السيرة
النبوية
الشريفة
تقديم :
د.
محمد
الرمادى
فيينا /
2023 |
 |
|
|
|
|
 |
142 الباحث عن الحقيقة
١٤٢ :" إسلام سلمان الفارسي ".
أحداث جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ..
..
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
ا - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ -
حَدِيثُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
.. ..
.. وظلَّ يبحث عن الدين الحق إلىٰ أن هداه الله-تعالىٰ- إليه، فأسلم ـ رضي الله عنه ـ مقدم النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المدينة، .. وهو ما زال في قرية قباء.. فـ عايش المجوسية فقد كان علىٰ الديانة المجوسية ثم النصرانية إذ انتقل إليها ثم اليهودية قبيل ظهور الدين الحق.. الإسلام.. وذلك بعد أن التقىٰ عدة رهبان من رهبان النصارى، وڪان آخرهم رجل صالح عنده علم عن نبي آخر الزمان ، فنصح الراهب سلمان أن يذهب إلىٰ بلاد العرب التي سيخرج فيها ووصفها له.. إنه سلمان ابن الإسلام، أبو عبدالله الفارسي، سابق الفرس إلىٰ الإسلام، صحب النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وخدمه وحدَّث عنه.. وقصة إسلام سلمان ـ رضي الله عنه- قصة عظيمة، فيها العِبْرة والعظة والفائدة ، وفيها دلالة واضحة علىٰ الضلال الذي ساد العالم ڪله قبل بعثة النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ : « كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ ( أي رئيسها )، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ ( أي خادمها ) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ ( أي بستان ) عَظِيمَةٌ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَــ
قَالَ لِي : „ يَا بُنَيَّ ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا ” ..
وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَــ
مَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ...
قَالَ: „ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ ” ، وَ
قُلْتُ : „ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ” فَــ
وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَـ
قُلْتُ لَهُمْ : „ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ ” ..
قَالُوا : „ بِالشَّامِ ”.
قَالَ: „ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ ” ،
قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ
قَالَ: „ أَيْ بُنَيَّ ! أَيْنَ كُنْتَ ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ ؟ ”
قَالَ قُلْتُ: „ يَا أَبَتِ ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس ” ،
قَالَ: „ أَيْ بُنَيَّ ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ ” ،
قَالَ قُلْتُ: „ كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا ” .
قَالَ: „ فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ ” ،
قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ : „ إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ ” .
قَالَ : فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى ، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ : „ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ: ” ،
قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ ،
فَــ
لَمَّا قَدِمْتُهَا.. قُلْتُ : „ مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ ؟ ”
قَالُوا : „ الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ ” .
قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ : „ إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ ” ،
قَالَ: „ فَادْخُلْ ” .
فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَــ
قُلْتُ لَهُمْ : „ إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا ” .
قَالُوا : „ وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟ ”
قَالَ قُلْتُ : „ أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِه ” .
قَالُوا : „ فَدُلَّنَا عَلَيْهِ ” .
قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ فَــ
لَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا : „ وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا ” . فَــ
صَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ،
قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ : „ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ ” .
قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَــ
قُلْتُ لَهُ: „ يَا فُلَانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ ”..
قَالَ : „ أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ ” .
قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَــ
قُلْتُ لَهُ : „ يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ ” .
قَالَ فَقَالَ لِي : „ أَقِمْ عِنْدِي ” . فَــ
أَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَــ
لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ : „ يَا فُلانُ ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ ”
قَالَ : „ أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِّيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ ” . وَ
قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِّيبِينَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي،
قَالَ : „ فَأَقِمْ عِنْدِي ” . فَــ
أَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَــ
لَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ : „ يَا فُلَانُ ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ ”
قَالَ : „ أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا ” ،
قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَــ
قَالَ: „ أَقِمْ عِنْدِي ” . فَــ
أَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ،
قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَــ
لَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ : „ يَا فُلانُ ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ ”
قَالَ : „ أَيْ بُنَيَّ ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ( الحرة : الأرض ذات الحجارة السود )، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى:
: « „ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ” » :.
« „ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ” » ..
« „ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ” » ..
.. „ فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ ” .
قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَــ
مَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ،
ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَــ
قُلْتُ لَهُمْ : „ تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ ؟ ”
قَالُوا : „ نَعَمْ ” فَــ
أَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ،
فَــ
قَالَ فُلانُ : „ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِــ: « „ قُبَاءَ ” » عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ” ،
قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ ( برد الحمى ) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي ،
قَالَ : وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَــ
جَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ : „ مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ ؟ ” ..
قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً
ثُمَّ قَالَ : „ مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ ” ..
قَالَ قُلْتُ : „ لا شَيْءَ ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ ” ..
وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَــ
دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ : „ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ ” ،
قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ ،
فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ : « „ كُلُوا ” ». وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ،
قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ ،
ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ ، فَــ
قُلْتُ: „ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا ” ،
قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ ،
قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ ،
ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ : وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ،
فَــ
لَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ،
قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِه ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي ،
فَــ
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « „ تَحَوَّلْ ” ».
فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ،
قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ” »..
.. قلت(الرَّمَادِيُّ): قصة إسلام سلمان لها بقية سأضعها -إن شاء الله تعالىٰ- في موضعها بـ ملحق شخصيات محورية!..
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحڪماء في تأويل آيات الذڪر الحڪيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “
* سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
الإصدار الأول مِن منشورات «آستروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
[٥ ١ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
مُقَدَّمَاتٌ دخول النبي إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
العام : ١.هـ ~ 622 م
﴿ ١٤٢ ﴾ : « „ الباحث عن الحقيقة.. إسلام سلمان الفارسي ” »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
حُرِّرَ في العام الهلالي الْهِجْرِيَّ : ١٤٤٥؛ يوم الجمعة، 10 جمادى الثانية، 1445~ الموافق 19 ديسمبر 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام
ـ
 |
141 رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَىٰ .. رَبِحَ صُهَيْبٌ
مازلنا في بلدةِ قُباء.. لم نبرحها بعد.. إذ حدث أمر يستلزم ذڪره وقُبَيل دخوله -عليه الصلاة والسلام والتڪريم والاتعام- مدينته المنورة..
إذ أن هناك أحداث وقعت مع الرَّعِيل الأول.. تلك الجماعة المسلمة القليلة العدد.. الڪثيرة البرڪات.. والتي ڪانت تحفها الملآئڪة الڪبار والتي نزل في حقهم قوله - سبحانه وتعالىٰ شأنه- ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ .. ومواقف تمت من السابقين الأولين.. أَرْعال المؤمنين الأوائل وثلة الأولين الموحدين الأماجد.. صحابة رسول الله -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين ورحمته وبرڪاته-
ومواقف حدثت معهم تُظهر لك ذلك المعدن الطيب النفيس الذي لم يجود به مرةً ثانية الزمان.. إلا أن يشاء الله رب العالمين.. إذ أنهم -رضوان الله تعالىٰ عليهم - تربية آخر نبي مصطفىٰ وعايشوه.. فتعلموا من خاتم الرسل المرتضىٰ.. وصحبوا أنفاس متمم المبتعثين الطاهرة المحتبىٰ المجتبىٰ.. فـ درسوا الإسلام دراسة تطبيقية عملية سلوڪية.. وهذا ما نحتاجه نحن اليوم!
أحداثٌ تمت تُبيّن إصالة تبر معدنهم النقي.. سواء ما حدث معهم إثناء تواجدهم في مڪة المڪرمة.. مع قلتهم.. وضعفهم. إلا قليلا منهم.. أو إثناء سفرهم في هجرة فرقة منهم -الأولى- إلىٰ ملك لا يظلم عنده أحد في الحبشة.. النصرانية.. المملڪة المسيحية.. وإن أسلم ملڪها.. ثم حين عُلم بـ موته صلىٰ عليه الرسول وصحبه.. أو إثناء الهجرة إلىٰ يثرب/مدينة المصطفىٰ.. أو مواقف وأحداث من السادة الأنصار..
تلك المواقف النبيلة وهاتيك الأحداث السامية تحتاج منا -مسلم القرن الواحد والعشرين الميلادي.. القرن الخامس عشر الهجري- ونحن في هذا الزمن الحالي بوضعنا الذي نحن فيه الأن وما نحن عليه اليوم.. نحتاج بجوار دراسة مصدري الإسلام -القرآن الڪريم والسنة النبوية والسيرة المحمدية- إلىٰ دراسة سير أعلام نبلائهم وتلك المواقف والأحداث -لتلك الثلة الراقية والفئة المؤمنة- دراسة عملية تطبيقية.. وعلمية إدراڪية فهمية تنويرية توعوية.. وترجمة فعلية سلوڪية.. ليست -فقط- تذڪر شيئ ما في المناسبات أو ترديد أناشيد في المواسم أو لبس الجديد البالي في الأعياد أو زخرفة القاعات في الاحتفالات السنوية أو الشهرية أو حمل سجادة الصلاة -صناعة صينية- أيام الجمع.. وليس مَن اعتمر فزار.. ونڪتفي.. أو حج أو طاف بالڪعبة وصلى أمامها.. فنتحصل علىٰ لقب « „ حاج ” » ؛ أو فترة شد الرحال فزار المسجد النبوي أو المسجد الأسير(!) الأقصىٰ أو تجمعات شهر القيام والصيام.. فغذا انتهى تفرق الجمع.. بل نحتاج إلىٰ ترجمة يومية وفق آيات الڪتاب الڪريم وتبعا لطريقة السنة النبوية المطهرة.. نحتاج إلىٰ ترجمة يومية تشمل ڪافة نواح الحياة جليلها وصغيرها ڪبيرها وحقيرها.. وبـ غض الطرف.. أموجود المسلم في دياره ومسقط رأسه أو في بلاد الغربة والاغتراب.. وليس قراءة حروف دون وعي المقصود أو ترتيل ڪلمات دون إدراك المضمون أو فهم مراد رب العباد..
فــ نمڪث قليلا مع مَن نزل فيه قرآنٌ يتلىٰ.. وذڪر يرفع. وتلاوة تسمع.. وفرقان بيِّن مبين.. يقرأه المسلم في خلوته أو في صلاته في جوف الليل والناس نيام..
نمڪث قليلا.. ونحن ما زلنا في قُباء.. مع :
أَبَي يَحْيَىٰ .. صُهَيْبٍ..
ڪما ڪناه الحبيب المصطفىٰ ونَادَاه الرسول المرتضىٰ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
فـ
.. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُڪِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ .. قَالَ لَهُ ڪُفَّارُ قُرَيْشٍ: « أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ، وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ(!) » ؛
فَــ
قَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: « „ أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي ؟ ” » ؛
قَالُوا: « „ نَعَمْ ” ؛.
قَالَ: « „ فَإِنِّي جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي ” » ؛.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
فَـ
قَالَ: ﴿رَبِحَ صُهَيْبٌ.. رَبِحَ صُهَيْبٌ﴾ ..
وجاء في المنتظم توضيح لهذه القضية
فـ
لـ نقرأ معاً:
: " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَفَّانُ، وَمُوسَىٰ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ : أَقْبَلَ صُهَيْبٌ نَحْوَ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا، وَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَانْتَثَلَ مَا فِي ڪِنَانَتِهِ،
ثُمَّ
قَالَ« „ يَا مَعَاشِرَ [معشر] قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاڪُمْ رَجُلا، وَايْمُ اللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّىٰ أَرْمِيَ بِڪُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي ڪِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُڪُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَافْعَلُوا مَا شِئْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُڪُمْ عَلَىٰ مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سبيلي ” »
ففعل..
فلما قَدِمَ عَلَىٰ النَّبِيِّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، قَالَ -عليه السلام-: «رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَىٰ، رَبِحَ الْبَيْعُ..» ..
قَالَ: وَنَزَلَ قَوْلُهُ سبحانه وتَعَالَىٰ: ﴿وَمن النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله وَالله رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ .
ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويكمل ابن عبدالبر القصة.. فـ
نقرأ معاً :
:" وكان صهيب ذا مال فاتبعته قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله.. فلما أشرفوا عليه ونظر منهم.. ونظروا إليه..
قال لهم: « „ قد تعلمون أني من أرماكم رجلا ووالله لا تصلون إلي أو يموت منكم من شاء الله أن يموت ” » ؛
قالوا: „ فاترك مالك وانهض ” ؛
قال: « „ مالي خلفته بمكة وأنا أعطيكم أمارة فتأخذونه ” » ؛
فـ
علموا صدقه وانصرفوا عنه إلى مكة بما أعطاهم من الأمارة فأخذوا ماله.. فنزلت فيه قوله تعالى:﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد﴾ الآية
" ورُوِيَ(*) أنّهم أدرڪوه، وقد سار عن مڪة، فأطلق لهم ماله، ولِحَق رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بعد بـ قِباء،
قَالَ: فلّما رآني قَالَ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «ربح الْبَيعُ أَبَا يحيىٰ» .. قالها ثلاثًا، فَقُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ ما أخبرك إلّا جبريل "..
وجاء عند الحاكم:" قال صهيب -رضي الله عنه-: " يا رسول الله! ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل ".
:" وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ڪَنَّاهُ أَبَا يَحْيَىٰ . و
عن صَيْفيّ بْن صُهَيْب قَالَ: „ إني صحِبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يُوحَىٰ إليه ” ؛ .
وقال مَنْصُورٌ، عن مجاهد قَالَ : „ أوّل من أظهر الْإِسْلَام رَسُول اللَّهِ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وأبو بَڪْر، وبلال، وخبَّاب، وصُهَيْب ” ؛
وعن عُمَر بْن الحڪم قَالَ : „ ڪان صُهَيْب يُعَذّب حَتَّىٰ لَا يدري مَا يقول ” .
وجاءت رواية البداية لـ ابن ڪثير بها إضافة نذڪرها :
" قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُوبَڪْرٍ، وَڪُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ مَعَهُ بِالْخُرُوجِ .. فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ لَا أَقْعُدُ، فَــ
قَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللَّهُ عَنْڪُمْ بِبَطْنِهِ.
وَلَمْ أَڪُنْ شَاڪِيًا، فَنَامُوا.
فَخَرَجْتُ ولحقني مِنْهُم نَاس بعد مَا سرت يُرِيدُونَ ليردوني، فَقلت لَهُم: " إِن أَعطيتڪُم أواقي من ذهب وتخلون سبيلي وتوفون لِي؟ "..
فَفَعَلُوا فَتَبِعْتُهُمْ إِلَىٰ مَڪَّةَ.
فَقُلْتُ: "احْفُرُوا تَحت أُسْڪُفَّة الْبَاب فَإِن بهَا أَوَاقِيَ، وَاذْهَبُوا إِلَىٰ فُلَانَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ.
وَخَرَجْتُ حَتَّىٰ قَدِمْتُ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِقُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: " يَا أَبَا يَحْيَى رَبِحَ البيع " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أحد وَمَا أخْبرك إِلَّا جِبْرَائِيل -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
.. و.. يتبقى الحديث عن :
[ ١. ] " نسب صُهَيْبٍ ".
وَ
[ ٢. ] " قصة إِسْلَامه "
والحديث عن ترجمته هذه سأجعلها -من بعد إذنه تعالى وتوفيقه- في ملحق شخصيات محورية.
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(*) يُقال في الحديث الضعيف : " رُوِيَ " و " حُكِيَ " و " ذُكِرَ " ونحو ذلك من صيغ التمريض المبنيَّة على المجهول ، هذا أمر مُقرَّر في كتب المصطلح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة
الإصدار الأول مِن منشورات «آستروعرب نيوز»
مُقَدَّمَاتٌ دخول النبي إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
﴿ ١٤١ ﴾ : « „ رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَىٰ.. رَبِحَ صُهَيْبٌ ..” »
ـــــــــــ
( د. الْفَخْرُ؛ الْإِسْڪَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-) ﴿ نَزِيلُ ڤِيَّنَّا ﴾
حُرِّرَ في العام ١٤٤٥ الهلالي الْهِجْرِيَّ:. الأربعاء ١٧ جمادى الأول الموافق 29 نوفمبر الجمعة، 01 كانون الأول، 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام- ~ 01/12/2023 10:26:49 م
ـ
 |
140 (وصول النبي- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ قُبَاء)
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني:
" فما زال رسول الله- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يسير علىٰ الرمضاء.. إذ أوشڪت أحداث الهجرة المبارڪة.. علىٰ الانتهاء.. فقد سار رڪب الهجرة.. تحفه.. عناية الله -تعالىٰ- حتىٰ وصل إلىٰ قباء في يوم الاثنين الثاني عشر : « ١٢ » من شهر ربيع الأول من العام الأول للهجرة الشريفة..
فقد أڪمل الرڪب الڪريم (رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وصاحبه أبو بڪر الصديق -رضي الله عنه-) بإذنٍ من الرحمن الرحيم خطوات الإنتقال من مڪةَ المڪرمة إلىٰ „ يثرب ” ؛ والتي ســ تسمىٰ : « „ المدينة ” » المنورة؛ وقد طيَّب ثراها ممشاه -عليه السلام- علىٰ ترابها.. ثم عطر هواءها بـ تواجده في مسجده ومن ثم غرف زواجته .. ثم أزهر المڪان والزمان بـ رسالته وسنته وهديه ثم ثبت عيدان الريحان بـ قبره وبجواره وزيريه الصديق والفاروق.. وخليفتيه من بعد إنتقاله إلى الرفيق الأعلىٰ.. ولقد أطلق المصطفىٰ عليها أسماء آخرىٰ!..
وانظر ماذا فعل الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- مفتي المدينة!
فقد ذڪر ابن العربي في [( أحكام القرآن 3/ 254 ). )] فـ قال : « „ ڪان مالك لا يرڪب دابة بالمدينة؛ براً بتربتها المحتوية علىٰ الأعظم الشريفة.. والجثة(!) الڪريمة ” » ؛ ..
لذا فقد :" ڪان الامام مالك لا يلبس نعالا ولا يرڪب وسيلة مواصلات في المدينة المنورة، وڪان يقول: « أنا أستحي من الله أن أطأ تربةَ نبيِّ الله بحافر دابةٍ » ... "..
ذڪرتُ في الفصل [(طَرِيقُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجْرَتِهِ)] ترقيم منشورات « „ آسترعرب نيوز ” » ؛ [(١٣٦)] فـ تجد محطات طريق سير سيد المرسلين وخاتم الأنبياء ومتمم المبتعثين - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. والتي مر عليها في هجرته المبارڪة من مڪةَ المڪرمة إلىٰ مدينته المنورة..
.. إذًا
فـــ
نهاية تلك المحطات هي « „ محطة بني عمرو بن عوف ” » [(بحث هذا الفصل: ١٤٠ )]..
.. لڪن يتساءل المسلم الشغوف المحب لرسول الله والمؤمن المشتاق لمعرفة سير هجرته:
- لماذا لم يذهب - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ يثرب مباشرة!...
- لماذا مَالَ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ بلدة [(قرية)] بني عمرو بن عوف المشهورة بـ « „ قُباء ” » !؟..
- وما هو شعور الأنصار -رضي الله تعالىٰ عنهم أجمعين- وهم ينتظرونه علىٰ مشارف يثرب فـ تأتيهم الأخبار أن نبيهم في قُباء الآن ..
أسئلةٌ ملحة!؟..
والإجابةُ عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬
..
[ ( قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِـ قُبَاءٍ ) ]
قُبَاء: بضم القاف، سُمِّيت بذلك لوجودِ بِئْرٍ هناكَ عُرفت القرية بها، وهي مساڪن بني عمرِو بنِ عوفٍ من الأنصار -رضي الله عنهم-، وهي قرية علىٰ بعد ميلينِ(*) من المدينةِ.. وفيها مسجد التقوىٰ. ..
ـــــــــــــــــــ
ميلان أي ما يساوي = 3,218688 كيلومتر.
ـــــــــــــــــــ
.. فبعد أن هَبَطَ دَلِيلُهُمَا عَبْدُاللهِ بْنُ أَرْقَطَ بهما [( النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ -عليه السلام- ورفيقه في هجرته أبي بڪر -رضي الله عنه-)] بَطْنِ رِئْمٍ (*) .. ثمَّ جَاءَ حَتَّىٰ قَدِمَ الْمَدِينَةِ وبدء بـ قُباء من قِبل العالية(**).. عَلَىٰ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قِبَلَ الْقَائِلَةِ(***)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بطن رئم: رِئْمٌ بِلَفْظِ الرِّئْمِ مِنَ الظِّبَاءِ وَهِيَ الْخَالِصَةُ الْبَيَاضِ، وهو وَادٍ مِنْ رَوَافِدِ وَادِي النَّقِيعِ، يَأْتِي مِنَ الْغَرْبِ.. يَبْعُدُ مَصَبُّ رِئْمٍ عَنِ الْمَدِينَةِ قَرَابَةَ 60 كيلومترًا شَمَالًا. [انظر: البلادي: معجم المعالم الجغرافية ص145، وانظر: محمد بن محمد حسن شُرَّاب: المعالم الأثيرة: ( ص: 131 ) ].
(**) العالية: قرىٰ ظاهر المدينة ومنها قباء.. فـ يراد بالعالية ما ڪان فوق المدينة إلىٰ قباء وما بعدها.. ويراد بالسافلة ما ڪان في أسفل المدينة إلىٰ أحد؛ وقبر حمزة -رضي الله عنه-.
(***) القائلة: الظهيرة؛ يُقال: أَتانا عند القائِلة. والقائلة نِصفُ النهار..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذاً .. قَدِمَ [دَلِيلُهُمَا: عَبْدُاللهِ بْنُ أَرْقَطَ] بِهِمَا قُبَاءَ عَلَىٰ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لـ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَڪَادَتِ الشَّمْسُ تَعْتَدِلُ .. .
ــــــــــــــــــــــــــ
وقد اختلفت الروايات في المدة التي مڪثها الرسول - - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - في قباء..
و:
- المڪثرون يرونها أربعة وعشرين يومًا
و
- المقلون يرونها أربعة أيام، وهو الأولىٰ.. وهذا ما ذهب إليه :" أحمد أحمد غلوش؛ في :" السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني "
.وأذڪرُ ڪل ما قيل في زمن نزوله -عليه السلام- بقُباء :" وڪانت منازل بني عمرو بن عوف في قباء، وڪان ذلك:
[١.] يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، وقيل لـ
[٢.] هلال ربيع الأول، قال في "المواهب اللدنية" (1/ 306، 307) : قال موسىٰ بن عقبة عن ابن شهاب: ڪان قدومه -- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - لـ هلال ربيع الأول -أي أول يوم منه-
وقيل: لـ
[٣.] ليلتين خلتا منه، فـ في : رواية جرير بن حازم عن ابن إسحاق: " قدمها لـ ليلتين خلتا من ربيع الأول، ونحوه عن أبي معشر، لڪن قال ليلة الاثنين.
وقيل لـ
[٤.] ثامن يوم منه،
وقال ابن إسحاق لـ
[٥.] اثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول،
وعن ابن سعد: " قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.[ وذكره النجار]
وعند ابن سعد لـ
[٦.] ثلاث عشرة منه.. [ذڪره أبو شهبة] وفي "شرف المصطفىٰ" لأبي سعد النيسابوري من طريق أبي بڪر بن حزم: قدم لـ ثلاث عشرة من ربيع الأول.
وقيل: ڪان حين اشتد الضحاء يوم الاثنين لـ اثنتي عشرة ليلة منه، وبه جزم النووي وقال ابن الڪلبي: خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول، ودخل المدينة يوم الجمعة لـ ثنتي عشرة منه، وقيل لــ ليلتين.
وعند البيهقي: لـ ثنتين وعشرين.
وقال ابن حزم: خرجا من مڪة وقد بقي من صفر ثلاث ليالٍ.
ـــــــــــــــــــ
أقول(الرَّمَادِيُّ) :" يظهر بوضوح محاولة تقصي حقيقة زمن نزوله -عليه السلام- بـ قُباء؛ وهذا مجهود جيد؛ وقد ذڪرت ڪل ما قيل من باب الأمانة في النقل! ".
وقد :" أخرج البخاري في صحيحه ڪتاب [مناقب الأنصار : (ج ٦ / ٣٩٠)].. عن عروة بن الزبير مرسلًا من حديث طويل، وفيه :" فعدل بهم ذات اليمين حتىٰ نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول ".. وقال ابن حجر معقبًا: وهذا هو المعتمد ".
-*/*-
[(صاحب منزل رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بـ قُبَاء)] :
قال محمد بن إسحاق : فنزل رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فيما يذڪرون يعني حين نزل ".
فَــ
نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ :
[ ١. ] ڪُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثم أحد بنى عبيد ،
وَ
قِيلَ : نَزَلَ عَلَىٰ :
[ ٢ . ] سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ ، وَكَانَ عَزَبًا ، وَڪَانَ يُنْزِلُ عِنْدَهُ الْعُزَّابَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَڪَانَ يُقَالُ لِــ بَيْتِهِ « „ بَيْتُ الْعُزَّابِ ” » ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
.. ويقول من يذڪر أنه نزل علىٰ ڪُلثوم بن الهِدم : إنما ڪان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل ڪُلثوم بن الهِدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة ، وذلك أنه ڪان عزبا لا أهل له ، وڪان يقال لبيته « „ بيت العزاب ” » .. والله أعلم. ..
.. وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في بني عمرو بن عوف بِــ قُبَاءٍ :
[ ١. ] أربعة أيام : يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ أخرجه الله -عزّ وجلّ- من بين أظهرهم يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ قاصداً المدينة.
وَ
قِيلَ :
[ ٢. ] أَقَامَ عِنْدَهُمْ أَڪْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.. فـ بنو عمرو بن عوف -يزعمون- أنّه مڪث فيهم أڪثرَ من ذلك. والله أعلم....
[ ٣. ] وقال عبدالله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق قال : وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه عليه السلام أقام فيهم ثماني عشرة ليلة .
[ ٤. ] وقد روىٰ البخاري من طريق الزهري ، عن عروة ، أنه -عليه السلام- أقام فيهم بضع عشرة ليلة .
[ ٥. ] وحكىٰ موسىٰ بن عقبة عن مجمع بن يزيد بن حارثة أنه قال : أقام رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فينا ، يعني في بني عمرو بن عوف بقباء ، اثنتين وعشرين ليلة .
[ ٦. ] وقال الواقدى : ويقال أقام فيهم أربع عشرة ليلة .
[ ٧. ] والراجح -والله أعلم.:. حديث أنس إذ هو أقوىٰ سندًا وأصح من غيره؛ ذلك الحديث الذي أشار إليه الحافظ في تعيين مدة بقائه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فقد أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب مناقب الأنصار : (ح ٣٩٣٢)] وفيه: (لما قدم رسول الله - - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - المدينة نزل في علو المدينة، وفي حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة.. الحديث)..
قلتُ: فهذا نص صحيح صريح في تحديد تلك المدة.. وهذا هو الراجح - والله أعلم.- ..
وقد جمع الحافظ ابن حجر في الفتح بين ما في السيرة وما في الصحيح بأن المراد تتمة أربع عشرة ليلة بما فيها المدة التي استغرقها في السير من يوم أن خرج من الغار إلىٰ أن وصل إلىٰ قُباء. ..
وقد ذڪر النجار هذه الأقوال فڪتب يقول:" الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، علىٰ حد قول ابن إسحاق، ڪما نقله عنه ابن ڪثير في "البداية" ( 3/ 198 ) ثم قال: وعن محمد بن إسحاق قال: بنو عمرو بن عوف يزعمون أنه -- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - أقام فيهم ثماني عشرة ليلة. قال ابن ڪثير: وقد تقدم في البخاري عن عروة أنه أقام فيهم بضع عشرة ليلة. وعن موسىٰ بن عقبة عن مجمع بن يزيد بن حارثة أنه أقام في بني عمرو بن عوف بقباء اثنتين وعشرين ليلة. وقال الواقدي: يقال: أقام فيهم أربع عشرة ليلة. انتهى. قلت(الحديث للــ نجار؛ محمد الطيب؛ في:" القول المبين في سيرة سيد المرسلين"): في صحيح مسلم أنه أقام أربع عشرة ليلة. وڪذا في البخاري من حديث أنس..
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
( د. الْفَخْرُ؛ الْإِسْڪَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-) ﴿ نَزِيلُ ڤِيَّنَّا ﴾
حُرِّرَ في العام ١٤٤٥ الهلالي الْهِجْرِيَّ: الجمعة ١١ جمادى الأولىٰ ~ 24 نوفمبر من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-.
ـ
 |
139 تصحيح المفاهيم
مقدمة العهد المدني.. إنشاء الڪيان الإسلامي الجديد ..
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
جاء الإسلام.. بواسطة أمين السماء الملك جبريل وحياً من رب العزة -تبارك وتعالىٰ- فنزل به علىٰ قلب آخر الأنبياء ومتمم الرسل محمد بن عبدالله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جاءت الرسالة الخاتمة لتغير مجموعة العقائد السائدة في العالم آنذاك.. لتثبت مبادئ الإيمان عند البشر وتغير مجموعة القوانين المعمول بها بين الناس وفق أحكام عملية تطبيقية في كافة المعاملات والتي يحتاجها الإنسان :
- إما :
- مع نفسه كالأخلاق والمطعومات والملبوسات وإما :
- مع خالقه ورازقة وتشمل كل العقائد والإيمان والعبادات أو
- المعاملات مع غيره من بني الإنسان وتشمل العقود والحدود..
.. لذا فـ إسلام الرسول محمد - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هو طريقة معينة في العيش.. تغاير كل الطرق الآخرى والمعمول بها على سطح الأرض المعمورة.. والرسالة الخاتمة للنبي محمد خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هي نظام حياة خاص لا يشبه أي نظام وما ينبثق منه من دساتير وقوانين.. ولا يشبهه غيره من النظم.. ولا يقترب قيد أنملة من بقية المبادئ عند البشر أجمعين.. سواء الرأسمالية أو الإشتراڪية والشيوعية أو الديموقراطية أو نظام الحڪم من خلال برلمان ينتخبه الشعب؛ بمعنىٰ أن الشعب يملك حڪم نفسه بنفسه فـ يسن قوانين من خلال نوابه؛ أو سواء حڪم رئاسي جمهوري أو حڪم من خلال مستشار..
فـ :" الحكم الجمهوري تعود أصوله إلى الحكم اللاتيني أو اليوناني، ويقوم على مبدأ انبثاق السلطات من الشعب الذي ينتخب الحكام بشكل مباشر أو غير مباشر ويفوضهم بإدراة شؤون الدولة، على أن يعلو السلطات رئيس للجمهورية ينتخب أيضاً بالاقتراع المباشر أو غير المباشر.. ويرتكز الحكم الجمهوري على قاعدة أن الناس هم الأساس، فتنشأ الحكومات للمساعدة في تأمين حقوقهم. ويحق لأبناء الجمهورية المشاركة في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يعود الحكام إلى رأي شعوبهم عن طريق الانتخابات والتصويت والاستفتاءات في القضايا والشؤون المهمة، ولا يمكن بالتالي أن يستمر الحكام في مواقع السلطة إذا فقدوا الرضا الشعبي.. وتتعدد أشكال الحكم الجمهوري، فمنها النظام الرئاسي، حيث يتولىٰ رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ومنها النظام البرلماني، حيث يتولىٰ الرئيس مهام السلطة التنفيذية من خلال حكومة تكون مسؤولة أمام السلطة التشريعية ".. أو نظام دولة ملكية وراثية أو أميرية أو سلطنة.. وسواء حڪم حزب واحد بنظام شمولي أو ديڪتاتور فله مطلق التصرف في شوؤن إداره شعبه ڪما وأن نظام الحكم في الإسلام ليس حڪما ڪهنوتيا ومن يتمقعد على ڪرسي رأس سلم الدولة ليس نائباً عن الآله..
إذ تلك النظم وهاتيك المبادئ أرضية وضعية من بنات أفڪار واضعيها وانقداح تفڪيرهم ومن ذهنهم وتأليف ووضع البشر؛ بما يملڪون من قدرات عقلية محدودة وامڪانات فهمية يسيرة وتصوراتهم الذهنية عُرضة للصواب والخطأ..
وڪما ثبت سقوط الحزب الواحد الحاڪم.. والمثال الواضح :" ما حدث بين الحربين العالميتين الأولىٰ والثانية فقد شهد العالم صعود ثلاثة أنظمة شمولية اعتمدت نظام الحزب الواحد بقيادة ڪل من بينيتو موسوليني زعيم "الحزب الوطني الفاشي" في إيطاليا، وجوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي، وأدولف هتلر زعيم الحزب النازي في ألمانيا. هؤلاء الزعماء الثلاثة فرضوا أنظمة سياسية شمولية في بلدانهم منطلقين من أيديولوجيات سياسية صارمة أخضعت المواطنين للطاعة ووجهت شؤونهم وأفكارهم. " ..
وإجمالاً يمڪن تقسيم الدول القائمة حالياً علىٰ الأساس التالي :
- جمهورية(*) رئاسية : رئيس الدولة هو أيضًا رئيس الحكومة ومستقل عن السلطة التشريعية
- جمهورية شبه رئاسية : يتمتع رئيس الدولة ببعض السلطات التنفيذية وهو مستقل عن السلطة التشريعية؛ السلطة التنفيذية المتبقية مناطة بوزارة خاضعة لثقة البرلمان
- جمهورية برلمانية : يكون فيها رئيس الدولة شرفي؛ الوزارة خاضعة لثقة البرلمان
- ملكية دستورية : يكون فيها رئيس الدولة شرفي؛ والوزارة خاضعة لثقة البرلمان
- ملكية شبه دستورية: يمارس فيها العاهل السلطة بالتنسيق مع المؤسسات الأخرى
- ملكية مطلقة : كل السلطات مخولة للملك
- دولة الحزب الواحد : رئيس الدولة تنفيذي أو شرفي؛ والسلطة مرتبطة دستوريا بحزب سياسي واحد
- جمهورية شبه برلمانية : الرئيس هو رئيس الدولة والحكومة؛ الوزارة، بما في ذلك الرئيس، قد تكون خاضعة أو لا تخضع لثقة البرلمان
- الديكتاتوريات العسكرية : هي التي علقت فيها الأحكام الدستورية للحكومة ".
.. أما رسالة آخر المبتعثين وإسلام خاتم المرسلين وبعثة متمم الرسل ونظام حياة آخر الأنبياء ڪله من بدايته إلى منتهاه فهو وحي من خالق الڪون ومبدع الإنسان وصانعه وواجد الحياة ومسيرها..
-*/-
.. إسلام النبي الرسول محمد جاء لـ يغيير المفاهيم عند البشر فـ يضع بجوار الخط المعوج الخط المستقيم ڪي تستقيم الحياة.. فـ تظهر بلونها الطبيعي الأخضر الزاهي علىٰ الأرض والأزرق الفاتح المضئ في السماء..
وحادثة نادرة حدثت إثناء الهجرة الشريفة.. بل في لحظتها الآخيرة.. تحتاج لـ دراستها لـ نستفيد من سيرته العطرة.. إذ وهو حين اقترب من قُباء يقابل آحدهم..
وإليك القصة ڪما وردت عند أحمد في مسنده في المقصد العلي.. فلنقرأ معاً:
- حَدَّثَنَا عَبْداللَّهِ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، هُوَ الزُّبَيْرِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ فَائِدٍ مَوْلَى عَبَادِلَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، فَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلَى ابْنِ سَعْدٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ أَتَى ابْنُ سَعْدٍ وَسَعْدٌ الَّذِي دَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهعليه وسلم عَلَى طَرِيقِ رَكُوبِهِ، فَــ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ : „ أَخْبِرْنِي مَا حَدَّثَكَ أَبُوكَ؟ ” ؛
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : „ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُمْ وَمَعَهُ أَبُو بَڪْرٍ، وَڪَانَتْ لأَبِي بَڪْرٍ عِنْدَنَا بِنْتٌ مُسْتَرْضَعَةٌ، وَڪَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ الاخْتِصَارَ في الطَّرِيقِ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ ” ؛ فَــ
قَالَ لَهُ سَعْدٌ : „ هَذَا الْغَائِرُ مِنْ رَكُوبَةٍ وَبِهِ لِصَّانِ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُمَا: الْمُهَانَانِ، فَإِنْ شِئْتَ أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا ” ؛ فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« „ خُذْ بِنَا عَلَيْهِمَا ” » ؛
قَالَ سَعْدٌ : „ فَخَرَجْنَا حَتَّىٰ إِذَا أَشْرَفْنَا إِذَا أَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ :« هَذَا الْيَمَانِي » ..” ؛ فَــ
دَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإسْلاَمَ فَأَسْلَمَا، ثُمَّ سَأَلَهُمَا عَنْ أَسْمَائِهِمَا فَــ
قَالاَ : „ نَحْنُ الْمُهَانَانِ : ” ؛ فَــ
قَالَ :« „ بَلْ أَنْتُمَا الْمُكْرَمَانِ ” » ؛
وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَقْدَمَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ،
-*/-
فَــ
خَرَجْنَا حَتَّىٰ أَتَيْنَا ظَاهِرَ قُبَاءَ، فَتَلَقَّىٰ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَـ
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم :« „ أَيْنَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ؟ ” » ؛ فَــ
قَالَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ : „ إِنَّهُ أَصَابَ قَبْلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُهُ لَكَ؟ ” ؛
ثُمَّ
مَضَىٰ حَتَّىٰ إِذَا طَلَعَ عَلَىٰ النَّخْلِ فَإِذَا الشَّرْبُ مَمْلُوءٌ فَالْتَفَتَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَىٰ أَبِي بَڪْرٍ -رَضِي اللَّه عَنْه-، فَـ
قَالَ :« „ يَا أَبَا بَڪْرٍ هَذَا الْمَنْزِلُ رَأَيْتُنِي أَنْزِلُ عَلَىٰ حِيَاضٍ ڪَحِيَاضِ بَنِي مُدْلِجٍ ” » .
.. ومن هذا الحديث نفهم أن النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع إنشغاله بأحداث الهجرة.. وإنتقاله من موضع إلى آخر بخلاف المعتاد لمن يترك مكة ويسافر إلى يثرب.. وتتبع الخطوات التي سوف تحدث وسوف تقابله، ومع كل ذلك قام بدعوتهما [(أي اللِصَّينِ مِنْ أَسْلَمَ)] إلىٰ الإسلام.. فقبلا.. وأسلما.. ثم قام بتغيير اسم اللصين.
و لنا من باب تصحيح المفاهيم وتثبيت المقاييس وتوضيح القيم نثبت ما قاله الصادق المصدوق - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذ قال في نهاية حديثه -عليه السلام- كما ورد في مسند الإمام أحمد وعن حذيفة ثم تڪون :
« „ خِلَافَةٌ عَلَىٰ مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ” »..
وهذا نظام حڪم متمييز!
يراجع الحديث بتمامه علىٰ صفحة:
أوسترو عرب نيوز / السيرة النبوية الشريفة (aymanwahdan.at)
[(1/23)].
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
(*) يستخدم لفظ «جمهورية» في أسماء الكثير من الدول. والعديد منها يحدد نوع الجمهورية:
فـ كل من مصر وسوريا جمهورية عربية
غيانا هي جمهورية تعاونية
الصين وبنغلاديش هما جمهوريتان شعبيتان
كل كوريا الشمالية ولاوس «جمهورية شعبية ديمقراطية»
فيتنام هي جمهورية اشتراكية
الجزائر هي جمهورية ديمقراطية شعبية
سريلانكا هي جمهورية ديمقراطية اشتراكية
الهند هي جمهورية سيادية اشتراكية علمانية ديمقراطية وفقا للدستور.
باكستان، إيران، أفغانستان وموريتانيا جمهوريات إسلامية
جزر القمر هي جمهورية إسلامية فدرالية
كل من ألمانيا ونيجيريا جمهورية فدرالية
إثيوبيا هي جمهورية ديمقراطية فدرالية
تنزانيا هي جمهورية متحدة
تونس توغو هي جمهورية
فنزويلا هي جمهورية بوليفارية نسبة إلى المحرر سيمون بوليفار.
أوروغواي هي جمهورية شرقية. .
ـ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *.
(ِ السبت، 06 جمادى الأولى، 1445 ~ 15 نوفمبر2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-.~ 18/11/2023 01:18:29 ص
ـ
 |
138 بدء بناء الڪيان الإسلامي
١٣٨ وصول نبي الإسلام المدينة
وبدء بناء الڪيان الإسلامي الجديد في المدينة المنورة ..
- الدولة النبوية الرسولية
وفق
وحي الرسالة الإسلامية الخاتمة
[(عقائد وأحڪام شرعية)](*)-
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
مِن بعد إذنِ مُبدعِ الإنسان في أحسن تقويم وأتم بنيان.. الله - جلَّ في علاه وعزَّ في ملڪوته وعمَّ الڪون بهاه فـ تقدست اسماه فتبارك الرحيم الرحمان- ومن بعد إذن رازق ڪلَّ صنفٍ مِن مخلوقاته التي أوجدها مِن عدم بما ينفع فيصلح مصنوعاته التي لا تعد ولا تحصىٰ فأنشأها -جميعاً- مِن لا شئ ولا يحتاج إليها في شئ.. وابدع ڪل ما صُوَّر مِن نبات وڪائن وحيوان.. يدب علىٰ سطح الأرض بأربع أو إثنين أو في باطنها يزحف أو يغوص في البحر أو يسبح في النهر أو يطير بجناحيه في نواح الفضاء أو بين العَنَان.. ومن بعد إذن رافع السماء بغير ما نرىٰ مِن عمدان.. فــ دحىٰ الأرض وثبت بالجبال الشوامخ الڪبار والطود العظيم الأركانَ.. وأرسل أنبياءَه وبعث رسلَه هادين ومبشرين وموضحين ومنذرين لـ بني آدم والجان.. لـ يؤمن مَن أمن عن بينهٍ وحجةٍ وبرهان.. ويخالفهم ڪل جاهل ويعاند ڪل جبار فـ وصفه في الدنيا معروف ومصيره في الآخرة في النيران..
.. فقد .. أذِنَ الرحمن العليم البصير الخبير بإنتقال نبيّه وصفيّه محمد بن عبدالله صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن مڪان مبدءِ الدعوة المحمدية الخاتمة وهجرته مِن موضع منشأ الرسالة الإسلامية المتممة لبقية إرسالات السماء..
.. إذاً .. أذِن مَن أمره بين الڪاف والنون بــ هجرة رسوله الخاتم ونبيه المبعوث المتمم للرسل إلىٰ الأبيض والأحمر والأسود بــ هجرته من مڪةَ المڪرمة.. والانتقال مِن مجاورةِ الڪعبةِ المشرفة إلىٰ يثرب.. والتي ستسمىٰ بالمدينة المنورة.. مدينة النبي المصطفىٰ.. مدينة الرسول المجتبىٰ.. مدينة الحبيب المرتضىٰ.. مدينة الخليل المحتبىٰ لإقامة الڪيان الإسلامي الأول.. فـ ينتقل بمَن رافقه في مبدأ الدعوة ومعه من صحابته إلىٰ الأنصار.. الأوس والخزرج.. إما هاجروا قبله لــ تهيئة مناخ يثرب وأجواء يثرب وإعداد الوسط الإسلامي الجديد من المؤمنين والمؤمنات.. وإما لحقوه من بعده بإذنه..
فـ الهجرةُ.. إِذْنٌ.. مِن السميع البصير العليم الخبير.. فهي وحي آلهي سماوي.. وليس إجتهاد بشر.. أو إختيار إنسان..
وليس ڪما ادعىٰ جهلة المستشرقين ومن سار خلفهم بأنها هروب وخوف علىٰ حياة.. فلقد مڪث صاحب الفسطاط الأخضر ما يزيد عن عشر سنوات في مڪة بين مَن يڪرهون دعوته ويرفضون رسالته ويعاندون التوحيد ويناوؤن الربوبية لإله واحد أحد فرد صمد ليس له شبيه ولا مثيل ولا ند ولا وزير أو معين..لا ولد له ولا والد.. لذا فــ الهجرة المحمدية الرسولية وحي من عند الله -تعالىٰ-
بدايات العهد المدني
النصوص النبوية الصحيحة تدلُ علىٰ أن اختيار يثرب/المدينة مهاجراً لرسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪان -هذا الاختيار- بوحي إلهي وتڪليف سماوي وأمر رباني.. ڪما في الحديث :« „ رأيتُ في المنام أني أهاجر مِن مڪة إلىٰ أرض بها نخل، فذهب وهلي إلىٰ أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب ” » ؛ (1).
والحديث الذي قالـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيه:« „ إني أُريتُ دار هجرتڪم ذات نخل بين لابتين ” » ؛ (2).
و :« „ ڪأن النبي- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ -أُري دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم أُري الصفة المختصة بالمدينة فتعيَّنت ” » . (3).
لقد أرخ الزهري لهجرة المصطفىٰ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الزهري : „ مڪث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم وصفر ثم إن مشرڪي قريش اجتمعوا ” ؛ - يعني علىٰ قتله –
قال الحاڪم: „ تواترت الأخبار أن خروجه ڪان يوم الاثنين ودخوله المدينة ڪان يوم الاثنين ” ؛ (4) وقد أذن الله -تعالىٰ- لرسوله بالهجرة إلىٰ المدينة..
...فــ لم يبقَ في مڪة إلا القليل جدًّا من الصحابة.. منهم عائلة أبي بڪر الصديق، وعلي بن أبي طالب -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-، وڪان بقاؤهما بأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا بالإضافة إلىٰ المستضعفين من المسلمين(5)، الذين لم تڪن لهم القدرة علىٰ الهجرة مثل عبدالله بن عباس وأُمِّه -رضي الله عنهما- (6).
لذا فقد.. استطاع غالب الصحابة والصحابيات أن يصلوا إلىٰ يثرب/المدينة، وقد ڪان معظم الهجرة في شهري المحرَّم وصفر من السنة الرابعة عشر من النبوة؛ أي بعد بيعة العقبة الثانية بشهر واحد أو أقل..
واضحٌ أن هجرةَ الصحابةِ من مڪة إلىٰ المدينة لم يڪن أمرًا بسيطًا أو هيناً أو سهلاً؛ بل ڪانت الهجرة تعني البذل والعطاء والتعب والنصب؛ ولڪنها علىٰ العموم نجحت...
في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من النبوَّة، سـ تبدأُ مرحلة جديدة مهمَّة جدًّا في السيرة النبوية، وهي مرحلة بناء الڪيان الإسلامي الجديد.. الأول.. الدولة الإسلامية!.. بڪل مقومات الدولة المعروفة آنذاك؛ وأُسس بناء ڪيان جديد يخالف ڪل ما سبق أو تعارفت عليه الناس.. ومعارض لما هو موجود عند المشرڪين أو الڪفار أو عند أهل الڪتابين.. إذ أن هذا الڪيان الإسلامي الجديد يحمل افڪاراً قابلة للتطبيق تخالف ما هو موجود بالفعل؛ فتقنع العقل فتطمئن النفس وتهدأ الروح وتوافق فطرة الإنسان فيتقبلها القلب ويستريح إليه الفؤاد والتي جُبل عليها الإنسان في أصل خلقته الآدمية..
.. هذا الڪيان يقدم مجموعة من القيم الرائعة الجديدة؛ ويثبت مقاييس بديعة عن الحلال والحرام؛ ويضع قناعات راسخة في قلب المؤمن عن ما قبل الحياة بـ وجود خالق الأشياء والإنسان من عدم وعن الحياة؛ وهو ما يطلق عليه وجهة النظر عن/في الحياة وعما بعدها [الموت] من قيامة وحساب وجنة!
وهذا الڪيان الإسلامي الجديد يقدم مجموعة من العقائد وأسس الإيمان يجاورها مجموعة الأحڪام الشرعية العملية التطبيقية.. أو ما تسمىٰ بالشريعة..
و
ستبحث -مِن بعد إذنه سبحانه وتعالىٰ- هذه المسائل والقضايا في موضعها إثناء عرض ابحاث العهد المدني.. زمن الدولة الإسلامية التي أقامها آخر الأنبياء وأساسها متمم المبتعثين ووآرسىٰ قواعدها خاتم المرسلين!
...
وما ينبغي الإشارة إليه.. أن آخرَ دولةٍ ڪانت تُحَڪِّم نظامَ الإسلام -نظام حياة منبثقٌ من مبدأ.. داخلياً في شئون حياة افرادها وفي سياستها الخارجية ڪانت الدول العثمانية.. دار الخلافة العثمانية - مع ضعفها وهزالها في أواخر عمرها وتقصيرها في جوانب عدة.. مع خطأ تسميتها عند البعض بــ الإمبراطورية العثمانية - وبسقوطها وبعد زوالها.. سعت حرڪات أرتدت عباءة الإسلام دون وعي فقهي أو فهم للسيرة أو غياب وعي سياسي؛ وأحزاب سياسية مبدؤها الإسلام تسعىٰ إلىٰ إعادة استئناف الحياة الإسلامية من جديد..
بيد أنها -لحڪمة علوية- جميعها أخفقت[(حتى كتابة هذه السطور.. والأمر من قَبل ومن بعد لله)]..
أخفقت تلك الجماعات والأحزاب إما لغياب العمل الصحيح وفق السيرة المحمدية النبوية الرسولية.. وإما أنه -سبحانه- لم يأذن بعد!..
وقد أخبر الصادق المصدوق ڪما روىٰ الإمام أحمد في "مسنده" (30 / 355) عَنِ حُذَيْفَةُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« „ تَڪُونُ :
- „ ١ ” النُّبُوَّةُ فِيڪُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَڪُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَڪُونُ :
- „ ٢ ” خِلَافَةٌ عَلَىٰ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَڪُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَڪُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَڪُونُ :
- „ ٣ ” مُلْڪًا عَاضًّا، فَيَڪُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَڪُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَڪُونُ :
- „ ٤ ” مُلْڪًا جَبْرِيَّةً، فَتَڪُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَڪُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَڪُونُ :
- „ ٥ ” خِلَافَةٌ عَلَىٰ مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ” » ....
وهذا الحديث من دلائل نبوته ومعجزات رسالته... إخباراً بالغيب والذي وقع بالفعل...
أبدءُ بعد حمد الله والصلاة على رسول الله- والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات -
أبدءُ ابحاث العهد المدني.. فعليه سبحانه التوڪل ومنه تعالى العون.. فــ الله.. ارجو التيسير والإعانة والتوفيق..
وإنه الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
..
.. قَدِمَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةِ عَلَىٰ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قِبَلَ الْقَائِلَةِ (7).
ويوجد العديد من الشبهات آثارها جهلة حول دخول النبي محمد المدينة.. سابحثها من بعد مشيئته في نهاية البحوث في ملحق الشبهات!-
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
(*) اجتهاد مِن الڪاتب في تسمية عنوان هذا الفصل من أبحاث السيرة النبوية ڪوصف واقع حال الڪيان/الدولة التي أنشأها نبي الإسلام -عليه السلام- في مدينته المنورة؛ ولا مشاحة في استخدام مصطلحات/ألفاظ جديدة تُخبر عن ما قُصد مِن معنىٰ!
(*) المصادر والمراجع .. مَن يرغب في معرفتها فالرجاء السؤال عن طريق إدارة موقع «آستروعرب نيوز» .
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “
* سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
الإصدار الأول مِن منشورات «آستروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
[٥ ١ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
مُقَدَّمَاتٌ دخول النبي إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
العام : ١.هـ ~ 622 م
﴿ ١٣٩ ﴾ : « „ بدء بناء الڪيان الإسلامي ” »
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
حُرِّرَ في العام الهلالي الْهِجْرِيَّ : ١٤٤٥؛ يوم السبت، 21 ربيع الثاني، 1445~ الموافق 03 نوفمبرالسبت، 04 تشرين الثاني، 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول المسيح -عليهما السلام
ـ
|
١٣٧ دُخُولُ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ..
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
تَصْدِيرِ :
.. بعظيمِ فضلٍ مِن الله -تعالىٰ- وڪبيرِ ڪرم وتمام توفيق -وهذا ما أرجوه- ابدءُ [(مُحَمَّدٌ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ)] في تسطير المجلد الخامس عشر مِن السيرة المحمدية النبوية العطرة علىٰ صاحبها - أَزْكَىٰ صَلَوَاتِ اللَّهُ تعالىٰ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وصحبه؛ ومَن التزم هَديّه؛ وسارَ علىٰ طريقَتِه؛ واسترشد بسنَتِه؛ ووافق جُلَّ عمله صحيح سيرته -.. ابدءُ في ڪتابة بدايات المجلد الخامس عشر المتعلق بدخول النبي الڪريم مدينته المنورة.. والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ[(*)]..
ر
.. « مدخل » :
إنتقالُ النبي المصطفىٰ.. ورحلةُ الرسول المجتبىٰ.. وهجرةُ الحبيب الخليل المرتضىٰ.. وسَفرةُ خاتم الأنبياء المحتبىٰ.. آخر المرسلين ومتمم المبتعثين: رسول مِن رب العالمين لڪافة العالمين : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}.. حتىٰ قيام الساعة فــ إنتشار مَن في القبور وخروج مَن سڪنوا لـ حين الأجداث.. النبي الرسول الثابت وصفه في ڪتب أهل الأديان.. وخاصةً أهل الڪتابين المتقدمين والمعتبرين -العهد العتيق [(التوراة)] والعهد الجديد [(الإنجيل)]-.. والمعلوم نعته بشخصه والمعروف وصفه علىٰ لسان الرسول المعجزة في خلقه والذي ابتدعه في تڪوينه خالقه في رحم عذراء دون مثال سابق يحتذىٰ به.. لا في السابقين ولا في المتقدمين.. والمذڪور في العهد الحديث -القرآن المجيد- و: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللّهِ ڪَمَثَلِ آدَمَ.. خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ ڪُن فَيَڪُون}.. فــ عيسىٰ صُوَّر في رحم أمه العذراء مِن دون نطفة ذڪر أو جِماع رجل أو لذة نڪاح: السيد المبجل المسيح ابن العذراء البتول مريم.. عيسىٰ بنص قوله -عليه السلام- القاطع الثبوت أنه وحي مِن عند الله -تعالىٰ- والقطعي الدلالة وذي المعنىٰ الواحد والمفهوم الذي لا يتعدد حين يقول -عليه السلام- مخاطباً قومه -أهل الڪتاب-: {... وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.. }[(**)] ..
فــ سَفرةُ الرسول وإنتقال النبي وهجرة المصطفىٰ ورحلة المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ مِن مسقط رأسه الشريف [(بالقرب مِن الڪعبة المشرفة)].. ومرتع طفولته البريئة [(ديار بني سعد)].. ومرعىٰ صباه الميمون وتنشأة شبابه العفيف في مڪةَ المڪرمة.. وفي ربوع بڪة أم القرىٰ المعظمة.. هجرتُهُ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - هذه.. حدثت بإذنٍ مِن مَن رفع السموات بغير عمدٍ نراها.. مِن بعد إذنهِ هو -سبحانه- الذي رزق الحيتان في عميق البحار.. وأطعم الأسماك إثناء مجرىٰ الأنهار.. والطير في عنان السماء وبين رؤوس وأغصان الأشجار.. ورزق بقية المخلوقات وباقي الموجودات إما في جوف الأرض أو مِن فوق سطح الغبراء.. هجرةُ نبي الإسلام.. خاتم الرسالات.. وإنتقاله مِن مبتدأ نزول الرسالة التبشيرية بالجنة وسَفره مِن مڪان منطلق الدعوة التوحيدية لـ تصحيح مفهوم الآلوهية عند البشر وتحقيق قيم الربوبية للخالق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يڪن له ڪفواً أحد.. هذه الهجرة الشريفة المنيفة لصاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر لم تڪن [(هروباً)] مِن قَدرٍ لــ يفرَ إلىٰ قدرٍ آخر.. ڪما ادعىٰ مستشرقة الغرب وأذيالهم من العرب ومَن اضطبع بأفڪارهم.. ولم تڪن رحلة بمعنىٰ الترحال في نزهة ترفيهية مِن مڪان والحِلّ متنزهاً متمتعا في آخر.. أو بمعنىٰ الاغتراب والسفر مِن بقعة موحشة مقفرة إلىٰ آخرىٰ يانعة زاهرة.. أو الإنتقال مِن بين قومٍ -عبدة أصنام؛ يتمسحون بالأوثان ولديهم ما يتمسڪون به مِن بقايا آثار ملة إبراهيم وما لصق في الأذهان مِن دين الخليل- فــ لم تڪن الهجرة المحمدية مع رفيقه إنتقالا إلىٰ أقوام آخرين -الأوس والخزرج وما يعبدون.. ويهود يثرب وما هم به عليه يؤمنون وعلىٰ انتظار مجئ نبي آخر الزمان -المخلص- ينتظرون؛ وبعض عبدة الأوثان.. وبينهم ثلة أمنتْ بنبوة الخاتم للرسل: محمد وقلة ارادت حماية رسالته-.. بل الهجرة الشريفة وإنتقال رسالة الإسلام المنيفة.. وسفرة رسول الإسلام هي هجرة لڪل ما ڪان عليه بني آدم وابتعاد في ذاك الزمان من وثنية موروثة وعبادة أصنام وأوثان بمسحة رومانية أغريقية هندية فارسية والتمسك بالأزلام ڪما ڪان عند العرب في جاهليتهم.. الهجرة الشريفة هي إنتقالٌ بإستنارة عقائدية سليمة ووعي إيماني صحيح إلىٰ ما ارتضاه خالق الإنسان.. وأمر به ويحبه منظم الزمان ومسير الأڪوان مِن دين صحيح يشمل صحة عبادات.. وليست خزعبلات أو ترهات وتنفيذ أحڪام عملية تطبيقية بما يحبه خالق الإنسان ويرتضيه إلىٰ أن تقوم الساعة وتڪون قيامة الإنسان للمرور إلىٰ جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين أو إلىٰ نار حُضِرت للمعاندين وجحيم أعدت للمخالفين.. أحڪام شرعية عملية تطبيقية وليس ما يرغب فيه الإنسان ويوافق هواه..
إذاً .. الهجرة الشريفة المنيفة لــ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب خاتم المرسلين وآخر المبتعثين ومتمم رسل رب العالمين.. رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- برفقه صاحبه الصديق ووزيره الأول وخليفته مِن بعد إنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ.. وهجرة مَن تبعه مِن مسلمين ومؤمنين -رضي الله تعالىٰ عنهم أجمعين- مِن مڪة إلىٰ يثرب -مدينته المنورة-.. هي [(الهجرة المحمديةالنبوية الرسولية وصحابته)] هي بداية التطبيق العملي لأفڪار الإسلام النظرية؛ والتي طرحها رسول الإسلام علىٰ قريش ومَن تبعها وسار في فلڪها في مڪة وتمسك بها.. فالهجرة هي بداية التطبيق العملي لقيم علوية رفيعة ومقاييس آلهية رائعة وقناعات ربانية سامية.. جاءت جميعاً وحياً من عند خالق الإنسان ومنشأ الڪون ومسير الحياة..
بيد أن الإشڪال -في موطن النبي محمد- أن رُفضت فڪرة دعوته ابتداءاً.. ورفضت مجموعة القيم الإسلامية -وإن لم تڪتمل بعد- شڪلاً ورفضت المقاييس والقناعات موضوعاً.. فقال ڪفار قريش وصناديدها ومن معهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب}[(***)].. وهم -قريش ومَن والاهم من القبائل- قد فهموا بصحيح إعمال ذهنهم فيما عرضه عليهم آخر الأنبياء.. بأن فڪرة توحيد الآلهة أي آله واحد سيڪون له وحده -فقط- السمع والطاعة.. وعليهم التنفيذ والتطبيق والإلتزام.. وهذا يخالف ما اعتادوا عليه مِن فوضىٰ إشباع شهواتهم ڪيفما أرادوا مع تفريغ مڪنون نفوسهم في رغباتهم بما لذ لهم وطاب وإنطلاق حر غير مقيد بقيد أو شرط في افعالهم وتصرفاتهم؛ إلا قليلاً مِن أخلاق العرب -بقيت- وشهامة الرجال ونخوة الڪبار العظماء -ورثت-.. فهذا أول الإشڪال..
وأما الإشكال الأصعب من الأول.. فإنهم إن أمنوا بمحمد ورسالته غاب عنهم أمر هام -قد استحوذوا عليه بالڪلية- وهو المُلك وسلطانهم وسيطرتهم علىٰ منافذ ومداخل مڪة في موسم الحج الجاهلي ونفوذهم علىٰ البيت العتيق -الڪعبة- وضياع أموالهم حين ينفق الغني علىٰ الفقير والمحتاج وبوار تجارتهم وتحڪمهم في بيت الله العتيق.. هذا.. وبالعودة لبداية السيرة المحمدية في مڪة.. ڪي نستوضح ما جرىٰ في بيت عم الرسول الحامي له أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب..
إذ :".. أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَ دِينَكَ عَامًا، وَتَرْجِعَ إِلَىٰ دِينِنَا عَامًا.."..
حل وعرض وسط بين ڪفر وبين إيمان.. فهذا قول؛
وهناك قول ثان يوضح عرض وفڪرة مشرڪي قريش.. فقد جاء ڪل مِن : ".. عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ [فــ]ــلَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا يَا مُحَمَّدُ: لَا نَدَعُكَ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ دِينَنَا، وَنَتَّبِعَ دِينَكَ، فَإِنْ ڪَانَ أَمْرُنَا رُشْدًا ڪُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ، وَإِنْ ڪَانَ أَمْرُكَ رُشْدًا ڪُنَّا قَدْ أَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ .. "..
وهذا يعني : " أَنَّ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ .. مِنْهُمُ .. الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ لَقُوا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ: لَوْ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ أَسْلَمَ بَعْضَ آلِهَتِنَا لَصَدَّقْنَاهُ بِمَا يَقُولُ وَلَآمَنَّا بِإِلَهِهِ ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَأَخْبَرَهُ ".. وجاءت رواية أوضح تقول :" قَالَ : ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا مَوْلَى الْبَخْتَرِيُّ قَالَ : لَقِيَ :
- الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَ
- الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ ، وَ
- الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، وَ
- أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدْ مَا نَعْبُدُ، وَنُشْرِكُكَ فِي أَمْرِنَا كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا، كُنَّا قَدْ شَرِكْنَاكَ فِيهِ، وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيَّرَا مِمَّا فِي يَدِيكَ، كُنْتَ قَدْ شَرِكْتَنَا فِي أَمْرِنَا، وَأَخَذْتَ مِنْهُ بِحَظِّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) حَتَّىٰ انْقَضَتِ السُّورَةُ .
.. ثم جاء عرض آخر
فــ :" عَنْ عِڪْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا وَعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ [(1)]: يُعْطُوهُ مَالًا فَيَڪُونُ أَغْنَىٰ رَجُلٍ بِمَڪَّةَ، وَ[(2)]: يُزَوِّجُوهُ مَا أَرَادَ مِنَ النِّسَاءِ، وَ[(3)]: يَطَئُوا عَقِبَهُ، فَــ
قَالُوا لَهُ : هَذَا لَكَ عِنْدَنَا يَا مُحَمَّدَ، وَڪَفِّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، فَلَا تَذْڪُرْهَا بِسُوءٍ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَإِنَّا نَعْرِضُ عَلَيْكَ خَصْلَةً وَاحِدَةً، فَهِيَ لَكَ وَلَنَا فِيهَا صَلَاحٌ.
قَالَ : " مَا هِيَ ؟ "
قَالُوا : [(4)]: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً : اللَّاتُ وَالْعُزَّىٰ ، وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ،
قَالَ : " حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأْتِي مِنْ عِنْدِ رَبِّي "
فَجَاءَ الْوَحْيُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) السُّورَةُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ) . . . إِلَى قَوْلِهِ : ( فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) . " .
إذاً..
نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَافِرُونَ قاطعة جازمة حاسمة بأن ليس هناك مساومة أو مهادنة أو وسطية حل أو شراء ذمة أو عَرَض من الدنيا في قضية الإيمان والعقيدة.. فإما ڪفر وإما إيمان..
ولعل أدق ما يوصف به حال المشرڪين من قريش ومَن حولها ومعها ما ذڪره :" ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:" لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَل.. وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ.. فَبَعَثَ إِلَيْهِ.. فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال : فخشي أبو جهل -لعنه الله- إِنْ جَلَسَ إِلَىٰ جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ.. فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ.. وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك و-يزعمون- أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟ ، قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ..
وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: « „ يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَىٰ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ ” » .
ففزعوا لكلمته ولقوله ..
فقال القوم كَلِمَةً وَاحِدَةً: „ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا ” .. فَــ
قَالُوا: „ وَمَا هِيَ؟ ” وَ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: „ وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟ ”
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « „ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ” »
فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: „ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ” قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله: { بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ”} .
أقول (الرَّمَادِيُ) بناءً علىٰ هذا الحديث :" قال ابن ڪثير في تفسيره عقب سياقه ما عبارته: وَهَڪَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ڪِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَّادٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا ڪُلُّهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْڪُوفِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عنهما- فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. انتهى. وقد رواه الحاڪم أيضا وصححه وأقره الذهبي؛ بيد أن الألباني ضعف الحديث في ضعيف الترمذي والسلسلة الضعيفة. والله أعلم وأحكم! ".
وهنا يظهر بوضوح مدىٰ فهم واستيعاب مشرڪو قريش لڪلمة التوحيد.. ڪلمة الإيمان.. ڪلمة الشهادة بشقيها .. فهي ليست مجرد لفظة تطلق أو ڪلمة تقال بل قيمة ومقياس وقناعة تبنىٰ عليها عقيدة ويؤسس عليها إيمان.. مرتبط بالسلوك والأعمال والتصرفات.. وهذا يستلزم تنفيذ ما يؤمر به هذا الآله الواحد الأحد..
ولعل هذا ما غاب عند الڪثيرين من ابناء المسلمين اليوم! .
لذا أدرك الأنصار بوضح تام ما اراده رسول الإسلام منهم بعد :" ما استعصت مڪّة علىٰ الدعوة الإسلامية وغدت أرضا جدباء طلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- النصرة خارجها والمعونة من غيرهم.. فولّىٰ وجهه الڪريم تلقاء مدينة الطائف لڪنّ ثقيفاً أساءت استقباله وأخرجته إخراجا سيئا قبيحا، فاختار له ربّه عزّ وجلّ - بعد سنوات قليلة- مڪانا ملائما يحتضن الرسالة ونبيّها والمؤمنين بها، هو [(يثرب)]، فــ ڪانت الهجرة إليها. ".. بعد أن قال لهم:" الدم الدم .. الهدم الهدم"..
وأصل القصة ڪما جاءت في لسان العرب : ".. وَقَالُوا : دَمُنَا دَمُكُمْ، وَهَدَمُنَا هَدَمُكُمْ، أَيْ نَحْنُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي النُّصْرَةِ تَغْضَبُونَ لَنَا وَنَغْضَبُ لَكُمْ.
قال كعبٌ إثناء أحداث العقبة موجها حديثه للنبي : .. تڪَلَّم يا رسولَ اللهِ، فخُذ لنَفسِكَ وربِّكَ ما أحبَبتَ، فــ
تڪلَّمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ-، فتلَا القُرآنَ، ودعا إلىٰ اللهِ، ورغَّبَ في الإسلامِ،
ثُمَّ
قالَ: « „ أبايعُكُم علَىٰ أَن تمنَعوني مِمَّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءكُمْ ” » .
قال كعبٌ : فأخذَ البراءُ بنُ مَعرورٍ بيدِهِ و
قالَ: „ نعَم ” ،
فــ :
„ والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنمنعنَّكَ ممَّا نمنَعُ أزُرَنا ” ،
فــ :
„ بايِعنا يا رسولَ اللهِ ، فنحنُ - واللهِ - أبناءُ الحروبِ ، ورِثناها كابرًا عن كابرٍ ” ،
فــ
اعتَرضَ هذا القولَ - والبراءُ يكلِّمُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ - أَبَو الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ فقالَ :
„ يا رسولَ اللهِ ، إن بَيننا وبينَ [(الْقَوْمِ)] الرِّجالِ - يعني اليهودَ - حبالًا وإنَّا [(وَنَحْنُ)] قَاطِعُوهَا، فهل عَسيتَ إن فَعلنا ذلكَ ثمَّ أظهرَكَ اللهُ [(فَنَخْشَىٰ إِنِ اللَّهُ أَعَزَّكَ وَأَظْهَرَكَ)] أن ترجِعَ إلى قومِكَ وتدَعَنا »
قالَ : فــ
تبسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ،
ثم
قال : « „ بلِ الدَّمَ الدَّمَ والهدمَ الهدمَ ” » ،
« „ أنا منكُم وأنتُم مِنِّي ” » ،
« „ أحارِبُ مَن حاربتُم وأسالِمُ مَن سالمتُم ” » . . .
يُرْوَى بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، فَالْهَدَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْقَبْرُ، يَعْنِي أُقْبَرُ حَيْثُ تُقْبَرُونَ، وَ
قِيلَ: هُوَ الْمَنْزِلُ أَيْ مَنْزِلُكُمْ مَنْزِلِي، ڪَــ
حَدِيثِهِ الْآخَرِ: « „ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ ” » ، أَيْ لَا أُفَارِقُكُمْ.
وَالْهَدْمُ ، بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا: هُوَ إِهْدَارُ دَمِ الْقَتِيلِ؛ يُقَالُ: دِمَاؤُهُمْ بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَيْ مُهْدَرَةٌ، وَالْمَعْنَىٰ إِنْ طُلِبَ دَمُكُمْ فَقَدْ طُلِبَ دَمِي، وَإِنْ أُهْدِرَ دَمُكُمْ فَقَدْ أُهْدِرَ دَمِي لِاسْتِحْكَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَنَا، وَهُوَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ، وَ
الْعَرَبُ تَقُولُ: دَمِي دَمُكَ وَهَدَمِي هَدَمُكَ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُعَاهَدَةِ وَالنُّصْرَةِ. وَ
رَوَى الْأَزْهَرِيُّ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : الْعَرَبُ تَقُولُ دَمِي دَمُكَ وَهَدَمِي هَدَمُكَ، هَكَذَا رَوَاهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَهَذَا فِي النُّصْرَةِ، وَالظُّلْمِ تَقُولُ: إِنْ ظُلِمْتَ فَقَدْ ظُلِمْتُ؛ قَالَ : وَأَنْشَدَنِي الْعُقَيْلِيُّ:
دَمًا طَيِّبًا حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ دَمِ !
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: هُوَ الْهَدَمُ الْهَدَمُ.. وَاللَّدَمُ اللَّدَمُ، أَيْ حُرْمَتِي مَعَ حُرْمَتِكُمْ ، وَبَيْتِي مَعَ بَيْتِكُمْ؛ وَأَنْشَدَ :
ثُمَّ الْحَقِي بِهَدَمِي وَلَدَمِي
أَيْ بِأَصْلِي وَمَوْضِعِي . "...
" وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّىٰ الْقَبْرُ هَدَمًا لِأَنَّهُ يُحْفَرُ تُرَابُهُ ثُمَّ يُرَدُّ تُرَابُهُ فِيهِ، فَهُوَ هَدَمٌ، فَڪَأَنَّهُ قَالَ: مَقْبَرِي مَقْبَرُڪُمْ، أَيْ لَا أَزَالُ مَعَڪُمْ حَتَّىٰ أَمُوتَ عِنْدَڪُمْ.
أقول (الرَّمَادِيُ): وهذا ما حدث بالفعل.. فالقبر الشريف بجوار الروضة في مدينته المنورة!
وَرَوَى الْأَزْهَرِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحِلْفِ: دَمِي دَمُكَ إِنْ قَتَلَنِي إِنْسَانٌ طَلَبْتَ بِدَمِي ڪَمَا تَطْلُبُ بِدَمِ وَلِيِّكَ، أَيِ ابْنِ عَمِّكَ وَأَخِيكَ، وَهَدَمِي هَدَمُكَ أَيْ مَنْ هَدَمَ لِي عِزًّا وَشَرَفًا فَقَدْ هَدَمَهُ مِنْكَ. وَڪُلُّ مَنْ قَتَلَ وَلِيِّي، فَقَدْ قَتَلَ وَلِيَّكَ، وَمَنْ أَرَادَ هَدْمَكَ فَقَدْ قَصَدَنِي بِذَلِكَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَمَنْ رَوَاهُ الدَّمُ الدَّمُ وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ، فَهُوَ عَلَىٰ قَوْلِ الْحَلِيفُ تَطْلُبُ بِدَمِي وَأَنَا أَطْلُبُ بِدَمِكَ. وَمَا هَدَمْتَ مِنَ الدِّمَاءِ هَدَمْتُ أَيْ مَا عَفَوْتَ عَنْهُ وَأَهْدَرْتَهُ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ وَتَرَڪْتُهُ. وَيُقَالُ : إِنَّهُمْ إِذَا احْتَلَفُوا[(حلف وعهد)] قَالُوا: هَدَمِي هَدَمُكَ، وَدَمِي دَمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ مَا ڪَانُوا يَشْتَرِطُونَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي الْحِلْفِ ".
.. فهنا وفاء بــ : بالعُهودِ والمَواثيقِ التي أخَذَها النبي عليهم: أي الأنصار، "ومانِعوه مِمَّن خالَفَه" بحِمايَتِه مِنَ المُشرِڪينَ... وهي مسألة طلب النصرة وطلب المنعة ممن بيده القوة..
وهذا أيضا قد غاب عن الحرڪة الإسلامية طوال زمنها في عملها منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924م إلا مَن رحم ربي.. ونوَّر بصره بالسيرة المحمدية وحرَّر فڪره بالهدي النبوي!
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــ
.. اعتذر بين يدي القار(ئــ )(ــة) لهذه الإطالة في التوضيح لهذه الجزئية من البحث.. إذ أن إنتقال الدعوة الإسلامية مِن مڪة وما جاورها.. وما جرىٰ وأحداث ما قبل الهجرة إلىٰ المدينة المنورة.. وبدايتها وأحداث وتصرفات ما جرىٰ فيها؛ والاستعانة بمشرك ڪدليل والحيطة.. ڪل أحداث الهجرة المحمدية وقُبيل دخوله المدينة المنورة.. ڪلها أحڪام شرعية عملية تطبيقية غابت عن ڪافة جماعات وأحزاب الحركة الإسلامية أو -الدقة في التعبير- غابت عند البعض ممن يعملون لإقامة الڪيان الإسلامي التطبيقي.. والحال -منذ ما يقترب من 90 عاماً- مبسوط علىٰ سطح الڪف لمَن يريد التدقيق والتحقيق ومراجعة ودراسة تلك الإخفاقات المتتالية في ڪل من الأردن والعراق وسوريا وتونس وليبيا وأخيراً في مِصر؛ ولعل مثل هذه الدراسة أرحلها إلىٰ ملحق قادم بإذنه تعالىٰ...
لذا لزم التوضيح والبيان!
وقفتُ.. في نهاية المجلد السابق؛ الرابع عشر عند: " .. إسلامِ أَبِي عَبْدِاللَّهِ بُرَيْدَةَ بْنُ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ -رضي الله عنه - " : .. قَالَ بُرَيْدَةُ: أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
.فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةَ وَأَسْلَمَ َمَنْ كَانَ مَعَهُ جَمِيعًا .
قَالَ بُرَيْدَةُ :الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا وَمَعَكَ لِوَاءٌ» . فَحَلَّ عِمَامَتَهُ.. ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ ثُمَّ مَشَىٰ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّىٰ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ .... "
:" أوس بن عبدالله بن بريدة:
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ بُرَيْدَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيَّ،
قَالَ: إِنَّ نَاقَتِي مَأْمُورَةٌ.
فَسَارَ حَتَّىٰ وَقَفَتْ عَلَىٰ بَابِ أَبِي أَيُّوبَ فَبَرَكَتْ[(1)] ".
ر
[(1)] إسناده ضعيف جدًّا: أوس متروك، وانظر "الميزان" "1046".
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــ
". ينبغي أن أتحدث عن ڪيفية دخول نبي الإسلام -عليه السلام- مدينته.. مدينة السلام.. وهذا في فصلٍ قادم إن شاء الله تعالىٰ.. خالق ورازق الأنام!
ر
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
رـ
[(*)] عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه الأمر يسره قال: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ » .. وإذا أتاه الأمر يكرهه، قال: « الحمد لله على كل حال »
[حديث حسن؛ رواه ابن ماجه].
[(**)] تمام الآية الكريمة من سورة الصف: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين} [الصف:6].
[(***)] الآيات : {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب}[ص:4] {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب}[ص:5] {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد}[ص:6] {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق}[ص:7] {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب}[ص:8].
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحڪماء في تأويل وتفسير آيات الذڪر الحڪيم المنزل مِن السماء وشرح أحاديث صاحب الوجه الأنور وسيرة النبي ذي الجبين الأزهر ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
ر
[٥ ١ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
* سلسلة بحوث في „ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ‟ الشريفة العطرة؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ « يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
العام : ١ . هـ ~ 622 م
﴿ ١٣٧ ﴾ : « „ مُقَدَّمَاتٌ لـ دخول النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ « يثرب الْمَدِينَةِ المصطفوية» النَّبَوِيَّةِ” »
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-
حُرِّرَ في السنة الْهِجْرِيَّةِ ١٤٤٥؛ يوم الأحد ٢٤ ربيع أول ~ الموافق : 09 أڪتوبر 2023 مِن الميلاد العجيب المعجز للسيد عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول المسيح -عليهما السلام-.
ـ
 |
١٣٦ طَرِيقُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجْرَتِهِ
هذا البحث بــ مثابة قنطرة[*] تربط بين نهايات أحداث المجلد الرابع عشر.. وبذلك ينتهي ما جرىٰ في المرحلة/العهد المڪي مِن سيرته العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وتوصل بين بدايات أحداث المجلد الخامس عشر... وبه تبدء أحداث العهد المدني! ...
ـــــــــــــــــــــ
[*] قَنْطَرَةُ العُبُورِ: جِسْرٌ.. لغةً: بِنَاءٌ مُتَقَوِّسٌ مبنيٌّ فوق النهر.. أو فَوْقَ مَجْرَى الْمَاءِ لِيعبر عليه!..، أو ما ارْتَفَعَ مِن البُنْيانِ.. ولعل هذا ما أميلُ إليه أي ما ارتفع مِن البنيان!
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
... ومن حُسنِ الطَالع.. ومَحاسن المَطَالع.. ومن تمام توفيق صحة الڪتابة ودقتها.. وزخرفة الوثائق مع تذويق أوراق وصحائف المطابع.. أن يوافق ڪتابة هذه السطور الأخيرة من أحداث العهد المڪي -ولله الحمد والشڪر مِن قبل ومِن بعد- وعند تسطير هذه الڪلمات لترسل للنشر... يڪون حسن الطالع لمَن يريد لهذا البحث أن يڪون مطالع... أن يوافق يوم الإثنين.. حين حُرِّرَ هذا الڪتاب في السنة الْهِجْرِيَّةِ ١٤٤٥؛ الموافق١٠ ربيع الأول [(شهر المولد النبوي علىٰ الأرجح)] ~ الــ ٢٥ مِن أيلول/سبتمبر ٢٠٢٣ مِن الميلاد العجيب المعجز للسيد « „ المسيح عيسىٰ ” » ابن « „ مريم ” » العذراء البتول -عليهما السلام-... وهذا دون قصد مني أو تعمد!..
فــ الحمد لله -تعالىٰ.. عزَّ وجلَّ- الذي بنعمته تتم الصالحات!.. فاسجد له وحده شاكراً ساجداً وأرڪع له مڪبراً حامداً..
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
... المحطة الآخيرة مِن الهجرةِ المباركة.. والرحلة الشريفة.. والنقلة المنيفة.. والتي-الهجرة- هي أمرٌ مِنَ اللهِ.. ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. وقدومه قباء!
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
... طَرِيقُهُ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - فِي هِجْرَتِهِ إلَىٰ -يثرب- الْمَدِينَةِ النبوية...
12 ربيع الأول 1 هـ ~27 سبتمبر/أيلول 622 م
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
بدايات العهد المدني
تَمْهِيدٌ.:"
بفضله -سبحان المعز المذل.. المڪرم المنعم.. الواهب العاطي القادر والقدير والمقتدر- الذي -فضله- لا ينقطع؛ وبڪرمه الدائم المستمر النازل علىٰ عباده -مؤمنيهم وڪافرهم- فهو صاحب الجود والفضل والڪرم.. فــ بــ فضله وڪرمه وجوده وعطاءه تمڪنتُ- بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ- مِن الإنتهاء مِن تسطير الجزء الأول مِن سيرة النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والهادي لأوضح السبل المحتبىٰ خاتم الأنبياء وآخر الرسل المرتضىٰ.. إذ تمڪنتُ مِن ڪتابة مقدمة عن السيرة النبوية فــ أحداث ما قبل العهد المڪي.. فالحديث عن ما جرىٰ وتم في هذه المرحلة الدقيقة الأولىٰ المرهقة لصاحب الرسالة ومَن تبعه من المؤمنين والمسلمين.. العهد الأول المڪي مِن رسالة الإسلام الخاتمة لرسالات السماء.. والمتممة لبعثات رب الأرض والسماء.. الجزء الأول مِن سيرته العطرة.. فإن وفقتُ فــ بــ رضاه وتوفيقه ورعايته والحمد لله أولاً وآخراً.. وإن ڪانت الآخرىٰ.. فــ هذا -أي ما نشر- مبلغ علمي مع الاعتراف بـ التقصير في فهمي؛ لذلك.. فالرجاء مِن الراسخين مِن أهل العلم وأصحاب القلم الرفيع إن وجدوا خطأً أصلحوه وصححوا ما ڪتبته بالحسنىٰ ليستفيد أولاً ڪاتب هذه السطور.. فــ القارئـ(ـة) الڪريمـ(ـة)..
وهذا هو الإخراج الأول لي..
والإصدار الأول لموقع آستروعرب نيوز؛
وسوف يتبقىٰ ملحق أو عدة ملاحق تُتَمِم هذا الإصدار بعد المراجعة.. وتمڪني مِن الحصول علىٰ مراجع جديدة صحيحة دقيقة ومباحث حديثة سليمة..
والحمد لله رب العالمين..
.. وها أنا أبدءُ في التحضير للعهد المدني.. وتسطير أحداثه.. فمنه -عزَّ وجلَّ- التوفيق والهداية !
-*/*-
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عِڪْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : « „ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِأَرْبَعِينَ : [ ( ٤٠ ) ]؛ سَنَةً، فَمَڪَثَ بِمَڪَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ : [ ( ١٣ ) ]؛ يُوحَىٰ إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ.. فَهَاجَرَ عَشْرَ: [ ( ١٠ ) ]؛ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ” » .
« „ فَقَدْ ڪَانَتْ هِجْرَتُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: [ ( ١٣ ) ]؛ مِنْ بِعْثَتِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ” »؛ ڪَمَّا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ : « „ وُلِدَ نَبِيُّڪُمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَڪَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخْلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ” » - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ -
بدايات العام : ١ هـ ~ 622 م
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
وإلىٰ توجهه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ يثرب/المدينة أشار صاحب الهمزية بقوله:
ونحا المصطفىٰ المدينة واشتا * قت إليه من مڪةَ الأنحاءُ
أي وقصد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يثرب/المدينة واشتاقت إليه الجهات والنواحي من مڪة.
وقد جاء «أنه لما خرج -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من مڪة إلىٰ المدينة مهاجرا وبلغ الْجُحْفَةَ[(1)] اشتاق -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ مڪة فأنزل الله -تعالىٰ- عليه { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } [القصص:85].. أي إلىٰ مڪة» . [(2)]..
.. .إذاً ..
[(في يوم 21 مِن سبتمبر عام 622م، أى منذ 1401 عاماً، وصل النبي المصطفىٰ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، والصحابي الجليل : عبدالله بن أبي قحافة... أبي بڪر الصديق -رضي الله تعالىٰ عنه-، إلىٰ -يثرب- المدينة المنورة، بعدما أَذِنَ اللهُ رسولَه الڪريم بالخروج من مڪةَ المڪرمة إلىٰ يثرب -مدينته المبارڪة الشريفة المنورة-، فيما تُعرف بالهجرة المحمدية النبوية الرسولية بصحبة وزيره الأول.. وخليفته الأول أبي بڪر الصديق..
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
ولڪن ڪيف ودع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مڪة المشرفة المڪرمة قاصدًا المدينة المبارڪة المنورة؟.
ـ ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
فقد نظر رسول الله ونبي الإسلام خاتم الأنبياء آخر المرسلين متمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ مسقط رأسه الشريف نظرةَ وداعٍ حارةٍ، وذلك عندما انطلق الرڪب.. يسير باسم الرحمن رب العرش ومالك العالمين ومبدع المخلوقات أجمعين [(الله)] .. سار الرڪب حين أرخىٰ الليل سدوله، واقترب النعاس ليثقل عيون الناس؛ وڪان القمر هلالاً فى مستهل ربيع الأول، فلم يلبث أن اختفىٰ بُعَيد الغروب، وڪسا الظلام الدامس مناظر البادية بربوعها ووديانها وتلالها.. فحجبها عن العيون وغابت عن الأنظار.. وحين أخذ الرڪب وجهته إلىٰ يثرب/المدينة، حسب ما جاء فى ڪتاب "الهجرة إلىٰ المدينة المنورة"، لــ أمين دويدار.. فــ عن ابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما- أن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال عند خروجه من مڪةَ.. أي متوجهاً إلىٰ يثرب/المدينة: « „ والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب أرض الله إلىٰ الله، وأڪرمها علىٰ الله.. ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت... ” » ، و
فى رواية.. أنه صلى الله عليه وسلم وقف.. أي علىٰ راحلته بالحزورة ونظر إلىٰ البيت وقال: « „ والله إنك لأحب أرض الله إليّ.. وإنك لأحب أرض الله إلىٰ الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك قهرا ما خرجت ... ” ».. ، و
فى رواية أخرىٰ أنه قال.: « „ اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني مِن أحب البلاد إليَّ.. فأسكني أحب البلاد إليك.. ..” »..
ــــــــــــــــــــــ
[(وأما ما روى الحاڪم عن أبي هريرة مرفوعا «اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسڪني في أحب البقاع إليك» .. فقال الذهبي: إنه .. « موضوع » . وقال ابن عبدالبر: لا يختلف أهل العلم أنه .. « منڪر موضوع.. » .. )]
أقول(الرَّمَادِيُّ): والذي رأيته عن المستدرك للحاڪم «اللهم: إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليّ فأسڪني أحب البلاد إليك» والمعنىٰ واحد؛ ڪما ذڪر في الرواية الأولىٰ..
ثم جاءت المفاضلة بين سڪنىٰ مڪة المڪرمة والمجاورة وبين الإقامة في المدينة المصطفوية المنورة المشرفة؛ وهناك من استند بما خرجه الحاڪم بتفضيل المدينة علىٰ مڪة.. ڪــ مفتي دار الهجرة الإمام مالك بن أنس؛ ومنهم مَن ذهب إلىٰ تفضيل مڪة ڪـ الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس-رضي الله عن الإمامين.. « مالك ومحمد » - وهذا بحث سأرحله إلىٰ ملحق قادم بإذنه -تعالىٰ- وإن شاء السميع البصير!.
و
يقول ڪتاب « الهجرة إلىٰ المدينة المنورة ».. مهما تختلف الروايات، فإنها ڪلها مجمعة علىٰ أنه ڪان وداعًا حارًا، يقطر حبًا ويفيض حنانًا إلىٰ هذه البقعة المبارڪة مقصد الأنبياء والرسل من قبله وهي مسقط رأسه الشريف.. عاش فيها صباه وشبابه وعاصرت رجولته وفحولته ووصفه أهلها بــ .. « „ الصادق الأمين” ».. موطنه الحبيب، وتمتلڪه حسرة الوداع وأسىٰ علىٰ الفراق.)] .
...
و (وقف الرَّسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عند خروجه بالحَزْوَرَة [(3)] في سوق مڪَّة[(ونظر إلىٰ البيت)]، وقال: « „ والله إنَّكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلىٰ الله، ولولا أنِّي أُخْرِجتُ منكِ ما خَرَجْتُ..” ».. [(4)]. ثمَّ انطلق رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وصاحبه، وقد حفظهما الله من بطش المشرڪين، وصرفهم عنهما..
.. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال؛ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « „ ما أَطْيَبَكِ مِن بلدٍ وَأَحَبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قَومي أَخرجوني منك ما سَكَنْتُ غَيرَكِ ” » [(5)]...
-*/*-*/-
.. . [ طَرِيقُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجْرَتِهِ ]:
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
نقطة إنتقال الدعوة الإسلامية -نظرياً- وعرض الرسالة المحمدية والطريقة الرسولية والبعثة التوحيدية الأخيرة.. إنتقالها مِن مرحلة الاضطهاد والملاحقة.. وعهد الضعف.. في مڪةَ.. إلىٰ بداية تباشير سطوع النور المحمدي التوحيدي وإنتشاره في أرجاء المسڪونة؛ وبين سڪان المعمورة بهدي مِن الله -تعالىٰ- وتطبيق ڪافة أحڪام الإسلام وشريعته تطبيقا عملياً.. الأحڪام المتعلقة بالفرد أو المجتمع وحمل الإسلام لــ غير أهله... قنطرة تربط بين نهايات أحداث المجلد الرابع عشر.. وبذلك تنتهي المرحلة/العهد المڪي مِن سيرته العطرة وبين بدايات أحداث المجلد الخامس عشر.. وبه تبدء أحداث العهد المدني!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: „ فَلَمّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُاللّهِ بْنُ أَرْقَطَ، سَلَكَ بِهِمَا
“ أَسْفَلَ مَڪّةَ ”، ثُمّ
مَضَىٰ بِهِمَا عَلَىٰ “ السّاحِلِ ”،
حَتّىٰ عَارَضَ الطّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ “ عُسْفَانَ ” [(6)] .. ،
ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَىٰ “ أَسْفَلِ أَمَجَ ” ،
ثُمّ اسْتَجَازَ بِهِمَا، حَتّىٰ عَارَضَ بِهِمَا الطّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ “ قُدَيْدًا ” ،
ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ مَڪَانِهِ ذَلِكَ فَسَلَكَ بِهِمَا “ الْخَرّارَ ”،
ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا “ ثَنِيّةَ الْمَرّةِ ”،
ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا “ لِقْفا ” [(7)] ..
...
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ “ لَفْتَا ”.
قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ:
نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ “ لَفْتٍ ” * لِحَيّ بَيْنَ أَثْلَةَ وَالنّحَامِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا “ مَدْلَجَةَ لِقْفٍ ”
ثُمّ اسْتَبْطَنَ بِهِمَا “ مَدْلَجَةَ مَحَاجّ ” - وَيُقَالُ “ مِجَاجٍ ” ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا “ مَرْجِحَ مَحَاجّ ”،
ثُمّ تَبَطّنَ بِهِمَا “ مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ ”..
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ “ الْعُضْوَيْنِ ” -
ثُمّ “ بَطْنَ ذِي ڪَشْرٍ ”،
ثُمّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَىٰ “ الْجَدَاجِدِ ” [(8)] .. ،
ثُمّ عَلَىٰ “ الْأَجْرَدِ ”،
ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا “ ذَا سَلَمٍ مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَة تِعْهِنِ ” [(9)] . ،
ثُمّ عَلَىٰ “ الْعَبَابِيدِ ”. [(10)]..
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ “ الْعَبَابِيبُ ” وَيُقَالُ “ الْعِثْيَانَةَ ”. يُرِيدُ “ الْعَبَابِيبَ ”.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا “ الْفَاجّةَ ”، وَيُقَالُ “ الْقَاحّةُ ” ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ هَبَطَ بِهِمَا “ الْعَرْجَ ”،
وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ.. فَحَمَلَ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ : « „ أَسْلَمَ ” »؛ يُقَالُ لَهُ : « „ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ ” »؛ عَلَىٰ جَمَلٍ لَهُ- يُقَالُ لَهُ “ ابْنُ الرّدَاءِ ” [(11)]... - إلَىٰ الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ”،
ثُمّ خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ “ الْعَرَجِ ”، فَسَلَكَ بِهِمَا “ ثَنِيّةَ الْعَائِرِ ”، عَنْ “ يَمِينِ رَڪُوبَةٍ ” - وَيُقَالُ “ ثَنِيّةُ الْغَائِرِ ” ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- حَتّىٰ هَبَطَ بِهِمَا “ بَطْنَ رِئْمٍ ”،
...
وَقَدْ “ رَوَىٰ أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ نَحْوًا مِنْ ذِڪْرِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ وَخَالَفَهُ فِي بَعْضِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ”..
... تساؤل يحتاج إلىٰ توضيح :
فقد يسأل البعض :" هل مر الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ببدر أثناء الهجرة!؟
والإجابة :" لم أقف في ڪلام مَن ڪتبوا في السيرة المحمدية النبوية العطرة علىٰ أنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد مر بــ بدر أثناء هجرته إلىٰ -يثرب- مدينته المبارڪة المنورة.
فهذا ابن إسحاق يذكر المواضع -انظر عاليه- التي مر بها رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا الطريق ولم يعد منها بدرا؛ ولقد ڪان الطريق المعهود مِن مڪة إلىٰ يثرب يمر بــ بدر.. لڪن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عدل عن ذلك الطريق.
فــ هذا الشيخ/ علي صالح السعدي مِن عنيزة يذڪر تحت عنوان: أخطاء شائعة عن تاريخ الهجرة النبوية وطريقها يقول:... :
" ولقد سلك الرسول الڪريم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- طريقاً سرياً آخر غير الذي ڪانت تسير عليه القوافل -آنذاك- حيث ڪان الطريق ڪما يلي:
مڪة المڪرمة.. ثم سرف.. ثم الحديبية إلىٰ بطن مر.. ثم ثنية الغزال.. وبعدها غدير الأشطاط.. ثم ڪديد وأمج.. ثم خليص إلىٰ وادي قديد ومنه إلىٰ المشلل.. ثم ڪلية.. ثم الجحفة.. ثم بدر.. ثم وادي الصفراء.. ثم المنصرف.. ثم الروجاء إلىٰ ذي الحليفة.. حتىٰ قباء؛ وڪانت ضاحية خارج يثرب (المدينة المنورة).
هذا هو طريق القوافل وهو الطريق الذي سلڪه العديد من الصحابة المهاجرين قبل مغادرة رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مڪة المڪرمة.
أما الطريق الآخر الذي سلڪه نبي الله -عليه الصلاة والسلام- وصاحبه أبو بڪر الصديق -رضي الله عنه- مع دليلهما فقد ڪان علىٰ النحو التالي:
مڪة المڪرمة.. غار ثور.. ثم عسفان والمرور ما بين الحديبية وبطن مر والتحول قبل أمج إلىٰ الغرب.. ثم الشمال حتىٰ خيمة أم معبد بالقرب من وادي قديد.. ثم رابغ المعروفة باسم (الرمل) إلىٰ ثنية المرة.. ثم مولجة لقف إلىٰ مولجة حجاج.. ثم مرجع محاج بعده إلىٰ بطن ذي ڪشر.. ثم الجداجد.. ثم ذو سلم إلىٰ ملل مروراً بالعرج وبطن رئم.. ثم ملل ثم قباء... والله أعلم ".
-*/*-
.. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَڪَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخْلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنْ بَيْنَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ مَڪَّةَ وَدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ (١٥): يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِغَارِ ثَوْرٍ ثَلَاثَةَ (٣): أَيَّامٍ، ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقَ السَّاحِلِ، وَهِيَ أَبْعَدُ مِنَ الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ وَاجْتَازَ فِي مُرُورِهِ عَلَىٰ أُمِّ مَعْبَدٍ بِنْتِ ڪَعْبٍ مِنْ بَنِي ڪَعْبِ بْنِ خُزَاعَةَ، قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ ..
.. نهاية موضع؛ مڪان الهجرة المبارڪة علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل التبريكات والتعظيم والإجلال.. وعلىٰ صاحبه الرضوان:
ثُمّ قَدِمَ - دَلِيلُهُمَا عَبْدُاللّهِ بْنُ أَرْقَطَ - بِهِمَا “ قُبَاءٍ ”، عَلَىٰ : « „ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ” »؛ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ (١٢): لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَيْن اشْتَدّ الضّحَاءُ وَڪَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلُ.
عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِاللهِ الْبَڪّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِــ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ (١٢): لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ “فِيمَا” قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. .. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ (٥٣): سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ -عَزّ وَجَلّ- بِثَلَاثَ عَشْرَةَ (١٣): سَنَةً ..
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
[(1)]. مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ؛ والْجُحْفَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.. وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ.. جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ اسْمُهَا :مَهْيَعَةَ فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ الْجُحْفَةَ وَهِيَ ( خَرِبَةٌ بِقُرْبِ رَابِغٍ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ النَّاسُ الْآنَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مَكَّةَ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ مُحَاذَاةِ الْجُحْفَةِ بِيَسِيرٍ.. [(انظر: البهوتي: كشاف القناع عن متن الإقناع » كتاب الحج » باب مواقيت الحج؛ فصل لا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام ".[(2 / 400)] .
[(2)]. بحثتُ عن مظان موضع هذا الآثر فلم أجده؛ ثم عثرت علىٰ نصٍ مشابه له عند ابن الجوزي في كتابه :" مثير العزم الساڪن إلىٰ أشرف الأماڪن ". وجاء في التفسير عند الغرناطي :" وقال ابن سلام: نزلت الآية من سورة القصص : { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} بالجُحفة، وقت الهجرة إلىٰ المدينة... دون ذكر بيان أو زيادة توضيح".
ڪما وهناك اقوال في علم التفسير والتأويل تحتاج إلىٰ مراجعة مني؛ وإن ڪان العزم منذ زمن تحضير بعض الصفحات في تفسير القرآن المجيد وتأويله مع بيانه؛ بيد أن ضيق الوقت وقلة العلم أوقفتني إلىٰ حين أن يأذن الله تعالىٰ بالتوفيق والهداية؛ وهذه الجزئية من هذا البحث ستلحق في نهاية البحوث في ملحق خاص؛ وبتوفيقه وبحمده تتم الصالحات؛ إذ أن أهل الرجعة يقولون [(لَرَادُّكَ)] إلىٰ الدنيا: أي مَن يقول بأن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(ســ)] يرجع إلىٰ الدنيا ڪما يرجع عيسىٰ، وقد أظهرها عبدالله بن سبأ، ڪان يهوديا وأمه يهودية سوداء؛ ومن ثم ڪان يقال له ابن السوداء، أظهر الإسلام في خلافة عمر -رضي الله تعالىٰ عنه-، وقيل في خلافة عثمان -رضي الله تعالى عنه-، وڪان قصده بإظهار الإسلام بوار الإسلام، فڪان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسىٰ يرجع إلىٰ الدنيا ويڪذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله -تعالىٰ-: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} [القصص:85] فمحمد أحق بالرجعة من عيسىٰ -عليهما الصلاة والسلام-.
أقول(الرَّمَادِيُّ) والڪلام سيأتي إن شاء الله تعالى .. وسأرحل بحث هذه الشبهة إلىٰ نهاية البحوث في الملاحق؛ خاصة ملحق الشبهات!.
[(3)]. الحَزْوَرةُ: مرتفِعٌ يُقابِلُ المسعَىٰ مِن جِهَةِ المشرِقِ، ڪان سُوقًا مِن أسواقِ مكَّةَ.
[(4)]. انظر :
1. ) ] الترمذي (3925) ، قال: حديث حسن صحيح؛ و
2. ) ] أحمد (4/305) و
2. 1. ] رواه أحمد من حديث أبي هريرة أيضًا. و
3. ) ] ابن ماجه (3108)] .
.. رواه عبدالله بن عَدِيِّ بن الحمراء الزُّهْرِيِّ أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك. .
[(5)]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب..
[(6)]. عُسفان : سمىٰ عسفان لتعسف السيول فيه، وسئل عن الأبواء الذي فيه قبر آمنة أم النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:: لم سمى الأبواء؟ فقال : لأن السيول تتبوءه أي تحل به وبعسفان فيما روي ڪان مسڪن الجذماء،.
[(7)]. لقفا : بفتح اللام مقيداً في قول ابن إسحاق، وفي رواية ابن هشام : لفتاً، واستشهد ابن هشام بقول معقل الهذلي :
نزيعاً محلباً من أهل لفت * لحى بين أثلة والنجام
يقول السهيلي : وألفيت في حاشية الشيخ علىٰ هذا الموضع قال : لفت بڪسر اللام ألفيته في شعر معقل هذا من أشعار هذيل في نسختين، وهى نسخة صحيحة جداً، وڪذلك ألفاه من وثقته وڪلفته أن ينظر فيه لي من شعر معقل هذا من أشعار هذيل مڪسور اللام من نسخة أبي علي القالي المقروءة علىٰ الزيادي، ثم علىٰ الأحول، ثم قرأتها علىٰ ابن دُرَيْد -رحمه الله-، وفيها " صريحاً محلباً "، وڪذلك ڪان الضبط في هذا الڪتاب قديماً حتىٰ ضبطته بالفتح علىٰ القاضي، وعلىٰ ما وقع في غيرها، انتهى كلام أبي بحر..
[(8)]. الجداجد : بــ جيمين ودالين ڪأنها جمع جديد، وأحسبها آباراً ففي الحديث : أتينا علىٰ بئر جدجد. قال أبو عبيد : الصواب : بئر جد أي قديمة، وقال الهروي عن اليزيدي: وقد قال: بئر جدجد قال: وهو ڪما يقال في الڪم ڪمڪم وفي الرف رفرف. (عن الروض الأنف). .
[(9)]. مدلجةَ تعهن: اسم عين. وبتعهن صخرة، يقال لها: أم عقىٰ عرفت بامرأة ڪانت تسڪن هناك، فمر بها النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- واستسقاها فلم تسقه، فدعا عليها.. فمسخت صخرة.. فهي تلك الصخرة فيما يذڪرون[(!؟)]. (عن الروض الأنف ). والله أعلم.. وهذه القصة تحتاج إلى مراجعة وتحقيق وتدقيق.. .
[(10)]. العبابيد : ڪأنه جمع عباد، وقال ابن هشام: هى العبابيب، ڪأنها جمع: عباب من عببت الماء عباً، فڪأنها - والله أعلم - مياه تعب عباباً أو تعب عباً. .
[(11)]. وفي رواية يونس بن بڪير عن ابن إسحاق يقال له : الرداح . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــ
مُقَدَّمَاتٌ فِي بَدْءُ الهجرة النَّبَوِيَّةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
﴿ ١٣٦ ﴾ : « .. طَرِيقُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجْرَتِهِ.. » إلىٰ الْمَدِينَةِ :«„ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ”» .
مدخل إلىٰ:
[٥ ١ ] الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ عَشَرَ
قنطرة تربط بين المجلد الرابع عشر والخامس عشر
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
حُرِّرَ في السنة الْهِجْرِيَّةِ ١٤٤٥؛ الموافق: الإثنين ١٠ ربيع الأول ~ الموافق الــ ٢٥ من أيلول/سبتمبر ٢٠٢٣ من الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام
ـ
 |
١٣٥ 135 كَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ثِيَابًا بِيضًا
الهجرةُ المباركةُ .. أمرٌ مِنَ اللهِ .. ونصرٌ لِرَسُولِهِ--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ يوميات الهجرة ﴾
[ ١٤ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ .
تَمْهِيدٌ :
[ ( غادر رسول الله.. ونبي الإسلام: خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بيته في ليلة ٢٧ مِن شهر صفر، سنة ١٤ مِن النبوة، الموافق ١٢ / ١٣ سبتمبر سنة ٦٢٢م. )]..بعد أن :" عقد برلمان مڪةَ (دار الندوة) في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه، فـ في يوم الخميس 26 مِن شهر صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 من شهر سبتمبر سنة 622م -أي بعد شهرين ونصف تقريبا مِن بيعة العقبة الكبرىٰ- توافد إلىٰ هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تڪفل القضاء سريعاً علىٰ حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ ومعلي منبر التوحيد؛ ومثبت الربوبية والآلهية للواحد الفرد الصمد؛ وتقطع امتداد تيار نور الأنبياء عن الوجود نهائياً ... ".
.. فخرجا -الهادي لـ أوضح السُبل وآخر الأنبياء ومتمم الرسل؛ المبعوث رحمة للـ عالمين -عليه الصلاة والسلام-.. يرافقه وزيره الأول في الأرض.. الصديق أبو بڪر -رضي الله عنه- أول الخلفاء الراشدين- خرجا ليلة ٢٧ من صفر سنة ١٤ مِن بدء النبوة المحمدية وبداية الرسالة المصطفوية، الموافق ١٢ سبتمبر ٦٢٢م.. هذا ما ذهب إليه صاحب الرحيق المختوم، المباركفوري، ص127-136.
وهذا قول؛ بيد أن المشهور :" ڪَانَتْ هِجْرَتُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ . " . . . وهذا قول ابن ڪثير..
وذهب النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الهاجرة -حين يستريح الناس في بيوتهم- إلىٰ أبي بڪر -رضي الله عنه- ليبرم معه مراحل الهجرة.. فــ أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلىٰ بيته ينتظر مجيء الليل.
وقد استمر في أعماله اليومية وفق المعتاد حتىٰ لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش من موأمرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع اللحظات الآخيرة في قراءة متأنية ومراجعة دقيقة لِمَا ڪُتب مِن قبل؛ وتحقيق علمي؛ وتدقيق لأحداث الهجرة الشريفة المنيفة -علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأڪمل السلامات وعظيم التبريڪات وجليل الاحترامات-.. مع هذ اللحظات تقترن ڪتاباتي هذه بإنتهاء شهر صفر ١٤٤٥.. وهي نفس الفترة الزمنية الموافقة لبداية أحداث هجرة صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر البشير النذير كافة للناس أجمعين ورحمة الله تعالىٰ للعالمين رسول الإسلام ونبي السلام -عليه السلام- ورفيقه -رضي الله تعالىٰ عنه-.. هذه واحدة..
والثانية ولعل مِن تمام الموافقة وحسن الطالع.. والرحمن الرحيم الذي علىٰ أفئدة العباد وسرائرهم مطالع.. أن ابدء -مع جهلي وقلة علمي(*)- أن ابدء في ڪتابة هذه البحوث في السيرة المحمدية النبوية الرسولية في نفس الشهر.. صفر ١٤٣٨.. ودون ترتيب أو سابق قصد.. وڪذلك أنتهي مِن الفصل الأخير مِن المرحلة -العهد- المڪية اليوم الجمعة ٣٠ صفر ١٤٤٥.. استغرقت مِن عمري الفاني سبعة أعوام.. وڪأنهن : { سَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ }.. والجزاء عند الڪريم صاحب العطاء الدائم والرزق الوفير الذي لا ينقطع؛ فــ { اللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاء أَضْعَافًا كَثِيرَةً }.. وهذه تظهر بشارة طيبة تطمئن القلب وتريح الروح وتهدأ النفس؛ فقد نشر الموقع آستروعرب نيوز في نهاية الفصل الأول ما نصه :
« حُرِّرَ في يوم الإثنين ٢١ صفر ١٤٣٨ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢١ من شهر نوفمبر عام ٢٠١٦ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام »..
.. وإني لأرفع الشــڪــر الجزيل للــ منعم الموفق فـ انحني.. راڪعا.. فـــاسجد مبللا جبهتي وأنفي بـ ندىٰ رحمته وقطرات مغفرته.. واستمطر سحائب توفيقه.. وارجوه صحة ودقة ما ڪتبته.. واستنزل فتوحات علمه لِما سوف أڪتبه.. فإن وفقت فـ بــ رضاه وهِدَيَتِه.. وإن ڪانت الآخرىٰ -ولا ارجو ذلك- فالسماح والمغفرة والعفو عند المقدرة..
ڪما وأشڪر إدارة الموقع لـ تفضلها بنشر سلسلة مقالات وبحوث السيرة المحمدية النبوية علىٰ صفحاتها..
والشڪر موصول للسيدات والسادة القراء الأعزاء!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ( أحداثٌ فِي هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَبعض مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ) ] .
[ (سَعْدُ بْنِ عُبَادَةَ و صَائِحُ ) ]
رَوَىٰ الزُّبَيْرُ بْنُ بَڪَّارٍ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ :„ لَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، خَرَجْتُ إِلَىٰ حَضْرَمَوْتَ لِبَعْضِ الْحَاجَةِ.. فَقَضَيْتُ حَاجَتِي.. ثُمَّ رَجَعْتُ حَتَّىٰ إِذَا ڪُنْتُ بِبَعْضِ الْأَرْضِ نِمْتُ.. فَفَزِعْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا بِصَائِحٍ يَقُولُ :
أَبَا عَمْرٍو تَأَوَّبْنِيِ السُّهُودَ*وَرَاحَ النُّوَّمُ وَانْقَطَعَ الْهُجُودُ
ثُمَّ صَاحَ آخَرُ :„ يَا خَرْعَبُ، ذَهَبَ بِكَ اللَّعِبُ، إِنَّ أَعْجَبَ الْعَجَبِ بَيْنَ مَكَّةَ وَيَثْرِبَ ”؛
قَالَ:„ وَمَا ذَاكَ يَا شَاهِبُ؟ ”؛
قَالَ:„ نَبِيُّ السَّلَامِ، بُعِثَ بِخَيْرِ الْكَلَامِ، إِلَىٰ جَمِيعِ الْأَنَامِ، فَأُخْرِجَ مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، إِلَىٰ نَخِيلٍ وَآطَامٍ ”؛
ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ.. فَذَهَبْتُ أَتَفَكَّرُ فَإِذَا عِظَايَةٌ وَثُعْبَانٌ مَيِّتَانِ، فَمَا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ ”.
[ سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد؛ الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومر رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بأبي أوْس تميم بن حَجَر.. أو.. بأبي تميم أوس بن حجر الأسلمى، بـ قحداوات بين الجُحْفَة وهَرْشَى -بالعَرج- وڪان قد أبطأ عليه --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعض ظهره، فڪان هو --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأبو بڪر علىٰ جمل واحد، فحمله أوس علىٰ فحل من إبله، وبعث معهما غلاما له اسمه مسعود، وقال: اسلك بهما حيث تعلم من محارم الطريق ولا تفارقهما، فسلك بهما الطريق حتىٰ أدخلهما المدينة، ثم رد رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مسعودا إلىٰ سيده، وأمره أن يأمر أوسا أن يسم إبله في أعناقها قيد الفرس، وهو حلقتان، ومد بينهما مدا؛ فهي سمتهم. ولما أتىٰ المشرڪون يوم أحد أرسل أوس غلامه مسعود بن هُنَيْدَة من العَرْج علىٰ قدميه إلىٰ رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يخبره بهم.
[(ذكره ابن مَاكُولا عن الطبري)].
وقد أسلم بعد قدوم رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المدينة، وڪان يسڪن العَرج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَرَوَىٰ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ الْأَوْسِيِّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :«لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَڪْرٍ مَرُّوا بِإِبِلٍ لَنَا بِالْجُحْفَةِ.. فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «لِمَنْ هَذِهِ الْإِبِلُ»؟؛
فَقَالُوا : „ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ ” ؛ ..
فَــ
الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ أَبِي بَڪْرٍ فَقَالَ : «سَلِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
فَأَتَاهُ أَبِي وَحَمَلَهُ عَلَىٰ فَحْلٍ مِنْ إِبِلِهِ وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامَهُ مَسْعُودًا .[وهو حديث حسن في هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أَبِي بَكْر] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:" أَوْسُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُجْرٍ الْأَسْلَمِيُّ الْعَرَجِيُّ مِنْ بَنِي أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ: حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُجْرٍ.. أنَّ مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَڪْرٍ وَهُمَا مُتَوَجِّهَانِ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ بِــ فَحْدَاوَاتٍ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَهَرْشَا وَهُمَا عَلَىٰ جَمَلٍ وَاحِدٍ فَحَمَلَهُمَا عَلَىٰ فَحْلِ إِبِلِهِ ابْنُ الرِّدَاءِ وَبَعَثَ مَعَهُمَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ..
فَقَالَ : „ اسْلُكْ بِهِمَا عَارِفَ الطَّرِيقِ وَلَا تُفَارِقْهُمَا حَتَّىٰ يَقْضِيَا حَاجَتَهُمَا مِنْكَ وَمِنْ جَمَلِكَ ” ؛..
فَسَلَكَ بِهِمَا الطَّرِيقَ الَّتِي سَمَّاهَا وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَسْعُودًا إِلَىٰ سَيِّدِهِ، « وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَسْعُودًا أَنْ يَأْمُرَ سَيِّدَهُ يَسِمُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا قِيدَ الْفَرَسِ» قَالَ صَخْرٌ: „ فِيهِ سِمَتُنَا إِلَىٰ الْيَوْمِ ” ؛.
[معجم الصحابة - أبي الحسين عبدالباقي بن قانع البغدادي. ].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:ولعل هذه القصة تحتاج إلىٰ إمعان نظر :
فــ
" قصة مرور النبي المصطفىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إثناء أحداث الهجرة علىٰ ديار ابن حجر الأسلمي ذڪرها الهيثمي في مجمعه: (6/ 55)، وابن عبدالبر في "الاستيعاب"(1/ 122)، والحافظ في "الإصابة" (1/ 86)، وقال: رواه البغوي وابن مندة.
جاء في "سيرة ابن هشام" (1/ 491) ت: السقا، في ذڪر "طريقه صلى الله عليه وسلم في هجرته": "قال ابن هشام: ثم هبط بهما العَرْج، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم، فحمل رسولَ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رجلٌ من أسلم، يقال له: أوس بن حجر، علىٰ جمل له- يقال له: ابن الرداء- إلىٰ المدينة، وبعث معه غلاما له، يقال له: مسعود بن هُنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج، فسلك بهما ثنية العائر، عن يمين رڪوبة- ويقال. ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام- حتىٰ هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء، علىٰ بني عمرو بن عوف، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين، حين اشتد الضحاء، وڪادت الشمس تعتدل."
وفي "الروض الأُنف" (4/ 251) ت: الوكيل، "وذڪر قدومهم علىٰ أوس بن حجر، وهو أوس بن عبدالله بن حجر الأسلمي، وبعضهم يقول فيه: ابن حَجر، وهو قول الدارقطني، والمعروف، ابن حُجر بضم الحاء، وقد تقدم في المبعث ذڪر من اسمه حجر في أنساب قريش، ومن يسمىٰ: حجْرا من غيرهم بسڪون الجيم، ومن يسمىٰ الحِجر بڪسر الحاء، فانظره هنالك عند ذڪر خديجة وأمها، ولا يختلف في أوس ابن حَجَر أنه بفتحتين.
وذكر أن أوسًا حمل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ حمل له، يقال له: ابن الرداء، وفي رواية يونس بن بڪير عن ابن إسحاق يقال له: الرداح، وفي الخطابي أنه قال لغلامه مسعود، وهو مسعود بن هُنيدة: اسلك بهم المخارق بالقاف، قال: والصحيح المخارم، يعني: مخارم الطريق، وفي النسوي أن مسعودا هذا قال: فڪنت آخذ بهم أخفاء الطريق.
وفقه هذا أنهم ڪانوا خائفين، فلذلك ڪان يأخذ بهم أخفاء الطريق ومخارقه، وذڪر النسوي في حديث مسعود هذا: أن أبا بڪر قال له: ائت أبا تميم، فقل له يحملني علىٰ بعير، ويبعث إلينا بزاد ودليل يدلنا، ففي هذا أن أوسا ڪان يڪنىٰ أبا تميم، وأن مسعودا هذا قد روىٰ عن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وحفظ عنه حديثا في الخمس، وحديثا في صلاة الإمام بالواحد والاثنين ذڪره النسوي في هذا الحديث، غير أنه قال في مسعود هذا: غلام فروة الأسلمي.
وقال أبو عمر: قد قيل في أوس هذا إن اسمه تميم، ويڪنىٰ أبا أوس. فــ الله أعلم.
وروي أن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال لمسعود حين انصرف إلىٰ سيده : « „ مر سيدك أن يسم الإبل في أعناقها قيد الفرس ” » ؛ فلم تزل تلك سمتهم في إبلهم، وقد ذُڪر في شرح قصيدة أبي طالب عند قوله:
موسمة الأعضاد أسماء السمات * ڪالعراض والخباط والهلال
، وذكر قيد الفرس، وأنه سمة في أعناقها، وقول الراجز:
كوم علىٰ أعناقها قيد الفرس.*. تنجو إذا الليل تدانىٰ والتبس."
انتهى.
قال المحقق: "قصة أوس لم يروها أحد من أصحاب الڪتب السنة، فالذين رووها هم: البغوي؛ وابن السكن؛ وابن منده أو الطبراني. وقصة مسعود بن هنيدة عند الحاڪم في الإڪليل.
واسم أوس يتردد في الإصابة تميم بن أوس بن حجر أبى أوس الأسلمي، وبين أوس بن عبدالله بن حجر الأسلمي ويڪنىٰ: أبا تميم، وربما ينسب إلىٰ جده.. فقيل: أوس بن حجر، وفيه عمن روىٰ عنهم أنه لقىٰ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأبا بڪر وهما متوجهان إلىٰ يثرب -المدينة- بــ قحدوات بين الجحفة وهرشي، وهما علىٰ جمل، فحملهما علىٰ فحل له من إبله، وأوس من أهل العَرج، وقال ابن حبان والطبراني: له صحبة، ولم يخرج حديثه."
وقال في معنىٰ "قيد الفرس": "صورة هذه السمة: حلقتان بينهما مدة
[مفردات ابن الأثير واللسان]..
وذڪر الجوهري أنها سمة تڪون في عنق البعير علىٰ صورة القيد." انتهى، (4/ 252).
والحاصل:
أن هذا الرجل صنع معروفًا مما يصنعه أهل الجاهلية، ڪــ:
[(1)]: إڪرام أم معبد للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ،
و
[(2)] حماية المطعم بن عدي له..
وهذا المعروف يتمثل في ڪونه "حمل" أي: أرڪب الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ إبل له.
وأما معنىٰ: "قيد الفرس"، فهي "سمة" أي: علامة، للإبل، وڪان أهل الإبل "يسِمُون" إبلهم لتتميز عن إبل غيرهم.
قال أبو عبيد في "الغريبين" (5/ 1600): "هي سمة معروفة وهما حلقتان ومدة "، وانظر: "تاج العروس" (9/ 84). والله أعلم ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العمري:„ وقد احتاط الاثنان في الڪلام مع الناس الذين يقابلونهم في الطريق ”؛ فقد روىٰ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِأَبِي بَڪْرٍ مَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ:«„ أَلْهِ عَنِّي النَّاسَ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَڪْذِبَ ”»؛
فَڪَانَ أَبُو بَڪْرٍ إِذَا سُئِلَ :„ مَنْ أَنْتَ؟ ”؛
قَالَ:„ بَاغٍ ”؛
وَإِذَا قِيلَ :„ مَنِ الَّذِي مَعَكَ؟ ”؛
قَالَ :„ هَادٍ يَهْدِينِي ”؛ أي إذا سُئل أبوبڪر عن رسول الله قال:„ هذا الرجل يهديني السبيل ”؛ فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير [( صحيح البخاري؛ (فتح الباري 7/ 249)].
ورَوَىٰ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ :«أَقْبَلَ النَّبِيُّ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَڪْرٍ، وَأَبُو بَڪْرٍ شَيْخٌ ، وَالنَّبِيُّ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شَابٌّ لَا يَعْرِفُ ، فَيَلْقَىٰ الرَّجُلُ أَبَا بَڪْرٍ فَيَقُولُ :„ مَنْ هَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ؟ ”؛
فَــ
يَقُولُ :„ هَذَا الَّذِي يَهْدِينِي السَّبِيلَ ”؛
فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:" إسلام أَبُي عَبْدِاللَّهِ بُرَيْدَةَ بْنُ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ -رضي الله عنه - " :
[ ( ومن معجزات الهجرة التي قلما تَحظىٰ باهتمام، والدالة علىٰ عظمة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.. فهو الداعية(**) للهدىٰ والنور الآلهي : أنه أثناء الرحلة لقِي النبي بريدة بن الحصيب الأسلمي، ومعه نحو ثمانين بيتًا - وڪانوا علىٰ الشرك - فدعاهم الرسول إلىٰ الإسلام؛ فأسلم بريدة وأسلموا، وصلى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- العشاء الآخرة، فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه، حتىٰ قدِم علىٰ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعد أُحد. ) ]
:" وفي الطريق لقي النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عند الغميم بريدة بن الحصيب الأسلمي زعيم قومه حينذاك، وهو قد خرج في طلب النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأبي بڪر، فلما التقىٰ برسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وڪلّمه في أمر الإسلام فأسلم هو ومعه زهاء ثمانين بيتاً فصلىٰ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- العشاء فصلوا خلفه
[انظر طبقات ابن سعد (4/182)، والاستيعاب (1/185)].
وفي الصباح قال بريدة: يا رسول الله! لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء.. فحلّ عمامته، ثم شدها في رمح ثم مشىٰ بين يديه حتىٰ دخلوا المدينة.
[أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني (4/ 65)، وانظر سبل الهدى والرشاد (3/ 252)، وشرح الزرقاني على المواهب (2/ 148).]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ (وعن عبدالله بن بريدة - يصف النبي في أول انطباعاته عنه - أن النبي ڪان يتفاءَل ولا يتطيَّر، (وهذا درس عملي لمسلمي اليوم)، ) ]
فــ
:" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪَانَ يَتَفَاءَلُ وَلا يَتَطَيَّرُ ".
هذا ". وَلَمَّا شَارَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ لَقِيَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ فِي سَبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ بَنِي سَهْمٍ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «مَنْ أَنْتَ»؟؛
قَالَ :بُرَيْدَةُ ،
فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ :« بَرُدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ» .
ثُمَّ قَالَ : «مِمَّنْ»؟؛
قَالَ : مِنْ أَسْلَمَ .
فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ :«سَلِمْنَا» .
ثُمَّ قَالَ : «مِنْ بَنِي مَنْ»؟؛
قَالَ : مِنْ بَنِي سَهْمٍ . قَالَ : «خَرَجَ سَهْمُكَ [يَا أَبَا بَكْرٍ] » .
فَقَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَنْتَ؟ ؛
قَالَ : «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ» .
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةَ وَأَسْلَمَ َمَنْ كَانَ مَعَهُ جَمِيعًا .
قَالَ بُرَيْدَةُ :الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا وَمَعَكَ لِوَاءٌ» .
فَحَلَّ عِمَامَتَهُ.. ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ ثُمَّ مَشَىٰ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّىٰ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ . ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إهداء الزبير وطلحة ثياباً لرسول الله ﷺ وأبي بڪر رضي الله عنه:
ومن حسن الطالع وتمام الموافقة أنهم لقوا في الطريق قبل قدومهم المدينة الزبيرَ بن العوام في رڪب من المسلمين، ڪانوا تجارا قافلين[أي راجعين] من الشام، فڪسا الزبير ﷺ، وأبا بڪر بثياب بيض.
فقد رَوَىٰ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ؛ وَالْحَاڪِمِ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَڪْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ڪَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ فَڪَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ثِيَابًا بِيضًا . [صحيح البخاري (3906).]
وأخرج ابن سعد في “طبقاته” عن عبدالله بن سعد عن أبيه أنه قال: لما ارتحل رسول الله ﷺ من الخَرَّار[موضع قرب الجحفة. انظر النهاية (2/ 21).] في هجرته إلىٰ المدينة، فڪان من الغد لقيه طلحة بن عبيدالله ﷺ، قادما من الشام في عير [هي الإبل والدوابُّ التي كانوا يُتاجرون عليها. انظر النهاية (3/ 297).]، فڪسا رسول الله ﷺ وأبا بڪر من ثياب الشام.[ انظر طبقات ابن سعد (3/115).]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَرَوَىٰ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُوسَىٰ بْنِ عُقْبَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَڪْرٍ وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ مِنَ الشَّامِ خَرَجَ عَامِدًا إِلَىٰ مَڪَّةَ لَمَّا ذُڪِرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَڪْرٍ، خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا وَإِمَّا عَامِدًا عُمْرَةً بِمَڪَّةَ وَمَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَڪْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا وَأَبُو بَڪْرٍ .
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ
(*) وكم أدَّعي عِلما وحُسنَ ثقافَةٍ*وما جاهلٌ إلا ومِن فوقِه جَهلي
ينسب هذا البيت إلى :" حمد بن إبراهيم؛ ابن السراج المراكشي، المعروف بشاعر الحمراء"
(**) يتحفظ ڪاتب هذه السطور على استخدام البعض للفظ :" داعية.. إسلامي ".. إذ أن الداعية الأول والآخير هو نبي الإسلام محمد بن عبدالله؛ وأما مَن جاء مِن بعده فهم حملة دعوة.. فهم يدعون إلى ما دعى إليه وليس عندهم جديد يدعون الناس إليه .. إلا مسألة الاجتهاد من أهله وأصحاب العلم منهم.. فهم يبينون ما قد غمض على/عند البعض!.. لذا فقد وجب التنبيه! .
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحڪماء في تأويل آيات الذڪر الحڪيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
* سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـ
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ]
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
بَدْءُ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
« يوميات الهجرة » إلىٰ الْمَدِينَةِ :«„ الهجرةُ المبارڪةُ أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ”» .
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ ١٣٥ ﴾ : في طريق الهجرة : « „ كَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ثِيَابًا بِيضًا ” »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
حُرِّرَ في السنة الْهِجْرِيَّةِ ١٤٤٥ ؛ يوم الجمعة : ٣٠ صفر ~ الموافق: 15 سبتمبر 2023 من الميلاد العجيب المعجز للسيد عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول المسيح -عليهما السلام.
ـ
 |
١٣٤ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ
الهجرةُ المباركةُ .. أمرٌ مِنَ اللهِ .. ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ يوميات الهجرة ﴾
[ ١٤ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
قال النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :« „ لاَ يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْساً يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ ” »
.. وهڪذا نرىٰ بأم أعيوننا شخصياتٍ محورية رائعة تقوم بـ أدوار بليغة ذات أهمية قصوى قُبيل وإثناء هجرته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المنيفة .. لإنجاحها .. ڪـ دور :« علي بن أبي طالب » علىٰ فراش النبي المصطفىٰ .. وفتاتين :« أسماء وعائشة » ابنتي أبي بكر .. و « عَبْدُاللَّهِ » بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ؛ أي: آلُ أَبِي بَكْرٍ .. ثم مولىٰ لأبي بكر .. فـ الراعي الذي اسلم بمجرد أن تحدث معه النبي .. ثم « أم معبد السيدة/ عاتكة » ؛ وزوجها ثم ذلك :« الفارس » ؛ وهو حديث اليوم ..
أراد الله -تعالىٰ- لهم جميعاً الخير ..
قلت(الرَّمَادِيُ): .. وهذا يستلزم منا دراسة السيرة المحمدية النبوية العطرة -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتبريڪات والإنعام والتبجيل والإڪرام- دراسة تحقيق ومِن ثم توعية وتطبيق .. وليس قراءة تاريخية لأقوام نتحدث عنهم بتعبير « ڪانوا » أي هم بعيدين عنا زمنا وتصرفاً وسلوكاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَمْهِيدٌ :
.. هل ڪان صناديد ڪفّار مڪةَ - مُشْرِكو قُرَيْشٍ - بعدَ فشلِهم في قتل النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أمام داره عند خروجه قد استسلموا بناديهم؟
لا،
أو قعدوا بديارهم؟
ڪلا!
فإنّهم بعد أن عثروا علىٰ عليّ -رضي الله عنه- في فراش النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سألوه عنه؟
فقال : „ لا علم لي بذلك! ” ؛.
.. عندئذ تفجّرت قريشٌ ڪالشّظايا المتناثرة في ڪلّ حدب وصوب ومڪان .. في الأودية .. في الشّعاب .. بين الجبال والدّروب .. تسأل ڪُلَّ مُقبلٍ إلىٰ مڪّة ..
.. لم يبق إلاّ أن تُقلِّبَ الصّخور، وتهزّ أغصان الشّجر!.. وتبحث فوق رؤوس النخيل؛ وتسأل النسائم العطرة التي مر عليها صاحب الرسالة الخالدة -إن قدرت .. وهيهات!؟- فــ رڪبوا في ڪلّ وجه يطلبونه .. وجعلوا الْجُعْل العظيم لمن يُخبرهم بمڪانه؛ أو يحضره إليهم!
وما قدموه وعرضوه من الجُعل ڪان سخياً .. والعرب تُقَوِّم ثروة الرجل منهم بما يملك مِن فضة أو ذهب أو أبل ومواش ونخيل وأعناب ..
في تلك اللحظات تسللّ الخوف مِن تلك الأجواء الصعبة إلىٰ قلب أبي بڪر -رضي الله عنه- ..
حالةٌ عمت ڪيان الصديق مِن القلق والاضطراب، ولرقة قلبه وخوفه علىٰ صاحب الدعوة .. بڪىٰ الرفيق المحب المشفق ..
فَقَالَ أَبُو بَڪْرٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „ هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَطْلُبُونَكَ، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَىٰ نَفْسِي أَبْڪِي، وَلَكِنْ مَخَافَةَ أَنْ أَرَىٰ فِيكَ مَا أَڪْرَهُ ” ؛.
فبماذا رد عليه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين!
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والحبيب المرتضىٰ والمبعوث المحتبىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :
« „ يَا أَبَا بَڪْرٍ، لَا تَخَفْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ” » .
[ وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ حَسَنٌ بِحَالِهِ مِنَ الشَّاهِدِ. وَفِيهِ زِيَادَةُ صَلَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، وَقَدْ ڪَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّىٰ] ..
فذاب هذا الخوف وتلاشىٰ هذا الإشفاق وغاب هذا القلق وهدأ الاضطراب ڪما تذوب حفنة مِن الملح في وعاء الماء..
لحظتها وفي حينها تناثرت علىٰ ڪيان الصديق قطراتٌ من ڪلام المبعوث رحمة للعالمين .. النبيّ المرسل -صلّى الله عليه وسلّم-:
« „ يَا أَبَا بَكْرٍ ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ؟ ” » ؛..
فتحول الڪيان المضطرب شفقة علىٰ الرسول الڪريم إلىٰ ڪتلة من الإطمئنان وانتاب ڪيانه ڪله الهدوء النفسي العميم وتملكته الراحة الروحية وعَمَّه السڪون الجسدي ..
السڪينة الشاملة الغامرة لڪافة نواح الصديق لقناعة تامة قلبية إيمانية بما نطق به المعصوم .. وڪأن لسان حال الصديق -ساعتها- يقول :" أنّه - واللهِ - لو تجيش فسار مع قريش ڪلّ الأحياء، وتشقّقت المقابر فخرج من الأجداث ڪلّ الأموات، وتحوّلت أڪفانهم إلىٰ رماح وأظافرهم؛ وما تبقىٰ من عظام ورفات اجسادهم البالية الفانية إلىٰ سيوف، وقلّبوا ڪلّ حجارة من حجارة الجبل وصخر البيداء واجتثّوا ڪلّ شجرة من الأشجار، وزحزحوا ڪلّ الجبال وجمعوا ڪل مياه الأمطار والأنهار، واجتمعوا جميعاً ضدهما .. ما قدروا علىٰ:
« „ اثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ” » ؛ !
ولا يغيب عن ذهن المتابع لمجريات أحداث الهجرة أن اختيار الصديق ڪان توفيق من الله -تعالىٰ- ورغبة من رسوله إذ :
" تَجَهَّزَ أَبُو بَڪْرٍ -رضي الله عنه- قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم-:« „ عَلَىٰ رِسْلِكَ ! فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي ” » ؛.
.. إشارة واضحة لبقاء الصديق بمڪة لحين مجئ إذن الله -صاحب الأمر والنهي والذي أمره بين الڪاف والنون- بالخروج للهجرة! فيڪون هو الرفيق لرسول الله والمرافق لنبيه محمد بن عبدالله ..
بيد أنه وإن تأخر نزول هذه الآيات الڪريمات عن الحدث هذا .. إلا يحق الاستشهاد بها {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ:« „ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ” » فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
-*/*-
مقدمة لحديث سُراقة :
رأينا في الصفحات السّابقة خروج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وصاحبه الصدّيق -رضي الله عنه- من مڪّة متوجّهين إلىٰ غار ثور ..
.. ذلڪم الغارُ الّذي وقف عليه المشرڪون وقد طاشت عقولهم، وتحشرجت بالغيظ الأنفاس في صدورهم، يبحثون عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فلا يجدون له أثرا، ولا يعلمون عنه خبرا ..
رأينا ڪيف علَّمنا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حقيقة معنىٰ: „ الــتــوڪــّل ” علىٰ الله -تعالىٰ-: إنّه : „ دعــــاء ” الله العزيز الوهّاب، ثمّ اتّخاذُ ما يُستطاع مِن : „ الــحِـــيــطـــة ” ؛ و: „ الأســبـــاب ” ؛ فــ إذا تحقّق هذان الرّڪنان : „ التوڪل يشوبه الدعاء .. والأخذ بالأسباب ” ؛ تحقّق الوعد بالنّصر في ڪلّ حين وآن
وهاهم المشرڪون الآن ينحدرون من ذلك الجبل يلهثون لهث الڪلاب الضالة، الّتي لم تعثر علىٰ صيد لصاحبها .. وجرَّت خلفها ثياب الخزي وأذيال الهزيمة. وتدحرج أمام أعينهم ڪبرياؤهم وغطرستهم فوق رمال الجبل ..
الجميع يتساءل .. أين -إذاً- ذهب محمّد وأبو بكر؟!
سؤال لن يجاب عنه إلاّ ببذل المال .. فأعلنوا في أرجاء مڪّة وما حولها أنّ محمّداً مطلوب حيّا أو ميّتا ! ..
فإذا لم تصلح التصفية الجسدية فتتبقىٰ المطاردة والملاحقة!
لقد فتحت قريش صناديق الحلال والحرام، وعرضت الهدايا والهبات العِظام .. والمطلوب -بعد الملاحقة والمطاردة- هو إحضار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حيّا أو تصفيته فيأتيهم ميّتا ..
وڪانت الدّعوة عامّة .. فاستنفرت ڪلّ العرب: والجُعل : الإبل والفضة والذّهب، لمن عثر علىٰ محمّد حيث ذهب.
وڪان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بتوفيق الله أذكىٰ، وأصدق وأزكىٰ، فلم يعزم علىٰ النّزول فورَ ذهابِ المشرڪين عن الغار، بل ظلّ به ثلاثةَ أيّامٍ وليالِيَهنّ، حتّىٰ تهدأ الأمور .. ويضعف الطلب وتخف الملاحقة ويمِلُوا من المطاردة ..
ثمّ نزل -صلّى الله عليه وسلّم- هو وأبو بڪر ليلا ..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
والحدث من بدايته :
وتوجد رواية عند[الذهبي؛ النبلاء] : (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْعَنْقَزِيُّ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) قَالَ : اشْتَرَى أَبُو بَڪْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَــ
قَالَ أَبُو بَڪْرٍ لِعَازِبٍ: „ مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَىٰ رَحْلِي ”؛ فَــ
قَالَ لَهُ عَازِبٌ: „ لَا .. حَتَّىٰ تُحَدِّثَنَا ڪَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجْتُمَا، وَالْمُشْرِڪُونَ يَطْلُبُونَڪُمَا ”؛ .
قَالَ: „ أَدْلَجْنَا مِنْ مَڪَّةَ لَيْلًا ...
... التقطُ خيط الرواية من صحيح البخاري:
... ففي صحيح البخاري .. قَالَ: „ ارْتَحَلْنَا مِنْ مَڪَّةَ، فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّىٰ أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَىٰ مِنْ ظِلٍّ فَآوِيَ إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا، فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ ” ؛
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: „ اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! ” ؛
فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
يكمل الصديق روايته:
„ ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي، هَلْ أَرَىٰ مِنْ الطَّلَبِ أَحَدًا ؟ ..
فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا ” ؛ فَــ
سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: „ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ ” ؛
قَالَ: „ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ ” ؛ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ.
فَقُلْتُ: „ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ ” ؛
قَالَ: „ نَعَمْ ” ؛
قُلْتُ: „ فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَنَا؟ ” ؛
قَالَ: „ نَعَمْ ” ؛
في رواية أحمد زيادة أذڪرها :
" فَأَمَرْتُهُ ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مَنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ " ؛
أعود لرواية البخاري:
فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً (الكثبة: الشّيء القليل) مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً عَلَىٰ فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَىٰ اللَّبَنِ حَتَّىٰ بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَىٰ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ
وَافَقْتُهُ قَدْ اسْتَيْقَظَ.
فَقُلْتُ: „ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ ” ؛
فَــ شَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ،
ثُمَّ قُلْتُ: „ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللهِ ” ؛
قَالَ:« „ بَلَى ” » ؛.
فَــ
ارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِڪْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَىٰ فَرَسٍ لَهُ،
فَقُلْتُ: „ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! ” ؛
فَقَالَ:« „ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ” » ؛
-*/*-
فهذا الفارس؛ الذي أدرڪهما .. استجاب لنداء ودعوة قريش، ففرك يديه طمعاً في النّوال .. ولڪنّه لا يعلم أنّه يسير حتّىٰ يُذعن لدين الڪبير المتعال ..
ولـ ندع سراقة بن مالك يحدّثنا عن ذلك اليوم ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.. ڪانت قريش أرسلت لأهل السواحل أن مَن قتل أو أسر أبا بڪر أو محمدا ڪان له مائة(١٠٠) ناقة، أي فمَن قتلهما أو أسرهما ڪان له مائتان(٢٠٠) (الحلبية) ..
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ .. وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: „ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَڪَّةَ مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ، جَعَلَتْ قُرَيْش فِيهِ مائَة نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ ”.
[وعند الذهبي؛ النبلاء] : وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ : [ڪما أُخرج البخاري في صحيحه] :
„ جَاءَنَا رُسُلُ ڪُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَڪْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ (يجعلون فيهما إن قُتلا أو أُسرا ديتين؛ والدّيةُ مائةٌ من الإبل)، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ (مِنْ مَجَالِسِ) قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ (أي بـ قُديد وهو محل قريب من رابغ) (قديد: أي وهو محل سراقة، ولعل -أمّ معبد؛ أي: واسمها عاتڪة - ڪانت بطرفه الأخير الذي يلي المدينة، ومنزل سراقة بطرفه الذي يلي مڪة وڪانت مسافته متسعة فليتأمل)، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّىٰ قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَــ
قَالَ : „ يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً (أي أشخاصا) بِالسَّاحِلِ (بالسواحل )، أُرَاهَا (أراه) مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ” ؛
قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ ، فَــ
قُلْتُ (لَهُ) : „ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنْ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بَاغِينَ ” ؛ (بأعيننا: أي بمعرفتنا يطلبون ضالة لهم، أي : وفي لفظ «قال رأيت رڪبة بالتحريك جمع راڪب ثلاثا مروا عليّ آنفا» أي قريبا «إني لأراهم محمدا وأصحابه)، (قال سراقة: فأومأت إليه أن أسكت .. قلت: إنما هم بنو فلان يتبعون ضالة لهم)
يكمل سراقة روايته:
„ ثُمَّ قَلَّ مَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ (ساعة، ثم) حَتَّىٰ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي (خفية إلىٰ بطن الوادي وتحبسها عليَّ) فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ بِرُمْحِي. وَخَرَجْتُ (به) مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ (الزج : الحديدة التي تڪون في أسفل الرمح؛ إنّما فعل ذلك لئلاّ يظهر بريق الزجّ من بعيد فيعلم النّاس بخروجه ويشارڪوه القسمة)، وَخَفَّضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ (أي أمسڪت بأعلاه .. «وجعلت أسفله في الأرض لئلا يراه أحد» وإنما فعل ذلك ڪله ليفوز بالجُعل المتقدم ذڪره، ولا يشرڪه فيه أحد من قومه بخروجه معه لقتلهما أو أسرهما) ..(زاد في رواية «ثم انطلقت فلبست لأمتي، وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشرڪني أهل الماء .. يعني قومه) حَتَّىٰ أَتَيْتُ فَرَسِي (أي وڪان يقال لها العود، والفرس لغة تقع على الذڪر والأنثىٰ) فَرَڪِبْتُهَا (قال في النور: والمراد هنا الأنثىٰ، لقوله «فرڪبتها» أي بالغت في إجرائها «حتىٰ دنوت منهم»)، فَرَفَعْتُهَا (أي حملتها علىٰ السّير) تُقَرِّبُ بِي (فـ يڪون المراد أسرعت بالسير بها، لأن التقريب دون العدو وفوق العادة؛ والتّقريب هو ضرب من السّير دون العدو)، حَتَّىٰ إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ (أي : فوقعتْ لمنخريها ڪما في حديث أسماء بنت أبي بڪر -رضي الله تعالى عنهما-.
زاد في رواية
«ثم قامت تحمحم)، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَىٰ ڪِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ (أي : وهي عيدان السهام التي لا ريش لها ولم ترڪب فيها النصال)، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ : لَا أَضُرُّهُمْ (وهو عدم إضرارهم» أي لأنه مڪتوب عليها :„افعل”؛ .. „لا تفعل”؛ ويقال للأوّل الآمر، ويقال للثاني الناهي).. (قَالَ: وَڪُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ عَلَىٰ قُرَيْش، فآخذ الْمِائَة النَّاقَةِ.
قَالَ: فَرَڪِبْتُ عَلَىٰ أَثَرِهِ، فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي عَثَرَ بِي، فَسَقَطْتُ عَنْهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ: „ مَا هَذَا؟ ”؛
قَالَ: ثُمَّ أَخَرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَڪْرَهُ «لَا يَضُرُّهُ».
قَالَ: فَأَبَيْتُ إلَّا أَنْ أَتَّبِعَهُ.
قَالَ: فَرَڪِبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي، عَثَرَ بِي، فَسَقَطْتُ عَنْهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ: „ مَا هَذَا ”؛
قَالَ: ثُمَّ أَخَرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَڪْرَهُ «لَا يَضُرُّهُ» ،
قَالَ: فَأَبَيْتُ إلَّا أَنْ أَتَّبِعَهُ، فَرَڪِبْتُ فِي أَثَرِهِ.
فَلَمَّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ، عَثَرَ بِي فَرَسِي، فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ، وَسَقَطْتُ عَنْهُ، ثُمَّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ ڪَالْإِعْصَارِ.
(ذَكَرَ أَنَّهُ عَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَڪُلُّ ذَلِكَ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ وَيَخْرُجُ الَّذِي يَڪْرَهُ؛ لَا يَضُرُّهُ ، حَتَّىٰ نَادَاهُمْ بِالْأَمَانِ وَسَأَلَ أَنْ يَڪْتُبَ لَهُ ڪِتَابًا يَڪُونُ أَمَارَةَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
قَالَ: فَعَرَفْتُ حَيْنَ رَأَيْتُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ:«„ مُنِعَ مِنِّي ”»؛ وَأَنَّهُ :«„ ظَاهِرٌ ”»؛
قَالَ: فَنَادَيْتُ الْقَوْمَ:
فَــ
قُلْتُ: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: انظروني أڪلمڪم، فو الله لَا أَرَيْبُڪُمْ، وَلَا يَأْتِيڪُمْ مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُونَهُ!.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَڪْرٍ: «„ قُلْ لَهُ: وَمَا تَبْتَغِي مِنَّا؟ ”»؛
قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَڪْرٍ،
قَالَ: قُلْتُ: „ تَڪْتُبُ لِي ڪِتَابًا يَڪُونُ آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ ”؛
قَالَ:«„ اُڪْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَڪْرٍ ”»؛
هذا رواية ابن إسحاق؛ بيد أن هناك رواية آخرىٰ؛ إذ ذڪر في الحديث الذي قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ ، مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِعُوَيْنٍ - بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، تقول : (ذكره ابن كثير في البداية )" وَأَقْبَلَتْ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ ڪُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ: „ رَجُلٌ ”؛ مَعَهُمْ عِصِيُّهُمْ وَقِسِيُّهُمْ وَهِرَاوَاتُهُمْ(*)، حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، قَالَ الدَّلِيلُ(**) - وَهُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ - : „ هَذَا الْحَجَرُ، ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ وَضَعَ رِجْلَهُ ”؛
فَــ
قَالَ الْفِتْيَانُ : „ أَنْتَ لَمْ تُخْطِئْ مُنْذُ اللَّيْلَةِ ” ؛
حَتَّىٰ إِذَا أَصْبَحْنَا قَالَ : „ انْظُرُوا فِي الْغَارِ ”؛ فَاسْتَقْدَمَ الْقَوْمَ حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا ، فَإِذَا الْحَمَامَتَانِ[(!؟) ،
فَــ
رَجَعَ فَقَالُوا : „ مَا رَدَّكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي الْغَارِ ؟ ”؛
قَالَ: „ رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَرَفَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ”؛
فَــ
سَمِعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُمَا بِهِمَا " . (موسوعة الـسيرة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) جاء عند الذهبي :" وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَسُيُوفِهِمْ ".
(**) جاء عند الذهبي في النبلاء قوله :" فَجَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَاقِينَ .. فَقَالَ : „ رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ”؛ ولم يذڪر له اسما أو وصفاً!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا؛(والحكم علىٰ الحديث يعود لقول ابن ڪثير الدمشقي؛ الحافظ) ؛ وڪاتب هذه السطور لا ينڪر قدرة الله -تعالىٰ-؛ بيد أن النص القرآني يقول :
" وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ". [(*)]
فإذا وجدت الحمامتان الوحشيتان علىٰ باب الغار ونسيج العنڪبوت في روايات تقترب من الضعف وبعضها موضوع.. فهي تخالف صريح الذڪر الحڪيم والقرآن الڪريم والفرقان المبين .. وقد يقول قائل أنه لا مخالفة بل زيادة نڪاية في المشرڪين .. فيصح هذا القول مع صحة الروايات وليس ضعفها.. ثم أنه لن يترتب علىٰ تلك الروايات أحڪام شرعية عملية، بل تندرج تحت معجزات النبوة المحمدية .. وهذه تحتاج إلى دليل قوي .. ومن حيث المتن، فهذه الأحاديث مخالفة لما نطق به القرآن الكريم، وأعتمد النص القرآني حيث قال -تعالىٰ- {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: من الآية 26]. فقد نصّ علىٰ أنّ الجنودَ التّي أيّد الله بها نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-: لا تُرَى.
ومن أقبح الأحاديث الموضوعة ما ادّعوه أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال:(( جَـزَى اللهُ العَنْكَبُوتَ عَنَّا خَيْرًا؛ فَإِنَّهَا نَسَجَتْ عَلَيَّ فِي الغَارِ)). فهو مكذوب موضوع، كما في " المغير علىٰ الأحاديث الموضوعة في الجامع الصّغير " (52)، " و"ضعيف الجامع" (2629). ". [راجع: (عبدالحليم توميات؛ 51 في غار ثَـوْر) ]..
تنبيه:
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَائِفَ الَّذِي اقْتَفَىٰ لَهُمُ الْأَثَرَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلَجِيُّ .. وَقَدْ رَوَىٰ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُوسَىٰ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الَّذِي اقْتَفَىٰ لَهُمُ الْأَثَرَ ڪُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ . (موسوعة الـسيرة؛ بن كثير)
قُلْتُ(القول يعود لـ ابن كثير في موسوعته البداية ): وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا اقْتَفَيَا الْأَثَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . (موسوعة الـسيرة)
ولڪن بروايتين مختلفتين من حيث سياق الحدث.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] والنص القرآني يقول: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- :{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[ التَّوْبَةِ : 40 ]. ..
وفي أسباب النزول :
يَقُولُ -تَعَالَى- مُؤَنِّبًا لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا تَنْصُرُوهُ أَنْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ، وَمُؤَيِّدُهُ، وَمُظْفِرُهُ، ڪَمَا نَصَرَهُ {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ أَهْلِ مَڪَّةَ هَارِبًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَصَدِيقِهِ أَبِي بَڪْرٍ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ :{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أَيْ : وَقَدْ لَجَأَ إِلَىٰ الْغَارِ، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَسْكُنَ الطَّلَبُ عَنْهُمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِڪِينَ حِينَ فَقَدُوهُمَا ڪَمَا تَقَدَّمَ، ذَهَبُوا فِي طَلَبِهِمَا ڪُلَّ مَذْهَبٍ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ، وَجَعَلُوا لِمَنْ رَدَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مِائَةً: «„١٠٠”»؛ مِنَ الْإِبِلِ، وَاقْتَصُّوا آثَارَهُمَا حَتَّىٰ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ، وَڪَانَ الَّذِي يَقْتَصُّ الْأَثَرَ لِقُرَيْشٍ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ... ) ..
أعودُ لــ أصل الرواية التي اعتمدتها:
فَرَڪِبْتُ:[„أي سراقة”] فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّىٰ إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَڪْرٍ يُڪْثِرُ التَّلَفُّتَ (الالتفات)؛ (في روايةٍ عند الإسماعيليّ أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- دعا عليه، فقال:« „ اللَّهُمَّ اڪْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ ” »)، فــ سَاخَتْ(أي غابت) يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّىٰ بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ (أي : وڪانت الأرض جلدة؛ وفي رواية صلدة)، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَڪَدْ تُخْدِجُ(تخرج) يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ (»عثان» أي غبار؛ العُثان هو الدخان من غير نار، أي: هو الغبار) سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ (أي مع ڪون الأرض جلدة)، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَڪْرَهُ لَا أَضُرُّهُمْ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ (أي : وقلت أنظروني لا أوذيڪم ولا يأتيڪم مني شيء تڪرهونه .. أي وفي رواية: ناديت القوم، وقلت:„ أنا سراقة بن مالك، انظروني أڪلمڪم، أنا لڪم نافع غير ضار، وإني لا أدري لعل الحي فزعوا لرڪوبي: أي أن بلغهم ذلك وأنا راجع رادّهم عنڪم)، فَوَقَفَا لِي وَرَڪِبْتُ فَرَسِي(أي بعد نهوضها) حَتَّىٰ جِئْتُهُمَا (فقلت: إن قومك جعلوا فيك الدية: أي مائة من الإبل لمن قتلك أو أسرك» وهذا هو المراد بقوله في الرواية السابقة فأخبرتهم بما يريد الناس منهم، وڪأنه رأىٰ أن ذلك ڪاف في لحوقه بهم عن ذڪر أبي بڪر)..
وهنا تأتي ملاحظة هامة إذ قال سراقة :
وَ : „ وَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- »؛
فَقُلْتُ لَهُ : „ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيڪُمَا الدِّيَةَ ” ؛
وَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ (وفي رواية «قال يا محمد ادع الله أن يطلق فرسي .. وأرجع عنك .. وأرد من ورائي» (في رواية قال: يا محمّد، قد علمت أنّ هذا عملُك، فادعُ الله أن ينجِيَنِي ممّا أنا فيه)، و
في رواية قال «يا هذان .. ادعوا لي الله ربڪما، ولڪما أن لا أعود ففعل: أي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الفرس» .. وحينئذ يڪون زجره لها ونهوضها بعد الدعاء فلا مخالفة)، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ (في رواية «عرضت عليهما الزاد والحملان» .. أي ولعل الحملان هو المراد بالمتاع، أي لأنه جاء «أنه قال لهما خذا هذا السهم من ڪنانتي، وغنمي وإبلي بمحل ڪذا وڪذا فخذا منهما ما شئتما، فقالا: : «„ اڪفنا نفسك ”»؛ فقال: „ ڪفيتماهما ”؛» .
وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم: «„ يا سراقة إذا لم ترغب في دين الإسلام فإني لا أرغب في إبلك ومواشيك ”»؛ و
في رواية عند أحمد عن أبي بڪر رضي الله عنه، قال « قَالَ : فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِڪْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ، فَقُلْتُ: „ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ”؛ قَالَ:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[40التَّوْبَةِ ] .. (أي وقد تقدم أنه قال ذلك له في الغار).. فَمَا أَنْ دَنَا مِنَّا، وَڪَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ : „ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ”؛ وَبَڪَيْتُ ، فَــ
قَالَ: „ مَا يُبْكِيكَ ؟ ”؛
قُلْتُ: „ أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَىٰ نَفْسِي أَبْڪِي وَلَڪِنِّي إِنَّمَا أَبْڪِي عَلَيْكَ . فَــ
دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ
قَالَ : «„ اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ ”» ..
فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَىٰ بَطْنِهَا .(وڪانت الأرض صلبة» أي ولا يخالف ما سبق أنها بلغت الرڪبتين، لجواز أن يڪون ذلك في أوّل أمرها، ثم صارت إلىٰ بطنها، وذلك ڪله في المرة الأولىٰ، فلا يخالف ما في الإمتاع).
«لما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخت يدا فرسه في الأرض إلىٰ بطنها، فقال: „ ادع لي يا محمد أن يخلصني الله تعالى .. ولك عليّ أن أرد عنك الطلب ”؛ فدعا فخلص فعاد فتبعهم، فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى،
فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ : „ يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ ”؛ (من دعائك عليّ»)، فَـ : „ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّينِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ ”؛ فدعا له فانطلق راجعا» .
.. الحديث .. إذ هو يدل علىٰ أنها في المرة الأولىٰ وصلت إلىٰ بطنها؛ وفي الثانية وصلت إلىٰ ما هو زائد علىٰ ذلك. و
ولعل المراد أنه دخل جزء من بطنها في الأرض في المرة الثانية. و
وفي السبعيات للهمداني أن سراقة لما دنا منه صلى الله عليه وسلم صاح وقال:
„ يا محمد مَن يمنعك مني اليوم؟ ”؛
فــ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« „ يمنعني الجبار الواحد القهار ” » ؛ ـ و
نزل جبريل -عليه السلام- وقال:« „ يا محمد إن الله -عز وجل- يقول: جعلت الأرض مطيعة لك فأمرها بما شئت ” » ؛ ـ فــ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« „ يا أرض خذيه ” » ؛ ـفأخذت الأرض أرجل جواده إلىٰ الرڪب، فساق سراقة فرسه فلم يتحرك،
(إلىٰ قصة سراقة أشير بقولٍ:
غرّت سراقة أطماع فساخ به * جواده فانثنىٰ للصلح مطلبا
وإليها أشار أيضا صاحب الهمزية بقوله:
واقتفىٰ أثره سراقة فاستهـ * ـوته في الأرض صافن جرداء
ثم ناداه بعد ما سيمت الخسـ * ـف وقد ينجد الغريق النداء
أي وتبع أثره سراقة، فهوت: أي سقطت به : „ صافن ”؛ وهي الفرس التي تقوم علىٰ ثلاث قوائم وتقيم الرابعة علىٰ طرف الحافر، وهو وصف محمود في الخيل.
: „ جرداء ”؛ قصيرة الشعر، وذلك وصف محمود في الخيل أيضا بعد أن قاربت أن يخسف بها ڪلها. وقد يخلص الدعاء الغريق، ڪما وقع لـ يونس -صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه-)
فــ
قال: „ يا محمد الأمان .. وعزة العزى لو أنجيتني لأڪونن لك لا عليك ”؛ فـ
قال:« „ يا أرضُ أطلقيه فأطلقت جواده ” » ؛ ـ
و
رُوي في بعض التفاسير أن سراقة عاهد سبع مرات ثم ينڪث العهد، وڪلما ينڪث العهد تغوص قوائم فرسه في الأرض؛ وهذا أي الاقتصار علىٰ غوص قوائم فرسه في الأرض لا ينافي الزيادة، فلا يخالف ما سبق، وفي السابعة تاب توبة صدق.
وفي الفصول المهمة : لما اتصل خبر مسيره صلى الله عليه وسلم إلىٰ المدينة وذلك في اليوم الثاني من خروجه صلى الله عليه وسلم من الغار جمع الناس أبو جهل وقال:
„ بلغني أن محمدا قد مضىٰ نحو يثرب علىٰ طريق الساحل ومعه رجلان آخران، فأيڪم يأتيني بخبره ” ؛ فـ
وثب سراقة، فقال: „ أنا لمحمد يا أبا الحڪم ” ؛ ـ
وهذه روايةٌ آخرى: ثم إنه رڪب راحلته واستجنب فرسه وأخذ معه عبدا له أسود ڪان ذلك العبد من الشجعان المشهورين فسارا: أي في أثر النبي صلى الله عليه وسلم سيرا عنيفا حتىٰ لحقا به، فــ
قال أبو بڪر: „ يا رسول الله قد دهينا، هذا سراقة قد أقبل في طلبنا ومعه غلامه الأسود المشهور ” ؛ فلما أبصرهم سراقة نزل عن راحلته ورڪب فرسه وتناول رمحه وأقبل نحوهم، فلما قرب منهم،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:« „ اللهم اڪفنا أمر سراقة بما شئت وڪيف شئت وأن شئت ” » ؛ فــ
غابت قوائم فرسه في الأرض حتىٰ لم يقدر الفرس أن يتحرك، فلما نظر سراقة إلىٰ ذلك هاله ورمىٰ نفسه عن الفرس إلىٰ الأرض ورمى رمحه و
قال: „ يا محمد أنت أنت وأصحابك ”؛ أي أنت ڪما أنت أي آمن وأصحابك، فادع ربك يطلق لي جوادي ولك عهد وميثاق أن أرجع عنك ”؛ فــ
رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلىٰ السماء، وقال:« „ اللهم إن ڪان صادقا فيما يقول فأطلق له جواده ” » ؛ ـ
قال: فأطلق الله -تعالىٰ- قوائم فرسه حتىٰ وثب علىٰ الأرض سليما أي ولعل هذا في المرة الثانية أو المرة الأخيرة من السبع علىٰ ما تقدم، وتقدم أن الاقتصار علىٰ القوائم لا ينافي الزيادة عليها، فلا يخالف ما سبق في هذه الرواية ..
«ورجع سراقة إلىٰ مڪة فاجتمع الناس عليه فأنڪر أنه رأىٰ محمدا، فلا زال به أبو جهل حتىٰ اعترف وأخبرهم بالقصة» ..
وفي ذلك يقول سراقة مخاطبا لأبي جهل:
أبا حڪم والله لو كنت شاهدا * لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشڪك بأن محمدا * رسول ببرهان فمن ذا يقاومه؟
وسياق هذه الرواية يدل علىٰ أنه خرج خلف النبي صلى الله عليه وسلم من مڪة، ويدل لذلك ما ذڪر أنه ڪان أحد القاصين لأثره صلى الله عليه وسلم في الجبل؛ لڪنه مخالف لما تقدم أنه خرج خلفه صلى الله عليه وسلم من قديد من مجلس قومه وأخفىٰ خروج فرسه وخروجه عن قومه.
وقد يقال: لا مخالفة لأنه يجوز أن يڪون لما خرج من مڪة سلك طريقا غير الطريق الذي سلڪها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجده وسبقه علىٰ قديد فجلس في مجلس قومه؛ فلما أخبر بمرورهم فعل ما تقدم ثم وجد عبده الأسود في مروره وڪان معه راحلته فرڪبها واستجنب فرسه وصحب عبده.
ولا مانع أن يخرج من مڪة بعد خروجهم من الغار، ويسبقهم علىٰ قديد. ولا ينافي ذلك قوله : „ فأتانا رسل ڪفار قريش ” ؛ لأنه يجوز أن يڪون ذلك هو الحامل لسُراقة علىٰ الذهاب إلىٰ مڪة لعله يجده بطريقة. ولا ينافي ذلك ڪونه ڪان أحد القصاصين لأثره صلى الله عليه وسلم، لأنه يجوز أن يڪون عاد إلىٰ قديد قبل أن يجعل الجعل.
وفي ڪلام بعضهم أنه أرسل بهذين البيتين إلىٰ أبي جهل. ولا منافاة لجواز أن يڪون أرسل بهما قبل أن يشافهه بهما.
وفي رواية أنه لما لحق بهم قال صلى الله عليه وسلم :« اللهم اصرعه ” » ؛ فصرع عن فرسه، فقال: „ يا نبي الله مرني بما شئت ” ؛
قال:« „ تقف مڪانك لا تترڪنّ أحدا يلحق بنا ” » ؛
ثم لا يخفىٰ أن صرعه عن فرسه يحتمل أن يڪون لما ساخت.
و
يحتمل أنه صرع عنها قبل ذلك وهو ظاهر سياق الرواية الأولىٰ وهي: فعثرت بي فرسي فخررت عنها. وحينئذ يڪون عثورها بدعائه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم) ..
-*/*-
(وقفتُ عند قوله: )
وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَؤُونِي (يَرْزَآنِي أي: لم ينقصاني ممّا معي شيئا)، شَيْئًا (فلم يقبلا)، وَلَمْ يَسْأَلْنِي (يَسْأَلَانِي)، إِلَّا أَنْ قَالَ :« „ أَخْفِ عَنَّا ” » ؛ (في رواية عند أحمد قال: „ فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَىٰ مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ ، وَهَذِهِ ڪِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَڪَانِ ڪَذَا وَڪَذَا ، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ ” ؛
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« „ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ ” ؛ وَدَعَا لَهُ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَىٰ أَصْحَابِهِ ؛
فجعل لا يلقَىٰ أحدا إلاّ قال له: „ قد ڪُفِيتُم ما هاهنا ” ؛ ـفــ
لا يلقىٰ أحدا إلاّ ردّه!.
وفي رواية أنس -رضي الله عنه-: فقال: „ يا نبي الله مُرْني بما شئت! ” ؛
قال:« „ فَقِفْ مَڪَانَكَ، لاَ تَتْرُڪَنَّ أَحَداً يَلْحَقُ بِنَا ” » ؛
قال أنس : „ فڪان أوّل النّهار جاهدا علىٰ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وڪان آخرَ النّهار مَسْلَحَةً له ” ؛ أي: حارساً له بسلاحه.
وڪان يقول لقريش: „ قد عرفتم بصري بالطّريق وبالأثر، وقد استبرأْت لڪم، فلم أرَ شيئا، فرجعوا ” ؛) ..
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَڪْتُبَ لِي ڪِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ (لأنه وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» .
وفي السبعيات «قال سراقة: „ يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر أمرك في العالم؛ وتملك رقاب الناس، فعاهدني أني إذا أتيتك يوم ملڪك فأڪرمني ” ؛ فأمر عامر بن فهيرة، أي وقيل أبا بڪر فڪتب لي في رقعة من أدم، أي وقيل في قطعة من عظم، وقيل في خرقة» .
يمڪن القول: وحينئذ يمڪن أن يڪون ڪتب عامر بن فهيرة أولا فطلب سراقة أن يڪون أبو بڪر هو الذي يڪتب، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بڪتابة ذلك، فأحدهما ڪتب في الرقعة من الأدم، والآخر ڪتب في العظم أو الخرقة. أو المراد بالخرقة الرقعة من الأدم، فلا مخالفة)، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَڪَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ ثُمَّ مَضَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
[أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ دون الزيادات ڪي تتم ڪامل الرواية؛ وانظر: النبلاء؛ الذهبي] .
-*/*-
(ولما أراد الانصراف قال له:« „ يڪف بك يا سراقة إذا تسورت بسواري ڪِسرى؟ ” » ؛ و
في رواية:
« „ ڪيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ ڪِسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه ” »
قال سراقة: „ ڪسرى بن هرمز؟ ” ؛
قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« „ نعم ” » ؛
[رواية جاءت في النبلاء؛ عند الذهبي] وَقَالَ مُوسَىٰ بْنُ عُقْبَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَخَاهُ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ : „ وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي ثُمَّ لَبِسْتُ لَأْمَتِي ” ؛ وَفِيهِ : فَڪَتَبَ لِي أَبُو بَڪْرٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ فَرَجَعْتُ فَسَڪَتُّ، فَلَمْ أَذْڪُرْ شَيْئًا مِمَّا ڪَانَ حَتَّىٰ فَتَحَ اللَّهُ مَڪَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ لِأَلْقَاهُ وَمَعِيَ الْڪِتَابُ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ ڪَتِيبَةٍ مِنْ ڪَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: „ إِلَيْكَ إِلَيْكَ ” ؛ حَتَّىٰ دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَىٰ نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَىٰ سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ ڪَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ، فَرَفَعْتُ يَدَيَّ بِالْڪِتَابِ .. فَــ
قُلْتُ : „ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ڪِتَابُكَ ” ؛ ـفَــ
قَالَ: „ يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ .. ادْنُ ” ؛
قَالَ : „ فَأَسْلَمْتُ ” ؛
ثُمَّ ذَڪَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ وَشَيْءٍ آخَرَ، قَالَ : فَانْصَرَفْتُ وَسُقْتُ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَتِي .[النبلاء؛ الذهبي] .
-*/*
وقبيل وصول المصطفىٰ إلىٰ المدينة حدث :[الذهبي؛ النبلاء] : " وَقَالَ عَبْدُالْوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ (يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا فِي السِّنِّ)
قَالَ أَنَسٌ: فَيَلْقَىٰ الرَّجُلُ أَبَا بَڪْرٍ فَيَقُولُ : „ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ ؟ ” ؛ ـفَــ
يَقُولُ: „ هَذَا رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ ” ؛ فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيقَ الْخَيْرِ . فَــ
إِذَا هُوَ بِـ :« فَارِسٍ » قَدْ لَحِقَهُمْ ، فَــ
قَالَ: „ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ ” ؛ فَــ
قَالَ :« „ اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ ” » ؛ فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ .
ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ . فَــ
قَالَ: „ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَ شِئْتَ ” ؛
قَالَ :« „ تَقِفُ مَڪَانَكَ لَا تَتْرُڪَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا ” » ؛ (ولما رجع سراقة صار يردّ عنهم الطلب، لا يلقىٰ أحدا إلا ردّه،
يقول: „ سيرت ” ؛ أي اختبرت الطريق فلم أراد أحدا. وفي لفظ قال لقريش: أي الجماعة منهم قصدوه صلى الله عليه وسلم ڪأنهم أخبروا بمڪان مسيره ذلك: „ قد عرفتم بصري بالطريق، وقد سرت فلم أرَ شيئا ” ؛ فرجعوا أي فإن ڪفار قريش لما سمعوا من الهاتف أي ومن غيره بأنه صلى الله عليه وسلم نزل في خيمة أم معبد ڪما ذكرتُ في الباب السابق، أرسلوا سرية في طلبه، يقول قائلهم: „ اطلبوه قبل أن يستعين عليڪم بڪلبان العرب ” ؛ فيحتمل أن هؤلاء هم الذين ردهم سراقة .. ويحتمل أنه بعد أن ردهم سراقة ذهبوا إلىٰ أمّ معبد.. ) ..
(وفي رواية «قال سراقة: „ خرجت وأنا أحب الناس في تحصيلهما، ورجعت وأنا أحب الناس في أن لا يعلم بهما أحد ” » .. ) ،
قلت(الرمادي): رواية الذهبي لم توضح أي فارسٍ هذا .. فأترڪه ڪما ترڪه الذهبي دون بيان .. وأن ڪان ظاهر الرواية -عندي- تشير أنه سُراقة(!) ..
وَلَمَّا رَجَعَ سُرَاقَةُ جَعَلَ لَا يَلْقَىٰ أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ إِلَّا رَدَّهُ، وَقَالَ : „ كُفِيتُمْ هَذَا الْوَجْهَ ” ؛ فَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ وَصَلَ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ، جَعَلَ سُرَاقَةُ يَقُصُّ عَلَىٰ النَّاسِ مَا رَأَىٰ، وَمَا شَاهَدَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَمَا ڪَانَ مِنْ قَضِيَّةِ جَوَادِهِ، وَاشْتُهِرَ هَذَا عَنْهُ فَخَافَ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ مَعَرَّتَهُ، وَخَشُوا أَنْ يَڪُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِ ڪَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَڪَانَ سُرَاقَةُ أَمِيرَ بَنِي مُدْلَجٍ وَرَئِيسَهُمْ ، فَڪَتَبَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ :
بَنِي مُدْلِجٍ إِنِّي أَخَافُ سَفِيهَڪُمْ * سُرَاقَةَ مُسْتَغْوٍ لِنَصْرِ مُحَمَّدِ
عَلَيْڪُمْ بِهِ أَلَّا يُفَرِّقَ جَمْعَڪُمْ * فَيُصْبِحَ شَتَّىٰ بَعْدَ عِزٍّ وَسُؤْدُدِ
قَالَ : فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ أَبَا جَهْلٍ فِي قَوْلِهِ هَذَا :
أَبَا حَكَمٍ وَاللَّهِ لَوْ ڪُنْتَ شَاهِدًا * لِأَمْرِ جَوَادِي إِذْ تَسُوخُ قَوَائِمُهْ
عَجِبْتَ وَلَمْ تَشْڪُكْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا * رَسُولٌ وَبُرْهَانٌ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهْ
عَلَيْكَ بِڪَفِّ الْقَوْمِ عَنْهُ فَإِنَّنِي * إِخَالُ لَنَا يَوْمًا سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ
بِأَمْرٍ تَوَدُّ النَّصْرَ فِيهِ فَإِنَّهُمْ * وَإِنَّ جَمِيعَ النَّاسِ طُرًّا مُسَالِمُهْ
وَذَكَرَ هَذَا الشِّعْرَ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ " بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَزَادَ فِي شِعْرِ أَبِي جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ-، أَبْيَاتًا تَتَضَمَّنُ ڪُفْرًا بَلِيغًا . [ البداية؛ ابن كثير].
وقبل الإنتقال إلىٰ جزئية جديدة من هذا البحث .. يجب التنبيه بأن ما حدث مع سُراقة يندرج تحت معجزات الرسول المصطفىٰ الحسية!
أعود لرواية ابن إسحاق؛ وتحت عنوان عريض :
[ إسْلَامُ سُرَاقَةَ ]
( قَالَ ) : فَڪَتَبَ لِي ڪِتَابًا فِي عَظْمٍ، أَوْ فِي رُقْعَةٍ، أَوْ فِي خَزَفَةٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إلَيَّ، فَأَخَذَتْهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي ڪِنَانَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَسَڪَتُّ فَلَمْ أَذْڪُرْ شَيْئًا مِمَّا ڪَانَ حَتَّىٰ إذَا ڪَانَ فَتْحُ مَڪَّةَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، خَرَجْتُ وَمَعِي الْڪِتَابَ لَأَلْقَاهُ، فَــ لَقِيتُهُ بِــ الْجِعْرَانَةِ .
( سُراقة أسلم بالجعرانة )
قَالَ : فَدَخَلْتُ فِي ڪَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ .
قَالَ : فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ : „ إلَيْكَ ( إلَيْكَ )، مَاذَا تُرِيدُ ؟ ” ؛
قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَىٰ نَاقَتِهِ، وَاَللَّهِ لَڪَأَنِّي أَنْظُرُ إلَىٰ سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ ڪَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ.
قَالَ : فَـ رَفَعْتُ يَدِي بِالْڪِتَابِ ،
ثُمَّ قُلْتُ: „ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا ڪِتَابُكَ ( لِي )، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ ” ؛ قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( ولما قدم علىٰ رسول الله -صلى الله عليه وسلم بها قال له «مرحبا بك». ) :« يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ ، ادْنُهْ ” » ؛
قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَــ
:« أَسْلَمْتُ » ؛
ثُمَّ تَذَڪَّرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَمَا أَذْڪُرُهُ، إلَّا أَنِّي قُلْتُ : „ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الضَّالَّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَىٰ حِيَاضِي، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا ؟ ” ؛
قَالَ:« „ نَعَمْ، فِي ڪُلِّ ذَاتِ ڪَبِدٍ حَرَّىٰ أَجْرٌ ” » ؛
قَالَ : ثُمَّ رَجَعْتُ إلَىٰ قَوْمِي ، فَسُقْتُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَتِي. ".
-*/*-
وأنتقل لمسألة آخرى:
[(أڪثر ما شاع واشتهر في السيرة النبوية قصة لحاق سراقة بن مالك برسول الله -صلىوسلمإ - وصاحبه أبي بڪر الصديق -رضي الله عنه- في طريق الهجرة، فـ
قال الرسول -صلىوسلمٰ - لسراقة:
« „ ڪيف بك إذا لبستَ سواريْ ڪسرى ؟ ” » ؛
فهل هذا الخبر صحيحا !؟
ذڪر ذلك الحافظان ابن عبدالبر وابن حجر -رحمهما الله- في ترجمتهما لسراقة بن مالك -رضي الله عنه- فقالا: „ روى سفيان بن عيينة عن أبي موسىٰ عن الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لسراقة: .. وذكره: "قال فلما أُتي عمر -رضي الله عنه- بسواري ڪسرى ومنطقه وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما، ... وقال له : „ ارفع يدك ” ؛ فقال: „ الله أڪبر والحمد لله الذي سلبهما ڪسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة الأعرابي ” ؛
وهذا مرسل الحسن بن أبي الحسن البصري الإِمام المشهور، وهو علىٰ جلالته وعلمه وفضله إلا أن مراسيله ليست بحجة، وهو قول محمد بن سيرين وابن سعد والإِمام أحمد، وخالفهم الإمامان أبو زُرعة الرازي ويحي القطان ".
قال العلائي -رحمه الله- في (جامع التحصيل): "والظاهر أن قول الأڪثر أولىٰ بالاعتماد، وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما ڪانا يأخذان من ڪل ضرب".
وقد رواه أبو بڪر بن أبي شيبة من طريق علي بن زيد -وهو ضعيف- عن الحسن، وليس فيه: „ ڪيف بك إذا لبست سواري ڪِسرى ” ؛.
قلت(الرَّمَادِيُ): وهناك رواية عن توزيع غنائم مُلك كِسرى زمن خلافة الفاروق عمر بن الخطاب توقفتُ عن سردها ؛ إذ لم تمڪنني المصادر من تحقيقها أو الرجوع إلىٰ السادة العلماء في الإخبار عنها(!؟) ..
أما أصل القصة وهي لحاق سراقة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والصديق فهي ثابتة رواها البخاري، ومسلم .
وفيها من آيات حماية الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولصاحبه الصديق - رضي الله عنه -، ووقوع الإِسلام في قلب سراقة.. بقوله: „ ... ووقع في نفسي حين لقيتُ ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” ؛ فسألته أن يڪتب لي ڪتاب أمنٍ، فأمر عامر بن فهيرة فڪتب في رقعة من أدم" [البخاري 3906].
-*/*-
ومجمل الروايات تدل علىٰ مدىٰ المعاناة التي عاناها المصطفىٰ الهادي وبجواره الصديق الرفيق قبل وإثناء الهجرة الشريفة ..
ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ]
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
« يوميات الهجرة » إلىٰ الْمَدِينَةِ :
﴿ ١٣٤ ﴾ : في طريق الهجرة : « „ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ ” » الْمُدْلِجِيُّ
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الأحد ٢٠ محرم ~ ٦ أغسطس 2023 من سنة الميلاد العجيب
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـ
ـ
 |
[ ١٤ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
١٣٢/أ خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنِّ(!؟) عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهجرةُ المباركةُ .. أمرٌ مِنَ اللهِ .. ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ ..
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
يوميات الهجرة
قضية الاصطفاء؛ ومسألة الاجتباء؛ وموضوع الاحتباء؛ وحقيقة الارتضاء متعلقة حتماً بـ نبي يُرسل ومرتبطة بـ رسول يُبعث لـ يظهر لـ قومه خوارق العادات؛ ومعجزات الأحوال؛ وإعجاز الأفعال؛ ومفردات التصرفات -والتي لا يقدر عليها مجتمعة أو متفرقة إلا الله؛ خالق الحياة والإنسان والڪون -سبحانه وتعالىٰ- لـ يجلب -النبي/الرسول- اهتمامهم؛ ويثير فڪرهم؛ وينشط ذهنهم؛ ويوقظ همتهم فـ يثبت قلوبهم علىٰ الإيمان الصحيح؛ ويقوي فيهم العقيدة القويمة السليمة؛ وينمي اليقين المتين القوي في أفئدتهم .. فيوطئ نفوسهم لما سوف يقوله عن أسس رسالة السماء؛ ومبادئ عقيدة الإيمان بآله واحد يرسل أحكامه الشرعية العملية والتي أُرسل بها من قِبَل الواحد الأحد الخالق الفرد الصمد المحيي الميت الذي بيده الخير وهو علىٰ ڪل شئٍ قدير ..
وهذه حالة الأنبياء .. وهذا وضع الرسل ..
{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين}[*]{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[آل عمران:33، 34]
وتستثنىٰ منهم -عليهم الصلاة والسلام- مسألة اصطفاء مريم بنت عمران -بڪامل القصة- .. قضية تلك البڪر العذراء البتول الصديقة حين يأتيها رزقها بما جرىٰ أمام أعين مَن ڪفلها .. النبي زڪريا -عليه السلام- لحڪمة ارتضاها خالقها؛ وعلة وضحها رازقها في محڪم التنزيل العزيز .. وأيضا حين حملت بالسيد المسيح عيسىٰ ابنها دون زوج .. فهي حالة لن تتڪرر أبداً .. ومع ذلك فلن توضع في مصاف الأنبياء ولا في درجات الرسل وإن ڪلمتها الملائڪة جهاراً .. وهذا ليس تقليلاً مِن شأن المرأة أو إجحاف بحق الأنثىٰ ..
وهذه المسألة -نبوة النساء- تحتاج لمزيد توضيح وڪشف بيان مِن عدة جوانب .. أي ِمن الجانب الشرعي الاصطفائي [حڪمة الله~الخالق -تعالىٰ-] والجانب التشريحي والنفسي والتڪليفي [الإنساني~الآدمي~البشري] ..
أو
[(أخيراً)] -وهي الحالة الآخيرة والوضع النهائي المتمم لرسالة السماء- ليوضح للناس ڪافة أنه بُعث رحمةً للعالمين وهداية للعاقلين وبشارة للمؤمنين .. رسالة النبي الخاتم رسالة الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ..
والأنبياء والرسل يحملون للبشرية الهداية في الحياة الدنيا والبشارة بالجنة لمن آمن؛ ويظهرون العديد مِن المعجزات الحسية .. تلك التي تنتهي بإنتهاء بعثة الرسول أو إنتهاء رسالة النبي ..
بيد أن رسالة الإسلام وهي الرسالة الخالدة إلىٰ أن يرث الله -جلَّ شأنه وتعالىٰ سبحانه- الأرض ومَن عليها ستبقىٰ؛ ومعجزة نبي الإسلام الباقية وهي -القرآن الڪريم والذڪر الحڪيم ومحڪم التنزيل والبرهان المبين- ستبقىٰ .. ويجاورها العديد مِن المعجزات الحسية .. ومنها ما حدث إثناء الهجرة الڪبرىٰ المبارڪة ..
وتتبقىٰ مسألة -متعلقة بالمعجزة- حدثَ فيها بعض الخلط وسوء الفهم عند بعض المسلمين .. وهي ما سُميت بــ :« „ الكرامات ” » ؛ والتي يقوم بها قلة مِن أولياء الله الصالحين والتي أختزلها البعض(!؟) في فئة دون غيرها .. بيد أن الآية أوضحت تماماً مَن هم دون لبس أو زيغ .. فالنص القرآني يتحدث عن هذه الفئة ..
وَانْتَبِهْ أَيّهَا الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِتَدَبّرِ ڪِتَابِ اللهِ -تَعَالَىٰ- لِقَوْلِهِ :
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
[( ١. ).] يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَ
[( ٢. ).] يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَ
[( ٣. ).] يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَ
[( ٤. ).] يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَ
[( ٥. ).] يُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم[التوبة:71]
ثم يأتي مزيد بيان قرآني ڪريم :
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون[يونس:62]
[( ٦. ).] الَّذِينَ آمَنُواْ
وَ
[( ٧. ).] كَانُواْ يَتَّقُون[يونس:63]
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم [يونس:63]
وبإعادة دقة ترتيب صفات الصالحين ونعوت أولياء الله العاملين .. وهم ليسوا مِن الأنبياء وليسوا مِن المرسلين ولڪن مِن الصالحين العاملين وفق ڪتاب رب العالمين .. فتجد دقة الترتيب وحسن التنظيم يأتي ڪما يلي :
[( ١. ).] الَّذِينَ آمَنُواْ
[( ٢. ).] يُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ
[( ٣. ).] كَانُواْ يَتَّقُون
[( ٤. ).] يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
[( ٥. ).] يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
[( ٦. ).] يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
[( ٧. ).] يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
لذا فمَن يلتزم بهذه الأوامر مِن ذڪر أو أنثىٰ -لا فرق مِن حيث النوع الآدمي والتصنيف البشري- يصبح مِن :
أَوْلِيَاء اللّهِ
وهم :
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
إذ أن:
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
هؤلاء بنص القرآن :
[( ١. ).] أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم
فــ :
[( ٢. ).] لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَ
[( ٣. ).] لاَ هُمْ يَحْزَنُون
فــ ما لهم إذاً :
[( ٤. ).] لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا
[( ٥. ).] وَفِي الآخِرَةِ
وهذه الأوصاف القرآنية والنعوت الربانية لا تنجر علىٰ أفراد جماعة إسلامية(!) بعينها ولا يحق لـ طريقة صوفية(!) أن تصف ذاتها أو رؤوسها بها بل تخص :
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
مِن أمة النبي الخاتم والرسول المتمم للرسالات وآخر المرسلين .. محمد بن عبداللهـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
ولعل قمة الإعجاز في أحداث الهجرة الحسية -المعجزة الحسية؛ تنتهي بإنتهاء زمنها ومضي وقتها؛ ولڪنها تنقل بطريق صحيح ونقل موثوق به- .. لعل قمة الإعجاز حين نقرأ في ڪتب السيرة المحمدية النبوية تحت عنوان :
:« خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنِّ(!؟) عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي هِجْرَتِهِ »
فــ المخبر عن طريق هجرته : الجن .. وليس بشر ..
وهذا هو ظاهر الرواية التي نحن بصدد بحثها ؛ خاصةً بعد ترك المصطفىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خيمة أم معبد [(السيدة : عاتڪة)] وفق ترتيب أحداث مجريات الهجرة الڪبرىٰ البهية المبارڪة السنية ..
وهي -مسألة إخبار الجن بخط سير المصطفىٰ في هجرته- عندي مسألة مِن حيث مطلق القدرة الآلهية والمقدرة الربانية لا شك فيها لحيظة واحدة.. ولڪنها تحتاج إلىٰ صحة سند!
فيثبت لنا صاحب : „ السيرة النبوية؛ ابن هشام ” حادثة الهاتف ويثبت أنه :« رَجُلٌ مِنْ الْجِنِّ ». فتنقل عنه غالبية المراجع والمصادر أو منه ؛ إذ تقرأ عنده:« „ قَالَتْ [(أي أسماء ابنة الصديق؛ أبي بڪر)] : ثُمَّ انْصَرَفُوا . [(.. إذا ربطتُ أحداث رواية أسماء بنت أبي بڪر دون إنقطاع فتعود لفظة (انْصَرَفُوا) علىٰ [(نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ؛ حين جاءوا يسألون عن أبيها] ...
ثم تبين مدة مڪث الرسول المهاجر -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع صديقه الصديق.. فتقول )] فَمَڪَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ . [(ثم تشرح بقولها: )] وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، حَتَّىٰ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنِّ [(وهنا: فـ ڪاتب هذه السطور لا يشڪك في الحدث التاريخي ولڪن يبحث في صحة الإسناد؛ وتحدد الرواية من أين آتى)] مِنْ أَسْفَلِ مَڪَّةَ ، يَتَغَنَّىٰ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ ، حَتَّىٰ خَرَجَ مِنْ أَعَلَىٰ مَڪَّةَ وَهُوَ يَقُولُ الأبيات المعروفة ..
وهذا ما :" أخرجه أبو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق " ..
وعليه فقد: " ذَكَرَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَڪْرٍ حِينَ خَفِيَ عَلَيْهَا، وَعَلَىٰ مَنْ مَعَهَا أَمْرُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ تَوَجّهَ حَتّىٰ أَتَىٰ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ فَمَرّ عَلَىٰ مَڪّةَ وَالنّاسُ يَتّبِعُونَهُ وَهُوَ يُنْشِدُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ " . (انظر: الروض)
: جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ * رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا * فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَىٰ رَفِيقَ مُحَمَّدٍ
لِيَهْنِ بَنِي ڪَعْبٍ مَڪَانُ فَتَاتِهِمْ * وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ
[وانظر: موسوعة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي؛ السيرة النبوية ]
ونفس الرواية جاءت عن طريق : „ الصالحي في سبل الرشاد ” ؛ وڪأنه نقلها مِن عند ابن هشام؛ فــ تقول الرواية علىٰ لسان أسماء بنت أبي بڪر :" فَمَڪَثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ تَوَّجَهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىٰ أَتَىٰ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَڪَّةَ يَتَغَنَّىٰ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ وَتَبِعَهُ النَّاسُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ حَتَّىٰ خَرَجَ مِنْ أَعْلَىٰ مَڪَّةَ وَهُوَ يَقُولُ :وذڪر الأبيات السابقة! ". ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ؛ جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة؛ الباب الثاني: في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الڪريمة وڪفاية الله تعالى رسوله مڪر المشرڪين حين أرادوا ما أرادوا ) .
بيد أنه في : „ عيون الأثر ” جاءتنا إضافة توضيحية تقول :" عن أسماء ابنة أبي بڪر -رضي الله عنهما-، قالت: ارتحل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر فـــ لبثنا أيامًا ثلاثة .. أو أربعة .. أو خمس ليال .. لا ندري أين توجه، ولا يأتينا عنه خبر، حتىٰ أقبل رجل من الجن… الحديث بنحو ما تقدم . ".
وأقصد بالإضافة هنا الفترة الزمنية إذ قالت :
- فــ لبثنا أيامًا ثلاثة .
أو
- أربعة
أو
- خمس ليال .
قلت (الرَّمَادِيُّ) :" ولعلنا نتحدث عن أحداث تمت في صبيحة اليوم السادس من أيام هجرته -عليه السلام- وعلىٰ صاحبه رضوان الله -تعالىٰ- " .
بيد أن صاحب : „ المقتفىٰ من سيرة المصطفىٰ -صلى الله عليه وسلم- ” .. احترس في القول فعمم الخبر بقوله : « „ وَسمع أهل مَڪَّة بعد رحيله هاتفاً ” » ؛ فلم يذڪر جنس مخلوق : رجل من الجن أو فقط رجل ..
-*/*-
ويحق لي أن أتساءل ..
مَن أخبر بـ لقاء النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - مع أم مَعبد .. !؟
فهل هذا الخبر مِن أمور الغيب .. فتصدق هڪذا دون ڪيف .. و أنىٰ!.. فهي مسألة يحار فيها الفهم في قدرته -سبحانه وتعالىٰ شأنه- إذ هو شأن صاحب الأمر .. فأمره بين الڪاف والنون ..
و
ما يجعلني أعيد السؤال أن ڪافة المسائل الغيبية يجب أن تؤخذ عن يقين مِن دليل قطعي الثبوت(أي جاء عن طريق الوحي) وقطعي الدلالة(أي له معنىٰ واحد لا يتعدد) !.. غير أنني أحتاج إعادة مراجعة هذه القضية في ملحق قادم بإذنه -تعالىٰ-!.. إذ أن حمود التويجري له رأي فصله في آحدىٰ ڪتبه.. لا يقع تحت يدي الأن!!! .
ويصلح هنا أن يتساءل المرء :
مَن أخبر -بالفعل؛ وحقاً وصدقاً- أهل مڪة بلقاء النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مع أم مَعبد !؟
بل ..
وتصعب الإجابة بالفعل بل تڪاد تڪون مستحيلة؛ إذ يحق للمرء أن يتساءل .. فـ يڪون السؤال :
متىٰ علم : شاعر الحياة الجديدة .. حسان بن ثابت بتلك الأبيات والتي رد عليها وهو ما زال في يثرب = مدينة الرسول الجديدة .. والنبي القادم إليها مِن أم القرىٰ مرڪز الڪرة الأرضية لم يصلها بعد .. والتي ستصير -يثرب- أم الإسلام مرڪز الإشعاع النبوي ومشڪاة نور الهداية الإسلامية لڪافة المعمورة .. إذ هي .. -يثرب/المدينة المصطفوية- ستڪون الڪيان التنفيذي الأول لدولة الإسلام الأولىٰ ڪـ حڪومة وقوانين وشريعة وأحڪام تطبيقية تنفيذية وليست مجرد نظريات فلسفية أو تعاليم ڪهنوتية جوفاء لا معنىٰ لها في الحياة الدنيا .. فالمدينة المصطفوية : ستصبح بعد قليل وفق أحداث السيرة المحمدية النبوية : ستصبح الڪيان التنفيذي الأول لتطبيق افكار الإسلام علىٰ الأرض وتحقيق قيم الإسلام بين الناس وتنفيذ مقاييس الإسلام -الدين الجديد- وحمل قناعات الإسلام لغير المسلمين دون إڪراه أو تسليط سيف فوق رقبة أو نثر دنانير علىٰ رؤوس الفقراء أو سد جوعة معدة فارغة من خلال إطعام افواه جائعة أو بعثات طبية .. بل حمل أهلُ الإيمان مبادئَ الإسلام لغيرهم من بني البشر عن طريق الإقناع والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن" ..
فنقرأ وهنا مفاجأة آخرىٰ:
« „ إذ أصبح صوت بــ يثرب / المدينة بين السماء والأرض يسمعون ولا يرون مَن يقوله ” » ..
-*/*-
قال الطيب النجار :« „ تروي ڪتب السيرة أن هاتفًا من الجن(!؟) أخبر أهل مڪة بما وقع في خيمة أم معبد ” » .
قلت(الرَّمَادِيُّ): فمن أخبر أهل يثرب!؟؟
فقد
*.)] ذڪر صاحب المنتظم أنه قد " قالت أسماء بنت أبي بڪر و :« „ لم ندر بالحال ” » حتىٰ أقبل رجلٌ من الجن(!؟) من أسفل مڪة يغني بأبياب من الشعر من غناء العرب والناس يتبعونه يسمعون صوته وما يَرَوْنه حتىٰ خرج من أعلىٰ مڪة وهو يقول:
جَزَىٰ الله رَب الناس خَيْرَ جَزائهِ*رَفِيقَيْن حلا خَيْمَتَيْ أمَ مَعْبَدِ
وقصد السيدة اسماء بنت أبي بڪر مِن قولها „ .. ولم ندر بالحال .. ” أي حال النبي بصحبة والدها..
:" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: فَلَمّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وَجّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنّ وَجْهَهُ إلَىٰ الْمَدِينَةِ ..
وَڪَانُوا أَرْبَعَةً :
- رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ
- أَبُو بَڪْرٍ الصّدّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَ
- عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَىٰ أَبِي بَڪْرٍ، وَ
- عَبْدُاللهِ بْنُ أَرْقَطَ دَلِيلُهُمَا. ". (الروض الأنف)
وبعد أن نقل صاحب المنتظم رواية أسماء .. وڪأنه استدرك .. فقال بعد عدة أسطر من المقالة المنسوبة لإبنة الصديق السابقة : « „ وأصبح صوتٌ(!) بمڪة عاليًا بين السماء والأرض يسمعون ولا يرون مَنْ يقوله ” » .
قلت(الرَّمَادِيُّ): فلم يذڪر رجل(!) ولم يذڪر جِن(!؟) ؛ ولعل هذه الرواية هي التي ذڪرها صاحب : „ السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة .. الصوياني ” ؛ ڪما ولا تجدها [رجل أو جن] عند : „ أبي شهبة ” ڪما لا تجدها عند : „ العمري ” ڪذلك .. وايضا لا تجدها عند صاحب : „ صحيح السيرة النبوية: إبراهيم محمد العلي ” وعليه اعتمدها : „ الألباني ” عنده؛ وهذا النص اثبته صاحب : „ المستدرك علىٰ الصحيحين ” فقال : « وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَڪَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ ” » دون ذڪر لفظ :" رجل ".. أو " جِن"..
وما يطمئن الباحث -أيضاً- قول شيخ المؤرخين صاحب : « تاريخ الرسل والملوك = تاريخ الطبري وصلة تاريخ الطبري؛ الـطبري، أبي جعفر » ؛
فلم يذڪر رجل أو جِن.. وهذا ما يجعلني اعتمد هذا القول :« يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ ” » ...
قلت (الرَّمَادِيُّ):" واخرجه الْبَغَوِيّ وَابْن شاهين وَابْن السڪن وَابْن مندة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاڪِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق حزَام بن هِشَام بن حُبَيْش بن خَالِد عَن أَبِيه عَن جده "(خصائص؛ السيوطي). وهنا نطمئن للسند والإسناد!
ولعلها -هذه الرواية- بالفعل إعجاز آلهي .. نڪاية بصناديد مڪة وإفشال صريح لمخططهم وتأڪيداً تطبيقيا عمليا لقوله -تعالىٰ- :
" لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا " .. وإخبارهم -ڪمدا( ليصيبهم حُزْناً شَدِيداً)- بنجاح خطة المصطفىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالخروج الأمن من مڪة إلىٰ مبتغاه: يثرب/المدينة والتأڪيد علىٰ قرب وصوله إلىٰ مدينة السلام والإسلام ..
-*/*-
ونقرأ معاً فــ أذڪر الأن الأبيات التي ذڪرها صاحب المنتظم؛ ثم تليها ما في المستدرك للحاڪم .. فتقول :
هما نَزَلا بالبِر وارتحلا به * فأفْلَح مَنْ أمْسَىٰ رفيقَ محمدِ
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَىٰ وَاهْتَدَتْ بِهِ * فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ[رواية: مستدرك الصحيحين]
جَزَىٰ اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ * رَفِيقَيْنِ حَلَّا [ قالا ]خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ[ مستدرك الصحيحين]
فيالَ قصَيٍّ ما زَوَىٰ اللَّهُ عنڪم[عنهم ] به* من فِعال لا تُجَازَىٰ وسُؤدد
فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْڪُمُ * بِهِ مِنْ فَعَالٍ لَا تُجَازَىٰ وَسُؤْدُدِ[ مستدرك الصحيحين]
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ * بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ[ مستدرك الصحيحين]
وَلِيَهْنِ بَنِي ڪَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ * وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ[ مستدرك الصحيحين]
سَلُوا أُخْتَڪُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا * فَإِنَّڪُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ[ مستدرك الصحيحين]
دعاها بشاةِ حائل فتحلَبَتْ له * بصريح ضَرة[ صرة ] الشاةِ مُزْبِدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ * عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبَدِ[ مستدرك الصحيحين]
فغادَرهـ[ـــا ] رَهنًا لديها لحالب * يَدِرُبها في مَصْدرٍ ثم مَوْرِدِ
فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ * يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ بَعْدَ مَوْرِدٍ[ مستدرك الصحيحين]
ترتيب الأبيات قد يختلف من مصدر إلى آخر فلينتبه القارئ!
-*/*-
وفائدة تأتي من الروض تقول :
" وَزَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ أَنّ قُرَيْشًا لَمّا سَمِعَتْ الْهَاتِفَ مِنْ الْجِنّ أَرْسَلُوا إلَىٰ أُمّ مَعْبَدٍ وَهِيَ بِخَيْمَتِهَا، فَــ
قَالُوا: هَلْ مَرّ بِك مُحَمّدٌ الّذِي مِنْ حِلْيَتِهِ كَذَا، فَــ
قَالَتْ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُونَ .. وَإِنّمَا ضَافَنِي حَالِبُ الشّاةِ الْحَائِلِ .. وَكَانُوا أَرْبَعَةً رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، .. وَالرّابِعُ عَبْدُاللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ اللّيْثِيّ وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مُسْلِمًا، وَلَا وَجَدْنَا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنّهُمْ اسْتَأْجَرُوهُ وَكَانَ هَادِيًا خِرّيتًا، وَالْخِرّيتُ الْمَاهِرُ بِالطّرِيقِ الّذِي يَهْتَدِي بِمِثْلِ خَرْتِ الْإِبْرَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْخَوْتَعُ أَيْضًا ".
قلت (الرَّمَادِيُّ) :" وبخصوص إرسال مرسال من قريش إلى أم معبد فإنها تسڪن في وادي قُديد في محافظة خليص التابعة لمنطقة مڪة المڪرمة وهو أحد مراڪزها الإدارية ويقع إلى الشمال الشرقي منها ويبعد عن مڪة المڪرمة 150 كم، ".. والدقة في المسافة فأنقلها من الرحيق :" وڪان موقعهما بالمُشَلَّل من ناحية قُدَيْد علىٰ بعد نحو 130 ڪيلو مترًا من مڪة، ". .
-*/*-
أعود للحديث مرة ثانية .. وربما ثالثة .. ورابعة .. إذ الرغبة بل الإرادة متوفرة لڪتابة :« „ صحيح السيرة المحمدية النبوية ” » ؛ و .. وأنا في هذه اللحظة أبكي بدمع حار لـ ظهور عجزي وضعف قواي.. إذ أقرأ في : „ عيون الأثر ” تحت عنوان عريض :
« „ هاتف أبي قُبيس ” »
ما نصه :
" هاتف أبي قبيس
قال: فلم يعلموا بمڪة أن توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بڪر حتىٰ سمعوا هاتفًا علىٰ رأس أبي قبيس وهو يقول:
جزى الله خيراً والجزاء بڪفه * رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما رَحلَا بالحق وانتزلا به * فقد فاز من أمسىٰ رفيقَ محمد
فما حملتْ من ناقة فوق رَحْلها * أبرَّ وأوفىٰ ذمة من محمد
وأڪسىٰ لبرُد الحال قبل ابتذاله * وأعطىٰ برأس السابِح المتُجرد
ليهْنِ بني ڪعب مڪانُ فتاتهم * ومقعدُها للمؤمنين بمرصد
-*/*-
وڪأن هذا زيادة النڪاية بصناديد قريش ومَن أرادوا التخلص منه -عليه السلام- ..
.. أعود لذڪر الهاتف.. وهذه المرة من يثرب!
فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ الْهَاتِفَ بِذَلِكَ، شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ، إذ قد هاجت شاعريته، وأطلق الشعر يخطف ما لدىٰ ڪفار قريش من فضائل ويحملها أنوارًا نحو مدينة الإسلام الجديدة:
ولعل دقة اللفظ وصحة التعبير ما ذڪر صاحب الروض الأنف فقال :" وَيُرْوَىٰ (!؟) [(وهي صيغة تمريض للرواية)] أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ لَمّا بَلَغَهُ شِعْرُ الْجِنّيّ وَمَا هَتَفَ بِهِ فِي مَڪّةَ قَالَ يُجِيبُهُ:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ * وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي[ مستدرك الصحيحين]
لقد خاب قومٌ غاب عنهم نَبيُهم * [وَقَدْ سُرّ] من يَسْري إليه ويَغْتدي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ * وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ[ مستدرك الصحيحين]
ترحل عن قوم فزالت عقولُهم * وحل على قوم بنورٍ مجَددِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ * فَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يَرْشُدِ[ مستدرك الصحيحين]
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا * عَمًى وَهُدَاةٌ يَهْتَدُونَ بِمُهْتَدِ [هاديه كل مهتدي ] [ مستدرك الصحيحين]
... * [عِمَايَتَهُمْ هَادٍ بِهَا كُلّ مُهْتَدِ]
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ * رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ[ مستدرك الصحيحين]
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ * وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ[ مستدرك الصحيحين]
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ * فَتَصْدِيقُهَا [فَتَصْدِيقُهُ] فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ[ مستدرك الصحيحين]
وإِنْ قال في يوم مقالةَ غائِبٍ * فتصديقها في ضحوةِ اليوم أو غدِ
[لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةَ جَدّهِ * بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللهَ يَسْعَدْ
] .[ليهن بنى كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد ]
قال صاحب المستدرك : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ".
قلت(الرَّمَادِيُّ) :" وإني لأذڪر أن الذهبي وافقه ".
.. هذا .. ما وفقني الخبير القدير العليم -سبحانه- علىٰ مراجعة هذه الجزئية من سيرته العطرة .. ثم كتابتها والله تعالى المسؤول ومنه الإجابة والتيسير!
ـ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ]
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
بَدْءُ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ "«.يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
« يوميات الهجرة » إلىٰ الْمَدِينَةِ :«„ الهجرةُ المبارڪةُ أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ”» .
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ ١٣٢ / أ ﴾: في طريق الهجرة: " خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنِّ(!؟) عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ ".
( د. الْفَخْرُ؛ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-)
-*/*-
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الإثنين ١٤ محرم ~ ٣١ يوليو 2023 من سنة الميلاد العجيب
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
ـ
 |
١٣٢ ( لقاء النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بـ أم معبد أثناء الهجرة ) الهجرةُ المباركةُ .. أمرٌ مِنَ اللهِ .. ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إلَىٰ الْمَدِينَةِ ..
حديث أم معبد الخزاعية .. السيدة عاتــڪــة من بني ڪعب من خزاعة-رضي الله عنها-
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
يوميات الهجرة
[ ١٤ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ــــ ــــــــ
تَمْهِيدٌ:
يروق للبعض منا .. ويحلو أن يتفائل .. فيستبشر بمناسبة ما .. أو حادثة تحدث قُبيل أن يقوم بعمل يريده .. أو عند إقدامه علىٰ أمر يرغبه ..
وڪاتب هذا السطور يروق -دائماً- له أن يتفائل بمناسبة ما أو حادثة ..
خاصةً لحظة بزوغ فجر مشرق مضئ ليوم عمل جديد .. فـ ابدءُ يومي بقوله -عليه السلام- : « „ الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا، وإلَيْهِ النُّشُورُ ” »(*) ..
أو بمقدم عام جديد هجري خاصةً عند ڪتابة بحوث تتعلق بالهجرة المباركة .. إذ ما زالت بحوث الهجرة النبوية - علىٰ صاحبها الصلاة والسلام - في هذه السلسلة لم تنته بعد .. فـ ڪاتب هذه السطور يبحث ڪثيرا ويطالع العديد من المراجع ويحقق ويقارن بين العديد من المصادر .. لذا فيڪتب قليلاً خشية الوقوع في خطأ غير مقصود أو ينقل رواية ضعيفة لا تعتمد .. فـ الحديث عن سيرةِ المصطفىٰ ودعوةِ المحتبىٰ ورسالةِ المجتبىٰ وخطِ سيرِ المرتضىٰ في العهد المڪي .. فليس النقل من المصادر والمراجع نقل مسطرة .. بل قراءة بتمعن وفهم وبإدراك ودقة ڪتابة بتحقيق وتدقيق -ولا أدعي الكمال وتمام صحة ما أقول أو أكتب- إذ أننا مازلنا في العهد المڪي؛ ومن حسن الطالع وبهجتي وسروري وأنا أكتب .. أنني أڪتب هذا الفصل ما قبل الأخير من فصول الهجرة في بداية عام هجري جديد .. وبالدقة في التعبير علىٰ وشك الإنتهاء من ڪتابة أحداث ومواقف المرحلة المڪية والتي استغرقت من عمر الدعوة الإسلامية والبعثة المحمدية ما يقترب من (١٣)(**) عاماً وفقا لما رواه ترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما- .. واستغرقتُ لضعفي ما يقترب مِن (6) حجات وفق الحساب الهجري .. وما يقترب مِن (7) أعوام وفق حساب ميلاد السيد المسيح !
...
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـ ـــــ ــــــــ
(*) تمام الحديث النبوي الشريف يقول: ڪانَ النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ [إذَا أوَىٰ إلىٰ فِرَاشِهِ] قالَ: « „ باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ ” » ؛ رواه: حذيفة بن اليمان؛ انظر: البخاري في: صحيحه؛ (حديث رقم : 6324) .
(**) ڪان مدة مقامه بمڪة من حين النبوة إلى ذلك الوقت بضع عشرة سنة، وفي ذلك يقول أبو قيس صرمة بن أبي أنس:
ثوىٰ في قريش بضع عشرة حجّة … يذڪّر لو يلقىٰ صديقا مواتيا .
وهذا البيت منسوب لـ حسان بن ثابت -رضي الله عنه-، وهو وباقي الأبيات آخر ديوانه [478 – 479]، وعزاه ابن قتيبة في المعارف [151] له عن أبي اليقظان، ثم ذڪر رواية ابن إسحاق: أنه لـ صرمة.
وقال عروة: عشرا.. وهذا عن عروة: وقد أخرجه الحاكم [2/ 626]، وأخرجه البخاري في آخر المغازي، باب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- [4464 – 4465] .. عن عائشة وابن عباس. وأخرجه الطبري [2/ 383 - 384] عن أنس وابن عباس وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار -رضي الله عنهم جميعا-.
وقال ابن عباس: خمس عشرة[١٥]. وفي رواية عنه: ثلاث عشرة[١٣] .. و
بالتحقيق تجد أنه :
- أخرج الأولىٰ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: مسلم في الفضائل، باب ڪم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمڪة والمدينة (2353)، والطبري [2/ 386]، والحاڪم [2/ 627]. و
- أخرج الثانية عنه: البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- (3902)، ومسلم في الڪتاب والباب السابقين (235).
و
- جمع الطبري؛ أبو جعفر [2/ 387] بين القولين فقال: فلعل الذين قالوا: ڪان مقامه بمڪة بعد الوحي عشراً[١٠]، عَدُوا مقامه بها من حين أتاه جبريل بالوحي من الله -عزّ وجلّ-، وأظهر الدعاء إلىٰ التوحيد .. وعّد الذين قالوا: ڪان مقامه ثلاث عشرة[١٣] من أول الوقت الذي استنبىء فيه، وڪان إسرافيل المقرون به وهي السنون الثلاث التي لم يڪن أمر فيها بإظهار الدعوة.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
مدخل :
في طريق الهجرة المحمدية النبوية -علىٰ صاحبها الصلوات والسلام والتبريكات والإنعام والتبجيل والإڪرام - برفقة ثاني أثنين : الصديق -أبي بڪر- حدثت مواقف عِدة تُعد مِن المعجزات الباهرات والتي تقطع الشك باليقين .. والتي تدل قطعاً علىٰ صحة نبوته وصدق رسالته وتمام بعثته .. سواء :
- إثناء خروج المصطفىٰ -عليه الصلاة والسلام- مِن داره في طريقه للذهاب إلىٰ الصديق .. و
- إلقاءه التراب علىٰ رؤوس المترصدين به لقتله علىٰ باب داره حين يخرج .. وقد أخذ الله -الفعّال لما يريد والصانع إذا شاء والذي أمره بين الڪاف والنون فيقول للشئ ڪن فيڪون- أبصارهم عنه، فلم يره منهم أحد، ونثر علىٰ رؤوسهم ڪلهم تراباً ڪان في يده .. ڪما جاء في السيرة -فقد اختاروا -صنايد ڪفار قريش- شبابا أقوياء، فوقفوا صفين علىٰ بابه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فخرج وهو يقرأ: {يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} .. إلىٰ .. {فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} .. وقال السهيلي:[2/ 229] : وفي قراءة الآيات الأول من سورة {يس} مِن الفقه: التذكرة بقراءة الخائفين لها، اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-. وأورد -أي السهيلي- لذلك حديثا رواه ابن أبي أسامة في مسنده. ..
ثم أحداث ما :
- جرت في الغار ؛ حيث أن :
- قصة نَسَجَ العنڪبوت شباڪه علىٰ فم الغار هي الوحيدة التي تڪاد تكون مقبولة ڪحديث حسن..
ثم أقاما -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.. ورضوان الله عليه- في الغارِ ثلاثَ ليالِيَ ثم خرجا حتىٰ نزلا بخيماتِ أمِّ معبدٍ! ..
وعنها حديثي اليوم!
ثم أحداث ما :
- جرت مع سُرَاقة بن مالك بن جعشم ..
ومن مواقف تلك الهجرة :
- سُقْيا اللبن .. و
- قصة الراعي مع أبي بڪر؛ ڪما أخرج :" الشيخان: البخاري ومسلم "...
ثم مِن مواقف الهجرة :
- إسلام الراعي وهي قصة الراعي الثاني مع الرسول المصطفىٰ .. وهذه من أحاديث السيرة الصحيحة فأڪتفيت بها ...
ثم أحداث ما :
- جرت مع امرأةٍ(!) .
فــ معها وعنها نعيش وأتحدث اليوم ..
وهو الأول مِن المحرم لعام هجري جديد ١٤٤٥
.. من مواقف الهجرة ذات الدلالة البلاغية على صدق نبوته وصحة بعثته وتمام رسالته :
- مرورهما -المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ -عليه الصلاة والسلام- والصديق أبو بڪر -رضي الله تعالىٰ عنه- بخيمة أم معبد ..
وهي ضيفتنا اليوم علىٰ « موقع آستروعرب نيوز » .. الذي يُبث مِن فوق أرض الدانوب الأزرق ~ فيينا ~ النمسا .. وهي السيدة « „ عاتكة بنت خالد ” » ، وأنها من بني ڪعب من خزاعة ..
وأصل القصة رواها الحاڪم في مستدرڪه برقم (4274) وصححها الذهبي في التلخيص، ورواها الطبراني في الجامع الڪبير برقم (3605)..
وقيل: إنها -السيدة- « „ عاتكة بنت خالد ” » ڪانت مسلمة،
وقيل: أسلمت فيما بعد..
قلت(الرَّمَادِيُّ):" الرواية التي بين ايدينا تبين أنها أسلمت عند لقاء الرسول الأعظم -عليه السلام- ...
ثم قلت (الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) :" ظهر لي بوضوح عند إعادة قراءة ما نشره الموقع المبارك الفييناوي أنه يوجد شخصيات محورية أو آخرى ثانوية وأماڪن تحتاج إلىٰ إعادة ڪتابة عنها وتفصيل عن أحوالها ودورها في سير السيرة المحمدية النبوية .. ولعل هذا مِن بعد إرادته ومشيئته وإذنه وتوفيقه -سبحانه وتعالىٰ- أرحل ڪتابة هذه المسائل إلىٰ ملحق خاص في نهاية بحوث السيرة المحمدية النبوية العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .
ومنزل السيدة « „ عاتكة بنت خالد .. أم معبد” » الخزاعية ڪان بقُدَيْد؛ وهو : واد موضعه بالقرب من مڪة المڪرمة، بينها وبين المدينة المنورة، ومعروف حتىٰ الآن .. ويقع وادي قُديد في محافظة "خليص" التابعة لمنطقة مڪة المڪرمة وهو أحد مراڪزها الإدارية ويقع إلىٰ الشمال الشرقي منها ويبعد عن العاصمة المقدسة [١٥٠] كم..
فـ في طريق الهجرة إلىٰ المدينة .. وبعد إحساس الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بالأمن والابتعاد عن مڪة مر النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بــ « „ أم معبد” » واسمها عاتڪة بنت ڪعب الخُزاعية (وهي بنت خويلد بن خالد، ڪانت امرأةً عجوزاً كبيرةً) في وادي قُديد حيث مساڪن خُزاعة، وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روىٰ قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير في البداية والنهاية: « وقصتها مشهورة .. مروية من طرق يشد بعضها بعضاً» . تصل إلىٰ درجة الحسن؛ فيصلح الاعتماد عليها.
....
والنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-نزل بقُديد علىٰ أم معبد .. عاتڪة بنت خالد .. كذا اسمها في الطبقات [8/ 288]، وفيها وفي السيرة [1/ 487]: أنها من بني ڪعب من خزاعة. وجاء في الاشتقاق [474]، وجمهرة أنساب العرب [238]: عاتكة بنت « „ خليف ” ». وفي البداية [3/ 188] عن ابن إسحاق من رواية يونس: عاتكة بنت « „ خلف ” »، وقال الأموي: عاتكة بنت « „ تبيع حليف بني منقذ ” » .. فالله أعلم..
وملخص القصة :
أنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مسح ضرع شاة مجهودة هزيلة، فشربت صاحبتها أولاً من لبنها بحلبه هو -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ثم سقىٰ أصحابَه، ثم حلب لنفسه ثم ترك نصيباً لمن سيأتي من بعده ..
واستمرت تلك البرڪة فيها.. فقد مَرَّ بها النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه-، وطلبا منها طعامًا بثمنٍ فلم يصيبوا عندها شيئًا، ثم رأوا -ولعل دقة التعبير من الرواية أن الرائي ڪان المصطفى الهادي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ وإن ڪانوا جميعاً معه - فرأىٰ شاةً هزيلةً واستأذنوا -الرواية التي بين يديّ تبين أن المستأذن والمتحدث هو صاحب الرسالة العصماء -عليه السلام- في حلبها، فأذنت له واعتذرت بين يديه بأنها لا تحلب وليس فيها شيء من الحليب؛ لهزالها وضعفها، فمسحَ النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ضَرْعَها وظهرها ودعا وسمىٰ فحلبها وشربوا جميعاً..
وبدء -لعلو ورفعة شأن أخلاقه القرآنية- بصاحبة الشاة نفسها فسقاها . ثم ثنىٰ بصحابته ورفاقه .. فسقوا وڪان -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-آخر مَن سقى هو حضرة الرسول الأعظم -عليه السلام- .. وبقي شيء من الحليب فأبقوه عندها..
ثم قدم زوجُها بعد ذلك فأخبرته الخبر ووصفته لزوجها، فقال: هذا والله صاحبُ قريش الذي يُطلب، ولقد هممْتُ أن أصاحبه، ولأفعلنَّ إن وجدتُ إلىٰ ذلك سبيلًا.
فإن قصة نزول النبي- صلى الله عليه وسلم -علىٰ أم معبد الخزاعية؛ ولقاؤه بـ عاتڪة بنت خالد في طريق هجرته مشهورة في كتب السيرة وبعض كتب السنة، فكانت تُسقي وتطعم من يمر بها في طريق المسافرين وتكرم الضيوف ...
وهذا الحدث يضاف إلىٰ معجزات النبي الحسية والتي نُقلت إلينا بطريق صحيح أو حسن؛ والإعجاز المصطفوي في هذه القصة ظاهر للعيان؛ إذ أن المعجزة هي أمر خارق للعادة يجريه الله -سبحانه تعالىٰ- علىٰ يد مَن اصطفاه مِن خلقه وعباده ليبلغ رسالته فيظهر قدرته -سبحانه- وأن مَن أرسله للناس بالفعل رسوله ونبيه ..
وفي قصة أم معبد معجزة ظاهرة للنبي، وصورة صادقة للمرأة العربية في عفتها وشهامتها، ومروءتها، وكرمها، وبلاغتها وفصاحتها، فقد وصفت سيدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بما يعجز عنه بيان غيرها.
وقلت(الرَّمَادِيُّ):" لا يصح المقارنة بين فتاة الأمس[عربية اصيلة المشرب وخالصة المنشأ] .. وبين فتاة اليوم .. إذ أن عوامل شتىٰ أجنبية ومصادر متعددة هي التي تقوم بتربيتها وليس فقط البيت أو المجتمع والبيئة المحيطة بها !".
وهذه القصة فيها من الإعجاز والبيان والروعة والجمال
ما يسبي العقول، و
يريح النفوس، و
يطمئن القلوب، و
يثلج الصدور، ويؤڪد علىٰ صدق الرسول المبتعث.. خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
لاسيما وأنت تشاهد .. فترى بعين القلب وبصيرة الفؤاد ووعي وإدراك المؤمن جمال سيد الخَلق- حين وصفته أم معبد؛ عاتڪة، فهو خير البرية، وأزكىٰ البشرية؛ فتتمتع بجمال المشاهدة، رؤية عين وليس بقراءة ڪلمات سُطرت بحروف وصف أو تعابير نعت فتتمتع بـ حلاوة النظر، ولذة الشوق للقاءه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ومرافقته في جنات النعيم،
فلنقرأ القصة بتمامها :
....
مرور النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بــ « „ أم معبد ” »
عن أبي سُليط - الأنصاري والبدري؛ وأيضا [(من حديث هشام بن حبيش عن أبيه حبيش بن خالد صاحب رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-)] قال: لما خرج[(مِن مڪة)] رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في الهجرة[(مهاجرًا إلىٰ المدينة)] ومعه أبو بڪر الصديق[(رضي الله عنه)] وعامر بن فهيرة مولىٰ أبي بكر، و[(دليلهما الدؤلي من قبيلة ڪنانة)] الليثي عبدالله)]ابن أريقط يدلهم علىٰ الطريق، مروا بــ [(علىٰ خيمتي)] أم معبد الخُزاعية وهي لا تعرفهم،[(وڪانت امرأةً برزةً(1) جلدةً(2) تحتبي بفناء(3) الخيمة، ثم تسقي وتطعم. فسألوها لحمًا وتمرًا[(ولبناً)] ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وڪان القوم مرملين(4) مسنتين(5)
وقالت: والله لو ڪان عندنا شيء ما أعوزڪم القرى(6/أ)
فقال لها [( رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-)] »يا أم معبد، هل عندك من لبن؟«
قالت: لا والله، وإن الغنم لعازبة
فنظر رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إلىٰ شاة في ڪِسْر(6/ب) الخيمة وقال» : فما هذه الشاة التي أرىٰ؟ « .. لـ شاة رآها في ڪفاء البيت،
قالت: شاة خلَفَّها الجهْد عن الغنم!،
[( قال: »هل بها من لبن؟ «)]
[(قالت: هي أجهد من ذلك،)]
قال» : أتأذنين(7) في حلابها؟ «
قالت: لا والله ما ضربها من فحل قط، فشأنك بها(8) .
فدعا [(رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-)] بها فمسح [(بيده)]ظهرها وضرعها، [(وسمىٰ الله -تعالىٰ- ودعا لها في شاتها، فذكر اسم الله وقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا"، فاعتقلها فتفاجت(9) عليه ودرت، فاجترت(10) ثم دعا بإناء يُرْبِض(11) الرهط فحلب فيه فملأه(12) فسقىٰ أصحابه علَلَاً بعد نَهلَ(13) وشرب آخرهم حتىٰ أراضوا(14) وقال: «ساقي القوم اخرهم شُربا» ثم حلب فيه آخر(15) وفي رواية أنه قال لها أن «ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك» .. وارتحل ... ركبوا، وذهبوا.
وصف أم معبد للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
فلما جاء زوجها عند المساء(16) [(ولما رأى أبو معبد{اسمه أڪثم} اللبن أعجبه قال: )] [(مِن أين لك هذا)]يا أم معبد: ما هذا اللبن[(والشاء عازب حائل(17) ولا حلوبة(18) في البيت والغنم عازبة!
قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل(19)
قال: "صفيه لي يا أم معبد؟.
...
وتعالوا معي إلىٰ ذاك الوصف الذي لم تشهد البلاغة وصفاً مثله،
جزالة في العبارة، و
حسن في السبك، و
جمال في الأسلوب، و
دقة في التصوير، و
روعة في الإبداع، و
قوة في الطرح، و
رقي في الجمال؛
ڪل هذا ليثبت لنا أن نبينا -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أجمل الخَلق، وأحسن الخُلق
ظاهراً وباطناً، و
هاڪمُ وصف أم معبد لنبيڪم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-الذي ڪان بعدما نصبت أم معبد وزوجها خيمتهما في قلب الصحراء؛ لاستضافة الضيوف، وڪسب أعطياتهم
...
[( قالت: "رأيت رجلًا)]ظاهر الوضاءة(20)..
متبلج الوجه(21)
حسن الخَلق (22)
في أشفاره وَطَف(23)
وسيم قسيم(24)
وفي عينيه دَعَج(25)
وفي صوته صَحلَ(26)
أحور أڪحل أزج أقرن(27)
شديد سواد الشعر،
غصن بين [(الـ)]ـغصنين،[(فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا،)](28)
ربعة(29)
لا تشنؤه(30) ولا تقتحمه(31) عين من قصر(32)
لم تعبه(33) نحلة (ليس نحيل) { ثجلة} ثجلة: ضخامة البطن
ولم تزره [(تزريه)] صَعْلة(34) .
ڪأن عنقه إبريق فضة[(في عنقه سطع)](35)
وفي لحيته ڪثاثة(36)
أزج أقرن(37).
إذا صمتَ فعليه البهاء[(الوقار)]، [(وإن تكلم سماه(38) وعلاه البهاء)]وإذا نطق فعليه [(الــ)]وقار
[(أجمل{أجهر} الناس {وأجملهم} وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله {وأحلاهم واحسنهم}من قريب. حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر(39)
له ڪلام ڪخرزات النظم(40)
أزين أصحابه منظراً، وأحسنهم وجهًا، [(له رفقاء)]أصحابه يحفون به، [(إن قال سمعوا لقوله)]إذا[(وإن)] أمر ابتدروا[(تبادروا إلى)] أمره، وإذا نهىٰ اتقفوا عند نهايته، محفود(41)
محشود(42)
لا عابس{عابث} ولا مفند(43) .
.. ..
أَبُو مَعْبَدٍ الخُزَاعِيُّ
...
[(قال أبو معبد)]{اسمه أڪثم بن أبي الجون }: هذه والله صفة صاحب قريش {هو والله صاحب قريش }[(الذي ذڪر لنا من أمره ما ذڪر{بمڪة}، ولقد هممت أن أصاحبه، ولأفعلن إن وجدت إلىٰ ذلك سبيلًا)]، ولو رأيته لاتبعته ولأجتهدن أن أفعل ":
...
.. تأمل تلك الصفات الخَلقية التي وهبها الله -عزّ وجلّ- لـ نبينا -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فتشتاق بڪلِك لرؤيته، فإذا ما اشتاقت روحك لمجالسته، ولهفت نفسك للقائه؛ فأدرڪت ووعيت حتمية مقابلته بحثت عن ما يوصلك إليه فتهرع إلىٰ نظم القرآن الكريم في آيات تحدثك عنه وإلىٰ دواوين السنة وشروحها لترىٰ ڪيف سبيل الوصول إليه، واللقاء به، فتجد أنه رهن إمڪان رؤيته ومرافقته بأتباعه النص الكريم الذي يقول : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
.. مكافأة النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لـ أم معبد
وقد رُوي أنها ڪثرت غنمها ونمت حتىٰ جلبت منها جلبا إلىٰ المدينة!
- بيان دلائل النبوَّة ومعجزاتها للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وذلك من خلال حديث النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأبي بكر لأُمِّ معبد؛ حيث أتَتْ أُمُّ معبد بشاةٍ هزيلة ليست ذات لبن بل وميؤوس منها، فهي لم تلحق بالرعي لهُزالها وضعفها، فمسح النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ضَرْعها فدرَّت الحليب الڪثير حتى شربوا وارتووا، وأبقوا عندها ما يڪفي لحاجتها وذويها، وفي هذا معجزةٌ ودليلٌ على صدق نبوة النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وعندما يقرأ المسلم في هذه الدلائل والمعجزات يَقْوَى إيمانُه ويقينُه، فهي أمور خارقة للعادة، فاقرأوا - رحمكم الله - في تلك المعجزات لتتأملوا نبوَّةَ نبيِّكم ودلائلها فهي عِلْمٌ شريفٌ ومن أسباب الثبات على الحق.
ثم تلك البرڪة التي حلت بالشاة الهزيلة الضعيفة فقد :" ذڪر ابن سعد [8/ 289] من طريق الواقدي عن أم معبد، أنها قالت: إن الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا، بقيت حتىٰ ڪان « „ زمان الرمادة ” » ؛ زمان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهي سنة ثماني عشرة[١٨] مِن الهجرة الشريفة المنيفة .. قالت: وڪنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا ڪثير.[قصدت: ما ترعاه] ".
.. ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
ثم تتبقىٰ مسألة ترتيب الوقائع من حيث تتبع أحداث السيرة المحمدية النبوية زمنياً .. فهل قصة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قبل قصة لقاء أُم معبد مع النبي المصطفى أَم بعدها(!!!؟) ..
فقد :" قال الصالحي في السبل [3/ 362 – 363]: ذكر في «العيون» قصة سراقة قبل قصة أم معبد، والتزم في أولها أنه يرتب الوقائع. وذكر في «الإشارة» قصتها قبل قصة سراقة، وهو الصحيح الذي صرح به جماعة. قلت(القائل هو أبو عبدالله محمّد نظام الدّين الفتيّح؛ نزيل المدينة المنورة المدينة المنورة، محقق كتاب [(الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا؛ علاء الدين مغلطاي)].): وممن ذكر قصة سراقة قبل قصة أم معبد:
- ابن حبان في سيرته، و
- البيهقي في دلائله، و
- أبو عمر في الدرر، و
- ابن الجوزي في الوفا، و
- ابن كثير في الفصول [116].
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
شرح غريب ألفاظ حديث أم مَعبد ؛ عاتڪة الخزاعية :
(1) كبيرة في السن لا تحتجب.. وهي عفيفة مسنة فلم تتخدر لسنها، وخرجت من حد المحجوبات
(2) قوية وعاقلة.
(3) تجلس .. الفناء: المكان الواسع أمام البيت أو القبة وهي الخيمة.
(4) مُرْمِلين : نفد زادهم.
(5) مسنتين : داخلين في أسنة وهى المجاعة. أي جدب.
(6/أ) القرى: إكرام الضيف أي ما منعناه عنكم.
(6/ب) أي جانب الخيمة.
(7) أتأذنين لي أن أحلبها.
(8) قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها.
(9) أعتقلها : أي : وضع رجلها بين ساقه وفخذه. تفاجت: فرجت وفتحت ما بين رجليها للحلب؛ كما هو شأن الغنم إذا حلبت.
(10) فتفاجَّت ودَرَّت واجتزَّت.
(11) يربض الرهط: يبالغ في ريهم ويقلهم حتىٰ يلصقهم بالأرض.
(12) فحلب فيه ثجًّا (أي: لبنا كثيرا سائلا) حتىٰ علاه البهاء، ثم سقاها حتىٰ رويت.
(13) حتىٰ رووا. النهل: الشربة الأولىٰ، والعلل: الشربة الثانية.
(14) ارتوا.
(15) حلب الثانية علىٰ بدء حتىٰ ملا الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها -يعني علىٰ الإِسلام- ثم ارتحلوا عنها.
(16) فقَلَّ ما لَبِثَتْ حتَّىٰ جاءَ زَوجُها أبو مَعْبَدٍ يَسوقُ أَعْنُزٍ عِجافًا يَتَساوَڪْنَ هَزْلًا {هزالا (يتمايلن) } ضحى، لا نقي بهن ، مُخُّهُنَّ قليلٌ، فلمَّا رأى أبو مَعْبَدٍ اللَّبنَ عَجِبَ، وقالَ: مِن أينَ لكِ هذا يا أُمَّ مَعْبَدٍ، والشاةُ عازِبٌ حِيَالٌ ولا حَلُوبَ في البيتِ؟.. النقي: مخ العظام أي مخهن قليل.. وقد فسرت من رواية آخرىٰ.
(17) حيال؛ أي : لا تحمل.. والحائل: هي الشاة التي لم تحمل، فلا يكون لها لبن، وتجمع على حيال وحيّل.
(18) حلوب.
(19) مبارك من حاله كذا وكذا .. أي : كناية عن القصة التي حدثت بها.
(20) الوضاءة : الحسن والجمال والنظافة، ومنه اشتقاق الوضوء.
(21) وفي رواية: أبلج الوجه: الحسن المشرق المضيء، ومنه قولهم: الحق أبلج.{ مبتلج ( مضيء مشرق؛ أي أبيض واضح ما بين الحاجبين ڪأنه يضيء.
(22) كناية عن حسن الأوصاف الظاهرة، كما يمكن أن تضبط ب (حسن الخلق). وهذه كناية عن الأوصاف الباطنة.
(23) طويل شعر الأجفان {طول الرموش} { الأشفار: حروف الأجفان التي ينبت عليها الشّعر، واحدها: شفر، بالضم. والوطف: كثرة شعر العين والاسترخاء، وإنما يكون ذلك مع الطول. وفي رواية: الغطف، بالــ غين: وهو المشهور كما في منال الطالب[186]، ويريد به الطول. وفي دلائل أبي نعيم: عطف. وقال ابن الأثير: وهو انعطاف شعر الأجفان لطولها. وفي الفائق: العطف والغطف: واحد.
(24) بالرفع على الاستئناف، وفي رواية: «وسيما قسيما» بالنصب على الصفة. والوسيم: المشهور بالحسن. والقسيم: الحسن القسمة، وهي الوجه. ورجل مقسّم الوجه، وقسيم الوجه: كأن كل موضع منه قد أخذ من الحسن والجمال قسما، فهو كله جميل، ليس فيه ما يستقبح.
(25) شدة سواد العين شديد السواد شديد البياض فـ الدّعج: شدة سواد العين مع سعتها. يقال: عين دعجاء.
(26) رخيم الصوت: بحَّة.. ليس حاد الصوت.. فالصّحل: البحّة، تريد أن لا يكون حادا، وهو يستحسن لخلوه عن الحدة المؤذية. قال أبو نعيم: وبذلك توصف الظباء. وفيه أيضا: «صهل» بالهاء، ورجح الأول.
(27) الحَور بفتح الحاء والواو: شدة بياض العينين، وشدة سواد سوادهما. والكَحَل، بفتحتين: سواد في أجفان العين خلقة.. والرجل أكحل وكحيل، والمرأة كحلاء، والأزجّ: المتقوّس الحاجبين، في طول وامتداد. والأقرن: المتصل رأسي حاجبيه. قال ابن الأثير: كذا في حديث أم معبد.
والصحيح في صفته: أنه لم يكن أقرن.
لذا وجب التنبيه!
(28) تقصد أبا بڪر، وابن أريقط؛ لأن عامر بن فهيرة ڪان بعيداً عنهم يعفى آثارهم.
(29) وسط مابين الطول والقصر.
(30) لا تشنأه {لا تشنؤه} تبغضه {من طول} الرّبعة من الرجال: ما بين الطويل والقصير. وتشنؤه من طول: أي لا يبغض لفرط طوله. وفي رواية: «لا يأس من طول» ومعناه: أنه كان ميله إلى جانب الطول أكثر من ميله إلى جانب القصر.
(31) تحتقره.
(32) لا تقتحمه عين من قصر: أي لا تحتقره العيون لقصره، فتتركه وتجاوزه إلى غيره، بل تقبله وتقف عنده. يقال في المنظر المستقبح: اقتحمته العين: أي ازدردته واحتقرته.
(33) الثجلة، بالثاء المثلثة والجيم: عظم البطن مع استرخاء أسفله. وفي رواية: نحله، بالنون والحاء المهملة: من النحول.
(34) لم يشنه صغر الرأس أي: لم يعيِّبه صغر في رأس، ولا خفة ولا نحول في بدن{الصّعلة: بفتح الصاد: صغر الرأس. وفي رواية: صقلة، بالقاف: الخصر، والمراد طوله، وقيل: ضمره وقلة لحمه. والمعنى: أنه ليس بعظيم البطن، ولا منتفخ الخصر، ولا صغير الرأس، فلا عيب في صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم.}.
(35) ارتفاع وطول؛ السّطع، بفتح الطاء: طول العنق. وقال أبو نعيم: وهذا مما يمدح به الناس. وعند الخشني: سطح. ولم أجد من ذكرها.
(36) {ڪثافة}{ الكثاثة، بثائين: دقة نبات شعر اللحية مع استدارة فيها، كذا عند الخشني. وقال ابن الأثير: اجتماعه والتفافه وكثرته. وذكره (كثافة) بالفاء في الثانية، وقال: ويروى (كثاثة)، وهو بمعناه.
(37) أزج : دقيق شعر الحاجبين مع طولهما؛ الزجج: هو تقوس في الحواجب مع طول وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب؛ أي: متصل ما بين حاجبيه من الشعر.
(38) وإن تكلم سما : علا برأسه أو بيده وارتفع.
(39) لا عَيَّ فيه ولا ثرثرة في ڪلامه. النّزر: القليل. والهذر: الكثير غير المفيد. أرادت أن منطقه -مع حلاوته- ليس بقليل لا يفهم، ولا كثير يمل ويسأم، بل هو قصد بين ذلك. وروي (هدر) بالدال المهملة الساكنة والمعنى متقارب.
(40) ڪأن منطقهُ خرزات نظم يتحدرن.
(41) يسرع أصحابه في طاعته.
(42) يحتشد-يجتمع- الناس حوله.
(43) المُفنّد: الضعيف الرأي {ولا مُفنَّد : أي ليس منسوب إلى الجهل قلة العقل} {منفذ}{ غير مخزف في الڪلام }. قال ابن قتيبة وأبو نعيم: المحفود: المخدوم، قال تعالى: بَنِينَ وَحَفَدَةً. ومحشود: هو الذي قد حشده أصحابه، وصفّوا حوله، وأطافوا به. والعابس: الكالح الوجه المقطّب. من الفند: الخرف. وفي رواية: (ولا معتد). من العداء وهو الظلم.
انظر في شرح حديث أم معبد:
- غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 190 - 197، و
- دلائل النبوة لأبي نعيم 337 - 343، و
- الخشني على سيرة ابن هشام 2/ 146 - 150 حيث خرجوه من رواية حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أخو أم معبد -رضي الله عنهما-. كما شرحوه، وشرحه أيضا :
- الزمخشري في الفائق 1/ 94 - 99، و
- ابن الأثير في منال الطالب 171 - 196، و
- ابن الجوزي في الوفا 244 - 247، و
- المنتظم له 3/ 57 - 61 حيث أخرجه من حديث أبي معبد.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
سلسلة بحوث :
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحڪماء في تأويل آيات الذڪر الحڪيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز»
* بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلىالله عليه وآله وسلم
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ]
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
بَدْءُ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
« يوميات الهجرة » إلىٰ الْمَدِينَةِ :«„ الهجرةُ المبارڪةُ أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ”» .
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ ١٣٢ ﴾ : في طريق الهجرة : ( لقاء النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بـ : « „ أم معبد؛ عاتــڪــة ” » الخُزَاعِيُّة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-
حُرِّرَ في السنة الْهِجْرِيَّةِ ١٤٤٥؛ يوم الجمعة ٤ من المحرم ~ الموافق: 21 يوليو 2023 من الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام.

 |
١٣١ أبُو مَعْبَدٍ الخُزَاعِيُّ
الهجرةُ المبارڪـةُ أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
[ ١٤ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
فِي طَرِيقِه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ مَدِينَتِه المصطفوية المنورة
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
تتبعنا في الحلقات السابقة الأخيرة لهذا المفصل الهام والحيوي [( « „ الهجرةُ المباركةُ ” » )] الرابط بين أحداث : „ العهد المڪي ” ؛ الذي أوشك علىٰ الإنتهاء من دراسته وبين „ العهد المدني ” ؛ الذي بدأت تباشير فجره في البزوغ فسوف تسطع شمسه علىٰ ڪل أنحاء المعمورة هدايةً للبشرية بـ أحڪام الشريعة الإسلامية؛ تتبعنا في هذه الفصول تبيان أحداث ومواقف السيرة المحمدية النبوية العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأعطر السلامات وخالص التبريكات تحت مبحث أحداث الهجرةَ النّبويّة المحمدية الشريفة..
فتتبعنا مواقف الشخصيات الرائعة المحورية الممهدة لأحداث الهجرة النبوية المحمدية والمشارڪة بالفعل في تفصيلاتها وجزئياتها ڪي تڪلل بـ التوفيق والنجاح : خاصةً شخصيات مِن:
- بيت آل أبي بڪر وغلامه (مَوْلَىٰ أَبِي بَكْرٍ) -رضي الله تعالىٰ عنهم- ومِن موقف ابن العم :
- علي بن أبي طالب -كرم الله تعالىٰ وجهه-
تلك المواقف مِن شباب وفتاتين والصديق .. ومِن أحداث جرت ومواقف تمت وشخصيات شارڪت في إتمام طريق الهجرة المبارڪة ..
ثم انضم إليهم جميعاً في عين الحدث وسخونة الأحداث وصعوبة المواقف .. انضم : « مشرڪان » ..
- أولهما : دليل الطريق . عبداللَّه بن أَريقط الليثي.
و
- الثاني سُرَاقَةُ بْنَ مَالِكٍ ..
إما لإنجاح خطوات الهجرة أو فشلها وتسليم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ قريش مقابل قطيع من الإبل وهدية؛ إذ [(إِنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيَّ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا جَعَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً)]..
ثم يأتي دور محوري آخر في الطريق إلىٰ يثرب : « „ المدينة المصطفوية المنورة ” » ؛ مع رعاة غنم..
قلت((الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ):) : هذه الشخصيات المحورية في أحداث الهجرة تتطلب مني ترجمة لها اضعها في نهاية البحوث من بعد إذنه تعالىٰ وتوفيقه!
والأحداث تمت وستتم تحت عين(!) الله -عزّ وجلّ- الراعية وتلك العناية العلوية الربّانية لخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، مع اتخاذ واستعمال الأسباب الشّرعية المادية المتاحة في ذلك الوقت، حتّىٰ إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يترك سبباً للحيطة إلاّ أخذه، حتّىٰ إنّه قد استعان بأحد المشرڪين ... وطلب مِن الثاني أن لا يڪشف أمره!
ولا بدّ أن نعلم أنّ هذا لا يُعارض ما رواه الإمام مسلم بن الحجاج أبوالحسن القشيري النيسابوري (المتوفىٰ: 261 هـ) في صحيحه عن عائشةَ؛ أمَ المؤمنين بنت أبي بڪر الصديق؛ زوج النبي المصطفىٰ -رضي الله عنها- عن النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أنه قال: (( لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ )).. ولا نغفل استعانته بـ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مع ڪفره؛ قبل رغبته في الإسلام ... ثم إسلامه.. وإثناء ڪتابة هذه السطور تنضم إلىٰ أسطول القوات البحرية المِصري فرقاطة [(القهار)] صناعة فرنسية ووصلت إلىٰ ميناء الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ !
لـ أنّ الصّواب الّذي عليه جمهور العلماء أنّ المسألة فيها تفصيل:
فـ الأصل: هو تحريم الاستعانة بالمشرڪين في أمور الدّين وأحڪام الشريعة بلا تفصيل.. بيد أنه قد نحتاج أهل التخصص منهم في تحقيق المناط ليتمڪن المفتي من القول في صحة فتواه!
وأمّا الأمور العامّة في شؤون المسلمين فإنّه يحرم استعمالهم في إدارتِها والاطّلاع عليها، إلاّ بشرطين اثنين:
الأوّل: ضعف في حُسن إدارة مثل هذه الشؤون؛ وقلّة أهل المعرفة من المسلمين.
الثّاني: ائتمان الكافر، أي: يڪون أميناً.. بتجربته والإطلاع علىٰ أموره وأحواله.
والواقع المعاش الفعلي اليوم ومنذ أن سقطت آخر خلافة إسلامية يختلف تماماً عن ما هو مسطر في أمهات ڪتب الفقه في المذاهب المعتبرة وما تجده في المصادر والمراجع الإسلامية المعتمدة!
أما المسائل الإدارية والنواحي التنظيمية وترتيب الدواوين وتفعيل المصالح العامة للرعية ڪمصلحة البريد أو المواصلات والتقدم التڪنولوجي والعلمي والأجهزة العلمية الحديثة في ڪافة أنشطة الحياة والطب والعلاج والصيدلة والأدوية والهندسة والفلاحة وما شابه ذلك فـ الأصل فيها -العلم التجريبي- أنها لا تنتمي لدين أو تصنع وتنتج وفق عقيدة!
فقد نقل النّووي -رحمه الله- عن الشّافعي وآخرين قالوا : „ إن ڪان الكافر حسَنَ الرّأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلىٰ الاستعانة به استُعِين به، وإلاّ فيڪره ” ؛ وحمل فعل النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-علىٰ هذين الحالين.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
قلت(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ): انظر :
- [(شرح النووي علىٰ مسلم» ڪتاب الجهاد والسير » باب ڪراهة الاستعانة في الغزو بڪافر)؛ ح: (1817)؛ ج: (12) ؛ ص: (517)]. ومن شاء التفصيل :
فليراجع ما قاله
- ابن القيّم -رحمه الله- في „ أحكام أهل الذمّة ” (1/449)؛
تنبيه :
قلت(الرَّمَادِيُّ): مصطلح „ أهل الذمة ‟ غائب تماما اليوم ومنذ حين من الدهر لا يستعمل أو يستخدم في الحياة العامة الإسلامية أو في المعاملات أو الأحڪام؛ ولقد أحسنَ أبو عاصم البركاتي المِصري الاستدلال والبيان في كتابه „ الولاء والبراء في الإسلام سؤال وجواب ” ..
وهذه المسألة„ الاستعانة بغير المسلمين في شؤون المسلمين ‟ بمباحثها المتعددة „ اليوم ولـ واقع المسلمين الحالي المعاش ‟ تحتاج إلىٰ بحث تفصيلي فــ نرحلها إلىٰ ملحقات السيرة النبوية في نهاية الڪتاب؛ إذا أذِنَ الرحمن الخالق المحيي ومن بَعد توفيقه ورعايته وعونه؛ خاصةً .. وهذا واقع آخر جديد يحتاج لبحث فقهي تفصيلي.. أن ملايين من المسلمين يسڪنون ومنذ حين مِن الزمن في بلاد غير المسلمين ومنتشرون في دول الاتحاد الأوروبي والأمريكيتين وكندا وأستراليا وهؤلاء بين مَن يحمل جنسية هذه الدول فاستقر بها هو وعائلته أو لاجئ لا يرغب في العودة إلىٰ مناطق النزاع ..!..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ..
أعترفُ قبل الخوض في بقية أحداث السيرة المحمدية النبوية العطرة الشريفة أنه قد انتابتني دهشة الجاهل حين أطلعتُ علىٰ مفردات الأحداث فـ وقفتُ مشدوهاً حين أعلم خطأ المعلومات وعدم دقتها والتي تحصلنا عليها أو عدم صحة الأقوال التي تربينا عليها سنوات طفولتنا وأيام صبانا وما تلقيناه مِن أساتذة لنا وشيوخ يرتقون المنابر؛ ويجلسون علىٰ مقعد الفتوىٰ والوعظ والإرشاد يتحدثون عن السيرة النبوية دون تحقيق أو تدقيق أو مراجعة أو مقارنة بين الروايات أو بين المصادر ، وتزداد الدهشة عجباً واستغراباً حين أعلم جديدا ما سمعناه مِن قبل لم يتحدث عنه أحد من شيوخنا الأفاضل -رحمهم الله تعالىٰ وبارك في الموجودين!..
ومن البداية ألزمتُ نفسي بعرض أحداث وأحاديث السيرة المحمدية الصحيحة وليس مجرد نقل ما سُطر بين دفتي ڪتاب .. لم يحقق أو يدقق أو تجده في ڪراسٍ ..
والذي لم أڪن أعلمه أو لم اسمعه أنه تم لقاء بين النبي المصطفىٰ وبين راعٍ أظنه : « „ أبا معبد » ؛ قبل أن يتقابل المصطفىٰ الهادي مع امرأته : « „ أم معبد » ؛ وهذا مما دعاني للبحث والتنقيب في صحة هذه الرواية ..
نزدلف الآن إلىٰ ذكر مواقف في طريق الهجرة
وإليكم ما توصلت إليه ..
والحمد لله الموفق أولاً وآخراً ...
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
ما بعد الخروج مِن الغار
ومن مواقف الهجرة : «„ إسلام الراعي‟»!
.. « „ أبُو مَعْبَدٍ ” » الخُزَاعِيُّ(*)
واصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه المسير .. وفي طريقهما شاهدا بعض الأغنام وشاهدا بينهم الراعي .. فطلبا منه السقيا .. وأظنه : « „ أبا معبد ” » ؛ ذلك الراعي الذي صادفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة، فــ نزلا بأبي معبد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وهما يستخفيان..
فقد ذڪر الطبراني في المعجم الكبير (18 - 343): قال إياد بن لقيط: سمعت قيس بن النعمان السكوني قال:
« „ [ لما ] انطَلَق [ النبيُّ ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر مُستَخفِيانِ [ في الغارِ ] من قريش فمروا [ مرَّا ] بـ [ عبدٍ يَرعىٰ غنمًا ] راعٍ [ فاستَسقاه منَ اللبنِ ] فقال: [ واللَّهِ ما لنا شاةٌ .. وإنَّ شاءَنا لحواملُ فما بقيَ لنا لبنٌ ] ما لي شاةٌ تُحلَبُ غيرَ أنَّ هاهنا عَناقًا(**) حملَتْ أوانَ الشتاءِ فما بَقي لها لبنٌ وقدِ احتجنَتْ[( اهْتُجِنَتْ )] فقال له رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-هل من شاة ضربها الفحل؟
قال: لا، ولكن ها هنا شاة قد خلفها الجهد.
قال[ رسولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-]: [فقالَ رسولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أحسبُهُ فما تلكَ الشَّاةُ فأتي بها] ائتني [ ائتِنا ] بها، فأتاه بها فمسح ضرعها ودعا بالبركة [ فدَعا عليها رسولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بالبركةِ]، فـ[ ثم ] حلب [ عُسا ] فسَقى أبا بكر ثم حلب [ آخرَ ] فسَقى الراعي، ثم حلب فشرب.
نتوقف -هنا.. عند هذا الموقف الجليل- وقفةَ إجلالٍ وإكبارٍ .. وقفةَ تعظيمٍ وتفخيمٍ لـ سيد البشرية .. وأفضل ولد آدم أجمعين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فـ.. الذي حلب بيده الشريفة هو رسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ليس رفيق السفر وليس الراعي صاحب الشاة.. ثم سقىٰ الجميع .. ثم حلب لنفسه فشرب آخرهم.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
ثم نكمل فقال[ العبدُ ] له: [ باللهِ ] تالله [ مَن أنتَ ؟ ] ما رأيتُ مِثلَكَ [ قَطُّ ؟ ]، من أنت؟ ،
قال رسولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: [ أو تراكَ ] إن أخبرتك تكتم علي؟
قال: نعم.
قال:[ فإني ] أنا محمَّد رسول الله،
قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئي[***]!؟
قال: [ فـ ]إنهم [ لـ ] يقولون ذلك.
قال: فإني أشهد أنك [ لـ ]رسول الله [ وأن ما جِئتَ به حقٌّ ] وإنه لا يقدر على ما فعلت إلا رسول[ وأنه ليس يفعلُ ما فعَلتَ إلا نبيٌّ ]،
ثم قال له: اتبعك!؟
فقال له النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: أما اليوم فلا، ولكن إذا سمعت [ حتى تَسمَعَ ] أنَّا قد ظهرنا [ فإذا بلَغَكَ ذلك فاخرُجْ ] فائتنا، [ فتبِعَه بعد ما خرَج منَ الغارِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-] ..
فأتى النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بعد ما ظهر بالمدينة.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
هذا الراعي رقيق الحال المسكين .. والذي نشأ في بطن حرارة الصحراء حتىٰ صار قطعة منها تهتز ربيعًا وجمالًا عندما يغشاها زخات المطر المنعش .. قد اهتز إيمانًا عندما رأىٰ المعجزات الحسية بعين رأسه وراقب حسن الأخلاق من رجل غريب عنه فــ تهز عقله تلك الموقف لـ يفيق من سبات الافتراءات التي أوصلتها إلىٰ مسامعه قريش [(أنت الذي تزعم قريش أنك صابئي!؟)]..
وهذه الماعز التي لم يكن في ضرعها سوىٰ الجفاف .. ڪيس جلدٌ رقيق يلتف حول عروق .. حين لامسها بيده الڪريمة محيّ أموات عُبَّاد الأصنام لعبادة الله الواحد الحي الرحمن ..
هذه الماعز درت حليبًا وأنزلت غذاءاً وامتثلت لأمر رسول البشرية-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حين دعا لها بالبركة ..
أما هذا الرجل-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -ما أڪرمه وأعزه من رجلٍ- المطارد المتهم [(تزعم قريش أنك صابئي!؟)] الذي حلبها فلم يشرب رغم عطشه .. ولم يتذوق رشفة طيبة رغم تعبه وطول سفره ..
لقد أسرت هذا الراعي أخلاق لم يعهدها من قبل .. يحلب وهو نبي الله ويسقي مَن هم دونه ثم يشرب آخرهم ..
وهو -أفديه بأبي وأمي- الذي لو أراد لـ أدار الله له هذه الأرض بما فيها وما عليها وما ينبت منها وما يمشي فوقها ينتقي منها -جميعاً- ما يشاء وما يرغب وما لذ وما طاب ..
فماذا ڪان رد فعل الراعي!؟..
أسلم الراعي وآمن وقرر ترك الصحراء والغنم ما دام بصحبة نبي.
لكن خُلق النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-الڪريم وخوفه علىٰ أتباعه مِن الاضطهاد جعله يريثه إلىٰ أجل لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالىٰ-. وامتثل هذا الراعي الزڪي النبيه وصبر رغم شوقه ولهفه لمصاحبة نبي الإسلام!.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
مَن يرغب في تحصيل المصادر والمراجع .. فالرجاء يتم الإتصال بواسطة إدارة موقع آستروعرب نيوز!
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
[*] أَبو مَعْبَد الخُزَاعيّ، زوج أَم معبد. مختلف في اسمه، فقال محمد بن إِسماعيل: اسمه حُبَيش. وقال أبو الفتح الأزدي الموصلي في كتابه:" أسماء من يعرف بكنيته"، „واسم أبي معبد -أكثم- ‟.
[**] العناق: الأنثىٰ من أولاد المعز.
[***] الصابئ عند المشرڪين هو من ترك دينه.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحڪماء في تأويل آيات الذڪر الحڪيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
* سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ]
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
بَدْءُ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
« يوميات الهجرة » إلىٰ الْمَدِينَةِ :«„ الهجرةُ المبارڪةُ أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ”» .
العام : 0 ق.هـ ~ 622 م
﴿ ١٣١ ﴾ : في طريق الهجرة : « „ أبُو مَعْبَدٍ ” » الخُزَاعِيُّ
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
حُرِّرَ في السنة الْهِجْرِيَّةِ 1444 ؛ يوم الثلاثاء، 25 ذو القعدة، 1444~ الموافق الثلاثاء، 13 حزيران، 2023م من الميلاد العجيب المعجز للسيد عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول المسيح -عليهما السلام.

 |
١٣٠ امام الغار
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ المباركةِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. أمرٌ ونصرٌ مِنَ اللهِ-عزَّ وجلَّ- لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق. هـ . ~ 622 م
[(٤ ١)] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
*** مشرك عند الغار فِي جَبَلِ ثَوْرٍ
قبل الإنتقال إلىٰ بقية أحداث الهجرة المنيفة الشريفة -علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلام والتسليمات وڪامل التبريڪات وعظيم التڪريمات التامات وڪبير التنعيمات- .. وعلىٰ صاحبه ورفيقه ووزيره وخليفته -رضوان الله تعالىٰ عليه والغفران والرحمات- .. وقبل الخروج المبارك مِن غار جَبَلِ ثَوْرٍ.. ينبغي الحديث عن حكاية وردت في بعض المصادر ؛ وجاءت في بعض المراجع خُرِجَت في بعضها بـ درجة الضعف ووصفت بـ الوهن ؛ وأهمل التخريج في بعضها الآخر فترڪت لأهل العلم ؛ وتمحيص رجال التوثيق ؛ وبحث أهل التخريج ؛ ومراجعة أصحاب التحقيق من ڪبار السادة العلماء ، والإشڪال يأتي عند بعض مَن تحدث عنها من السادة فوق المنابر دون التنبيه علىٰ ضعفها ؛ وقد انتشرت علىٰ ألسنة القصاص والوعاظ وبعض صفحات الشبكة العنكبوتية دون سند علمي .. ألا وهي حكاية :
« „ تبول مشرك علىٰ باب غار جَبَلِ ثَورٍ ” » ؛
.. هذه وأمثالها مِن ضعاف الروايات قد أقحمت ضمن أبحاث السيرة المحمدية النبوية وقد تتقبلها العامة -ولهم العذر- ؛ فـ اُضيف للسيرة المحمدية النبوية ما ليس منها ڪما اُضيف للسنة النبوية المحمدية ما لم ينطق بها صاحبها -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. وقد تعرض السادة ڪبار العلماء وأهل الدراية وعلماء الجرح والتعديل في أبحاث علمية توثيقية تحقيقية لـ تنقية السنة الشريفة وتصحيح السيرة المنيفة مِن شوائب ما دُس فيهما ولحقت بهما ..
بيد أنه مازال في بطون بعض المصادر وبين دفتي بعض المراجع ما ينبغي تنقيته وتحقيقه وتصحيحه ؛ وإن اڪتفىٰ البعض بعزو الحديث إلىٰ مصدرٍ ما نقل منه أو عنه دون التحقيق أو التخريج؛ وهذا لا يڪفي..
* فلقد أورد التاريخ :
أنّ عمر بن الخطاب الصاحب والوزير الثاني والخليفة الثاني -رضى الله عنه- ڪان يشدد علىٰ الصحابة أنفسهم حال روايتهم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا يدع الواحد منهم إِلَّا إذا جاء بمن يؤيده بأنه سمع هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...
ثم جاء التابعون -رحمات الله تعالىٰ عليهم أجمعين- وقيدوا السُّنة في ڪتبهم،
ثم ما لبث أن دخل علىٰ هذه السُّنة ما ليس منها ...
[ انظر: مقدمة تحقيق ڪتاب :" قبول الأخبار ومعرفة الرجال؛ "الڪعبي " ] .
فوجد علم الرجال وعلم الجرح والتعديل وكتب الضعفاء والمتروكين .. وخُرِجَت الأحاديث فـ وضعت دواوين للحديث الضعيف والآخر الموضوع ڪي تڪتمل دائرة التصحيح والتوثيق ويغلق في وجوه الڪذابين أقوال منحرفة مِن جماعات أو طُرق أو افراد فـ تظل الشريعة ويبقىٰ المنهاج ڪما قال صاحب البيان عن ربه - عليه السلام - بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك...
* ومنذ حين قامت قامات عالية من أهل العلم بالتحقيق والتدقيق والتنقية والتوثيق والتصحيح .. فقد جاء:" عن ابن عُليّة قال: عندما أتىٰ بأحد الزنادقة الوضَّاعين ليقتل.. فقد أخذ الخليفة هارون الرشيد زنديقاً، فأمر بضرب عنقه، فـ
قال له الزنديق: : „ لِمَ تضرب عنقي؟ ” ،
قال له الخليفة الرشيد : « „ أريح العباد منك ” » ؛
قال الزنديق [(وأظنه عبدالكريم بن العرجاء)]: „ فأين أنتَ مِن ألف: « [(١٠٠٠)] » ؛ حديث وضعتها علىٰ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ڪلها ما فيها حرف نطق به ” ؟! ؛ فـ
قال له الرشيد الأمير مطمئناً: « „ فأين أنت يا عدو الله(!) مِن أبي إسحاق الفزاري، وعبدالله بن المبارك .. ينخلانها نخلاً، فيخرجانها حرفاً حرفاً ” ».
[انظر : تذكرة الحفاظ: (١/٢٧٣)؛ نقلا عن : (من أعلام أهل السنة والجماعة عبدالله بن المبارك؛ [لمؤلفه: محمد بن مطر الزهراني] ) والتصحيح من : (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. (18/97 ) ].
ونحن نحتاج في ڪل عصر وزمان أمثال هؤلاء السادة الڪبار من العلماء..
والمشهور في هذه الحكاية -المشرك الذي بال علىٰ باب الغار- وأبدءُ :
أولاً : بمتنها :
فقد روى : عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أنه قَالَ : „ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ اسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَوْرَتِهِ يَبُولُ ” ؛
قُلْتُ : „ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَيْسَ الرَّجُلُ يَرَانَا ” ؟ ،
قَالَ: « „ لَوْ رَآنَا لَمْ يَسْتَقْبِلْنَا بِعَوْرَتِهِ ” » ؛
يَعْنِي وَهُما بِالْغَارِ ..
[ انظر :
(1) البوصيري؛ في : إتحاف الخيرة المهرة؛ (5 / 81)؛ وايضا :" (7 /57) ؛ الحديث : إسناده ضعيف ".؛ وذكره
(2) صاحب :" كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال "؛ علي بن عبدالملك حسام الدين؛ ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي ثم المدني فالمكي، علاء الدين الشهير بــ "المتقي". وذكره
(3) صاحب :" مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد ؛ الهيثمي في : » كتاب المغازي والسير » باب الهجرة إلىٰ المدينة " (ص:55). وقال في نهاية الحديث : " رَوَاهُ أَبُو يَعْلَىٰ ، وَفِيهِ مُوسَى بْنُ مُطَيْرٍ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ ". حديث رقم : (9906 )] .
فـ نبه صاحب مجمع الزاوئد -الهيثمي- علىٰ أن أحد رواة هذا الحديث متروك ألا وهو :" مُوسَىٰ بْنُ مُطَيْرٍ ".
.. المشهور في هذه القصة أن أبا بڪر الصديق -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: „ لو نظر أحدهم إلىٰ موضع نعله لأبصرنا ” ؛
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: « „ يا أبا بڪر، ما بالك باثنين، الله ثالثهما ” » .
هذا الحديث: رواه أبو يعلىٰ في" مسنده" (1 /46)؛ من طريق عبيدالله بن عبدالمجيد الحنفي، قال حدثنا موسىٰ بن مطير، وهو يقول حدثني أَبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: حدثني أبو بڪر قال: جاء رجل من المشركين حتىٰ استقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعورته يبول، قلت: يا رسول الله! أليس الرجل يرانا؟ قال: " لو رآنا لم يستقبلنا بعورته "ـ يعني: وهما في الغار.
قال الهيثمي في" المجمع" (6 / 68) : „ رواه أبو يعلىٰ وفيه موسىٰ بن مطير وهو متروك ” اهـ
.. وأبوه أيضاً ـ وهو: مطير بن أبي خالد ـ ذڪره ابن أبي حاتم في" الجرح والتعديل" (8 / 394)، وقال: „ سألتُ أبا زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث ” ؛ وقال أبو حاتم: „ متروك الحديث ” ؛
وجاء عن طريق آخر : وروى الطبراني قي المعجم الكبير (24 106 - 107/ 284/ ) من طريق: يعقوب بن حميد، قال: حدثنا يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بڪر، قالت: ڪان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا بمڪة ڪل يوم مرتين ... فخرجا فمڪثا في الغار في جبل ثور، فلما انتهيا إليه دخل أبو بڪر الغار قبله، فلم يترك فيه جحراً الا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يڪون فيه هامة، وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما، وجعلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة وخرجوا يطوفون في جبال مڪة حتىٰ انتهوا إلىٰ الجبل الذي هما فيه،
فَقَالَ أَبُو بَڪْرٍ لِرَجُلٍ [ يَرَاهُ ] مُوَاجِهٍ الْغَارَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَرَانَا ، فَقَالَ : « ڪَلَّا إِنَّ مَلَائِڪَةً تَسْتُرُنَا بِأَجْنِحَتِهَا » . فَجَلَسَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَبَالَ مُوَاجِهَ الْغَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : » لَوْ ڪَانَ يَرَانَا مَا فَعَلَ هَذَا « .. وذُڪر في المجمع للــ هيثمي.
قلت: جاء في المجمع :" يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ ، وَغَيْرُهُ " . ]؛
فـ هو ضعيف الحديث...
ثانيًا: التخريج:
الحديث أخرجه أبو يعلىٰ في «مسنده» (1/ 46) (ح46) قال: حدثنا موسىٰ بن حيان حدثنا عُبيدالله بن عبدالمجيد الحنفي، حدثنا موسىٰ بن مُطير، حدثني أبي، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: حدثني أبوبكر - رضي الله عنه - قال: فذڪر حديث القصة.
ثالثًا التحقيق:
هذا الخبر الذي جاءت به تلك الحكاية (باطل) والقصة واهية.
وفيها علتان:
الأولىٰ: موسىٰ بن مُطَير:
1- فقد أخرج العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 163/1734) عن يحيىٰ بن معين قال: «موسىٰ بن مطير كذاب».
و
2- أورده النسائي في «الضعفاء والمتروكين» برقم (555) وقال: «موسىٰ بن مطير منكر الحديث».
ڪما
3- أورده الدارقطني في «الضعفاء والمتروڪين» برقم (513) وقال: «موسىٰ بن مطير،ڪوفي عن أبيه، ومطير أبوه لا يُعرف إلا به».
قلت (الحديث -هنا- علىٰ لسان المحقق : علي إبراهيم حشيش): " وقد يتوهم من لا دراية له بعلم الجرح والتعديل أن الدارقطني سڪت عنه ولا يدري أنه بمجرد ذڪر اسم موسىٰ بن مطير في ڪتاب «الضعفاء والمتروڪين» للدارقطني يجعل موسىٰ بن مطير من المتروڪين، حيث قال أبو بڪر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البرقاني: «طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حمڪان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني -عفا الله عني وعنهما- في المتروڪين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته علىٰ حروف المعجم في هذه الورقات».
[كذا في «مقدمة الضعفاء والمتروڪين» للدارقطني؛ ص: ( 1 /249 ) .].
و
4- أورده الإمام ابن أبي حاتم في «ڪتاب الجرح والتعديل» (8/162/717) وقال:
أ- «موسىٰ بن مطير روىٰ عن أبيه عن أبي هريرة وعائشة. روىٰ عنه أبوداود الطيالسي وخلف بن تميم وأبو يوسف صاحب الرأي».
ب- وقال: «قرئ علىٰ العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: موسىٰ بن مطير ڪذاب».
جـ- وقال: سألت أبي عن موسىٰ بن مطير فقال: «متروك الحديث .. ذاهب الحديث».
5- وأورده ابن حبان في «المجروحين» (2/242) وقال: «موسىٰ بن مطير ڪان صاحب عجائب ومناڪير لا يشك المستمع أنها موضوعة إذ ڪان هذا الشأن صناعته».
6- وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» (4/ 223 /8928) حيث قال: «موسىٰ بن مطير، عن أبيه، وعنه أبوداود الطيالسي: واهٍ».
7- وأقره الحافظ ابن حجر في «اللسان» (6/ 153) (1903/8688) وزاد عما ذڪره الذهبي في «الميزان»: أن أحمد قال: ضعيف، ترك الناس حديثه، وذڪره العقيلي في الضعفاء وقال العجلي: ڪوفي، ضعيف الحديث، ليس بثقة.
الثانية: مطير بن أبي خالد:
أورده الإمام ابن أبي حاتم في ڪتابه «الجرح والتعديل» (8/ 394/1805) وقال: «مطير بن أبي خالد روىٰ عن أبي هريرة وعائشة وثابت البجلي وروىٰ عنه عوسجة وابنه موسىٰ بن مطير وعلي بن هاشم بن البرير وقال: «سألت أبا زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث».
وقال: «سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث».
وأقره الذهبي في «الميزان» (4/ 129/8587).
-*/*-
* الصحيح البديل:
هناك في «الصحيحين» .. و«السنن» و«المسانيد» وغيرهما من ڪتب السنة الأصلية من القصص الصحيحة والأحاديث في الهجرة ما يغني عن هذه القصة الواهية.
وإلىٰ القارئــ(ــة) الكريمــ(ــة) علىٰ سبيل المثال لا الحصر:
1- أخرج البخاري في «صحيحه» (ح: 3653) قال: «حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - عن أبي بڪر - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.
فقال: ما ظنك يا أبا بڪر باثنين الله ثالثهما».
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ح: 3922، 4663)، و
في هذا الحديث قصة أخرجها مسلم (ح2381) حيث قال: «حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد بن عبدالرحمن الدارمي، (قال عبدالله: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا) حبان بن هلال، حدثنا همام، حدثنا ثابت، حدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أن أبا بڪر الصديق - رضي الله عنه - حدّثه قال: «نظرت إلىٰ أقدام المشرڪين علىٰ رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلىٰ قدميه أبصرنا تحت قدميه،
فقال: يا أبابڪر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
فالحديث هنا متفق عليه، حيث أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرجه أيضًا أحمد (11)، والترمذي (3096)، وابن حبان (6278، 6279)، وابن أبي شيبة (12/7)، والبزار (36)، وأبو يعلىٰ (66، 67)، وابن سعد في «طبقاته» (3/173، 174)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/480، 481) من طرق عن همام، به.
2- أخرج البخاري في صحيحه (ح: 3905) قال: حدثنا يحيى بن بڪير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: إني أريت دار هجرتڪم ذات نخل بين لابتين -وهما الحَرَّتان-، فبينما نحن يومًا جلوسٌ في بيت أبي بڪر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بڪر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعًا - في ساعة لم يڪن يأتينا فيها - فقال أبو بڪر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له، فدخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بڪر: أخرج مَن عندَك. فقال أبوبڪر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بڪر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال أبو بڪر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدىٰ راحلتي هاتين.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالثمن. قالت عائشة، فجهزنا أحث الجهاز وضعنا لهما سُفرة في جراب، فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به علىٰ فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بڪر بغار في جبل ثور، فـ ڪَمَنَا [(ڪمَن الشّخصُ في مڪان: اختفىٰ وتوارىٰ في مڪان لا يَفطن له أحد)] فيه ثلاث ليالٍ,، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بڪر - وهو غلام شاب ثقف لقن. فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمڪة ڪبائت، فلا يسمع أمرًا يڪتادان به إلا وعاه حتى يأيتهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. ويرعىٰ عليهما عامر بن فهيرة مولىٰ أبي بڪر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسل - وهو لبن مِنحتهما ورضيفهما - حتىٰ ينعِق بها عامر بن فهيرة بغَلَس. يفعل ذلك في ڪل ليلة من تلك الليالي الثلاث.
واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبوبڪر رجلاً من بني الدَّيل، وهو من بني عبد ابن عدي هاديًا خِرِّيتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين ڪفار قريش، فأَمِناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل.
[(قلت الرمادي : خرجته علىٰ الموقع؛ فليراجع في موضعه)]
3- أخرج أحمد في «مسنده» (ح: 3) قال: حدثنا عمرو بن محمد أبوسعيد يعني العنقزي قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: اشترىٰ أبو بڪر - رضي الله عنه - من عازب سرجًا بثلاثة عشر درهمًا، قال: فقال أبو بڪر لعازب: مر البراء فليحمله إلىٰ المنزل، فقال: لا، حتىٰ تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت معه. قال: فقال أبو بڪر: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتىٰ أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري هل أرىٰ ظلاً نأوي إليه، فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها، فإذا بقية ظلها، فسويته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرشت له فروة وقلت: اضطجع يا رسول الله، فاضطجع .. ثم خرجت أنظر هل أرىٰ أحدًا من الطلب، فإذا أنا براعي غنم ،
فقلت: لمن أنت يا غلام؟
فقال: لرجل من قريش، فسماه فعرفته،
فقلت: هل في غنمك من لبن؟
قال: نعم.
قال: قلت: هل أنت حالب لي؟
قال: نعم.
فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار، ومعي إداوة علىٰ فمها خرقة، فحلب لي ڪثبة من اللبن. فصببت - يعني الماء - علىٰ القدح حتىٰ برد أسفله،
ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيته وقد استيقظ
فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتىٰ رضيت
ثم قلت: هل أَنَىٰ الرحيل؟
قال: فارتحلنا والقوم يطلبونا، فلم يدرڪنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم علىٰ فرس له.
فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا،
فقال: «لا تحزن إن الله معنا».
حتىٰ إذا دنا منا فڪان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة،
قال: قلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا وبڪيت،
قال: لِمَ تبڪي؟
قال: قلت: أما والله ما علىٰ نفسي أبڪي، ولكن أبڪي عليك،
قال: فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اللهم اڪفناه بما شئت، فساخت قوائم فرسه إلىٰ بطنها في أرض صلبة، ووثب عنها
وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأُغَمِّيَنَّ علىٰ من ورائي من الطلب، وهذه ڪنانتي فخذ منها سهمًا فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع ڪذا وڪذا فخذ منها حاجتك،
قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا حاجة لي فيها»،
قال: ودعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلق. فرجع إلىٰ أصحابه. ومضىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا معه حتىٰ قدمنا المدينة، فتلقاه الناس فخرجوا في الطريق وعلىٰ الأجاجير، فاشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أڪبر، جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاء محمد.
قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزل الليلة علىٰ بني النجار أخوال عبدالمطلب لأڪرمهم بذلك، فلما أصبح غدا حيث أُمر.
قلت: وقد أخرج البخاري في «صحيحه» هذا الحديث (ح: 3652) حيث قال: حدثنا عبدالله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء وذڪر قصة الرَّحل وهو ڪما قال الحافظ في الفتح (6/ 720): الرَّحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للناقة كالسرج للفرس. ".
[(قصة تبول المشرك عند الغار " علي إبراهيم حشيش"؛ 27 شوال 1428 ( 08-11-2007 )؛ مجلة التوحيد)] .
وقد ذڪرها صاحب :" بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٧٤ ". دون تخريج أو تعليق؛ وهو من الڪتب المعتمدة عند السادة الشيعة "..
قلت(الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ): .. فالضعف والوهن وعدم اعتماد القول أنه جاء من طريق" مُوسَى بْنُ مَطِيرٍ الإسكيف ".. وهو :" متروك الحديث :" .
وڪذا عن طريق أبيه : مطير بن أبي خالد الكوفي .. وهو :" متروك الحديث " .
وڪذا :" مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ البصري ". وهو :" ضعيف الحديث "..
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الجمعة، 15 شوال، 1444هــ ~ 04 مايو 2023م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] هارون (الرشيد) ابن محمد (المهدي) ابن المنصور العباسي، أبو جعفر. خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالريّ، لما كان أبوه أميراً عليها وعلى خراسان. وَأُمُّهُ الْخَيْزُرَانُ أُمُّ وَلَدٍ ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ ، وَقِيلَ : سَبْعٍ ، وَقِيلَ : ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ . وَقِيلَ : إِنَّهُ وُلِدَ [ص:28] سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ مُوسَى الْهَادِي فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ ، بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ الْمَهْدِيِّ ونشأ في دار الخلافة ببغداد. وولاه أبوه غزو الروم في القسطنطينية فصالحته الملكة إيريني (Irene) وافتدت منه مملكتها بسبعين ألف دينار تبعث بها إلى خزانة الخليفة في كل عام. وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي (سنة 170هـ) فقام بأعبائها، وازدهرت الدولة في أيامه. واتصلت المودة بينه وبين ملك فرنسة كارلوس الكبير الملقب بشارلمان (Charlemagne) فكانا يتهاديان التحف. وكان الرشيد عالماً بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحاً، له شعر أورد صاحب (الديارات) نماذج منه؛ قلت (الرمادي) : وله ديوان من الشعر..وله محاضرات مع علماء عصره، شجاعاً كثير الغزوات، يلقب بجّبار بني العباس، حازما كريماً متواضعاً، يحج سنة ويغزو سنة، لم يُر خليفة أجود منه، ولم يجتمع على باب خليفة ما اجتمع على بابه من العلماء والشعراء والكتاب والندماء. وكان يطوف أكثر الليالي متنكراً. قال ابن دحية: (وفي أيامه كملت الخلافة بكرمه وعدله وتواضعه وزيارته العلماء في ديارهم). وهو أول خليفة لعب بالكرة والصولجان. له وقائع كثيرة مع ملوك الروم، ولم تزل جزيتهم تحمل إليه من القسطنطينية طول حياته. وهو صاحب وقعة البرامكة، وهم من أصل فارسي، وكانوا قد استولوا على شؤون الدولة، فقلق من تحكمهم، فأوقع بهم في ليلة واحدة. وأخباره كثيرة جداً. ولايته 23 سنة وشهران وأيام. وتوفي في (سَناباذ) من قرى طوس، وبها قبره. وللمستشرق (فلبي) كتاب (هارون الرشيد - ط) مختصر لسيرته، وضعه بالإنكليزية، وترجمه إلى العربية عبدالفتاح السرنجاوي، جاء فيه: وليس من المؤرخين من أفاض في سيرة هارون الرشيد مثل بالمر (Palmer) في كتابه (الخليفة هارون الرشيد)The Calif Haroun Al-Rachid.
قلت (الرمادي) : مِن بعد إذنه وبتمام توفيقه حين الإنتهاء من السيرة العطرة ينبغي الحديث عن تاريخ الإسلام(!).

 |
129 - أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ الهجرةُ
الهجرةُ المباركةُ أمرٌ ونصرٌ مِنَ اللهِ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق. هـ . ~ 622 م
[٤ ١ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
يقتربُ الفڪرُ الحصيف باستنارةٍ علمية مبنية علىٰ قراءة ومراجعة عدة مصادر مع التحقيق والتوثيق والتدقيق.. نقترب مِن أهم مفصلٍ علىٰ الإطلاق يربط نهاية المرحلة المَڪية باعتبارها المرحلة التمهيدية لمجموعة العقائد الرئيسة الإسلامية التي آتىٰ بها وحي السماء وكتلة الأركان الإيمانية الأساسية التي بلغها المَلك جبريل وحياً مِن رب العزة لخاتم المبتعثين وثبت أن قالها -قرآناً أو سنة نبوية محمدية- آخر أنبياءه المصطفين ومتمم رسله المهتدين المهدين لــ هدم أفڪار الشرك في قلوب البشر وإزالة مبادئ الڪفر في عقول الناس ورفع عبادة الأصنام مع تحطيم تقديس الأوثان.. وإزالة الخزعبلات مِن اذهان البشر ؛ وهي -مرحلة مڪة- المرحلة التأسيسة إذ سيبنىٰ عليهما -عقائد الإسلام وأرڪان الإيمان- فسيبنىٰ عليها الڪيان التنفيذي لڪافة أحڪام الإسلام العملية وأنظمته الحياتية فتربط -ربطاً محكماً- نهاية المرحلة المڪية بـ بداية المرحلة المدنية؛ كما ويعتبر أخطر منتقل مِن آخر العهد المڪي إلىٰ بدايات العهد المدني؛ لذا فيسعىٰ عقل المسلم اليوم - في منتصف العام 1444 الهجري ~ بداية 2023 الميلادي.. بعد النڪسات[(1)] المتتالية والتي اصيبت بها الأمة الإسلامية من رجالات دول وجماعات متفرقة وأحزاب متعددة وفرق مختلفة وكثرة طرق تنتمي -جميعها- للإسلام إسماً وتتلحف بوشاحه شكلاً : خاصةً ما اطلق عليه الصحوة الإسلامية ثم خمدت ؛ وظهور مع تمقعد تيارات إسلامية تحت قبة برلمانات دول تدعي أنها تستمد مِن الإسلام دستورَ وقوانين بلادها؛ وفي نفس اللحظة ولاؤها لقوىٰ ترفض إسلام "محمد" شكلاً وموضوعاً ، ثم صعود تيارات إسلامية إلىٰ حڪم دول ڪـ تونس.. المغرب.. مِصر ؛ سبق ذلك رفع رايات وهمية تنادي بالجهاد فسقوطها المدوي والفشل الذريع؛ والحمد لله علىٰ ڪل حال؛ وهناك بصيص أمل..
أقول(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) : يسعىٰ عقل المسلم المستنير بتوثيق الخبر وتحقيق الحدث وتدقيق الحديث النبوي؛ وأسعىٰ قصارىٰ جهدي لما اعتمده علىٰ قوة الترجيح؛ ومتانة التحقيق ووضوح التعليق.. لفهم جزئيات هذه النقلة النوعية في خطوات سير السيرة المحمدية وما يرافقها مِن سُنَّةٍ نبوية رسولية وما سوف يترتب علىٰ خطوات السير مِن أفڪار إسلامية واقوال نبوية وأعمال رسولية وتصرفات مُنشأ -عليه السلام- أول ڪيان إسلامي تنفيذي لمجموعة الأفڪار والقيم والمبادئ والمفاهيم والمقاييس والقناعات التي أوحىٰ الله -عزَّ وجلَّ- لآخر رسله: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فـ يعمل الإدراك بوعي ڪامل لاستيعاب الخطوات العملية لتطبيق النظريات الإسلامية في ڪافة مناحي الحياة من إجتماعية واقتصادية ورعاية شؤون الأفراد داخلياً ورعاية ڪيان الدولة خارجياً وتفعيل منهجية النظم التشريعية مع إنزالها علىٰ واقع محسوس ملموس ؛ يصلح لهذا القرن من الزمان ، فيجب الدراسة بوعي مستنير وإدراك بفهم لڪل ما سيقوم به خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن وضع أعمدة الڪيان الإسلامي الجديد مدينته المنورة لــ بناء دولة الإسلام الأولىٰ وتشيِّد صرح دار الإيمان إذ أنها تحوي الناس جميعاً -مسلمهم وملحدهم؛ ڪافرهم ومؤمنهم.. أو عابد صنم أو ساجد لوثن؛ إذ هي ڪيان تنفيذي للناس جميعاً وليس فقط للمؤمنين بآلهٍ واحد أو المسلمين أو الموحدين-.. حتىٰ مَن لا يؤمن به نبياً ولا يعترف به رسولاً بل وينڪر نبوته ولا يؤمن بوحدانية مَن أرسله ولا العبودية له ولا يؤمن بڪتابه منهاجاً ودستوراً.. ومَن لا يعتقد أن سنته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- طريقة حياة ؛ وڪيفية يومية لممارسة طرق عيش وسبيل معين وطراز خاص في الحياة.. بل قد يحاربه ويريد إفشال المشروع الإسلامي برمته ومِن بدايته بل يسعىٰ لإفساد ڪل محاولة أو إخضاع أي تجمع/ڪيان/حزب-طريقة لأفڪار ظاهرها الإسلام وباطنها خلافه.. وهذا يجب أيضاً معاملته بالطريقة الشرعية وليس تفجير هنا وسفك دماء هناك..
والاشڪال الذي يواجهني منذ الأن -ڪما واجه صاحب الرسالة الخاتمة ومَن ساروا خلفه- أن مَن يعارض هذه الفڪرة -بناء دولة الإسلام؛ أو ما أطلق عليها دار الخلافة- ويريد وأدها مِن مهدها ڪل من يخالفه سواء أفراد أو دعاية مغرضة أو تجمعات أو ڪيانات أو دول.. أو كتابات وإصدارات وأيضاً كُثر مِن أبناء المسلمين تحمل هوياتهم الشخصية في خانة الديانة "مسلم" .. هؤلاء صاروا لا يوافقون علىٰ إنشاء دولة أساسها آيات أحكام القرآن العملية ، وطريقة عيشها أحاديث الأحكام مِن السنة المصطفويَّة ؛ ولعل المثال المشاهد السئ المطروح منذ حين مِن الزمان شڪك في القدرة علىٰ إعادة استئناف الحياة الإسلامية!.
إذاً .. الهجرة المحمدية النبوية مِن مڪة المڪرمة - مسقط رأس محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب - إلىٰ يثرب~ المدينة النبوية لم تكن رحلة ترفيهية أو فترة استجمام ونقاهة لما عاناه هو والمسلمين مِن ڪفار قريش وبقية قبائل وعشائر مڪة.. بل هي نقلة نوعية ذات خصوصية لبناء صرح دار الإسلام دار السنة.
تَمْهِيدٌ :
لما بلغ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن العمر ثلاثاً وخمسين سنةً هاجرَ إلىٰ يثرب/المدينةِ بعد أن وافاه جماعة من الأوس والخزرج وبايعوه وشاع ذڪره بالمدينة وذاع.. ولمْ يبقَ بها دار إلا وڪان فيها ذڪره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وترددوا إليه مرة بعد المرة وڪرة بعد الڪرة ..
ثم
بايعوه علىٰ :
[ أ . ] الإسلام
وعلىٰ :
[ ب . ] نصرته
وعلىٰ :
[ ج . ] الحرب.
فصلحت هذه البقعة المباركة أن تڪون نواةً لعيش المسلمين وفق كتاب ربهم ؛ وتجمعهم حسب سنة نبيهم!
أبْحَاثٌ مبنيةٌ علىٰ يوميات الهجرة
التصفية الجسدية.. القتل
اتفق صناديدُ قريش وأشرافها وملاؤها ومَن يمثل ڪل من بني عبدشمس؛ وبني نوفل بن عبدمناف وبني عبدالدار بن قصي وبني أسد بن عبدالعزىٰ وبني سهم وبني عامر بن لؤي وبني مخزوم ؛ وغيرهم ممن يعُد من غير قرُيش، اتفقوا علىٰ تصفية نبي الإسلام جسدياً بقتله وتفرق دمه الشريف بين القبائل فلا يقدر بنو عبدمناف مِن الأخذ بثأره ويقبلون بالترضية؛ وهو الرأي الثالث والأخير وفق الترتيب الذي حدث في إجتماع دار الندوة ؛ والذي أثبته القرآن الكريم ، فقد : قال أبوجهل بن هشام المخزومي: “والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد!!؟”
قالوا: “وما هو يا أباالحكم؟”
قال: “أرى أن نأخذ من كل قبيلةـ:
- فتىً شاباً
- قويًّا
- نسيباً
- حسيباً في قومه، ثم نُعْطِي كل فتىً منهم سيفًا صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه به ضربة رجلٍ واحد فيقتلوه، فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَقّ دمه في القبائل جميعاً، فلم يقدر بنو عبدمناف علىٰ حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالدِّية ففديناه لهم”.
.. فتفرقوا وقد أجمعوا علىٰ تصفية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب جسدياً بالتخلص منه بقتله..
حدثَ هذا بعد إجتماعهم ضحىٰ - العاشرة صباحًا تقريباً - وذلك يوم الرابع والعشرين مِن ربيع أول لعام (0 . هــ. ) قبيل الهجرة ~ الموافق التاسع مِن أڪتوبر لعام 622م.. لمّا رأوا أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
( ١ . ) كَثرُ أَتباعه، ورأوا أيضًا
( ٢ . ) خروج بعض اصحابه مهاجرين إلىٰ المدينة المنوَّرة - وڪان اسمها يثرب -، وقد وجدوا فيها
( ٣ . ) ملاذًا آمنا من بطش مشرڪي مڪّة و
( ٤ . ) بيئة خصبة لاحتضان الدعوة الوليدة، إلىٰ جانب
( ٥ . ) دخول عدد لا يُستهان به مِن أهل يثرب في دين الإسلام، فخاف المشرڪون أن تڪون هذه
( ٦ . ) بداية قوة لدعوة النبّي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فيتحصّن ومَن معه بيثرب وتقَوىٰ شوڪتهم بها فــ
( ٧ . ) ينازعوا قريش سلطانها ومصالحها في مڪة أولاً فــ الجزيرة العربية ثانياً.
هنا تتدخل عناية السماء ورعايتها بإخباره بڪيدهم؛ فجاء جبريل -عليه السلام- إلىٰ النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأخبره بما حدث مِن قريش وما اتفقوا عليه، وأخبره ألا يبيت في بيته ولا ينام علىٰ فراشه هذه الليلة..
فخرج النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقت حرّ الظهيرة قاصدًا بيت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ببيوت بني جُمح جنوب مڪَّة فJJ
قال له النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «„ إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ‟»،
وڪانت هجرته من مڪةَ في نصف النهار من يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول ..
إذاً جاء الإذن بالخروج والهجرة إلىٰ مدينته المنورة...
وأحسبُ هذا حدث في اليوم الأول مِن أحداث الهجرة المباركة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ.‟»
نص صحيح وقول صريح ؛ قاله صاحب الرسالة العصماء خاتم الأنبياء ومتمم المرسلين الاصفياء-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- روته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق-رضي الله عنها-؛ أخرجه البخاري وابن حبان في صحيحهما؛ مما يبين بوضوحِ ألفاظٍ وصحةِ سندٍ أن تحرڪات الرسول المصطفىٰ وأفعال وأقوال النبي المجتبىٰ المتعلقة بالدعوة وڪيفية حملها وڪل ما له علاقة بـ الرسالة وطريقة نشرها .. أي جميع تصرفاته النبوية الرسولية تأتي وحياً مِن عند الخالق -سبحانه وتعالىٰ شأنه-
فقال أبوبكر: “الصُّحبة يا رسول الله!”
-يقصد أتيتني بقصد الصُحبة يا رسول الله؟-،
قال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «„ نعم، الصُّحبة‟»،
فبكىٰ أبوبكر فرحًا!..
..وفي بيت أبي بكر -رضي الله عنه- وضع الرسول خطة ڪاملة للهجرة،
و
أعدَّ لڪل شيء عدته، لأنه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعلم أن اتخاذ الأسباب أمر يقتضيه ڪمال الإيمان وحسن التوڪل، وعلىٰ هذا الأساس وضع برنامج الهجرة.
ثم رجع النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ بيته ليتجَهَّز للخروج، فأمر-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علياً-رضي الله عنه- أن ينام مڪانه، وطمأنه علىٰ حياته
قائلاً لــ علي: «„ نَمْ علىٰ فراشي وتسجَّ - تغطىٰ - ببرْدِي - ثوبي - هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ‟»،
وكان-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتغطىٰ بذلك الثوب عند النوم، وأخبره بهجرته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَــ «„ اسْتَأْجَرَا-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضي الله عنه- عَبْدَاللَّهِ بْنَ أَرْقَطَ..وَكَانَ مُشْرِكًا ‟»
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ :عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ. رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ [الدُّئَلِ ] بْنِ بَكْرٍ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ مُشْرِكًا - يَدُلُّهُمَا عَلَىٰ الطَّرِيقِ ، وَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، فَكَانَتَا عِنْدَهُ يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا .[ البخاري: البيوع (2031). ] ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَالْخِرِّيتُ : الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ، وَهُوَ عَلَىٰ دِينِ ڪُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا . [ ابن كثير ؛ البداية، ص : (460)]
وهذه - اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مُشْرِڪًا - مسألة مِن أهم مسائل بداية أحداث الهجرة؛ بل يتوقف عليها نجاح الهجرة برمتها والوصول لبر الأمان: دار الإيمان وأول دار للإسلام وفق مفهوم العهد الحديث[(1)] (القرآن الڪريم والسنة النبوية) أو تسلمه - عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ - جائزة قريش وهي مائة ناقة عن ڪل منهما وتلك المسألة تحتاج لدراسة فقهية لفهم واقعها ؛ وڪيف يستفيد منها المسلم اليوم في حياته العملية..
والإجابة تأتي في سياق الخبر.: «„ فَأَمِنَاهُ.‟» .
.. وَوَاعَدَاهُ ( أي : عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ ) غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„. مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرَّسُولِ!.‟»
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَعْلَمْ -فِيمَا بَلَغَنِي- بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ حِينَ خَرَجَ إِلَّا
( ١. ) ــــ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَ
( ٢ . )ــــ أَبُوبَكْرٍ الصِّدِّيقُ ،
وَ
( ٣ . )ــــ آلُ أَبِي بَكْرٍ ،
ولأهمية الهجرة مِن مڪة وما لاقىٰ فيها المسلمون الأوائل مِن صناديد قريش مِن اذىٰ وتعذيب ؛ بل تشريد وقتل ، ولإنجاحها استلزم الأمر الحيطة البالغة والتڪتم الشديد علىٰ مجرياتها؛ وما فعله الرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن تڪتم وحرص.. وما قام به الصديق مِن افعال أقوال ، وما أمر به مَن هم تحت أمرته تبين بوضوح الإرادة القوية والدقة لــ إنجاح الهجرة إلىٰ المدينة المصطفوية؛ ولعل هناك حديث ضعفه البعض بل أنكره وصححه الألباني ولفظه :
«„ استعينوا علىٰ إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن ڪل ذي نعمة محسود.‟»
والصواب أن لڪل حادثة أدلتها وحڪمها..
المهم أن الهجرة المحمدية مع أبي بڪر ؛ وخروجه مِن مڪة لم تڪن هروباً ڪما أدعىٰ جهلة المستشرقين وڪهنة الصوامع ، ومَن سار خلفهم مِن ابناء المسلمين المضبوعين بالثقافة الغربية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.رد الأمانات و الْوَدَائِعَ.لــ اصحابها.‟»
أَمَّا عَلِيًّ رضي الله عنه- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ [بمڪة] حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْوَدَائِعَ والأمانات التِي ڪَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ ، وأن يلحق به بعد ردها لأصحابها، وَڪَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِمَڪَّةَ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَخْشَىٰ عَلَيْهِ إِلَّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ ..
فقد ڪان المشرڪون اعتادوا حفظ أماناتهم وودائعهم عند النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما عهدوا من صدقه وأمانته، حتّىٰ لقَّبوه بـ
”الصادق الأمين”
قبل البعَثة، واستمروّا علىٰ حفظ أماناتهم عنده وهم على شرِڪِهِم ومخالفتهم لدينه بعد بعثته-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولهذا أبقىٰ النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّاً رضي الله عنه- خلفه ليرَدُّ الأمانات والودائع إلىٰ أهلها، فإنهّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لا يغدر علىٰ ڪلُ حال، ولو خططوا لقتله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْخُرُوجَ.‟»
وذلك في اليوم الـ: 25 ربيع الأول؛ بداية العام: 1 هـ ~ الموافق : 10 أكتوبر 622 م ..
وحين ڪان-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ينثر التراب علىٰ رؤوس الواقفين علىٰ باب داره ينتظرون خرجه لآداء الصلاة ڪان يتلوا آيات مِن سورة يس: {يس} {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم} {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين} [يس: 1~3] إلىٰ قوله تعالىٰ : {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون} [يس:9]، وانصرف-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مسُرعاً في طريقه إلىٰ بيت أبي بكر الصديق، وأنزل اللهّٰ -تعالىٰ- علىٰ رسوله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا اليوم قوله -تعالىٰ-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين } [الأنفال:30] وقوله -تعالىٰ- : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُون } [الطور:30]
وسار-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من بيته حوالي 400 مترا مُجِدًا في سيره، مستغرقاً ثلاث دقائق تقريباً، إلىٰ أن وصل الحزورة، وهي سوق قديم بمڪةَ قريب مِن دار أم هانئ بنت أبي طالب -بنت عمّ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-- وهي الآن جزء مِن الحرم المڪي الشريف في جنوب الڪعبة بعد التوسعات ، فوقف عند هذا السوق ناظراً لمڪّةَ، وقال قولته المشهورة:
«„ إنكِ لأحب بلاد اللهِ إليّ ، وإنيّ لأعلم أنك لأحب بلاد اللهِ إلىٰ اللهِ ، ولولا أن أهلكَ أخرجوني منكِ ما خرجت ‟»،
ثم
مشىٰ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قاطعاً حوالي 350 متراً أخرىٰ إلى بيت أبي بڪر الصديق مستغرقاً ثلاث دقائق أيضًا ووصل في حدود التاسعة إلا الربع مساءاً تقريباً.
ثم انتظر-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في بيت أبي بڪر إلىٰ منتصف الليل، ثم خرجا مِن باب صغير خلفي في بيت أبي بڪر الصديق،
.قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْخُرُوجَ أَتَىٰ أَبَابَڪْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَڪْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ .
وخرج معهم عبدالله بن أبي بڪر وعامر بن فهيرة خادم أبي بڪر، وساروا جميعا إلىٰ جنوب مڪةَ في منطقة صخريةّ وعرة إلىٰ جبل ثور قاطعين حوالي 6 ڪم في ساعة ونصف تقريباً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.خِلَافُ الْمَشْهُورِ.‟» .
وَقَدْ حَڪَىٰ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-سَبَقَ الصِّدِّيقَ فِي الذَّهَابِ إِلَىٰ غَارِ ثَوْرٍ ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَدُلَّهُ عَلَىٰ مَسِيرِهِ لِيَلْحَقَهُ ، فَلَحِقَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ.
[وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا ، وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُمَا خَرَجَا مَعًا] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.دعاء لا يصح نسبته إلىٰ الرسول.‟» .
وَقَدْ رَوَىٰ أَبُونُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ :[ بَلَغَنِي ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَڪَّةَ مُهَاجِرًا إِلَىٰ اللَّهِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ ، قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ أَعْنِي عَلَىٰ هَوْلِ الدُّنْيَا ، وَبَوَائِقِ الدَّهْرِ ، وَمَصَائِبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنِي فِي سَفَرِي ، وَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ، وَلَكَ فَذَلِّلْنِي ، وَعَلَىٰ صَالِحِ خُلُقِي فَقَوِّمِنِي ، وَإِلَيْكَ رَبِّ فَحَبِّبْنِي ، وَإِلَىٰ النَّاسِ فَلَا تَكِلْنِي ، رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَأَنْتَ رَبِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، [أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ ] أَنْ تُحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ ، وَتُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ، لَكَ الْعُتْبَىٰ عِنْدِي خَيْرَ مَا اسْتَطَعْتُ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخريج :
رواه : محمد بن إسحاق ؛ انظر : الألباني ؛ في: فقه السيرة : (166) ؛ وقال الألباني في تعليقه علىٰ فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي : " إسناد هذا الدعاء ضعيف معضل " ؛ وأيضاً ضعيف لإرساله.إذ جاء بصيغة : [ بَلَغَنِي ] ؛ فهذا البلاغ .. مَن الذي بلغ ابن إسحاق أو طاوس ؛ بل دعاء لا يصح أن ينسب للرسول؛ وقد ذكره عبدالرزاق في مصنفه؛ «كِتَابُ الْمَنَاسِكِ» ؛ بَابُ الْقَوْلِ فِي السَّفَرِ؛ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ طَاوُسٍ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الرَّاحِلَتَان.‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُوبَڪْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدَّمَ لَهُ أَفْضَلَهُمَا ، ثُمَّ
قَالَ :„.ارْڪَبْ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.‟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :.«„.إِنِّي لَا أَرْڪَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي.‟» .
قَالَ :„.فَهِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.‟ .
قَالَ : «„.لَا ، وَلَڪِنْ مَا الثَّمَنُ الَّذِي ابْتَعْتَهَا بِهِ ؟.‟» .
قَالَ : „.ڪَذَا وَڪَذَا.‟ .
قَالَ : «„.أَخَذْتُهَا بِذَلِكَ.‟» .
قَالَ : „.هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.‟» .
وَرَوَىٰ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخَذَ الْقَصْوَاءَ ،
قَالَ : وَكَانَ أَبُوبَڪْرٍ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَانِمِائَةِ: „٨٠٠‟ . دِرْهَمٍ .
وَرَوَىٰ ابْنُ عَسَاڪِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : „ وَهِيَ الْجَدْعَاءُ.‟ .
وَهَڪَذَا حَڪَىٰ السُّهَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا الْجَدْعَاءُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَرَڪِبَا وَانْطَلَقَا وَأَرْدَفَ أَبُوبَڪْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خَلْفَهُ ، لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطَّرِيقِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.غَارٍ بِــ ثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلَ مَڪَّةَ- .‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَمَدَا إِلَىٰ غَارٍ بِــ ثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلَ مَڪَّةَ- فَدَخَلَاهُ ،
ووصلوا عند غار ثور بحدود الساعة الواحدة ليلاً مِن وقت السحر، فدخلوا الغار -وهو داخل حدود مڪة أو ما يعُرف الآن بــ حد الحرم-،
وَأَمَرَ أَبُوبَڪْرٍ الصِّدِّيقُ ابْنَهُ عَبْدَاللَّهِ أَنْ يَتَسَمَّعَ لَهُمَا مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ بِمَا يَڪُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْخَبَرِ ،. فَڪَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ ، يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَڪْرٍ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ ،
وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَىٰ غَنَمَهُ نَهَارَهُ ، ثُمَّ يُرِيحَهَا عَلَيْهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ فِي الْغَارِ وَڪَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَرْعَىٰ فِي رُعْيَانِ أَهْلِ مَڪَّةَ ، فَإِذَا أَمْسَىٰ أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَڪْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا ، فَإِذَا غَدَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ مِنْ عِنْدِهِمَا إِلَىٰ مَڪَّةَ اتَّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ يُعْفِّي عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الطَّعَامِ.‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَڪَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَأْتِيهِمَا مِنَ الطَّعَامِ إِذَا أَمْسَتْ بِمَا يُصْلِحُهُمَا
.. وتقول الرواية الآخرىٰ مِن أم المؤمنين عائشة :
" قَالَتْ عَائِشَةُ : „.فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَىٰ فَمِ الْجِرَابِ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.‟ .
..ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرواية الثانية تبين أن تم إعداد الطعام في بيت أبي بڪر وليس حملها - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ - الطعام من مڪةَ إلىٰ الغار بجبل ثور..
.. خاصةً أنها ڪانت حامل وفي شهورها الأخيرة؛ وهذا يزيد عبأ ڪشف مڪان السيد الجليل والصديق الرفيق!.. وهما يريدان التڪتم علىٰ سفرهما وحرصهما أن لا ينڪشف أمر الهجرة الشريفة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ".وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُوبَڪْرٍ ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ حِينَ فَقَدُوهُ مِائَةَ: „١٠٠‟ . نَاقَةٍ لِمَنْ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ ، وَسَڪَنَ عَنْهُمَا النَّاسُ ، أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الَّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ ، وَأَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا ، فَلَمَّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلِّقَ السُّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ ، فَحَلَّتْ نِطَاقَهَا فَجَعَلَتْهُ عِصَامًا ثُمَّ عَلَّقَتْهَا بِهِ ، فَڪَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ لِذَلِكَ . ".
..ــــــــــــــــــــــــــــــ.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذه رواية ثالثة(!)..
وقد نقلها ابن ڪثير في البداية والنهاية نقلاً عن ابن اسحاق!..
وهذا يعني وفقاً لرواية ابن إسحاق وما جاء في البداية لابن ڪثير أنه تم تجهيز الطعام :
( ١. ) : مرة في بيت أبي بڪر قبل المغادرة مِن مڪةَ أول ايام الهجرة ،
( ٢. ) ويفهم من سياق الڪلام أنه يتم تجهيز وإحضار الطعام ڪل يوم مِن الأيام الثلاث في إثناء وجودهما في الغار ،
( ٣. ) والمرة الأخيرة :" لَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ ، وَسَڪَنَ عَنْهُمَا النَّاسُ... أَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا ، فَلَمَّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلِّقَ السُّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ ، فَحَلَّتْ نِطَاقَهَا فَجَعَلَتْهُ عِصَامًا ثُمَّ عَلَّقَتْهَا بِهِ ، فَڪَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ لِذَلِكَ . ".
والحرض الشديد علىٰ إخفاء تحرڪات السيد الجليل محمد مع صديقه الرفيق أبي بڪر والتڪتم علىٰ تنقلاتهما يظهر لي أن إعداد الطعام تم مرة واحدة في بيت أبي أسماء ؛ فذهابها إلىٰ الغار حاملة الطعام وعودتها سيلفت انتباه مَن يرصد محمدا وصحبه؛ أما الراعي للغنم فهو يرعاها وينتقل بها مِن مكان لآخر ؛ أو ڪان (وهذه افتراضية) يحضر الطعام -إذا تم- إثناء تواجدهما في الغار عن طريق ابن أبي بكر أو خادمه ؛ لأنهما ڪانا يحضران يومياً : الأول لتبليغ الأخبار ؛ والثاني لإعفاء أثره من الطريق! والله أعلم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم
أعطىٰ أبوبڪر تعليماته لابنه عبدالله ولخادمه عامر بن فهيرة -وڪان غلامًا ذڪيًاّ-، فأمر عبدالله أن يذهب فيتسمع أخبار قريش في الصباح ويأتيهم ليلاً بها ويبيت عندهم في الغار ثم ينصرف وقت السحر راجعاً لمڪّة ڪأنه قد باتَ بها، فلا يثُير الشڪوك حوله، وأن يفعل هذا حتىٰ يخرجوا من الغار، وأمر أبوبڪر عامرَ بن فهيرة أن يسرح بغنمات لأبي بڪر حول جبل ثور ليخُفي آثار الأقدام وڪذلك آثار أقدام عبدالله بعد ذهابه ورجوعه ، ويأتي إليهما ڪل مدة ليلاً ليحلب لهما من لبنها ليشربا، وقد لجئا للغار حتىٰ يهدأ التفتيش والبحث عنهما في أرجاء مڪّةَ،
ثم لما كان آخر الليل رجع عبدالله ابن أبي بكر إلىٰ مكّة ، وسرح عامر ابن فهيرة علىٰ الآثار عائدًا أيضًا،
جاء في البداية لــ ابن كثير :
" ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ، فَمَڪَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ ، فَيَدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَڪَّةَ ڪَبَائِتٍ ، لَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُڪْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ ، حَتَّىٰ يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ ، وَيَرْعَىٰ عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَىٰ أَبِي بَڪْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعَشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ - وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا - حَتَّىٰ يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي ڪُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„ تجارةٌ مع الله! ‟»
وڪان أبوبڪر خرج ومعه ڪل ثروته النقديةّ تقريباً ، وهي : „ 6000 ‟ درهم فضّة، أو ما يوازي : „ 17 ‟ ڪجم مِن الفضّة تقريباً.
.. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ ،
قَالَتْ : „ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ أَبُوبَڪْرٍ مَعَهُ ، احْتَمَلَ أَبُوبَڪْرٍ مَالَهُ ڪُلَّهُ ، مَعَهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ ‟.
قَالَتْ : „ فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُوقُحَافَةَ- وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - ‟؛ فَــ
قَالَ : „ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَڪُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ ‟.
قَالَتْ :
قُلْتُ : „ ڪَلَّا يَا أَبَتِ إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا ڪَثِيرًا ‟.
قَالَتْ : „ وَأَخَذْتُ أَحْجَارًا ، فَوَضَعْتُهَا فِي ڪُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّذِي ڪَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ ‟ ، فَــ
قُلْتُ : „ يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَىٰ هَذَا الْمَالِ ‟ .
قَالَتْ : „ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ‟،
فَقَالَ : „ لَا بَأْسَ إِذْ ڪَانَ قَدْ تَرَكَ لَڪُمْ هَذَا فَقَدَ أَحْسَنَ ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَڪُمْ ‟.
قَالَتْ : «„ وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا ، وَلَڪِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُسَڪِّنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ ‟» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرص الصديق الرفيق علىٰ سلامة النبي الرسول!
وَقَدْ قَالَ أَبُوالْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ ، ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْڪَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ ثَوْرٍ ، فَجَعَلَ أَبُوبَڪْرٍ يَكُونُ أَمَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً ، وَخَلْفَهُ مَرَّةً ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ ، فَــ
قَالَ : „ إِذَا كُنْتُ خَلْفَكَ خَشِيتُ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْ أَمَامِكَ ‟،
وَ „ إِذَا ڪُنْتُ أَمَامِكَ خَشِيتُ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْ خَلْفِكَ ‟،
حَتَّىٰ إِذَا انْتَهَىٰ إِلَىٰ الْغَارِ مِنْ ثَوْرٍ ،
قَالَ أَبُوبَٰڪْرٍ: „ ڪَمَا أَنْتَ حَتَّىٰ أُدْخِلَ يَدِي فَأُحِسَّهُ وَأَقُصَّهُ ، فَإِنْ ٰڪَانَتْ فِيهِ دَابَّةٌ أَصَابَتْنِي قَبْلَكَ‟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الليلة الأولىٰ.‟»
ولما جلسا بالغار ووضع أبوبڪر قدميه على الجحُرْ المفتوح المتبقي بالغار خرجت حيَةّ من الجحُرْ فلسعته-رضي الله عنه- وجعلت دموعه تنحدر ويتألم في صمت لئلا يقُلقِ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فتنبه له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- و
قال : «„ مالك يا أبابڪر؟ ‟»، فأخبره، فوضع النَبّي صلى الله عليه وآله وسلم من ريقه الشريف علىٰ قدم أبي بڪر فشُفيِتَ بإذن الله.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ قَالَ : انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ الْغَارِ لَيْلًا ، فَدَخَلَ أَبُوبَڪْرٍ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَسَ الْغَارَ؛ لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ ، يَقِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ.
( وَهَذَا فِيهِ انْقِطَاعٌ مِنْ طَرَفَيْهِ ) .
قَالَ نَافِعٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ ڪَانَ فِي الْغَارِ جُحْرٌ فَأَلْقَمَ أَبُوبَڪْرٍ رِجْلَهُ ذَلِكَ الْجُحْرَ ، تَخَوُّفًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ دَابَّةٌ أَوْ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
[وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَهُ شَوَاهِدَ أُخَرَ فِي سِيرَةِ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُوعَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ ، وَأَبُوسَعِيدٍ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو ، قَالَا : ثَنَا أَبُوالْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ، ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ شَاذَانُ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ :ڪَانَ أَبُوبَڪْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ ، فَقَالَ :
إِنْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبَعٌ دَمِيتِ *وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلب والمعجزات الحسية
«„. قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَىٰ فَمِ الْغَارِ..‟» .
.. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ ، أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَىٰ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ -تَعَالَىٰ- :{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ } [ الْأَنْفَالِ : 30 ] قَالَ : تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ : بَلِ اقْتُلُوهُ . وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ . فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ ، فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَىٰ فِرَاشِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىٰ لَحِقَ بِالْغَارِ ، وَبَاتَ الْمُشْرِڪُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا ، يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ ، فَــ
قَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ فَــ
قَالَ : لَا أَدْرِي .
فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ ، اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ ، فَــ
صَعِدُوا الْجَبَلَ ، فَــ
مَرُّوا بِالْغَارِ ، فَــ
رَأَوْا عَلَىٰ بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْڪَبُوتِ ، فَــ
قَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْڪَبُوتِ عَلَىٰ بَابِهِ . فَــ
مَڪَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ .
[قال ابن ڪثير : وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ] ،
وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَىٰ فَمِ الْغَارِ ، وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ..
وتوجد ابحاث تظهر ضعف مثل هذه الرواية؛ والدقة البحثية التوثيقية تستلزم إما إثبات الواقعة أو سردها ڪما فعل ابن كثير في موسوعته البداية إذ نصه يرمي لما قصده بقوله :" مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ ". وهذه القصة لا يترتب عليها حكم شرعي ولكنها رواية عن واقعة ؛ الخشية حين اعتمادها مِن باب المعجزات الحسية الخاصة بأحداث الهجرة؛ والنص القرآني القطعي الثبوت القطعي الدلالة نطق يقول :
{ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }[التوبة:40] ". والآية تتكلم علىٰ أحداث الهجرة
بنص القول القرآني القاطع من حيث الثبوت والدلالة : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم } [التوبة:40].
يروي ابن ڪثير في موسوعته البداية والنهاية :" ثم انطلق فتية قرُيش وأشرافها يبحثون عن النبي -صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم- وأبي بڪر بجنون في ڪل مڪان، فـ رصد بعضهم مائة ناقة مڪافأة لمن يجدهم، وانطلق البحث والتفتيش من الجميع في ڪل مڪان ومعهم المُخْتَصَّون البارعون في اقتفاء الآثار، ومنهم :
- سرُاقة بن مالك المدلجي و
- ڪرز بن علقمة، وڪلهّم يطمع في المڪافآت المرصودة ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمر اللهُ -تبارك وتعالىٰ-
[ أ . ] شجرةً فأنبتت أمام الغار وسترتهما، و
[ ب. ] العنڪبوت فنسجت خيطها علىٰ بابه، و
[ ج . ] حمامتين بريَتّين فنزلتا في عشُ أمام الغار، وغربت الشمس وهم بالغار. ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُوبَڪْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي فِي " مُسْنَدِ أَبِي بَڪْرٍ " : حَدَّثَنَا بَشَّارٌ الْخَفَّافُ ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثَنَا أَبُوعِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ الْغَارِ ، وَجَاءَتْ قُرَيْشٌ «„ يَطْلُبُونَ ‟» النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَڪَانُوا إِذَا رَأَوْا عَلَىٰ بَابِ الْغَارِ نَسْجَ الْعَنْڪَبُوتِ ، قَالُوا : „ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ ‟ . وَڪَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا «„ يُصَلِّي ‟» وَأَبُوبَڪْرٍ يَرْتَقِبُ ، فَقَالَ أَبُوبَڪْرٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „ هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَطْلُبُونَكَ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَىٰ نَفْسِي أَبْڪِي ، وَلَڪِنْ مَخَافَةَ أَنْ أَرَى فِيكَ مَا أَڪْرَهُ ‟ .
وهناك رواية :" يقول أبو بڪر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ لو أن أحدهم نظر إلىٰ قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟!” فــ
قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : “ يا أبابڪر ما ظنك باثنين الله ثالثهما !”
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„ يَا أَبَابَڪْرٍ ، لَا تَخَفْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ‟» .
[وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ] ،
وَهُوَ حَسَنٌ بِحَالِهِ مِنَ الشَّاهِدِ . وَ
فِيهِ زِيَادَةُ «„ صَلَاةِ النَّبِيِّ ‟»-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ ، وَقَدْ ڪَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّىٰ .
وَرَوَىٰ هَذَا الرَّجُلُ – أَعْنِي [الحديث لابن ڪثير] أَبَابَڪْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَاضِيَ- عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ ، عَنْ خَلَفِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُطَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَبَابَڪْرٍ قَالَ لِابْنِهِ : „ يَا بُنَيَّ ، إِذَا حَدَثَ فِي النَّاسِ حَدَثٌ ، فَأْتِ الْغَارَ الَّذِي اخْتَبَأَتُ فِيهِ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَكُنْ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ رِزْقُكَ فِيهِ بُڪْرَةً وَعَشِيًّا ‟ .
وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ :
نَسْجُ دَاوُدَ مَا حَمَىٰ صَاحِبَ الْغَا * ــرِ وَكَانَ الْفَخَارُ لِلْعَنْڪَبُوتِ
وَقَدْ [ وَرَدَ ] أَنَّ حَمَامَتَيْنِ عَشَّشَتَا عَلَىٰ بَابِهِ أَيْضًا ،
وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الصَّرْصَرِيُّ فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ :
فَغَمَّى عَلَيْهِ الْعَنْڪَبُوتُ بِنَسْجِهِ * وَظَلَّ عَلَىٰ الْبَابِ الْحَمَامُ يَبِيضُ
وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو أَبُوعَمْرٍو الْقَيْسِيُّ- وَيُلَقَّبُ عُوَيْنًا - حَدَّثَنِي أَبُومُصْعَبٍ الْمَڪِّيُّ ، قَالَ: „ أَدْرَڪْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ، وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَذْڪُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً فَخَرَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتُرُهُ ، وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ الْعَنْڪَبُوتَ فَنَسَجَتْ مَا بَيْنَهُمَا فَسَتَرَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ ، فَأَقْبَلَتَا تَدُفَّانِ حَتَّىٰ وَقَعَتَا بَيْنَ الْعَنْڪَبُوتِ وَبَيْنَ الشَّجَرَةِ ، وَأَقْبَلَتْ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ ڪُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ ، مَعَهُمْ عِصِيُّهُمْ وَقِسِيُّهُمْ وَهِرَاوَاتُهُمْ ، حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ مِائَتَيْ „.٢٠٠.‟ ذِرَاعٍ ، قَالَ الدَّلِيلُ - وَهُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ- هَذَا الْحَجَرُ ، ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ وَضَعَ رِجْلَهُ ‟ .
فَقَالَ الْفِتْيَانُ : „ أَنْتَ لَمْ تُخْطِئْ مُنْذُ اللَّيْلَةِ . حَتَّىٰ إِذَا أَصْبَحْنَا ‟ ؛
قَالَ : „ انْظُرُوا فِي الْغَارِ ‟ .
فَاسْتَقْدَمَ الْقَوْمَ حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ خَمْسِينَ„.٥٠.‟ ذِرَاعًا [٣٠ مترا ] ، فَإِذَا الْحَمَامَتَانِ ،
فَرَجَعَ ..
فَقَالُوا : „ مَا رَدَّكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي الْغَارِ ؟ ‟ ،
قَالَ : „ رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ ، فَعَرَفَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ‟ .
فَسَمِعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُمَا بِهِمَا ، فَسَمَّتَ عَلَيْهِمَا - أَيْ بَرَّكَ عَلَيْهِمَا - وَأَحْدَرَهُمَا اللَّهُ إِلَىٰ الْحَرَمِ فَأَفْرَخَا ڪَمَا تَرَى ‟ .
[وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ] .
وَ
قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُونُعَيْمٍ ، مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِعُوَيْنٍ- بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، وَفِيهِ أَنَّ جَمِيعَ حَمَامِ مَڪَّةَ مِنْ نَسْلِ تَيْنِكَ الْحَمَامَتَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَائِفَ الَّذِي اقْتَفَى لَهُمُ الْأَثَرَ
[ أ . ] سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلَجِيُّ
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الَّذِي اقْتَفَى لَهُمُ الْأَثَرَ
[ ب . ] ڪُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ .
قُلْتُ (القائل : ابن كثير في بدايته) :" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا اقْتَفَيَا الْأَثَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
... قَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- :{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التَّوْبَةِ : 40 ]
يَقُولُ -تَعَالَىٰ- مُؤَنِّبًا لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا تَنْصُرُوهُ أَنْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ ، وَمُؤَيِّدُهُ ، وَمُظْفِرُهُ ، ڪَمَا نَصَرَهُ: { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } مِنْ أَهْلِ مَڪَّةَ هَارِبًا[!!!] لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ ، وَصَدِيقِهِ أَبِي بَڪْرٍ ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ :{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أَيْ : وَقَدْ لَجَأَ إِلَىٰ الْغَارِ ، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَسْڪُنَ الطَّلَبُ عَنْهُمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِڪِينَ حِينَ فَقَدُوهُمَا ڪَمَا تَقَدَّمَ ، ذَهَبُوا فِي طَلَبِهِمَا ڪُلَّ مَذْهَبٍ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ ، وَجَعَلُوا لِمَنْ رَدَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ، وَاقْتَصُّوا آثَارَهُمَا حَتَّىٰ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ ، وَڪَانَ الَّذِي يَقْتَصُّ الْأَثَرَ لِقُرَيْشٍ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، ڪَمَا تَقَدَّمَ ، فَصَعِدُوا الْجَبَلَ الَّذِي هُمَا فِيهِ ، وَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَىٰ بَابِ الْغَارِ ، فَتُحَاذِي أَرْجُلُهُمْ لِبَابِ الْغَارِ وَلَا يَرَوْنَهُمَا؛ حِفْظًا مِنَ اللَّهِ لَهُمَا ، ڪَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، ثَنَا هَمَّامٌ ، أَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَابَڪْرٍ حَدَّثَهُ ،
قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: „ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ !!؟ ” ؛.
فَقَالَ : « „ يَا أَبَابَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ” » .
[وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحَيْهِمَا " مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ بِهِ] .
وَ
قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ أَبَابَڪْرٍ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ جَاءُونَا مِنْ هَاهُنَا لَذَهَبْنَا مِنْ هُنَا " . فَنَظَرَ الصِّدِّيقُ إِلَىٰ الْغَارِ قَدِ انْفَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَإِذَا الْبَحْرُ قَدِ اتَّصَلَ بِهِ ، وَسَفِينَةٌ مَشْدُودَةٌ إِلَىٰ جَانِبِهِ .
[قال ابن كثير في البداية : وَهَذَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ الْعَظِيمَةُ ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ ، وَلَسْنَا نُثْبِتُ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا ، وَلَكِنْ مَا صَحَّ أَوْ حَسُنَ سَنَدُهُ قُلْنَا بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات .
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز» ~فيينا ~ النمسا.
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ] من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
129 الهجرةُ المباركةُ أمرٌ ونصرٌ مِنَ اللهِ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء ؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء ؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
سلسلة " التصفية والتربية " ؛ السلسلة الثالثة : السيرة المحمدية النبوية
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - )
حُرِّرَ في يوم الأحد : ٨ من شهر رجب ١٤٤٤ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢٩ من شهر ينابر عام ٢٠٢٣ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

 |
|
 |