129 - أمرٌ مِنَ اللهِ ونصرٌ الهجرةُ
الهجرةُ المباركةُ أمرٌ ونصرٌ مِنَ اللهِ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثُ هِجْرَتِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الْمَدِينَةِ
العام : 0 ق. هـ . ~ 622 م
[٤ ١ ] الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ
يقتربُ الفڪرُ الحصيف باستنارةٍ علمية مبنية علىٰ قراءة ومراجعة عدة مصادر مع التحقيق والتوثيق والتدقيق.. نقترب مِن أهم مفصلٍ علىٰ الإطلاق يربط نهاية المرحلة المَڪية باعتبارها المرحلة التمهيدية لمجموعة العقائد الرئيسة الإسلامية التي آتىٰ بها وحي السماء وكتلة الأركان الإيمانية الأساسية التي بلغها المَلك جبريل وحياً مِن رب العزة لخاتم المبتعثين وثبت أن قالها -قرآناً أو سنة نبوية محمدية- آخر أنبياءه المصطفين ومتمم رسله المهتدين المهدين لــ هدم أفڪار الشرك في قلوب البشر وإزالة مبادئ الڪفر في عقول الناس ورفع عبادة الأصنام مع تحطيم تقديس الأوثان.. وإزالة الخزعبلات مِن اذهان البشر ؛ وهي -مرحلة مڪة- المرحلة التأسيسة إذ سيبنىٰ عليهما -عقائد الإسلام وأرڪان الإيمان- فسيبنىٰ عليها الڪيان التنفيذي لڪافة أحڪام الإسلام العملية وأنظمته الحياتية فتربط -ربطاً محكماً- نهاية المرحلة المڪية بـ بداية المرحلة المدنية؛ كما ويعتبر أخطر منتقل مِن آخر العهد المڪي إلىٰ بدايات العهد المدني؛ لذا فيسعىٰ عقل المسلم اليوم - في منتصف العام 1444 الهجري ~ بداية 2023 الميلادي.. بعد النڪسات[(1)] المتتالية والتي اصيبت بها الأمة الإسلامية من رجالات دول وجماعات متفرقة وأحزاب متعددة وفرق مختلفة وكثرة طرق تنتمي -جميعها- للإسلام إسماً وتتلحف بوشاحه شكلاً : خاصةً ما اطلق عليه الصحوة الإسلامية ثم خمدت ؛ وظهور مع تمقعد تيارات إسلامية تحت قبة برلمانات دول تدعي أنها تستمد مِن الإسلام دستورَ وقوانين بلادها؛ وفي نفس اللحظة ولاؤها لقوىٰ ترفض إسلام "محمد" شكلاً وموضوعاً ، ثم صعود تيارات إسلامية إلىٰ حڪم دول ڪـ تونس.. المغرب.. مِصر ؛ سبق ذلك رفع رايات وهمية تنادي بالجهاد فسقوطها المدوي والفشل الذريع؛ والحمد لله علىٰ ڪل حال؛ وهناك بصيص أمل..
أقول(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) : يسعىٰ عقل المسلم المستنير بتوثيق الخبر وتحقيق الحدث وتدقيق الحديث النبوي؛ وأسعىٰ قصارىٰ جهدي لما اعتمده علىٰ قوة الترجيح؛ ومتانة التحقيق ووضوح التعليق.. لفهم جزئيات هذه النقلة النوعية في خطوات سير السيرة المحمدية وما يرافقها مِن سُنَّةٍ نبوية رسولية وما سوف يترتب علىٰ خطوات السير مِن أفڪار إسلامية واقوال نبوية وأعمال رسولية وتصرفات مُنشأ -عليه السلام- أول ڪيان إسلامي تنفيذي لمجموعة الأفڪار والقيم والمبادئ والمفاهيم والمقاييس والقناعات التي أوحىٰ الله -عزَّ وجلَّ- لآخر رسله: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فـ يعمل الإدراك بوعي ڪامل لاستيعاب الخطوات العملية لتطبيق النظريات الإسلامية في ڪافة مناحي الحياة من إجتماعية واقتصادية ورعاية شؤون الأفراد داخلياً ورعاية ڪيان الدولة خارجياً وتفعيل منهجية النظم التشريعية مع إنزالها علىٰ واقع محسوس ملموس ؛ يصلح لهذا القرن من الزمان ، فيجب الدراسة بوعي مستنير وإدراك بفهم لڪل ما سيقوم به خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن وضع أعمدة الڪيان الإسلامي الجديد مدينته المنورة لــ بناء دولة الإسلام الأولىٰ وتشيِّد صرح دار الإيمان إذ أنها تحوي الناس جميعاً -مسلمهم وملحدهم؛ ڪافرهم ومؤمنهم.. أو عابد صنم أو ساجد لوثن؛ إذ هي ڪيان تنفيذي للناس جميعاً وليس فقط للمؤمنين بآلهٍ واحد أو المسلمين أو الموحدين-.. حتىٰ مَن لا يؤمن به نبياً ولا يعترف به رسولاً بل وينڪر نبوته ولا يؤمن بوحدانية مَن أرسله ولا العبودية له ولا يؤمن بڪتابه منهاجاً ودستوراً.. ومَن لا يعتقد أن سنته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- طريقة حياة ؛ وڪيفية يومية لممارسة طرق عيش وسبيل معين وطراز خاص في الحياة.. بل قد يحاربه ويريد إفشال المشروع الإسلامي برمته ومِن بدايته بل يسعىٰ لإفساد ڪل محاولة أو إخضاع أي تجمع/ڪيان/حزب-طريقة لأفڪار ظاهرها الإسلام وباطنها خلافه.. وهذا يجب أيضاً معاملته بالطريقة الشرعية وليس تفجير هنا وسفك دماء هناك..
والاشڪال الذي يواجهني منذ الأن -ڪما واجه صاحب الرسالة الخاتمة ومَن ساروا خلفه- أن مَن يعارض هذه الفڪرة -بناء دولة الإسلام؛ أو ما أطلق عليها دار الخلافة- ويريد وأدها مِن مهدها ڪل من يخالفه سواء أفراد أو دعاية مغرضة أو تجمعات أو ڪيانات أو دول.. أو كتابات وإصدارات وأيضاً كُثر مِن أبناء المسلمين تحمل هوياتهم الشخصية في خانة الديانة "مسلم" .. هؤلاء صاروا لا يوافقون علىٰ إنشاء دولة أساسها آيات أحكام القرآن العملية ، وطريقة عيشها أحاديث الأحكام مِن السنة المصطفويَّة ؛ ولعل المثال المشاهد السئ المطروح منذ حين مِن الزمان شڪك في القدرة علىٰ إعادة استئناف الحياة الإسلامية!.
إذاً .. الهجرة المحمدية النبوية مِن مڪة المڪرمة - مسقط رأس محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب - إلىٰ يثرب~ المدينة النبوية لم تكن رحلة ترفيهية أو فترة استجمام ونقاهة لما عاناه هو والمسلمين مِن ڪفار قريش وبقية قبائل وعشائر مڪة.. بل هي نقلة نوعية ذات خصوصية لبناء صرح دار الإسلام دار السنة.
تَمْهِيدٌ :
لما بلغ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن العمر ثلاثاً وخمسين سنةً هاجرَ إلىٰ يثرب/المدينةِ بعد أن وافاه جماعة من الأوس والخزرج وبايعوه وشاع ذڪره بالمدينة وذاع.. ولمْ يبقَ بها دار إلا وڪان فيها ذڪره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وترددوا إليه مرة بعد المرة وڪرة بعد الڪرة ..
ثم
بايعوه علىٰ :
[ أ . ] الإسلام
وعلىٰ :
[ ب . ] نصرته
وعلىٰ :
[ ج . ] الحرب.
فصلحت هذه البقعة المباركة أن تڪون نواةً لعيش المسلمين وفق كتاب ربهم ؛ وتجمعهم حسب سنة نبيهم!
أبْحَاثٌ مبنيةٌ علىٰ يوميات الهجرة
التصفية الجسدية.. القتل
اتفق صناديدُ قريش وأشرافها وملاؤها ومَن يمثل ڪل من بني عبدشمس؛ وبني نوفل بن عبدمناف وبني عبدالدار بن قصي وبني أسد بن عبدالعزىٰ وبني سهم وبني عامر بن لؤي وبني مخزوم ؛ وغيرهم ممن يعُد من غير قرُيش، اتفقوا علىٰ تصفية نبي الإسلام جسدياً بقتله وتفرق دمه الشريف بين القبائل فلا يقدر بنو عبدمناف مِن الأخذ بثأره ويقبلون بالترضية؛ وهو الرأي الثالث والأخير وفق الترتيب الذي حدث في إجتماع دار الندوة ؛ والذي أثبته القرآن الكريم ، فقد : قال أبوجهل بن هشام المخزومي: “والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد!!؟”
قالوا: “وما هو يا أباالحكم؟”
قال: “أرى أن نأخذ من كل قبيلةـ:
- فتىً شاباً
- قويًّا
- نسيباً
- حسيباً في قومه، ثم نُعْطِي كل فتىً منهم سيفًا صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه به ضربة رجلٍ واحد فيقتلوه، فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَقّ دمه في القبائل جميعاً، فلم يقدر بنو عبدمناف علىٰ حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالدِّية ففديناه لهم”.
.. فتفرقوا وقد أجمعوا علىٰ تصفية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب جسدياً بالتخلص منه بقتله..
حدثَ هذا بعد إجتماعهم ضحىٰ - العاشرة صباحًا تقريباً - وذلك يوم الرابع والعشرين مِن ربيع أول لعام (0 . هــ. ) قبيل الهجرة ~ الموافق التاسع مِن أڪتوبر لعام 622م.. لمّا رأوا أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
( ١ . ) كَثرُ أَتباعه، ورأوا أيضًا
( ٢ . ) خروج بعض اصحابه مهاجرين إلىٰ المدينة المنوَّرة - وڪان اسمها يثرب -، وقد وجدوا فيها
( ٣ . ) ملاذًا آمنا من بطش مشرڪي مڪّة و
( ٤ . ) بيئة خصبة لاحتضان الدعوة الوليدة، إلىٰ جانب
( ٥ . ) دخول عدد لا يُستهان به مِن أهل يثرب في دين الإسلام، فخاف المشرڪون أن تڪون هذه
( ٦ . ) بداية قوة لدعوة النبّي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فيتحصّن ومَن معه بيثرب وتقَوىٰ شوڪتهم بها فــ
( ٧ . ) ينازعوا قريش سلطانها ومصالحها في مڪة أولاً فــ الجزيرة العربية ثانياً.
هنا تتدخل عناية السماء ورعايتها بإخباره بڪيدهم؛ فجاء جبريل -عليه السلام- إلىٰ النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأخبره بما حدث مِن قريش وما اتفقوا عليه، وأخبره ألا يبيت في بيته ولا ينام علىٰ فراشه هذه الليلة..
فخرج النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقت حرّ الظهيرة قاصدًا بيت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ببيوت بني جُمح جنوب مڪَّة فJJ
قال له النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «„ إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ‟»،
وڪانت هجرته من مڪةَ في نصف النهار من يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول ..
إذاً جاء الإذن بالخروج والهجرة إلىٰ مدينته المنورة...
وأحسبُ هذا حدث في اليوم الأول مِن أحداث الهجرة المباركة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ.‟»
نص صحيح وقول صريح ؛ قاله صاحب الرسالة العصماء خاتم الأنبياء ومتمم المرسلين الاصفياء-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- روته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق-رضي الله عنها-؛ أخرجه البخاري وابن حبان في صحيحهما؛ مما يبين بوضوحِ ألفاظٍ وصحةِ سندٍ أن تحرڪات الرسول المصطفىٰ وأفعال وأقوال النبي المجتبىٰ المتعلقة بالدعوة وڪيفية حملها وڪل ما له علاقة بـ الرسالة وطريقة نشرها .. أي جميع تصرفاته النبوية الرسولية تأتي وحياً مِن عند الخالق -سبحانه وتعالىٰ شأنه-
فقال أبوبكر: “الصُّحبة يا رسول الله!”
-يقصد أتيتني بقصد الصُحبة يا رسول الله؟-،
قال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «„ نعم، الصُّحبة‟»،
فبكىٰ أبوبكر فرحًا!..
..وفي بيت أبي بكر -رضي الله عنه- وضع الرسول خطة ڪاملة للهجرة،
و
أعدَّ لڪل شيء عدته، لأنه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعلم أن اتخاذ الأسباب أمر يقتضيه ڪمال الإيمان وحسن التوڪل، وعلىٰ هذا الأساس وضع برنامج الهجرة.
ثم رجع النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ بيته ليتجَهَّز للخروج، فأمر-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علياً-رضي الله عنه- أن ينام مڪانه، وطمأنه علىٰ حياته
قائلاً لــ علي: «„ نَمْ علىٰ فراشي وتسجَّ - تغطىٰ - ببرْدِي - ثوبي - هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ‟»،
وكان-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتغطىٰ بذلك الثوب عند النوم، وأخبره بهجرته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَــ «„ اسْتَأْجَرَا-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضي الله عنه- عَبْدَاللَّهِ بْنَ أَرْقَطَ..وَكَانَ مُشْرِكًا ‟»
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ :عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ. رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ [الدُّئَلِ ] بْنِ بَكْرٍ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ مُشْرِكًا - يَدُلُّهُمَا عَلَىٰ الطَّرِيقِ ، وَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، فَكَانَتَا عِنْدَهُ يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا .[ البخاري: البيوع (2031). ] ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَالْخِرِّيتُ : الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ، وَهُوَ عَلَىٰ دِينِ ڪُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا . [ ابن كثير ؛ البداية، ص : (460)]
وهذه - اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مُشْرِڪًا - مسألة مِن أهم مسائل بداية أحداث الهجرة؛ بل يتوقف عليها نجاح الهجرة برمتها والوصول لبر الأمان: دار الإيمان وأول دار للإسلام وفق مفهوم العهد الحديث[(1)] (القرآن الڪريم والسنة النبوية) أو تسلمه - عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ - جائزة قريش وهي مائة ناقة عن ڪل منهما وتلك المسألة تحتاج لدراسة فقهية لفهم واقعها ؛ وڪيف يستفيد منها المسلم اليوم في حياته العملية..
والإجابة تأتي في سياق الخبر.: «„ فَأَمِنَاهُ.‟» .
.. وَوَاعَدَاهُ ( أي : عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ ) غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„. مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرَّسُولِ!.‟»
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَعْلَمْ -فِيمَا بَلَغَنِي- بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ حِينَ خَرَجَ إِلَّا
( ١. ) ــــ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَ
( ٢ . )ــــ أَبُوبَكْرٍ الصِّدِّيقُ ،
وَ
( ٣ . )ــــ آلُ أَبِي بَكْرٍ ،
ولأهمية الهجرة مِن مڪة وما لاقىٰ فيها المسلمون الأوائل مِن صناديد قريش مِن اذىٰ وتعذيب ؛ بل تشريد وقتل ، ولإنجاحها استلزم الأمر الحيطة البالغة والتڪتم الشديد علىٰ مجرياتها؛ وما فعله الرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن تڪتم وحرص.. وما قام به الصديق مِن افعال أقوال ، وما أمر به مَن هم تحت أمرته تبين بوضوح الإرادة القوية والدقة لــ إنجاح الهجرة إلىٰ المدينة المصطفوية؛ ولعل هناك حديث ضعفه البعض بل أنكره وصححه الألباني ولفظه :
«„ استعينوا علىٰ إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن ڪل ذي نعمة محسود.‟»
والصواب أن لڪل حادثة أدلتها وحڪمها..
المهم أن الهجرة المحمدية مع أبي بڪر ؛ وخروجه مِن مڪة لم تڪن هروباً ڪما أدعىٰ جهلة المستشرقين وڪهنة الصوامع ، ومَن سار خلفهم مِن ابناء المسلمين المضبوعين بالثقافة الغربية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.رد الأمانات و الْوَدَائِعَ.لــ اصحابها.‟»
أَمَّا عَلِيًّ رضي الله عنه- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ [بمڪة] حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْوَدَائِعَ والأمانات التِي ڪَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ ، وأن يلحق به بعد ردها لأصحابها، وَڪَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِمَڪَّةَ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَخْشَىٰ عَلَيْهِ إِلَّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ ..
فقد ڪان المشرڪون اعتادوا حفظ أماناتهم وودائعهم عند النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما عهدوا من صدقه وأمانته، حتّىٰ لقَّبوه بـ
”الصادق الأمين”
قبل البعَثة، واستمروّا علىٰ حفظ أماناتهم عنده وهم على شرِڪِهِم ومخالفتهم لدينه بعد بعثته-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولهذا أبقىٰ النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّاً رضي الله عنه- خلفه ليرَدُّ الأمانات والودائع إلىٰ أهلها، فإنهّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لا يغدر علىٰ ڪلُ حال، ولو خططوا لقتله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْخُرُوجَ.‟»
وذلك في اليوم الـ: 25 ربيع الأول؛ بداية العام: 1 هـ ~ الموافق : 10 أكتوبر 622 م ..
وحين ڪان-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ينثر التراب علىٰ رؤوس الواقفين علىٰ باب داره ينتظرون خرجه لآداء الصلاة ڪان يتلوا آيات مِن سورة يس: {يس} {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم} {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين} [يس: 1~3] إلىٰ قوله تعالىٰ : {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون} [يس:9]، وانصرف-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مسُرعاً في طريقه إلىٰ بيت أبي بكر الصديق، وأنزل اللهّٰ -تعالىٰ- علىٰ رسوله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا اليوم قوله -تعالىٰ-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين } [الأنفال:30] وقوله -تعالىٰ- : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُون } [الطور:30]
وسار-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من بيته حوالي 400 مترا مُجِدًا في سيره، مستغرقاً ثلاث دقائق تقريباً، إلىٰ أن وصل الحزورة، وهي سوق قديم بمڪةَ قريب مِن دار أم هانئ بنت أبي طالب -بنت عمّ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-- وهي الآن جزء مِن الحرم المڪي الشريف في جنوب الڪعبة بعد التوسعات ، فوقف عند هذا السوق ناظراً لمڪّةَ، وقال قولته المشهورة:
«„ إنكِ لأحب بلاد اللهِ إليّ ، وإنيّ لأعلم أنك لأحب بلاد اللهِ إلىٰ اللهِ ، ولولا أن أهلكَ أخرجوني منكِ ما خرجت ‟»،
ثم
مشىٰ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قاطعاً حوالي 350 متراً أخرىٰ إلى بيت أبي بڪر الصديق مستغرقاً ثلاث دقائق أيضًا ووصل في حدود التاسعة إلا الربع مساءاً تقريباً.
ثم انتظر-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في بيت أبي بڪر إلىٰ منتصف الليل، ثم خرجا مِن باب صغير خلفي في بيت أبي بڪر الصديق،
.قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْخُرُوجَ أَتَىٰ أَبَابَڪْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَڪْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ .
وخرج معهم عبدالله بن أبي بڪر وعامر بن فهيرة خادم أبي بڪر، وساروا جميعا إلىٰ جنوب مڪةَ في منطقة صخريةّ وعرة إلىٰ جبل ثور قاطعين حوالي 6 ڪم في ساعة ونصف تقريباً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.خِلَافُ الْمَشْهُورِ.‟» .
وَقَدْ حَڪَىٰ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-سَبَقَ الصِّدِّيقَ فِي الذَّهَابِ إِلَىٰ غَارِ ثَوْرٍ ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَدُلَّهُ عَلَىٰ مَسِيرِهِ لِيَلْحَقَهُ ، فَلَحِقَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ.
[وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا ، وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُمَا خَرَجَا مَعًا] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.دعاء لا يصح نسبته إلىٰ الرسول.‟» .
وَقَدْ رَوَىٰ أَبُونُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ :[ بَلَغَنِي ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَڪَّةَ مُهَاجِرًا إِلَىٰ اللَّهِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ ، قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ أَعْنِي عَلَىٰ هَوْلِ الدُّنْيَا ، وَبَوَائِقِ الدَّهْرِ ، وَمَصَائِبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنِي فِي سَفَرِي ، وَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ، وَلَكَ فَذَلِّلْنِي ، وَعَلَىٰ صَالِحِ خُلُقِي فَقَوِّمِنِي ، وَإِلَيْكَ رَبِّ فَحَبِّبْنِي ، وَإِلَىٰ النَّاسِ فَلَا تَكِلْنِي ، رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَأَنْتَ رَبِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، [أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ ] أَنْ تُحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ ، وَتُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ، لَكَ الْعُتْبَىٰ عِنْدِي خَيْرَ مَا اسْتَطَعْتُ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخريج :
رواه : محمد بن إسحاق ؛ انظر : الألباني ؛ في: فقه السيرة : (166) ؛ وقال الألباني في تعليقه علىٰ فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي : " إسناد هذا الدعاء ضعيف معضل " ؛ وأيضاً ضعيف لإرساله.إذ جاء بصيغة : [ بَلَغَنِي ] ؛ فهذا البلاغ .. مَن الذي بلغ ابن إسحاق أو طاوس ؛ بل دعاء لا يصح أن ينسب للرسول؛ وقد ذكره عبدالرزاق في مصنفه؛ «كِتَابُ الْمَنَاسِكِ» ؛ بَابُ الْقَوْلِ فِي السَّفَرِ؛ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ طَاوُسٍ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الرَّاحِلَتَان.‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُوبَڪْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدَّمَ لَهُ أَفْضَلَهُمَا ، ثُمَّ
قَالَ :„.ارْڪَبْ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.‟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :.«„.إِنِّي لَا أَرْڪَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي.‟» .
قَالَ :„.فَهِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.‟ .
قَالَ : «„.لَا ، وَلَڪِنْ مَا الثَّمَنُ الَّذِي ابْتَعْتَهَا بِهِ ؟.‟» .
قَالَ : „.ڪَذَا وَڪَذَا.‟ .
قَالَ : «„.أَخَذْتُهَا بِذَلِكَ.‟» .
قَالَ : „.هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.‟» .
وَرَوَىٰ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخَذَ الْقَصْوَاءَ ،
قَالَ : وَكَانَ أَبُوبَڪْرٍ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَانِمِائَةِ: „٨٠٠‟ . دِرْهَمٍ .
وَرَوَىٰ ابْنُ عَسَاڪِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : „ وَهِيَ الْجَدْعَاءُ.‟ .
وَهَڪَذَا حَڪَىٰ السُّهَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا الْجَدْعَاءُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَرَڪِبَا وَانْطَلَقَا وَأَرْدَفَ أَبُوبَڪْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خَلْفَهُ ، لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطَّرِيقِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.غَارٍ بِــ ثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلَ مَڪَّةَ- .‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَمَدَا إِلَىٰ غَارٍ بِــ ثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلَ مَڪَّةَ- فَدَخَلَاهُ ،
ووصلوا عند غار ثور بحدود الساعة الواحدة ليلاً مِن وقت السحر، فدخلوا الغار -وهو داخل حدود مڪة أو ما يعُرف الآن بــ حد الحرم-،
وَأَمَرَ أَبُوبَڪْرٍ الصِّدِّيقُ ابْنَهُ عَبْدَاللَّهِ أَنْ يَتَسَمَّعَ لَهُمَا مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ بِمَا يَڪُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْخَبَرِ ،. فَڪَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ ، يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَڪْرٍ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ ،
وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَىٰ غَنَمَهُ نَهَارَهُ ، ثُمَّ يُرِيحَهَا عَلَيْهِمَا إِذَا أَمْسَىٰ فِي الْغَارِ وَڪَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَرْعَىٰ فِي رُعْيَانِ أَهْلِ مَڪَّةَ ، فَإِذَا أَمْسَىٰ أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَڪْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا ، فَإِذَا غَدَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ مِنْ عِنْدِهِمَا إِلَىٰ مَڪَّةَ اتَّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ يُعْفِّي عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الطَّعَامِ.‟» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَڪَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَأْتِيهِمَا مِنَ الطَّعَامِ إِذَا أَمْسَتْ بِمَا يُصْلِحُهُمَا
.. وتقول الرواية الآخرىٰ مِن أم المؤمنين عائشة :
" قَالَتْ عَائِشَةُ : „.فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَىٰ فَمِ الْجِرَابِ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.‟ .
..ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرواية الثانية تبين أن تم إعداد الطعام في بيت أبي بڪر وليس حملها - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ - الطعام من مڪةَ إلىٰ الغار بجبل ثور..
.. خاصةً أنها ڪانت حامل وفي شهورها الأخيرة؛ وهذا يزيد عبأ ڪشف مڪان السيد الجليل والصديق الرفيق!.. وهما يريدان التڪتم علىٰ سفرهما وحرصهما أن لا ينڪشف أمر الهجرة الشريفة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ".وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُوبَڪْرٍ ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ حِينَ فَقَدُوهُ مِائَةَ: „١٠٠‟ . نَاقَةٍ لِمَنْ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ ، وَسَڪَنَ عَنْهُمَا النَّاسُ ، أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الَّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ ، وَأَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا ، فَلَمَّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلِّقَ السُّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ ، فَحَلَّتْ نِطَاقَهَا فَجَعَلَتْهُ عِصَامًا ثُمَّ عَلَّقَتْهَا بِهِ ، فَڪَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ لِذَلِكَ . ".
..ــــــــــــــــــــــــــــــ.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذه رواية ثالثة(!)..
وقد نقلها ابن ڪثير في البداية والنهاية نقلاً عن ابن اسحاق!..
وهذا يعني وفقاً لرواية ابن إسحاق وما جاء في البداية لابن ڪثير أنه تم تجهيز الطعام :
( ١. ) : مرة في بيت أبي بڪر قبل المغادرة مِن مڪةَ أول ايام الهجرة ،
( ٢. ) ويفهم من سياق الڪلام أنه يتم تجهيز وإحضار الطعام ڪل يوم مِن الأيام الثلاث في إثناء وجودهما في الغار ،
( ٣. ) والمرة الأخيرة :" لَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ ، وَسَڪَنَ عَنْهُمَا النَّاسُ... أَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَڪْرٍ بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا ، فَلَمَّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلِّقَ السُّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ ، فَحَلَّتْ نِطَاقَهَا فَجَعَلَتْهُ عِصَامًا ثُمَّ عَلَّقَتْهَا بِهِ ، فَڪَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ لِذَلِكَ . ".
والحرض الشديد علىٰ إخفاء تحرڪات السيد الجليل محمد مع صديقه الرفيق أبي بڪر والتڪتم علىٰ تنقلاتهما يظهر لي أن إعداد الطعام تم مرة واحدة في بيت أبي أسماء ؛ فذهابها إلىٰ الغار حاملة الطعام وعودتها سيلفت انتباه مَن يرصد محمدا وصحبه؛ أما الراعي للغنم فهو يرعاها وينتقل بها مِن مكان لآخر ؛ أو ڪان (وهذه افتراضية) يحضر الطعام -إذا تم- إثناء تواجدهما في الغار عن طريق ابن أبي بكر أو خادمه ؛ لأنهما ڪانا يحضران يومياً : الأول لتبليغ الأخبار ؛ والثاني لإعفاء أثره من الطريق! والله أعلم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم
أعطىٰ أبوبڪر تعليماته لابنه عبدالله ولخادمه عامر بن فهيرة -وڪان غلامًا ذڪيًاّ-، فأمر عبدالله أن يذهب فيتسمع أخبار قريش في الصباح ويأتيهم ليلاً بها ويبيت عندهم في الغار ثم ينصرف وقت السحر راجعاً لمڪّة ڪأنه قد باتَ بها، فلا يثُير الشڪوك حوله، وأن يفعل هذا حتىٰ يخرجوا من الغار، وأمر أبوبڪر عامرَ بن فهيرة أن يسرح بغنمات لأبي بڪر حول جبل ثور ليخُفي آثار الأقدام وڪذلك آثار أقدام عبدالله بعد ذهابه ورجوعه ، ويأتي إليهما ڪل مدة ليلاً ليحلب لهما من لبنها ليشربا، وقد لجئا للغار حتىٰ يهدأ التفتيش والبحث عنهما في أرجاء مڪّةَ،
ثم لما كان آخر الليل رجع عبدالله ابن أبي بكر إلىٰ مكّة ، وسرح عامر ابن فهيرة علىٰ الآثار عائدًا أيضًا،
جاء في البداية لــ ابن كثير :
" ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ، فَمَڪَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَڪْرٍ ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ ، فَيَدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَڪَّةَ ڪَبَائِتٍ ، لَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُڪْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ ، حَتَّىٰ يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ ، وَيَرْعَىٰ عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَىٰ أَبِي بَڪْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعَشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ - وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا - حَتَّىٰ يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي ڪُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„ تجارةٌ مع الله! ‟»
وڪان أبوبڪر خرج ومعه ڪل ثروته النقديةّ تقريباً ، وهي : „ 6000 ‟ درهم فضّة، أو ما يوازي : „ 17 ‟ ڪجم مِن الفضّة تقريباً.
.. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ ،
قَالَتْ : „ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ أَبُوبَڪْرٍ مَعَهُ ، احْتَمَلَ أَبُوبَڪْرٍ مَالَهُ ڪُلَّهُ ، مَعَهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ ‟.
قَالَتْ : „ فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُوقُحَافَةَ- وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - ‟؛ فَــ
قَالَ : „ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَڪُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ ‟.
قَالَتْ :
قُلْتُ : „ ڪَلَّا يَا أَبَتِ إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا ڪَثِيرًا ‟.
قَالَتْ : „ وَأَخَذْتُ أَحْجَارًا ، فَوَضَعْتُهَا فِي ڪُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّذِي ڪَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ ‟ ، فَــ
قُلْتُ : „ يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَىٰ هَذَا الْمَالِ ‟ .
قَالَتْ : „ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ‟،
فَقَالَ : „ لَا بَأْسَ إِذْ ڪَانَ قَدْ تَرَكَ لَڪُمْ هَذَا فَقَدَ أَحْسَنَ ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَڪُمْ ‟.
قَالَتْ : «„ وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا ، وَلَڪِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُسَڪِّنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ ‟» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرص الصديق الرفيق علىٰ سلامة النبي الرسول!
وَقَدْ قَالَ أَبُوالْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ ، ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْڪَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ ثَوْرٍ ، فَجَعَلَ أَبُوبَڪْرٍ يَكُونُ أَمَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً ، وَخَلْفَهُ مَرَّةً ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ ، فَــ
قَالَ : „ إِذَا كُنْتُ خَلْفَكَ خَشِيتُ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْ أَمَامِكَ ‟،
وَ „ إِذَا ڪُنْتُ أَمَامِكَ خَشِيتُ أَنْ تُؤْتَىٰ مِنْ خَلْفِكَ ‟،
حَتَّىٰ إِذَا انْتَهَىٰ إِلَىٰ الْغَارِ مِنْ ثَوْرٍ ،
قَالَ أَبُوبَٰڪْرٍ: „ ڪَمَا أَنْتَ حَتَّىٰ أُدْخِلَ يَدِي فَأُحِسَّهُ وَأَقُصَّهُ ، فَإِنْ ٰڪَانَتْ فِيهِ دَابَّةٌ أَصَابَتْنِي قَبْلَكَ‟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«„.الليلة الأولىٰ.‟»
ولما جلسا بالغار ووضع أبوبڪر قدميه على الجحُرْ المفتوح المتبقي بالغار خرجت حيَةّ من الجحُرْ فلسعته-رضي الله عنه- وجعلت دموعه تنحدر ويتألم في صمت لئلا يقُلقِ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فتنبه له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- و
قال : «„ مالك يا أبابڪر؟ ‟»، فأخبره، فوضع النَبّي صلى الله عليه وآله وسلم من ريقه الشريف علىٰ قدم أبي بڪر فشُفيِتَ بإذن الله.
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ قَالَ : انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ الْغَارِ لَيْلًا ، فَدَخَلَ أَبُوبَڪْرٍ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَسَ الْغَارَ؛ لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ ، يَقِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ.
( وَهَذَا فِيهِ انْقِطَاعٌ مِنْ طَرَفَيْهِ ) .
قَالَ نَافِعٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ ڪَانَ فِي الْغَارِ جُحْرٌ فَأَلْقَمَ أَبُوبَڪْرٍ رِجْلَهُ ذَلِكَ الْجُحْرَ ، تَخَوُّفًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ دَابَّةٌ أَوْ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
[وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَهُ شَوَاهِدَ أُخَرَ فِي سِيرَةِ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُوعَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ ، وَأَبُوسَعِيدٍ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو ، قَالَا : ثَنَا أَبُوالْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ، ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ شَاذَانُ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ :ڪَانَ أَبُوبَڪْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ ، فَقَالَ :
إِنْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبَعٌ دَمِيتِ *وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلب والمعجزات الحسية
«„. قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَىٰ فَمِ الْغَارِ..‟» .
.. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ ، أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَىٰ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ -تَعَالَىٰ- :{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ } [ الْأَنْفَالِ : 30 ] قَالَ : تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ : بَلِ اقْتُلُوهُ . وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ . فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ ، فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَىٰ فِرَاشِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىٰ لَحِقَ بِالْغَارِ ، وَبَاتَ الْمُشْرِڪُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا ، يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ ، فَــ
قَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ فَــ
قَالَ : لَا أَدْرِي .
فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ ، اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ ، فَــ
صَعِدُوا الْجَبَلَ ، فَــ
مَرُّوا بِالْغَارِ ، فَــ
رَأَوْا عَلَىٰ بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْڪَبُوتِ ، فَــ
قَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْڪَبُوتِ عَلَىٰ بَابِهِ . فَــ
مَڪَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ .
[قال ابن ڪثير : وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ] ،
وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَىٰ فَمِ الْغَارِ ، وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ..
وتوجد ابحاث تظهر ضعف مثل هذه الرواية؛ والدقة البحثية التوثيقية تستلزم إما إثبات الواقعة أو سردها ڪما فعل ابن كثير في موسوعته البداية إذ نصه يرمي لما قصده بقوله :" مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ ". وهذه القصة لا يترتب عليها حكم شرعي ولكنها رواية عن واقعة ؛ الخشية حين اعتمادها مِن باب المعجزات الحسية الخاصة بأحداث الهجرة؛ والنص القرآني القطعي الثبوت القطعي الدلالة نطق يقول :
{ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }[التوبة:40] ". والآية تتكلم علىٰ أحداث الهجرة
بنص القول القرآني القاطع من حيث الثبوت والدلالة : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم } [التوبة:40].
يروي ابن ڪثير في موسوعته البداية والنهاية :" ثم انطلق فتية قرُيش وأشرافها يبحثون عن النبي -صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم- وأبي بڪر بجنون في ڪل مڪان، فـ رصد بعضهم مائة ناقة مڪافأة لمن يجدهم، وانطلق البحث والتفتيش من الجميع في ڪل مڪان ومعهم المُخْتَصَّون البارعون في اقتفاء الآثار، ومنهم :
- سرُاقة بن مالك المدلجي و
- ڪرز بن علقمة، وڪلهّم يطمع في المڪافآت المرصودة ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمر اللهُ -تبارك وتعالىٰ-
[ أ . ] شجرةً فأنبتت أمام الغار وسترتهما، و
[ ب. ] العنڪبوت فنسجت خيطها علىٰ بابه، و
[ ج . ] حمامتين بريَتّين فنزلتا في عشُ أمام الغار، وغربت الشمس وهم بالغار. ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُوبَڪْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي فِي " مُسْنَدِ أَبِي بَڪْرٍ " : حَدَّثَنَا بَشَّارٌ الْخَفَّافُ ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثَنَا أَبُوعِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُوبَڪْرٍ إِلَىٰ الْغَارِ ، وَجَاءَتْ قُرَيْشٌ «„ يَطْلُبُونَ ‟» النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَڪَانُوا إِذَا رَأَوْا عَلَىٰ بَابِ الْغَارِ نَسْجَ الْعَنْڪَبُوتِ ، قَالُوا : „ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ ‟ . وَڪَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا «„ يُصَلِّي ‟» وَأَبُوبَڪْرٍ يَرْتَقِبُ ، فَقَالَ أَبُوبَڪْرٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „ هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَطْلُبُونَكَ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَىٰ نَفْسِي أَبْڪِي ، وَلَڪِنْ مَخَافَةَ أَنْ أَرَى فِيكَ مَا أَڪْرَهُ ‟ .
وهناك رواية :" يقول أبو بڪر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ لو أن أحدهم نظر إلىٰ قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟!” فــ
قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : “ يا أبابڪر ما ظنك باثنين الله ثالثهما !”
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„ يَا أَبَابَڪْرٍ ، لَا تَخَفْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ‟» .
[وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ] ،
وَهُوَ حَسَنٌ بِحَالِهِ مِنَ الشَّاهِدِ . وَ
فِيهِ زِيَادَةُ «„ صَلَاةِ النَّبِيِّ ‟»-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ ، وَقَدْ ڪَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّىٰ .
وَرَوَىٰ هَذَا الرَّجُلُ – أَعْنِي [الحديث لابن ڪثير] أَبَابَڪْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَاضِيَ- عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ ، عَنْ خَلَفِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُطَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَبَابَڪْرٍ قَالَ لِابْنِهِ : „ يَا بُنَيَّ ، إِذَا حَدَثَ فِي النَّاسِ حَدَثٌ ، فَأْتِ الْغَارَ الَّذِي اخْتَبَأَتُ فِيهِ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَكُنْ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ رِزْقُكَ فِيهِ بُڪْرَةً وَعَشِيًّا ‟ .
وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ :
نَسْجُ دَاوُدَ مَا حَمَىٰ صَاحِبَ الْغَا * ــرِ وَكَانَ الْفَخَارُ لِلْعَنْڪَبُوتِ
وَقَدْ [ وَرَدَ ] أَنَّ حَمَامَتَيْنِ عَشَّشَتَا عَلَىٰ بَابِهِ أَيْضًا ،
وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الصَّرْصَرِيُّ فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ :
فَغَمَّى عَلَيْهِ الْعَنْڪَبُوتُ بِنَسْجِهِ * وَظَلَّ عَلَىٰ الْبَابِ الْحَمَامُ يَبِيضُ
وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، ثَنَا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو أَبُوعَمْرٍو الْقَيْسِيُّ- وَيُلَقَّبُ عُوَيْنًا - حَدَّثَنِي أَبُومُصْعَبٍ الْمَڪِّيُّ ، قَالَ: „ أَدْرَڪْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ، وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَذْڪُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً فَخَرَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتُرُهُ ، وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ الْعَنْڪَبُوتَ فَنَسَجَتْ مَا بَيْنَهُمَا فَسَتَرَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ ، فَأَقْبَلَتَا تَدُفَّانِ حَتَّىٰ وَقَعَتَا بَيْنَ الْعَنْڪَبُوتِ وَبَيْنَ الشَّجَرَةِ ، وَأَقْبَلَتْ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ مِنْ ڪُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ ، مَعَهُمْ عِصِيُّهُمْ وَقِسِيُّهُمْ وَهِرَاوَاتُهُمْ ، حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ مِائَتَيْ „.٢٠٠.‟ ذِرَاعٍ ، قَالَ الدَّلِيلُ - وَهُوَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ- هَذَا الْحَجَرُ ، ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ وَضَعَ رِجْلَهُ ‟ .
فَقَالَ الْفِتْيَانُ : „ أَنْتَ لَمْ تُخْطِئْ مُنْذُ اللَّيْلَةِ . حَتَّىٰ إِذَا أَصْبَحْنَا ‟ ؛
قَالَ : „ انْظُرُوا فِي الْغَارِ ‟ .
فَاسْتَقْدَمَ الْقَوْمَ حَتَّىٰ إِذَا ڪَانُوا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْرَ خَمْسِينَ„.٥٠.‟ ذِرَاعًا [٣٠ مترا ] ، فَإِذَا الْحَمَامَتَانِ ،
فَرَجَعَ ..
فَقَالُوا : „ مَا رَدَّكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي الْغَارِ ؟ ‟ ،
قَالَ : „ رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ ، فَعَرَفَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ‟ .
فَسَمِعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُمَا بِهِمَا ، فَسَمَّتَ عَلَيْهِمَا - أَيْ بَرَّكَ عَلَيْهِمَا - وَأَحْدَرَهُمَا اللَّهُ إِلَىٰ الْحَرَمِ فَأَفْرَخَا ڪَمَا تَرَى ‟ .
[وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ] .
وَ
قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُونُعَيْمٍ ، مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِعُوَيْنٍ- بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، وَفِيهِ أَنَّ جَمِيعَ حَمَامِ مَڪَّةَ مِنْ نَسْلِ تَيْنِكَ الْحَمَامَتَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَائِفَ الَّذِي اقْتَفَى لَهُمُ الْأَثَرَ
[ أ . ] سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلَجِيُّ
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الَّذِي اقْتَفَى لَهُمُ الْأَثَرَ
[ ب . ] ڪُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ .
قُلْتُ (القائل : ابن كثير في بدايته) :" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا اقْتَفَيَا الْأَثَرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
... قَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- :{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التَّوْبَةِ : 40 ]
يَقُولُ -تَعَالَىٰ- مُؤَنِّبًا لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا تَنْصُرُوهُ أَنْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ ، وَمُؤَيِّدُهُ ، وَمُظْفِرُهُ ، ڪَمَا نَصَرَهُ: { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } مِنْ أَهْلِ مَڪَّةَ هَارِبًا[!!!] لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ ، وَصَدِيقِهِ أَبِي بَڪْرٍ ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ :{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أَيْ : وَقَدْ لَجَأَ إِلَىٰ الْغَارِ ، فَأَقَامَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَسْڪُنَ الطَّلَبُ عَنْهُمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِڪِينَ حِينَ فَقَدُوهُمَا ڪَمَا تَقَدَّمَ ، ذَهَبُوا فِي طَلَبِهِمَا ڪُلَّ مَذْهَبٍ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ ، وَجَعَلُوا لِمَنْ رَدَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ، وَاقْتَصُّوا آثَارَهُمَا حَتَّىٰ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ ، وَڪَانَ الَّذِي يَقْتَصُّ الْأَثَرَ لِقُرَيْشٍ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، ڪَمَا تَقَدَّمَ ، فَصَعِدُوا الْجَبَلَ الَّذِي هُمَا فِيهِ ، وَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَىٰ بَابِ الْغَارِ ، فَتُحَاذِي أَرْجُلُهُمْ لِبَابِ الْغَارِ وَلَا يَرَوْنَهُمَا؛ حِفْظًا مِنَ اللَّهِ لَهُمَا ، ڪَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، ثَنَا هَمَّامٌ ، أَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَابَڪْرٍ حَدَّثَهُ ،
قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: „ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ !!؟ ” ؛.
فَقَالَ : « „ يَا أَبَابَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ” » .
[وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحَيْهِمَا " مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ بِهِ] .
وَ
قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ أَبَابَڪْرٍ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ جَاءُونَا مِنْ هَاهُنَا لَذَهَبْنَا مِنْ هُنَا " . فَنَظَرَ الصِّدِّيقُ إِلَىٰ الْغَارِ قَدِ انْفَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَإِذَا الْبَحْرُ قَدِ اتَّصَلَ بِهِ ، وَسَفِينَةٌ مَشْدُودَةٌ إِلَىٰ جَانِبِهِ .
[قال ابن كثير في البداية : وَهَذَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ الْعَظِيمَةُ ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ ، وَلَسْنَا نُثْبِتُ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا ، وَلَكِنْ مَا صَحَّ أَوْ حَسُنَ سَنَدُهُ قُلْنَا بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
بحوث :„ الهجرة النبوية الشريفة ‟؛ على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات .
الإصدار الأول مِن منشورات «استروعرب نيوز» ~فيينا ~ النمسا.
[٤ ١ ] [الْمُجَلَّدُ الرَّابِعُ عَشَرَ : الْهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ] من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
129 الهجرةُ المباركةُ أمرٌ ونصرٌ مِنَ اللهِ لِرَسُولِهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء ؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء ؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
سلسلة " التصفية والتربية " ؛ السلسلة الثالثة : السيرة المحمدية النبوية
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - )
حُرِّرَ في يوم الأحد : ٨ من شهر رجب ١٤٤٤ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢٩ من شهر ينابر عام ٢٠٢٣ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

 |