: فعندنا روايتان نفيستان تشرحان بالتفصيل أمر الوحي:
الرواية الأولى هي رواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها، والرواية الثانية هي رواية ابن إسحاق عن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي رضي الله عنه [(2)] ...اضف بعض الروايات المكملة للقصة عن جابر بن عبدالله، وعن ابن عباس وعن غيرهما رضي الله عنهم جميعًا، والذي يقرأ الروايات كلها قد يظن فيها التعارض؛ لأنها تصف أحداثًا تبدو مختلفة. لكن واقع الأمر أنها ليست متعارضة؛ بل متكاملة، وقد يُشْرَح الحدث نفسه في الروايات من زوايا متعدِّدة، وقد تُشرح أحداث مختلفة؛ فيظن القارئ أن الأمر واحد، فيدخل عليه الالتباس، كما أن بعض الروايات فصَّلت ما أجملت الروايات الأخرى، والعكس؛ ولهذا تُقرأ الروايات الصحيحة كلها أولاً، ثم بعد ذلك نصوغ القصة بترتيبها الزمني المنطقي، ثم نُعَلِّق بعدها تعليقات عامة تُحقق الفائدة من هذه الروايات النفيسة.
الرواية الأولى: رواية عائشة رضي الله عنها
الرواية الأولى هي رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، وننتبه أنها -أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر- لم تُعاصر الحدث؛ ولكنها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من أحد الصحابة؛ كأبيها أبي بكر رضي الله عنه أو غيره، وإن كانت هناك بعض الإشارات في الحديث إلى أنها سمعت الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم و مباشرة؛ لأن هناك التفاتًا في بعض الفقرات، التي يتحدَّث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، والحديث في أعلى درجات الصحة، وجاء في البخاري ومسلم، فدرجته التخريجية متفق عليه بل ومن أكثر من طريق، واقسم الحديث إلى مشاهد أو مقاطع ليسهل إدراكه وفهمه فتقول عائشة رضي الله عنها: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ :
﴿[ 1 ] ﴾ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ،
ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ
﴿[ 2 ] ﴾ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ،
نزول الوحي... :
﴿[ 3 ] ﴾ فَـ جَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي[(3)] حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي"، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي،
﴿[ 4 ] ﴾ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1-3]" حَتَّى بَلَغَ : ( مَا لَمْ يَعْلَمْ ) . :" فَـ
﴿[ 5 ] ﴾ رَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، " فَـ
﴿[ 6 ] ﴾ دَخَلَ عَلَى خديجة بنت خويلد(*) رضي الله عنها فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فَـ
﴿[ 7 ] ﴾ قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ [أَبْشِرْ] وَاللهِ
﴿[ 7. 1. ] ﴾ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا،
﴿[ 7. 2. ] ﴾ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ،
[7. 2. 1. ] [وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ] وَ
﴿[ 7. 3. ] ﴾ تَحْمِلُ الكَلَّ[(4)] وَ
﴿[ 7. 4. ] ﴾ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَ
﴿[ 7. 5. ] ﴾ تَقْرِي الضَّيْفَ، وَ
﴿[ 7. 6. ] ﴾ تُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَـ
﴿[ 8 ] ﴾ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالعُزَّى [بْنِ قُصَيٍّ] [وَهُوَ] ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ [أَخِي أَبِيهَا] وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ،[ و كان يكتب بــ الْعَرَبِيَّ [فـ] قَدْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ] وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَـ
﴿[ 9 ] ﴾ قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَـ
﴿[ 10 ] ﴾ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى، فَـ
﴿[ 11 ] ﴾ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ[(5)] الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي [أَكُونُ] فِيهَا جَذَعًا[(6)]؛ لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا
﴿[ 12 ] ﴾ إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ [أَحَدٌ] قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، [وَأُوذِيَ] وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.
﴿[ 13 ] ﴾ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ"[(7)] فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا حُزنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ جَبَلٍ كَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهَا تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّا لَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ مَهْدِيٍّ[(8)]. [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّزَّاقِ].
*. ] الرواية الثانية: رواية عبيد بن عمير بن قتادة:
أما الرواية الثانية التي تحدَّثت في أمر الوحي بالتفصيل؛ فهي رواية عبيد بن عمير بن قتادة في سيرة ابن إسحاق، وعبيد بن عمير من كبار التابعين، وأبوه صحابي جليل، وعبيد رحمه الله يروي عن كثير من الصحابة منهم عمر وعلي وأبو ذر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعائشة وابن عمر .. وغيرهم رضي الله عنهم، وهي رواية صحيحة، وفيها تفصيلات كثيرة مهمَّة، سنعتمد عليها بشكل مباشر مع الرواية الأولى التي روتها عائشة رضي الله عنها.
ففي هذه الرواية يقول عبيد: "فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ[(9)] ذَاتَ الشَّهْرِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ؛ فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ -إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ- الكعبة، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِك، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى إذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ شَهْرُ رَمَضَانَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى حِرَاءٍ، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتَّى إذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهَا، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطِ[(10)] مِنْ دِيبَاجٍ[(11)] فِيهِ كِتَابٌ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي[(12)] بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَاذَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: فَقُلْت: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلاَّ افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] .
قَالَ: فَقَرَأْتُهَا ثُمَّ انْتَهَى، فَانْصَرَفَ عَنِّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَلاَ أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلاَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي، وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي، حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعَلَى مَكَّةَ، وَرَجَعُوا إلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي، وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِي، حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا[(13)] إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَيْنَ كُنْتَ؟ فَوَاللهِ لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ وَرَجَعُوا لِي. ثُمَّ حَدَّثْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَابْنَ عَمَّ وَاثْبُتْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الأُمَّةِ".
ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ ورقة بن نوفل: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ[(14)] وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ فَقَوْلِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ، فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي؛ أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَك النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى، وَلَتُكَذِّبَنَّهْ[(15)] وَلَتُؤْذَيَنَّهْ وَلَتُخْرَجَنَّهْ وَلَتُقَاتَلَنَّهْ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لأَنْصُرَنَّ اللهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ. ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ[(16)]، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى منزله[(17)]"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاتان الروايتان هما العمدة في البحث في مسألة بدء الوحي، وهناك روايات أخرى كثيرة مساعدة؛ منها نفس الروايتين بصيغ مختلفة، ومنها بعض الروايات الجديدة.
الرواية الثالثة: رواية جابر بن عبدالله:"من هذه الروايات مثلاً رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في البخاري وفيها يقول: "سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يحدِّث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ [(18)] مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَدَثَّرُونِي". فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-5] -قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ- وَهِيَ الأَوْثَانُ[(19)] والرجز في الآية هي الأوثان كما ذكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
الرواية الرابعة: رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن:"ومن هذه الروايات -أيضًا- ما جاء في البخاري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن[(20)] رحمه الله، يقول فيها يحيى[(21)]: سألتُ أَبَا سَلَمَةَ: أي القرآن أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. فقلتُ: أُنْبِئْتُ أنه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. فقال أبوسلمة: سألتُ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أيُّ القرآن أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. فقلتُ: أُنْبِئْتُ أنه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. فقال: لا أُخْبِرُكَ إِلاَّ بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]" [(22)]
وكذلك في رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ كلامه بـ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ -يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه السلام- فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي. فَدَثَّرُونِي، فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 1-4] [(23)]"
الفروق الواضحة بين هذه الروايات : " هذه روايات رئيسة في الموضوع، وهناك عدَّة روايات أخرى تصف الأمر بألفاظ مختلفة سنحتاج إلى الرجوع إليها عند الحاجة، وعند قراءة هذه الروايات مجتمعة يظنُّ القارئ -كما ذكرنا من قبلُ- أن هناك تضاربًا بينها؛ ولعلنا إذا قرأنا هذه الروايات بتمعُّن ننظر إلى بعض الفروق الواضحة بين هذه الروايات؛ وخاصة الروايتين الأوليين؛ رواية عائشة رضي الله عنها في البخاري، ورواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق؛ وهذه الفروق[(24)] هي:
1- رواية ابن إسحاق تذكر أن قدوم الملك كان في حالة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها عبيد بن عمير على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "وَأَنَا نَائِمٌ". وفي مرة أخرى قال: "وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي". بينما تذكر رواية عائشة رضي الله عنها الأمر على أنه يقظة.
وقال السهيلي[(25)] :" وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيراً عليه ورفقاً به؛ لأن أمر النبوة عظيم؛ وعبئها ثقيل والبشر ضعيف ".
وقال ابن كثير[(26)] بما قاله السهيلي؛ ثم زاد :".... وقد جاء مصرحاً بهذا في مغازي موسى بن عقبة عن الزهري؛ أنه رأي ذلك في المنام؛ ثم جاءه الملك في اليقظة". وقال في موضع آخر[(27)] :"ويحتمل أن هذا المنام كان بعدما رآه في اليقظة صبيحة ليلتئذ؛ ويحمل أنه كان بعده بمدع "... والله أعلم".
2- رواية ابن إسحاق تذكر أنه عند خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من الغار رأى جبريل عليه السلام في صورة رجل صافٍّ رجليه في السماء؛ بينما رواية عائشة رضي الله عنها لا تذكر أمر هذه الرؤية؛ إنما تذكر عودة رسول الله صلى اللهعليه وسلم من الغار إلى خديجة مباشرة، دون رؤية الملك الواقف في السماء.
3- رواية ابن إسحاق تذكر أن جبريل عليه السلام وهو صافٌّ رجليه في السماء صرَّح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسولُ الله؛ بينما لم تذكر رواية عائشة رضي الله عنها هذا التصريح.
4- ردُّ فعل خديجة رضي الله عنها في الروايتين كان مختلفًا؛ ففي رواية ابن إسحاق قالت: "إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِه الأُمَّةِ". وفي رواية عائشة رضي الله عنها لم تُشر إلى النبوة إنما قالت: "كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ..". إلى آخر الوصف الذي ذكرته خديجة رضي الله عنها.
5- في رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "زَمِّلُونِي". فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. بينما في رواية عائشة رضي الله عنها قال: "زَمِّلُونِي". فزمَّلوه، ولم تذكر نزول آيات.
6- في رواية ابن إسحاق ذهبت خديجة رضي الله عنها بمفردها إلى ورقة بن نوفل؛ لتسأله عن أمر الرسالة أو عن أمر الملك؛ بينما في رواية عائشة رضي الله عنها ذهبت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم معًا.
7- في رواية عائشة رضي الله عنها ذكرت أمر فترة الوحي؛ أي انقطاع الوحي، ولم تذكر ذلك رواية ابن إسحاق.
8- في رواية ابن إسحاق ذكر أن الملك ظهر في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء؛ بينما في رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما تصف الملك أنه رجل جالس على كرسي.
9- في رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ذكر أن أول ما نزل من القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. بينما المشتهر أن {اقْرَأْ} [العلق: 1] هي أول ما نزل، وهذا واضح في رواية عائشة رضي الله عنها وابن إسحاق معًا.
هذه هي الفروق الرئيسية فيما أرى، وأعتقد أنه بالتدقيق يمكن أن نُخرج فروقات أخرى، والله أعلم[(28)].
هوامش قبيل النبوة :
1.) التحنث في غار حراء:
كان رسول الله ينفرد إلى نفسه متقرباً إلى الله عز وجل في غار معروف بغار حراء... وقد حبب الله تعالى إليه ذلك ... والمهم هنا أنه لم يأمره بذلك أحد فكان يبقى في هذا الغار الأيام والليالي إلى أن أتاه الوحي فيه[(29)] وكانت سنه آنذاك أربعين سنة وسأعود لبحث هذه المسألة[(30)] وكان يمكث في حراء شهراً من كل سنة .. وكان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية.. كما ذكر ابن إسحاق[(31)] ويطعم من جاءه من المساكين. وإذا قضى جواره من شهره هذا كان أول ما يبدأ به الطواف بالكعبة[(32)] وسأبحث مسألة تحنثه هذا في بحث قادم-إذا شاء خالقنا سبحانه وتعالى –
2.) وروي أن رسول الله قال :"إني لأعرف حجراً بمكة... كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث... إني أعرفه الأن[(33)] فجعل لا يمر بشجر أو حجر إلا وهو يقول له :"السلام عليك يا رسول الله .. فاطمأنت نفسه[(34)]
3.) قصة شق البطن
4.) جعل الخاتم بين كتفيه... وكأنما يعاين الأمر معاينة[(35)]. وروي أنه خرج من عند خديجة ثم عاد فأخبرها أنه رأي بطنه قد شق ثم طهر وغسل ... ثم أعيد كما كان فقالت :" هذا والله خير فابشر"[(36)].
5. ) وقال النبي لخديجة :" إني ارى ضوءاً أسمع صوتاً وإني أخشى أن يكون بي جنن" . قالت:"لم يكن الله ليفعل بك يا ابن عبدالله".. ثم أتت ورقة بن نوفل وقول ورقة له :" إن يك صادقاً فإن هذا ناموس مثل ناموس موسى .." [(37)]
ندرك من السابق بعض العبر والعظات :
1.) إن الايات والمعجزات التي وقعت للرسول من قبيل الإرهاصات الدالة على تميزه عن غيره ممن الحنيفيين الذي عاصروه وأن الله عز وجل سيختاره ه بالذات لأمر عظيم
2.) تقرير أن الرؤيا الصالحة جزء من سنة وأربعين جزءاً من النوبة؛ إذ إن فترة الوحي كانت ثلاثاً وعشرين سنة منها ستة اشهر كانت مناماً.
3. ) استحباب العزلة لفترة تعين المسلم على التفكير في أحوال المجتمع إذا سادت الجاهلية والفساد، أما الاعتزال الدائم للمجتمع والذي ابتدعته جماعة من الجماعات الدينية في زماننا هذا فهو مخالف لسنته العملية والقولية ... فلم يعرف عن الرسول أنه اعتزل المجتمع، وقال في نبذ مثل هذه الاتجاهات:
3. 1. ) "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم"[(38)] وقال:
3. 2. ) "المؤمن يألف ويؤلف؛ ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس"[(39)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) للكاتب بحث كامل عن السيدة المصونة والجوهرة المكنونة خديجة بنت خويلد؛ زوج النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

أعلى الصفحة
فهرس

فِي بَدْءِ الْوَحْيِ

„" مَبْعَثُهُ " ‟ [صلى الله عليه وآله وسلم]
﴿[ 1 ] ﴾ المسألة الأولى:" فِي “بَدْءِ” الْوَحْيِ:" الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ "... " الحَسَنَةُ ".
ولنُعِدْ كتابة أحاديث „ " مَبْعَثُهُ " ‟ مرتَّبة ترتيبًا زمنيًّا اعتمادًا على الروايات الصحيحة؛ لنصل إلى ما حدث بالفعل"[(1)].
تمهيد لمسألة المبعث:
*. ] قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ« لَفْظُهُمَا وَاحِدٌ . [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو عِيسَى.][(2)]
*. ] عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ شَيْئًا ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : «مَنْ أَنَا ؟»؛ فَقَالَ : قَالُوا :" أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ » قَالَ : « أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِمْ ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا ، فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسًا ، وَخَيْرُكُمْ بَيْتًا ». [أَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى.][(3)].
*. ] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ – قَالَ: « قَلَّبْتُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ ، وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ أَرَ بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ».[(4)]
*. ] عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ : قُلْتُ : "يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ عَلِمْتَ أَنَّكَ نَبِيٌّ.. أَوَّلَ مَا عَلِمْتَ ذَلِكَ وَاسْتَيْقَنْتَ ؟"، قَالَ : « يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَتَانِي مَلَكَانِ وَأَنَا بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ فَوَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ وَالْآخَرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : "أَهُوَ .. هُوَ ؟"، قَالَ : "هُوَ .. هُوَ ". قَالَ : "زِنْهُ بِرَجُلٍ "، فَوُزِنْتُ بِرَجُلٍ فَرَجَحْتُهُ . ثُمَّ قَالَ : "زِنْهُ بِعَشَرَةٍ "، فَوَزَنُونِي بِعَشَرَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ . ثُمَّ قَالَ : "زِنْهُ بِمِائَةٍ"، فَوَزَنُونِي بِمِائَةٍ فَرَجَحْتُهُمْ . ثُمَّ قَالَ : "زِنْهُ بِأَلْفٍ" فَوَزَنُونِي بِأَلْفٍ فَرَجَحْتُهُمْ . فَجَعَلُوا يَنْثُرُونَ عَلَيَّ مِنْ كِفَّةِ الْمِيزَانِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : "لَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ رَجَحَهُمْ" . قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : "شُقَّ بَطْنَهُ"، فَشَقَّ بَطْنِي ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : "أَخْرِجْ قَلْبَهُ" ، أَوْ قَالَ : "شُقَّ قَلْبَهُ" فَأَخْرِجْ مَقَرَّ الشَّيْطَانِ وعَلَقَ الدَّمِ فَطَرَحَهَا ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : "اغْسِلْ بَطْنَهُ غَسْلَ الْإِنَاءِ وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غَسْلَ الْمُلَاءَةِ" ، ثُمَّ رَمَى بِسِكِّينَةٍ كَأَنَّهَا زُمُرُّدَةٌ بَيْضَاءُ فَأُدْخِلَتْ قَلْبِي . ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا : "خِطْ بَطْنَهُ" ، فَخَاطَ فَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَلَّيَا عَنِّي ، فَكَأَنَّمَا أُعَايِنُ الْأَمْرَ مُعَايَنَةً. [(5)]
1.] «الرؤيا» الصادقة:
وهي التي جاءت في رواية عَائِشَةَ رضي الله عنها عندما بدأت الكلام بقولها:
1. 1. ] :" أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ »الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ« فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ..". و
في رواية أخرى من روايات عائشة رضي الله عنها وصفت
1. 2. ] :" الرؤيا بـ"الصَّادِقَة" [(6)]
إذاً في هذا التعبير تُوَضِّح عَائِشَةُ رضي الله عنها أن بداية الوحي كانت عبارة عن الرؤيا يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه؛ فتأتي كفلق الصبح؛ أي تأتي واضحة بيِّنة، ليس فيها اختلاف البتَّة عمَّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه فترة عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتقي جبريل عليه السلام في غار حراء، و
مدة هذه الفترة يختلف عليها العلماء؛ وهي في الأغلب ستة أشهر، وليس هناك دليل مباشر على هذا التقدير، لكنها حسابات بُنِيَتْ على أحاديث أخرى كما سأبينها.[(1)].
تقول عائشة رضي الله عنها: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم". وهي تعني في هذه الكلمة الإرهاصات "المباشرة" للوحي؛ لأنه كانت هناك إرهاصات أخرى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنْبِئ أن حياته ليست كحياة بقية الناس، وأن أمره فيه كثير من الغرابة غير المعتادة مع بقية البشر، وكانت هذه إرهاصات تدل على أنه سيكون في مستقبله ذا شأن. [(1)]
من هذه الإرهاصات -على سبيل المثال-
- حادث شق الصدر، وهو ثابت بالروايات الصحيحة، وحَدَثَ وهو طفل صغير عندما كان عند مرضعته حليمة [(8)]، ومنها كذلك
- سلام الحجر عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ "[(9)] ومنها
- قوله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها: "إِنِّي أَرَى ضَوْءًا، وَأَسْمَعُ صَوْتًا [(10)] وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي جَنَنٌ". قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ يَا ابْنَ عَبْدِاللهِ. ثُمَّ أَتَتْ ورقة بن نوفل، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ يَكُ صَادِقًا، فَإِنَّ هَذَا نَامُوسٌ مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى، فَإِنْ بُعِثَ وَأَنَا حَيُّ، فَسَأُعَزِّرُهُ، وَأَنْصُرُهُ، وَأُومِنُ بِهِ[(11)]
فهذه كلها علامات تُشير إلى أن هذا الرجل سوف يلقى في مستقبله أمورًا غريبة ليست معتادة بين البشر؛ لكن ما عنته عائشة رضي الله عنها بقولها: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ". هو الدخول في عملية الوحي المباشِرة، وكون هذه الرؤيا الصالحة ملاصقةً تمامًا لبدايات نزول جبريل عليه السلام، فاعتُبرت من داخل الوحي.[(1)]
لي أن اتساءل ما
*.] :" الفرق بين رؤيا الرسول ورؤيانا :[(1)]
لكن ينبغي التنبيه على أن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفة عن رؤيانا في أمرين مهمَّين[(1)]؛ وهما:
الأمر الأول: هو أن "كلَّ" رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة[(1)]، وليس فيها ما نسميه: "أضغاث الأحلام[(1)] ". يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ" [(1)] [(18)]
أما الأمر الثاني: فرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم كلها واضحة المقصد، أو كما عبَّرت عائشة رضي الله عنها بقولها: "مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ [(1)]".
فليس هناك اختلاف في تفسيرها، فهي إما وصفت حدثًا معينًا سيحدث بحذافيره، وإما ذكر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلاً معينًا قطعيًّا لا يُحْتَمل غيره؛ بينما رؤيانا تحتاج إلى تفسير من عالِمٍ بأمور وتفسير الرؤى، وقد يكون تفسيرُه مصيبًا في بعض الأحوال، وقد يجانبه الصواب في أحيان أخرى.[(1)]
أضف لذلك أن مسألة المنامات والأحلام أصبحت عند كثير من المسلمين من المسلمات؛ كما روى د. عبدالهادي حكاية رؤيا آحد شيوخ المساجد لرئيس مصر المخلوع أنه أمَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعتبر من الخرافات..
هذه الرؤيا الصادقة التي مرَّ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت تمهيدًا له، وكذلك كانت تمهيدًا لمن حوله من الناس؛ خاصة أولئك الذين أحبُّوه، ووثق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى حكى لهم هذه الرؤى، وعلى رأسهم -ولا شك- خديجة رضي الله عنها، وقد يكون حكى ذلك الأمر -أيضًا- لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو زيد بن حارثة رضي الله عنه، أو غيرهما من أصحابه في ذلك الوقت.[(1)]
" سِنُّ الْكَمَالِ "
بَعَثَهُ اللَّهُ تعالى في سماه وتقدست اسماه عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ[(22)] وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ . قِيلَ : وَلَهَا تُبْعَثُ الرُّسُلُ ، وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ[(23)] سَنَةً فَهَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَثَرٌ مُتَّصِلٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ
*. ] :" وَأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ الرُّؤْيَا[(24)] ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَوَّلُ مَا بَدَأَ [(25)] بِهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ بِهِ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ - وَقَالَ الْحُسَيْنُ فِي حَدِيثِهِ - الْخَلَاءُ .
:" العلاقة بين الرؤيا الصادقة والوحي :[(26)]
وهناك علاقة مباشرة بين الرؤيا الصادقة والوحي؛ فكلاهما يُنبئ بالمستقبل، ويُخبر بالغيب؛ ولهذا اعتُبِرت الرؤيا الصادقة -أو الصالحة- في هذه الرواية من الوحي ذاته؛ بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبَّر عن الرؤيا بأنها جزء من النبوة، وهو هنا يقصد الرؤيا العامة وليست رؤيا الأنبياء فقط؛ فقال على سبيل المثال في الحديث: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ"[(1)] [(28)] وقال كذلك: "الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"[(1)] [(30)].. وهذه مسالة فردية شخصية زز لا تتعدى صاحب هذه المنام
فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ[(31)] فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ - وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ ؟ [(32)]
قِيلَ : وَكَانَ ذَلِكَ سِتَّةَ[(33)] أَشْهُرٍ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
*.] مدة الرؤيا الصالحة:"[(34)]
وهذا الذي دعا العلماء لتحديد مدَّة الرؤيا الصادقة التي مرَّ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، فهو يقول: إن هذه الرؤيا هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة. ومدة البعثة النبوية كانت ثلاثًا وعشرين سنة؛ فجزء من ستة وأربعين جزءًا من هذه الفترة يساوي ستة أشهر، وهذا يعني أن بدايات الرؤيا الصالحة لرسولنا صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول، قبل أن يلتقي جبريل برسولنا صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة نفسها.[(35)]
*. ] :" وَكَانَ يُحِبُّ الْخَلْوَةَ فِي غَارِ حِرَاءٍ [(36)] [(37)].
*.] :" تحبيب الخلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
تقول عائشة رضي الله عنها: "ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ" [(1)] [(39)]
وصياغة عائشة رضي الله عنها تُوحي أن تحبيب الخلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بعد الرؤيا الصادقة، التي كانت قبل البعثة بشهور ستة[(40)]؛ بينما في رواية ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم كان يُجاور -أي يعتكف- في غار حراء في شهر رمضان من كل سنة، فكان يختلي في غار حراء قبل الرؤيا الصادقة، فكيف الجمع بينهما؟[(11)]
غالب الأمر أنه صلى الله عليه وسلم كان بالفعل يختلي في غار حراء [(42)] بنفسه شهرًا في السنة لعدَّة [(1)]سنوات قبل البعثة، وليس عندنا دليل ثابت [(44)] يُحَدِّد عدد هذه السنوات، ويبدو أنه كان يأخذ معه طعامًا كثيرًا يعطي منه للمساكين الذين يذهبون إليه في هذا المكان البعيد فيتصدَّق عليهم؛ ونلحظ هذا في رواية عبيد بن عمير في ابن إسحاق حين قال: "فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشَّهْرَ مِنْ كُلَّ سَنَةٍ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ"[(1)] [(46)]
*.) ولكن في الشهور الستة[(47)] الأخيرة حُبِّب إليه الخلاء كما تقول عائشة رضي الله عنها، وهذا يحتمل أمرين: [(48)]
أمَّا الأمر الأول[(1)]: فهو أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم الآن مشتاقًا إلى الخلاء، محبًّا له[(1)]، وكان قبل ذلك في مرحلة سابقة؛ وكأنه يدفع نفسه إليه، للتفكُّر في الله، وكيفية عبادته، أمَّا الآن في هذه المرحلة فقد صار محبًّا للخلاء، باحثًا عنه؛ ونحن في مراحلنا الإيمانية قد نمرُّ بمثل هذا، فقد نفعل عبادةً ما كالصلاة أو الصيام أو النفقة أو العمرة فقط لأن الله أمرنا بها، فهي بالنسبة إلينا كواجب يتحتَّم علينا فعله، ولكننا قد ننتقل إلى مرحلة إيمانية أخرى نشعر فيها بالحبِّ الشديد لهذه العبادة؛ حتى إننا ننتظر وقتها بفارغ الصبر، فهذا هو ما نقصده عند حديثنا عن حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلاء في المرحلتين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحبَّ كان مخالفًا لأعراف الناس وطبيعتهم، فلم يكن هناك مَنْ يفعل ذلك من أهل مكة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة وأنَّ المكان الذي اختاره موحش وقفر ومخيف، وقد اشتُهِر في العرب أمر الجن والشياطين؛ فكانت هذه الأماكن البعيدة أماكن مرعبة لكل أهل مكة بشكل عام، هذا بالإضافة إلى أن الباحث عن الحقيقة لا يذهب عادة إلى مثل هذه الأماكن، بل يذهب إلى أهل العلم؛ ولكن هذا لم يحدث مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، فلم يذهب إلى ورقة بن نوفل،[(1)] أو زيد بن عمرو، أو غيرهم ممن يتكلمون في أمور العبودية لله عز وجل؛ فكل هذا يُبَيِّن أنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى غار حراء ذهب ليعتكف مخالفًا بذلك طرق الناس وأعرافهم، وهذا الذي تحمله كلمة عائشة رضي الله عنها: "حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ". أي أنَّ الله عز وجل حَبَّب إليه أمرًا لا يحبُّه الناس في المعتاد.
وأما الأمر الثاني: فقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد ازداد حبًّا في الخلاء؛ حتى لم يَعُدْ يفعله في شهر رمضان فقط؛ إنما فعله عدَّة شهور من الشهور الستة السابقة للبعثة، ويُؤيد ذلك قول عائشة رضي الله عنها: "ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا".[(1)] ثم قالت: "حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ". فمعنى هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في فترة الرؤيا الصالحة كلها -أي في كل الشهور الستة- يُكرِّر العودة إلى غار حراء للخلاء، وأن هذا استمر حتى لحظة مقابلة الملك. ويُحتمل الأمران معًا.[(1)].
*. ]: " والسؤال هنا: ماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم في هذه الخلوة؟[(1)]
تقول عائشة رضي الله عنها: "فيتحنَّث[(1)]". ثم يفسر ابن شهاب الزهري رحمه الله -على الأغلب- هذه الكلمة بقوله: وهو التعبد [(56)].[(57)] وبعض العلماء ينسب هذا التفسير إلى "عائشة رضي الله عنها
وما التحنث الذي وصفته "عائشة رضي الله عنها؟[(1)]
واضح أن العرب في الجاهلية كانوا بشكل عامٍّ يؤمنون أن الله هو خالق هذا الكون وخالقهم، ولم يَدَّعِ أحد أن اللات والعزى أو هُبل أو غيرها من الأصنام خلقت السماوات والأرض، أو خلقت الإنسان؛ يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان: 25]. لكن العرب كانوا يعبدون الأصنام لكي يتخذوها شفعاء عند الله، أو ليتقربوا بها عند الله؛ قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} [يونس: 18].[(1)]
أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فكان يُبغض هذه الأصنام،[(11)] ويُدرك أنها ليست الطريقة السليمة للوصول إلى الله عز وجل، وظهر هذا البغض للأصنام في قصة حياته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في أكثر من موقف؛ منها: ما كان من حواره مع خديجة رضي الله عنها قبل البعثة -على الأغلب- حين قال لها: "أَيْ خَدِيجَةُ، وَاللهِ لاَ أَعْبُدُ اللاَّتَ، وَاللهِ لاَ أَعْبُدُ الْعُزَّى أَبَدًا". فردَّت عليه خَدِيجَةُ: خَلِّ اللاَّتَ، خَلِّ الْعُزَّى[(1)] [(63)]
والعلماء مختلفون حول توقيت هذا الحوار،[(1)]وهل هو قبل النبوة أم بعدها؟ والذي أراه أنه قبل النبوة؛ لأن خديجة رضي الله عنها تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خلِّ اللات، خل العزى. أي اترك اللات والعزى، ويصعب أن يكون هذا هو ردُّ فعلها إن كانت تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نبوته؛ لأنه ليس من المناسب أن تتوجَّه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه النصيحة، وهو الذي صار إمام الموحدين.[(1)]
ويشهد لبغضه صلى الله عليه وسلم للأصنام -أيضًا- موقفه مع زيد بن حارثة رضي الله عنه،[(66)]وكان هذا قبل البعثة، فعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: "وَكَانَ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافُ وَنَائِلَةُ. فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -أي بالكعبة- وَطُفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَمَسَّهُ". وَطُفْنَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمَسَّنَّهُ أَنْظُرُ مَا يَقُولُ. فَمَسَحْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَمَسَّهُ أَلَمْ تُنْهَ؟" قَالَ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ بِالَّذِي أَكْرَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ".[(1)] [(68)]
فكان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الغار يتفكَّر في خالق هذا الكون؛ لكنه لم يكن يعرف على وجه الحقيقة كيف يعبده، ولا على أي شريعة، ولعلَّ هذا هو أحد المعاني في قوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى: 7].[(1)]
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن الكون له خالق وله ربٌّ، لكن لم يكن يعرف على أي شريعة يعبده، وبأي طريقة يتقرَّب إليه، خاصة أن شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الصحيحة كانت قد اندثرت في معظمها عبر السنين، وهذا هو تفسير الضلال في الآية[(1)] [(71)]، وقريب من هذا المعنى -أيضًا- ما قاله الله سبحانه وتعلى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].[(1)]
فالآيات تُوَضِّح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لم يكن يدري ما الكتاب[(1)]، وما الإيمان[(1)]؛ ولذلك كان يجلس في غار حراء يتفكَّر في هذا الكون وخالقه، وكيف تكون طريقة الإيمان به.[(1)]
والحق أنه من العجيب أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يبحث في شرائع النصرانية عند ورقة بن نوفل، ولم يبحث في عقيدة الحنيفية عند زيد بن عمرو بن نفيل، ولم يبحث في شرائع اليهود عند يهود يثرب، وبها أخواله صلى الله عليه وسلم، وكان من الممكن أن يُسافر إلى هذه البلاد ليسمع منهم، فأنا أرى أن هذا من حِفْظِ الله تعالى له؛ حتى لا يقال: إنه نقل عنهم. كما أن عقيدتهم شابها التحريف الشديد؛ ولذلك أراد الله سبحانه أن يحفظ رسوله من هذا التحريف، وأبقاه في غار حراء هذه الفترة يتفكَّر في خالق الكون دون أن يُفَكِّر في سؤال هذه الطوائف عن عقيدتها.[(1)]
تفكر رسول الله في غار حراء:"[(1)]
وكان صلى الله عليه وسلم من هذا المكان في غار حراء يُشاهد الكعبة؛ [(78)] ذلك البيت المقدَّس الذي يعلم -كما يعلم كل العرب- أنه بيت الله الحرام، وأن له مكانة عند الله وحرمة لا يُدانيها أي مكان آخر في الدنيا؛ ولعلَّ هذا هو السرُّ من وراء اختيار غار حراء تحديدًا؛ لأن الذي يجلس في هذا الغار -وإن كان بعيدًا عن مكة بدرجة كبيرة- يستطيع أن يرى بوضوح بيت الله الحرام من هذا المكان النائي.[(1)]
ولعلَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يتفكَّر -أيضًا- في هذا الغار في طريقة إصلاح هذا المجتمع الفاسد، الذي انتشرت فيه عادات قبيحة كثيرة؛ كان من أهمها السجود للأصنام من دون الله عز وجل، وكذلك طغت كثير من العادات القبيحة على معاملات الناس، فظهر الظلم، والجور، والإباحية، وشرب الخمور، وإهانة طوائف كثيرة من طوائف المجتمع الضعيفة.[(1)]
ومع أن هذا الاختلاء كان يُريح نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من الواقع البغيض الذي كانت تعيشه مكة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك طوال السنة؛ إنما كان يفعله في أوقات معينة، وكما تقول الروايات أنه كان يختلي بنفسه شهرًا في السنة، وهو شهر رمضان، وبعد البعثة لم يَعُدِ الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي في غار حراء؛ ولكنه عاد إلى هذا الاختلاء بشكل مخفَّف في المدينة عندما بدأ سُنَّة الاعتكاف، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف عشرة أيام في شهر رمضان من كل سنة، أحيانًا تكون العشرة الوسطى، وأحيانًا تكون العشرة الأخير، وأحيانًا أخرى أجلَّها إلى شوال فاعتكف عشرة أيام في شوال[(11)] [(82)]
وهو بذلك صلى الله عليه وسلم يفتح بابًا مهمًّا للدعاة لكي يحافظوا على نقاء نفوسهم دون أن يُخِلُّوا بمهمَّتهم؛ فهم يختلطون بالناس ليدعوهم ويعلموهم ويأخذوا بأيديهم، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ إِذَا كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ" [(1)] [(84)]. ولكن في الوقت ذاته ينبغي للدعاة أن يكونوا حريصين على الاختلاء بأنفسهم، ولو أيامًا معدودة في السنة؛ لكي يُعيدوا ترتيب أوراق حياتهم، ولكي يتفكَّروا في خالقهم، وينظروا في أمور أنفسهم، ويُصلحوا من أحوالهم؛ لكي تكون لهم القدرة بعد ذلك على إصلاح أحوال الناس.[(1)]
وقبل أن نغادر هذه النقطة لا بُدَّ لنا من وقفة مع موقف خديجة بنت خويلد رضي الله عنها[(1)]من خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهي كانت تُساعده فيها؛ مع أن الأمر مستغرب في مكة، وليس معتادًا بين الناس، ومع أنها رضي الله عنها لا شك كانت مضرورة بغيابه؛ فزوجها يتركها شهرًا كاملاً، لا يعود إليها إلا بضع ساعات يتزوَّد فيها لرحلة جديدة، ومع أنه من الطبيعي أن تخاف عليه وهو في ذلك المكان الموحش، فإنها كانت تُشَجِّعه وتُسانده، وهذه -في الحقيقة- صفة من أهم صفات الزوجة الصالحة، حيث تقف مع زوجها فيما يحبه، وتُؤَيِّده وتُشَجِّعه، وتكون عضدًا له في اختياراته؛ فهذا –لا شكَّ- من أقوى الأمور التي تجعل الرابطة بين الرجل وزوجته من أقوى الروابط مطلقًا.[(1)]
*. ] ثم نكمل الحديث السابق[(88)]:" فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ[(89)] فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ - وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ .[(90)]
*. ] ما أجمل أن ننظر إلى الوحي في ضوء المثل الذي ضربه جبريل وميكائيل عليهما السلام لرسولنا صلى الله عليه وسلم!
وحكاه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مِثْلاً. فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ سَمِعَهُ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإِسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ؛ مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلاَمَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلاَمَ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا" [(1)] [(92)].
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

أعلى الصفحة
فهرس

العواتك ‟ و „ الفواطم ‟ „ ‟

اتماماً لمسألة النسب الطاهر الشريف لخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين صلى الله عليه وآله وسلم نضع فوق رؤوس الأشهاد وأمام أعين الناس ما تناولته كتب الحديث مِن بحث وعرض؛ فنقرأ :
1.] أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ كان يَعْتَزِي في الحربِ ويقول : «أنا ابنُ „ العواتِك ‟»[(1)] حديث مرسل. يعني انْتَسَبَ وَانْتَمَى[(2)]. أي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ[(3)].
1. 1. ] وروي عن علي رضي الله تعالى عنه[(4)] وعن قتادة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى فرسه مع أبي أيوب الأنصاري فسبقته فرس المصطفى، فقال: « أنا ابن „ العواتك ‟.. إنه لهو الجواد البحر » يعني فرسه. [(5)] .
1. 2. ] « أنا ابنُ „ العواتِك ‟ من سُلَيمٍ »[(6)] وهذا الخبر يرتفع لدرجة الحديث الحسن [(7)]
2. ] وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءُ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا عُمَارَةَ ، أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ؟ فَقَالَ : لَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا رُمَاةً، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] [(8)].
2. 1. ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته « أنا النبي لا كذب، أنا „ ابن عبدالمطلب ‟ أنا ابن „ العواتك ‟ »[(9)]
2. 2. ] وقال صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته أي في غزوة حنين وفي غزوة أحد «أنا النبي لا كذب، أنا „ ابن عبدالمطلب ‟، أنا ابن „ العواتك ‟»[(10)] ثم :
3. ] قوله صلى الله عليه وسلم: « أنا ابن „ العواتك ‟ و„ الفواطم ‟ » [(11)] والحديث مرسل؛ وتجده عند البخاري[(12)]
3. 1. ] وروى عن أبي بكر بن البرقي قال حدثني بعض الطالبيين قال: يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: « أنا ابن „ الفواطم ‟ »[(13)] ولا ينافيه ما سبق أنه قال في ذلك اليوم «أنا ابن „ العواتك ‟» لأنه يجوز أن يكون قال كلا من الكلمتين في ذلك اليوم.(14)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه :
افتخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجداته.. أي تحدث بنعمة ربه -سبحانه وتعالى في سماه وتقدست اسماه- قاصداً به التنبيه على :
1. ] شرف هؤلاء النسوة."[(15)]؛ أو
2. ] لمزيد شرفهن على غيرهن[(16)]
3. ] أو لفضلهن على غيرهن، فقال «أنا ابن „ العواتك ‟ و„ الفواطم ‟»[(17)]
4.] وإما لشهرتهن[(18)]
5.] فهو لم يَرِد صلى الله عليه وسلم بذلك الفخر إنما أراد تعريف منازل المذكورات ومراتبهن.. كرجل يقول: كان أبي فقيهاً. لا يريد به الفخر وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه.[(19)]
6.] وقد يكون أراد به الإشارة لنعمة الله تعالى على نفسه وآبائه وأمهاته على وجه الشكر، وليس ذلك من الاستطالة والفخر في شئ... والله تعالى أعلم.[(20)] „ ‟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليق على الأحاديث:
اختلف الناس في عدد „ العواتك ‟ من جداته صلى الله عليه وسلم، فمنهم مِن مكثر ومِن مقلّ.[(21)] وقد نقل الحافظ ابن عساكر أن العواتِك من جداته صلى الله عليه وسلم أربع عشرة؛ وقيل إحدى عشرة.[(22)] وقال صاحب الإستيعاب :" الحديث عند هشيم عن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده عن سيابة بن عاصم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: « أنا ابن „ العواتك ‟ »... فسئل هشيم عن „ العواتك ‟ فقال:" أمهات كنَّ له من قيس". قال أبو عمر؛ ابن عبدالبر:" يعني جدات كنَّ له لآبائه وأجداده. وقد روى في هذا الحديث عن سيابة بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم: « أنا ابن „ العواتك ‟ من سليم » . ولا يصح ذكر سليم فيه. والعواتك جمع عاتكة... وفي ذلك قولان:
1. ] أحدهما : العواتك ثلاث من بني سليم؛
إحداهن : عاتكة بنت الأوقص بن مالك وهي جدة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بني زهرة و
الثانية عاتكة بنت هلال بن فالج أم عبدمناف؛ و
الثالثة عاتكة أم هاشم.[(23)]
قلت (الرمادي) :" أما القول الثاني فقد ذكرته -بفضل الله تعالى وكرمه- في الفصل 29 ترقيم استروعرب نيوز.[ البركة بقدوم الرضيع أرض بني سعد.. ومرضعاته >>] فليراجع هناك.[(24)]
http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia17.htm#29
عن أبي عبدالله العدوي أن „ العواتك ‟ من جداته صلى الله عليه وسلم أربع عشرة[(25)] قلتُ قبل قليل:" أن منهم مِن مكثر ومِن مقلّ" وَأَمَّا الْعَوَاتِكُ فَاثْنَتَا عَشْرَةَ:
اثْنَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ:
*.] فَأَمَّا الْقُرَشِيَّتَانِ: فَـ أُمُّ أُمِّهِ « آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ » بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِالدَّارِ ، وَ
أُمُّ بَرَّةَ أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى، وَ
أُمُّ رَيْطَةَ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَ
أُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّةُ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فَهْمٍ، وَ
أُمُّ هِلَالٍ هِنْدٌ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَ
أُمُّ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ عَاتِكَةُ بِنْتُ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ يَخْلُدَ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. وَ
وَاحِدَةٌ مِنْ بَنِي يَخْلُدَ ابْنِ النَّضْرِ، وَ
ثَلَاثٌ مِنْ سُلَيْمٍ؛ فـ
*.] أَمَّا السُّلَمِيَّاتُ:
﴿ ١. ﴾ عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ فَالِجٍ، بْنِ ذَكْوَانَ، وَ
هِيَ وَأُمُّ عَبْدِمَنَافٍ بْنِ قُصَيٍّ : وَ
﴿ ٢. ﴾ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَ
هِيَ أُمُّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛ وَ
﴿ ٣ . ﴾ الثَّالِثَةُ أُمُّ جَدِّهِ لِأُمِّهِ وَهْبٍ، وَهِيَ
عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ. وَ
هِيَ أُمُّ وَهْبٍ أَبِي «آمِنَةَ» أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَالْأُولَى مِنَ الْعَوَاتِكِ عَمَّةُ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ عَمَّةُ الثَّالِثَةِ... وَ
بَنُو سُلَيْمٍ تَفْخَرُ بِـ
1.] هَذِهِ الْوِلَادَةِ . وَلِبَنِي سُلَيْمٍ مَفَاخِرُ أُخْرَى: مِنْهَا أَنَّهَا
2.] أَلَّفَتْ مَعَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَيْ شَهِدَهُ مِنْهُمْ أَلْفٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3.] قَدَّمَ لِوَاءَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَلْوِيَةِ، وَكَانَ أَحْمَرَ . وَمِنْهَا أَنَّ
4.] عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ: أَنِ ابْعَثُوا إِلَيَّ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ أَفْضَلَهُ رَجُلًا، فَبَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ السُّلَمِيَّ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مُجَاشِعَ بْنَ مَسْعُودٍ السُّلَمِيَّ، وَبَعْثَ أَهْلُ مِصْرَ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ السُّلَمِيَّ، وَبَعَثَ أَهْلُ الشَّامِ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ.
قُلْتُ[(26)]: هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَوَاتِكَ سُلَيْمٍ، وَجَعَلَ أُمَّ عَبْدِمَنَافٍ عَاتِكَةَ بِنْتَ مُرَّةَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ أُمَّ عَبْدِمَنَافٍ حُبَّى بِنْتُ حُلَيْلٍ الْخُزَاعِيَّةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أُمُّ هَاشِمٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَأُمُّ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ قُنْفُذَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ هِلَالِ بْنِ فَالِجٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَصِيَّةَ بْنِ خِفَافِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ.
*.] وَعَدَوِيَّتَانِ "
وَأَمَّا الْعَدَوِيَّتَانِ: فَمِنْ جِهَةِ أَبِيهِ عَبْدِاللَّهِ، فَإِنَّ أُمَّ عَبْدِاللَّهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، وَ
أُمَّ فَاطِمَةَ تَخْمَرُ بِنْتُ عَبْدِقُصَيٍّ، وَ
أُمَّهَا هِنْدٌ بِنْتُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ وَائِلَةَ بْنِ الظَّرِبِ. وَ
أَمَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ كَعْبٍ الْفَهْمِيَّةُ . وَ
أَمَّا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَ
هُوَ عَدْوَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَ
أُمُّ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ عَاتِكَةُ، فَـ
هِيَ عِكْرِشَةُ، وَهِيَ الْحَصَانُ بَنْتُ عَدْوَانَ ... وَ
هُذَلِيَّةٌ"
*.] وَأَمَّا الْهُذَلِيَّةُ: فَـ
عَاتِكَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلَ، هِيَ أُمُّ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِزَامٍ جَدِّ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ لِأُمِّهِ، وَ
عَمْرٌو جَدُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو أُمِّهِ. ...، وَ
*.] قُضَاعِيَّةٌ
*.] وَأَمَّا الْأَسَدِيَةُ: فَـ أُمُّ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ هِنْدٌ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِلَابٍ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ.
*.] وَأَمَّا الْقُضَاعِيَّةُ: فَـ
أُمُّ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ مَاوِيَّةُ بِنْتُ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللَّهِ بْنِ أَسَدِ بْنِ وَبَرَةِ، وَ
أُمُّهَا وَحْشِيَّةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ ضِنَّةَ الْعُذْرِيَّةُ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ رَشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ.[(27)] وَ
*.] أَمَّا الْأَزْدِيَّةُ: فَـ
أُمُّ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ أُدٍّ أُخْتِ تَمِيمٍ، وَ
أُمُّهَا مَاوِيَّةُ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَزْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَقَدْ وَلَدَتْهُ هَذِهِ الْأَزْدِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ قِبَلِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، فَإِنَّ أُمَّ غَالِبٍ لَيْلَى بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَ
أُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَ
أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَزْدِ هَذِهِ .[(28)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَولُه عليه السلام :« أَنَا ابْنُ „ الْعَوَاتِكِ ‟ مِنْ سُلَيْمٍ.« الْعَوَاتِكُ : جَمْعُ عَاتِكَةٍ . وَأَصْلُ الْعَاتِكَةِ الْمُتَضَمِّخَةُ بِالطِّيبِ.[(29)] وهي التي تكثر من الطيب حتى تحمّر بشرتها[(30)] والعاتكة في اللغة: الطاهرة[(31)]. وعتكت المرأة: شرفت ورأست. والعاتك: الكريم والخالص من الألوان[(32)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفواطم:
قال[(33)] أن الفواطم من جداته عشرة اهـ.[(34)].. وقيل خمس، وقيل ست، وقيل ثمان، ولم أقف[(35)] على من اسمه فاطمة من جداته من جهة أبيه إلا على اثنين: فاطمة أم عبدالله، وفاطمة أم قصي، إلا أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يرد الأمهات التي في عمود نسبه صلى الله عليه وسلم، بل أراد الأعم حتى يشمل فاطمة أم أسد بن هاشم، وفاطمة بنت أسد التي هي أم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وفاطمة أمها. وهؤلاء الفواطم غير الثلاث الفواطم اللاتي قال صلى الله عليه وسلم فيهن لعلي وقد دفع إليه ثوبا حريرا وقال له: «اقسم هذا بين الفواطم الثلاثة» فإن هؤلاء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة بنت أسد[(36)]
ثم رأيتُ[(37)]بعضهم عدّ فيهن أم عمرو بن عائذ، وفاطمة بنت عبدالله بن رزام وأمها فاطمة بنت الحارث، وفاطمة بنت نصر بن عوف أمّ أم عبد مناف، والله أعلم.[(38)]
ذِكْرُ „ الْفَوَاطِمِ ‟: [(39)]
وَأَمَّا الْفَوَاطِمُ اللَّائِي وَلَدْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَـ خَمْسٌ :
«١« قُرَشِيَّةٌ: [(40)]
أَمَّا الْقُرَشِيَّةُ : فَـ أُمُّ أَبِيهِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ : فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيَّةُ. و
«2« قَيْسِيَّتَانِ[(41)]:
وَأَمَّا الْقَيْسِيَّتَانِ: فَـ أُمُّ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رُزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَحْوَشَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ . وَ
«3« يَمَانِيَّتَانِ [(42)]:
وَأَمَّا الْيَمَانِيَّتَانِ : فَـ أُمُّ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلَ بْنِ أَزْدِ شَنُوءَةَ ، وَأُمُّ حُبَّى بِنْتِ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلُولٍ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِ قُصَيٍّ فَاطِمَةُ بِنْتُ نَصْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ الْخُزَاعِيَّةُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عمات النبي [صلى الله عليه وآله وسلم]
عماتُ النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] ست، وهن بنات عبدالمطلب .
قال القسطلاني[(43)] : وأما عماته [صلى الله عليه وآله وسلم]بنات عبدالمطلب بن هاشم فجملتهن ست :
1. ] عاتكة ، و
2. ] أميمة ، و
3. ] البيضاء وهي أم حكيم ، و
4. ] برة ، و
5. ] صفية ، و
6. ] أروى ، ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بلا خلاف . واختلف في أروى وعاتكة، فذهب أبو جعفر العقيلي إلى إسلامها، وعدهما في الصحبة، وذكر الدار قطني: عاتكة في جملة الاخوة والأخوات، ولم يذكر أروى، وأما ابن إسحاق فذكر أنه لم يسلم منهن غير صفية[(44)] وقال ابن حجر في الإصابة: أميمة اختلف في إسلامها فنفاه محمد بن إسحاق، ولم يذكرها غير محمد بن سعد[(45)] .. قلت(الرمادي):" لن نستفيد كثيراً من مثل هذه البحوث!!!؟".
نهاية « ٤٨ » الفصل الثامن والأربعون؛ من بحوث السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وخالص البركات...
كلمة أخيرة :
يجب أن تكون على قمة سلم معرفتنا معرفة يقينية بثلاثة أمور :
1. ] الأمر الأول : معرفة يقينية بالإله الذي نعبده؛
2. ] الأمر الثاني : معرفة يقينية بالنبي والرسول الذي نتبعه ؛
3. ] معرفة يقينية وهي الثالثة : بتفسير وتأويل آيات الأحكام وأحاديث الأحكام المتعلقة بحياتنا اليومية لنسيِّر سلوكنا وفق ما يحبه الله ويرتضيه؛ ووفق ما بلغنا به رسوله الكريم ووفق ما نزل به الوحي المجيد ... لذا تكلفتُ -وليَّ الفخر- البحث في نسب مَن نؤمن بأنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين صلى الله عليه وآله وسلم .

أعلى الصفحة
فهرس

 

« تَفْسِيرُ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- »

قوله: »مُحَمَّدُ « « بْنُ عَبْدِاللَّهِ »: ابْنِ (22) عَبْدِالْمُطَّلِبِ..
أَمّا جَدّهُ عَبْدُالْمُطّلِبِ، فَاسْمُهُ عَامِرٌ فِي قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ(23)، وَيُقَالَ لَهُ: شَيْبَةُ الْحَمْدِ لِجُودِهِ؛ وعند ابن هشام دون ذكر الحمد: وَهذا قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ (24) وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصّحِيحُ.
سبب تسميته:
يُقَالَ : لِشَيْبَةٍ كَانَتْ فِي رَأْسِهِ، وَإِنّمَا قصد فى تسميتهم بِهَذَا الِاسْمِ [شَيْبَة] التّفَاؤُلُ لَهُمْ، بِبُلُوغِ سِنّ الْحُنْكَةِ (25) وَالرّأْيِ، كَمَا سُمّوا بِـ :"هَرِمِ" وَ "كَبِيرٍ"، وَعَاشَ عَبْدُالْمُطّلِبِ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً (26).
وَيُقَالُ: إنّ عَبْدَالْمُطّلِبِ أَوّلُ مَنْ خَضّبَ بِالسّوَادِ مِنْ الْعَرَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: عَبْدُالْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ هَاشِمًا لَمَّا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ فِي تِجَارَتِهِ إِلَى الشَّامِ نَزَلَ عَلَى عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ الْخَزْرَجِيِّ النَّجَّارِيِّ؛ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ فَأَعْجَبَتْهُ ابْنَتُهُ سَلْمَى فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ مُقَامَهَا عِنْدَهُ.
وَقِيلَ: بَلِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَلِدَ إِلَّا عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ [يثرب] فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الشَّامِ بَنَى بِهَا وَأَخَذَهَا مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ أَخَذَهَا مَعَهُ وَهِيَ حُبْلَى فَتَرَكَهَا بِالْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ الشَّامَ فَمَاتَ بِـ(ـغَزَّةَ)، وَوَضَعَتْ سَلْمَى وَلَدَهَا فَسَمَّتْهُ شَيْبَةُ.. فَأَقَامَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِمَنَافٍ فَأَخَذَهُ خُفْيَةً(!!) مِنْ أُمِّهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ وَرَأَوْهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَالُوا: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: عَبْدِي. ثُمَّ جَاءُوا فَهَنَّئُوهُ بِهِ وَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: عَبْدُالْمُطَّلِبِ لِذَلِكَ .. فَغَلَبَ عَلَيْهِ .. وَسَادَ فِي قُرَيْشٍ سِيَادَةً عَظِيمَةً، وَذَهَبَ بِشَرَفِهِمْ وَرِئَاسَتِهِمْ فَكَانَ جِمَاعُ أَمْرِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ إِلَيْهِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ بَعْدَ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ الَّذِي جَدَّدَ حَفْرَ زَمْزَمَ بَعْدَمَا كَانَتْ مَطْمُومَةً مَنْ عَهْدِ جُرْهُمٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَلَّى الْكَعْبَةَ بِذَهَبٍ فِي أَبْوَابِهَا مِنْ تَيْنَكَ الْغَزَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَجَدَهُمَا فِي زَمْزَمَ مَعَ تِلْكَ الْأَسْيَافِ الْقَلْعِيَّةِ. (27).
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: "وَعَبْدُالْمُطَّلِبِ أَخُو أَسَدٍ؛ وَنَضْلَةَ؛ وَأَبِي صَيْفِيٍّ؛ وَحَيَّةَ؛ وَخَالِدَةَ؛ ورُقيَّةَ؛ وَالشِّفَاءِ؛ وَضَعِيفَةَ، كُلُّهُمْ أَوْلَادُ هَاشِمٍ ".(28)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " بْنُ هَاشِمٍ " وَاسْمُهُ عَمْرُو (29)
وَأَمّا هَاشِمٌ فَعَمْرٌ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ. (30).
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَاشِمًا؛ لَهَشْمِهِ الثَّرِيدَ مَعَ اللَّحْمِ لِقَوْمِهِ فِي سِنِي الْمَحْلِ، كَمَا قَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ، وَقِيلَ : هِيَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى:
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ * قَوْمٍ بمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
سُنَّتْ إِلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا * سَفَرُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ رِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِيهِ.
وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ كَانَ تَوءَمَ أَخِيهِ عَبْدِشَمْسٍ، وَأَنَّ هَاشِمًا خَرَجَ وَرِجْلُهُ مُلْتَصِقَةٌ بِرَأْسِ عَبْدِشَمْسٍ فَمَا تَخَلَّصَتْ حَتَّى سَالَ بَيْنَهُمَا دَمٌ، فَقَالَ النَّاسُ: بِذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ أَوْلَادِهِمَا حُرُوبٌ، فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ [١٣٣] مِنَ الْهِجْرَةِ، وَشَقِيقُهُمُ الثَّالِثُ الْمُطَّلِبُ وَكَانَ الْمُطَّلِبُ أَصْغَرَ وَلَدِ أَبِيهِ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ، وَرَابِعُهُمْ نَوْفَلٌ مِنْ أُمٍّ أُخْرَى، وَهِيَ وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْمَازِنِيَّةُ كَانُوا قَدْ سَادُوا قَوْمَهُمْ بَعْدَ أَبِيهِمْ، وَصَارَتْ إِلَيْهِمُ الرِّيَاسَةُ وَكَانَ يُقَالَ لَهُمْ: «الْمُجِيرُونَ»؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا لِقَوْمِهِمْ قُرَيْشٍ الْأَمَانَ مِنْ مُلُوكِ الْأَقَالِيمِ؛ لِيَدْخُلُوا فِي التِّجَارَاتِ إِلَى بِلَادِهِمْ فَـ كَانَ هَاشِمٌ قَدْ أَخَذَ أَمَانًا مِنْ مُلُوكِ الشَّامِ وَالرُّومِ وَغَسَّانَ، وَأَخْذَ لَهُمْ عَبْدُشَمْسٍ مِنَ النَّجَاشِيِّ الْأَكْبَرِ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَأَخَذَ لَهُمْ نَوْفَلٌ مِنَ الْأَكَاسِرَةِ، وَأَخْذَ لَهُمُ الْمُطَّلِبُ أَمَانًا مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ.
وَكَانَ إِلَى هَاشِمٍ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ بَعْدَ أَبِيهِ، وَإِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيهِ الْمُطَّلِبِ نَسَبُ ذَوِي الْقُرْبَى، وَقَدْ كَانُوا شَيْئًا وَاحِدًا فِي حَالَتِيِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ لَمْ يَفْتَرِقُوا، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَانْخَذَلَ عَنْهُمْ بَنُو عَبْدِشَمْسٍ وَنَوْفَلٍ، وَلِهَذَا يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ:
جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَشَمْسٍ وَنَوْفَلًا * عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجَلٍ
وَلَا يُعْرَفُ بَنُو أَبٍ تَبَايَنُوا فِي الْوَفَاةِ مِثْلُهُمْ فَإِنَّ : هَاشِمًا مَاتَ بِـ(غَزَّةَ) مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَعَبْدَشَمْسٍ مَاتَ بِـ(مَكَّةَ)، وَنَوْفَلًا مَاتَ بِـ(سَلْمَانَ) مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمَاتَ الْمُطَّلِبُ- وَكَانَ يُقَالَ لَهُ: «الْقَمَرُ» لِحُسْنِهِ- بِـ (رَدْمَانَ) مِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ.. فَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ الْأَرْبَعَةُ الْمَشَاهِيرُ، وَلَهُمْ أَخٌ خَامِسٌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو وَاسْمُهُ عَبْدٌ، وَأَصْلُ اسْمِهِ عَبْدُقُصَيٍّ، فَقَالَ النَّاسُ: عَبْدُ بْنُ قُصَيٍّ دَرَجَ وَلَا عَقِبَ لَهُ. قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ. وَأَخَوَاتٌ سِتٌّ؛ وَهُنَّ: تُمَاضِرُ؛ وَحَيَّةُ؛ وَرَيْطَةُ؛ وَقِلَابَةُ؛ وَأُمُّ الْأَخْثَمِ؛ وَأُمُّ سُفْيَانَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ عَبْدِمَنَافٍ .(31)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ابْنُ عَبْدِمَنَافٍ؛
مُنَافٌ اسْمُ صَنَمٍ (32): وَأَصْلُ اسْمِ عَبْدِمَنَافٍ: «الْمُغِيرَةُ». وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ الْوَصْفِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: إنّهُ مُغِيرٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ أَوْ مُغِيرٌ مِنْ أَغَارَ الْحَبْلَ، إذَا أَحْكَمَهُ، وَكَانَ قَدْ رَأَسَ فِي زَمَنِ وَالِدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ الشَّرَفُ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِالدَّارِ الَّذِي كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِيهِ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى بِالْمَنَاصِبِ. (33)؛ وَأَخُو عَبْدِالْعُزَّى؛ وَعَبْدٍ؛ وَبَرَّةَ؛ وَتَخْمُرَ، وَأُمُّهُمْ كُلِّهِمْ حُبَّى بَنَتُ حَلِيلِ بْنِ حَبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ، وَأَبُوهَا آخِرُ مُلُوكِ خُزَاعَةَ وَوُلَاةُ الْبَيْتِ مِنْهُمْ، وَكُلُّهُمْ أَوْلَادُ قُصَيٍّ وَاسْمُهُ زَيْدٌ. (34).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ابْنُ قُصَيٍّ [(400-480 ب. م.)]
وَاسْمُهُ زَيْدُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَبِيهِ بِرَبِيعَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ عُذْرَةَ؛ فَسَافَرَ بِهَا إِلَى بِلَادِهِ وَابْنُهَا صَغِيرٌ فَسُمِّيَ قُصَيًّا لِذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ كَبِيرٌ، وَلَمَّ شَعَثَ قُرَيْشٍ وَجَمَعَهَا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْبِلَادِ، وَأَزَاحَ يَدَ خُزَاعَةَ عَنِ الْبَيْتِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ مَكَّةَ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَصَارَ رَئِيسَ قُرَيْشٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَانَتْ إِلَيْهِ الرِّفَادَةُ وَهُوَ سَنَّهَا؛ وَالسِّقَايَةُ؛ وَالسَّدَانَةُ؛ وَالْحِجَابَةُ؛ وَاللِّوَاءُ، وَدَارُهُ: «دَارُ النَّدْوَةِ»، وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ :
قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا * بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ
وَهُوَ أَخُو زُهْرَةَ كِلَاهُمَا ابْنَا كِلَابٍ أَخِي تَيْمٍ، وَيَقَظَةَ أَبِي مَخْزُومٍ ثَلَاثَتُهُمْ أَبْنَاءُ مُرَّةَ أَخِي عَدِيٍّ وَهُصَيْصٍ، وَهُمْ أَبْنَاءُ كَعْبٍ.(35).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ابْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ:
وَأَمّا كِلَابٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ: إمّا مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ مَعْنَى الْمُكَالَبَةِ نَحْوَ: كَالَبْت الْعَدُوّ مُكَالَبَةً وَكِلَابًا، وَإِمّا مِنْ الْكِلَابِ جَمْعُ كَلْبٍ، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ الْكَثْرَةَ، كَمَا سَمّوْا بِسِبَاعِ وأنمار(36). وقيل لأبى الرّقيش الكلابى(37) الْأَعْرَابِيّ: لِمَ تُسَمّونَ أَبْنَاءَكُمْ بِشَرّ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: كَلْبٍ وَذِئْبٍ!؟، وَعَبِيدَكُمْ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: مَرْزُوقٍ وَرَبَاحٍ!؟. فَقَالَ: "إنّمَا نُسَمّي أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا، وَعَبِيدَنَا لِأَنْفُسِنَا"، يُرِيدُ أَنّ الْأَبْنَاءَ عُدّةُ الْأَعْدَاءِ(38)، وَسِهَامٌ فِي نُحُورِهِمْ، فَاخْتَارُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ اسْمَهُ الْمُهَذَّبُ.
وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ اسْمَهُ حَكِيمٌ.
وَقِيلَ: عُرْوَةُ وَأَنَّهُ لُقِّبَ كِلَابًا لِمَحَبَّتِهِ كِلَابَ الصَّيْدِ وَكَانَ يَجْمَعُهَا فَمَنْ مَرَّتْ بِهِ فَسَأَلَ عَنْهَا قِيلَ لَهُ: هَذِهِ كِلَابُ ابْنِ مُرَّةَ فَلُقِّبَ كِلَابًا .(39).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَمُرّةُ مَنْقُولٌ مِنْ وَصْفِ الْحَنْظَلَةِ وَالْعَلْقَمَةِ، وَكَثِيرًا مَا يُسَمّونَ بِحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ.
بن كعب بن لؤىّ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كنانة بن خزيمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا كَعْبٌ: قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسَتْرِهِ عَلَى قَوْمِهِ وَلِينِ جَانِبِهِ لَهُمْ، مَنْقُولٌ مِنْ كَعْبِ الْقَدَمِ(40) لثبوته(42) وإمّا مِنْ الْكَعْبِ الّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ السّمْنِ(41)، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مِنْ كَعْبِ الْقَنَاةِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ عَلَى قَوْمِهِ وَشَرَفِهِ فِيهِمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يَخْضَعُونَ لَهُ حَتَّى أَرَّخُوا بِمَوْتِهِ.(43)
وكعب ابن لُؤَيّ هَذَا أَوّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ. وهُوَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ قَوْمَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَيُنْشِدُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا، وَهُوَ أَخُو عَامِرٍ؛ وَسَامَةَ؛ وَخُزَيْمَةَ؛ وَسَعْدٍ؛ وَالْحَارِثِ؛ وَعَوْفٍ، سَبْعَتُهُمْ أَبْنَاءُ لُؤَيٍّ أَخِي تَيْمٍ الْأَدْرَمِ، وَهُمَا أَبْنَاءُ غَالِبٍ أَخِي الْحَارِثِ، وَمُحَارِبٍ ثَلَاثَتُهُمْ أَبْنَاءُ فِهْرٍ، وَهُوَ أَخُو الْحَارِثِ، وَكِلَاهُمَا ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ أَخُو الصَّلْتِ وَيَخْلُدَ، وَهُمْ بَنُو النَّضْرِ الَّذِي إِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَخُو مَالِكٍ؛ وَمِلْكَانَ؛ وَعَبْدِمَنَاةَ، وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ أَوْلَادُ كِنَانَةَ أَخِي أَسَدٍ؛ وَأَسَدَةَ؛ وَالْهَوْنِ أَوْلَادِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَخُو هُذَيْلٍ، وَهُمَا ابْنَا مُدْرِكَةَ - وَاسْمُهُ عَمْرٌو أَخُو طَابِخَةَ وَاسْمُهُ عَامِرٌ - وَقَمَعَةَ ثَلَاثَتُهُمْ أَبْنَاءُ إِلْيَاسَ، وَأَخُو إِلْيَاسَ هُوَ عَيْلَانُ وَالِدُ قَيْسٍ كُلِّهَا وَهُمَا وَلَدَا مُضَرَ أَخِي رَبِيعَةَ، وَيُقَالَ لَهُمَا: «الصَّرِيحَانِ» مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخَوَاهُمَا أَنْمَارٌ؛ وَإِيَادٌ تَيَامَنَا، أَرْبَعَتُهُمْ أَبْنَاءُ نِزَارٍ أَخِي قُضَاعَةَ - فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قُضَاعَةَ حِجَازِيَّةٌ عَدْنَانِيَّةٌ كِلَاهُمَا أَبْنَاءُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.(44).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ابْنِ لُؤَيّ:
وَأَمّا لُؤَيّ، فَهُوَ تَصْغِيرُ اللّأْيِ،(45) وَهُوَ الثّوْرُ الْوَحْشِيّ (46)
ابْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَإِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ فِهْرٍ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ بَلْ هُوَ كِنَانِيٌّ، ابْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: فِهْرٌ [الجد العاشر للنبي - صلى الله عليه وسلم -] وَأَمّا فِهْرٌ(47) فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ لَقَبٌ، وَالْفِهْرُ مِنْ الْحِجَارَةِ: الطّوِيلُ، واسمه:" قُرَيْشٌ"، وَقِيلَ: بَلْ اسْمُهُ فِهْرٌ، وَقُرَيْشٌ لَقَبٌ لَهُ(48)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هم قريش ؟
قبيلة قريش هم أولاد قريش، واختلف النَّسَّابون في قريش هذا من هو.. على عدة أقوال:
1.) الأول: قيل هو: النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
قال ابن هشام: " النضر: قريش، فمن كان من ولده فهو: قرشي. ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي"(49). و
إلى هذا القول ذهب بعض الشافعية(50)، ويدل على ذلك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في قصة وفد كِنده: "أن الأشعث بن قيس قال: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار(51؛ 52)؛ فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب، وربيعة بن الحارث... ثم قال لهم: لا. بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا (53) ولا ننتفي من أبينا، فقال الأشعث بن قيس: هل فرغتم يا معشر كندة؟ والله لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته ثمانين" (54) قال البغدادي: "وهذا اختيار أبي عبيدة معمر بن المثنى، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وبه قال الشافعي رضي الله عنه وأصحابه)(55) وهو قول ابن حزم (56) وابن منظور (57) . وقول الحافظ ابن حجر(43)؛ وابن قيم الجوزية(58) .
2.) الثاني: أن قريشًا هو فهر بن مالك،
قال الزبيري: "قالوا: اسم فهر بن مالك، قريش، ومن لم يلد فهر فليس من قريش" (59). وقال الزبيدي: "والصحيح عند أئمة النسب أن قريشًا هو: فهر بن مالك بن النضر، وهو: جماع قريش وهو: الجد الحادي عشر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (60)؛ لأن نسبه كالتالي: محمد بن عبدالهي بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر... (61) فكل من لم يلده فليس بقرشي (62)
قيل: اسمه فهر. ولقبه: قريش. وقيل: العكس، وقد روي عن نسابي العرب أنهم قالوا: من جاوز فهرًا فليس من قريش (63)؛ قال الزهري: "وهو الذي أدركت عليه من أدركت من نسابي العرب أن من جاوز فهرًا فليس من قريش" (64).
قال الشنقيطي: "فالفهري قرشي بلا نزاع، ومن كان من أولاد مالك بن النضر، أو أولاد النضر بن كنانة ففيه خلاف، ومن كان من أولاد كنانة من غير النضر فليس بقرشي بلا نزاع"(65) ويدل على ذلك ما رواه واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بين هاشم» (66) . وهناك أقوال أخرى ضعيفة.. وسميت قريش قريشًا من التقرش، والتقرش التجارة والاكتساب، وقال ابن إسحاق: يقال سميت قريش قريشًا لتجمعها من بعد تفرقها(67)،
قال الزبيدي: "وقد حكى بعضهم في تسمية فهر بقريش عشرين قولاً".. أوردها في شرحه على (القاموس)" (68). وقيل غير ذلك (69).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَمَالِكٌ وَالنّضْرُ [الجدِّ الثاني عشر للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -] وَكِنَانَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا. قَوْلُهُ : " ابْنِ غَالِبٍ) لَا إِشْكَالَ فِيهِ كَمَا لَا إِشْكَالَ فِي مَالِكٍ وَالنَّضْرِ.". (70) مالك فاعل من (ملك) والنضر هو أبو جميع قريش، والنضر: الذهب بعينه هو الذهب الأحمر، والنضار: الخالص من كل شئ، وربما سمى الذهب: نضارا، وكل شئ استحسن فهو نضير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقَوْلُهُ : " ابْنِ كِنَانَةَ: هُوَ بِلَفْظِ وِعَاءِ السِّهَامِ (النّبل) إِذَا كَانَتْ مِنْ جُلُودٍ . فإن كانت من خشب، فهى جفير، وإن كانت من قطعتين مقرونتين فهى قرن، والكنانة تجمع هذا كله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: خُزَيْمَةُ:
وَخُزَيْمَةُ وَالِدُ كِنَانَةَ تَصْغِيرُ خَزَمَةَ، وَهِيَ :"مَرَّةٌ" وَاحِدَةُ مِنْ الْخَزْمِ، وَهُوَ: شد الشئ وَإِصْلَاحُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَزَمُ مِثْلُ الدّوْمِ تُتّخَذُ مِنْ سَعَفِهِ الْحِبَالُ، وَيُصْنَعُ مِنْ أَسَافِلِهِ خَلَايَا لِلنّحْلِ، وَلَهُ ثَمَرٌ لَا يَأْكُلُهُ النّاسُ، ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن مُدْرِكَةَ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:(71) عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ بن أدّ
مُدْرِكَةُ وَإِلْيَاسُ:
وَأَمّا مُدْرِكَةُ(72) فَمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَإِلْيَاسُ أَبُوهُ. وَقَالَ فِي اشْتِقَاقِهِ أَقْوَالًا مِنْهَا: " أَنّهُ إفْعَالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَلْيَسُ، وَهُوَ الشّجَاعُ الّذِي لَا يَفِرّ." ويذكر عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا تَسُبّوا إلْيَاسَ، فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا (73) قال البرهان الزركشى: لا أدرى حال هذا الحديث. والذى فى الجامع الصغير: «لا تسبوا مضر، فإنه كان قد أسلم» رواه ابن سعد عن عبدالله بن خالد مرسلا، وهو ضعيف.
وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النبى- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجّ(74). وهذه أسطورة لا يشرف النبى صلى الله عليه وسلم أن نخترعها له. يَنْظُرُ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ لِلْوَاقِدِيّ.
وَإِلْيَاسُ أَوّلُ مَنْ أَهْدَى الْبُدْنَ (75)
قَوْلُهُ: ابْنِ مُضَرَ : الأبيض مشتق من اللبن الماضر والمضيرة شئ يُصْنَعُ مِنْ اللّبَنِ(76)، فَسُمّيَ: مُضَرَ لِبَيَاضِهِ(77).. وَمُضَرُ أَوّلُ مَنْ سَنّ لِلْعَرَبِ حداء الإبل(78)، وكان أحسن النّاس صوتا فِيمَا زَعَمُوا-. وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ: «لَا تَسُبّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ، فَإِنّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ(79). وَمُضَرُ: قَالَ الْقُتَبِيّ هُوَ مِنْ الْمَضِيرَةِ، أو من اللبن الماضر، قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ شُرْبَ اللَّبَنِ الْمَاضِرِ وَهُوَ الْحَامِضُ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَيَاضِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يُمَضِّرُ الْقُلُوبَ لِحُسْنِهِ وَجَمَالِهِ. (80)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ:نِزَارٌ وَمَعَدّ:
وَأَمّا نِزَارُ، فَمِنْ النّزْرِ وَهُوَ الْقَلِيلُ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْبَهَانِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرِيدَ عَصْرِهِ.(81)] وَكَانَ أَبُوهُ حِينَ وُلِدَ لَهُ، وَنَظَرَ إلَى النّورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب إلى محمد... (82).. يغلو بعض الناس فى تقديس الرسول- صلى الله عليه وسلم- تقديسا ينزع بهم إلى تأليهه، أو يسبغ عليه ما أسبغ الأسطوريون على يسوع، فيرددون ماردده السهيلي هنا، وحقائق التاريخ تكذب هذه المفتريات، والقرآن يدمغها بأنها ضلالة، والأحاديث الصحيحة تنفيها. فإن هذه المفتريات تزعم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان نورا يتنقل فى الأصلاب من آدم إلى عبدالله، وأن هذا النور كان يشرق فى جباه هؤلاء الذين كان ينتقل فى أصلابهم. ويستشهدون على هذا بقوله سبحانه- (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وأيضا بما رواه البزار وابن أبى حاتم من طريقين- عن ابن عباس- أنه قال فى هذه الآية: «يعنى تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نورا» والآية القرآنية لا تعطى هذا المفهوم، وإليك ما يقوله ابن كثير فى تفسير قوله تعالى (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 218، 219. «قال ابن عباس: (الذى يراك حين تقوم) . يعنى إلى الصلاة، وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده. وقال الحسن: (الذى يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك، وقال الضحاك: (الذى يراك حين تقوم) أى من فراشك، أو مجلسك، وقال قتادة: (الذى يراك) قائما وجالسا، وعلى حالاتك وقوله تعالى: (وتقلبك فى الساجدين) قال قتادة: (الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين) قال: فى الصلاة يراك وحدك، ويراك فى الجمع، وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراسانى، والحسن البصرى . ويقول البغوى: «وقيل معناه: يرى تصرفك وذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين، وقيل تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك» . أما ما نقله البزار وابن أبى حاتم عن ابن عباس فهو كلام مفترى على حبر هذه الأمة ابن عباس؛ ولهذا لم يخرجه أحد من رواة الحديث فى صحيحه أو مسنده أو سننه، وقول ابن عباس الذى نقله ابن كثير يدمغ ما نقله البزار بأنه موضوع. ثم إنا نسأل: أكان آزر والد إبراهيم من الساجدين؟ وحسبنا هذا، ولن نتعرض لغيره ممن تنقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى أصلابهم كما يزعمون. والله تعالى يأمر فى القرآن نبيه أن يصدع بهذه الآيات: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ذكرت مرة فى سورة الكهف، وأخرى فى فصّلت، (قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ) الأحقاف (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ، وَلَا الْإِيمانُ) (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أفمن خصائص البشرية ما يزعم المفترون؟ . وهل تقلّب الرسل جميعا تقلب محمد، فهو ليس بدعا من الرسل؟ وإذا ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببرهان القرآن- لم يكن يعرف إيمانا ولا كتابا قبل بعثته، فمن أين هذه النبوة التى كان يشرق نورها على جباه أصلابه؟ إن حقائق القرآن تشهد لمحمد- صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم الرسل، وعلى خُلُقٍ عظيم، وبأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وبأنه ما افترى على الله كذبا. فلنشهد له بما شهد له به القرآن، لا بما يزينه الشيطان.
نكمل : وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا بِهِ، وَنَحَرَ وَأَطْعَمَ، وَقَالَ: إنّ هَذَا كُلّهُ نَزْرٌ لِحَقّ هَذَا الْمَوْلُودِ، فَسُمّيَ: نِزَارًا لِذَلِكَ(83) سمى بذلك قيل: أنه لقب به لنحافته؛ وعن الماوردى أنه كان مهزول البدن، فقال له ملك الفرس: ما لك يا نزار: ومعناها فى الفارسية، مهزول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ :" ابْنِ مَعَدٍّ " وَأَصْلُهُ مِنْ الْمَعْدِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْقُوّةُ.
مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.. وَهَذَا النَّسَبُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ قَبَائِلِ عَرَبِ الْحِجَازِ يَنْتَهُونَ إِلَى هَذَا النَّسَبِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: « ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّـهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًاۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ».[ الشُّورَى : 23 ] لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبٌ يَتَّصِلُ بِهِمْ. وَصَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا قَالَ، وَأَزْيَدَ مِمَّا قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الْعَدْنَانِيَّةِ تَنْتَهِي إِلَيْهِ بِالْآبَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْأُمَّهَاتِ أَيْضًا، كَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ فِي أُمَّهَاتِهِ وَأُمَّهَاتِ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ، مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَدْنَانُ: [الجدُّ العشرون]
وَأَمّا عَدْنَان قَوْلُهُ : " ابْنِ عَدْنَانَ مِنْ عَدَنَ إذَا أَقَامَ في المكان؛ ومنه جنات عدن أي جنات إقامة وخلود(84)
وَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَبِيبٍ فِي تَارِيخِهِ " الْمُحَبَّرِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " كَانَ عَدْنَانُ وَمَعَدٍّ وَرَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَخُزَيْمَةُ وَأَسَدٌ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَا تَذْكُرُوهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ " وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا لَا تَسُبُّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.(85)
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ حديثا مرفوعا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " اسْتَقَامَ نَسَبُ النَّاسِ إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : بَيْنَ مَعَدٍّ وَإِسْمَاعِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَيِّفٌ وَثَلاثُونَ أَبًا، وَكَانَ لا يُسَمِّيهِمْ وَلا يَنْفُذُهُمْ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ حَيْثُ سَمِعَ حَدِيثَ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ أَمْسَكَ "( 86).
أضف ايضا ما عند ابن سعد في طبقاته حديثا مقطوعا؛ وفي المنتظم في التاريخ: " قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: " مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ " (87).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَنْبِيهٌ : اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ مِنَ النَّسَبِ الشَّرِيفِ عَلَى عَدْنَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ فِي التَّارِيخِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِثْلَ هَذَا النَّسَبِ، وَزَادَ بَعْدَ عَدْنَانَ" ابْنَ أَدَدَ بْنِ الْمُقَوِّمِ بْنِ تَارِحِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ" .
قلت(الرمادي):" وَأكتفي بهذا القدر مِن التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ.
وَاَللهُ أَعْلَمُ فقد- أَعْرَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَفْعِ نَسَبِ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التّخْلِيطِ(88) والتغيير فِي الْأَلْفَاظِ، وَعَوَاصَةِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَعَ قِلّةِ الْفَائِدَةِ فِي تحصيلها.
﴿ باب رقم : 46/ الفصل: 2 ﴾
محمد الرمادي
[يتبع بإذنه تعالى]

أعلى الصفحة
فهرس

نَسَبُهُ الطاهر الزكي الطيب المبارك

مقدمة :
كان وما زال الإنسان السوي العادي يريد أن يعرف نسبه؛ ويرغب أن يستدل على أصل عائلته؛ وأما أهل البحث والعلم فما زالوا ينقبون عن تراث أجدادهم؛ وما خبأته باطن الأرض من آثار تكشف عن هوية الأسلاف.. وحين نتحدث عن نسب -خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين- الزكي الطيب المبارك الطاهر؛ علينا أن نُنزل سنتَهُ موضع التطبيق في حياتنا العملية، فمن نافلة القول أن نذكر بأمره -عليه السلام- فـ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ﴿ تَخَيَّرُوا لِــ „ نُطَفِكُمْ ‟ ﴾ (1)
وَفِي رِوَايَةٍ ﴿ لَا تَجْعَلُوا „ نُطَفَكُمْ ‟ إِلَّا فِي „ طَهَارَةٍ ‟ ﴾.(2)
وجاء برواية عند الدار قطني عَنْ عَائِشَةَ أيضاً ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ:﴿ اخْتَارُوا لِـ „ نُطَفِكُمُ ‟ الْمَوَاضِعَ „ الصَّالِحَةَ‟ ﴾.(3)
وهذا خطاب عام للطرفين: الشابة المقبلة على الزواج والإرتباط برجل .. والشاب الذي يبحث عن زوجة وأم لأبناءه؛ تحفظ عِرضَه وشرفه ونسبه وماله.. وقد حذر -عليه السلام- مِن الفتاة/المرأة الفاسدة فقد رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ إيَّاكُمْ وَخَضِرَ الدِّمَنِ!، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَمَا خَضِرُ الدِّمَنِ؟، قَالَ : الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ ﴾ (4)
وهذه المسألة الفقهية الإجتماعية؛ الزواج وما يترتب عليه من نَسَبٍ تحتاج إلى إعادة نظر في واقعنا المعاصر ومزيد بحث خاصةً بعد الاحصاءات الآخيرة الصادمة التي تكشف عن إرتفاع نسبة الطلاق في الوطن العربي؛ بالذات في مصر والسعودية وتونس؛ وآخر إحصاء للطلاق في دولة مصر وصل إلى مليون حالة طلاق في عام 2017م؛ بمعدل أربع عشر حالات كل ساعة زمنية تمر.. ولقد سبقتني ابنتنا «وسام» واسم شهرتها بين أترابها «ياسمين» [متعها خالقها بالصحة والعافية والعمر الطويل؛ وأنعم عليها بالتفقه في الدين وإحسان علم التأويل؛ وأكرمها بزوج صالح؛ ووهب لها رازقها الذرية الصالحة..فأنت يا مولانا نعم المولى ونعم السميع البصير.. ومنا الدعاء ومِن تفضلك علينا الإجابة.] في بحث احسبه مِن اهم مسائل علم الإجتماع؛ ينشر على صفحات موقع «آستروعرب نيوز»؛ وهو تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة؛ وإحسان التواصل بين الذكر والأنثى؛ وكيفية معاشرة المرأة؛ وهو ما أطلق عليه في الفقه الإسلامي "عشرة النساء"..
http://www.aymanwahdan.at/austria_today/2_وسام_الرمادى.htm
والمكتبة الإسلامية تحتاج لـ سلسلة بحوث تُعنون تحت خط عريض :"عشرة الرجال".. ولعلها -ابنتنا -«وسام» - تقوم مشكورة مأجورة بإعداده ونشره.
وبحث نسب الرسول المرتضى؛ وشرف النبي المصطفى؛ بحث يندرج تحت سؤال كبير؛ وهو :
هل تعرف حقا وصدقاً وعدلا النبي الذي تتبع هداه؛ وتلتزم سنته؛ وتتمسك بطريقته !!؟.
**
تمهيد:
"شرف نسب محمد بن عبدالله"
شَرَفُ نَسَبِهِ، وَكَرَمُ بَلَدِهِ، وَمَنْشَئِهِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَلَا بَيَانِ مُشْكِلٍ، وَلَا خَفِيٍّ مِنْهُ، فَإِنَّهُ نُخْبَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَسُلَالَةُ قُرَيْشٍ، وَصَمِيمُهَا، وَأَشْرَفُ الْعَرَبِ، وَأَعَزُّهُمْ نَفَرًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَهو مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.. مِنْ أَكْرَمِ بِلَادِ اللَّهِ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ (5)
وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلِنَسَبِهِ مِنَ الشَّرَفِ أَعْلَى ذِرْوَةٍ، وَأَعْدَاؤُهُ كَانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا شَهِدَ لَهُ بِهِ عَدُوُّهُ -إِذْ ذَاكَ- أبو سفيان بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الرُّومِ، فَأَشْرَفُ الْقَوْمِ قَوْمُهُ، وَأَشْرَفُ الْقَبَائِلِ قَبِيلَتُهُ، وَأَشْرَفُ الْأَفْخَاذِ فَخِذُهُ . "(6) .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُۗ } [الْأَنْعَامِ : 124 ]
وَلَمَّا سَأَلَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ أَبَا سُفْيَانَ تِلْكَ الْأَسْئِلَةَ عَنْ صِفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فروى البخاري :" أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ :" أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ "؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ :" أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا "، فَقَالَ :" أَدْنُوهُ مِنِّي " وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ؛ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ :" قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ.. فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ.. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ :" كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ "، قُلْتُ :" هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ " (7) قَالَ : كَذَلِكَ الرُّسُلُ تَبْعَثُ فِي أَنْسَابِ قَوْمِهَا .
يَعْنِي : فِي أَكْرَمِهَا أَحْسَابًا، وَأَكْثَرِهَا قَبِيلَةً.. صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
ومن المعلوم، أن أعداءه صلى الله عليه وسلم جهدوا في البحث عن المطاعن التي ينالون بها منه، فأعياهم ذلك ولم يجدوا. فرموه بالسحر والجنون.. مما يظهر معه كذبهم، ولكنهم لم يفكروا في النيل من نسبه لما يعلمون من مكانة هذا النسب.
فَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ " (8). وَفَخْرُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..
ونبينا ورسول العالمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ؛ فـ
كنيته صلى الله عليه وسلم أبو القاسم .
قيل كني به لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة،
وقيل كني ببِكر ولده من خديجة؛ وهو القاسم.
ولما ولد له إبراهيم من مارية المصرية (القبطية) كناه أمين السماء على وحي ربه؛ الملك: جبريل عليه السلام بـ:" أبي إبراهيم".
وقيل كنيته في التوراة أبو الأرامل صلى الله عليه وسلم "(9)
فَــ هُوَ مُحَمَّدُ.. وَأَحْمَدُ.. وَالْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِهِ الْكُفْرُ.. وَالْعَاقِبُ الَّذِي مَا بَعْدَهُ نَبِيٌّ.. وَالْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيْهِ.. وَالْمُقَفَّى.. وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ.. وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ.. وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ.. وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ.. وَالْفَاتِحُ.. وَطه.. وَيس.. وَعَبْدُاللَّهِ..
قَالَ البيهقيُ: وَزَادَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ : سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: رَسُولًا؛ نَبِيًّا؛ أُمِّيًّا؛ شَاهِدًا؛ مُبَشِّرًا؛ نَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَرَءُوفًا؛ رَحِيمًا وَمُذَكِّرًا، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً وَنِعْمَةً وَهَادِيًا. (10)
قلتُ (الرمادي) وساورد مَعَانِيَ بَدِيعَةً، وَحِكْمَةً مِنْ اللهِ بَالِغَةً فِي تَخْصِيصِ نَبِيّهِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ: «مُحَمّدٍ» وَ«أَحْمَدَ»، (11)، كما سَاورِدُ الْأَحَادِيثَ الْمَرْوِيَّةَ فِي أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَابٍ أعْقِدُهُ بَعْدَ فَرَاغِي مِن السِّيرَةِ.. فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ، اعْتَنَى بِجَمْعِهَا الْحَافِظَانِ الْكَبِيرَانِ أبو بكر البيهقي وأبو القاسم ابن عساكر، وَأَفْرَدَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مُؤَلَّفَاتٍ حَتَّى رَامَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَلْفَ [١٠٠٠] اسْمٍ.
وَأَمَّا الْفَقِيهُ الْكَبِيرُ أبو بكر ابنُ العربي المالكي شَارِحُ التِّرْمِذِيِّ بِكِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْأَحْوَذِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ [٦٤] اسْمًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ . (12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ « ذِكْرُ سَرْدِ النّسَبِ الزّكِيّ الطاهر الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ » ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (13)
اراد عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ في السيرة الهشامية؛ أو ما تسمى بـ الترجمة النبوية أن يخبرنا عن نسبه صلى الله عليه وآله وسلم فكتب يقول :"
« مِنْ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ(14) »
وهنا لي تنبيه هام :" نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء‏:‏
[ ١. ] الأول : جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- وينتهي إلى عدنان‏.‏ و
[ ٢. ] الثاني : جزء آخر كثر فيه الاختلاف، حتى جاوز حد الجمع والائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلام فقد توقف فيه قوم، وقالوا‏:‏ لا يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه‏.‏ ثم اختلف هؤلا المجوزون في عدد الآباء وأسمائهم، فاشتد اختلافهم وكثرت أقوالهم حتى جاوزت ثلاثين قولًا، إلا أن الجميع متفقون على أن عدنان من صريح ولد إسماعيل عليه السلام‏.‏ أما
[ ٣. ] الجزء الثالث : فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلام وينتهي إلى آدم عليه السلام، وجل الاعتماد فيه على نقل أهل الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل الأعمـار وغيرهـا ما لا نشك في بطلانه، بينما نتوقف في البقية الباقية‏.(15) ‏.
ذكر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري:" قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ قَالَ " عَلَّمَنِي أَبِي وَأَنَا غُلَامٌ نَسَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (16)
ولي وقفة هنا :
إذا كان هذا الفعل من سَلَفِنا الصالح: اي تعليم الصغار نسب نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فهل نفعل كما فعلوا أم نتكاسل ونتهاون!!.
أكمل مِن بعد إذنه ورجاء توفيقه.. فاقول (الرمادي): وفيما يلى الأجزاء الثلاثة من نسبه الزكى الطاهر الطيب المبارك - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- بالترتيب‏:‏ فقد اشتهرت العرب بالاهتمام بالأنساب ومعرفتها متصلة متسلسلة بدقة تامة، لذا حفظ التاريخ كثيرًا من التراث النَسَبي في مؤلفات كثيرة تذكر أنساب القبائل وفروعها.
ولنا جميعاً الفخر أن مما حفظته المصادر، نسب النبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ-، إذ اتفقت جميع المصادر على سلسلة نسبه- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- بلا خلاف.. ويذكر رواية وكتابة، فـ
نسبه - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- : هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. [كما جاء عند البخاري](17) .
إِلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصِّحَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّسَّابِينَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَمَا فَوْقَ " عدنان" مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ " عدنان" مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِسْمَاعِيلُ: هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّوَابِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ . ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" تَفْسِيرُ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- "
فَقَالَ: »مُحَمَّدُ «
محمد: اسم علم منقول من صفة من قولهم رجل "مُحَمَّد"؛ أي كثير الخصال المحمودة؛ والـ:".محمد " في اللغة هو الذي يحمد حمدا بعد حمد؛ مرة بعد مرة.. فيه معنى المبالغة والتكرار، وهو في معنى محمود، فاسمه مطابق لمعناه.
والله -تعالى ذكره- سماه به قبل أن يُسمى. فهذا علمٌ من أعلام نبوته، إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو عليه السلام: "محمود" في الدنيا والآخرة.. في الدنيا بما نفع به من العلم والحكمة، وفي الآخرة بشفاعته صلى الله عليه وسلم فقد تكرر معنى الحمد.
ثم إنه لم يكن "محمدا" حتى كان "أحمد".. حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم "أحمد" على "محمد" فذكره "عيسى" عليه السلام في قوله:[ ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه "أحمد" ] فـبــ :" أحمد" ذكر قبل أن يذكر بــ:"محمد" لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان "محمدا" بالفعل، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون "أحمد" الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته... فانظر كيف ترتب هذا الاسم الآخر في الذكر والوجود في الدنيا والآخرة
وروى ابن عبدالبر أن جده سماه "محمدا" يوم سابعه.
وروى أن "آمنة" أمرت وهي حامل به أن تسميه "أحمد".
وروى أن "آدم" عليه السلام قال :" إني لسيد البشر يوم القيامة إلا رجلا من ذريتي نبي من الأنبياء، يقال له "محمد" فُضل علي باثنتين زوجته أعانته فكانت له عونا يعني "خديجة" -والله أعلم- وكانت زوجتي علي عونا والله أعانه على شيطانه فأسلم وكفر شيطاني [رواه الدولابي عن يونس؛ والآثر هذا يحتاج إلى تخريج مني؛ لا يحضرني الأن!!. ].
ثم من عجائب هذا الاسم أنه لم يتسم به أحد قبله.. يعني :"أحمد".- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- (18)
قوله :" ابْنُ «عَبْدِاللَّهِ »:
وَهُوَ ابْنُ «عَبْدِاللَّهِ»، وَكَانَ أَصْغَرَ وَلَدِ أَبِيهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَهُوَ الذَّبِيحُ الثَّانِي الْمَفْدِىُّ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ كَمَا تَقَدَّمَ في باكورة هذه البحوث .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ -عَبْدُاللَّهِ- أَجْمَلَ رِجَالِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ أَخُو الْحَارِثِ؛ وَالزُّبَيْرِ؛ وَحَمْزَةَ؛ وَضِرَارٍ؛ وَأَبِي طَالِبٍ.. وَاسْمُهُ عَبْدُمَنَافٍ؛ وَأَبِي لَهَبٍ.. وَاسْمُهُ عَبْدُالْعُزَّى؛ وَالْمُقَوَّمِ.. وَاسْمُهُ عَبْدُالْكَعْبَةِ، وَقِيلَ هُمَا اثْنَانِ، وَحَجْلٍ.. وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ؛ وَالْغَيْدَاقِ وَهُوَ كَثِيرُ الْجُودِ.. وَاسْمُهُ نَوْفَلٌ، وَيُقَالَ: إِنَّهُ حَجْلٌ؛ وَالْعَبَّاسِ.. فَهَؤُلَاءِ أَعْمَامُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَعَمَّاتُهُ سِتٌّ؛ وَهُنَّ:" أَرْوَى؛ وَبَرَّةُ؛ وَأُمَيْمَةُ؛ وصَفيَّةُ وَعَاتِكَةُ؛ وأمُّ حَكِيم.. وَهِيَ الْبَيْضَاءُ، وَسَأتَكَلَّمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا بَعْدُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- بملحق خاص . (19)
فـ هُوَ «مُحَمَّدُ»؛ ابن «عبدالله» :
معنى عبد الله الخاضع لله؛ وكنيته أبو قثم.
وقيل:" أبو محمد"،
وقيل:" أبو أحمد"،
ولا عقب لـ" عبدالله" أصلاً، ولم يولد له غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا أنثى. وكذلك "آمنة".. قاله ابن منير الحلبي في المورد العذب الهني في الكلام على السيرة لعبدالغني.
وأمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ولم يكن لها أخ فيكون خالا للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن بنو زُهرة يقولون نحن أخواله لأن "آمنة" منهم.(20)
وجاء في المنتظم لابن الجوزي:" قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا هشام بْن مُحَمَّد بْن السائب الكلبي، عَنْ أبيه، قَالَ: أم رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم آمنة بنت وهب بْن عَبْدمناف بْن زُهرة بْن كلاب بْن مرة.
وأمها برة بنت عَبْدالعزى بْن عثمان بْن عَبْدالدار بْن قصي بْن كلاب،
وأمها : أم حبيب بنت أسد بْن عَبْدالعزى بْن قصي بْن كلاب.
وأمها : برة بنت عوف بْن عبيد بْن عويج بْن عدي بْن كعب بْن لؤي،
وأمها : قلابة بنت الحارث بْن مالك بْن حباشة.
وأمها : أميمة بنت مالك بْن غنم بْن لحيان،
وأمها دب بنت ثعلبة بْن الحارث بْن تميم بْن سعد ،
وأمها : عاتكة بنت غاضرة بْن حطيط بْن جشم بْن ثقيف.
وأمها : ليلى بِنْت عوف.
وأم وهب بْن عَبْدمناف بْن زُهرة جد رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اسمها : قيلة،
ويقال : هند بنت أبي قيلة، وهو وجز بْن غالب بْن الحارث بْن عمرو بْن ملكان،
وأمها : سلمى بنت لؤي بْن غالب بْن فهر بْن مالك.
وأمها : ماوية بنت كعب،
وأم وجز بْن غالب : السلامة بنت واهب بْن البكير،
وأمها : بنت قيس بْن ربيعة،
وأم عَبْدمناف بْن زُهرة جمل بنت مالك،
وأم زُهرة بْن كلاب أم قصي، وهي بنت سعد بْن سيل.
قَالَ مُحَمَّد بْن السائب: كتبت للنبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خمس مائة أم، فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية." (21).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نال شرف إعداد هذا البحث النبوي في نسب الحبيب المصطفى والرسول المجتبى :
د. محمد الرمادي
***
هذا هو الجزء الأول من نسبه الطاهر الزكي ويتبعه بإذنه تعالى في سماه وتقدست اسماه بقية النسب الطاهر الزكي الطيب المبارك!!
المدينة المنورة؛ على ساكنها افضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات
10 جماد الآخرة 1439هـ ~ 26 فبراير 2018
 

أعلى الصفحة
فهرس

 

[٤٥]«„ شهوده -عليه السلام- بنيان الكعبة ووضعه بيده الشريفة الحجر الأسود في مكانه من البيت ا لعتيق‟»
﴿ ٤٥ ﴾ الكعبة ووضعه الحجر الأسود بيده
تعظيم قومه له في شبابه.. وتحكيمهم اياه.. والتماسهم دعاءه.. وتسميته بالأمين[(1)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*. ) مدخل :
ما زلنا نتعايش أحداث المرحلة المكية قبل البعثة المحمدية التي أنقذت البشر من الضلال؛ وبيَّنت لبني آدم طريق الهدى.. إذا فهمت فهماً صحيحاً وطبقت تطبيقاً واعياً.. فمَن يدرس ويتابع السيرة النبوية العطرة -على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وخالص البركات- يجدها تنقسم إلى أحداث وأخبار مرحلة ما :
- قبل الميلاد السعيد؛ وهذه المرحلة تبدء مِن عهد أبينا آدم -أبي البشرية جمعاء؛ سلام الله عليه وصلاته وبركاته- ثم دعاء أبي الأنبياء الخليل إبراهيم؛ فموسى بن عمران فبشرى امسيح عيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهم السلام-. هذا أولاً..
ثم أُثني بمرحلة ما :
- قبل البعثة المصطفوية؛ وهي أحداث ما قبل زواج الوالد عبدالله بن عبدالمطلب بآمنة بنت وهب الزهرية؛ ومِن ثم الحَمل الشريف فأحداث الحَبل وما صاحب الولادة من أحداث ومواقف؛ فرضاعته؛ وحضانته؛ ففترة طفولته؛ وصباه؛ فشبابه؛ فرجولته. وثالثاً :
- البعثة ونزول الرسالة الخاتمة على قلبه الطاهر ويطلق عليها: المرحلة المَكية.. فرابعاً: مرحلة ما :
- بعد الهجرة التي فرقت بين الهدى وبين الضلال؛ ويطلق عليها: المرحلة المدنية؛ ويقصد بها الفترة الزمنية التي عاشها صاحب الرسالة العصماء في يثرب والتي سميت بمدينة الرسول؛ ونعتت بالمنورة؛ فقد طيَّب ثراها جسده الطاهر بعد أن أنتقل إلى الرفيق الأعلى.
*.) تمهيد:
البحثُ المبني على نصٍ.. قد يظن غير أهل هذا العلم أنه شرعي يترتب عليه إشكال كبير حين التعامل معه؛ ومن ثم الإخبار به وتطبيقه عملياً؛ فالمنهاج المحمدي والشريعة الإسلامية أُنْزلت من رب السماوات وإله الأرض للتطبيق والتنفيذ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. إذ أن البحوث الشرعية تنقسم إلى ثلاثة : إما بحث متعلق بـ :
[ ١ .] العقيدة والإيمان؛ وإما بحث متعلق بـ :
[ ٢ .] الأحكام الشرعية العملية للحياة اليومية؛ وإما بحث متعلق بــ :
[ ٣ .] قَصص الأنبياء مع أقوامهم.. والإخبار عن مَن سبق مِن الأمم.
وعلى أساس هذا التقسيم تختلف أدلة الإثبات لمسألة البحث؛ فجميع أدلة مسائل العقيدة والإيمان يجب أن تكون قطعية الثبوت؛ أي أنها من الوحي السماوي؛ وأيضاً قطعية الدلالة؛ بمعنى أنها تعطى فهماً واحداً لا يتعداه.. كمسألة الوحدانية أو الربوبية أو الألوهية أو الحاكمية ، أو مسألة الأنبياء والمرسلين.. فيجب أن يقع على ظاهر يد الباحث دليل قطعي الثبوت يخبرنا الخالق الواجد المبدع المصور عن نفسه العلية وعن ربوبيته ووحدانيته وألوهيته وحاكميته؛ وأن نعبده كما -سبحانه وتعالى- أمر؛ وننفذ الأمر هذا ونطبقه كما بيَّنه لنا رسوله الكريم المعصوم ولا يتعدى الفهم في هذه المسألة فهماً آخراً؛ أو معنى غيره: فلا زيادة في عبادة أو نقصان.. مِن خلال الوحي المنزل مِن فوق سبع سماواتٍ طباقاً بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام- على قلب أمين الأرض والسماء النبي الخاتم والرسول المتتم للرسل محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وآله وسلم-.. ومسألة العقيدة وقضية الإيمان تبحث مِن خلال نصٍ شرعي يقول:" وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ".. ثم يكمل في نفس الآية الكريمة :" لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ".. ثم يوضح اسماءه فيذكر فيقول :" الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ ". ﴿البقرة: ١٦٣﴾
ثم يأتي نص شرعي آخر .. قطعي الثبوت -أيضاً- وأنه من الوحي المنزل وقطعي الدلالة يقول :" إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ".. ثم يربط الحياة الدنيا التي نعيش فيها بالآخرة بعد الموت حيث الثواب والعقاب على ماجرى في حياتنا الدنيا فيقول " فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ". ﴿النحل: ٢٢﴾
ثم يبدء الرسول المبلغ لشرع ربه في تبليغ اسماء هذا الإله -الله تعالى ذكره- بصفاته ليزيد الأمر وضوحاً فيقول حصراً :" إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ اللَّـهُ ".. ثم يأتي منه سبحانه وصف :" الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ".. ويكمل الوصف بقوله:" وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ".﴿طه: ٩٨﴾.
ويزيد الوحي السماوي الأمر وضوحاً بأن يخبرنا عن رسول الله إلى الناس فيقول:" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ".. ويخبرنا بما زاد عنده :" يُوحَىٰ إِلَيَّ ".. ويحدد القضية الأساسية والمسألة العظمى فيقول :" أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ".. ثم يخبرنا عن مسألة الآخرة بتعبير آخر :" فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ".﴿الكهف: ١١٠﴾. فلا وسيط بين العبد وربه وهنا يربط النص القرآني الكريم بين العمل الصالح وافراد الله تعالى بالوحدانية.
ثم يخبرنا سبحانه فيقول :" إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴿الصافات: ٤﴾
ثم يتعرض الذكر الحكيم لمسألة في غاية الأهمية وغاية الصعوبة لمن يرى خلاف الحقيقة فيقول " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿العنكبوت: ٤٦﴾
وهذه النصوص الشرعية -الوحي الإلهي- تعطى معناً واحداً فقط لا يتعداه إلى معنى زائد أو يتطرق إليه الشك أو الإرتياب... وهذا في بحوث العقيدة والإيمان بالغيب.
أما بحوث الفقه [فهم النص القرآني أو النص الرسولي] المتعلق بالأحكام الشرعية [العملية؛ التطبيقية] في الحياة الدنيا اليومية فيكفي غلبة الظن أن الدليل الشرعي مِن مجمل الوحي المنزل..
لذا تجد أيها القارئـ(ــ)ـة الكريم أن المسائل الفقهية الفرعية التفصيلية ذهب كل إمام وصاحب أهلية الإجتهاد لمذهب غير الإمام والمجتهد الآخر..
أما المسائل المتعلقة بقَصص الأنبياء فيأتي النص القرآني الكريم والذكر الحكيم ناطقا بالقول :" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" ﴿يوسف: ٣﴾
وأحسن القَصص في سورة يوسف -عليه السلام- بمعنى أصدق القَصص. بدليل قوله في آية الكهف :" نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ". ﴿الكهف: ١٣﴾
ثم تأتي إشارة واضحة تقول :" ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ ".. فيأتي التأكيد بقوله تعالى في سماه وتقدست اسماه :" نُوحِيهِ إِلَيْكَ ".. ويأتي التأكيد الثاني بقوله :" وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ".. ويأتي التأكيد الآخير في هذه الآية الكريمة بقوله :" وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ " ﴿آل عمران: ٤٤﴾
وايضا في قصة يوسف " ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ".﴿يوسف: ١٠٢﴾
وهنا ينبغي التوقف عند سرد روايات وحكايات وأخبار والأثار عن الأمم السابقة ليس لها دليل.. وتعتمد على إسرائيليات؛ قد تصدق وقد تكذب.. لذا تقرأ عند ابن إسحاق -مثلاً- قوله -فيما يزعمون- حين يتشكك مِن الرواية التي يذكرها في موضع الإستدلال.. أو يقول "رَوَىٰ" أو "يُرْوَى" بصيغة التجهيل دون ذكر اسم أو نعت من يروي الخبر الذي يريد أن يستشهد به.. واعتبر بعض العلماء روايات أنها مِن ملح التفسير لما قد أغمض.. ومن عجائب التأويل لما تعذر فهمه.
**
هذا البحث يدور حول "بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ" : أَيْ عَلَى يَدِ قُرَيْشٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- قَبْلَ بَعْثَتِهِ .
*.) تحديد سِنِّهِ وقت إعادة بناء الكعبة:
ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وثلاثين سنة ظهرت.. وبهرت أمارات خبره واشتهرت بركته وأمانته في أم القرى. فقد ذكر ابن الجوزي هذه القصة في المنتظم في حوادث سنة خمس وثلاثين، وهي السنة التي بُنيت فيها الكعبة، والسنة التي وُلدت فيها السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاك ابن خمس وثلاثين[(2)].
وعند الكتاني:" وقيل خمساً وعشرين -عاما من عمره- اجتمعت قريشُ لِبُنيان الكعبةِ ".[(3)]
وصحح الحلبي هذه المسألة بقوله :" لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة على ما هو الصحيح ".[(4)] .
وأوضح صاحب المقتفى بالقول " بِنَاء الْكَعْبَة سنة خَمْسَة وَثَلَاثِينَ من الْفِيل "[(5)].
وفي الإمتاع:" وذلك قبل المبعث بخمس عشرة [١٥] سنة.. وبعد الفجار بخمس عشرة [١٥] سنة- "[(6)].
يقول أبو زهرة:" أصاب الوهن بناء الكعبة المشرفة، فأرادت قريش أن تجدد بناءها، وكان ذلك بعد عشر [ ١٠ ] سنين من تزوج محمد بن عبدالله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها.. وكان النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد بلغ الخامسة والثلاثين [ ٣٥ ]؛ رجلاً سوياً. ولم يكن قبل تزوجه كما توهم بعض الرواة من غير سند صحيح. وبذلك كان بناء الكعبة المشرفة قبل مبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بخمس سنين إذ أن البعث كان فى الأربعين، وتجديد البناء كان فى الخامسة والثلاثين من عمره الشريف[(7)].
**
" ذكر شهود رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة ووضعه الحجر الأسود بيده الشريفة [(8)]".
*.) نافذةٌ تطل علىٰ مسألة البحث :
ما مِن أمرٍ جامعٍ فيه خيرٌ فى ذاته، وللناس كافة، إلا اشتراك فيه النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بفضلٍ من المال والعمل، وإن قريشاً، بل العربَ أجمعون كان يربطهم رباط لا يهي ولا ينقطع، لأنه يتجدد آناً بعد آنٍ، وهو يتكون من عنصرين:
[ ١ .] أحدهما : الكعبة المكرمة التى بناها أبو الأنبياء الخليل إبراهيم صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى أول بيت وضع للناس، والحج إليها، وإقامة المناسك فيها.
[ ٢ .] ثانيهما : اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى خالق السموات والأرض، وقد كانوا حريصين على تلك الرابطة، لا يتركونها، ولا يقطعونها، وخصوصاً قريشاً، إذ وجدوا فيه عزهم الذى يعتزون، وشرفهم الذى يتنافرون به أمام العرب جميعا، ويجعل لهم سيادةً وحكما، وحسبهم أن العرب يتقاتلون إلا فى أرضهم، فإذا جاؤا إليهم كانوا فى حرم آمن، كما مَنَّ الله سبحانه وتعالى عليهم، فقال تعالت كلماته:" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ . [سورة العنكبوت: 67.]
وفي الخامسة والثّلاثين من عمره: بَنَتْ قريش الكعبة، ووضع صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود بيده الشريفة مكانه مِن البيت العتيق: [(9)]:
" سبب هذا البنيان" :
.. وكان في بنيان قريش الكعبة أمور[(10)]:
الأول: توهينها من الحريق الذي أصابها، وذلك أن امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت[(11)].
فقد روي أنّ سبب انهدامِها أَنّ امرأة ً جاءت بِمجمرة تجمِّر الكعبة سقطتْ منها شرارةٌ فتعلّقت بكسوة الكعبة فاحترقت [(12)]
الثاني: كَانَ السَّيْل يدْخل الْبَيْت فاتصدعت الجدران فخافوا عَلَيْهِ أَن يتهدم وَيَقَع[(13)] بعد توهينها[(14)].
فـ الذي حَملهم على ذلك أنّ بابَ الكعبة كان بالأرض وكان السَّيلُ يدخل من أعلى مكة حتى يدخل البيت فانصدع.. وسرق طِيبَ الكعبة ِ فخافوا أنْ ينهدم البيت[(15)].
وعند ابن الجوزي؛ في الوفا:" هدمت قريش الكعبة وبنتها، لأنها كانت قد تضعضعت بالسيل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة. [(16)]".
الثالث: أن نفرا سرقوا حلي الكعبة وغزالين من ذهب. وقيل غزال واحد مرصع بدر وجوهر وكان في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة فقطعت قريش يده. وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك [(17)].
رواية ابن إسحاق:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ[(18)]: فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وَسَلّمَ- خَمْسًا وَثَلَاثِينَ[(19)] سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانُوا يُهِمّونَ بِذَلِكَ، لِيُسَقّفُوهَا وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا، وشهد بنيان الكعبة ووضع الحجر الأسود بيده.. وذلك قبل موت رسول الله بثمانية وعشرين سنة[(20)]
ارتفاع الكعبة:
الكعبة كانت رسما[(21)] [رَضْماً] فَوْقَ الْقَامَةِ [(22)]، فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا، وَذَلِكَ أَنّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزًا لِلْكَعْبَةِ، وَإِنّمَا كَانَ يَكُونُ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ الّذِي وُجِدَ عِنْدَهُ الْكَنْزُ دُوَيْكًا مَوْلًى لِبَنِي مُلَيْحِ بن عمرو من خزاعة.
قال ابن هشام: فَقَطَعَتْ قُرَيْشٌ يَدَهُ. وَ
تُزْعِمُ قُرَيْشٌ أَنّ الّذِينَ سَرَقُوهُ وَضَعُوهُ عِنْدَ دُوَيْكٍ وَ
كَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى بِسَفِينَةٍ إلَى جُدّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجّارِ الرّومِ، فَتَحَطّمَتْ، فَأَخَذُوا خَشَبَهَا فَأَعَدّوهُ لِتَسْقِيفِهَا،
خرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي "باقوم" فقدم معهم فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيف الكعبة. "
وفي المقفى:" وَأَقْبَلت فِي الْبَحْر سفينة نفر من الرّوم وَكَانَ رَأْسهمْ بِنَاء يُقَال لَهُ باقوم[(23)] ".
وهناك روية آخرى:
قال الأموي: كانت هذه السفينة لقيصر ملك الروم تحمل له آلات البناء من الرخام والخشب والحديد، سرحها قيصر مع "باقوم" إلى الكنيسة التي أحرقها الفرس بالحبشة، فلما بلغت مرساها من جدة بعث الله تعالى عليها ريحا فحطمتها.
قال ابن إسحاق: وَكَانَ بِمَكّةَ رَجُلٌ قِبْطِيّ [مصري] نَجّارٌ، فَتَهَيّأَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بَعْضُ مَا يُصْلِحُهَا . [(24)].
حكاية الــ حَيّةً :"
وَكَانَتْ حَيّةً[(25)] تَخْرَجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُهْدَى لَهَا كُلّ يَوْمٍ، فَتَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ مِمّا يَهَابُونَ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلّا احْزَأَلّتْ[(26)] وَكَشّتْ[(27)]، وَفَتَحَتْ فَاهَا، وَكَانُوا يَهَابُونَهَا. فَبَيْنَا هِيَ ذَاتُ يَوْمٍ تَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، كَمَا كانت تصنع. [(28)].[(29)] بَعَثَ اللهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا، فَذَهَبَ بِهَا، فَـ قَالَتْ قُرَيْشٌ: إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا، عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحيّة [(30)].
أبو وهب- خال رسول الله – وما حدث له عند بناء الكعبة[(31)]:
فَلَمّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا، قَامَ أبووهب بن عمرو بن عائذ ابن عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ.
قَالَ ابْنُ هشام: عائذ: ابن عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةَ حَجَرًا، فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ.
فقال: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طَيّبًا، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مهر بغي[(32)] ولا بيع ربا [(33)]، ولا مظلمة أَحَدٍ مِنْ النّاسِ، وَالنّاسُ يَنْحُلُونَ[(34)] هَذَا الْكَلَامَ الوليد بن المغيرة عبدالله بن عمر بن مخزوم.
قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكّيّ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمّيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح بن عمرو ابن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. أَنّهُ رَأَى ابْنًا لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا ابْنٌ لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ صَفْوَانَ عِنْدَ ذَلِكَ: جَدّ هَذَا، يَعْنِي: أَبَا وَهْبٍ الّذِي أَخَذَ حَجَرًا مِنْ الْكَعْبَةِ حَيْنَ أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ لِهَدْمِهَا، فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طَيّبًا. لَا تُدْخِلُوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.[(35)]".
شعر في أبي وهب[(36)]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو وَهْبٍ: خَالُ أَبِي رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان شَرِيفًا، وَلَهُ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:
وَلَوْ بِأَبِي وَهْبٍ أَنَخْتُ مَطِيّتِي ... غَدَتْ مِنْ نَدَاهُ رَحْلُهَا غَيْرَ خَائِبٍ
بِأَبْيَضَ مِنْ فَرْعَيْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا حُصّلَتْ أَنْسَابُهَا فِي الذّوَائِبِ
أَبِيّ لِأَخْذِ الضّيْمِ يَرْتَاحُ لِلنّدَى ... تَوَسّطَ جَدّاهُ فُرُوعَ الْأَطَايِبِ
عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ يَمَلّا جِفَانَهُ ... من الخبز يعلوهنّ مثل السّبائب
نصيب قبائل قريش في تجزئة الكعبة[(37)]"
ثم إن قريشا تجزّأت[(38)] الْكَعْبَةَ، فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِمَنَافٍ وَزُهْرَةَ وَكَانَ مَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرّكْنِ الْيَمَانِي لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَقَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَمّوا إلَيْهِمْ، وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ لِبَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ، ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ لِبَنِي عَبْدِالدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَلِبَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ وهو الحطيم
الوليد بن المغيرة يبدأ بهدم الكعبة[(39)]:
ثُمّ إنّ النّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا وَفَرِقُوا[(40)] مِنْهُ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمّ قَامَ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمّ لَمْ تُرَعْ[(41)]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَمْ نَزِغْ- اللهُمّ إنّا لَا نُرِيدُ إلّا الْخَيْرَ، ثُمّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرّكْنَيْنِ، فتربّص الناس تلك اللّيلة، وقالوا: ننظر، فَإِنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ صُنْعَنَا، فَهَدَمْنَا. فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ، فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ، حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسْنِمَةِ[(42)] آخِذٌ بَعْضُهَا بَعْضًا.
امتناع قريش عن هدم الأساس وسببه[(43)]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ يَرْوِي الحديث: أنّ رجلا من قريش، ممن كَانَ يَهْدِمُهَا، أَدْخَلَ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ بِهَا أَحَدَهُمَا، فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ تَنَقّضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا، فَانْتَهَوْا عَنْ ذَلِكَ الْأَسَاسِ.
الكتاب الذي وجد في الركن:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرّكْنِ كِتَابًا بِالسّرْيَانِيّةِ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ، حَتّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَإِذَا هُوَ: «أَنَا اللهُ ذُو بَكّةَ، خَلَقْتهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَصَوّرْتُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَفَفْتهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، لَا تَزُولُ حَتّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا، مُبَارَكٌ لِأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللّبَنِ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْشَبَاهَا: جَبَلَاهَا.
الكتاب الذي وجد في المقام[(44)]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمَقَامِ كِتَابًا فِيهِ: «مَكّةُ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامِ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، لَا يُحِلّهَا أَوّلُ مِنْ أَهْلِهَا» .
حجر الكعبة المكتوب عليه العظة:
قال ابن إسحاق: وزعم ليث بن زعم لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَنّهُمْ وَجَدُوا حَجَرًا فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً- إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ حَقّا- مَكْتُوبًا فِيهِ: «مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا، يَحْصُدْ غِبْطَةً، وَمَنْ يَزْرَعْ شَرّا، يَحْصُدْ نَدَامَةً. تَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ، وَتُجْزَوْنَ الْحَسَنَاتِ! أَجَلْ، كَمَا لَا يجتنى من الشّوك العنب» .
الإختلاف بين قريش في وضع الحجر[(45)]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ، ثُمّ بَنَوْهَا، حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانِ مَوْضِعَ الرّكْنِ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الْأُخْرَى، حَتّى تحاوروا وَتَحَالَفُوا؛ وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ..
لعقة الدم:
فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِالدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا، ثُمّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ عَلَى الْمَوْتِ، وأدخلوا أيديهم فى ذلك الدم فى تلك الجفنة، فَسُمّوا: لَعَقّةَ الدّمِ، فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا، ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فى المسجد، وتشاوروا وتناصفوا.
ابو أمية بن المغيرة يجد حلاً[(46)]:
فـزعم بعض أهل الرواية: أن أَبَا أُمّيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم، وكان عامئذ[(47)] وهو رأس قريش[(48)]: أَسَنّ قُرَيْشٍ كُلّهَا، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ- فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ- أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ فِيهِ، فَفَعَلُوا: فَـ
قال الكتاني : أَوّل مَنْ يدخل من باب بني شَيبةَ[(49)].[(50)]
"وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّي رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ: الْأَمِينَ[(51)].
كان الله سبحانه قد صانه صلى الله عليه وآله وسلم وحماه من صغره، وطهره [(52)] وبرّأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلق جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بـ «الأمين»، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته[(53)] "
الرسول يضع الحجر[(54)]:
كَانَ أَوّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا «الْأَمِينُ»، رَضِينَا به[(55)]، هَذَا «مُحَمّدٌ»، فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا[(56)]، فَأُتِيَ بِهِ، فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ: لِتَأْخُذَ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ، ثُمّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا، فَفَعَلُوا: حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ، وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ، ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ. [(57)]
" ويقال: كان الثوب الّذي وضع فيه الحجر للوليد بن المغيرة[(58)].".
شعر الزبير في الحية التي كانت تمنع قريش من بنيان ا لكعبة:
لَمّا فَرَغُوا مِنْ الْبُنْيَانِ، وَبَنَوْهَا عَلَى مَا أَرَادُوا، قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِالْمُطّلِبِ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَيّةِ الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهَابُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ لَهَا.
عَجِبْتُ لِمَا تَصَوّبَتْ الْعُقَابُ ... إلَى الثّعْبَانِ وَهِيَ لَهَا اضْطِرَابُ
وَقَدْ كَانَتْ يَكُونُ لَهَا كَشِيشٌ ... وَأَحْيَانًا يَكُونُ لَهَا وِثَابُ
إذَا قُمْنَا إلَى التّأْسِيسِ. شَدّتْ ... تُهَيّبُنَا الْبِنَاءَ. وَقَدْ تُهَابُ
فَلَمّا أَنّ خَشِينَا الرّجْزَ. جَاءَتْ ... عُقَابٌ تَتْلَئِبّ لَهَا انْصِبَابُ
فَضَمّتْهَا إلَيْهَا، ثُمّ خَلّتْ ... لَنَا الْبُنْيَانَ، لَيْسَ لَهُ حِجَابُ
فَقُمْنَا حَاشِدِينَ إلَى بِنَاءٍ ... لَنَا مِنْهُ الْقَوَاعِدُ وَالتّرَابُ
غَدَاةَ نَرْفَعُ التّأْسِيسَ مِنْهُ ... وَلَيْسَ عَلَى مُسَوّينَا ثِيَابُ
أَعَزّ بِهِ الْمَلِيكُ بَنِي لُؤَيّ ... فَلَيْسَ لِأَصْلِهِ مِنْهُمْ ذَهَابُ
وَقَدْ حَشَدَتْ هُنَاكَ بَنُو عَدِيّ ... وَمُرّةُ قَدْ تَقَدّمَهَا كِلَابُ
فَبَوّأَنَا الْمَلِيكُ بِذَاكَ عِزّا ... وَعِنْدَ اللهِ يُلْتَمَسُ الثّوَابُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويروى: وليس على مَساوينا ثياب
**
صيانتة العليم الحفيظ لخاتم أنبياء وآخر رسله ومتمم المبتعثين[(59)] :"
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ العَبَّاسٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ [يَقِيكَ] مِنَ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ وَقَالَ: "إِزَارِي إِزَارِي"، فَشَدَّهُ عَلَيْهِ [(60)]. رواه الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما .
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ[(61)]
رجعٌ إلى خبر ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ اللَّهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي غِلْمَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَنْقُلُ حِجَارَةً لِبَعْضِ مَا يَلْعَبُ بِهِ الْغِلْمَانُ، كُلُّنَا قَدْ تَعَرَّى وَأَخَذَ إِزَارًا وَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ، فَإِنِّي لأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ وَأُدْبِرُ، إِذْ لَكَمَنِي لاكِمٌ مَا أَرَاهُ لَكْمَةً وَجِيعَةً، ثُمَّ قَالَ: شُدَّ عَلَيْكَ إِزَارَكَ قَالَ: فَأَخَذْتُهُ فَشَدَدْتُهُ عَلَيَّ: ثُمَّ جَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِي وَإِزَارِي عَلَيَّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ وَإِزَارُهُ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: يا ابن أَخِي: لَوْ جَعَلْتَ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ، فَفَعَلَ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِزَارِي إِزَارِي، فَشُدَّ عَلَيْهِ إِزَارُهُ وَقَامَ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ ضَمَّهُ الْعَبَّاسُ إِلَى نَفْسِهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ نُودِيَ مِنَ السَّمَاءِ أَنِ اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: وَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَا نُودِيَ. قال وحديث أبي إسحاق إِنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الأَمْرِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَعِنْدَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: خَرَّ مُحَمَّدٌ، فَانْبَطَحَ. قَالَ الْعَبَّاسُ: فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَيْهِ، وَأَلْقَيْتُ عَنِّي حَجَرِي. قَالَ: وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ، وَقَالَ: "نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا". [البخاري؛ الفتح: 3/24؛ ح: 364، ومسلم : 1/268/ ح: 340] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبِي: فَإِنِّي أَكْتُمُهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا مَجْنُونٌ.
وقال د. مهدي رزق الله [ثبتَ]: مشاركته-صلى الله عليه وآله وسلم في بناء الكعبة ووضعه الحجر الأسود في مكانه: [(62)].
**
يتبقى لي بحث:
1. ] مراحل بناء الكعبة، متى بنيت الكعبة؛ و
2. ] مَن بناها ؛ و
3.] ارتفاع الكعبة وكسوتها
4. ] :" سَبَبُ بُنْيَانِ الْبَيْتِ ". حقيقة الأمر هناك سببان. سنتعرض لهما .
5. ] الكعبة حِينَ الطّوفَانِ،
6.]:" حَوْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَوَاعِدِ الْبَيْتِ " مسألة :" فِي أَنْ الحجر سَوّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ ". الركن اليماني وسبب تسميته!؟.
7.] : حَوْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ : وأَوّلُ مَنْ بَنَاهُ !!".
8.] :" كَنْزِ الْكَعْبَةِ وَالنّجّارِ الْقِبْطِيّ: [المصري]".
9.] :مسألة :" الْحَيّةُ وَالدّابّةُ ": وَ خَبَرُ الطّائِرِ الْعُقَابِ"، الّذِي اخْتَطَفَ الْحَيّةَ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ ".
10. ] خَبَرُ :" الْحَجَرِ الّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِي الْكَعْبَةِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ صُفُوحٍ [فى البداية «أصفح»]".
وهذه ستبحث في ملحق خاص.
**
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾:
سلسلة بحوث السيرة النبوية
[45]«„ شهوده -عليه السلام- بنيان الكعبة ووضعه بيده الشريفة الحجر الأسود في مكانه من البيت ا لعتيق‟»
أعد هذا البحث :
محمد الرمادي
فجر يوم السبت 24 جمادى الأول 1439هـ~10 فبراير 2018م
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
**

أعلى الصفحة
فهرس

﴿ ٤٤ ﴾ تزَوجه مِنْ سيدة قريش[(1)]“ خَدِيجَةَ ” [(2)]

فى 27 ق.هـ~596 م: حَدِيثُ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا[(3)]
خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ.. أولُ مَن آمن مِن النساء.. وجدة السبطين الكريمين.. سُميت في الجاهلية بـ الطاهرة [(4)].. قال جبريل للنبي عليه السلام :" إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها ومني؛ وبشرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ مجوف) لا صخب فيه ولا نصب"[(5)]..
مِن أهم الشخصيات المحورية في حياة محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي العدناني؛ والشخصية الرئيسة التي لعبت دوراً هاماً في شبابه زمن أن تاجر في مالها؛ ثم قامت بدور حيوي حين زواجها منه؛ ثم وقفت -رضي الله عنها- بجواره حين بُعث وكُلف بالرسالة الخاتمة؛ فكانت وزيرة صدق له؛ حين رده قومه رداً غير جميل وتكذيب فيحزن لذلك؛ إلا فرّج الله عنه بخديجة إذا رجع إليها تثّبته وتخفّف عنه وتهوّن عليه الأمر[(6)] ثم آزرته إثناء تحمله أعباء البعثة؛ وهو الرجل والرسول الذي مازال يذكرها ويذكر ايامها وصواحبتها بعد أن أنتقلت إلى الرفيق الأعلى..
شخصية مثل السيدة المصونة والجوهرة المكنونة « خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا » لتحتاج منا دراسة سيرتها دراسة أعمق من مجرد ذكرها ضمن أمهات المؤمنين؛ أو زوجات الرسول؛ وكاتب هذه السطور قَدم بحثاً كاملاً -أظنه متكاملا لجوانب شخصيتها- ساقدمه في الباب الآخير من هذه البحوث الكريمة وهو باب الشخصيات المحورية التي رافقت محمد بن عبدالله في حياته .
القارئــ(ــة) الكريم!!..
ما زلنا نتعايش أحداث العهد المكي..
.. ولما بلغت سِنَّه عليه الصلاة والسلام خمساً وعشرين سنة سافر إلى الشام المرّة الثانية.. وذلك أن خديجة بنت خويلد الأسدية كانت سيدة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه، فلما سمعت عن السيد الجليل مِن الأمانة وصِدق الحديث ما لم تعرفه في غيره حتى سمّاه قومه الأمين، استأجرته ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ممّا كانت تعطي غيره، فسافر مع غلامها مَيْسرة فباعا وابتاعا وربحا ربحاً عظيماً، وظهر للسيد الكريم في هذه السفرة من البركات ما حبّبه في قلب ميسرة غلام خديجة.. ومن خلال معاشرة مَيسرة للرسول رأي من الآيات والمعجزات ما حكاه لسيدته خديجة؛ فرغبت في الزواج منه[(7)].. رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها مَيسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، كان هذا الذي سمعته خديجة من ميسرة -غلامها- وورقة بن نوفل -ابن عمها- تأكيداً لما كانت تعرفه من أخلاقه وعلو شأنه.. وجدت ضالتها المنشودةـ لذا رغبت في الزواج منه؛ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلكـ.. رأت خديجة ربحها العظيم؛ فـ سُرَّت مَن الأمين عليه الصلاة والسلام وأرسلت إليه تخْطُبُهُ لنفسها.. فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه؛ لـ تعرض عليه ذلك؛ فوافق على ذلك فتم الزواج[(8)]..
وهذه- نفيسة بنت منبه - ذهبت إليه صلى الله عليه وآله وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه،فـ قام الأمين عليه الصلاة والسلام مع أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة، وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة‏. حتى دخل على عمّها عمرو بن أسد، فخطبها منه بواسطة عمه أبي طالب، فزوّجها عمّها.
وقد خطب أبو طالب في هذا اليوم فقال:« الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل وضِئْضِىءِ[(9)] مَعَدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حَضنة بيته وسُوّاس حرمه، وجعله لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا حكّام الناس.. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يُوزن به رجل شرفاً ونبلاً وفضلاً، وإن كان في المال قُلٌّ، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مستردّة، وهو -والله- بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة، وقد بذل لها من الصَّدَاقِ كذا. وعلى ذلك تم الأمر.
بيد أنه هناك رواية آخرى جاءت في كتب متون الحديث سأذكرها وسابحثها عند الحديث عن شبهات حول السيرة.. إن شاء الله تعالى.
**
وقد كانت متزوجة قبله بأبي هالة، توفي عنها وله منها ولد اسمه هالة، وهو ربيب[(10)] المصطفى عليه الصلاة والسلام.[(11)].
وكانت سِنها إذ ذاك نحو الأربعين [وهذه نقطة من بحث الشبهات سأدرسها]، وهي من أوسط قريش حسباً [(12)] وكانت يومئذٍ أفضل نساء قومها نسبًا وأوسعهم مالاً وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت‏.‏
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم.. ولدت له‏:‏ أولًا القاسمـ وبه كان يكنىـ ثم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبدالله‏.‏ وكان عبدالله يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم، أما البنات فكلهن أدركنَّ الإسلام، فأسلمنّ وهاجرنّ،إلا أنهنّ أدركتهنّ الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم، سوى فاطمة رضي الله عنها فقد تأخرت بعده ستة أشهر، ثم لحقت به‏.‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبقى لنا من هذا البحث :
1.) الشخصية المحورية في حياة محمد بن عبدالله؛ وخديجة بنت خويلد أحدى هذه الشخصيات المحورية؛ ويأتي ترتيبها بعد:
1. 1. ) أمه السيدة الزهرية«آمنة بنت وهب»
1. 2. ) جده لأبيه« عبدالمطلب »
1. 3. ) عمه « أبي طالب »
1. 4. ) مرضعته السعدية « حليمة »
1. 5. ) حاضنته أم أيمن « بركة »
1. 6.) فالسيدة المصونة والجوهرة المكنونة زوجه الأولى « خديجة بنت خويلد »..
لا ننسى مناخ أم القرى « مكة الكرمة » كعاصمة دينية.. وآل محمد هم سدنة الكعبة وحجابها وسقاة الحجيج.. وهي -كذلك- عاصمة تجارية في المقام الأول خاصة رحلة الشتاء ورحلة الصيف.. وهذا لعب دوراً أيضاً.
وهذان بحثان كاملان؛ أما الثالث فهو شبهات حول أحداث بعينها.. تعمد المستشرق غير المنصف وغير العادل؛ وأعداء الرسول محمد؛ ومِن ثم أعداء الدين الجديد والعهد الحديث: « القرآن المجيد؛ والذكر الحكيم »؛ كمصدر أول للتشريع؛ والسنة النبوية الصحيحة كمصدر ثان للمنهاج.. أقول: شبهات حول أحداث بعينها مِن بثها وإذاعتها؛ والترويج لها والمؤسف حقاً أن يتقبلها المضبوعين بالثقافة الغربية؛ ومَن لم يتحصل قدراً كافياً من العلم فعمل على صياغتها باسلوبه ونشرها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نال شرف هذا البحث:
محمد الرمادي
10 جمادى الأول 1439هـ~ 27 يناير 2018م
يتبع بإذنه تعالى

أعلى الصفحة
فهرس

تجارته في مال خديجة

ما زلنا في مكة المكرمة لم نغادرها بعد.. نتعايش فترة شباب الصادق الأمين محمد بن عبدالله.. كما أطلقت قريش عليه.. ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنمًا، رعاها في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط[1].. ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب، فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي[2] فكان خير شريك له، لا يدارى ولا يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال‏:‏" مرحبًا بأخي وشريكي".‏
وفي الخامسة والعشرين من سِنِهِ خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها.
روى محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ – يَقُولُ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ" . [3]،
قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ [4] :" وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟،
قَالَ : " وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ " [5] ".
وعند ابن ماجه :" قَالَ سُوَيْدٌ يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ ". [6]
وهكذا نجد أنه عليه الصلاة والسلام يعتبر قدوة صالحة وأسوة حسنة لشباب هذه الأمة المرحومة!!
**
تمهيد لمسألة تجارته عليه السلام في مال خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها :

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ، وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : " مَا رَأَيْتُ صَاحِبَةً خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلا وَعِنْدَهَا تُحْفَةٌ مِنْ طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ لَنَا ".
قَالَ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ: اسْتَأْجَرَتْهُ بِسَقْبٍ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ غُلامُهَا مَيْسَرَةُ إِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ. فَرَأَى مَيْسَرَةُ مِنْ يُمْنِهِ وَخُلُقِهِ وَالْبَرْكَةِ فِي سَفَرِهِ، وَالزِّيَادَةِ فِي الرِّبْحِ مَا اشْتَدَّ بِهِ حُبُّهُ إِيَّاهُ، فَقَدِمَ وَهُوَ يَهْتِفُ بِهِ، فَسَبَقَ إِلَى خَدِيجَةَ فَأَخْبَرَهَا خَبَرَ مَا أَصَابَ مِنَ الظَّفَرِ وَالرِّبْحِ، وَمَا رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَرِنِيهِ، فَلَمَّا أَقْبَلَتِ الْعِيرُ أَشَارَ لَهَا إِلَيْهِ، وَإِذَا سَحَابَةٌ تُظِلُّهُ، وَتَسِيرُ مَعَهُ. فَأَمَرَتْ لَهُ بِسَقْبٍ آخَرَ، وَعَلِقَهُ قَلْبُهَا لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنَ السَّعَادَةِ [7].
**
السيدة الطاهرة أم المؤمنين « خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها

توطئة :
يرتعش القلمُ وتتجمد قطرات المداد بداخله؛ وكأنها لا تريد أن تسطر حرفاً أو ترسم اسماً، وتهتز ورقة القرطاس أمام ناظري بل تتوقف النظرات ولا تتحرك حدقة العين؛ فهي توقفت في فلكها... فصاحب القلم المعوج يرغبُ أن يكتبَ عن .... مَنْ !! ..
يريد أن يكتب عن امرأةٍ جاءها رسول السماء مِن قِبل مالِك الأرضين وما عليها ورافع السموات بغير عمد نراها وبث فيها الأفلاك والأنوار والشهب والنيازك؛ مَلَكٌ هبطَ مِن السماوات العلى ليلقي على ضيفتنا؛ اقول جاء أمين السماء ليخبر أمين الأرض والسماء صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقي السلام عليها ويخبرها ببشارة؛ كما جاء من قَبل نفس المَلَك بأمر من رب العزة إلى العذراء البتول؛ مريم بنت عمران عروس الأزمان ليلقي عليها السلام ويخبرها ببشارة .
فأيُّ نساءٍ بكعب العفةِ بلغنَّ قممَ العزة والإباء والشرف؛ وأيُّ نساءٍ امتطينَّ أعلى سنام الفخر والمجد والثناء والدرجات العلى... فلتنحني قامة الإنسانية تقديراً وإجلالاً لدورهنَّ، وليركع التاريخ أمام نساءٍ صنعنَّ عظماء التاريخ بل هنَّ مَن سطرنَّ التاريخ بأيديهنَّ فوقفنَّ بجوار منارات الهدي-الأنبياء والرسل- بوحي السماء وأضأنَّ نجوم الإيمان في حالك الأزمان ..
نكمل حديث اليوم بضوء ثاقب من النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال ...
المتتبع لحركة التاريخ ومساره يلاحظ أنه توجد حالة من الاصطفاء والاختيار والإجتباء لرجال بعينهم ونساء، وحين يعاد النظر تجد شخصيات محورية لعبت دوراً أساسياً فحركوا عجلة التاريخ كما رأوا وكما يريدون، وحين يعاد التركيز على حقبة زمنية محددة بعينها يلاحظ وجود جيل الأوائل[8] وهم نخبة الصفوة وصفوة النخبة؛ طراز خاص من البشر ليسوا بملآئكة فيرتفعون إلى سماء بل هبطت سماء المجد لترفعهم فوق رؤوس الآخرين ..
السيدة خديجة بنت خويلد جمعت لألئ عقد فريد جمع كل الأوائل فهي:
[١] المرأة الأولى في حياة محمد بن عبدالله الشاب الوسيم، وهي
[٢] الزوجة الأولى في حياة رجل يعرف كيف يعامل المرأة ويعالج النساء، وهي
[٣] الزوجة الأولى التي أنجبت له الأولاد والبنات، وهي
[٤] حبه الأول الذي ما فارقه وإن صعدت روحها للرفيق الأعلى، وهي
[٥] أول مؤمنة بعقيدة التوحيد ورسالة الإسلام، وهي
[٦] أول إنسان في عهد النبوة المحمدية يأتيها ملك من السماء برسالة من الله عز وجل وبشرى، وهي
[٧] أول امرأة ردت السلام على الله السلام وعلى رسول إله السلام جبريل عليه السلام، وهي
[٨] أول مسلمة تسمع الوحي الإلهي ـ القرآن الكريم ـ من فم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين، وهي
[٩] المرأة الأولى التي ركعت وسجدت له تعالى في باكورة كوكبة الموحدين في جوف مكة وهي؛ أم القرى التي كانت تعلوها أصنام الشرك -آنذاك-؛ صلت بجوار زوجها ورسول البشرية محمد المصطفى والرسول المجتبى والنبي المرتضى..ثم هي
[١٠] المرأة التي ربت علي بن أبي طالب حين احتضنه زوجها؛ ردأ لجميل عمه أبي طالب؛ الأخ الشقيق لعبدالله؛ والد الطفل اليتيم محمد .
ولعل هذه العشرة تكفيها فخراً بين نساء العالمين ...
قال الزبير بن بكار :" كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة ". [9]
وهي - السيدة خديجة - أم المؤمنين وزوج خاتم الأنبياء وآخر المرسلين سافرد لها بحثاً خاصا في نهاية هذه السلسلة ضمن خطة العمل في جزء الشخصيات المحورية حول النبي المصطفى عليه السلام..
**
خُرُوجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةِ خَدِيجَةَ ".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ [الأسدية] امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ. تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا وَتُضَارِبُهُمْ إيَّاهُ، بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَلَغَهَا، مِنْ صَدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشَّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفَضْلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةَ، فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ.
عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- ، قَالَ : اسْتَأْجَرَتْ خَدِيجَةُ- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ - سَفْرَتَيْنِ إِلَى جُرَشَ[10] كُلُّ سَفْرَةٍ بِقَلُوصٍ[11]. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِاللَّهِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " آجَرْتُ نَفْسِي مِنْ خَدِيجَةَ سَفْرَتَيْنِ بِقَلُوصٍ [12] ". قال صاحب المستدرك على الصحيحين :" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .".

أعلى الصفحة
فهرس

حِلْفَ “ الْمُطَيَّبِينَ”

أسس قريشيون([ 1 ]) - قبل البعثه المحمدية والرسالة المصطفوية؛ الخاتمة للرسالات الإلهية والمتممة للبعوث السماوية - حلفين أو هيئتين إصلاحيتين، بهدف نصرة المظلوم وردع الظالمين. ([ 2 ]) .
[ 1. ] الحلف الأول: هو حلف الْمُطَيّبِينَ
خرَّج البخاري في الأدب المفرد؛ بَابُ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ [حديث رقم 567]، ومحمد بن حبان؛ أبو حاتم البستي في صحيحه؛ كتاب الأيمان: ذِكْرُ خَبَرٍ فِيهِ شُهُودُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ([!!])؛ وانظر ابن باكويه في جزء له [حديث مرفوع؛ رقم الحديث: 14]، وقال صاحب المستدرك:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ؛ قصد البخاري ومسلم.
[ 1. 1. ] الرواية الأولى: " عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ([ 3 ]) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: « شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا([!!]) - وَإِنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ »([ 4 ]). وتجدها في مسند أحمد بن حنبل.
[ 1. 2. ] الرواية الثانية تجدها بزيادة «وَأَنَا غُلَامٌ»:
تجدها عند البحر الزخار؛ المعروف بمسند البزار؛ الجزء الثالث؛ مسند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ مِمَّا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ [حديث رقم: 1000] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ:" شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ وَأَنَا غُلَامٌ مَعَ عُمُومَتِي فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكِثَهُ أَوْ أَنِّي نَكَثْتُهُ وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ".
[ 1. 3. ] الرواية الثالثة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: « مَا شَهِدْتُ حِلْفًا لِقُرَيْشٍ إِلَّا حَلِفَ الْمُطَيَّبِينَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي كُنْتُ نَقَضْتُهُ ».([ 5 ]). وتجد هذه الرواية في مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد، وعنده رواية آخرى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
[ 1. 4. ] الرواية الرابعة : بزيادة كلمتين :" مَا يَسُرُّنِي .." .. " فِي دَارِ النَّدْوَةِ" .
حديث [ 13583] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:" مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي نَقَضْتُ الْحِلْفَ الَّذِي فِي دَارِ النَّدْوَةِ"
كما ذكره صاحب فيض القدير؛ أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري: [حديث رقم 4900] « شَهِدْتُ غُلَامًا مَعْ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ » وقال الماوردي الحديث صحيح.
وجاءت رواية التلخيص الحبير واضحة: « أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ » لتنهي النقاش حول أي الحلفين شارك عليه السلام فيه محدده بأنه حلف الفضول.
تَنْبِيهٌ :
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا :" شَهِدْت وَأَنَا غُلَامٌ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ".. وَفِي آخِرِهِ : " لَمْ يَشْهَدْ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِهِ، وَإِنَّمَا شَهِدَ حِلْفَ الْفُضُولِ وَهُمْ كَـ «الْمُطَيَّبِينَ». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " لَا أَدْرِي هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِنْ دُونِهِ "([ 6 ]).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: " قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ: إِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الحديثْ: « حِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ » غَلَطٌ، إِنَّمَا هُوَ حِلْفُ الْفُضُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لَمْ يُدْرِكْ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ بِزَمَانٍ. وَبِهَذَا أَعَلَّ ابْنُ عَدِيٍّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ.
علق صاحب البداية قائلا:" هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا تَحَالَفُوا بَعْدَ مَوْتِ قُصَيٍّ ([ 7 ])، وَتَنَازَعُوا فِي الَّذِي كَانَ جَعَلَهُ قُصَيٌّ لِابْنِهِ عَبْدِالدَّارِ مِنَ السِّقَايَةِ ([ 8 ]) وَالرِّفَادَةِ ([ 9 ]) وَاللِّوَاءِ([ 10 ]) وَالنَّدْوَةِ([ 11 ]) وَالْحِجَابَةِ ([ 12 ])، وَنَازَعَهُمْ فِيهِ بَنُو عَبْدِمَنَافٍ، وَقَامَتْ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَتَحَالَفُوا عَلَى النُّصْرَةِ لِحِزْبِهِمْ فَأَحْضَرَ أَصْحَابُ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ جَفْنَةً فِيهَا طِيبٌ فَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهَا وَتَحَالَفُوا فَلَمَّا قَامُوا مَسَحُوا أَيْدِيَهُمْ بِأَرْكَانِ الْبَيْتِ ([ 13 ]) فَسُمُّوُا « الْمُطَيَّبِينِ ». كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ هَذَا قَدِيمًا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحِلْفِ حِلْفُ الْفُضُولِ وَكَانَ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ([ 14 ]) كَمَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ تَحَالَفُوا أَنْ يَرُدُّوا الْفُضُولَ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَلَّا يَعُزَح ظَالِمٌ مَظْلُومًا »([ 15 ]). قَالُوا : وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِعِشْرِينَ سَنَةً فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ بَعْدَ حَرْبِ الْفِجَارِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِجَارَ كَانَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمِعَ بِهِ وَأَشْرَفَهُ فِي الْعَرَبِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ([ 16 ])
وَكَانَ « سَبَبُهُ » أَنَّ رَجُلًا مِنْ زُبَيْدٍ قَدِمَ مَكَّةَ بِبِضَاعَةٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ([ 17 ]) فَحَبَسَ عَنْهُ حَقَّهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الزُّبَيْدِيُّ الْأَحْلَافَ؛ عَبْدَالدَّارِ وَمَخْزُومًا وَجُمَحَ وَسَهْمًا وَعَدِيَّ بْنَ كَعْبِ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوا عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ- وَزَبَرُوهُ - أَيِ انْتَهَرُوهُ فَلَمَّا رَأَى الزُّبَيْدِيُّ الشَّرَّ أَوْفَى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ([ 18 ]) عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ - وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ- فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ
يَا آلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومٍ بِضَاعَتُهُ * بِبَطْنِ مَكَّةَ نَائِي الدَّارِ وَالنَّفَرِ
وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ * يَا لَلرِّجَالِ وَبَيْنَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ
إِنَّ الْحَرَامَ لِمَنْ تَمَّتْ كَرَامَتُهُ * وَلَا حَرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغُدَرِ
فَقَامَ فِي ذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَقَالَ:" مَا لِهَذَا مُتْرَكٌ " . فَاجْتَمَعَتْ هَاشِمٌ وَزُهْرَةُ وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَتَحَالَفُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا بِاللَّهِ: " لَيَكُونُنَّ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ حَتَّى يُؤَدَّيَ إِلَيْهِ حَقُّهُ؛ مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً؛ وَمَا رَسَّى ثَبِيرٌ وَحِرَاءُ مَكَانَهُمَا، وَعَلَى التَّأَسِّي فِي الْمَعَاشِ ". فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ « الْفُضُولِ » ([ 19 ])، وَقَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي فَضْلٍ مِنَ الْأَمْرِ، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَانْتَزَعُوا مِنْهُ سِلْعَةَ الزُّبَيْدِيِّ فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فِي ذَلِكَ :
حَلَفْتُ لَنَعْقِدَنَّ حِلْفًا عَلَيْهِمْ * وَإِنْ كُنَّا جَمِيعًا أَهْلَ دَارِ
نُسَمِّيهِ « الْفُضُولَ »إِذَا عَقَدْنَا * يَعِزُّ بِهِ الْغَرِيبُ لِذِي الْجِوَارِ
وَيَعْلَمُ مَنْ حَوَالِي الْبَيْتِ أَنَّا * أُبَاةُ الضَّيْمِ نَمْنَعُ كُلَّ عَارِ
وَقَالَ الزُّبَيْرُ أَيْضًا :
إِنَّ « الْفُضُولَ » تَعَاقَدُوا وَتَحَالَفُوا * أَلَّا يُقِيمَ بَبَطْنِ مَكَّةَ ظَالِمُ
أَمْرٌ عَلَيْهِ تَعَاقَدُوا وَتَوَاثَقُوا * فَالْجَارُ وَالْمُعْتَرُّ فِيهِمْ سَالِمُ ".([ 20 ])
وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ خَثْعَمٍ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا - أَوْ مُعْتَمِرًا - وَمَعَهُ ابْنَةٌ لَهُ يُقَالَ لَهَا: "الْقَتُولُط مِنْ أَوْضَأِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاغْتَصَبَهَا مِنْهُ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيَّبَهَا عَنْهُ فَقَالَ الْخَثْعَمِيُّ: " مَنْ يُعْدِينِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ ؟ ". فَقِيلَ لَهُ: " عَلَيْكَ بِحِلْفِ الْفُضُولِ" . فَوَقَفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَنَادَى يَا لَحِلْفِ الْفُضُولِ فَإِذَا هُمْ يُعْنِقُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَقَدِ انْتَضَوْا أَسْيَافَهُمْ يَقُولُونَ: جَاءَكَ الْغَوْثُ فَمَا لَكَ ؟؛ فَقَالَ : إِنَّ نُبَيْهًا ظَلَمَنِي فِي ابْنَتِي وَانْتَزَعَهَا مِنِّي قَسْرًا ". فَسَارُوا مَعَهُ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ دَارِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ:" أَخْرِجِ الْجَارِيَةَ وَيْحَكَ !؛ فَقَدْ عَلِمْتَ مِنْ نَحْنُ وَمَا تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ ". فَقَالَ :" أَفْعَلُ !!!؛ وَلَكِنْ مَتِّعُونِي بِهَا اللَّيْلَةَ". فَقَالُوا:" لَا وَاللَّهِ وَلَا شَخْبَ لِقْحَةٍ". فَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ :
رَاحَ صَحْبِي، وَلَمْ أُحَيِّ الْقَتُولَا * لَمْ أُوَدِّعْهُمْ وَدَاعًا جَمِيلًا
إِذْ أَجَدَّ « الْفُضُولُ » أَنْ يَمْنَعُوهَا * قَدْ أَرَانِي وَلَا أَخَافُ الْفُضُولَا
لَا تَخَالِي أَنِّي عَشِيَّةَ رَاحَ الرَّكْبُ * هُنْتُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَا
وقيل في سبب التسمية :
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا حِلْفُ الْفُضُولِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ حِلْفًا تَحَالَفَتْهُ «جُرْهُمٌ» عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنْ نَصْرِ الْمَظْلُومِ عَلَى ظَالِمِهِ وَكَانَ الدَّاعِي إِلَيْهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَضْلٌ، وَهُمْ: الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ وَالْفَضْلُ بْنُ وَدَاعَةَ وَالْفُضَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ.. هَذَا قَوْلُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ : هُمُ الْفُضَيْلُ بْنُ شُرَاعَةَ وَالْفَضْلُ بْنُ وَدَاعَةَ وَالْفَضْلُ بْنُ قُضَاعَةَ وَقَدْ أَوْرَدَ السُّهَيْلِيُّ هَذَا. ([ 21 ]).
وبهذا التحقيق تنتهي مسألة أي الحلفين حضره السيد الجليل محمد قبل بعثته.
**
فمَن هم المطيبون !!؟.
الْمُطَيَّبُونَ: هم هَاشِمٌ؛ وَأُمَيَّةُ؛ وَزُهْرَةُ؛ وَمَخْزُومٌ.
وقال ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري:" أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا :" شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ". وقال العسقلاني: وَحِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِمُدَّةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ جَمْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَنْصُرُوا الْمَظْلُومَ وَيُنْصِفُوا بَيْنَ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْخَيْرِ ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ.
[ 2. ] الحلف الثاني :
روى البيهقي في السنن الكبرى؛ بَابُ إِعْطَاءِ الْفَيْءِ عَلَى الدِّيوَانِ [حديث مرفوع؛ رقم: 12110] عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: « لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ ».
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: كَانَ سَبَبُ الْحِلْفِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَظَالَمُ بِالْحَرَمِ، فَقَامَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فَدَعَواهُمْ إِلَى التَّحَالُفِ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، فَأَجَابَهُمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَعْضُ الْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ، قال ابْنُ إِسْحَاقَ: وَتَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى حِلْفٍ فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ لِشَرَفِهِ، وَسَنِّهِ وَكَانَ حِلْفَهُمْ عِنْدَهُ، وَقَدْ سَمَّاهُمُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ بَنُو هَاشِمٍ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ ، وَبَنُو عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِالْعُزَّى، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمُ بْنُ مُرَّةَ فَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا، مَنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إِلَّا كَانُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَظْلَمَتَهُ فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ « حِلْفَ الْفُضُولِ » .
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: فَتَحَالَفُوا فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَسَمَّوْا ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ تَشَبُّهًا لَهُ بِحِلْفٍ كَانَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ «جُرْهُمٍ» عَلَى التَّنَاصُفِ وَالأَخْذِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، وَلِلْغَرِيبِ مِنَ الْقَاطِنِ، قَامَ بِهِ رِجَالٌ مِنْ « جُرْهُمٍ » يُقالُ لَهُمُ: الْفَضْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْفَضْلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَالْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ، فَقِيلَ حِلْفُ الْفُضُولِ جَمْعًا لأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ.
وقَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ فِي أَسْمَاءِ هَؤُلاءِ: فَضْلٌ وَفَضَالٌ وَفُضَيْلٌ وَفَضَالَةُ.
تحقيق:
وَالَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَحْسِبُهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ، لِلْحَدِيثِ الآخَرِ، وَلأَنَّ الْمُطَيَّبِينَ هُمُ الَّذِينَ عَقَدُوا حِلْفَ الْفُضُولِ، قَالَ : وَأِيُّ فَضْلٍ يَكُونُ فِي مِثْلِ التَّحَالُفِ الأَوَّلِ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: " مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ وَأَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ " وَلَكِنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُطَيَّبُونَ،
وحِلْفِ الْفُضُولِ كَانَ أَنْ لَا يُعِينَ ظَالِمٌ مَظْلُومًا بِمَكَّةَ، وَذَكَرُوا فِي سَبَبِ ذَلِكَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مُحَصِّلُهَا أَنَّ الْقَادِمَ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ كَانَ يَقْدَمُ مَكَّةَ فَرُبَّمَا ظَلَمَهُ بَعْضُ أَهْلِهَا فَيَشْكُوهُ إِلَى مَنْ بِهَا مِنَ الْقَبَائِلِ فَلَا يُفِيدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَكْرَهُ الظُّلْمُ وَيَسْتَقْبِحُهُ إِلَى أَنْ عَقَدُوا الْحِلْفَ، وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
**
محصلة البحث ونهايته :" وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدْرِكْ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ . "([ 22 ]).
**
يتبقى لي بحث فقه الحديث؛ والدروس المستفادة من قول سيد ولد آدم عليه السلام؛ والفهم السئ من تأويله عند البعض!!.

محمد فخر الدين الرمادي
15 ربيع آخر 1439هـ ~ 02 يناير 2018م
يتبع بإذنه تعالى .

أعلى الصفحة
فهرس

 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا