البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون
يفتح نوافذه لمشاريع أدبية نمساوية عربية فيينا ـ خاص
أقام البيت العربي ـ النمساوي للثقافة والفنون أمسية شعرية لشعراء نمساويين ومهاجرين مساء الجمعة الفائتة في غاليري فضاء الفن بفيينا، بمشاركة شعراء نمساويين، قرأوا نصوصاً لهم بلغتهم الألمانية، وتناوب على قراءة النصوص ذاتها أدباء وشعراء عرب. القراءات الشعرية جاءت باللغتين الألمانية والعربية، وهي نصوص مختارة سبق أن نُشرت بالعربية في كتاب "لؤلؤة الدانوب"، للمترجمة والشاعرة الأديبة السودانية النمساوية د.إشراقة مصطفى حامد وقد ترجمت د.حامد المقيمة في فيينا عن الألمانية في "لؤلؤة الدانوب" نصوصاً لثلاثة عشر شاعرة وشاعراً من النمسا، وقد صدر الكتاب عن دار( كتّاب) في الإمارات عام 2016. وتضمن برنامج الفعالية، التي قامت بالتقديم لها وإدارتها د.حامد، قراءات للشعراء المشاركين: ـ إياد حسن/آنتون ماركو: ( هل تهدأ العاصفة؟، ربيكوني، بريشتينا) ـ طلال مرتضى/هليغا نيوماير: (ألسنة هذا العالم) وهو نص من خمسة مقاطع قصيرة ـ لوريس فرح/هيلموت نيدرلا: (صيف لاحق، الحنين، فيما مضى) ـ نبيل جديد/كورت.ف. سفاتيك: ( حالة خاصة، حلم في ليلة صيفية، قلب الأرض) ـ علي الحسن/ ساريتا جينماني: (ذاكرة المطر الأول، اللغة الغريبة، وطن) وقبيل الأمسية اعتذر الشاعر آفتاب حسين عن الحضور لعارض صحي، فقرأت عدداً من نصوص له الشاعرة جينماني، وبالعربية السورية لوريس فرح. الأمسية، التي قدم في افتتاحها الكاتب إياد حسن سكرتير عام البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون لمحة تعريفية موجزة عن البيت، شهدت حضوراً
لافتاً من عدد من الشعراء والكتاب والفنانين العرب المقيمين في النمسا، وكذلك حضوراً لافتاً من عدد من المثقفين النمساويين الذين أشادوا بالفعالية، وشكروا البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون الذي يرأسه الكاتب الإعلامي والفنان التشكيلي محمد عزام، وشكروا لجنة البيت الأدبية على المبادرة في جمع كتاب نمساويين مع كتاب عرب على منصة شعر واحدة، حيث تعرف الجمهور العربي في النمسا على نتاجات ونماذج من الشعر النمساوي، معتبرين ذلك فاتحة تعاون لتجدد اللقاءات والمشاريع الثقافية في المستقبل القريب، وقد جددوا الشكر لـ د. حامد على ترجمتها النصوص الشعرية إلى العربية، ما أتاح للجمهور العربي التعرف إلى مناخات وأجواء النصوص، الأمر الذي يسهم في تقريب وتلاقح الثقافات. في مستهل الأمسية قدم مدير صالة/غاليري فضاء الفن في فيينا السيد هوبيرت
تورنهوفر كلمة ترحيبية بالحضور، متمنياً استمرار هكذا فعاليات يمتزج بها الشعر مع الفن التشكيلي،حيث شهدت الصالة تزامناً مع الأمسية معرضاً للفنان التشكيلي د.آلبيرت هوفمان يستمر لغاية العشرين من الجاري، وقد أعقبت الأمسية نقاشات بين الحضور الذين تبادلوا أطراف الحديث وعبارات التعارف، والإنطباعات عن الأمسية أجواء وأداء.
.jpg) |
تصوير : باسم اكسيهلي |
إنطباعات..وآراء أبدى د. هيلموت نيدرلا رئيس رابطة القلم العالمي النمساوي (تأسست 1921) التي تضم عضويتها الأدباء والشعراء والكتاب النمساوين إعجابه بالأمسية، ووصفها بأنها كانت "رائعة"، و" وفي القمة"، فيما عبّرت الشاعرة النمساوية الهندية ساريتا جينماني عن سعادتها
بالمشاركة، وقالت بعد إنتهاء فعاليات الأمسية: "ياله من مساء جميل"!. من جهتها أبدت الشاعرة النمساوية هيلغا نيوماير رغبتها بالتعرف والإطلاع على نتاجات الشعراء العرب الذين قرأوا النصوص بالعربية، ما يعزز فكرة مشروع (التاندم) الذي بادرت إلى طرحه د. حامد ممثلة الأدب العربي في القلم النمساوي بحيث يعمل الشعراء العرب والنمساويين الذين شاركوا في الأمسية على تبادل النصوص والإشتغال عليها صياغة ومناخات كل حسب ذائقته الشعرية وقاموسه اللغوي وخياره المفرداتي إنسجاماً مع كيمياء النص، وذلك بعد أن تقوم د. حامد؛ منسقة المشروع بترجمة أولية للنصوص من وإلى اللغتين الألمانية والعربية. د. حامد رئيسة
اللجنة الأدبية، وصاحبة فكرة الأمسية والمنسّقة لها، أدرات الفعالية بأداء مميز باللغتين، وعرّفت خلال تقديمها وإدارتها للقاء الشعري بالشعراء المشاركين، وتوجهت بالشكر للشعراء والكتاب العرب المشاركين:" شكراً لكم وقد جعلتموني أشعر بقيمة ما ترجمته من أدب نمساوي"، وعقّبت د. حامد بالقول: "حقاً إنها المرة الأولى التي أشعر بقيمة وطعم ما قمت به من خلال طريقتكم وإحساسكم باللغة"، موكدة أن هذه الأمسية كانت ناجحة بإمتياز، وفتحت الباب لمشاريع مشتركة كثيرة قادمة لترسيخ صورة إيجابية مغايرة، معتبرة أن النجاح ما كان ليكون لولا أن اللجنة الأدبية في البيت العربي النمساوي كانت يداً واحدة بها صفقّنا وبذات اليد اشتغلنا بهمة عالية، وأبدت د. حامد تفاؤلها بأن القادم من مشاريع ثقافية سيكون له الأثر الإيجابي في خلق مبادرات وفرص في المشهد الثقافي، وخاصة لجهة التعاون بين الكتاب النمساوين والعرب. الكاتب نبيل جديد نائب رئيس البيت يرى أن هذه التجربة مميزة؛ حيث تم جني حضور ناضج ومذهل، مشيراً إلى أن التجربة علمتنا الكثير وخاصة خوض المغامرة؛ فأن تغامر بصبر الحضور عليك لتقول نفس القصيدة بلغتين، فهذا يعني أن الجمهور الذواق يفهم أن الشعر أكثر من كونه رصفاً لكلمات، وأن المستمع يعي أن المشاعر والأحاسيس هي لغة عالمية؛ وهذا ماجعل العبء على الذين ألقوا القصائد الألمانية باللغة العربية أكثر ثقلاً، لافتاً إلى أن كون إلقاء مقتطفات شعرية ليست لك (حتى لو كانت لشاعر عربي) فأنت بذك تخوض غمار تجربة (ترجمة) أحاسيسه وانفعالاته؛ فكيف اذا كانت القصيدة مترجمة بالأساس من لغة أخرى؛ أنت هنا تقع في مطب (ترجمة الترجمة) وهي مهمة صعبة؛ لكن قراءات الشعراء النمساويين في لنصوصهم، وكذلك القراءات العربية كانت على مستوى الحدث.
ويتساءل جديد عمّا بعد هذه التجربة: هل نستطيع تعميم ذلك على بقية الابداعات الثقافية؛ معتقداً ن هذا شبه مستحيل، معقبّاً بالقول: لكننا كما تلمسنا طريقنا إلى هذه التجربة واهتدينا إليها فأنا كلي ثقة أننا سنجد حلولاً أخرى مختلفة لبقية الفنون والإبداعات، بحيث لا نقع في مطب التكرار والنمطية، مختتماً رأيه بالتأكيد على أنها تجربة مثيرة تطرح سؤالاً مهماً علينا الإجابة عليه بغية الحفاظ على هذا الجمهور؛ هو: ماذا بعد؟!
النصوص..فضاءات ومناخات بالعودة إلى النصوص المشاركة التي جاءت بمرافقة عازف
العود ياسر الشيخ، وتزامناً مع إقامة معرض للفنان التشكيلي فإننا نجد اختلاف العوالم وتنوع الفضاءات كما إلتقائها وتقاطعاتها، فالشاعر آفتاب حسين المتحدّر من أصول باكستانية (لوريس فرح) يذهب إلى الطفولة، إلى صورة الأب التي تتشكل في الوعي حيث المحبة والحنان والشعور بالعجز في وصف علاقة الإبن بالأب، "كلما رغبت أن أكتب عنك أصاب قلمي اليباس"، ويذهب أيضاً إلى الشتاءات وما تعنيه من ذاكرة، وخاصة لجهة المقارنة بشتاءات البلاد الباردة، بينما يذهب النمساوي الألباني ماركو آنتون (إياد حسن) إلى رغوة الموج، والعواصف حيث البرد والجمر، ويتغزل بـ (بريشتا) عاصمة بلاده التي يعشقها ويبحث عنها، (سنعود لنكون معا حتى لو في الصلوات، بالأمس، واليوم وللأبد)، وتتساءل النمساوية نيوماير (طلال مرتضى)، ( مما حكيت قصة العشب؟)، وتلفت إلى عدد من الألسن في هذا العالم؛ (ألسن آرامية، أمهرية، فارسية ،عربية، إنسانية الألسن.. أثرها يتبخر في الليل.. في الصحراء.. في البحر.. في التل.. من سيحكي
حكايتهم)، وهي ألسن تلمع على (الحديد البارد على السور)، والأغاني والشك والقلوب المفعمة بالأمل، وماذا عن الإحتضان والمزاج والملاذ الآمن! هيلموت نيدرلا (لوريس فرح) يعود أيضاً إلى الماضي لكن على طريقته (فيما مضى ..حين لم نكن نعرف من الصائدُ ومن الطريدة)، وماذا الشيخوخة عندما تكون (حصاد يعيد الدروب المتعرجة في متاهة الكينونة، التي تقود إلى اليأس) ، و(الشيخوخة ليست للجبناء.. وليست لليافعين الذين لا يشتكون من انهيار العادات.. ويتحدثون عن ذكريات الزمن الجميل؛ حيث كان الرجال رجالا والنساء نساء) ويطلق سفاتيك (نبيل جديد) زفرات الحزن مرة، ومرة زفرات الأمل، وخاصة لدى وأثناء القراءة، لهذا
يكون النداء (تنفّس..تنفّس)، ويعبر سفاتيك عن شعور الغربة في البيت، الحديقة، (أنت غريب مع الأشجار والستائرالكثيفة المسدلة ...رغم الكتب التي تواسيك وفواح الشاي الطازج)، ليصل إلى القول: الغربة تكون حيث لا يكون الحب. الشاعرة جينماني (علي الحسن) القادمة من الهند تذهب إلى هذه التيمة ذاتها؛ إلى الغربة، لكن بمذاقات أخرى؛ غربة اللغة والروائح التي تذكّر بالوطن؛ الوطن الحاضر الغائب: (وطني تخلى عني هل صار أخرس أم لم يكن لديه ما يقوله حين عبر البحر الهائج بالقارب المطاطي عندما استبدلت الحياة بصفعة أتحدث عنه عن كل الماضي وأشتم رائحة العزلة في غرفة آمنة بلا نافذة) |