السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

السيرة النبوية الشريفة

تقديم : د. محمد الرمادى
فيينا / 2024

161تَسمية يَثْرِب طابة .. طيبة .. المدينة

تمهيد:
.. تميَّزَ إسلامُ خاتمِ الأنبياءِ ومنهاجُ آخر المرسلين وشريعة متمم المرسلين وهديُّ الرحمةِ المهداةمن رب العالمين للعالمين ؛ تميز إسلامُ النبيِّ الرسول محمد بن عبدالله صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِوحياً من عند ربه تعالى بواسطة أمين السماء المَلَك جبرائيل الذي نزل به على قلب أمين السماء والأرض محمد -عليهما السلام- .. تميَّز بأنه يضع الخط المستقيم الصحيح بجوار الخط المعوج الفاسد ؛ لـ يصحح ما عليه الناس : سواء عند إفساد أو أخطاء العقيدة الإيمانية أو اضطراب وانحراف في الإيمان العقدي أو خلل في العبادة : البدنية منها أوالمالية ؛ أو هما معاً؛ أو جنوح في المعاملات وتأرجح في التصرفات والأفعال والأقوال ؛ مع تصحيح الأخلاق السقيمة السائدة وتعديل العادات الموروثة الفاسدة وتغيير التقاليد المتحجرة البالية ، فيتم التصحيح والتغييروفق منهاج رب السماء والأرض وما بينهما ؛ وتبعاً لـ شريعة خالق الإنسان والكون والحياة ؛ فـ يبني الإسلامُ الخاتموحياً من رب العباد : القرآن الكريم والحديث الشريف .. يبني شخصيةَ إنسانٍ جديد بشقيها: العقلي الإدراكي الفهمي الاستيعابي ؛ هذا هو الشق الأول من الشخصية الآدمية ، والنفسي أي ميول الإنسان و رغباتهونزعاته وتقليم شهواتهوتنظيم أهوائه؛ وهذا هو الشق الثاني من الشخصية البشرية ؛ فتصبح شخصية إنسانية آدمية بشرية سوية ،كما يريد خالقها وكما يرغب بارئها وكما يستحسن مبدعها ؛ وبالطبع وبلا أدنى شك قد تقبل طائفة كبيرة من الناس هذا التصحيح السليم والتغيير الجذري في العقيدة والإيمان والتعديلالأساسي في التصرفات والأفعال والتغيير في المعاملات والأقوال ، وقد يواجه هذا الإصلاح والتصحيح ويعترض هذا التعديلويقف حجر عثرة أمام هذا التبديل ويرفض هذا التغييربل محاربته طائفة آخرى ، وهذا القبول يتم بناءً على الاستعداد الفطري السليم والقبول العقلي الواعي المستنيروالتقبل الفهمي الإدراكي ؛ فينقسم الناس إلى مؤمن بتلك الأفكار الجديدة على الناس والمجتمع ؛ وبهذا التغيير في كيفية العبادة لله وحده والأفكار الحديثة في البيئة المحيطة والغريبة عن هذا الوسط المعاش والمتعلقة بصحيح العبادة وسليم المعاملات والتصرفات وصحة الأفعال والأقوال ، فتؤمن طائفة بتلك المفاهيم الجديدة الصحيحة والقيمالعالية الرفيعة الراقية والمقاييس السليمة والقناعات التي يقبلها العقل فـ تستريح الروح فتطمئن النفس فيهدأ القلب ويرتاح البال ؛ فتوجد -هذه الطائفة المؤمنة-وتنشأ كيانا إسلاميا خالصاً من الشوائب يطبق تلك الأفكار الصحيحة والمفاهيم السليمة والقيم الرفيعة العالية الراقية والمقاييس الصحيحة من حيث الحلال والحرام والقناعات السامقة من حيث وجهة النظر في الحياة والنظرة إلى الكون والإنسان بأنهم مخلوقة من عدم لخالق مبدع مصوِّر : فيسود المجتمع الخير العميم بل العالم كله السلام ، كما تقبل طائفة العيش تحت ظلال هذا المبدأ الجديد في ذلك الكيان الإسلامي دون الإيمان بما بُني عليه من عقائد وأحكام.
مدخل :
.. فـ من الخطأ الشديد الذي يقع فيه البعضُ اختياره اسماً قبيحاً لابنـ(ـتـ)ــه، يحمل معنى سيئاً يتأذى منه في صِغَرِهِ ويزعجه في كِبَرِه، إمَّا لغرابته، أو لِما يَحويه من معانٍ تدلُّ على عدم الخير، أو الغلظة، أو غير ذلك من المعاني المكروهة للنُّفوس.. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود باسم حسنٍ، لأن الاسم الحسن يترك انطباعاً حسناً لصاحبه وللسامعين، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن تسميته باسم قبيح أو اسم غير جائز شرعا .. وفي الأمثال يقولون: " الاسمُ دالٌ على المسمى "، ويقولون أيضاً: " لكل شخص من اسمه نصيب ".
وكثرة الأسماء في معهود العرب تدل على شرف المسمى، وعلو مكانته، والعرب من عادتها إطلاق الأسماء الكثيرة على كل من كان ذا شأن عظيم ومنزلة رفيعة .واختيار الأسماء من الأمور التي اهتم بها الإسلام وندب إليها.
ومن الغريب العجيب أن يتدخل الإسلام عن طريق نبي الأنام عليه السلام في تغيير أسماء البشر؛ بل وفي تغييرأسماءالأماكن والمدن ؛ وقال ابن القيم في كتابه "تحفة المودود" :" وهذا باب عجيب من أبواب الدين، وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول، وتنفر منه النفوس، إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أمْيَل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك".. فقد أخرج الترمذي وصححه الألباني في: "باب ما جاء في تغيير الأسماء" عن أم المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها: «„أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح “» ..وقال المناوي في فيض القدير:„كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه : من مكان، أو قبيلة، أو جبل، أو شخص “..
ولعله من المفيد أن أبدءُ قبل الولوج في أحداثالعهد المدني أن أتحدث عن تغيير اسم يثرب إلى طابة .. طيبة .. المدينة وسبب ذلك!:
فـ : يلحظ أن المدينة سميت في الصحيفة[(الدستور)] بـ يثرب كما كانت تسمى ؛ ثم فيما بعد كره الله ورسوله التسمية هذه فاستبدلت : بـ : طيبة .. طابة .. المدينة!
[(1 .)] : سماها القرآن الكريم المدينة في مواضع متعددة ؛ منها على سبيل المثال :
- ﴿ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ [ المنافقون :8]؛
- ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾ [التوبة : 101 ]
و﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾ [التوبة : 120]
.-.﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ .. [الأحزاب : 60]؛
[(2 .)] :سماها رسول الله عليه السلام المدينة ؛ و من تلك الأحاديث ما رواه :
- 1.)مسلم في صحيحه عن جابر:" إن الله سمى المدينة : طابة". [ورواه ابن شبه في تاريخ المدينة ] و :
- 2. ) بسند مسلم : عن زيد بن ثابت أن النبي قال:" إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة ". و
- 3. ) روى الطيالسي بطريق مسلم :" كانوا يسمون المدينة يثرب فسماها رسول الله طيبة".
- 4. ) وذكر ابن حجر في الفتح عن كعب الأحبار قوله :" نجد في كتاب الله الذي أنزل على موسى أن الله تعالى قال للمدينة : يا طيبة ويا طابة". و
- 5. )روى مسلم [في : صحيحه]: عنابي هريرة أن النبي قال :" أمرتُ بقريةٍ تأكل القرى يقول يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما تنفي الكير خبث الحديد ".

و
- 6. ) روى أحمد[في : مسند البراء بن عازب] أن الرسول قال :" من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله : هي طابة .. هي طابة".
و
- 7. ) ذكر السيوطي [في : الدر المنثور] عنابن عباس : أن الرسول قال :" لا تدعوها يثرب فإنها طابة ومن قال يثرب قليستغفر".

*. ) ووردت بعض الأحاديث باسم المدينة
وجاء عند
- 8. ) البخاري وعند صاحب الفتح : عن أبي هريرة أن النبي قال :" على أنقاب المدينة ملآئكة لا يدخلها الطاعون والدجال".
- .. لذا فقد غيَّرَ صلى الله عليه وسلم اسم يثرب - لا تعرف بغير هذا الاسم ــ - إلى: المدينة، وطابة، وطيبة، وسبب هذه الكراهة أن يثرب إما :
- من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة،
أو :
- من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح، فعن أبي حميد الساعدي- رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من تبوك فأشرف على المدينة قال:هذه طابة) رواه البخاري)، قال ابن القيم: "ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم غيَّره بطيبة لما زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب، بما في معنى طيبة من الطيب".
. . .
و:" النبي صلى الله عليه وآله وسلمكان يُطلق الأسماء على حيواناته وأمتعته!"
:" فـ سمى بغلته!؟ ".
*. ) :" وسمى ناقته!؟ "
*. ) :" وكان صلى الله عليه وسلم يطلق على جواده الذي ركبه أثناء غزوة أحد اسما!؟ " ..
وقد أطلق على سرج جواده اسما!؟وعلى عصاه التي كان يتجول بها ويعلقها على الناقة التي يركبها اسما!؟. " و
*. ) :" الدابة التي عرج بها إلى السماء كان يطلق عليها اسمان!؟ "
*. ) :" وكان يطلق على هرته التي كان يداعب ظهرها اسماً!؟ "
*. ) :" وكان يطلق اسما على صندوق صغير له!؟. "
*. ) :" و كان يُطلق اسما على العمامة !؟التي أُهديت له من قبل النجاشي ملك الحبشة.

*. ) :" وكانت قصعة واحدة فقط يستخدمها دوما ويطلق عليها اسما.. أما الإبريق الذي كان يتوضَّأ بواسطته فاسماه اسماً!؟.
ويُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لديه 9 سيوف!؟، وقد توارثت الأمة الإسلامية بعض هذه السيوف إلى يومنا هذا.
كما كانت له 7دروع وسماها!؟.
وندعو الله تعالى أن يجمعنا تحت لواء سيد المرسلين في الدار الآخرة.
أما لواؤه المحفوظ في متحف قصر طوب كابي بإسطنبول فاسماه اسماً!؟
.. ساتعرض بالتفصيل في ملحق نهاية البحوث لكل ما سبق .. وهذا من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه وتمام رضاه ".
الخميس : 11 جمادى الآخرة 1446 هــ ~ 12 ديسمبر 2024 م.

أعلى الصفحةـ

160 زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ

حين إنتقلَ نبيُّ الإسلامِ ورسولُ رب الأنام بـعد هجرته المباركة الميمونة مِن مكةَ المكرمة إلى يثرب = المدينة المصطفوية المنورة من بعد إذن من ربه وأمر .. كانت بدايات اتمام التكاليف الشرعية العملية ؛ وإكمال خطوات المنهاج الإسلامي وتبيان كافة نواحي الشريعة الربانية للأمة الموحِدة الإسلامية .. وبعد استقرار نبي الرحمة ورسول المغفرة في مدينته المنورة ؛ وهذا الإتمام والإكمال والتبيان استغرق كل العهد المدني ؛ أضف بعض التكاليف الشرعية العقدية والعملية في العهد المكي بوحي من رب العالمين ، ومن الأهمية القصوى في الإسلام وعند المسلمين : مسألة الصلاة بـ كافة أحكامها العملية ، سواء ما كان قبل آداء الصلاة نفسها أو كيفية آدائها أو ما بعدها كعزيمة أو ما يتعلق بالرخص ، وتندرج -مسألة الصلاة- تحت أبواب الفقه واصوله ؛ قسم فقه العبادات ؛ وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها والقيام بها في السفر والحضر ، والصحة والمرض ، والأمن والخوف ، والسلم والحرب ، والصلاةُ أول ما يُحاسَب عليه المسلم يوم القيامة.. ولأهميتها كذلك فقد كانت من آخر الوصايا التي وصَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته قبل موته ، فـ عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها قالت: « „ كان مِن آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم “ » ، حتى جعل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلَم يُلَجْلِجُها في صدره وما يفيضُ بها لسانُه . [رواه أحمد وصححه الألباني].

قال السندي: " « „ الصلاة “ »: أي الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها"..

ومِن المفيد أن أذكر أن العبادت توقيفية مِن قِبل الشارع عزَّ وجلَّ: أي المُشرع وهو : الحق تبارك وتعالى ؛ فهو سبحانه يريدنا أن نطيعه ونعبده بهذه الكيفية العملية الشرعية ؛ وبتلك الطريقة المنهجية التشريعية ؛ فبلغ رسوله الطريقة ؛ وقام نبيه بـ كيفية الصلاة وبيَّن عدد ركعاتها وأوقاتها ، فـ هذه علَّمَهَا جبريلُ للنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت فى كثير من الأحاديث النبوية ، ومن ذلك ما رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عن عبدالله بن عباس-رضي الله عنه .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « „ أمَّنِي جبريل-عليه السلام “ » صلى بي إماماً « „ عند البيت “ » الكعبة « „ مرتين “ ». . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه العبادة تارة بالقول ، وتارة بالفعل ، وتارة بهما معاً ، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحج: « „ خذوا عني مناسككم “ »[رواه مسلمٍ]، وقال في الوضوء: « „ من توضأ نحو وضوئي هذا “ »[رواه مسلم] ، وقال في الصلاة: « „ صلوا كما رأيتموني أصلي “ »[رواه البخاري] ، قال المباركفوري: " قوله: « „ صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي “ » ؛ [الحديث: عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه] أي في مراعاة الشروط والأركان والسنن والآداب" ..

قُلْتُ (الرمادي): وليس „ صلوا كما أنا أصلي “ .. تخفيفاً .. ومن المعلوم أن نبينا صلى اللَّه عليه وسلم هو القدوة والأسوة لنا في عباداته وأخلاقه ، وأقواله وأفعاله ، وجميع أحواله وتصرفاته ، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب:21] ، قال ابن كثير: " هذه الآية أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله " . والغالب الأعم أن ليس لها [( أي: العبادات )] علة في التشريع ؛ كذلك المطعومات والمشروبات والملبوسات ؛ إذ أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً ؛ فلو كانت الصلاة لتقوية عضلات الظهر والفخذين -مثلا- لـ كان التدريب والتمرين في صالات الرياضة والملاعب يكفي .. وهذا ليس بصحيح ؛ وقد ادعى أحد الجهلة هذا القول!

-**-

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: " وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ - زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ - فِيمَا قِيلَ - رَكْعَتَانِ ، وَكَانَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ فِي ربيع الآخر لمضي ثنتي عشرة ليلة مضت ، وَقَالَ: وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيهِ.

قُلْتُ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنها قَالَت: « „ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ركعتينِ ، في الحضَرِ والسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ “ » ؛

ــــــــــــــــــــــــــ

التخريج : انظر : أبو داود؛ في : سننه؛ ( 1198) ؛ الحديث ؛ سكت عنه؛ وقد قال في رسالته لأهل مكة :" كل ما سكت عنه فهو صالح " ؛ وانظر : البخاري؛ في : صحيحه؛ (350)؛ الحديث: صحيح.

وجاء في صحيح الإمام مسلم :

- 1 - (685) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: « فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ».

- 2 - (685) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ : زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- قَالَتْ : « „ فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى “ » .

وتوجد زيادات في الروايات توضح المعنى العام . وهذه إفادة! .. فقد : جاء في البخاري زيادة: « ثم هاجر النبي ﷺ فأتمت الصلاة في الحضر » يعني بعد الهجرة !

ـــــــــــــــــــــــ

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا.. فــ روى ابن خزيمة (305) ، وابن حبان (2738) والبيهقي من طريق الشعبي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: « „ فَرْضُ صَلَاةِ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ [(واطمأن)]: زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ، وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ “ »وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على " صحيح ابن حبان "..

وفي رواية عند أحمد (26338) : « „ كَانَ أَوَّلَ مَا افْتُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ : رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ ، إِلَّا الْمَغْرِبَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَمَّ اللهُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعًا فِي الْحَضَرِ ، وَأَقَرَّ الصَّلَاةَ عَلَى فَرْضِهَا الْأَوَّلِ فِي السَّفَرِ “ » وحسنه محققو المسند .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: „ لَمَّا فَرَضَ اللَّه تَعَالَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَكَّةَ: فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ، وَجُعِلَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأُقِرَّتْ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ “. انتهى من: [ "مجموع الفتاوى" (23/ 114)] .

وقد كان الوَحْيان : القرآن الكريم والحديث الشريف يَنزِلا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَدريجيًّا حسب المناسبات والأحداث أو ما يطلق عليه أسباب النزول ؛ وقد انتهى زمن التدريج بإنتهاء إتمام الرسالة وإكمال التشريع وإنتهاء المنهاج ، وكان مِن حِكمةِ الله تعالَى نَسْخُ بعضِ الأحكامِ الشرعية ؛ وذلك مِن أجْلِ إتمامِ مَصلحةٍ ما، أو قصد التَّخفيفِ والسَّعةِ ، أو غيرِهما.

قالت عائشة رضي الله عنها: أمر الله تعالى بالصلوات حين فرضها ركعتين ركعتين، كَرَّرَتْ لَفْظ رَكْعَتَيْنِ لِتُفِيدَ عُمُوم التَّثْنِيَة لِكُلِّ صَلَاة ، في الحضر والسفر، فثبتت صلاة السفر على ما كانت عليه، وزادت عدد الركعات في صلاة الحضر لما قدم عليه الصلاة والسلام المدينة، فـ في هذا الخبرِ تَروي أمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ الصلاةَ في بدايةِ الأمرِ قبْلَ المِعراجِ كانت رَكعتَينِ، سواءٌ كان ذلك في الحضَرِ [(أي الإقامة.)]. أو السَّفرِ ، وبعْدَ ذلك فُرِضَتِ الصَّلَواتُ الخَمسُ، ثُمَّ زِيدَ في فَرضِ الحَضَرِ في الظُّهرِ والعصرِ والعِشاءِ، فصارتْ أربعًا في الحضَرِ، بعْدَ أن كانت ركعتَينِ، وأصبحَتْ رُباعيَّةً بعْدَ أن كانت ثُنائيَّةً، عدا صلاة الصُّبحِ تُركت كما هي؛ فإنَّه [(الصُّبح)] ظَلَّ ركعتَينِ كما هو؛ لِــ طولِ القِراءةِ فيها ، وصار المغربُ ثلاثًا؛ فـ في بعض الروايات استثناء صلاة المغرب، فهي فُرضت ابتداءً ثلاث ركعات ؛ لأنَّها وترُ النَّهارِ، وظلَّت صلاةُ السَّفرِ ركعتَينِ كما هي عدَا المغربِ أيضًا؛ فإنَّه لا يُقصَرُ. وقيل: بعْدَ أنِ استقَرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المدينةِ وأقامَ بها خفَّف منها في السفَرِ عندَ نزولِ قَولِه تعالى: ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ .. إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: 101] ، وحينَئذٍ فالمرادُ بقولِهم: فأُقِرَّتْ [( أي: أُثبِتَتْ؛ على ما كانت عليه)] صَلاةُ السفَرِ، أي: باعتِبارِ ما آلَ الأمرُ إليه مِن التَّخفيفِ، لا أنَّها استمرَّتْ كذلك منذُ فُرِضَتْ.

وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ فُرِضَتْ أَرْبَعًا .. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ومن السنة العملية: عَنْ أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ». [صحيح : متفق عليه] فـ في اليوم الذي خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة للحج صلى صلاة الظهر بالمدينة أربع ركعات ، وهي صلاة المقيم ، وصلى صلاة العصر بميقات أهل المدينة قصرًا ركعتين لكونه مسافرًا ، وفيه أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد التي يسكنها، وقصر عند ذي الحليفة لأن ذا الحليفة لم يكن منتهى السفر ، وإنما خرج إليها قاصدًا إلى مكة ، فنزل بها للإحرام ، وكانت أول صلاة حضرته العصر ، فقصرها ، واستمر يقصر إلى أن رجع إلى المدينة .. وتمام المسألة من صحيح مسلم : عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ»، قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: «عَشْرًا». .. والتفصيل كما قال ابن باز : " وحسبها عشرًا لأنها أربعًا قبل الحج، ثم يوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، الجميع عشر، في إقامة في مكة عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع عشرًا يقصر فيها، ثم سافر صباح يوم الرابع عشر يوم الأربعاء دل على أن الحاج إذا قدم مثل هذا القدوم في يوم الرابع من ذي الحجة يقصر في مكة وفي أيام الحج. "

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ وَالْعِيدُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ، وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ".

ومن يحتاج لمزيد إيضاح فليراجع إلى تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى.:.﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصلاة ﴾ الآية [النساء: 101]

ـــــــــــــــــــ

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

السيرة النبوية ؛ على صاحبها الصلوات والسلامات والتبريكات والإنعامات!

بدايات العهد المدني

حُرِّرَ في العام ١٤٤٦ الهلالي الْهِجْرِيَّ : ‏‏الإثنين‏، 01‏ جمادى الآخرة‏ ~ ‏02‏ ديسمبر 2024 م ~ ‏02‏/12‏/2024‏ م.

أعلى الصفحةـ

159 بنود كتاب النبي والموادعة

كِتَابُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُوَادَعَةُ يَهُودَ!
[ العام : 1 هـ ~ الموافق : 622/623م ].

مدخل:
..أتألمُ نفسياً كثيراً فتنساب في سائر أعضاء بدني من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي قطرات الألم الدفين فـ يضيق صدري ويتعذر عليَّ سحب هواء شهيق نقيفينحبس الزفير في الشعب الهوائية لرئةٍ أرهقها دخان حروب أهلية بين العرب بعضهم بعضاً أو بين المسلمين ، فـاستنشق تراب التدمير والتخريب الذي يتعالى في سقف كل موضع يثيره غبار جنود أجانب أو محليين بأسلحتهم الفتاكة وكأن هناك معزوفة مكونة من صراخ أطفال رضع ودموع تنحدر على جبهة شابات وشباب ونحيب مع بكاء نساء أرامل وإنحناء دائم لشيوخ ركع في منطقة أطلق عليها بالخطأ .. وعمداً„الشرق الأوسط “لتمرير قبول مشروع كيان صناعي في فلسطين الجريحة فتلحقها العراق لإشكالية عند أصحاب المشروع الاستيطاني فتكتمل الدائرة المفتوحة إلا قليلا بالسودان فليبيا فاليمن فلبنان وفوضى مصطنعة في بقية الأقطار فـ ينقبض قلبي فتضيق شرايين دمي فلا يتمكنالفؤاد المجهد .. المرهق من أن يضخ دفعات دم يسيرة في أنحاء جسديالنحيل .. ينفطر فؤادي فـ ينغلق عقلي لعدم وصول قدر كاف من أوكسجين نقي إلى خلايا مخي الرمادية القادرة على التفكير والاستيعاب وكأنها محاولة ذكية من بدن مرهق لحصوله على غفوة أو لحيظة نعاس لينفصل عن هذا الواقع الأليم ومحاولة يائسة لـ فهم هذا الواقع المزري فـ أتوقف عن التفكيروالكتابة ؛ ويهتز القلم في يدي .. عفواً أقصد يهتز keyboard أو ما يطلق عليه لوحة مفاتيح حروف سواء عربية أو لغات الأجنبية..
 أتألمُ نفسياً وبدنياًحين افتح وأنظر في الصفحة الأولى الرئيسة لبحوث السيرة المحمدية النبوية إذ اقرأ جملة استحضرتها إثناء عمرة رمضان 1436 هـ ما يوافق النصف الثاني من يونيو عام 2016م وكنت اسعى وقتها أمام الكعبة المشرفة للبحث عن عنوان مناسبرئيسي لما كنتُ اعزم الكتابة عنه في السيرة المحمدية النبوية :
 إنها جملة:
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
 

„ أمةغائبة “ .. مقارنة بحال ما كان عليه سيد الأنام ورسول السلام والنبي الخاتم ومَن جاء من بعده من السادة الكرام : صحابته العظام ومن اتبعهم بإحسان .. أعلم جيداً أننا بشر لنا رغبات وشهوات ولكن أيضا لنا إرادة لتغيير الواقع السئ غلى واقع جيد من خلال دراسة واعية للسيرة المحمدية ثم تطبيقها فبالقطع «„في الإمكان أن نحسن عما كان في الأزمان “ »..
هذه المقدمة استحضرها عميق تفكيري وأنا أراجع أوراقي لقراءة بنود وثيقة المدينة بما تحويها إضاءات نبوية وأنوار رسولية وشموس إيمانية لتؤلف مجتمع جديد ومن ثم بناء كيان جديد على البشرية جمعاء!
كِتابُ محمد-عليه السلام- الصحيفة .. هي وثيقة تنظم العلاقات داخل مجتمع [(يثرب)] المدينة المصطفوية النبوية بين المسلمين، وبينهم وبين المجموعات البشرية الأخرى وخصوصاً اليهود.
وتُعرف هذه الوثيقة تاريخياً باسم :
 «„  الصحيفة  “ » ؛ أو
: «„  صحيفة المدينة “ » ؛أو
: «„ كِتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة “ ».
..  ..
فـ إن فقهاء القانون الدستوري إذا تحدثوا عن تاريخ بدء الدساتير المكتوبة عَدُوا في أولها :
 - دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة 1776م والمعروف بـ: «دستور فيلادلفيا » ؛ وفي مقدمتها :
 - الدستور الفرنسي الذي ظهر في الفترة الثورية سنة 1789-1791م، وهو أول دستور فرنسي مكتوب.
لكن إذا ما عدنا إلى ما قبل أحد عشر: «❶❶ » ؛ قرناً تقريباً من ظهور هذه الدساتير يتبين لنا أن هناك من الحقائق ما لا يستطيع أحد أن ينكره ذلك أنه على إِثر
 - التعاقد السياسي بين النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار في بيعة العقبة الثانية ؛ وهجرة الرسول إلى المدينة ، تَكَوَّن كيان جديد : فقد تكونت دولة جديدة - متنوعة الأديان والأعراق - على أساس دستور مكتوب - وهو
« الصحيفة » ،
لها ذاتية مستقلة تميزها عن غيرها، يحكمها قانون واحد، وتسير حياتها وفقاً لنظام واحد، وتهدف إلى غايات مشتركة بين جميع طوائفها.
إن « الوثيقة » التي كُتبتْ بإملاءٍ من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في العام الأول من هجرته إلى المدينة مثلت السـياسة الداخلية للدولة الإسـلامية الناشئة مع [(الآخر)]- اليهودي، والوثني - وهو ما يسمى في العصر الحديث بـ: «„ القانون الدولي الخاص“ » ؛ وكذلك مثلت نظاماً متكاملاً للعلاقات الخارجية مع القبائل والشعوب والدول وهو ما اصطلح عليه فيما بعد بـ : «„ القانون الدولي العام “ ».
لقد كان همُّ الرسول صلى الله عليه وسلم « أن يصل بيثرب -موطنه الجديد- إلى وحدة سياسية ونظامية لم تكن معروفة من قبل في سائر أنحاء الحجاز»، فـ أنشأ -عليه السلام-دولته التي أقامها على قواعد سياسية منظمة مُحْكمة رشيدة تحت قيادته، وعملَ على تدعيم روح الإخاء الإنساني [(الإخوة البشرية.. الآدمية = (نسبةً لآدم عليه السلام) .. )] بين سكانها، ونزع أسباب الفرقة والتناحر التي كانت سائدة في (يثرب) المدينة قبل هجرته الشريفة إليها..
أحدثَ ذلك التغيير من خلال «الوثيقة»، التي كشفت عن مدى الظلم الاجتماعي الذي كانت تعانيه (يثرب) قبل ذلك، حيث :
 - نقلت المتساكنين من نظام الأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة إلى نظام الأمة الواحدة، كما عملت على :
 - تنظيم الدفاع المحكم ضد أي عدوان خارجي على هذا الكيان الجديد ، و
 - توفير الأمن الداخلي لجميع المتعاقدين «وكفالة الحقوق والحريات، والأخذ بمبدأ التكافل الاجتماعي» ، و
 - تحقيق مبدأ التسامح الديني المفضي إلى التعايش السلمي و
 - التعاون بين الأفراد والقضاء على الطبقية والعنصرية والطائفية، وعملت على :
 - سيادة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات العامة أمام القانون .. وغيرها من المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي لم يعرفها العالم إلا منذ قرنين تقريباً.
[انظر: د.أحمد قائد الشعيبي ؛ وثيقة المدينة (المضمون والدلالة ) :ذو القعدة 1426 هـ]
 
يقول المستشرق الروماني: كونستانس جِورجيو[(وهو من المنصفين ؛ وهذا يستلزم مني ملحق خاص-من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه- بعرص أقوال وأراء السادة المستشرقين المنصفين لـ مسألة الإسلام ورسوله؛ وأيضا للشبهات التي اثارها الفريق الأخر )] .. يقول ”جيورجيو “: «„  حوى دستور المدينة اثنين وخمسين [52] بنداً، كلها مِن رأي(*) رسول الله :

 - خمسة وعشرون[25] منها خاصة بأمور المسلمين،
 - وسبعة وعشرون[27] مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الأصل في النبي محمد بن عبد الله -عليه السلام- أنه مبلغ شريعة؛ ومطبق منهاج ؛ ومنفذ وحي نزل به أمين السماء على قلبه ؛ فهو رسول رب العالمين : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[سورة النجم: الآيتان : 3 - 4]، ومبعوث العناية الآلهية لـ آخر رسالة عقدية وتحوي أحكاما شرعية للبشر أجمعين ؛ ولشمولية رسالته عليه السلام لم يترك قضية أو مسألة إلا وتكلم-الوحي : قرآنا .. وسنة- فيها سواء تصريحاً أو بالإشارة تلميحاً ، وقضية تأبير [(تلقيح)] النخل ، وقضية الرأي والحرب والمكيدة [(مَشُورَةُالْحُبَابِ؛ وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه يوم بدر ؛ وسماه النبي صلى الله عليه وسلم : ذا الرأيين.] ، تلك القضيتان تؤكدا على موضوع أهل الخبرة والتخصص ، ومن بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه سابحثهما في ملحق السيرة ؛ وكذا موضوع الوثيقة! (إن شاء الله تعالى).. وقضية خلاف الأَوُلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
-*/*
وقد دُون دستور المدينة بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بـ :
 - العيش مع المسلمين بحرية،
ولهم أن :
 - يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء.
وضع دستور المدينة في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م.
وفي حال مهاجمة المدينة من قِبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده.
-*/*
فـ ما هي الأسس التي قامت عليها وثيقة المدينة؟
فـ لــ نقف وقفات سريعة على أهم معالم القيم الحضارية التي نراها جلية في وثيقة المدينة:
قَالَابْنُ إِسْحَاقَ [(وهو يكاد المصدر الأساسي للوثيقة مع اعتبار مصادر آخرى سأتكلم عنها في الملحق)] .. قال:”وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا“:

 أ . ) ” بَيْنَالْمُهَاجِرِينَوَالْأَنْصَارِ“،
وَ
ب. ) ” وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ، وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ“:
 
ما هي بنود دستور المدينة؟
 «„ ١ “ »: أولاً:
الأمة الإسلامية فوق القبلية:
1. ) ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ..
هَذَا كِتَابٌ مِنْمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ“ ؛
قال دستور المدينة في ذلك:
” بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْقُرَيْشٍوَ[(أَهْلِ)]يَثْرِبَوَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ“،
2. ) ” إِنَّهُمْ : «„ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ “ » مِنْ دُونِ النَّاسِ“،
إنهم [أي الشعب(!) المسلم ومَن يسكن يثرب ومَن تبعهم ولحق بهم من بقية القبائل والعشائر] أمة واحدة من دون الناس.
.. وبهذا البند اندمج المؤمنون المسلمون وغيرهم على اختلاف قبائلهم وأنسابهم وعشائرهم ، بل دينهم ومعتقدهم انتسبوا إلى جماعة الإسلام، فـ الانتماء للإسلام كـ هوية فوق الانتماء للقبيلة أو العائلة، وبهذا نقل رسولُ الله العربَ من مستوى القبيلة والعشيرة إلى مستوى الأمة.
وهذه نقلة نوعية رائدة ذات دلالات عدة ؛ وسيترتب عليه عدة أبعاد : إنسانية؛ منها ؛ وإجتماعية؛ وأمنيّة، مع تحقيق : السلم المجتمعي؛ وتوفير مناخ صالح لـ بُعدٍسياسي وحضاري وتنظيمي واقتصادي وعسكري .
«„ ٢ “ »: ثانيًا: التكافل الاجتماعي بين مكونات هذا الشعب:
 وفي هذه القيمة كُتبت البنود التالية:
يبدءُ بالمهاجرين
(.3.)„ الْمُهَاجِرُونَمِنْقُرَيْشٍعَلَى رَبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ “.
ثم يتم الحديث عن مَن يسكن يثرب (المدينة) :
(.4.)„ وَبَنُو عَوْفٍعَلَى رَبْعَتِهِمْ، يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ“.
:"وَذَكَرَ كَذَلِكَ فِيبَنِي سَاعِدَةَ،وَبَنِي جُشَمَ،وَبَنِي النَّجَّارِ،وَبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،وَبَنِي النَّبِيتِ،وَبَنِي الْأَوْسِ، ".
(.5.)„ وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ“.
(.6.)„ وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. “
(.7.)„ وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. “.
(.8.)„ وبَنُو النَّجَّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ“
(.9 .)„ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ “
(.10.)„ وَبَنُو النَّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.“..
(.11.)„ وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ “
ويتحقق التكافل الإجتماعي من خلال:
(.12.)„ وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ، “.
ــــــــــــــــــــــ
الْمُفْرَحُ : الْمُثْقَلُ بِالدَّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ .
ـــــــــــــــــــــــ
«„ ٣ “ »:ثالثاً: ردع الخائنين للعهود :
(.13.):„ وَلَا يُحَالِفُ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ، “
(.14.):„ وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ (أيديهم) عَلَى (كل) مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوِ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ أَوْ إِثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ، “.
 وفي هذا الحق كُتب البند السابق: ... فـ هذا نص في جواز حمل السلاح على أي فصيل من فصائل المدينة إذا اعتدى على المسلمين.. وبموجب هذا النص حُكم بالإعدام على مجرمي قريظة - بعد معركة الأحزاب (في ذي القعدة العام : 5 هـ ~ الموافق : إبريل 627 م ) - ، لمَّا تحالفوا مع جيوش الأحزاب الغازية للمدينة، وبغوا وخانوا بقية الفصائل، على الرغم من أنهم أبناء وطن واحد!
(.15.):„ وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ، وَلَا يُنْصَرُ كَافِرٌ عَلَى مُؤْمِنٍ، “
«„ ٤ “ »: رابعا: احترام أمان المسلم:
وجاء في هذا الأصل الأخلاقي البند التالي:
(.16.): „ وَإِنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ وَاحِدَةٌ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ، “..
فلـ أي مسلم الحق في منح الأمان لأي إنسان، ومِن ثمَّ يجب على جميع أفراد الدولة أن تحترم هذا الأمان، وأن تجير من أجار المسلمُ، ولو كان المجير أحقرهم. فيُجير على المسلمين أدناهم، بما في ذلك النساء، وقد قال النبي -ﷺ- لأم هانئ: «„ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمّ هَانِئٍ  “ ».
 «„ ٥ “ »: خامسا: حماية أهل الذمة والأقليات غير المسلمة:
وجاء في هذا الأصل:
(.17.):„ وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرَ عَلَيْهِمْ، “ ..
وهو أصل أصيل في رعاية أهل الذمة[(لا يوجد الأن هذا المصطلح ؛ وإن عاد عادت أحكامه)]، والمعاهدين، أو الأقليات(!) غير المسلمة التي تخضع لسيادة الدولة وتحت سلطان المسلمين .. فلهم -إذا خضعوا للدولة- حق النُصرة على من رامهم أو اعتدى عليهم بغير حق سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، من داخل الدولة أو من خارجها..
(.18.): „ وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ مِنْ دُونِ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا عَلَى سَوَاءٍ أَوْ عَدْلٍ بَيْنَهُمْ، “
(.19.): „ وَإِنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، “
(.20.):„ وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِيءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، “
(.21.):„ وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هَدْيٍ وَأَقْوَمِهِ ، “
(.22.):„ وَإِنَّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًالِقُرَيْشٍوَلَا نَفْسًا، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ، “.
«„ ٦ “ »: سادسا: الأمن الاجتماعي وضمان الديات:
وجاء في هذا الأصل:
(.23.): „ وَإِنَّهُ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدُ يَدٍ[(به)] إِلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ(بالعقل)، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافَّةً، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إِلَّا قِيَامٌ عَلَيْهِ، “..
وبهذا أقر دستور المدينة الأمن الاجتماعي، وضمنه بضمان الديات لأهل القتيل، وفي ذلك إبطال لعادة الثأر الجاهلية، وبيَّن النص -هذا- أن على المسلمين أن يكونوا جميعًا ضد المعتدي الظالم حتى يحكم عليه بحكم الشريعة..ولا شك أن تطبيق هذا الحكم ينتج عنه استتباب الأمن في المجتمع الإسلامي منذ أن طبق المسلمون هذا الحكم.
(.24.): „ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيَهُ، وَإِنَّ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، “ .
«„ ٧ “ »: سابعا: المرجعية في الحكم إلى الشريعة الإسلامية:
 وجاء في هذا الأصل:
(.25.):„ وَأَنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ-عز وجل-وَإِلَىمُحَمَّدٍ-صلى الله عليه وسلم. “
(.26.): „ وَإِنَّ الْيَهُودَ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ، “
«„ ٨ “ »: ثامنا: حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر مكفولة لكل فصائل الشعب:
وجاء في هذا الأصل:
(.27.): „ وَإِنَّ يَهُودَبَنِي عَوْفٍأُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ، مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ. “
 وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ لِـ يَهُودِبَنِي النَّجَّارِ،وَبَنِي الْحَارِثِ،وَبَنِي سَاعِدَةَ،وَبَنِي جُشَمَ،وَبَنِي الْأَوْسِ،وَبَنِي ثَعْلَبَةَ،وَبَنِي الشَّطِيبَةِ،وَإِنَّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْثَعْلَبَةَ،وَإِنَّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ،
(.28.): „ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ. “
(.29.): „ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ.“
(.30.):„ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ.“
(.31.):„ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ. “
(.32.):„ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ. “
(.33.): „ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَأَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ. “
(.34.): „ وَإِنَّ جَفْنَةَ بَطْنٍ مِنْ ثَعْلَبَة كَأَنْفُسِهِمْ. “
(.35.): „ وَإِنَّ لِبَنِي الشَّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ “
:„وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ. “
(.36.):„ وَإِنَّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَة كَأَنْفُسِهِمْ. “
(.37.): „ وَإِنَّ بِطَانَةَ يَهُودٍ كَأَنْفُسِهِمْ، “
«„ ٩ “ »: تاسعاً : المرجعية :
(.38.): „ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِمُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم.، “
(.39.): „ وَإِنَّهُ لَا يُنْجَحَرُ عَنْ ثَأْرٍ جُرْحٌ، وَإِنَّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى أَبَرِّ هَذَا، “
«„ ١۰ “ »: عاشرا: الاستقلال المالي لكل طائفة:
وجاء في هذا الأصل:
(.40.):„ وَإِنَّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ،  “
فمع وجوب التعاون المالي بين جميع طوائف الدولة لرد أي عدوان خارجي، فإن لكل طائفة استقلالها المالي عن غيرها من الطوائف.
(.41.):„  وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ،  “
«„ ١١ “ »: الحادي عشر: النصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب:
وجاء في هذا الأصل:”
(.42.):„ وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ،  “ .
فـ الأصل في العلاقة بين جميع طوائف الدولة -مهما اختلفت معتقداتهم– هو النصح المتبادل، والنصيحة التي تنفع البلاد والعباد، والبر والخير والصلة بين هذه الطوائف. وقد اشتملت دستور المدينة على قيم حضارية أخرى .
«„ ١٢ “ »: الثاني عشر: حرية كل فصيل في عقد الأحلاف التي لا تضر الدولة:
وجاء في هذا الأصل: .
(.43.): „ وَإِنَّهُ لَنْ يَأْثَمَ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ،  “
«„ ١٣ “ »: الثالث عشر: ووجوب نصرة المظلوم:
وجاء في هذا الأصل :
(.44.): „  وَإِنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ  “
«„ ١٤ “ »: الرابع عشر: الدعم المالي للدفاع عن الدولة مسؤلية الجميع:
وجاء في هذا الأصل:
(.45.): „  وَإِنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ.  “
فعلى كل الفصائل بما فيها اليهود أن يدعموا الجيش ؛ الذي تحت إمرة محمد النبي ماليًا وبالعدة والعتاد من أجل الدفاع عن الدولة، فـ بما أن المدينة وطن لكل الفصائل، كان على هذه الفصائل أن تشترك جميعها في تحمل جميع الأعباء المالية للحرب.
 
(.46.): „  وَإِنَّيَثْرِبَحَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ،  “
(.47.): „  وَإِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٌ،  “
(.48.): „  وَإِنَّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، “
الحاكمية لله وللرسول :
(.49.): ”وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوِ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَىمُحَمَّدٍرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ، “
-*/*-.
(.50.): „وَإِنَّهُ لَا تُجَارُقُرَيْشٌوَلَا مَنْ نَصَرَهَا،  “
«„ ١٥ “ »: الخامس عشر: وجوب الدفاع المشترك ضد أي عدوان :
وجاء في هذا الأصل :
(.51.): „  وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ دَهِمَيَثْرِبَ،  “
„ وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ  “
وفي هذا النص دليل صريح على وجوب الدفاع المشترك، ضد أي عدوان على مبادئ هذه الوثيقة.
 
(.52.): „ وَإِذَا دُعُوا إِلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنَّهُ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَأَنَّهُمْ إِذَا دُعُوا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا مَنْ حَارَبَ فِي الدِّينِ،  “
(.53.): „ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ حِصَّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمُ الَّذِي قِبَلَهُمْ،  “
(.54.): „  وَإِنَّ يَهُودَالْأَوْسِمَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ الصَّحِيفَةِ مَعَ الْبِرِّ الْمَحْضِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِالصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ، وَلَا يَكْتَسِبُ كَاسِبٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ،  “
«„ ١٦ “ »: السادس عشر: وحق الأمن لكل مواطن:
(.55.):”وَإِنَّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَلَا آثِمٍ،  “
: „  وَإِنَّ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ، وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌبِالْمَدِينَةِإِلَّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ، وَإِنَّ اللَّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرَّ وَاتَّقَى،وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.“
وصلت بنود الوثيقة عندي إلى : ( 55 ) زيادة عن المستشرق الروماني جيورجيو: ( 52 ) لما تحت يدي من مراجع ومصادر !

شَرْحُ مَا فِي الوثيقةِ مِنَ الْغَرِيبِ
”الرَّبْعَةُ“: الْحَالَةُ الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَيْهَا، مِنْ كِتَابِالْمُزَنِيِّ.قَالَالْخُشَنِيُّ:رَبْعَةٌ وَرَبَعَةٌ، وَكَذَلِكَ: رَبَاعَةٌ وَرِبَاعَةٌ.
وَ”الْمُفْرَحُ“ رَوَاهُابْنُ جُرَيْجٍمُفْرَجًا، قَالَأَبُو عُبَيْدَةَ:وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَقَالَأَبُو عُبَيْدٍ:سَمِعْتُمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِيَقُولُ: هَذَا يُرْوَى بِــ الْحَاءِ وَبِــ الْجِيمِ، قَالَأَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ:”الْمُفْرَحُ“ الْمُثْقَلُ مِنَ الدُّيُونِ، وَبِـ الْجِيمِ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ.
وَقَالَأَبُو عُبَيْدَةَ:”الْمُفْرَجُ“بِـ الْجِيمِ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ فَلَا يُوَالِي أَحَدًا بِقَوْلٍ، فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَهُوَ مُفْرَجٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الَّذِي لَا دِيوَانَ لَهُ، وَقَالَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ:هُوَ الْقَتِيلُ يُوجَدُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ لَا يَكُونُ عِنْدَ قَرْيَةٍ فَإِنَّهُ يُودَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُظَلُّ دَمُهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ ”يُبِيءُ“ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ: يَعْنِي أَنَّ دِمَاءَهُمْ مُتَكَافِئَةٌ، يُقَالُ: مَا فُلَانٌ بِبَوَاءٍ لِفُلَانٍ، أَيْ: بِكُفُؤٍ لَهُ، وَيُقَالُ: بَاءَ الرَّجُلُ بِصَاحِبِهِ يَبُوءُ بَوَاءً ؛ إِذَا قَتَلَ بِهِ كُفْؤًا، وَلَمْ يُفَسِّرْهُابْنُ قُتَيْبَةَ،وَمَعْنَاهُ: يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ قَاتِلَ بَعْضٍ، يُقَالُ: أَبَأْتُ لِفُلَانٍ قَاتِلَهُ: أَيْ قَتَلْتُهُ.
وَ„  يُوتِغُ  “: يُفْسِدُ، قَالَهُابْنُ هِشَامٍ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه سأعود لـ دراسة تفصيلية وتحليلية لـ „  وثيقة المدينة  “„ الصحيفة “في ملحق السيرة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع:
انظر :
 - ابن هشام: السيرة النبوية : ج : 1/ ص: 502-505، و
 - ابن سيد الناس: عيون الأثر في فنون المغازي والسير : ج : 1/ ص: 260-262، و
 - ابن كثير: السيرة النبوية : ج : 2/ ص: 321-323، و
 - المباركفوري: الرحيق المختوم، ص: 176، و
 - محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص: 57-64، و
 - أكرم ضياء العمري: المجتمع المدني في عهد النبوة، ص : 119-122، و
 - إبراهيم العلي: صحيح السيرة النبوية، ص : 145-148.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
[١٥]الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ" « الْمَدِينَةَ المنورة » .. أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ .
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة: 622 م
 
١٥9:" بنود وثيقة المدينة ".
السبت : 22 جمادى الأولى 1446 هــ ~ 23 نوفمبر 2024 م.

أعلى الصفحةـ

158الموادعة دستور المدينة

وثيقة المدينة : مَعْلَمٌ مِن معالم الحضارة الإسلامية ؛ و مفخرةٌ من مفاخر الإسلام

 توجد مسائل شائكة على مر العصور في التاريخ ؛ أو معضلات عويصة في السياسة ورعاية الشؤون ؛ أوقطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين؛ أو طرد سفير دولة ما أو أنه شخصية غير مرغوب بها في البلاد ؛أو التهديد بالسلاح النووي ، أو حرب إبادة بين شعبين أو حرب أهلية في قطر ما أو أزمة أقتصادية طاحنة ، كما وتوجد قضايا معلقة في علاقة الإجتماع بين الرجل والمرأة وما يترتب على علاقة الذكر بالأنثى ؛ وأيضاً توجد مشاحنات في علاقات الأفراد أو ضائقة مالية ..بل وصل سوء الأمر إلى تعديل وتبديل وتحريف وإضافة وحذف في نص الكتاب المقدس : الوحي المُنزل في الكتب السابقة قبل نزول آخر الكتب السماوية : القرآن الكريم ؛ فـ بلغَ ربُ العالمين الناسَ أجمعين والعالمين كافة بـ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}.. فـ لم يهدأ لقوم بال حتى حاولوا إضافة بل إضافات إلى آحدى الوحيين المنزل على خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : الحديث النبوي الشريف ؛ فاجروا على لسانه ما لم يقله وحدثوا العامة بما يروق لهم ويعجبهم ؛ فانبرى علماء أجلاء لغربلة الحديث الصحيح مِن الموضوع والمدسوس المكذوب ، بيد أن هناك فرق أو طرق يحلو لها ؛ بل ومتسلقو منصات التواصل الإجتماعي وقلة مِن مَن يعلون المنابر مازالوا يتبجحون بذكر الحديث الضعيف والموضوع والمعلوم أن في الحديث الصحيح الغناء الكافي ، وتحت كثافة سحب الظلام ومُزن الجهل ؛ مع كلِ هذا تبزغ شمس النهار الساطعة تضيؤالـأكوان فـ يسطع نور الحقيقة في الأركان ويختفي ظلام الجهل ليعلو نور اليقين .ومن المسائل الشائكة الحديث عن الآخر ؛ ومحاولة هدايته مِن بعد إذن بارئه وخالقه ورازقه ؛ ذلك : الآخر الذي يعتقد خلاف ما تؤمن أنتَ به وتعتقد في صحته ؛ وذلك الغير الذي يرى ما لا تراه أنتَ ؛ فيدعو إلى الباطل ويستمرء الضلال ، فيحدث صدام إما داخلي نفسي أو معنوي ؛ وهذا أضعف الإيمان ، أو لفظي بـ إدعاء أقوال بالباطل وترويجها وإعلانها ، وإما صدام عنيف بأشكال عدة منها التصفية الجسدية لحامل الدعوة ، ومن تلك المسائل : مسألة التعامل مع بني إسرائيل في التاريخ القديم كـ حادثة فرعون وما فعله معهم ومسألة خروجهم وإشكالية تحديد نقاط مسار الخروج ؛ وعدم وجود آثار أو آثر يدل على ما ورد في الكتاب المقدس ؛ وما تناقلته أجيال عن أجيال ؛ هذه المسألة وما يحيطها من غموض تثير قلقا ما من حين إلى آخر ، وقد بحثت وفتشت إسرائيل -زمن احتلالها سيناء المِصرية - ونقبت في كل مكان وتحت كل ذرة رمل بكل ما تملك من علماء وأدوات وآلات حديثة وتكنولوجيا في سيناء : كي تجد آثرا واحداً أو علامةً يتيمة فلم تجد ، مسألة خروج بني إسرائيل مع النبي موسى من مِصر ؛ أو ما يطلق عليه مسار بني إسرائيل وتحديد اسم فرعون الخروج : هذا في العصر القديم ، وفي العصر الحديث : تجد مسألة الهولوكوست وما صنعه أدولف هتلر ؛ ذو الأصول النمساوية بهم تثير تساؤلات عدة ؛ كما ما كتبه د. عبدالوهاب المسيري في موسوعته عن يهود أثارات حولها استجوابات من طرف د. أحمد إبراهيم خضر في بحث له ؛ وأخيرا وليس آخرا ما يحدث على أرض فلسطين ولبنان ؛ وحالة الاستضعاف المزمن والتي تعيشها أمتان : آحداهما : عربية ؛ والآخرى : إسلامية تثير الشفقة.
ثم - ما نحن بصدده - كتابة السيرة المحمدية النبوية في الجزء المتعلق بـ يهود يثرب قد يثير زوبعة في فنجان ، وعلى كل الأحوال سأكمل من بعد إذنه تعالى وتوفيقه ، وإن كانت المسألة مرت عليها ما يقرب من 1446 عاما ؛ إذ أن هذا الحدث تم في أوائل السنة الأولى من الهجرة النبوية الشريفة لمدينة الرسول محمد بن عبدالله : المدينة النبوية! . وهذا الحدث التاريخي يُعَنْوَن تحت :
- „ موادعة النبي “ لـ يهود ؛ هكذا :" سماها ابن إسحاق وكُتَّابُ السير القدماء : „ الموادعة “ ، أو
- دستور المدينة ..هكذا سماها د. العُمري: „ دستور المدينة “ ؛
- واختار محمد مسعد ياقوت تسميتها بـ „ الدستور “ ، ويعلق ياقوت على ذلك بقوله :" فهو الاسم الحالي الرسمي للوثيقة التي تنظم شؤون الدولة . فــ „ المعاهدة “ تنظم شؤون العلاقات الخارجية بين دولة ما ودولة آخرى ، أما „ الدستور “ فيطلق على الوثيقة التي تنظيم الشأن العام الداخلي للدولة " .
- وسماها الصلابي : „ الوثيقة “ أو „ الصحيفة “؛
- وسمها صفي الرحمن المباركفوري : „ ميثاق التحالف الإسلامي “؛ و
- سماها الحميدي : „ صحيفة المعاهدة بين أهل المدينة “؛
- وسماها البوطي „ وثيقة بين المسلمين وغيرهم “ ؛
- ثم تتبقى مسألة هامة ؛ وهي تثير أيضا زوبعة في فنجان قهوة الصباح ؛ ألا وهي :" ما جاء في حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره :" أنه صلى الله عليه وسلم أراد إخراج المشركين(*) كافة ، ومنهم اليهود والنصارى من جزيرة العرب "..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يتأدب البعض -خجلاً أو استضعافاً أو جهلاً- فـ يستخدام ألفاظاً بدلا مِن المصطلحات الصحيحة والشرعية بالنسبة لـ قضية أركان الإيمان ؛ ومسائل العقيدة فيقول البعض :" „ غير مسلم “ [ تخفيفاً ] بدلا من لفظ: „ مشرك “ ؛ أو : „ كافر “ أو : „ ملحد “ أو : „ زنديق “ . والمسألةُ في حقيقتها هي وصف حال لمَن لا يؤمن أو مَن لا يعتقد في وحدانية الله تعالى ؛ فـ الكفرُ من حيث اللُغة هو الإخفاء ؛ فـ الليل والبحر والمزارع: الفلاح لغةً : كافر ؛ لأنه يخفي شيئاً ، فالمزارع يخفي الحَبَّ تحت التربة الزراعية كي ينبت بـ ماء المطر أو الري.. فـ المسألةُ ليست إهانة لأحد في آدميته أو تقليل مِن شأنه الإنساني بقدر ما هي وصف شرعي أو نعت اصطلاحي أو تعبير [ لفظ ] قانوني لمن يخالف عقيدة ما أو إيمان بعينه . والحساسية مِن استخدام كلمة :„ كافر “.. أو :„ مشرك “.. عند مسلم اليوم مصدرها حالة الاستضعاف التي تعيشها أمة بأكملها ولازمة الخوف والرهبة مِن المساءلة وفق حقوق الإنسان المتبناه في الغرب أو تدعو لها الأمم المتحدة!. والأصل عند فريق يسكن الكرة الأرضية يصل تعداده إلى ما يزيد على مليار و800 مليون إنسان البحث في مصدرٍ قطعي الثبوت ؛ وقطعي الدلالة : أي القرآن الكريم - وإن اعترض على نصوص آياته البعض- ؛ هذا المصدر القطعي الثبوت والقطعي الدلالة يوضح المسألة بـ سهولة ويكشف القضية بـ يسر ؛ إذ قال الله تعالى الخالق الرازق فـ نطق كتابه الذي أنزله على قلب خاتم رسله فعقله فبلغه آخر أنبياءه ؛ نطق هذا القرآن الكريم بالقول يصف حال فئة من الناس بـ إنهم : { اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ }. ثم يزيد الأمر وضوحاً بالقول لخلل تم في عقيدةٍ فقال : {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ .. وَأُمَّهُ .. وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا .. وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[المائدة:17].. وهذه آية آخرى تبين حالة يعترض عليها الوحي المنزل من عند الله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ .. إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ .. وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار}[المائدة:72]
فـ قضية صحيح العقيدة وسليم الإيمان اهتم بها الوحي اهتماماً بالغاً ومنذ بداية خلق آدم .. ثم من بعده ذريته ؛ فنطق القرآن يقول : {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ .. وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ .. وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[المائدة:73].. وتأتي أوصاف لحالهم :﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُون}[المائدة:103] .. وصف آخر:﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون}[الأنعام:1] . هذا حال عام .. أما خصوصية ما حدث مع آخر الأنبياء فـكان حال مَن رفض دعوة الرسول محمد في مكة أن قال الله تعالى في حقهم : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}[الأنفال:30] .. ويبين القرآن حاله عليه السلام-حين الهجرة الشريفة ؛ فيقول : ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾.
والبيان الصريح ما جاء به القرآن الكريم حين خالفت فرقة ما أنزل الله الخالق حين الوصف فقال : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ .. ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون}[التوبة:30] {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون}[التوبة:31]
ويأتي البيان الساطع كشمس رابعة النهار إذ يقول : ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ .. قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ .. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ .. وَإِلَيْهِ مَتَاب﴾ [الرعد:30]
إذاً .. المسألة برمتها هي وصف حال! ؛ وقد تأخذ جانب سلبي ؛ فهذا قد يَرد في معرض الحديث مع الآخر !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد لمسألة : ﴿ „ الموادعة “ ﴾
1. ) توقيت كتابتها :
وفقَ سرد الأحداث بعد الهجرة المنيفة الشريفة لسيد الخلق وحبيب الحق محمد من مكة المكرمة إلى يثرب : مدينته المنورة ؛ ومِن بدايات عملية تنفيذية لـ تأسيس دولة الإسلام الأولى : الكيان التنفيذي الأول لإسلام خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين ؛ وبعد بناء المسجد النبوي الشريف المنيف ؛ كـ مقر رئيسي لنبي الإسلام ؛ وبناء حجرات لأمهات المؤمنين ، وبعد المؤاخاة بين السادة المهاجرين ومَن استقبلهم من السادة الأنصار ؛ اراد نبي الرحمة تنظيم شؤون العلاقات الداخلية البينية بين مَن يسكن مدينته ؛ كـ خطوة عملية تطبيقية في تقوية هذا البناء الجديد ؛ فـ فور هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة المنورة كتبَ : „ الموادعةَ “ دستورًا تاريخيًا ، هو دستور المدينة ، وقد أطنب فيه المؤرخون والمستشرقون على مدار التاريخ الإسلامي ، واعتبره الكثيرون مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية الراقية ، ومَعلَمًا من معالم مجدها الإنساني الرفيع السامق الشامخ..
2. ) طرق ورود وثيقة المدينة :
يقول د. أكرم ضياء العُمري في كتابه [السيرة النبوية الصحيحة : محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد رويات السيرة النبوية] عن صحة وثيقة المدينة : ” وقد اعتمد الباحثون المعاصرون على الوثيقة في دراسة تنظيمات الرسول ﷺ في المدينة المنورة ؛ ولكن مِن الضروري جداً التأكد أولاً مِن مدى صحة الوثيقة قبل أن تُبنى عليها الدراسات [ سواء الفقهية أو السياسية أو التشريعية ] ، خاصةً أن أحد الباحثين يرى أن الوثيقة موضوعة .
ونظراً لأهمية الوثيقة التشريعية إلى جانب أهميتها التأريخية ، فلابد من تحكيم مقاييس أهل الحديث فيها لـ بيان درجة قوتها أو ضعفها ، وما ينبغي أن يتساهل فيها كما يفعل مع الروايات والأخبار التأريخية الأخرى ، فـ إن أقدم مَن أورد نص الوثيقة كاملاً هو محمد بن إسحاق (ت: 151هـ) ؛ لكنه أوردها دون إسناد ، وقد صرح بنقلها عنه كل من :
- ابن سيد الناس : محمد بن محمد بن محمد اليعمري، فتح الدين أبو الفتح الإشبيلي، المعروف بابن سيد الناس: (671هـ، القاهرة-11 شعبان 734 هـ، القاهرة)، محدث، حافظ، مؤرخ وفقيه أندلسي الأصل: في كتابه : عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، و
- ابن كثير ، في البداية والنهاية
فوردت عندهما دون إسناد أيضا ، وكأنها قُبلت أو اعتمدت بنصها الذي جاء في سيرة النبي لـ ابن إسحاق ،
وقد ذكر :
- البيهقي إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون البنود التي تتعلق باليهود ، لذلك لا يمكن الجزم بأنه أخذها من نفس هذه الطريق أيضا.
وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خثيمة أورد الكتاب (الوثيقة) فأسنده بهذا الإسناد (حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا بن عبدالله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده . أن رسول الله ﷺ كتبَ كتاباً بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه - أي بنحو الكتاب الذي أورده ابن إسحاق) .
ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود(!) من تاريخ ابن أبي خثيمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه.
كذلك وردت الوثيقة في :
- كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو ( حدثني يحيي بن عبدالله بن بكير وعبدالله بن صالح قالا : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله ﷺ كتبَ بهذا الكتاب …) وسرده بما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهري أيضا” .
3. ) مدى صحة وثيقة المدينة!
وحول مدى صحة وثيقة المدينة ، فقد أفرد إبراهيم بن محمد العلي في كتابه [ صحيح السيرة النبوية] بابا لها فقال : ” الحُكْمُ بوضع الوثيقة مجازفة ، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة . فـ ابن إسحاق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفه ، بيد أن البيهقي أوردها من طريق ابن إسحاق أيضا بإسناد فيه سعد بن المنذر وهو مقبول فقط ، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبدالله المزني وهو يروي الموضوعات وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهري ، وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله . ولكن نصوصاً من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم ، فهذه النصوص هي من الحديث الصحيح وقد احتج بها الفقهاء ، وبنوا عليها أحكامهم . كما أن بعضها ورد في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وابن ماجه والترمذي ، وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة.
ثم يضيف العلي : إذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في الأحكام الشرعية ، سوى ما ورد منها من كتب الحديث الصحيح ، فإنها تصلح أساسا للدراسة التأريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية” .
4. ) فـ ما هي هذه : الــ„ موادعة “ .. أو ما يسمى وفق مصطلحات العصر الحديث :„ دستور “ المدينة؟
إن هذه : الــ„ موادعة “ .. أو „ دستور “ المدينة هذا : يهدف بالأساس إلى :
- تنظيم العلاقة [(الشؤون)] بين جميع طوائف وجماعات المدينة ، وعلى رأسها المهاجرين والأنصار والفصائل اليهودية وغيرهم ، فـ
- يتصدى بمقتضاه المسلمون واليهود وجميع الفصائل لأي عدوان خارجي على المدينة..
وبإبرام هذه „ الموادعة “ : „ دستور “ المدينة ؛ وإقرار جميع الفصائل بما فيه- صارت المدينة
- دولة وفاقية؛
- رئيسها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وصارت :
- المرجعية العليا للشريعة الإسلامية ، وصارت :
- جميع الحقوق الإنسانية مكفولة ، كـ حق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر ، والمساواة والعدل.
هذه بعض معالم الحضارة الإسلامية في دستور المدينة، تبين لك - كما رأيت عزيزي القارئ - كيف سبق النظامُ الإسلامي جميع الأنظمة في إعلاء قيَّم التسامح والتكافل والحرية ونصرة المظلوم .. وغيرها من القيم الحضارية التي يتغنى بها العالم في الوقت الراهن دون تفعيل جاد أو تطبيق فاعل.
.مدخل للموضوع :
في سؤالٍ وجه إلى : د. أكرم ضياء العُمري كانت صيغته : ما هو „ عهد الموادعة “ ؛ أو „ دستور المدينة “ الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دخوله المدينة؟.
وكانت الإجابة بتاريخ : 2002-12-05 م :يتعلق دستور المدينة بـ :
- تنظيم العلاقات بين السكان من المسلمين واليهود والمشركين، و
- يجعل السلطة العليا داخل المدينة للرسول عليه الصلاة السلام، و
- يقر الحريات الدينية، و
- يدع قضاء اليهود إليهم إلا إذا احتكموا للنبي صلى الله عليه وسلم، و
- يؤكد على التزام الجميع بالدفاع عن المدينة، و
- اشتراكهم في دفع الديات في حالة القتل الخطأ من الحلفاء خارج المدينة، و
- يقر الوجود القبلي .. ويوجهه لمنفعة الدولة عن طرق التكافل بين رجال القبيلة في دفع الديات، وعن طريق المشاركة في الجيش للدفاع عن المدينة، وقد أعلن هذا الدستور أول الهجرة.
ـــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول ويليه بإذنه تعالى الجزء الثاني.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
الخميس : 6 جمادى الأولى 1446 هــ~ 07 نوفمبر 2024 م

أعلى الصفحةـ

157 خِلالٌ تِسْعٌفي عائشة

يتواجد -أحيانا- في الصف الأمامي بين المؤمنين المسلمين مَن يُشكك في رسالة نبي مرسل ؛ فيوجد شُبه في رسالته أو شبهات في نبوته ؛ فيحاول إثارة شكوك في بعض مسائل الوحي المنزل مِن السماء على قلب النبي ؛ كوحدانية الآله، أو يختلق الشبهات في بعض معالجات التشريع الآلهي السماوي كمسألة الطلاق أو تعدد الزوجات أو الربا أو طول نهار الصيام في رمضان أو توزيع الزكاة على اصنافها الثمانية ، أو في شخصية الرسول كحادثة الإفك ، فيبحث عن مواضع ضعف -ولن يجد- فيصنع فكرة واهية في ذهنه -سرعان ما تتلاشى- ويعمل على إشاعتها بين خاصته ويُبلبل الأفكار حولها ، وهناك مَن يتقبلها : هذا.. إذا تعارضت مصالحه الشخصية مع دعوة هذا النبي ؛ أو تضاءلت منافعه الآنية مع شريعةذلك الرسول ؛ أو تصادمت رغباته السياسية مع أطروحات الوحي المنزل ، أو محاولة هدم جانب أو جوانب من الدين ، وقد يقف بعضٌ مِن هؤلاء في الصف الخلفي يتوارى عن رؤية العين فيعمل على بث سمومه من خلف الستار أو وراء الجدار ، فليبس مُسوح الرهبان فيتظاهر بالبراءة والطِّيبة ؛ والبحث عن الحقيقة ؛ فالمظهر تراه حملا وديعا ؛ وقلبه قلب غدر ونفاق . ثم ازداد الأمر ضبابية بوجود قلة مِن المستشرقين [(الأصل فيهم أنهم بحاثة في مقارنة الأديان ؛ أو أساتذة في اللسانيات واللُغات)] -تتبعهم ثلة من المضبوعين-عرب أو مسلمين- بثقافة الغرب دون وعي أو استنارة فقط تقليد - لم يحسنوا فهم لُغة القرآن الكريم وشككوا في أحاديث الرسول العظيم ؛ فبحثوا عن الثغرات-فلم يجدوا- وفتشوا عن هَنةٍ- الفتنُشرٌّ وفسادٌ "سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ [حديث رواه مسلم عن غرفجة] -(وهي "هنة":كَلمةٌ يُكْنى بها عن كلِّ شَيءٍ يُستقبَحُ التَّصريحُ به) بناءً على نعرة قومية أرية أو بناءً على الخلفية العقائدية المخالفة لعقيدة الإسلام .
.. وهذا الملف „ الشبهات “.. „ الشكوك “ ملف خاص تجده منذ بداية أبي البشر آدم عليه السلام مع إبليس اللعينمروراً بكافة الأنبياء وكل المرسلين حتى وصلت الذروة في الشبهات والقمة في الشكوك مع خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب مِن محاولة -بدايةً في مكةَ- التضييق والاستهزاء والإبعاد والتصفية المعنوية فإن لم تنفع هذه الوسائل لجئوا إلى التصفية الجسدية والقتل ؛ خاصةً أنه عليه السلام قَلبَ الطاولة [(إذا صح التعبير!)] فوق رؤوس الجميع : عُباد أوثان ورُكع لـ أصنام ووثنيين ومشركين وملحدين ؛ وثبتَ-عليه السلام- قاعدة التوحيد ؛ وبنى عليها منارةً تضئ للجميع كافة أحكام التشريع وكل مسائل المنهاج ، فأوجد على متنها -عقيدة التوحيد- نظاماً خاصا من العيش للإنسان وأبدع -وحياً من ربه- طرازا خاصا في الحياة فأوجد كيفية معينة طبقا للوحي في معالجات كافة المسائل الإنسانية والقضايا المتعلقة بالإنسان والبشر : سواء في قضية التوحيد والربوبية والآُلهية والعقيدة والإيمان ؛ وهذه لا تروق للكثير ؛ وقد فضحهم آحد الوحيين : القرآن الكريم؛ فنطق يقول: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب﴾ ، فكشف عن قلوبهم برفضهم التام لفكرة الربوبية لآلهٍ واحدٍ ؛ وبالتالي رفض تام لطريقة تفعيلها في الحياة : أي العبودية لله وحده بفعل كل مايحبه الله تعالى ويرضاه ؛ دون تذوق حلاوتها ، وفضحَ -الوحي- وعرىفأخبر نبيه عليه السلام : ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ﴾ ؛ ثم ابان حالهم بالقول الصريح بوصفهم : ﴿مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾؛ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾، وبناءً على قضية التوحيد والربوبية -وهي قاعدة متينة- أوجدَ المعالجات اليومية لكافة مشاكل وكل مسائل وقضايا حياة الإنسان ؛ فصار الإسلام نظامَ حياةٍ شاملٍ لكافةِ نواحيها : سواء العقدية -منها- أو الإجتماعية أو الاقتصادية أو التربوية التعليمية والسياسة الداخلية أو الخارجية ، وكيفية المعاملة مع الغير ، وحتى كيفية التعامل مع الحيوان بل البيئة بأسرها والمناخ ، وهذا ما يرفضه البعض بل يشكك فيه بل يحاربه .
.. وهذا الملف „ الشبهات “„ الشكوك “ سيُبحث من بعد إذنه -تعالى- وبمشيئته وتمام توفيقه في ملحق خاص . وأُثَنِي معه بحث „ الاستغراب “ .
-*/*-
كانت هذه المقدمة تمهيدا لمسألة : „ زواج النبي محمد من عائشة بنت أبي بكرالصديق “ ! . وأُثير حولها جزئية „ سن زواجها “- رضي الله تعالى عنها وعن أبيها-منه ، لذا فـ مسألة [(الاستغراب)] : أي دراسة الحياة الإجتماعية والسياسية في بلاد الغرب ؛ ومسألة [(مقارنةالأديان)] أي دراسة تأصيلية منهجية ؛ صارتا من الضرورة بمكان في دراستهما تأصيلاً وبحثاً وعرضاً وفقاً لمعطيات حديثة وواقع سياسي جديد ملحوظ في بلاد الغرب وصعود تيار اليمين المتطرف ؛ خاصة في إنتخابات البرلمان والتي جرت في سبتمبر الماضي ؛ الأحد 29 منه (2024م) في جمهورية النمسا وحصول الحزب الأزرق -يميني متطرف- على نتيجة مئوية تقدر بـ 29,2% بزيادة تقدر بـ 13% ؛ وحصوله على 56 مقعدا في البرلمان بزيادة 25 ؛ وفي المقابل خسارة حزب الشعب-قائد الإئتلاف الحالي مع الخضر- بـ 11% وتراجعه بـ 26,5% مما أطاح بـ 19 مقعدا في البرلمان فتبقى من مقاعده 52 ، مما يُظهر حالة المزاج العام الشعبي تجاه قضايا بعينها من ضمنها : وجود أعداد من اللاجئين على أرض أوروبا [قد] تُغير من التركيبة السكانية للقارة العجوز ، وتوجد العديد من الدراسات الميدانية تقلق الساسة : تظهر زيادة متزايدة في أعداد من يولدونمن المسلمين مع معايشات يومية بين الأفراد وتصرفات فردية تزعج المواطن الأوروبي.
وبناء على هذا الواقع الجديد وإثارة شكوك حول سن زواج أم المؤمنين عائشة سأل آحدهم :
«„ كم كان عمر مريم بنت عمران -العذراء البتول- عندما حملت بسيدنا عيسى عليهما السلام!؟ “ » .
أولاً :
السادة مشايخنا وأهل العلم منا جرى منهم : „ التنبيه إلى أنه ينبغي للمسلم أن يَسأل عما وراءه عمل فذلك أنفع له “ .
وتجدر الإشارة إلى أنّ مثل هذه التفاصيل [(كيفية حمل العذراء مريم دون مساس ذكر وفترة الحمل)] المغيبة عنّا ، والتي لم ترد بصريح آيات القرآن المجيد أو أحاديث السنة النبوية مما لا يُستفاد من معرفته ، ولا يترتب عليه عمل ومما لا أثر له في التصديق والإيمان بمعجزة ولادة سيدنا عيسى -عليه السلام- من غير أبٍ . هذا إشارة والآخرى أن المسيحية الحديثة على يد بولس الرسول وأتمها الإمبراطور قسطنطين لم توضح شيئاً عن هذه المسألة ؛ أقصد الحديث بتفصيل عن أم الآله في الأناجيل وفق معتقد المسيحيين، وكاتب هذه السطور والموقع ليس لديهما ادنى اعتراض على عقيدة أحد .
بيد أن الواقع الحالي والوضع الجديد ومنذ حين ينبؤ عن محاولة تشويه تاريخ الإسلام والإساءة لـ خاتم الأنبياء كمحاولة السيدة(Susanne Winter)مما دعى :" الهيئة الدينية -الممثلة الرسمية للمسلمين أمام الدولة النمساوية- جميع المسلمين للهدوء وعدم الانسياق لاستفزاز السياسية اليمينية (المتطرفة ؛ خاصة زمن الدعاية الإنتخابية) والرد عليها عبر المؤسسات الرسمية والقانونية " .
ثانياً : والإجابة على السؤال السابق :
1. ) ] فإننا لا نعلم مِن شرعنا نصاً يدل على تحديد عمر مريم- عليها السلام- عندما حملت بعيسى -عليه السلام- .وبعد البحث عن جواب للسؤال ؛ وجدتُ أن أهل التراجم والسير اعتمدوا :
2 . ) ] مانَقلهالقرطبي في تفسيره عن أبي جعفر الطبري ..
قَالَ الطَّبَرِيُّ: „ وَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ بِعِيسَى وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ(١٣) سَنَةً ، وَأَنَّ عِيسَى عَاشَ إِلَى أَنْ رُفِعَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ (٣٢) سَنَةً وَأَيَّامًا ، وَأَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ (٦)سِنِينَ ، فَكَانَ جَمِيعُ عُمْرِهَا نَيِّفًا وَخَمْسِينَ (٥۰) سَنَةً “.وهذا الأثر مما ورد عن أهل الكتاب .
فهذا مصدر، وأما الثاني :
3 . ) ] فقد روى مثله الحاكم في المستدرك في أثر عن وهب بن مُنَبه ، ولكن قال الذهبي في تلخيصه على المستدرك عن أحد رواةهذا الآثر:عبدالمنعم بن إدريس ؛ أنه ساقط .غير أن الآثر يقول : ثَنَا عَبْدُالْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ :تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارٍ حِينَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَالنَّصَارَى تَزْعُمُ أَنَّهُ تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ أَحْيَاهُ . قَالَ وَهْبٌ :„ وَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْ عِيسَى لِمُضِيِّ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنْ وَقْتِ وِلَادَةِ الْإِسْكَنْدَرِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَوْلِدَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ عِيسَى بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ بِعِيسَى وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ(١٣) سَنَةً ، وَأَنَّ عِيسَى عَاشَ إِلَى أَنْ رُفِعَ ابْنَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَأَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ سِنِينَ ، فَكَانَ جَمِيعُ عُمْرِهَا سِتًّا وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَكَانَ زَكَرِيَا بْنُ بَرْخِيَا أَبَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا زَعَمُوا ابْنَ مِائَتَيْنِ ، وَأُمُّ مَرْيَمَ حَامِلٌ بِمَرْيَمَ ، فَلَمَّا وُلِدَتْ مَرْيَمَ كَفَلَهَا زَكَرِيَّا بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهَا ، لِأَنَّ خَالَتَهَا أُخْتُ أُمِّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ ، وَاسْمُ أُمِّ مَرْيَمَ حَنَّةُ بِنْتُ فَاقُوذَ بْنِ قِيلَ “..
ثم جاء السيوطي ونقل ما خرجه الحاكم في مستدركه :
4 . ) ] فـ ذكره الجلال السيوطي في الدر المنثور : „ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ وَهْبٍ، أَنَّ اللَّهَ تَوَفَّى عِيسَى سَبْعَ سَاعَاتٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ، وَأَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ بِهِ وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ (١٣) سَنَةً، وَأَنَّهُ رُفِعَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَأَنَّ أُمَّهُ بَقِيَتْ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ سِنِينَ “. تفسير سورة آل عمران .
5 . ) ] وجاء في الموسوعة الإسلامية : „ وَزَعَمُواأَنَّ مَرْيَمَ ، عَلَيْهَا السَّلَامُ ، حَمَلَتْ بِعِيسَى وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً “،
ولأمانة النقل :
6 . ) ] فقد َقِيلَ -أيضاً- خَمْسَ عَشْرَةَ :(١٥) ،
7 . ) ]كما قِيلَ : عِشْرُونَ :(٢۰) ،
وهذه النقول تبين بوضح أنه لم يعب أحد -في ذاك الزمان- على الزواج المبكر أو الإنجاب في سن مبكرة للفتاة .
وهذا الجزء من البحث متعلق بـ أم الآله وفق معتقد المسيحية ولا يعترض كاتب هذه السطور ؛ بل نعتمد النص القرآني الكريم كمقياس للتعامل مع الغير الذي يقول : ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين﴾ دون أدنى إساءة أو اقل تجريح .
هذا متعلق بأم الآله وفق معتقد المسيحية ؛ أما بالنسبة لـ أميرات وملكات القارة الأوربية :
1. ) ] فـالزواج في سن مبكرة كان موجودا في أوروبا نفسها ولا يوجد دليل أفضل على ذلك من زواج الملوك والحكام في القرن الثاني عشر في سن صغيرة من أجل إنشاء تحالفات سياسية تضمن استمرار السلام، وهكذا كانت
2 . ) ] الإمبراطورة الطفلة „ أنياس “ في فرنسا زوجة لـ اثنين من الأباطرة البيزنطيين:
- الإمبراطور ألكسيوس كمننوس الثاني و
- الإمبراطور أندرونيكوس كمننوس الأول على التوالي.
وحسب „ ويليام صور “ (william of tyre) فإن „ أنياس “ كانت في الثامنة من عمرها عند وصولها إلى القسطنطينية في حين أن ألكسيوس كان قد بلغ ثلاثة عشرة عاما. وبالإضافة إلى هذا فإن زوجة ألكسيوس كمننوس الأول كانت ابنة اثنتي عشر ربيعا عند زواجها وأصبحت إمبراطورة قبل أن تبلغ الخامسة عشر،
وأما
3 . ) ] أميرة بيزنطا „ ثيودورا “ زوجة مانويل فقد كانت في الثالثة عشر من عمرها عندما تزوجت بأمير القدس "بلدوين الثالث"
و
4 . ) ] تزوجت „ مارغريت ماريا هنجاريا “ من "إيزاك أنجلوس الثاني" في عمر التاسعة.
لذا
فلم يكن عمر „ أنياس “ في ذلك العصر أمرا غير مألوف ؛ خاصة أنه كان من المتعارف عليه آنذاك أن يجتمع العريسان الجدد في القسطنطينية في بيت الشريك ذي المكانة الاجتماعية العالية. ومع ذلك فقبل أن يكمل ألكسيوس عامه الثالث كإمبراطور، نصب ابن عم أبيه أندرونيكوس نفسه إمبراطورا مشاركا (ولد سنة 1118 أي أنه كان في الخامسة والستين من العمر!) وانتزع منصب ألكسيوس بالقوة ثم تزوج „ آنياس “ رغم الخمسين سنة التي كانت تفصل بينهما.
وهذا يُظهر بوضوح أن زواج الفتيات في سن مبكرة برجال تجاوزوا الستين من العمر كانت عادة سائدة في أوروبا بين الطبقات الحاكمة نفسها .. فما بالك بعامة الشعب!؟
لا شك إذن أنها كانت سائدة لدى عموم الناس في أوروبا نفسها وذلك بعد أكثر من خمسة قرون من زواج النبي محمد بعائشة.
5 . ) ] وحدثت في زمننا المعاصر هذا وفي بداية القرن الواحد والعشرين زيجات مبكرة في أوروبا نفسها، ففي رومانيا مثلا، حيث السن القانونية للزواج هي 16 سنة، تزوجت الطفلة أميرة 'روما غيسبي' (the roma gypsy princess) „ آنّا ماريا “ (ana maria ) ذات الإثني عشر!؟ ربيعا بالطفل بيريتا ميهاي (birita mihai) ذو الخمس عشر سنة. وقد قالroma king florin cioabaوالد العروس للصحفيين:
„ حقيقةً فإن هذا اليوم هو يوم سعيد بالنسبة للبيت الملكي، أحد أسعد أيام حياتي ...إنه من الأفضل أن يتزوج الأطفال في سن مبكرة “ .
وقال فاسيل إيونسكو من مركز روما للسياسات العامة: „ إن زواج الأميرة لم يكن بالقوة “ ، وأضاف : „ إنها قرة عين الملك ولن يقوم بأي شيء ضد رغبتها. يجب أن نحافظ على تقاليدنا من أجل الحفاظ على سلامة هويتنا وكذا من أجل البقاء. يعد أمرا لا أخلاقيا وخطيرا أن نقوم بحضر العادات والتقاليد وليس لأحد الحق في فعل ذلك “ .
6 . ) ] كما لا يفوتني في معرض الحديث عن زواج الأنبياء في سن كبيرة بفتيات عذارى أن أذكر ما يقوله الكتاب المقدس نفسه عن النبي داوود ، الذي شاخ في السن وأصابه البرد فلم يدفأ رغم محاولات تدفئته بكثرة الثياب ، إذ يقول سفر الملوك الأول ، الإصحاح الأول الفقرات : 1-3: „ وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ.فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ».فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا „„ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ““، فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ.وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، فَكَانَتْ حَاضِنَةَ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ.. “ .
وكم يسهل الاستنتاج، من هذا الاقتباس، أن النبي داود في عمر متقدمة جدا، بل هو شيخ هرم أصابه البرد ولكن مع ذلك بحثوا له عن فتاة عذراء تصغره بعشرات السنين لتدفئه! ؛ والواضح أن هذه الآيات من الكتاب المقدس تحمل معاني جنسية؛ فهي تتحدث عن تدفئة النبي داوود بواسطة فتاة جميلة تحضنه وتضطجع في حضنه ليدفأ، حسب تعبير الآيات! ، فلماذا لا ينظر المحرضون ضد الإسلام إلى هذا السلوك، ويعتبرونه اغتصابا وهوسا جنسيا؟ ؛ ثم لماذا لا تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن ذلك ويقتصر الحديث فقط على فرد واحد بعينه !
وعليه :
لا تصح المقارنة بين أحداث جرت منذ مئات أو آلاف السنين وما يحدث اليوم ، لأختلاف وجهات النظر والرؤية للحياة والقيم والمقياس والمفهوم والعادات السائدة - آنذاك- والتقاليد المعمول بها ، كما لا تصح المقارنة بين الفتاة الأفريقية في القارة السمراء والتي ترعى الأغنام من نعومة أظافرها وتحلب اللبن صباحاً مبكراً وتجلب المياه من بُعد عدة كيلومترات وتقوم بواجبات عدة في أسرتها من اتقان فن الطبخ ورعاية أخواتها الصغار وتنظيف البيت ، وحالالفتاة الأفريقية كذلككـ حال الفتاة العربية ؛ وهذا الحال يقارن بالفتاة الغربية أو الأمريكية التي سُهل لها حياة راغده هنية دون تحمل مسؤوليات تذكر أو أعباء!؛ والتي في نفس سن الأفريقية أو العربية .
وعليه :
صار واجبا شرعيا لا يسقط حتى تقوم به ثلة من أهل العلم بدراسة علم „ الاستغراب “ وعلم „ مقارنة الأديان “ من الداخل الأوروبي والأمريكي لوجود أعداد وفيرة من أهل العلم والتخصص هناك .
-*/*-
أعود لـ مسألة البحث :
(مسجده وحجره)
اشترى -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم موضع مسجده وكان مربدا [أي مكان أو فناء تحبس فيه الإبل ؛ فـ مِرْبَدُ الإِبِلِ: مَحْبَسُهَا، ومَوْقِفُهَا! وقيل لجمع التمور!!] ، لـ سهل وسهيل ابني عمرو - وكانا يتيمين في حجر أسعد بن زرارة – بـ عشرة دنانير ، وفي الصحيح أن بني النجار بذلوه للَّه -تعالى- ، فبناه مسجده المعروف الآن بالمدينة [(المسحد النبوي)] . وبنى الحجر لأزواجه بجانب المسجد وجعلها تسعا : بعضها مبنيٌ بحجارة قد رُصّت ، وسقفها من جريد مطين بطين ، ولكل بيت حجرة ، وكانت حجرته -صلّى اللَّه عليه وسلّم- أكسية من شعر مربوطة في خشب من عرعر [ والعرعر: جنس أشجار وجنبات من الصنوبريات (المعجم الوسيط) ج 2 ص 595.] .
فــ بنى حجرتين لـ عائشة وسودة: أي بناهما مجاورتين للمسجد وملاصقتين له على طرز بناء المسجد من لبن ، وجعل سقفهما من جذوع النخل والجريد : أي .. وقدم رجل من أهل اليمامة عند الشروع في بناء المسجد يقال له „ طلق من بني حنيفة “ ،فَرَوَى الْإِمَامُأَحْمَدُوَيَحْيَى بْنُ الْحَسَنِعَنْطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ :أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ ، وَالْمُسْلِمُونَ يَعْمَلُونَ فِيهِ مَعَهُ ، وَكُنْتُ صَاحِبَ عِلَاجِ وَخَلْطِ طِينٍ ، فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ أَخْلِطُ الطِّينَ وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ : "إِنَّ هَذَا الْحَنَفِيَّ لَصَاحِبُ طِينٍ" . وَكَانَ يَقُولُ : « قَرِّبُوا الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسْكًا(مسّاً) وَأَشَدُّكُمْ مَنْكِبًا ». ورواهابن حبانوالبيهقيفقال لي: يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « رحم الله امرأ أحسن صنعته » ، وقال لي « الزم أنت هذا الشغل فإني أراك تحسنه » ، وفي لفظ : « إن هذا الحنفي لصاحب طين » ، وفي رواية :( قربوا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له بناء )، وفي لفظ « دعوا الحنفي والطين فإنه من أصنعكم للطين » .
(تحوله من بيت أبي أيوب إلى حجره)
وتحول -صلّى اللَّه عليه وسلّم- من منزل أبي أيوب -رضي اللَّه عنه- إلى حجره لما فرغت، بعد إقامته عنده سبعة أشهر، وخط لأصحابه في كل أرض ليس لأحد، وفيما وهبت له الأنصار من خططها، وأقام قوم من المسلمين- لم يمكنهم البناء- بقباء على من نزلوا عنده.
-*/*-
(بعثة زيد بن حارثة إلى مكة )
وبعث رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم-وهو في بيت أبي أيوب :
- زيدَ بن حارثة
و
- أبا رافع مكةَ وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين ليأتيا بأهله: أي والخمسمائة أخذها من أبي بكر ليشتريا بها ما يحتاجان إليه، فاشترى زيد بالخمسمائة ثلاثة أبعرة بقديد، وأرسل معهما أبو بكر رضي الله تعالى عنه :
- عبدالله بن الأريقط دليلا ، أي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبداللَّه بن أبي بكر أن يحمل أهله:
- أم رومان، و
- عائشة، و
- أسماء.
وقدم زيد مكةَ فإذا طلحة بن عبيداللَّه يريد الهجرة ، فقدما المدينة على رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم- بابنتيه:
- فاطمة، و
- أم كلثوم، وبزوجته
- سودة بنت زمعة، و
- أم أسامة : أم أيمن -رضي اللَّه عنهم-.. حاضنته -صلى الله عليه وسلم- زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة بن زيد، فأسامة أخو أيمن لأمه، وكان أسامة حِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه وابن حاضنته..
إذاً خرج مع فاطمة ومن ذكر معها عبدالله بن أبي بكر، ومعه عيال أبي بكر فيهم زوجته أم رومان وعائشة وأختها أسماء زوج الزبير: أي وهي حامل بابنها عبدالله بن الزبير، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- «أنها كانت هي وأمها على بعير في محفة فنفر البعير، قالت: فصارت أمي تقول: „ وابنتاه واعروساه “ ، فمسك البعير وسلم الله» .
وفي رواية عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «لما صارت أمي تقول: „ واعروساه وابنتاه “.. سمعت قائلا يقول: „ أرسلي خطامه “ ، فأرسلت خطامه، فوقف بإذن الله، وسلمنا الله»: وأم رومان ولدت لأبي بكر : عائشة وعبدالرحمن -رضي الله تعالى عنهم-؛ وكانت قبل أبي بكر تحت عبدالله بن الحارث فولدت له الطفيل، قال -صلى الله عليه وسلم- في حقها «من يسره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان».
وكانت رقية ابنة رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم- قد (هاجر) بها عثمان -رضي اللَّه عنهما- قبل ذلك .
وحبس أبو العاصي زوجته زينب بنت رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم- .
فـ خرج مع زيد وأبي رافع عبداللَّه بن أبي بكر بعيال أبي بكر -رضي اللَّه عنه-..
-*/*-
١٥٧ : (زواجه بـ عائشة)
وَفِيهَا [( أي : السنه الاولى من الهجرة الشريفة المباركة )]بَنَى رَسُولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِـ عَائِشَةَ بَعْدَ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ بِـ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، فِي ذِي الْقِعْدَةِ ؛ بالسنح في بيت أبي (بكر) فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَ
فِي قَوْلِ بَعْضٍ: بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ ؛ فِي شَوَّالٍ، و
قيل: بعد مقدمه بتسعة أشهر، ، و
قيل: بثمانية عشر شهرا في يوم الأربعاء من شوال، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَقَدْ قِيلَ: تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سَبْعٍ .
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ وَآخَرُ مَعَهُ أَتَيَا عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: »„ يَا فُلانُ، أَسَمِعْتَ حَدِيثَ حَفْصَةَ؟ “« ؛
قَالَ لَهَا:„ نَعَمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ “« ؛
قَالَ لَهَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ:„ وَمَا ذَاكَ؟ “ ؛
قَالَتْ: »„ خِلالٌ فِيَّ تِسْعٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا آتَى اللَّهُ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَاللَّهِ مَا أَقُولُ هَذَا فَخْرًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ صَوَاحِبِي “« ؛
قَالَ لَهَا:„ وَمَا هنَّ؟ “« ؛
قَالَتْ:
»1 «نَزَلَ الْمَلَكُ بِصُورَتِي، وَ
»2 «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِسَبْعِ سِنِينَ، وَ
»3 «أُهْدِيتُ إِلَيْهِ لِتِسْعِ سِنِينَ، وَ
» 4 «تَزَوَّجَنِي بِكْرًا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَ
»5 «كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَ
»6 «كُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَ
»7 «نَزَلَ فِيَّ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَادَتِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ، وَ
»8 «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي، وَ
»9 «قُبِضَ فِي بَيْتِي لَمْ يَلِهِ أَحَدٌ غَيْرُ الْمَلَكِ وَأَنَا “« ؛
قال أبو جعفر:„ وتزوجها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-- فيما قيل- في شوال، وبنى بها حين بنى بها في شوال “ .
ذكر الرواية بذلك:
عن عائشةَ، قالت: »„ تزوجني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في شوال، وبنى بي في شوال “«.
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قالت: »„ تزوجني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَتْ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي! “« .
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ يُدْخَلَ (يبنى) بِالنِّسَاءِ فِي شَوَّالٍ.
قال أبو جعفر: وقيل: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بنى بها في شوال يوم الأربعاء، في منزل أبي بكر بالسنح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
الخميس : 14 ربيع الآخرة 1446 هــ ~ 17 أكتوبر 2024 م .
المراجعة الثانية تمت يوم السبت : ٢٣ ربيع الآخرة ١٤٤٦ هـ ~ 26 أكتوبر 2024 م

أعلى الصفحةـ

 156أول ما أُهدي إليه
أَوَّلُ هَدِيَّةٍ أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المواساة :
فصلٌ متمم لمسألة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة المباركة مباشرة في المدينة المنورة .
أولُ طعامٍ جيء به إليه صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب قصعة أم زيد بن ثابت .
فـ في أوَّلِ الإسلامِ ؛ وخاصة بداية العهد المدني عاشَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ ورضوان الله تعالى عليهم جميعاً في قِلَّةٍ مِن العيشِ وقِلَّةِ الزَّادِ وقلة الأموال ، فـ تَحمَّلوا الجوعَ والفقرَ ، بيد أنهم علوا بالإيمان بين الناس ؛ وارتفعوا بالعقيدة بين الأنام ، وكان النَّبيُّ المصطفى صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُصبِّرُهم ويُواسيهم ويؤنسهم ويُعلِّمُهم أنَّ اللهَ ادَّخَر لهم نَعيمًا عظيمًا ليس مِثلَه نعيمٌ.
فـ من روائع المواساة بين المهاجرين والأنصارفي العهد المدني ؛ والتي حدثت في اللحظات الأولى بعد الهجرة والتي يصلح تعلمها كدروس أولية من أحداث السيرة المحمدية النبوية في المرحلة المدنية ، تلك المواساة ؛ حين هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المدينةِ المنوَّرةِ ، ونَزَل في أوَّلِ قُدومِه في دِيارِ أخوالِه „بَني النَّجَّارِ “ في دارِ أبي أيُّوبَ [(خالد)] الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فأحْسَنَ ضِيافتَه وأكْرَمَ وِفادتَه .
فـ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ :„ أَوَّلُ هَدِيَّةٍ أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ ؛ أَنَا [( أي: زَيْد)] جِئْتُ بِهَا ، قَصْعَةٌ فِيهَا خُبْزٌ [برّ بسمن] مَثْرُودٌ بِلَبَنٍ وَسَمْنٍ “ ، فَقُلْتُ : „ أَرْسَلَتْ بِهَذِهِ الْقَصْعَةِ أُمِّي “ .[ فوضعتها بين يديه] ، فَقَالَ : «„بارك الله فيها“» وفي رواية قَالَ : «„ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ “ » ؛ وَدَعَا أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا ،
قال زَيْدٌ: „ فلم أرم الباب “ : أي أرده ؛ حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة : ثريد وعَراق لحم ؛ أي : عظم عليه لحم، فإن أخذ عنه اللحم قيل له عُراق .
ثُمَّ
جَاءَتْ „ قَصْعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : ثَرِيدٌ وَعِرَاقُ لَحْمٍ “ ، وكانت جفنة سعد بن عبادة؛ بعد ذلك تدور معه صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، فقد جاء «كانت لرسول الله صلىالله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد» أي عليه لحم أو خبز في لبن أو في سمن أو في عسل أو بـ خل وزيت، في كل يوم تدور معه أينما دار مع نسائه، وصارت تأتي إليه جفنة أسعد بن زرارة كل ليلة، وصار وهو في بيت أبي أيوب يأتي إليه الطعام من غيرهما ، وَمَا كَانَتْ مِنْ لَيْلَةٍ ، إِلَّا وَعَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : „ الثَّلَاثَةُ “ ؛ وَ„ الْأَرْبَعَةُ “ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ يَتَنَاوَبُونَ ، وَكَانَ مُقَامُهُ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ سَبْعَةَ(!) أَشْهُرٍ .
وفي لفظ «وجعل بنو النجار يتناوبون في حمل الطعام إليه صلى الله عليه وسلم زمن مقامه في منزل أبي أيوب رضي الله تعالى عنه وهو تسعة(!) أشهر.
وقد جاء «كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم „ الثريد “ »
-*/*
ومما يتناسب مع هذا المقام أنه:
" ولما بني المسجد جعل في المسجد محلا مظللا يأوي إليه المساكين يسمى الصُفّة، وكان أهله يسمون أهل الصفة(*)، وكان صلى الله عليه وسلم في وقت العشاء يفرقهم على أصحابه ويتعشى معه منهم طائفة. وظاهر السياق أن ذلك: أي المحل فُعل في زمن بناء المسجد وآوى إليه المساكين من حينئذ.
لكن روى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال: «لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم زاد ولا مأوى، أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وسماهم أصحاب الصُفة؛ وكان يجالسهم ويأنس بهم، أي : وكان إذا صلى أتاهم فوقف عليهم فقال: «„لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فقرا وحاجة “ ».» .
فقد جاء في صحيح سنن الترمذي : عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ[الأنصاريرَضِي اللهُ عَنه] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ(1) فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْخَصَاصَةِ(2)؛ وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ ، حَتَّى يَقُولَ الْأَعْرَابُ(3): هَؤُلَاءِ مَجَانِينُ [أَوْ مَجَانُونَ](**)، فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ(4)، فَقَالَ: «„لَوْ تَعْلَمُونَ(5) مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ لَأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً “ » .
قَالَ فَضَالَةُ :„وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، الحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي ؛ وتجده في : صحيح الجامع، وصحيح ابن حبان .
ــــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) هُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ فُقَرَاءُ ؛ غُرَبَاءُ ، وَكَانُوا سَبْعِينَ ؛ وَيَقِلُّونَ حِينًا ، وَيَكْثُرُونَ حِينًا ، يَسْكُنُونَ صُفَّةَ الْمَسْجِدِ ؛ لَا مَسْكَنَ لَهُمْ وَلَا مَالَ وَلَا وَلَدَ ، وَكَانُوا مُتَوَكِّلِينَ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ .
-*/*-
شرح غريب الحديث :
(1) أي: يقَعُ رجالٌ مَغشِيًّا عليهم .
(2) فـ. «الخصاصة»: الفاقة والجوع الشديد، وَأَصْلُهَا الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ. أي: يتساقطون ممَّا بهم مِن أثَرِ الفقرِ مِن شدَّةِ الجوعِ والضَّعفِ والحاجةِ الَّتي بهم ، أَيِ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ ، وفي هذا الحديث: الحث على الصبر على الفقر، وضيق العيش، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين﴾[يوسف: 90] .
(3)وهم ساكِنو الصَّحراءِ والبَدْوُ .
(**)„ هؤلاءِ مجانينُ أو شكَّ الراوي فقال:مجانونَ: وهذا جمع شاذ .
(4) فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إليهم يعزيهم ويسليهم بل ويصبرهم .
(5)أي: لو علِمْتم ما ادَّخَر اللهُ لكم مِن الثَّوابِ والجزاءِ على ما صبَرْتُم ، لتمنَّيْتُم أن تَزْدَادوا فقرًا وضِيقًا وقلَّةً في العَيش ِ؛ لِمَا سوف تَجدونَه مِن النَّعيمِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبيان لهذه المسألة:
هل في هذا الحديث حض على أن يتقصد المسلم الفقر للفقر ؛ أم ماذا ؟
قد يظن بعض الناس خطاً أن الأمر كذلك ،لكنه ليس كذلك البتة ، ولا على الإطلاق !
وإنما في هذا الحديث تسلية ؛ وتعزية لمن قد يصاب بشيء من الفاقة والفقر والحاجة والعوز والجوع ، ولا يجد هناك ما يسد جوعته وعوزه ورمقه ، فحينئذ يجد هذه الأحاديث هي الدواء والشفاء له ، وهي التي حينئذ تصرفه عن أن يكون عالة على غيره أو كلا على الناس.
هذا الذي نفهمه [الحديث للألباني] من هذه الأحاديث وإلا فالفقر نفسه في كثير من الأحيان يكون وبالا على صاحبه لأنه يحتاج إلى كثير من الصبر والرضا بالقضاء والقدر وهذا ما لا يستطيعه كثير من الناس .
ولذلك كان يستعيذ منه -الفقر-رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ كان يقول: «„ أعوذ بك من الفقر “ » ،والسبب هو ما ذكرنا[الحديث للألباني] أن كثيرا من الناس لا يصبرون على شظف العيش ؛ أما أن يتقصد الإنسان أن يكون فقيرا ؛ فهذا ليس من الإسلام في شيء إطلاقا ذلك لأن الفقر إنما يأتي الإنسان إذا كان مشغولا بشيء يمدح عليه صاحبه شرعا .
-*/*-
زيادة أيضاح خاصة لمن يعيش على المعونات المالية:
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «„ كان رسول الله ﷺ يبيت الليالي المتتابعة طاويًا [يعني: لم يتعشَّ ، يعني: من غير أن يأكل ، يبيت على الجوع ﷺ] ، وأهله لا يجدون عشاءً ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير “ »..
[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح ،أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي ﷺ، (4/ 583)، برقم: (2368)، وابن حبان: كتاب الرقائق، باب ذكر الإخبار بأنّ على المرء عند العدم النظرَ إلى ما ادخر له من الأجر دون التلهف على ما فاته من بغيته، (2/ 502)، برقم: (724)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 202)، برقم: (2169). ]
وعلى كل حال[الحديث لخالد السبت]؛ لا يصح أن يُفهم من هذه الأحاديث أن الإنسان يوجد عنده ما يأكله، ويترك ذلك ويبقى على حالة الجوع، ليس هذا هو المطلوب، ولا يفهم من هذه الأحاديث أن الإسلام يدعو إلى ترك العمل، والقعود والإخلاد إلى الأرض ؛ والكسلوالنوم ، فإن هذا مذموم شرعًا، واللهعز وجللما ذكر الأنبياء -عليهم الصلوات والسلامات- وصفهم بأنهم ﴿وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان:20]، أي يعني: يتّجرون : يبيعون ويشترون ويكتسبون، ولا يبقى الإنسان أو يبقى أهله عالة على الناس، أو هيئات إجتماعية بعينها ؛ ينتظرون مَن يحسن إليهم ومَن يعطيهم، كلا، الإسلام لا يدعو إلى هذا أبداً ، بل يدعو إلى عمارة الدنيا وإقامتها على شرع الله عز وجل ؛ وإفادة الناس بالعلم النافع والعمل الصالح، وألا يكون ذلك على حساب الدين، وطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، فـ المذموم : أن يتطلب الإنسان شيئًا ليس عنده، أي : أن يتطلع إلى ما في أيدي الناس، فهذا خطأ، لكن ليس معنى هذه الأحاديث أن الإنسان يقول: أنا لا أعمل، أنا لا أكتسب، النبي ﷺ وأصحاب الصُفة كانوا يسقطون من الجوع، هؤلاء تفرغوا للعبادة : هذا كان شأنهم، ولا يأتِ إنسان ويقول: أنا والله سأقتدي بهؤلاء وأجلس لا أعمل، ولا أكتسب، ويبقى عالة على الآخرين، فإن هذا الكسل مذموم، وأقبح ما يكون في الإنسان ألا ينهض لا في عمل دنيا يصيبها برزق ولا بعمل آخرة يدخرها لنيل ثواب الجنة والنعيم، يعني : بطّال ، كسلان ؛ فـ الحياة مبنية على الجد والكبد، والله عز في علاه وتقدست اسماؤه يقولك ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد:4]، لكن المذموم هو التوسع فيها أو أن تكون الدنيا غاية همّه وغاية المطالب والمنى، فهذا خطأ، والله تعالى أعلم.
وعليه :
فـلا يعيش المرء هكذا في زعمه متوكلا على الله بل وهو في واقع أمره متواكل .. متواكل على الناس ؛ وعلى جيوبهم وصدقاتهم ، فهذا ليس مما يرغب فيه الإسلام بل لقد جاء في القرآن قول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾[البقرة:197] :يعني تزودوا الزاد المادي إذا ما خرجتم مِن بلادكم آمّين البيت الحرام ، قاصدين الحج أو العمرة : فـ تزودوا ولا تتكلوا على زاد الرفقة الذين أنتم تسافرون معهم.ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : «„ اليد العليا خير من اليد السفلى “ » .واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة ؛ فالغني القائم بالواجب هو أحب إلى الله عز وجل إذا قوبل بفقير صابر لا يعمل لكن لا يقال الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر لأنه فاضل بين إنسان وأخر لا يكون بالنسبة لناحية واحدة : هو الغنى للغني والفقر للفقير ؛ وإنما يكون بما اجتمع في كل من الشخصين من حسنات ومن طاعات وعبادات فمن كانت عبادته أكثر فهو عند الله أفضل ، لكن إذا قوبل الفقر مع الغنى وكل منهما واقف في حدود الشرع فالظاهر أن الغنى سعة دائرة الخير فيه أكثر من رضى الفقير وصبره على فقره. ومن هنا تروى قصة [الحديث للألباني] قد تكون صحيحة أو لا تكون ، وإنما فيها عبرة ، يقولون بـ „أن رجلا من أولئك الزهاد المشهورين بـ الصوفية خرج سائحا في البرية كما هي عادتهم ، علما بأن مثل هذه السّياحة ليست مشروعة ، والأمر كما قال عليه الصلاة والسلام : «„ سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله “ ».الخروج هكذا في البراري يعيش الإنسان مع الوحوش ويدع بني جنسه ولا يتعامل معهم“؛ فهذا أقل ما يقال أنه خالف حديث الرسول عليه السلام المعروف من حديث ابن عمر : «„ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “ ».فهذه السّياحة التي تذكر عن الصوفية هي سياحة غير شرعية . فـ „زعموا أن أحدهم خرج كعادتهم ثم مازال يمشي ويمشي حتى جاع وتعب ، فلجأ إلى خربة ؛ وإذا به يطل منها على خربة أخرى ، فرأى أسداً يأتي يحمل بين فكّيه فريسة له يقدمها إلى كلبةٍ جاثيةٍ هناك باركة ، فقال هذا الرجل :„ سبحان الله، سبحان الرزاق .. كيف سخَّر هذا الأسد لهذا الكلب “.قالفسمع هاتفا يقول له «„ كن أسدا ولا تكن كلبا “ ».وهذا المغزى(!) من هذه القصة واضح جدا من عشرات الأحاديث :«„ اليد العليا خير من اليد السفلى “ ».«„ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “ ». ".
تنبيه:
هؤلاء السادة : „ أصحابُ الصُّفَّةِ “ وهم قومٌ فقراءُ مِن السادة الصَّحابةِ ، كانوا غُرباءَ لا بُيوتَ لهم ولا أهلَ ولا مأوَى ، وكانَ لهم في آخِرِ المسجد مكانٌ مخصَّصٌ به صُفَّةٌ ؛ أو مِظلَّةٌ يَبيتون تحتَها ، فسُمُّوا بـ „ أهلِ الصُّفَّةِ “ ، وهم : هؤلاء الرجال الذين كانوا حول الرسول في مسجده ليس لهم أدنى علاقة بما يطلق عليهم بعد أكثر من 300 سنة بـ الطُرق الصوفية أو أهل الخرقة ، وقد أجاد فضيلة الدكتور عمر عبدالعزيز القرشي في بحثه لنيل درجة الدكتوراة في أصل الاشتقاق وبينه ؛ وقد استضافه فضيلة الوالد الدكتور محمد فريد سليمان رحمه الله تعالى رحمة واسعة في آحدى تجمعات المِصريين بفيينا ، وإذ تيسر الأمر لي سأرحل هذا البحث إلى ملحق من بعد إذنه تعالى وتوفيقه .
-*/*
استدراك:
الآثر المشهور على الألسن وفوق المنابر : (لو كان الفقر رجلا لقتلته!؟)
وبالبحث عن مصدره وفي أي مرجع خرجتُ بهذا المحصلة : فـ
1.) عند الشيعة يقولون :" تنسب هذه العبارة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولكن لم نقف على ذلك في مرجع معتمد ، أو مصدر موثوق، فيما اطلعنا عليه من كتب التاريخ وغيرها.كما يشاع أنه لـ عمر بن الخطاب "
ثم قالت الشيعة و:" هذا القول وبهذه الصياغة لم نعثر عليه في المجاميع الحديثية المعتمدة لدينا، نعم، أورده القاضي التستري (طاب ثراه) في كتابه (إحقاق الحق) بصياغة مشابهة لتلك الصياغة، لكنها هي الأخرى غير مسندة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد جاء ما نصه: (إن اللّه الذي جعلني إماماً لخلقه، فرض عليّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي ومسكني كضعفاء الناس؛ لأن اللّه أخذ على أئمة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدي بهم الغني، ولا يزرى بالفقير فقره. فو اللّه ما ضرب اللّه عباده بسوط أوجع من الفقر، ولو تمثل لي الفقر رجلًا لقتلته، فالفقر هو الموت الأكبر ……) [مصدر الشيعة: إحقاق الحق وإزهاق الباطل : التستري ؛ القاضي نور الله: ج: (32) ، ص: (217)]. ".
هذا جانب من البحث ؛ أما الجانب الثاني ولعله الأهم :
ما قالته الشيعة :" مَن نقله في بعض المؤلفات المتأخرة قد إشتبه عليه ذلك كما في كتاب (روائع نهج البلاغة ؛ للمؤلف المسيحي : جورج جرداق) ، وليس في كتاب (نهج البلاغة الأساسي ؛ للمؤلف : الشريف الرضي) ، فـ توجد روايات في الفقر في نهج البلاغة رُوِيت عن الإمام علي عليه السلام أنه قال لابنه محمد بن الحنفية: ( يا بني إني أخاف عليك الفقر ، فاستعذ بالله منه فإن الفقر منقصة للدين مدهشة للعقل، داعية للمقت )وروي عنه عليه السلام : (الفقر الموت الأكبر) ، وروي أيضًا عليه السلام: (العفاف زينة الفقر...)، وقال عليه السلام: (ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله. ويمكن مراجعة كتاب نهج البلاغه وغيره من المصادر، فلن تجد هذا الأثر .".
فثبت عند القوم أن هذا الأثر لم يسند للإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه في مصادرهم ومراجعهم .
أما عند
2.) أهل السنة والجماعة فقالوا :" حكم الأثر:لا أصل له لا عندنا ولا عند الشيعة .
وإليك بيان أين مصادر هذه المقولة بالتفصيل عند الشيعة وكلها بلا أسانيد
- المصدر الأول
جاء في كتاب ( روائع نهج البلاغة للمؤلف المسيحي : جورج جرداق)،وليس في كتاب( نهج البلاغة الأساسي للمؤلف شريف الرضي) : فانتبه لذلك أشد الانتباه!!! وجورج جرداق مسيحي وُلد عام 1933م، وتكررت هذه المقولة في موضعين من كتاب جرداق واللفظ هو (لو تمثّل لي الفقر رجلا لقتلته) ، وليس كما هو منتشر بين الناس بلفظ (لو كان الفقر رجلا لقتلته) ، فإذا عدت إلى كتاب نهج البلاغة الأساسي للمؤلف : شريف الرضي لم تجد هذه المقولة فيه على الإطلاق!
- المصدر الثاني
كتاب( علي إمام المتقين لـ عبدالرحمن الشرقاوي)وُلد عام 1921م وهو شاعر وأديب وصحافي ومفكر إسلامي مِصري ، حيث قال في الجزء الثاني صفحة 665 :" قال الإمام علي (ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته) ولم ينسبه إلى أي كتاب أو تكلم عن مصدر هذه المقولة .
- المصدر الثالث
في كتاب( شرح إحقاق الحق للمؤلف السيد المرعشي )قال محمود المرعشي :" قال الفاضل المعاصر عبدالرحمن الشرقاوي في كتاب (علي إمام المتقين) : (ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته) : أي نسب هذه المقولة إلى كتاب علي إمام المتقين للمؤلف عبدالرحمن الشرقاوي الذي جاء ذكره في المصدر الثاني .
- المصدر الرابع
جاء في كتاب( النظام السياسي في الإسلاملـ باقر شريفالقرشي) صفحة 247 ، ومؤلفه معاصر أيضا ؛ ولد تقريبًا في عام 1923م ، يقول (ع): (لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته) ولم يقل من أين أخذ هذه المقولة أو مصدره! .
قلت (الرمادي) : وذكر هذا الأثر الطبيب : نبيل صبحي الطويل في كتابه : ( التخلف والحرمان في ديار المسلمين ) : وهو الكتاب السابع في سلسلة (كتاب الأمة) ، التي تصدرها رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر، قلتُ :" ولم يقل د. الطويل : من أين أخذ هذه المقولة أو مصدره! .
الخلاصة :
هذه المقولة مقولة محدثة وجدت عام 1921م وما فوق وذلك وفقًا لأقدم مصدر وهو كتاب علي إمام المتقين للمؤلف عبدالرحمن الشرقاوي الذي ولد عام 1921م .
فانتبه لذلك فهي ليست لعلي رضي الله عنه ، وقد نسبت أيضاً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأيضاً لا أصل له هذا وبالله التوفيق "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــ
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 622 م
بدايات العهد المدني
[١٥]الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".« الْمَدِينَةَ المنورة»
٦ربيع الآخرة ~9أكتوبر 2024 م.

أعلى الصفحةـ

155 نماذج من المؤاخاة

مِن روائع المعالجات الإنسانية[(علاقة الأفراد)] في نظام الإسلام؛ الدين الخاتم للرسالات السماوية؛ تلك المعالجاتالتي تمت بين المهاجرين -أهل مكة- والأنصار -أهل يثرب- في بدايات العهد المدني؛ ومباشرة بعد الهجرة الكريمة لخاتم الأنبياء من مكة المكرمة وهجرة صحبه الكرام إلى المدينة المنورة وفقاً لما ثبت لدينا من السيرة المحمدية النبوية العطرة فـ اقرتها آيات قرآنية -كمرحلة تمهيدية- وأثبتتها-كمرحلة أولية- فـ أثنى عليها القرآن العظيم؛ وهما-القرآنوالسنة -معاً المصدرية الآلهية للوحي المنزل بواسطة أمين السماء الملك جبرائيل على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله.. وهما مصدرا التشريع الإسلامي ومنهاج الطريقة الشرعية العملية؛ فـ من روائع تلك المعالجات الإنسانية[( ومنها علاقة الأفراد فيما بينهم)] قضية المؤاخاة بين السادة المهاجرين والأنصار [(صحابة رسول الإسلام)]، وما ترتب عليها مِن لُحْمة بين طرفي المجتمع المدني الجديدالمهاجرين الوافدين من مكةَ على اختلاف قبائلهم ومشاربهم وبين الأنصار من الأوس والخزرج سكان يثرب المستقبلين واختلاف من حيث البيئة والمناخ والعمل والتجارة مختلفون في كل شئ؛ وتقوية ﴿ أَمْشَاجهما﴾»وهما[(المهاجرون والأنصار)]أخلاط مختلفة، والإنتقال من صفة ضعف إلى صفة قوة وتمكينأي من بعد الملاحقة والتعذيب والهجرة إلى الحبشة مرة تلو الآخرى؛ ثم العودة، فينتقلون إلى صفة جديدة؛ صفة الاستقرار فـ القوة والتمكين إذ أنهم على وشك بداية بناء كيان جديد،دولة ناشئة جديدة في كل شئ؛ ذات أعمدة آلهية راسخة في قلوب الصحابة والأتباع وحيا من رب الإنسان وخالقه، والانتقال مِن حال إلى حال؛ فمِن حال الخوف والقلق وأحياناً الفزع مع تمكن الإيمان في قلوبهم وثبات العقيدة في نفوسهم إلى حال الاستقرار الروحي والهدوء النفسي..والعيش وفق أحكام الإسلام في دولة ذات كيان: فنقلة نوعية بكافة ما تحمل هذه الصفة وذلك الحال.
ونحن في زمن؛ ومنذ حين نفتقد القدوة الحسنة فضاعت الأسوة العليا.. لذا فتحتاج الأمة الإسلامية بل العالم أجمع إلى نماذج بشرية.. إنسانية.. آدمية وليس [(ومع)] أنموذج نبوي -فقط- أو نموذج رسولي -وكفى-.. إذ -وهنا يبرز الإشكال- قد يستصعب البعض اتخاذ أنموذج الرسول.. وإن كان الأصل فيه [(أي : الرسول)]أن يكون هو الأسوة الحسنة والأساس فيه[(أي : النبي)] أن يكون هو القدوة العليا.. مصداقاً لقوله -تعالى-:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾..والحديث هنا عن خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ بل قد تحدث القرآن الكريم -أيضاً- عن خليل الرحمن وأبي الأنيباء-عليه السلام- فقال ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ﴾ وأشار كذلك إلى مَن معه فقال ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾.. ثم آكد المعنى بوضوح العبارة بقوله ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.. لذا فقصص الأنبياء والتعرف على أحوالهم والاقتراب من أوصافهم ليست من باب التسلي وأخذ العبر -فقط- بل تؤخذ منها أحكام شرعية عملية..
-*/*-
مَنْ آخَى بَيْنَهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
ونستحضر أنموذج.. بل نماذج ليسهل فهم القضية ..
النموذج العام للمؤأخاة:
قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ «„ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ تَرَكُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَخَرَجُوا إِلَيْكُمْ“ »
فَقَالُوا:„ أَمْوَالُنَا بَيْنَنَاقَطَائِعُ “.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«„ أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ؟“ »
قَالُوا:„ وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ “
قَالَ: «„ هُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ الْعَمَلَ، فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمُ الثَّمَرَ “ ».
قَالُوا:„ نَعَمْ“.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ:„ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ، وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَؤُونَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَأِ، حَتَّى لَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ “.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «„ لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ“ ».
هَذَا حَدِيثٌ ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَهُوَ ثَابت فِي الصَّحِيح من [غَيره].
وَبِهِ إِلَى الْخَرَائِطِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: „ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بِأَحَقِّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ“. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ هَنَّادٍ كَلَيْهِمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا عَالِيًا لَهُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَت الانصار:„ اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ “.
قَالَ: «„ لَا“ ».
قَالُوا:„ أفتكفوننا الْمَؤُونَةَ وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ“.
قَالُوا:„ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا “. تَفَرَّدَ بِهِ.
ولنأتي بأنموذج خاص :
[( 1 )]: الأنموذج الخاص الأول..
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ؛وَمُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو رُوَيْحَةَ -رضي الله عنهم: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْخَثْعَمِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ .. الْفَزَعِ [1] ، «أَخَوَيْنِ »..
(بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ) :
قال ابن إسحق: فَلَمَّا دَوَّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدَّوَاوِينَ بِالشَّامِ، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ إلَى الشَّامِ، فَأَقَامَ بِهَا مُجَاهِدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ:„ إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَكَ يَا بِلَالُ؟“،
قَالَ:„ مَعَ أَبِي رُوَيْحَةَ، لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي“، فَضَمَّ إلَيْهِ، وَضُمَّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ، لِمَكَانِ بِلَالٍ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هَذَا الْيَوْمِ بِالشَّامِ.
..
[(2)] الأنموذج الخاص الثاني :
فقد تحدثابن هشام عن :(مَنْزِلِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) :
فقال: وَنَزَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
إذقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ:„آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ “؛ فكان عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ وَسَعْدُ ابْن الرَّبِيعِ -رضي الله عنهما-؛أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، «أَخَوَيْنِ ».
فــعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ:
«„ 1 “ »يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ، فقال:„وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَيُّهُمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا “؛
وفي رواية : „ وانظر أيّ زوجتيَّ هويت، نزلت لك عنها، فإذا حلّت تزوّجتها. “؛
وفي رواية: „ولي امْرَأَتَانِ، فانْظُرْ أَيَّتَهُما شِئْتَ حتى أَنْزلِ لكَ عنها، فإذا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها“،
وَ عرض على عبد الرحمن بن عوف :
«„ 2 “ »مَالَهُ،
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ:„ أَيْ أَخِي، أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالًا، فَانْظُرْ شَطْرَ مَالِي فَخُذْهُ“،
وفي رواية: فقال لي سَعْدٌ: „ إِنِّي أَكْثَرُ الأنْصَارِ مَالًا، فَأْقَاسِمُكَ مَالِي شَطْرَيْنِ“
فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ:„ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ؛ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ..أي :„على سُوقِ بني قَيْنُقَاع“.
فَدَلُّوهُ فَذَهَبَ فَاشْترى وَبَاعَ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ.. ، فما رُحت[(عبدالرحمن بن عوف)] حتى اسْتَفْضَلْت به أقِطًا وسَمْنًا..
-*/*-
دعاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبدالرحمن بن عوف بالبركة.
فـ
قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ:„ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَبًا وَفِضَّةً “.
وَتَعْلِيقُ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ غَرِيبٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ مُسْنَدًا إِلَّا عَنْ أَنَسٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ تَلَقَّاهُ عَنْهُ.فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وفي حديث خالد بن سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «„ أيها الناس ، إني راض ..ثم ذكر كوكبة من صحابته الكرام ومنهم :" عبدالرحمن بن عوف ، فاعرفوا لهم ذلك “ ».
-*/-
متابعة الرسول الكريم أحوال الصحابة:
ثُمَّ لَبِثَ[(عبدالرحمن)] مَا شَاءَ الله أَن يلبث فجَاء وَعَلِيهِ ودع زَعْفَرَانٍ؛ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «„ مَهْيَمْ يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ؟ “ »
قَالَ:„ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ “.
تعليم الرسول الكريم الأحكام الشرعية لصحابته:
[(1)] الحكم الشرعي الأول:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «„ فَمَا سُقْتَ فِيهَا؟ “ »أي: «„ مَا أَصْدَقْتَهَا؟ “ »
قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ:„ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ “،
[(2)] الحكم الشرعي الثاني:
فـ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «„ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ“ »[تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ].
-*/*-
استدراك:
[(1)] :ومما شدّ الله عقد نبيه قوله -تعالى-:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال 72: 74] فأحكم الله بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين آخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات. فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله.
[(2)] :فلما كان بعد بدر أنزل الله -تعالى- الآية الأخرى فـ«نسخت »ما كان قبلها، فقال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال 75] وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه. وبقيت إخوة الإسلام ".
[(3)] :اختلف في ابتداء المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ فـ :
- قيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، و
- قيل بتسعة، و
- قيل وهو يبني المسجد، و
- قيل قبل بنائه، و
- قيل بسنة، و
- قيل بثلاثة أشهر و
- قيل بدر،
[(4)] :مكانها: وعن أنس بن مالك أن ذلك كان في :
- داره، وذكر أبو سعد النيسابوري في الشرف أن ذلك كان في :
- المسجد. فالله أعلم.
[(5)] :.. وهناك بعض «„الاستشكال“ »فيما آخى رسول الله عليه السلام بين أصحابه؛ فقد أنكر بعض السادة العلماء مؤاخاة وجدت في بعض المصادر بين صحابي وبين صحابي آخر-رضي الله تعالى عن الجميع- سأرحله إلى ملحق السيرة مِن بعد إذنه تعالى وبتوفيقه! ..
ــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بدايات العهد المدني
أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ .
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 622 م
أبحاث :الْمَدِينَةَ المنورة:„ دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ“«يثرب»
[١٥]الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
1ربيع الثاني 1446 هـ ~ 04 أكتوبر 2024 م.

أعلى الصفحةـ

154 بوتقة الانصهار مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ بَيْنَ أَصْحَابِهِ
العهد المدني.. تأسيس دولة الإسلام الأولى

بـ وحي من رب العباد وبـ سواعد صحابة المصطفى -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-
..
مدخل لبحث مسألة : مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ بَيْنَ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-
آخَى النَّبِيُّ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
آخَىٰ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنَ الْمُؤَاخَاةِ:وَهِيَ اتِّخَاذُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، يُقَالُ : وَاخَاهُ مُوَاخَاةً وَإِخَاءً وَتَآخِيًا عَلَىٰ تَفَاعُلًا؛ وَتَأَخَّيْتُ إِخَاءً؛ أَيِ : اتَّخَذْتُ أَخًا..
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُؤَاخَاةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْأُخُوَّةِ.. وَمَعْنَاهَا أَنْ يَتَعَاقَدَ الرَّجُلَانِ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْمُوَاسَاةِ حَتَّى يَصِيرَا كَالْأَخَوَيْنِ نَسَبًا..
وَهَذِهِ الْمُؤَاخَاةُ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. فـقَالَ : وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. - فِيمَا بَلَغَنَا.. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْلأصحابه - بعد أن هاجر –فَقَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„ تَآخَوْا فِي اللَّهِ أَخَوَيْنِ.. أَخَوَيْنِ.. “ »..[الحديث: ذڪره ابْنُ إِسْحَاقَ بلاغا].
فــ .. مِن المعالجات الناجعة؛ وخاصةً في بدايات بناء الكيان الإسلامي الجديد في المدينة المنورة؛ مباشرةً بعد قليل من هجرة خاتم الأنبياء وصحبه مِن مكة المكرمة.. وبعد بناء وتأسيس المسجد النبوي الشريف..
مِن تلك المعالجات الناجعة : إنصهار المهاجرين مع ضعف قدراتهم المادية ورقة حالهم بُعيد تركهم ديارهم وأموالهم وذويهم في مكة وفي نفس اللحظة ارتفاع همتهم العقدية وقوة إيمانهم.. إنصهار المهاجرين مع الأنصار بـ مؤاخاةٍ صادقة في بوتقة الكيان الإسلامي الجديد.. لتشكيل نواة جديدة لمجتمع فريد من نوعه وإيجاد نظام حياة خاص حديث الولادة في المدينة بل في العالم أجمع.. أي إنصهارهم -المهاجرين والأنصار- في بوتقة المؤاخاة..بعد انصهارهم في بوتقة صحيح الإيمان ومتين العقيدة، فقد قَالَ أَبُو عُمَرَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ؛ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ دُونَ الْقَرَابَاتِ حَتَّى نَزَلَتْ الآية: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾..
وقد مدح الحقُ -تبارك وتَعَالَى-الأنصار في إيثارهم لإخوانهم المهاجرين.. وأثنى عليهم بقرآنٍ يُتلى بسبب إيثارهم لإخوانهم المهاجرين ومؤاخاتهم لهم.. فقال-عزَّ وجلَّ-: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ.. وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
وَقَالَ -تَعَالَى- :﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾
قَالَ الْبُخَارِيُّ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ قَالَ : وَرَثَةً.. ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ : ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نُسِخَتْ، ثُمَّ قَالَ ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، وَيُوصَى لَهُ [مَنْ آخَى بَيْنَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
.. وَفِي الْحَدِيثِ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَيْ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.. هذا ما قاله ابن منظور في لسان العرب..
..
بحث مسألة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَائِهَا:
فَقِيلَ :
- بَعْدَ الْهِجْرَةِ [(أي: بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ)] بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ ، وَقِيلَ :
- بِتِسْعَةٍ ، وَقِيلَ :
- وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ . وَقِيلَ :
- قَبْلَ بِنَائِهِ . وَقِيلَ :
- بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ بَدْرٍ.
مكان المؤاخاة :
عقد النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه-.. وفي رواية عند أبي داود قال:سمعت أنس بن مالك يقول:„ حالف رسول الله -صلىوسلمل - في دارنا “، فقيل له:„ أليس قال رسول الله -صلىوسلم -: «„ لا حلف في الإسلام؟ “ »فقال:„ حالف رسول الله -صلىوسلمم -بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أو ثلاثاً “..
وَعِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ فِي " شَرَفِ الْمُصْطَفَى " كَانَ الْإِخَاءُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ.. - قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى،
وَفِي تَارِيخِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَوْفَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ..
..
التحقيق:
أن ابتداء المؤاخاة ڪان أوائل قدومه المدينة.. واستمر يجددها بحسب مَن يدخل في الإسلام.. أو يحضر إلىٰ المدينة..
عدد الصحابة الذين شاركوا في المؤاخاة :
آخى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- بين تسعين(٩۰ ) رجلاً؛ نصفُهم من المهاجرين؛ والنصف الآخر من الأنصار..
وقيل: كَانُوا مِائَةً(١۰۰ ).. خَمْسُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ..
يقول ابن القيم -رحمه الله-: ” .. ثم آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك؛ وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار؛ آخى بينهم على المواساة؛ يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة “..
لذا.. فـ لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مدينته المنورة.. والتي طيَّب الله -تعالى- ترابَها بممشاه عليها وصحابته.. ثم عُطر ثراها بمرقده في مقصورته وبجواره صاحبيه : الصديق فـ الفاروق.. لما هاجر : كان العمل الثانيالذي قام به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد بنائه المسجد؛ هو عقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وذلك أن المهاجرين لما قدموا المدينة؛ لم يكن بأيديهم شيء؛ لأنهم تركوا أموالهم خلفهم، فأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- حل هذه الأزمة المادية التي اجتاحت المهاجرين..فآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم على الحق ، والمواساة، ويتوارثون بعد الممات دون ذوي رحم .
روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: ﴿ولكل جعلنا موالي﴾، قال -رضي الله عنه-: كان المهاجرون ، لما قدموا المدينة : يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوة التي آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت .
قال الحافظ في "الفتح": هكذا وقع في هذه الرواية : أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية ﴿ولكل جعلنا موالي﴾.
وروى أبو داود في سننه بسند حسن؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما-، قال في قوله تعالى: ﴿والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم﴾، قال: كان الرجل يحالف الرجل؛ ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك الأنفال، فقال تعالى: ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾، ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك، وهذا هو المعتمد..
ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين:
- الأولى حيث كان المُعاقد يرث وحده؛ دون العصبة، فنزلت: ﴿ولكل جعلنا موالي﴾، فصاروا جميعا يرثون، وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس.
ثم نسخ ذلك آية الأحزاب، وخص الميراث بالعصبة، وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما، وعلى هذا يتنزل بقية الآثار".
وقال الإمام السهيلي -رحمه الله تعالى-: " آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه حين نزلوا المدينة؛ ليذهب عنهم وحشة الغربة [شعور النفس بأسى البعد عن الوطن]؛ ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة؛ ويشد أزر [يقوي ويعين] بعضهم ببعض، فلما عزَّ الإسلام واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة، أنزل الله سبحانه: ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ أعني في الميراث، ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة، فقال تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ يعني في التواد وشمول الدعوة". [الروض الانف اللسهيلي: ج 4 ص 296]
وقد شدد الله -سبحانه وتعالى- عقد نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأحكمه؛ بقوله -تعالى-: ﴿إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض﴾ إلى قوله عز وجل-: ﴿أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم﴾.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات: ” ذكر -تعالى- أصناف المؤمنين؛ وقسمهم إلى : مهاجرين؛ خرجوا من ديارهم وأموالهم؛ وجاؤوا لنصر الله ورسوله، وإقامة دينه، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك.. وإلى : أنصار؛ وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك؛ آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم؛ وواسوهم في أموالهم، ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم، فهؤلاء بعضهم أولى ببعض، أي: كل منهم أحق بالآخر من كل أحد؛ ولهذا آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة، حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث.“
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَلِلْمُؤَاخَاةِ سَبَبَانِ:
- أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَجْرَاهُمْ عَلَى مَا كَانُوا أَلِفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْحِلْفِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهِ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «„ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ “ »..فـ قد كان النَّاسُ يَتَحالَفونَ في الجاهليَّةِ على نَصْرِ بَعضِهم بَعضًا في كُلِّ ما يَفعَلونَه؛ فهَدَمَ الإسلامُ ذلك، إلَّا ما كان عَهْدًا على الحقِّ والنُّصرَةِ على الأخْذِ على يَدِ الظَّالمِ الباغي..وَأَثْبَتَ الْمُؤَاخَاةَ.. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فُطِمَ عَمَّا يَأْلَفُهُ يَخْنَسُ..
.. والحِلْفُ هو عَقْدُ النُّصرَةِ والتَّعاوُنِ بيْن فَردَينِ؛ أو قَبيلتَينِ؛ أو جَماعتَينِ، والمُرادُ بالحِلْفِ المنفيِّ هنا حِلفُ التوارُثِ، قَالَ النَّوَوِيُّ : الْمَنْفِيُّ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ ، وَأَمَّا التَّحَالُفُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ أَمْرٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ .والحِلْفُ على ما منَعَ الشَّرعُ مِنه، وقيل: إنَّما نُفِيَ الحِلْفُ في الإسلامِ؛ لأنَّ الإسلامَ يُوجِبُ على المسلمِ لِأخيهِ المسلمِ مِنَ التَّعاونِ والأُخوَّةِ والتناصُرِ ما هو فوقَ المطلوبِ مِنَ الـحِلفِ؛ فلا معنى لِعقْدِ الحِلفِ بيْن المسلمينَ..
- الثَّانِي: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَدِمُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْمَالِ وَإِلَى الْمَنْزِلِ فَنَزَلُوا عَلَى الْأَنْصَارِ، فَأَكَّدَ هَذِهِ الْمُخَالَطَةَ بِالْمُؤَاخَاةِ، وَلَمْ تَكُنْ بَعْدَ بَدْرٍ مُؤَاخَاةٌ.. لِأَنَّ الْغَنَائِمَ اسْتُغْنِيَ بِهَا.
-*/*-
سبب المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
اختار النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار للعديد من الأسباب التي منها:
- التغلّب على مشاعر الغُربة ومفارقة الأهل والديار وترك الأموال والأملاك التي خلّفها المهاجرين في مكّة في سبيل الدعوة..
- الوقوف إلى جانب المهاجرين في مواجهة حياةٍ جديدةٍ وواقعاً مادياً ومعيشياً جديداً.. إضافةً إلى المواساة لـ ظهور الأمراض بينهم كالحمّى وغيرها التي أحدثها السفر المفاجئ إلى بيئةٍ جديدة أخرى..
- تعويض المهاجرين عمّا افتقدوه في أوطانهم..
- إشعار المهاجرين في مكانتهم وتضحيتهم في سبيل الدعوة.. وبأنّهم لن يكونوا عبئاً على إخوانهم الأنصار..
21 ربيع الأول 1446 هـ ~ 24 سبتمبر 2024 م.

أعلى الصفحةـ

153 تشريع نظام المؤاخاة

هذا البحث : مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- مِن بحوث السيرة المحمدية الشريفة.. الذي يحتاج إلىٰ إعمال عقل مستنير فيتطلب إعادة نظر بفهم صحيح.. ويستوجب أولاً معرفة تفصيلية لـ واقع الأمة الإسلامية اليوم وتبيان ما يحدث علىٰ الساحة العالمية.. وثانياً إنزال الهدي النبوي المحمدي لمعالجة هذا الواقع الحالي السئ.. بعد أن برزت الدعوات القومية علىٰ السطح وطفت النعرات الوطنية بين القوم.. حتىٰ أن آحدهم أدعىٰ أن نبي الإسلام سعودي الجنسية.. ثم بعد حين صحح مقولته.. إذ أن السيرة النبوية المصطفوية تتطلب تطبيقاً عملياً وليس فقط مجرد أقوال مرسلة!
(المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين)
-*/*-
١٥٣ :" قصةالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار".
وهي التي تعتبر من أهم الأحداث الراقية الرائعةوالتي جرت عند دُخُولُ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِأوائل العام الهجري الأول ~ 622 م.. والتي تندرج تحت : أبحاث : " دَارِ الْهِجْرَةِ.. وَدَارِ السُّنَّةِ ".يثرب » والتي سُميت بـ الْمَدِينَةِ المنورةِ».. علىٰ ساڪنها في مرقده العطر -أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ-
بدايات العهد المدني
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة
-*/*-
تمهيد لـ مسألة المؤاخاة :
[(١ .)] : المؤاخاة المڪية..

مِن أروع وارقىٰ المواقف التي تُذڪر في السيرة المحمدية النبوية -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام-وسيرة الڪبار العظام : صحابة خاتم الأنبياء.. ومَن ڪانوا حول آخر المرسلين فـ رافقوا بأرواحهم وابدانهم متمم المبتعثين-رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين- تلك المواقف التي بُنِيَّت علىٰ أساس متين العقيدة وصحيح الإيمان: المؤاخاة..
مدخل للمسألة:

قال بعض السادة العلماء -رحمهم الله تعالىٰ رحمةً واسعة- بوجود مؤاخاة ڪانت في مڪة المڪرمة في العهد المڪي.. قبل الهجرة المبارڪة الشريفة مِن مڪة المشرفة المڪرمةإلىٰ المدينة النبوية المعطرة التي تنورت بقدومه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ-:
-*/-*
بحث مسألة المؤاخاة المڪية :
مَن ذڪر المؤاخاة التي ڪانت في مڪة.
ذكر بعض أصحاب المغازي وورد في السِّيَر أن المواخاة وقعتبين الصحابة الڪراممرتين:
[( ١ .)]: المرة الأولىٰ منهما:
ڪانت قبل الهجرة المشرفة إلىٰ المدينة المنورة.. بين بعضهم وبعض مَن أسلم في مڪة خاصة[(يعني: بين المسلمين من أهل مڪة.. الذين سيوصفون بعد ذلك بأصحاب الهجرة.. أي: المهاجرين)]..
وڪانت مؤاخاة علىٰالحق والمواساة والنصرة.. لأن بعض المهاجرين ڪان أقوىٰ من بعض بالمال والعشيرة والقوىٰ.. فـ آخىٰالنبيُّ بين الأعلىٰ والأدنىٰ.. لـ يرتقي الأدنىٰ بالأعلىٰ.. ويستعين الأعلىٰ بالأدنىٰ..
وبهذا تظهر مؤاخاته -صلى الله عليه وسلم ة - لـ علي -رضي الله عنه-.. لأنه هو الذي ڪان يقوم به من عهد الصبا.. من قَبل البعثة..فقد تربىٰ في بيتِوڪنفِأم المؤمنين خديجة بنت خويلد-رضي الله تعالىٰ عنها-.. واستمر إلىٰ ما بعدها..
وڪذا مؤاخاة حمزة بن عبدالمطلب -عم النبي- وزيد بن حارثة.. لأن زيدا مولاهم.. وهذه المؤاخاة قد ثبتت أخوتهما في الصحيح وهما من المهاجرين..
وأخرج الحاڪم في مستدرڪه.. والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي الشعثاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: آخىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين.
وهذه المؤاخاة المڪية ابحثها في الجزء الأول من هذا الملف!
أما ..
[( ٢ .)]: المرة الثانية: سابحثها من بعد إذنه تعالىٰ وبحسن توفيقه في الجزء القادم من ملفي هذا!
-*/*-
[( ١ .)]: مسألة المؤاخاة المڪية :
مؤاخاةٌڪانت في مڪة قبل الهجرة..
أي بين مَن سيڪونون لاحقاً مِن المهاجرين:
[( أ .)]: أشار البلاذُري إلىٰ أن النبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ- آخىٰ بين المسلمين في مڪة قبل الهجرة علىٰ الحق والمواساة..
فـ :
- آخىٰ بين حمزة وزيد بن حارثة..
- وبين أبي بڪر وعمر..
- وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف..
- وبين الزبير بن العوام وعبدالله بن مسعود..
- وبين عُبيدة بن الحارث وبلال الحبشي..
- وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص..
- وبين أبي عُبيدة بن الجراح وسالم مولىٰ أبي حذيفة..
- وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطَلْحَة بن عُبيدالله..
وبينه- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - وبين علي بن أبي طالب (*)-رضي الله تعالىٰ عليهم أجمعين ـ.
وبهذه الإشارة فـ يعتبر البَلَاذُري:أحمد بن يحيىٰ بن جابر بن داود (توفي:276هـ) أقدم مَن أشار إلىٰهذه المؤاخاة المڪية..
وقد تابعه في ذلك :
[( ب .)]: ابن عبدالبر (توفي: 463هـ) دون أن يصرح بالنقل عنه..
فـ:"..قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: ڪَانَتِ الْمُؤَاخَاةُ مَرَّتَيْنِ :
- مَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً.. وَذَلِكَ بِمَڪَّةَ.. وَ
- مَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [ابن عبدالبر في سيرته (الدرر في اختصار المغازى والسير).]
ڪما تابعهما
[( ج .)]:ابن سيد الناس دون التصريح بالنقل عن أحدهما.. [انظر:عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليَعْمُري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734هـ)، تعليق إبراهيم محمد رمضان، دار القلم- بيروت، الطبعة: الأولى، 1414/ 1993، (ج: 1/ ص: 230). ] .
أدلة هذه الإشارة :
[( أ .)]: أخرج الحاڪم في المستدرك من طريق جُمَيع بن عُميرعن ابن عمر: «آخىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم و - بين أبي بڪر وعمر.. وبين طلحة والزبير.. وبين عبدالرحمن بن عوف وعثمان»
و
[( ب .)]: عن ابن عباس: «آخىٰ النبي - صلى الله عليه وسلم- بين الزبير وابن مسعود».
-*/*
تحقيق المسألة :
ذهب ڪل من ابن القيم وابن ڪثير إلىٰ عدم وقوع المؤاخاة بمڪة.. وقبلهما أنڪرها ابن تيمية!.. وبحثها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري!
فـ
[( أ .)]:قال ابن القيم: «وقد قيل إنه- أي النبي -صلى الله عليه وسلم و - آخىٰ بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية.. واتخذ فيها علياً أخا لنفسه.. والثبت الأول[ أي مؤاخاة الأنصار والمهاجرين ].. ثم يكمل القول : والمهاجرون ڪانوا مستغنين بأخوة الإسلام.. وأخوة الدار وقرابة النسب.. عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار»
أما
[( ب .)]: الحافظابن ڪثير فقد ذڪر أن مِن العلماء مَن ينڪر هذه المؤاخاة لنفس العلة التي ذڪرها ابن القيم.
[( ج .)]: واللافت للنظر.. ويصلح مراعاة ذلك : أن ڪتب السيرة الأولىٰ المختصةلم تشر إلىٰ وقوع المؤاخاة بمڪة..
-*/*-
تأڪيد تحقيق المسألة بإنڪارها.. وبالتالي ردها :
[( أ .)]: البَلاذُري ساق الخبر بلفظ (قالوا!).. دون إسنادٍ مما يضعف الرواية..
ڪما أن البلاذُري نفسه ضعفه النقاد..
وعلىٰ فرض صحة هذه المؤاخاة بمڪة فإنها تقتصر علىٰ المؤازرة والنصيحة بين المتآخين دون أن تترتب عليها حقوق التوارث.
[( ب .)]:التحقيق أن ابتداء المؤاخاة ڪان أوائل قدومه -صلى الله عليه وآله وسلم- مدينته المنورة.. لـ يرتفق المهاجري بالأنصاري..واستمر يجددها بحسب مَن يدخل في الإسلام.. أو يحضر إلىٰ المدينة..
[( ج .)]: التحقيق الثالث : أن بعض المؤاخاة ڪانت بين المهاجرين.. بعضهم مع بعض.. وبين بعضهم والأنصار..
فـ عند الحاڪم:" آخىٰ رسول الله -صلى الله عليه وسلم و - بين أبي بڪر وعمر.. وبين طلحة والزبير.. وبين عبدالرحمن بن عوف وعثمان.. وفيه آخىٰ النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود.. وقد ثبت أيضا أن ڪل واحد من هؤلاء قد آخىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين رجل من الأنصار.. ولا مانع في ذلك.. والمقصود من المؤاخاة “إرفاق بعضهم ببعض.. وتأليف قلوب بعضهم علىٰ بعض.. وقد يڪون البعض أقوىٰ في المال أو العشيرة أو الجاه.. فيستعين الأعلىٰ بالأدنىٰ.. ويفيد الأدنىٰ من الأعلىٰ”..
وقَالَ السُّهَيْلِيُّ -رحمه الله تعالىٰ-: آخَىٰ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَصْحَابِهِ حين نزلوا المدينة لِـ
- يُذْهِبَ عَنْهُمْ وَحْشَةَ الْغُرْبَةِ وَ
- يَتَأَنَّسُوا مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَ
- يَشُدُّ بَعْضُهُمْ أَزْرَ بَعْضٍ..
.. فـ لما عز الإسلام.. واجتمع الشمل.. وذهبت الوحشة.. أبطل الإرث بالأخوة.. وجعل المؤمنين ڪلهم إخوة وأنزل ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ يعني في التواد.. وشمول الدعوة .
وقد ذڪر ابن سعد : لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة آخىٰ بين المهاجرين.. وآخىٰ بين المهاجرين والأنصار.. علىٰ المواساة.. وڪانوا يتوارثون.. وڪانوا تسعين(!) نفسا.. بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار.. فلما نزل: ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ بطلت المواريث بالمؤاخاة.. وبقي بها المعاونة والمواساة.
وفي البخاري ڪان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري.. دون ذوي رحمه للأخوة التي آخىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم.
[( د .)]: التحقيق الرابع.. أخرته لأنه بلاغاً.. فقد : [(ذڪر ابن إسحق المؤاخاة : فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه - بعد أن هاجر - ((تآخو: أخوين.. أخوين)): [الحديث: ذڪره ابن إسحاق بلاغا.. ڪما في “السيرة”، لابن ڪثير (2/ 324)، وعنه ابن هشام.. وانظر: “جمع الجوامع”: للسيوطي (4/ 459).. ".
-*/*-
(*) بالعودة إلىٰ مسألة مؤاخاة النبي الڪريم بابن عمه علي بن أبي طالب ..
-قيل: إنه آخىٰ بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية.. واتخذ فيها علياً أخاً لنفسه.. والثبت الأول: [المؤاخاة في المدينة].. والمهاجرون [المڪيون] ڪانوا مستغنين بأخوة الإسلام.. وأخوة الدار.. وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة.. بخلاف المهاجرين إلىٰ المدينةمع الأنصار..
فائدة:
لو آخىٰ-عليه السلام- بين المهاجرين..ڪان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه.. ورفيقه في الهجرة.. وأنيسه في الغار.. وأفضل الصحابة.. وأڪرمهم عليه: أبو بڪر الصديق.. وقد قال: (لو ڪنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بڪر خليلاً.. ولڪن أخوة الإسلام أفضل) [رواه البخاري ومسلم]، و
في لفظ: (ولڪن أخي وصاحبي) و
هذه الأخوة في الإسلام وإن ڪانت عامة ڪما قال: (وددت أن قد رأينا إخواننا)..
قالوا: ألسنا إخوانك؟..
قال: (أنتم أصحابي.. وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) [رواه مسلم]..
فللصِّدِّيق من هذه الأخوَّة أعلىٰ مراتبها..ڪما له من الصُحبة أسمىٰ منازلها.. فـ
الصحابة لهم :
- الأخوَّة و
- مزية الصحبة.. ولـ أتباعه بعدهم الأخوَّة دون الصحبة”. [انظر: زاد المعاد (3/ 56)].
لڪن ابن حجر تعقب ابن تيمية وابن القيم: فالمؤاخاة التي لم ينڪرها أحد هي المؤاخاة التي ڪانت بين المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-.. وأما ما ورد في غير هذا من المؤاخاة هو الذي فيه الڪلام والبحث والتدقيق والتحقيق:
أي :
أ. ] المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم.
ب. ] المؤاخاة التي بين الأنصار.
فقدأنڪر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم المؤاخاتين الأخيرتين فقط وليس الأول [مؤاخاة الأنصار والمهاجرين]..
وڪذلك الحافظ ابن ڪثير في البداية والنهاية تڪلم عن الروايات التي عن المؤاخاة بين الأنصار فيما بينهم.. والمهاجرين فيما بينهم.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند حديثه تحت “باب ڪَيْفَ آخَىٰ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ بَيْنَ أَصْحَابِهِ”..
قال الحافظ: “وَأَنْكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَخُصُوصًا مُؤَاخَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ قَالَ : لِأَنَّ الْمُؤَاخَاةَ شُرِعَتْ لِإِرْفَاقِ بَعْضِهِمْ وَلِتَأْلِيفِ قُلُوبِ بَعْضِهِمْ فَلَا مَعْنَى لِمُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا لِمُؤَاخَاةِ مُهَاجِرِيٍّ لِمُهَاجِرِيٍّ..
ثم يعلق..فـ يقول الحافظ: “وَهَذَا رَدٌّ لِلنَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَإِغْفَالٌ عَنْ حِكْمَةِ الْمُؤَاخَاةِ.. لِأَنَّ بَعْضَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْقُوَى.. فَآخَى بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى لِيَرْتَفِقَ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَيَسْتَعِينُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى.. وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُؤَاخَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِعَلِيٍّ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُومُ بِهِ مِنْ عَهْدِ الصِّبَا مِنْ قَبْلِ الْبَعْثَةِ وَاسْتَمَرَّ.. وَكَذَا مُؤَاخَاةُ حَمْزَةَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.. لِأَنَّ زَيْدًا مَوْلَاهُمْ.. فَقَدْ ثَبَتَ أُخُوَّتُهُمَا وَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..
[(وَسَيَأْتِي فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ -إن شاء الله تعالىٰ- قَوْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : إِنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ بِنْتُ أَخِي)]
إضافة :
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِالْبَرِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُودٍ " وَهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ . قُلْتُ(ابن حجر) : وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنَ الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ يُصَرِّحُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْمُخْتَارَةِ أَصَحُّ وَأَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ الْمُسْتَدْرَكِ.. وَقِصَّةُ الْمُؤَاخَاةِ الْأُولَى أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ " جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ :" آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.. وَبَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ.. وَبَيْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ- وَذَكَرَ جَمَاعَةً.. قَالَ - فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ فَمَنْ أَخِي ؟.. قَالَ : أَنَا أَخُوكَ..
وهنا تأتي ملاحظة هامة من ابن حجر إذ يقول : وَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إِلَى مَا تَقَدَّمَ تَقَوَّى بِهِ.. وَقَدْ تَقَدَّمَ[(عنده في الفتح) فِي " بَابِ الْكَفَالَةِ " قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ بِمَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ.. وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ السُّهَيْلِيِّ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ الْمِيرَاثِ.. وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ " .
إضافة ثانية :
قلت[الرَّمَادِيُّ] : ومما ينسف بحث مؤاخاة النبي لعلي من قواعده أي : حديث مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب أن حڪم عليه الألباني بأنه موضوعڪما في الضعيفة: ( 351 ).. إذ قال:" فيه جُمَيع بن عُمير"..
قال ابن حبان عنه : رافضي (أي عن جُمَيع بن عُمير) يضع الحديث.. و
قال ابن نمير: ڪان أڪذب الناس ثم ساق له هذا الحديث.
لذا حڪم عليه ابن تيمية أنه من الأڪاذيب واقره الحافظ الذهبي ڪما في مختصر منهاج السنة (ص: 317)
فـ المهم أن الذهبي ضعفه في تلخيص المستدرك.. فقال: فيه جُمَيع بن عُميرمتهم.. وإسحاق بن بشر وهو هالك.
وقال محقق مختصر المستدرك في قول الترمذي حسن غريب … لعله حسنه لما له من الشواهد..
وذڪره ابن عدي في ترجمة جُمَيع بن عُمير وڪذلك في ترجمة حڪيم بن جبير.
وراجع الضعيفة للألباني :(رقم : 352) أيضا له إسناد موضوع..
وضعف الحديث صاحب أنيس الساري (719) وذڪر له شواهد من حديث محدوج بن زيد الذهلي وعن زيد بن أبي أوفىٰ وعن علي وضعفها ڪلها..
وفي المستدرك (انما ترڪتك لنفسي انت وأخي فأنا اخوك فان حاجَّك احد!.. فقل انا عبدالله واخو رسوله.. (لا) يدعيها احد بعدك إلا ڪذاب).. قال ابن الجوزي في العلل المتناهية هـذا حديث لا يصح..
قال يحيى بن معين عمير ليس بشيء.. وقال الدارقطني متروك..
وتضعيف هذا الحديث لا يدفع صحة المؤاخاة [عموماً] بين المهاجرين.. حيث ذڪر زيد في ابنة حمزة أنه قال: ابنة أخي..[أخرجه البخاري]..
وزيد لم يتربى في مڪة لڪي نقول احتمال أنه أخوه من الرضاعة وورد في رواية لأحمد (وڪان زيد مؤاخيا لحمزة) لڪنها من رواية الحڪم عن مقسم ولم يصح له إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها.
قال العيني في قول (يا عم) إن قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو عمها من الرضاعة [(رضاعته -عليه السلام- مع حمزة)].. وإن قالته لزيد فڪان مصافيا لحمزة ومؤاخيا له.
وڪذلك في الحديث الذي أخرجه البيهقي (12521) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم آخىٰ بين الزبير وبين عبدالله بن مسعود انه على شرط الذيل على الصحيح المسند ويشهد له حديث ابن عباس أيضا علىٰ شرط الذيل علىٰ الصحيح المسند.. قال الذهبي في حديث ابن عباس: قد مر مثل هذا من وجه آخر قوي.. يقصد حديث أنس..
وأثبت المؤاخاتين ابن عبدالبر ڪما في التمهيد قال: مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمڪة ومرة بين المهاجرين والأنصار..

-*/*-
مِن الأمانة العلمية نقلتُ فـ ذڪرت أقوال متعلقة بـ هذه المسألة..
-*/*-
والخلاصة :
أن ڪاتب هذه السطور يميل إلى قول ابن ڪثير في السيرة النبوية(2/ 326) المستلة من موسوعته البداية والنهاية.. وأنقلها من المصدر.. إذ قال:
" [صاحب البداية والنهاية]: وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ [(مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ)] نَظَرٌ.. أَمَّا مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِيٍّ فَإِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ يُنْڪِرُ ذَلِكَ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ ارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَلِيَتَأَلَّفَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَىٰ بَعْضٍ.. فَلَا مَعْنَىٰ لِمُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ.. وَلَا مُهَاجِرِيٍّ لِمُهَاجِرِيٍّ آخَرَ ڪَمَا ذَڪَرَهُ مِنْ مُؤَاخَاةِ حَمْزَةَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.. اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يَڪُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ مَصْلَحَةَ عَلِيٍّ إِلَىٰ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ ڪَانَ مِمَّنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِغَرِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ ڪَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ.. وَڪَذَلِكَ يَڪُونُ حَمْزَةُ قَدِ الْتَزَمَ بِمَصَالِحِ مَوْلَاهُمْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَآخَاهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.. وڪذلك ذِڪْره مؤاخاة جعفر ومعاذ فيه نظَرٌ.. لأن جعفرَ كان مهاجرًا بالحبشة.. وَاللَّهُ أَعْلَمُ..
ويوجد مَا هو أشد الأقوال..إذ صرح بـ :" أن أحاديث المؤاخاة ڪلها موضوعة.. فـالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ نفسه مع أحدٍ.. ولا آخىٰ بين مهاجري ومهاجري.. ولا بين أبي بڪر وعمر.. ولا بين أنصاري وأنصاري.. ولڪن آخىٰ بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة. ". .. وهذا بحثي القادم مِن بعد إذنه-تعالىٰ- وحسن توفيقه وتمام رعايته!
-*/*
حديث المؤاخاة:
وردت عدة أحاديث جميعها لا تصح
ومنها:
- حديث ابن عمر قال: (آخىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه فجاء عليّ تدمع عيناه فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك ولم تُؤاخ بيني وبين أحد!؟..
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنت أخي في الدنيا والآخرة).
أولاً: الحديث هذا لا يصح.
في سنده: "جُمَيع بن عُمير" قال البخاري: (فيه نظر).. وقال أبوحاتم: (ڪوفي تابعي من عُتَّق الشيعة محله الصدق صالح الحديث). وقال ابن عدي: (وما قاله البخاري ڪما قاله: في أحاديثه نظر وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد).. وفيه: "حڪيم بن جُبَير" قال أحمد: (ضعيف الحديث مضطرب). وقال ابن معين: (ليس بشيء). وقال أبوحاتم: (ضعيف الحديث منڪر الحديث له رأي غير محمود نسأل الله السلامة غال في التشيع). وقال الدارقطني: (متروك).. وفيه: "علي بن قادم" قال ابن معين: (ضعيف). وقال ابن حجر: (منڪر الحديث شديد التشيع). ".
فـ القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ علياّ أخاً له خرافة لا أساس لها.. ومثلها القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بين المهاجرين بعضهم مع بعض.. ولا عبرة بمجرد ذڪر ذلك في ڪتب السّيَر.. إنما العبرة بـ ثبوته وصحته حتىٰ يستقيم الإحتجاج به.. ولا يمڪن أحداً أبداً أن يثبت صحة هذه المؤاخاة ولله الحمد..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأحاديث المؤاخاة ڪلّها ڪذب.. ولا آخىٰ النبيّ صلى الله عليه وسلم بين مهاجري ومهاجري.. ولڪن بين المهاجرين والأنصار) وأقرّه الذهبي في (مختصر منهاج السنة) المسمىٰ (المنتقىٰ من منهاج الإعتدال) (ص 46). .
-*/*
القصد مِن هذه الإطالة وطول النفس في هذا الجزء الأول من ملف المؤاخاة هو تدقيق العديد مِن الروايات في ڪتب التراث التي تصلنا دون تحقيق علمي.. خاصةً السير والمغازي .. وإن ڪانت القاعدة المعروفة عند أهل العلم التسامح في روايات السير.. وخاصة عند السادة الشيعة إذ تقول القاعدة :" التمسك بقاعدة التسامح في أخبار الحوادث الواقعة على النّبي وعترته المعصومين(عليهم السلام) ".. ڪما يوجد مقام هام يقول فيه صاحبه : " أن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز "رواية" الأحاديث الضعيفة فيها,, و"حڪايتها".. و"نقلها" في الڪتب والمجالس وحلق العلم والدرس.. لا علىٰ سبيل الجزم بنسبتها إلىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم-.. وإنما علىٰ سبيل الحڪاية والنقل والرواية. ".. ..ويصلح أن آتي بما قاله الإمام الحاڪم النيسابوري رحمه الله في مستدرڪه علىٰ الصحيحين[(صحيح البخاري؛ وصحيح مسلم].. إذ أخبر: يقول :"وأنا بمشيئة الله أُجري الأخبار التي سقطت علىٰ الشيخين في ڪتاب الدعوات علىٰ مذهب أبي سعيد عبدالرحمن بن مهدي في قبولها.. فإني[أي: الحاڪم] سمعت أبا زڪريا يحيى بن محمد العنبري.. يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي.. يقول: ڪان أبي يحڪي، عن عبدالرحمن بن مهدي، يقول: إذا روينا.. عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام والأحڪام : شددنا في الأسانيد.. وانتقدنا الرجال.. وإذا روينا في فضائل الأعمال.. والثواب والعقاب.. والمباحات والدعوات : تساهلنا في الأسانيد" [(انتهى النقل من "المستدرك علىٰ الصحيحين" (ج: 1/ ص: 666) ."..
بيد أن ما عندي وأومن به هو: التدقيق والمراجعةفي سند الروايات ومتنها والتي تصلنا وبذل الجهد والوسع لـ دراستها مع تحقيقها بطريقة علمية يطمئن إليها القلب وتقنع العقل المستنير..
أما المقام الثاني :
" أن ما سبق من التساهل في أسانيد السير والمغازي لا يعني إطلاقا أننا ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم -علىٰ وجه الجزم - ڪلاما لم يثبت بالأسانيد الصحيحة أو الحسنة.. سواء في الأحڪام أو العقائد أو الفضائل أو السير والمغازي أو غيرها من أبواب العلم والدين.. فالتساهل في المغازي والسير هو تساهل علىٰ مستوىٰ "النقل" و "البحث العلمي" فحسب.. وليس علىٰ مستوى جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ".
والمقام الثالث:
" أما ما ورد عن طريق الڪذابين والوضاعين وسُراق الحديث.. وما اشتمل على نڪارة أو شذوذ لا يصدر مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فمثله لا يروىٰ إلا علىٰ سبيل التحذير منه.. ولا يحڪىٰ إلا علىٰ وجه التنبيه علىٰ غلطه.. ڪي لا يُتخذ حجة للطعن علىٰ الدين.. ولا يڪون سببا في إفساد تصورات الناس الإجمالية عن أبواب الفضائل والسير والمغازي ".[ مقامات ثلاثة تحڪم علاقة الحديث الضعيف بالسير والمغازي؛ المنجد]
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
مُحَـمَّدٌالرَّمَادِيُّ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
السبت : 05 صفر 1446 هـ ~ 10 أغسطس 2024م

أعلى الصفحةـ

152 بِناءُ المسجدِ النَّبوِيِّ

مدخل:
ينبغي الانتباه بإعمالِ عقلٍ نبيهٍللترتيبات النبويّة.. ويجب التعرف بفهم صحيح على التصرفات الرسولية.. لأنهما-أي : سنَّته وسيرته- مقصود منهما التأسي بأفعاله.. والتقييد بقدوته فيهما-السنَّة والسيرة-.. وڪل شيء عند ربك -تعالى ذڪره- بحساب ومقدار : ﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.. فـ
افعاله وتصرفاته واقواله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-تمت لترتيبٍ مقصود بالفعل في السير.. ويلتزم به في التحركِ إثناء المسير.. و
ڪذلك ڪل الإشارات في حياة رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وحرڪاته وسڪناته بوحي من رب العالمين.. والاختيارات البشرية منه-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- التي ڪانت لا تتوافق مع ما يريده الله -عزَّ وجلَّ-من النَّاس.. ڪان جبريل-عليه السلام-أمين وحي السماء يَنزلُ مباشرة ععلى أمين وح يالسماء والأرض محمد -صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ليعدل المسار للمسلمين ويصححه وليوضح مراد رب المخلوقات أجمعينفي هذه الجزئية مِن المسير.. و
بذلك أصبحت السيرة المحمدية النبويّة مِن بدايتها إلى نهايتها تحدث بوحي من صاحب المنهاج الآلهي والتشريعي.. وبتأييد مِن رب العالمين.. وما من شك أنه لا سعادة في الدنيا ولا الآخرة إلا باتباع خطوات النبي المصطفى-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في الأقوال والأفعال والتصرفات والأعمال.. وبالترتيب الذي فعله صاحب الرسالة العصماء-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

بِناءُ المسجدِ النَّبوِيِّ:
ڪان بناءُ مسجدٍ جامعاً للمسلمينَ -لما سيعود عليهم بـ فوائد جمة ومصالح عدة ومنافع ڪُثر- .. ڪان بناؤه على رأسِ أولويّات قائد الڪيان الجديد في ڪل شئ وڪل أمر : أولوية قصوى لــ قائد هذه الدّولة الوليدة الحديثة : رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بعد الهجرة الميمونة المبارڪة والناجحة من مڪّة المُڪرّمة إلى مدينة النبي المنوّرة.. وڪان ذلك في شهر ربيع الأول من العام الأول من الهجرة [(بدأت الهجرة في شهر صفر)].. فـ لم يڪن بناء المسجد في حياة رسول الإسلام لـمجرد آداء عبادة الصلاة فقط.. ولڪن ڪان دور المسجد [(مؤسسةڪاملة)] في حياة الأمة الإسلامية..هو دور بناء ڪيان جديد لـ إنسان جديد خارج من التو مِن جاهلية جهلاء.. بـناء إنسان بـ شقيه : النفسي الوجداني والشعوري العاطفي.. والشق الثاني : العقلي الإدراڪي الفهمي الاستيعابي.. مع تفعيل ڪتلة المفاهيم وتنفيذ حزمة القيم ومجموعة المقاييس الجديدة الإسلامية والتي جاءت -جميعها- وحيا من رب السماء والأرض لتنظم سلوك الفرد وتضبط تصرفات المجتمع وتؤڪد على إيمان صحيح وتوثق عقيدة راسخة في حياة الإنسان.. أيضا.. فعلى هذا فإن للمسجد دور محوري في حياة الأمة وجوهري في حياة الفرد.. ومن هنُا فقد نزل الرّسول الأعظمُ-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أوّل ما نزل في منطقة تُدعى قِباء[(وهي منطقةُ العَوالي والعاليةِ.. قُباءٍ وما حَوْلَها)].. وهي ڪالضّاحية بالنّسبة للمدينة المُنوّرة..[(فَنَزَلَ أعْلَى (علوِّ)المَدِينَةِ في حَيٍّ يُقَالُ لهمْ بَنُو عَمْرِو بنِ عَوْفٍ)]..[(وقيل: إنَّ كلَّ ما كان مِن جِهةِ نَجدٍ مِن المدينةِ.. مِن قُراها وعَمائرِها إلى تِهامةَ يُسمَّى العاليةَ.. وما كان دُونَ ذلك يُسمَّى السافلةَ)]..حيث بَنى فيها أوّل مسجد في الإسلام.. وهو مسجد قُباء.. فـ ڪانت أُولى خطوات رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في قُباء هي بناء المسجد..
بعد أسبوعين [(أقام فيهم أربعَ عشرةَ ليلةً)] من وصول رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قُباء انتقل منها إلى المدينة المنوّرة..[(ثُمَّ أرسَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أخوالِه بني النَّجَّارِ، فجاؤوه واضعِينَ السُّيوفَ على مَناڪِبِهم.. وهذا على عادتِهم عندَ ذهابِهم إلى أحَدٍ مِن عُظَمائِهم.. أو جاؤوا بهذه الصُّورةِ.. خَوفًا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ اليهودِ.. وإظهارًا لِنُصرتِهم لِلنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)]..
استُقبلَ الحبيب-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مرةً أخرى استقبالًاً رائعًا من أهل المدينة.. بعد أن ڪان قد استُقبل-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في قُباء أوّل وصوله إليها.. وفي المدينة تسابق الأنصار جميعًا بشتى قبائلهم لاستقبال رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والجميع يرتقب اللحظة التي يَنزل فيها النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-عنده.. والڪل يريد أن يأخذ بخطام ناقتهليحظى بشرف إقامة النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-عنده..
دخل رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مدينة النبي..المنورة.. والتي طيَّب الله -تعالى ذڪره- ثراها بممشاه على ترابها.. فأخذ الأنصارُ الڪرامُ يتسابقون لنَيل شرف نُزول رسول الإسلام-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في منازلهم..بيد أنَّ الرسول الأعظم ترك أمر: أين تبركالنّاقة لـ ڪونَها تسير بأمرِ الله -تعالى-..
لڪن النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قال لهم ڪلمة أصبحت بعد ذلك منهجًا لحياتهم وحياة المسلمين.. قال-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "دَعُوهَا.. فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ"..
نَعَمْ مأمورة من رب العالمين.. وأنا أيضًا مأمور.. والمؤمنون مأمورون ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا﴾..
الرسول الأعظم-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يوضح لهم هذه المسألة جيدًا.. فهو-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لن يختر أي أمر من الأمور ما دام الله سيختار له.. فلربما يڪون هواي أن أڪون عند فلان أو عند أقاربي من بني النجار..
لڪن إذا أمر الله-تعالى-فلا مجال للاختيار ولا مجال للهوى والرغبات.. والذي يأمر ناقة الرسول هو الله-عز وجل-.. وعلينا جميعًا أن نسمع ونطيع..
وهڪذا علمهم النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بوضوح ڪامل.. وڪان من الممڪن أن ينزل الوحي ويقول: انزل في بيت فلان.. أو أقم المسجد في هذا المڪان الفلاني..لڪن هذا المشهد العلني -وجميع الناس يتسابقون لاستقباله وهو-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يُخْرِجُ نفسه من الاختيار.. ويجعل الاختيار الڪامل لرب العالمين- هو زرعٌ لمعنى مهم جدًّا سيظل معنا طوال العهد المدنيّ ڪله.. وما أڪثر التشريعات والأحڪام الشرعية التي ستنزل في المدينة المنوّرة! وقد لا يفقهها عامَّة الناس.. قد لا يدرڪون الحڪمة من وراء الأمر.. ومع ذلك عليهم أن يسمعوا ويطيعوا لله رب العالمين..
وبرڪت ناقة النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في مڪان معين بالمدينة.. وفي هذا المڪان قرّر الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أن يبني مسجده.. يبني المسجد النبوي لعموم المسلمين..
فـ ظلّت ناقته -عليه السلام- تسير إلى أن وصلت إلى دار بني مالك بن النجار.. فبرڪت على باب مسجده-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.. حيث ڪان يومها مربداً ليتيمين من بني النجار.. هما : سهل وسهيل ابني عمرو.. وڪانا في حجر معاذ بن عفراء..
فلمّا برڪت هناك نزل عنها رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وسأل عن صاحب ذلك المربد فــ أجابه معاذ بأنّه لليتيمين وأنه سيرضيهما منه... إلى أن انتهى المَطاف بها-النّاقة - في موقع المسجد النّبوي الحالي.. فـ بنى رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ومعه الصّحابة الڪرامُ هذا المسجد المُبارك.. في هذه البُقعة المبارڪة من الأرض.. وهكذا اتخذ الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ذلك المربد مسجداً.. وأمر الصحابة -رضي الله عنهم- بالبدء في بنائه.. ونزل هو في بيت أبي أيوب الأنصاري إلى أن تمّ بناء المسجد ومساڪن أزواجه..
البداية من المسجد :
إذاً.. أول عمل قام به الرسول الأعظم-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في قباء ڪان بناء المسجد..
وڪذا أول عمل قام به الرسول القائد-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في المدينة ڪان بناء المسجد.. وهذا الأمر لم يڪن على سبيل المصادفة.. ولم يڪن مجرد إشارة عابرة أو تصرف عفوي..بل هذا منهج أصيل.. فـ لا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد.. أو قل -من حيث الدقة- لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد..
لـ أن المساجد الآن ڪثيرة.. لڪنّ الڪثير منها غير مفعّل.. وفق سنته-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وعلى مسار سيرته.. ولا تقوم-معظم المساجد- بدورها المنوط بها.. والذي من أجله بَنى المصطفى مسجداً بقُباء.. ثم مسجده بالمدينة المنورة!
لذا يخطئ من يظن أن دور المسجد يقتصر على أداء الصلوات الخمس فحسب.. ثم تغلق ابوابه..إذ إنه في بعض البلدان يتم غلق المسجد بعد أداء الصلاة مباشرة.. وڪأن دوره الوحيد هو آداء الصلاة فقط.. وفي الحقيقة دورُ المسجد في الأمة الإسلاميّة أعمق من ذلك بڪثير.. فليست قيمة المسجد في حجمه ولا في شڪله ولا في زخرفته ولا مَن الذي افتتحه أو قصّ شريط إفتتاحه.. فهذه ڪلها شڪليات فارغة لا قيمة لها.. بل على العڪس من ذلك الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ڪان يَنْهَى عن هذه الشڪليات.. وڪان ينهى عن المبالغة في تزيين المساجد..ڪان-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يقول: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ بِالْمَسَاجِدِ".. وهذا الحديث في مسند أحمد بن حنبل -رحمه الله- وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أنسٍ-رضي الله عنه-.. ولفظ ابن خزيمة: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ فِيهِ بِالْمَسَاجِدِ ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً".. فربما تجد إنسانًا يقوم ببناء مسجد ڪبير ثم لا تجد المصلين إلا صفًّا أو صفين.. وقال-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ".. ومعنى التشييد الرفع فوق الحاجة.. وقال ابن عباس: "لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى".. أي نهتمّ بالشڪليات من رخامٍ ومرمرٍ وحليٍّ ونجفٍ وما إلى ذلك.. ولا نهتم بالتربية في داخل المسجد.

ڪان رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يعمل مع المسلمين ويشارڪهم في بناء المسجد.. فدلّت مشارڪته على ترغيبه للمسلمين في العمل لبناء المسجد.. وعلى همّته النبوية العالية التي تظهر في مسيرته الدعوية باستمرار.. وعلى حسّ المبادرة الڪبير لديه -عليه السلام- أيضاً.. وحرصه على غرس بذرة التعاون ونبتة الإخاء والإيمان في المجتمع المسلم.. وهذا مِما يفهم مِن السيرة المحمدية النبوية ومِن هديِّه -صلى الله عليه وسلم فلم يڪن المسجد قاصرا على الصلاة فحسب.. بل ڪما ڪان مڪان للعبادة فهو -ايضاً- مڪان للحڪم والقضاء.. وإدارة شئون الدولة الجديدة الناشئة ورعاية سياسة افرادها.. وإعداد وتجييش الجيوش لذا فإن سياسة الأمة الإسلاميّة ورعاية شئونها كلها من عهد الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وبعد ذلك ڪانت تُدار من داخل المسجد فتسير الجيوش من داخل المسجد وقرارات الحرب من المسجد والسلام والمعاهدات من داخل المسجد واستقبال الوفود في داخل المسجد والقضاء في المسجد مقرّ الحڪم في الإسلام وبيت الحڪم هو بيت الله -تعالى ذڪره-.. وغير ذلك من المهام والوظائف..
ولم يڪن المسجد مقرًّا للحڪم والسياسة والقضاء فحسب بل ڪان المسجد أيضًا مڪانًا لإعلان أفراح المسلمين.. ومڪانًا لتربية الأطفال.. وتهيأة النشأة لدورهم في مستقبل حياتهم.. ومڪان للترفيه أيضًا بـ أدب.. ڪان المسجد مأوى للفقراء وعابري السبيل.. وڪان مڪانًا لــ مداواة المرضى.. وڪل ما سبق له أدلته الشرعية ومواقفه في السيرة المحمدية النبويّة.. لڪن المجال لا يتسع لذڪرها.. فالأمر يحتاج إلى أبحاث لتفسير دور المسجد في حياة المسلمين.. فـ المسجد له دور في ڪل جزئية من جزئيات الحياة.
ولا يفهم حديثي هذا بالخطأ.. فـ ليس معنى هذا أنني أقصد أن نحوّل المسجد الآن إلى مستشفى ومستوصف أودار ضيافة أو ملجأ ومحڪمة ووزارة.. ليس هذا هو المقصود من حديثي.. ولڪن المعنى الذي يجب ألا يغيب عن العقل والذهن هو أن تربية المسجد تربية أساسية في إدارة ڪل هذه الهيئات وتفعيل المؤسسات.. لأن الذي لا يعرف لله حقه لن يعرف للخلق حقوقهم.. الذي ليس له ضوابط من الشرع لن تڪون هناك حدود لظلمه وفساده وضلاله في الأرض.. الذي لا يعرف طريق المسجد لا يعرف طريق الحق والعدل والأمانة والشرف..
هذه المعاني السابقة تعرّفنا بوضوح المعنى العميق الذي ذڪره ربنا في الآية القرآنية: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
فهذا أول شيء فعله رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في بناء الڪيان التنفيذي لمنهاج الإسلام وشريعة رب السماء والأرض: بَنَى مسجد قُباء في ضاحية قُباء.. وبنى المسجد النبوي في مدينة النبي : المدينة المنوّرة..
ولما ڪان هذا البناء بهذه المڪانة.. فأول أمرٍ بدأ به الرسول-صلى الله عليه وسلم- بعد وصوله المدينة النبوية بناء المسجد..
الملامح العامة لبناء المسجد
إخوة الإسلام!.. تعالوا بنا نرى ڪيف ڪان بناء هذا المسجد..
فقد وقف رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مع صحابته-رضوان الله تعالى عليهم- جميعًا يبنون هذا المسجد.. وفي بنائه من الدروس والعبر الڪثير..
أولاً:
البساطة في البناء:
وڪان الاهتمام الڪامل بالجوهر لا بالشڪل وڪان المسجد مبنيًّا بالطوب اللبن والجريد ومع هذا أخرج هذا المسجد رجال عمالقة حڪموا العالم ڪله بعد ذلك..
ثانيًا:
رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-القائد لهذه الأمة.. والذي يتمنى الجميع أن يفديه بالنفس والولد والمال.. ويحميه بروحه ويتمنى ألا يصيبه أي تعب أو نصب نزل بنفسه مع صحبه يبني المسجد.. يحمل-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-معهم التراب وينقل معهم الحجارة ويقيم الأعمدة ويخطط للبناء..ڪل هذا مع مَن حوله ومَن معه من المهاجرين والأنصار وهذا الأمر من أبلغ الوسائل لتربية الأمم والشعوب وهذه هي المشارڪة الحقيقية والمعاناة الڪاملة مع الشعب والأمة وهذه النقطة مستمرة معنا في ڪل السيرة النبويّة فــ في :
- غزوة بدر ڪان-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يقاتل معهم بنفسه.. وفي :
- أُحُد ڪذلك.. وفي :
- الخندق.. وفي :
- ڪل سفر وحضر.. هو معهم-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في مشاڪلهم وفي أفراحهم وأتراحهم وهو معهم-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-حتى عند موتهم وحتى توعيدهم إلى قبورهم.. فهو مع ڪل واحد منهم يحرص على تربيته من اللحظة الأولى وحتى النهاية ومع ڪل إنسان منهم مهما ڪان هذا الإنسان بسيطًا أو فقيرًا أو من قبيلة أخرى أو من لون آخر أو من جنس آخر أو من بلد آخر..ڪل المسلمين سواء والرسول -عليه الصلاة والسلام- واحدٌ منهم وڪذلك ڪان زعماء الأمَّة أيضًا في زمن قوة المسلمين.؟

فـ انطلق المهاجرون والأنصار في البناء حتى قال قائل منهم:
لئن قعدنا والنبي يعمل*لذاك منا العمل المضلّل

وهذا ما يظهر مما :رواه البخاري في صحيحه عن طريق أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة بنت أبي بڪر أنها وصفت دخول المصطفى مدينته المنورة.. فقَالَتْ:„ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ.. فَــ سَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ.. حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ.. وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ “؛ ثم وصفت هذا المڪان فشرحت :„وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ.. لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ.. غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ.. فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ “؛ ثم ذڪرت قول النبي المصطفى : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «„هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ “ » ؛ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا.. فَقَالَا:„لَا.. بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ “؛فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِأَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا.. ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ.. وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ * هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وڪانوا جميعاً يرددون أثناء عملهم في البناء:
لا عيش إلا عيش الآخرة*اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة
فــڪان يردّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول:
اللهمَّ لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة* فأڪرمِ الأنصارَ والمهاجرَة)
وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ * فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ “ ؛انتهى النقل من رواية أم المؤمنين عائشة من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري
وهذا الحدثُ الجلل .. هجرةُ النبي المصطفى والرسول المجتبى والخليل المرتضى والحبيب المحتبى من مبدء الرسالة التوحيدية المحمدية الخاتمة : مڪة.. وخروج خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر الأنبياء المصطفين من بعد إذن صاحب الأمر والنهي والذي أمره بين الڪاف والنون -سبحانه وتعالى- .. هذه الهجرة آثرت إيجاباً في العرب بشڪل منقطع النظير ڪما وغيرت من خارطة العالم القديم وبدلت صورة العالم الحديث..
فـ هذه الهجرة تحتاج منا لمزيد دراسة تفصيليةوتبيان وتوضيح وشرح لما جرى ويجري وسيجري في العالم..
ڪذلك لحظة وصول سيد ولد آدم.. الساعات الأولى من وصوله والأيام الأُول تحتاج لمزيد تدقيق وتحقيق.. إذ سيبنى على الهجرة المنيفة ووصوله إلى مدينة - يثرب - مدينة الرسول..سيبنى الڪيان التنفيذي الأَول لـ مجموعة الأفڪار والمفاهيم والمقاييس والقناعات والقيملـ نظام حياة الإنسان: منهاج الإسلام.. وشريعةالإسلام..
يقول د. أكرم العمري في مقال له :" ڪان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند وصوله إلى المدينة المنورة يصلي حيث أدرڪته الصلاة[(ويصلي في مرابضِ الغنمِ)].. ثم أمر ببناء المسجد في أرض ڪان فيها نخل لغلامين يتيمين.. من بني النجار.. وقد أشترها رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بيد أنه روىالبخاري قصة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- وفيه أن النبي: أَمَرَ ببناء المسجد فأرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا، فقال: "يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا".. فقالوا: لا واللَّه.. لا نطلب ثمنه إلَّا إلى اللَّه.. قال: فڪان فيه ما أقول لڪم ڪانت فيه قبور المشرڪين وڪانت فيه خربٌ وڪان فيه نخلٌ فأمر رسول اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم بقبور المشرڪين فَنُبِشَتْ وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْوقام المسلمون بتسويتها وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ.. قال: فصفُّوا النَّخل [(الحجارة)]في قبلة المسجد [(التي ڪانت تتجه نحو بيت المقدس -آنذاك-..)] وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارةً.. قال: جعلوا ينقلون ذاك الصَّخر وهم يرتجزون ورسول اللَّهصلَّى الله عليه وسلَّم معهم يقولون: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ.. فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ"..وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه.. ورسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يعمل معهم..
وڪانت سواريه من جذوع النخل وأعلاه مظلل بجريد النخل.. ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين..
ثم قام النبي بتوسيعهفـ أعيد بناء المسجد وذلك في السنة السابعة من الهجرةبعد عودته من خيبر.. حيث اشترك في بنائه أبو هريرة.. وطلق بن علي الحنفيـ أسلما سنة 7هـ.. وذلكلما ازدحم المسجد وڪثر المسلمون.. فزاد في طوله عشرين ذراعًا وفي عرضه ڪذلك وڪان عثمان بن عفان -رضي الله عنه-هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
وقد حدد النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-موقع المنبر : وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب.. وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده.. وڪانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه.. وصارت تسمى باسطوانة المخلفَّة والقرعة.. وهي الآن في ظهر المحراب القديم.. وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة.. وعرف المڪان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ".. وتحددت في زمنه-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-اسطوانة التوبة داخل الروضة.. وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر.. وڪان مصلى العيد في زمنه-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في موقع مسجد الغمامة اليوم.. وڪان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى ڪثير من المهاجرين بيوتهم في جهته.. ولم يوقد في حياته-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في المسجد قنديل.. ولا بسط فيه حصير . ".
ومسجد النبي هو المسجد الذي أسس على التقوى ڪما في صحيح مسلم.. وفيه قال النبي: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ.. إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ".. وفيه أيضًا قال النبي: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ.. كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ".
..
- أبعاد المسجد النبوي الشريف وقت بنائه:
جعل رسولُ الإسلام-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-طول المسجدِ خمسةً وثلاثين متراً.. أمّا عرضُه فقد قارب الثّلاثين متراً.. في حين بلغ ارتفاعُه مترين تقريباً.. أمّا المساحةُ الإجماليّةُ للمسجد فقد ناهزت ألفاً وخمسين متراً مربعاً تقريباً.[مساحة المسجد النبوي الشريف حينما بناه النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ٢٤٧٥]..جعل أساسه من الحجارة والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار وڪان النبي يبني معهم اللَّبِن والحجارة.. وسقفه من الجريد.. وقد احتوى المسجد النّبويُّ الشّريف في بادئ الأمر على أبوابٍ ثلاثة هي:
- الباب الجنوبيّ و
- البابُ الشّرقيّ المعروف بباب جبريل أو باب النّبي و
- البابُ الغربيُّ أو ما يُعرف بباب الرّحمة..
وقد أُغلِق الباب الجنوبي لاحقاً بعد تغيُّر القِبلة.. ليُفتَح بابٌ آخر من الجهة الشّماليّة للمسجد.. واحتوى تصميم المسجد النّبويّ عندما بُني في العهد النّبوي الميمون على حُجُرات زوجاتِ رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
وفي هذه البقعة المبارڪة دُفِن جسده الشّريف الطّاهر : «قبر النبي».. المقصورة الشريفة..وجسدَي صاحبَيه.. وممّا يجدر ذڪره أنّ المُسلمين وعلى امتداد ألف وأربعمئة واربعة واربعين عاماً.. ونظراً لـتزايد الحجاج والمعتمرين والزوار فقد أجرى أصحاب المسئولية ورعاية شئون المسلمين العديد من التّوسُّعات والتّعديلات على هذا المسجد المُبارك ليصير في نهاية المطاف بشڪله الحاليّ ذا تصميم رائع ".
-*/*-
منبر النبي
قال النبي صلىوسلمد : "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.. وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي".. قوله: "على حوضي": أي أنه يعاد هذا المنبر على حاله وينصب على حوضه.
وڪان النبي يخطب أولاً إلى جذع نخلة.. ثم صنع له المنبر فصار يخطب عليه.. روى البخاري في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه-"أن النبي صلىوسلمخ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ.. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟
قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ"..
فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا ڪَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ.. فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ.. ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ.. تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا"..
وأقيم بعد الجذع مڪانه أسطوانة تعرف بالأسطوانة المخلقة أي: المطيبة.
ولحرمة هذا المنبر جعل النبي إثم من حلف عنده -كاذبًا- عظيمًا، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنهأن رسول الله قال: "لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ.. عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ"..
الروضة الشريفة
هي موضع في المسجد النبوي الشريف واقع بين المنبر وحجرة النبي ومن فضلها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي".. وذرعها من المنبر إلى الحجرة 53 ذراعًا أي حوالي 26 مترًا ونصف متر.
الصُّفَّة
بعدما حُوِّلت القبلة إلى الڪعبة أمر النبي بعمل سقف على الحائط الشمالي الذي صار مؤخر المسجد وقد أعد هذا المڪان لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وإليه ينسب أهل الصفة -رضي الله عنهم-.
-*-/*-
-نبذة عن المسجد النبوي الشريف
يُعتبر المسجد النّبويُّ الشّريف ثاني أهمِّ الجوامع في الإسلام.. فهو يأتي من حيث المرتبة بعد المسجد الحرام في مڪّة المُڪرّمة.. وقبل المسجد الأقصى المُبارك في مدينة القُدس.. وهو ثاني المساجد التي تُشَدُّ الرِّحال إليها.. وقد ثبت عن النبي الڪريم أنه قال: «„لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ.. ومَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.. ومَسْجِدِ الأقْصَى “ ».. وهو الذي يحتوي على المقصورة الشريفة «مرقد» رسول الله «قبر النبي»..-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.. وقبرَي صاحبَيه.. ووزيرَيه وخليفيته من بعده: الصدّيق.. والفاروق -رضي الله عنهما-.. ومن هُنا فقد ڪانت لهذا المسجد منزلةٌ رفيعةٌ في قلوب المُسلمين من شتى أصقاع العالم.. وعلى افئدة المؤمنين مرِّ الأزمان والعصور..
تتبقى مسألة :
وهي موقف لطيفٌ حدث من رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بعد قرار بناء المسجد في هذا المڪان وڪما نعرف فإن ناقة النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قد برڪت وقد قال-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "دَعُوهَا.. فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ"..
وبذلك حُدِّد المسجد النبويّ في أي مڪان يڪون وفي ذلك يقول النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ--وهو حتى هذه اللحظة ليس له منزل أو بيت.. ولم يحدد بعدُ أين يسڪن في المدينة.. فــ
قال: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟"
فهو-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لم يبحث عن أفخم دور المدينة ولا عن أعز بيوت المدينة ولا عن أقرب بيوت المدينة إلى قلبه سواء من ناحية قرابة بني النجار أو من أصحابه أصحاب بيعة العقبة الأولى أو بيعة العقبة الثانية..
لڪنه-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قال: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟" ..
في منتهى البساطة أيًّا ڪانت هذه الدار فڪل دور المسلمين داره-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأهله أهل المسلم هم المسلمون بصرف النظر عن أصولهم أو عرقياتهم أو قبائلهم..وما أبلغ ما قاله رب العالمين لنوح-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾..
سبحان الله!
ابنه وليس من أهله لماذا؟!
لأنهما مختلفان في العقيدة.
والآن الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يبحث عن أقرب بيوت أهله مع أنه-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من قريش وهؤلاء من الأوس والخزرج فروع أخرى بعيدة تمامًا عن فروع قريش وأول بيت وأقرب بيت ڪان بيت أبي أيوب الأنصاريّ-رضي الله عنه- وفيه استقرّ الرسول-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فترة من الزمن وحدثت فيه مواقف لطيفة ليس المجال لتفصيلها الآن..
وبعد ذلك بُني لرسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بيت وعندما نقول (بيت) هذا على سبيل المجاز لأن ما بُني إنما هي حجرة بسيطة وصغيرة جدًّا تفتح على المسجد وبعد ذلك ڪان لڪل زوجة من زوجات النبي-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-حجرة -رضوان الله عليهن جميعاً- ولم يڪن-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في هذا الوقت متزوجًا إلا من السيدة سودة بنت زمعة -رضي الله عنها وأرضاها- فڪانت حجرة واحدة وڪان عاقدًا على السيدة عائشة -رضي الله عنها- لڪن لم يڪن قد بَنَى بها بعدُ.
ويبدأ رسول الله-صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في بناء دولة لا تحڪم المدينة فقط بل دولة مؤهلة لقيادة الأرض بما عليها وبڪاملها ولِهَزّ عروش ضخمة جدًّا وممالك عظمى.. فقط من خلال هذا البناء البسيط الصغير : المسجد النبويّ البسيط الذي بُني في ذالك الوقت وما من شك أنه مجهود هائل ولا شك أنه في ظنّ ڪثير من النّاس حلم بعيد المدى بل مستحيل لڪن -سبحان الله- هذا الحُلم تحقق وبخطواتٍ معروفةٍ وثابتة..
-*/*-
من بعد إذنه سبحانه ومن حسن توفيقه وڪامل مشيئته سيڪون في نهاية البحوث ملحق عن الأماڪن والمدن!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتمام الفائدة يراجع الفصل رقم : " ١٤٣مسجد « قُباء »من إصدارات: موقع آستروعرب نيوز
أول مسجد في الإسلام
العام1 هـ ~ 622 م
أحداثٌ جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ..
أوائل العام الهجري الأول
[ ١٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ عَشَرَ
السيرة النبوية : بدايات العهد المدني".
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
27 يوليو 2024م~21 من شهر الله المحرم 1446هــ.

أعلى الصفحةـ

ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ يُنْذِرُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
151 ألف ومئتان معجزة نبوية(*)!
١٥۲قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِالمحمدية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحداثٌ جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ.
العام الهجري الأول: ١ . هـ ~ 622 م

[١٥]الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ

151 - بدايات العهد المدني

ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة: للمدينة المصطفوية النبوية!
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ:تَكَلَّمَ ذِئْبٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ يُنْذِرُ بِرَسُولِ اللَّهِ محمد بن عبدالله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

رافقت الدعوة التوحيدية النبوية المحمدية من بداية الرسالة الخاتمة - بعهديها : المڪي والمدني- حين بُلغ من أمين السماء المَلك جبرائيل بُعيد خروجه -عليهما السلام- من غار حراء وحياً من ربهما -سبحانه وتعالى - ..بُلغَ بأنه رسول رب العالمين.. فـ رافقت هذه البعثة الرسولية المتممة للرسالة الإلهية التوحيديةأمورٌ خارقة للعادة لا يستطيع أن يقوم بها افراد البشر .. ناهيك وأن اجتمعوا جميعاً لواحدة منها .. وصاحبتها مسائل تعجيزية للثقلين : بني آدم *البشر*الإنس* والجن وإن تڪاتفوا معاً .. منها ما هو إعجاز إنساني ڪ شق الصدر الطاهر واستخراج علقة منه ونبع الماء من بين اصابعه الشريفة .. ومنها ما هو أعجاز ڪوني .. ڪـ شق القمر .. أو الإسراء والمعراج .. ومنها ما هو متعلق بالجمادات وحديثها معه -عليه السلام- أو الحيوان الأعجمي.. !
فـ صاحبت الدين الإسلامي العديد -زادت عن ألف ومئتين- من المعجزات الحسية الخارقة للعادة .. منها ما اثبتها القرآن الڪريم بين دفتيه .. ومنها ما أخبر بها خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر المصطفيين من السادة الأنبياء المعظمين المڪرمين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ–ومنها ما جاءت بها الآثار ..
فمن معجزاته الحسية تڪليم الجمادات له وحديث البهائم، وقد تڪرر ذلك معه وحفظ في داووين السُنَّةالعطرة .. فقد روى أبو هريرة[عبدالرحمن بن صخر] -رضي الله عنه وارضاه-ڪما جاء في الصحيحين: أنهصَلَّى رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ .. ثُمَّ أقْبَلَ علَى النَّاسِ .. فَقالَ: (**): « „وبيْنَما رَجُلٌ في غَنَمِهِ إذْ عَدَا الذِّئْبُ .. فَذَهَبَ منها بشَاةٍ .. فَطَلَبَ حتَّى كَأنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا منه ..
فَقالَ له الذِّئْبُ هذا:„اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي .. فمَن لَهَا يَومَ السَّبُعِ .. يَومَ لا رَاعِيَ لَهَا غيرِي؟!“..
فَـ قالَ النَّاسُ:„سُبْحَانَ اللَّهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ!!!“،
قالَ -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ -:«„فإنِّي أُومِنُ بهذا أنَا .. وأَبُو بَكْرٍ .. وعُمَرُ .. وما هُما ثَمَّ.“ ».
قلت (الرَّمَادِيُّ) : الحديث له عدة روايات ..
منها :
عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه وارضاه- قَالَ:„جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ .. فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً .. فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ“؛.
قَالَ:„فَصَعِدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ فَأَقْعَى وَاسْتَزْفَرَ “ ؛
وَقَالَ:„عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَانْتَزَعْتَهُ مِنِّي ؟ “؛
فَـ قَالَ الرَّاعِي :„بِاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِذِئْبًا يَتَكَلَّمُ ! !“ ؛
قَالَ الذِّئْبُ :„أَعْجَبُ مِنْ هَذَا :«„رَجُلٌ فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ يُخْبِرُكُمْ بِمَا مَضَى وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ“ »“؛
وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا فَجَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ - وَخَبَّرَهُ وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ - وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «„إِنَّهَا أَمَارَاتٌ مِنْ أَمَارَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ .. قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلَاهُ وَسَوْطُهُ مَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ“ » ؛.الحديث فِي الصَّحِيحِ بِاخْتِصَارٍ . رَوَاهُأَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ . ".
-*/*-
قلت (الرَّمَادِيُّ) : ولعل التڪنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال وآلات التصنُّت وأدوات التسمُّع وأجهزة التجسس والأقمار الصناعية تبين دقة وصحة القول النبوي الشريف!
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) وبإذنه تعالى وحسن توفيقه سابحثها في ملحق ( معجزات خير البرية وفق الڪتاب الڪريم والسنة النبوية المحمدية وآثارالسادة الصحابة )
(**) ذَڪرتُ الجزء الثاني من الحديث!.
ــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ــــــــــــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ ".يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة!
السبت : ۷ من شهرالله المحرم لـ عام ۱٤٤٦ هـ ~ الموافق 13 يوليو 2024 م.

أعلى الصفحةـ

أعلى الصفحةـ

150أول هدي نبوي بمدينة المصطفى !

فــ أولُ وصيةٍكريمةٍ وصَّى بها نبيُنا الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم عند وصوله إلى مدينته المنورة مهاجراً من مكة المكرمة برفقة أبي بكر-رضي الله عنه-..وهيمن جملة كبار وصاياه العظيمة ..
فهي أولُ شيء عُرف أن نبي الإسلام -صلى الله عليه وآله وسلم- تكلم به ووصى به الناس عند أول مقدمه المدينة المنورة .. تلك التي رواها الترمذي (2485) وصححها وابن ماجة (1334) وعند أحمد (23784) .. فـينقل لنا الصحابي الجليل عبدالله بن سلام- رضي الله عنه -الذي كان حَبرًا مرموقاً مِن أحباريهود يثرب(!).. وكان أهلها على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلُّونه ويعظِّمونه- يحكي لنا كيفية استقبال أهل المدينة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحفاوتهم به وخروجهم لاستقباله.. وكيف أنه كان من المستقبلين للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند وصوله إلى قباء.. ولم يكن قد أسلم يومئذ..فذهب عبدالله بن سلام ليرى رسول الله ﷺ.. ويتعرف صفته .. فلما رأى وجهه الشريف آمن به وصدّق .. فــلَمَّا بادَر عبدالله بإسلامه.. كان له تزكيةً من الله عز وجل نزَل بها القرآن العظيم فيه كما في قوله جل وعلا: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ .
.. وكان هذا الحديث أول ما سمعه مِن النبي صلى الله عليه وسلمفيخبرنا بـ هذه الوصية عالمٌ جليلٌ وحبرٌ كريم تَمَّم الله فضله بصحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم- هذا الحَبر اليهودي الذي أكرَمه الله بالإسلام..فقد سمِع الناس يَتنادون.. وكان تَنادِيهم: قَدِم رسول الله فرحًا به.. ولذلك خرج الجميع.. خرج الرجال والصبيان والنساء.. وأهل الملل الذين كانوا يَقطنون (يثرب) : المدينة .. سمِع منه هذه الوصية التي هي من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مِن منهل النبوة ومن منبع الرسالة الإلهية.. وهي من جملة الأوامر الجوامع والأمور الفضائل العِظام الكبار التي وصى بها الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم جميعًا من قبل..
فـ الحَبر اليهوديهو:أبو يوسف عَبْدُاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ :„ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ [ أي : ذهبوا مسرعين إليه ].. وَقِيلَ :„ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ “-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [ .. قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ .. قد قدمَ رسولُ اللَّهِ.. ثلاثًا ] فَجِئْتُ [أبويوسف ..راوي الحديث] فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ .. فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ [ سَمِعْتُهُ ] تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ «„ يَا أَيُّهَا النَّاسُ .. أَفْشُوا السَّلَامَ .. وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ .. [ وصِلوا الأرحامَ ] وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ .. تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ“ ».
فـ لا أحد أرحم مِن الخلق بالخلق من قدوتهم واسوتهم وإمامهم وسيدهم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- .. فهو رحمةٌ في بَعثته .. ورحمة فيما جاء به -عليه الصلاة والسلام- من الهدي والمنهاج والتشريع .. فقد مدحه ربنا -جل وعلا- في محكم كتابه الكريم.. فاستمع إليه حين يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ .. فـ لو أن الناس تمثَّلوا توجيهاته واقتفوا ما أمر به واستنوا بما دعاهم إليه .. لوجدوا خيرًا كثيرًا .. فهو -عليه الصلاة والسلام- خيرٌ للناس كافة جاء بالبر والهدى لكل أحد من المسلمين وغير المسلمين - من إنسان وجانٍّ وحيوان .. وغير ذلك من الخلائق - فهو صلى الله عليه وسلم رحمةٌ للعالمين .. حتى الجماد فكل الخلق نالتْهم آثار بركته ورحمته -عليه الصلاة والسلام- بفضل ما أنزله ربه جل وعلا الرحمن الرحيم مِن الذكر الحكيم : القرآن الكريم والحكمة..
أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربع وصايا .. هي قوام صلاح الفرد وإصلاح المجتمع .. ولا يمكن لمجتمع ما أن يهنأ دون أن يشيع في أهله هذه الخصال الأربع:
[ 1.] - إفشاء السلام :والمقصودُ نشْرُه والإكثارُ منه .. والسَّلامُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- وإفشاءُ السَّلامِ طريقٌ موصِلٌ للمحبَّةِ بين المسلِمين .. والسَّلامُ هو التَّحيَّةُ المباركَةُ في هذه الأمَّةِ الوسطية المختارة من بين الأمم والشعوب .. وقد جعَل النَّبيُّ -صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- مِن خيْرِ الأقوالِ في البِرِّ والإكرامِ إفشاءَ السَّلامِ الَّذي يَعُمُّ ولا يَخُصُّ .. مَن عرَف ومَن لمْ يَعرِفْ .. حتَّى يكونَ خالِصًا للهِ -تعالى- .. و
[ 2.] - إطعام الطعام :يَدخُلُ فيه ما يكونُ بالصَّدقةِ والهديَّةِ والضِّيافةِ .. والمناسبات الإسلامية كـ الأفراح والمسرات والعقيقة و
[ 3.] - صلة الأرحام :الأرحامُ: هم كلُّ مَن تَربِطُك بهم رَحِمٌ أو قَرابةٌ مِن جِهةِ الأبِ أو الأمِّ .. وقد حثَّ القرآنُ الكريمُ على صِلَتِهم .. وحَذَّر أشَدَّ التَّحذيرِ مِن قَطْعِهم .. قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} و
[ 4.] - قيام الليلوالنَّاسُ نِيامٌ : أي: صَلُّوا النَّوافلَ .. مِن القِيامِ والتَّهجُّدِ في اللَّيلِ .. كما يَقولُ اللهُ -تعالى- واصِفًا عبادَه المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} .. وينبَغي الحِرصُ على قيامِ اللَّيلِ والأخذُ بالأسبابِ المعينَةِ على ذلك .. ومنها: البُعدُ عن المعاصي والذُّنوبِ .. والإقلالُ مِن الأكلِ قَبلَ النَّومِ.. وعدم السهر بالفرجة على المسلسلات والأفلام .

فهذه وصايا عظيمة من نبينا -عليه الصلاة والسلام- .. فــقولُه: "تَدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ"، أي: تكونُ الجنَّةُ ثوابا وجَزاءً لِمَن فعَل هذه الخِصالَ مُخلِصًا فيها للهِ عزَّ وجلَّ .. فـ تدخلون جنة ربكم بسلام.
وقد روى الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو.. حديثا صحيحا فـ صدر الحديث بقوله : «„ اعبُدوا الرَّحمنَ “ » ؛ ثم ذكر فقط أمرين: «„ وأطعِموا الطَّعامَ ، وأفشوا السَّلامَ تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ “ » ؛انظرفي : صحيح الترمذي؛ ( 1855)؛ واللفظ له، وابن ماجه (3694) مختصراً، وأحمد (6587) باختلاف يسير. والله أعلم!
وقد كان صاحبُ الخُلق القرآني-كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُعلم ويُربِّي أصحابَه على فضائلِ الأعمال ومَكارمِ الأخلاق.. حتَّى يكونَ المُجتمعُ الإسلامي مُتحابًّا مُتعاوِنًا .. كما بيَّنَ أنَّ مَكارمَ الأخلاقِ لها أجْرٌ عظيمٌ عندَ اللهِ.. كما في هذا الحديثِ .. حيثُ بدءَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعماد هذا الدين وأساس هذا التنظيم بـ : " اعْبُدوا الرَّحمنَ"؛ أي: وحِّدُوه ولا تُشرِكوا به شيئًا .. وخَصَّ صِفةَ الرَّحمنِ : تَمهيدًا لِما سيذْكُره من الأُمورِ الَّتي تَستجلِبُ رحمةَ اللهِ وحُسْنَ جَزائِه .. فإنَّه لرحمته يستحقُّ أن يُعبَد .. فإنه المُنعِمِ بأصولِ النِّعمِ وفُروعِها .. وجليلِها ودَقيقِها .. ولأنَّه اسمٌ يَدُلُّ على الرَّحمةِ المتواصلَةِ في الدُّنيا والآخِرةِ فيَستحقُّ وحده إخلاص العبادةَ وحسنها كما يحب هو ويرضى.. ولأنَّ هذه الأفعالَ فيها صِلةٌ ورَحِمٌ بينَ النَّاسِ ..ألا ترى أن الرحم مشتَقَّةٌ مِن الرَّحمنِ .. وَلذلِكَ كانَ أنْسَبَ أنْ يُذكَرَ.
٢٥ ذو الحجة ١٤٤٥ هــ ~ 01 يوليو 2024 م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

أعلى الصفحةـ

149 حدثٌ في بداية السنة الأولىٰ من الهجرة:

قَالَ رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «„فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ“ »
سُرَّ أهلُ المدينةِ بِقُدومِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم- وَابتهجوا بهِجرتِه إليهِم؛ لأنَّه سببٌ لهدايتِهِم إلى الدين الحق = الإسْلامِ، وحصَل لهم الكثيرُ مِن الخَيرِ والفَضلِ بسَببِ تواجده بينهم، لذا يقول أَنَسُ بن مَالِكٍ -رضي الله عنه- : „وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بني النَّجَّارِ حَوْلَهُ“(متفق عليه) ،فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: «„جَاءَ نَبِيُّ الله .. جَاءَ نَبِيُّ الله“ » (متفق عليه).
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ : فَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي الطُّرُقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ، وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ وهم يقولون : «„جَاءَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .. اللَّهُ أَكْبَرُ .. جَاءَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “ » .. فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ: «„يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله“ »(متفق عليه) ،
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ : فَخَرَجَتْ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَهُنَّ يَقُلْنَ :
نَحْنُ جَوَارِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ * يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
فقال نبي الله : اللهم بارك فيهن... [مسند أبي يعلى الموصلي ] .
وَأَخْرَجَأَبُو سَعِيدٍفِي " شَرَفِ الْمُصْطَفَى " وَرُوِّيّ فِي " فَوَائِدِ الْخُلَعِيِّ " مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِاللَّهِ ابْنِ عَائِشَةَ مُنْقَطِعًا : لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ جَعَلَ الْوَلَائِدُ يَقُلْنَ :
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعِ(!)
وَهُوَ سَنَدٌ مُعْضَلٌ(؟) ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي قُدُومِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ . [فتح الباري]
فلما أشرف حبيبنا صلى الله عليه وسلم على المدينة ليلاً استقبله أهلها استقبالاً حافلاً، وفرحوا بمقدمه عليهم ما لم يفرحوا بشيء مثله قط.
فـ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ -رضِيَ اللهُ عنْه-: „‏لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ‏ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏الْمَدِينَةَ“، أي: في هِجْرتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إلَيها، „ ‏لَعِبَتْالْحَبَشَةُلَقُدُومِهِ فَرَحًا بِذَلِكَ .. لَعِبُوا‏ ‏بِحِرَابِهِمْ “..
والحبَشةُ همُ : العَبِيدُ والخَدمُ مِن السُّودِ الذينَ فرِحوا بقُدومِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينةِ، فلَعِبوا بعِصيِّهم ورِماحِهم، وأقرَّهم النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلكَ ولم ينْهَهم ..
..‏( لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ )‏ ‏أَيْ بِرِمَاحٍ صَغِيرَة جَمْع حَرْبَة.
وفي الحديث: مَشروعيَّةُ اللَّعبِ بالرِّماحِ وما يُشبهها كالعِصيِّ، ما لم تَشتمِلْ على مُحرَّمٍ.. وإسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وجاءالحديثفي صحيح سنن أبي داودالسجستاني؛ ورجاله رجال الصحيحين؛ بيد أن الحديث من الناحية الفقهية يحتاج إلى تفصيل تكلم عنه صاحب نيل الأوطار؛ الشوكاني ، والمنجد .. وسأرحل البحث الفقهي إلى ملحق نهاية البحوث من بعد إذنه -تعالى-.
روى الإمام أحمد (12540) وابن حبان (5870) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: „كَانَتِ الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَيَرْقُصُونَ “ ،
وَيَقُولُونَ:„مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ “،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„ مَا يَقُولُونَ!؟“ »..
قَالُوا:„ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ “...
قال محققو المسند : " إسناده صحيح على شرط مسلم " .
قال النووي -رحمه الله- :"في "شرحهلـ مسلم" (6/186):" وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى التَّوَثُّبِ بِسِلَاحِهِمْ وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَيْئَةِ الرَّاقِصِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا فِيهَا لَعِبهِمْ بِحِرَابِهِمْ فَيُتَأَوَّلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى مُوَافَقَةِ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ" . .
هكذا أظهر كا أهل المدينة المصطفوية فرحهم وسرورهم وبهجتهم بمقدمه-عليه السلام- إليهم
ـــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
17 ذو القعدة 1445 هـ ~ 24 مايو 2024 م

أعلى الصفحةـ

148 موقف طائفة من الناس

تَمْهِيدٌ.:
تَغْيِرُ عادة سيئة اعتاد عليها بعض البشر لزمن يطول كثيراً أو يقصر قليلاً لآخرى حسنة قد يواجه عند التعديل صعوبة.. وتبديلُ تقليد بالٍ تمسك به آخرون نقلوه عن الأجداد لتقليد جيد يواجه صعوبة أكبر فقد ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.. وإشكال التبديل والتغير والتعديل للصحيح الصواب ينبع من أنهم قد ﴿اتَّبَعُوا أَهْوَاءهُم﴾.. أو جمدوا على القديم..
وتصحيح مفاهيم مغلوطة عن الآله والإنسان والحياة تمكنت من نفوس ناس لردح من الزمان توارثوها عن أسلافهم تكاد تكون مستحيلة.. فجُمعَت في آية واحدة مدركات الإنسان القلبية/الشعورية والحسية/الإدراكية فـ نطق القرآن العظيم يقول : ﴿خَتَمَ﴾.. وجاء بـ لفظ آخر: ﴿طَبَعَ اللّهُ﴾ ﴿عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾.. ثم زاد داءً عضالٍ يصيب البشرية وهو: „غفلة“الحواس المدركة وتعطيل القوى العاقلة عند الإنسان فـ قال: ﴿وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُون}.. وهذا الداءُ„الغفلة“أصاب الأمم والشعوب منذ قديم الأزل.. فعطل القوى العاقلة التي يملكها الإنسان بل لم يسلم منها آدم -عليه السلام وعلى رسولنا الصلاة والسلام الأتمان والأكملان-.. فاسمع لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ﴾ ﴿فَنَسِيَ﴾ ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. ثم أتت البشارة.. فـ خُصَّ بـ : ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ وأكرم من بعد الإجتباء الاصطفاء ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ ثم أكرم فجاء القول ﴿وَهَدَى﴾.. أما نحن فصار لنا : ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾ ﴿جَمِيعًا﴾ ﴿أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾..
ووضَّحَ -سبحانه- صراطاً مستقيماً بجوار طريق ضال في العقيدة ليبين فساده فـ وضع سبيلا صحيحاً في الإيمان بجوار معوج أو حدد خطاً صحيحاً لسليم إيمان ولتصحيح عقيدة بإرسال الرسل من لدن آدم إلى خاتمهم -عليهم السلام جميعاً- وأنزل الكتب فيها هدىً ونوراً.. إذ قد يكون تصحيح طريق ضال في العقيدة وسبيل معوج في الإيمان.. قد يكاد يكون -عند البعض- من سابع المستحيلات.. والمعضلة تعود أن ﴿لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾.. أو ما اعتاد عليه القوم وتوارثوه دون إعمال صحيح عقل أو دقة فهم أو استخدام القوى العاقلة عند الإنسان.. وفي المقابل : ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .. أُوْلَئِكَ..﴾ ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾.. فكان لهم الجزاء الأوفى: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ثم زاد لهم ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ فيصفهم بـ ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾..
وإشكالية تعطيل القوى العاقلة عند الإنسان.. وإعطال الفهم الصحيح الدقيق.. هذه.. تنطبق خاصة وبوضوح عند تلك المجتمعات المغلقة وتظهر في التجمعات الغائبة عن واقعها المعاش.. من خلال عادات سيئة توارثوها وتقاليد بالية تمسكوا بها.. فما بالُك -عند البعض- بتعديل عقيدة باطلة بتصحيحها تلك التي رسخت في الأذهان وتشربتها القلوب وتوارثتها أجيال عن أجيال.. أو تصحيح إيمان تمكن -مع فساده- من قلوب ومع خطئه تغلغل في عقول فثبت في الأفهام.. فلا يفهمون ولا يفقهون.. وأدق تعبير تجده في التنزيل العزيز إذ نطق القرآن يقول : ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُون﴾.. فكشفت آية كريمة واحدة عن الداء فـ جمعت بين القلب : وعاء الاستقبال والاطمئنان فالسكون ورسوخ الأفكار وبين وعاء العقل.. الفهم العقلي والفقه الإدراك الذهني.. وفي المقابل تجد التعبير القرآني يقول : ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ﴾ .. ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب﴾.. أي: بكِتابِه الذي أنزَلَه بواسطة رسوله، وهو ذِكرُه وكلامُه، ولو كان في العَقلِ الصَّريحِ ما يُخالِفُه لم تطمَئِنَّ به قلوبُ العُقَلاءِ.. والِاطْمِئْنانُ: السُّكُونُ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلْيَقِينِ وعَدَمِ الشَّكِّ.. لذلك أخطأ خطأً فاحشاً مَن ظن أن حلقات التمايل والتراقص حول شموع فُرشت على حصيرة المصليات البالية هو ما قصده الذكر الحكيم من اللفظة القرآنية „الذكر.. الذي تطمئن إليه القلوب“ بل ما يحدث في حلقاتهم هو إجهاد لبدن دون مراجعة كلامه -سبحانه- وفهم مراده -تعالى-..
وأزيد إذ يَجُوزُ أنْه بِـ„ذِكْرِ اللَّهِ“ يُرادَ بِهِ خَشْيَةُ اللَّهِ ومُراقَبَتُهُ عِنْدَ امتثال أمْرِهِ والقيام به وبِالوُقُوفِ عند نَهْيِهِ.. بتحريمه والابتعاد عنه.. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ القُرْآنُ.. فـ „الذِّكْرُ“ مِن أسْماءِ القُرْآنِ.. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسانِ فَإنَّ إجْراءَهُ عَلى اللِّسانِ يُنَبِّهُ القُلُوبَ إلى مُراقَبَتِهِ.. ويوقظ العقول من غفلتها.. واطْمِئْنانُ القُلُوبِ سُكُونُها بَعْدَ الِاضْطِرابِ مِن خَشْيَتِهِ.. و ﴿ذِكْرِ اللَّهِ﴾ذِكْرُ رَحْمَتِهِ ومَغْفِرَتِهِ، أوْ ذِكْرُ دَلائِلِهِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ المُزِيلَةِ لِعَلَقِ الشُّبَهِ.. أوْ تَطْمَئِنُّ بِالقُرْآنِ.. لِأنَّهُ أعْظَمُ المُعْجِزاتِ تَسْكُنُ بِهِ القُلُوبُ وبه تَنْتَبِهُ العقول والأفهام من غفلتها..
ثم يوضح القرآن الكريم حقيقة الأمر فاستمع لقوله : ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم﴾.. فــ هنا تم الحديث عن العلم.. بشقيه : الشرعي التجريبي.. وهذا ما تميز به الذكر الحكيم : القرآن : خاتم الدين.. هذه : الرسالة المحمدية الخاتمة.. وقد تأتي إشكالية عند البعض: ﴿الَّذِينَ نَافَقُواْ﴾ إذ ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.. فـ ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.. وإشكال هؤلاء واضح فـ ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُون﴾..
فاستقبال الوحي المنزل من السماء بواسطة الأمين جبريل على قلب الأمين محمد يحتاج إلى وعاء الفهم ووعاء الإدراك ووعاء طمأنينة القلب.. وقد عالج القرآن.. الذكر الحكيم بالكشف عن هذه المعضلة بقوله : ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين﴾.. ففضح القرآن الكريم أصحاب الأهواء..
-*/*-
هذه المسألة -صحيح العقيدة.. سليم الإيمان- برمتها.. يجب أن تؤخذ -بأكملها- من صاحب الشرع الحنيف..
أما مسألة استحداث جديد سواء بـ التعديل والتبديل أو التحريف والتغيير أو الإضافة والزيادة أو ما يسمى في الفقه الإسلامي „ البدعة “.. فقد عانى منها بعض أتباع الرسل السابقين -عليهم السلام- ولم يسلم منها أتباع الإسلام..
والحقيقة الناصعة أن هذا الموقع وكاتب هذه السطور لسنا في صدد الاصطدام مع فريق أو فئة أو طائفة بقدر ما نبغيا عرض فكر علمي عماده الحجة والبرهان وهدفه الرجوع بالأمة إلى السنة المحمدية الطاهرة والقرآن العظيم: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز﴾.﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد﴾.. وبفهم صحيح وغايتنا رضا الكريم الرحمن.. كما لسنا مؤسسة تعني بالرد على البدع والخرافات والأباطيل..
-*/*
الحقيقة والتبيان :
.. عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، قَالَ :لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، فَــ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : „أَفْشُوا السَّلَامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٍ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ“ ..
موقف طائفة من أهل الكتاب
..خرَّج البخاري في صحيحه من رواية أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :" فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ:„جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “ ؛ فَــ
أَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ..
وَيَقُولُونَ :„ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ.. جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ “؛ فَــ
أَقْبَلَ -عليه السلام- يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ ، فَــ إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ ، فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ[أي: يجتني من ثمارها فـ يجمعه من أصوله] لَهُمْ فِيهَا ، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، فَــ
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «„ أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ ؟ “ » ؛ فَــ
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ:„ أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، هَذِهِ دَارِي ، وَهَذَا بَابِي “؛
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„ فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا“ » ؛
قَالَ :„قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى“؛ فَــ
لَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [أَيْ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ] جَاءَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ [إِلَيْهِ] ، فَــ
قَالَ :„ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ ؛ فَــ ادْعُهُمْ فَــ اسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ ، فَــ إِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ“؛ فَــ
أَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَــ أَقْبَلُوا ، فَــ دَخَلُوا عَلَيْهِ[: أَيْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ خَبَّأَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، فَأَدْخِلْنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ ، ثُمَّ سَلْهُمْ عَنِّي؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ بَهَتُونِي وَعَابُونِي قَالَ : فَأَدْخَلَنِي بَعْضَ بُيُوتِهِ] ، فَــ
قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «„يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، وَيْلَكُمُ اِتَّقُوا اللَّهَ ، فَــ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَــ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَــ أَسْلِمُوا“ » ؛
قَالُوا :„مَا نَعْلَمُهُ“؛ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ ،

قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„فَــ أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ؟“ » ؛
[قَوْمُهُ يُكَذِّبُونَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ]
قَالُوا :„ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا“؛
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ ؟“ » ؛
قَالُوا :„حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ“ » ؛
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ ؟“ » ؛
قَالُوا :„ حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ“؛
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ ؟“ » ؛
قَالُوا :„ حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ “ ؛
قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «„ يَا ابْنَ سَلَامٍ ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ“ » ؛ فَــ
خَرَجَ.. فَــ
قَالَ :„ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، اتَّقُوا اللَّهَ ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ“ ؛ فَــ
قَالُوا لَهُ :„ كَذَبْتَ “؛ فَــ
أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .[أَيْ مِنْ عِنْدِهِ]..
وهذه رواية توضح الراوية السابقة :
[( إسْلَامُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وموقف اليهود منه )].
قَالَ:„وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ “،
ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،
فَـ
قُلْتُ لَهُ : „ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ ، وَتُغَيِّبَنِي عَنْهُمْ ، ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَنِّي ، حَتَّى يُخْبِرُوكَ كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَإِنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي “ .
قَالَ : فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ ،
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : „ أَيُّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ ؟ “ ،
قَالُوا : سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا.
قَالَ : فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ ،
فَقُلْتُ لَهُمْ : „ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ ، فَوَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ “،
فَـ
قَالُوا : „ كَذَبْتَ “ ،
ثُمَّ وَقَعُوا بِي ،
قَالَ : فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „ أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ “ ،
قَالَ : فَأَظْهَرْتُ إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي ، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، فَحَسُنَ إسْلَامُهَا. .
الرجاء من القارئــ(ــة) الكريمــ(ــة) كي تتم الفائدة من هذا الفصل مراجعة الأبواب التالية والتي نشرت في الموقع!
- [7] الفصل السابع : " أول الأنبياء و آخرهم
- [8] الفصل الثامن: " نَبِيًّا .. و آدَم بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ
- [9] الفصل التاسع: الميثاق
- [10] الفصل العاشر: دَعْوَةُ إِبْرَاهِيم ﷺَ .. و بُشْرَى عيسىﷺ
- [57] الفصل السابع والخمسون : ميثاق النبيين
- [58] الفصل الثامن والخمسون : بشارة الكتب السابقة
- [59] الفصل التاسع والخمسون : بِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
- [60] الفصل الستون : ﴿ ٤ ﴾ الْبَابُ الرَّابِع : إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
- الفصل الواحد والستون : ﴿ ٤ . ٣. ﴾ الفصل الثالث مكان بعثته: صلى الله عليه وسلم
- الفصل الثانيبع والستون : ﴿ ٤ . ٤. ﴾ الفصل الرابع البشارة بصفاته صلى الله عليه وسلم

ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ
الإثنين : 20 شوال 1445 هــ~ 29 إبريل 2024 م

أعلى الصفحةـ

147.شهادة الْحُصَيْن بن سلام بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-

أحداث جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ..
العهد:المدني؛المكان:المدينة المنورة
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
.. في هذه السنة..وفي أوّل قدومه -صلّى الله عليه وآله وسلم- مهاجراً بأمر ربه -تعالىٰ في سماءه وتقدست اسماؤه- ومن بعد إذنه -وهو العليم الخبير-من مكة إلىٰ -يثرب- المدينة المصطفوية.. أسلم ابن سلام. .ويكنى أبا يوسف.. وكان اسمه فى الجاهلية الْحُصَيْنُ.. وهو من ذرية يوسف الصديق أصغر أولاد يعقوب [(إسرائيل)] من نسل إسحاق الولد الثاني لـ إبراهيم الخليل من زوجه سارة -عليهم جميعا الصلاة والسلام-
كان عبدُالله (الْحُصَيْنُ) بن سَلاَم بن الحارث سيدًا من أَسْيَّاد اليهود في -يثرب-المدينة، وكبيرًا من كُبرائهم، وعالمًا من علمائهم، وحَبرًا من أحبارهم، مُطَّلعًا على كتبِ اليهود وعارفًا بما جاء فيها من البِشارات.. وصِفة النبي المُنتظَر..فـ يَعلَمُ مِن التَّوراةِ صِفاتِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ.الإمام الحَبر، عالم التوراة، أبو الحارث الإسرائيلي..
[ شهادة عبدالله بن سلام -رضي الله عنه- بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-]
ابن سلام كان عالمًا يهوديًّا من يهود بني قَيْنُقَاع يُسمَّى حُصَيْناً فلمَّا بلَغه مَقدَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أتاه يسأله عن أشياء، فقال:„إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنَّ إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟؛ وما أول طعامٍ يأكله أهل الجنة؟؛ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟“؛فـ
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «„أخبرَني به جبريل آنفًا“ » ؛
قال ابن سلام:„ذاك عدو اليهود مِن الملائكة“؛
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «„أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تَحشُرُهم من المَشرِق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادةُ كبدِ الحوت، وأما الولد، فإذا سبَق ماء الرجل ماء المرأة نزَع الولد، وإذا سبَق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد“ » ؛
قال ابن سلام:„أشهد أن لا إله إلا الله وأنكَ رسولُ الله“..
[كَيْفَ أَسْلَمَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَابن سلام:„لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الَّذِي كُنَّا نَتَوَكَّفُ - نترقب وننتظر - لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وَعَمَّتِي خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَبَّرْتُ؛ فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي:„خَيَّبَكَ اللَّهُ، وَاَللَّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْتَ“.. فَقُلْتُ لَهَا:„أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاَللَّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعَلَى دِينِهِ، بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ“..فَقَالَتْ:„أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السَّاعَةِ؟“.. فَقُلْتُ لَهَا:„نَعَمْ“.. فَقَالَتْ:„فَذَاكَ إذًا“.. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا..
فلما أسلم سمَّاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:„عبدالله“.. فقال:„أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله“؛.. الصحابي الجليل المشهود له بالجنة.. حليف الخزرج الإسرائيلي.. ثم الأنصاري حليف الأنصار.. من خواصِّ أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
-*/*-
ما ينبغي إلقاء ضوء عليه أن المرحلة (العهد) المكية كان يوجد خلالها صراع هادئ نسبة للمنعة عند بعض أوائل المؤمنين أحياناً.. وحاد دموييصل إلى حد زهق الأرواح أحياناً كثيرةبين افراد دعوة التوحيد وبين صناديد صانعي الآلهة وكفار ناحتي الأوثان : عبَّاد الأصنام.. ثلةٌ من أهل مكة قبلت بالتوحيد والتزمت عبادة رب الأرباب وحده.. خالق الكائنات ومنشأ الإنسان ومبدع الأكوان.. لا تشرك به شيئاً.. وتوحيدهم يعني نبذ الأصنام..وكانت تلك القلة التي أمنت بآله واحد لا والد له ولا ولد ولا شبيه له ولا سند ولا معين له ولا وزير : خالق رازق محيي مميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.. هذه القلة في حالة ضعف.. فالصراع وجد بين مشركين.. عبدة أصنام وصناع بأيديهم أوثان..دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت بهدم الشرك بكلّ صوره وهو في مكة ثلاث عشرة سنة!.. وظل الصراع داخل مكة فلم يظهر بوضوح صراع بين الدين الخاتم وبين أتباع كتاب سماويسابق في البداية.. هذا جانب..
وأما الجانب الثاني فـ حين انتهى العهد(المرحلة) المكي بالمؤامرة على خاتم الأنبياء والتخلص منه بتصفيته جسدياً.. بـ قتله.. -وقد نشرتُ أحداثها على هذا الموقع- بدأت أحداث الهجرة النبوية الشريفة ووصوله الميمون إلى (يثرب) المدينة.. هنابدأت على الفور مرحلة صراع جديدة آخرى مع زيادة أطراف كارهة لهذا الدين منها خارجية وآخرى داخلية.. منهم : أهل كتاب سماوي.. مع وجود في نصوص كتابهم ما يثبت نبوة الخاتم محمد بن عبدالله.. فانحاز إلى طرف المشركين أطراف أهل الكتابين: أتباع كتابيالتوراة والأناجيل.. ومن طرف المسلمين فئة من المنافقين.. فتشكل معسكر يعاند ويعارض الإسلام الخاتم.. وهذا يعود لمجموعة عناصر تجتمع في سبب وحيد ألا وهو : خشية ضياع النفوذ والسيطرة والجاه وضياع المُلك..ويرافق هذا : غياب المصالح وانقطاع المنافع يبنى على هذا ضعف الوجاهة الإجتماعية بل وتلاشيها مع ضمور السيادة والرئاسة.. وإنتقالها إلى آخرين من دونهم.. وكل فريق له عنصر أو أكثر -من تلك- مقنع من وجهة نظرهوحسب توجهاته وتمسكه بعقيدة فاسدة أو إيمان باطل واقتناعه بمبادئ واهية في الدين اخترعوها وتشبثوا بها.. ورغبة الإنسان في إيجاد آله ملموس محسوس مرئي..
والإسلام الخاتم يضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج ويوضح المقياس الصحيح السليم وفي كل مسألة أمام الرأي الفاسد أو الإيمان الباطل.. والقرآن الكريم يذكر مواقف هؤلاء فيكشف عن هذا الضلال المبين.. وإسلام خاتم المرسلين ودعوة متمم المبتعثين ورسالة آخر الأنبياء محمد بن عبدالله من ذرية جده الأكبر إسماعيل وجده الأول إبراهيم الخليل من الجارية التي جاءت بها السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم إلى أرض كنعان، بعد رحلتها المشهورة إلى أرض مِصر في صحبة زوجها، عندما خرج من بلاده مهاجرا بدينه.. هاجر المصرية «أم العرب العدنانيين».. هذا الإسلام يكشف بأدلة ساطعةزيف رغبة الإنسان وميله في آله ملموس..بل هو سبحانه:﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾..ورغبته بجهله في آله محسوس وهو الذي﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾..فيرغب هذا الإنسان في آله مرئي.. وكيف ذاك وهوالذي ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾..
لذا فالإسلام الخاتم وضع الخط المستقيم بجوار الخط المعوج ليبين الصواب من الخطأ ويبين الفاسد من الصالح والطالح من النافع والصحيح من السقيم فاثبت القرآن بعض النماذج الخاطئة الفاسدة الباطلة.. أسمع لقول قوم قالوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾.. وناس ﴿ .. أَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون﴾..فقد طلبوا من موسى -عليه السلام- أن يجعل لهم صنماً يتقربون بعبادته إلى الله كما اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها.. فقال ابن الجوزي: " وهذا إخبار عن عظيم جهلهم حيث توهموا جواز عبادة غير الله، بعد ما رأوا الآيات".. فـ .: " يظهر من جواب موسى -عليه السلام- أنه وإن أنكر عليهم جهلهم: لم يجعل طلبهم ارتدادا عن الدين، ويشهد لذلك أنهم لم يؤاخذوا هنا، كما أوخذوا به عند اتخاذهم العجل، فكأنهم هنا - والله أعلم - عذروا بقرب عهدهم".. واسمع لقوم قالوا : ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾.. هذا.. لأننا: ﴿نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا﴾..﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾.. ﴿وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا﴾.. ﴿ وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾.. وقوم : ﴿أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾..فجاء الرد السريع من باب تصحيح العقائد وتصويب الإيمان بالقول الساطع : ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾.. ثم تأتي كرامات بقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾..
وجاء حديثٌ يحتاج إلى تخريج ودراسة فــ في حديث يُونس: «لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، خَرَجَ بِنَا مَعَهُ قِبَلَ هَوَازِنَ، حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى سِدْرَةِ الْكُفَّارِ: سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا، وَيَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ..»..وفي حديث إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ فَمَرَرْنَا عَلَى شَجَرَةٍ يَضَعُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ..».. وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».. والاستشهاد الأخير.. هذا.. متعلق بالمسلمين الجدد أو من أخذوا الإسلام وراثة عن الأجداد.. أو بحكم شهادة الميلاد.. فهم معذورون بجهلهم..لكن لغلبة الجهل، وقلّة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يخالفه.. ولقد اجهد ذهنه د. خالد الحايك في تخريجه..
قلت(الرَّمَادِيُّ): هناك استشكال في الحديث السابق يحتاج لتحقيق سابحثه من بعد تكرمه -سبحانه- وتعطفه ورضاه في نهاية البحوث في ملحق قادم.. إذ " لا يُعرف أنه كان للمشركين في الحجاز مثل الشجرة التي جاء ذكرها في هذا الحديث!! فالمعروف أن أهل الجاهلية من قريش والقبائل في الحجاز كانوا يعبدون الأصنام فقط، ولا يُذكر أنهم كانوا يعبدون الأشجار أو يتبركون بها ونحو ذلك."..
كما هناك ضرورة لتحقيق ترجمة الصحابي الجليل عبدالله بن سلام وكذلك مُخَيْرِيقِ النَّضْرِيِّ الْإِسْرَائِيلِيِّ.. سأبحثهما من بعد توفيقه في ملحق شخصيات محورية في السيرة المحمدية النبوية؛ وكذلك بحث مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-وأنه من العشرة المبشرين بالجنة على لسان الصادق المصدوق...
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الأحد: ٥ شوال ١٤٤٥ هـ ~ 14 أبريل 2024 م

أعلى الصفحةـ

146تَلَقِّي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-

خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ : عَنِ الْبَرَاءِ : « „ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ “ ».
الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ نَسَبٌ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْدَادُهُ وَأَخْوَالُهُ مِنْ جِهَةِ جَدِّ أَبِيهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛ فَإِنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَىٰ بِنْتُ عَمْرٍو؛ وَفِي إِطْلَاقِ أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتِهِمْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ ثَانٍ .. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَة.. وإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ وَهُوَ أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَيْسَا وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا مِنْ أَخْوَالِهِ وَلَا أَجْدَادِهِ، وَإِنَّمَا أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَقَدْ مَرَّ بِهِمْ وَنَزَلَ عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَخِي عَدِيٍّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَجَوُّزًا لِعَادَةِ الْعَرَبِ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِ أَوْ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ دَارَيْهِمَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ أَجْدَادُهُ أَوْ أَخْوَالُهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ مَجَازًا لِأَنَّ هَاشِمًا تَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ..
فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا أَنَّ :„ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ ‟،وَظَاهِرُهُيَدُلُّعَلَىٰأَنَّهُنَزَلَعَلَىٰبَنِيالنَّجَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَرَاءُ جِنْسَ الْأَنْصَارِ دُونَ خُصُوصِ بَنِي النَّجَّارِ.
[خُرُوجُهُـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَىٰ الْمَدِينَةِ]
وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:„ فَنَزَلَ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.. “.
أثبتُ ما خرجه البخاري في صحيحه: فقد قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.. زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ ثُمَّ
مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ الزُّبَيْرُ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ(*) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ..
ـــــــــــــــــــــ
(*) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَلَا أَهْلُ السِّيَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا ارْتَحَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِجَازِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَٰى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ مِنَ الْغَدِ، جَائِيًا مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَبْطَؤُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَجَّحَ الدِّمْيَاطِيُّ الَّذِي فِي السِّيَرِ عَلَىٰ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ،وَالْأَوْلَىٰ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَهْدَىٰ لَهُمَا مِنَ الثِّيَابِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
وَ.. سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَىٰ الْحَرَّةِ ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّىٰ يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ،
فَــ
انْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ،
فَــ
لَمَّا أَوَوْا إِلَىٰ بُيُوتِهِمْ
أَوْفَىٰ رَجُلٌ[أَيِ اطَّلَعَ إِلَىٰ مَكَانٍ عَالٍ فَأَشْرَفَ مِنْهُ] مِنْ يَهُودَ عَلَىٰ أُطُمٍ[وَهُوَ الْحِصْنُ، وَيُقَالُ: بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ كَالْقَصْرِ] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ،
فَــ
بَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ(*) يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ،
ـــــــــــــــــ
(*) أَيْ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ الَّتِي كَسَاهُمْ إِيَّاهَا الزُّبَيْرُ، أَوْ طَلْحَةُ أَوْ كِلَاهُمَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُسْتَعْجِلِينَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ فَارِسٍ يُقَالُ: بَائِضٌ أَيْ مُسْتَعْجِلٌ.
ـــــــــــــ
فَــ
لَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ : „ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ(*)، هَذَا جَدُّكُمُ(**) الَّذِي تَنْتَظِرُونَ “
ــــــــــــــــــــــ
(*) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرٍ: يَا بَنِي قَيْلَةَ، وَهِيَ الْجَدَّةُ الْكُبْرَىٰ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالِدَةُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عَدِيٍّ
(**) "هَذَا جَدُّكُمْ " أَيْ حَظُّكُمْ وَصَاحِبُ دَوْلَتِكُمُ الَّذِي تَتَوَقَّعُونَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: " هَذَا صَاحِبُكُمْ ".
ــــــــــــــــــــــــ
فَــ
ثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامِتًا ،
فَــ
طَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَــ
أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً،
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–ثُمَّ
رَكِبَ رَاحِلَتَهُ،
فَــ
سَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا[الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ] لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ :غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: « „ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ “ »؛
ثُمَّ
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ،
فَــ
قَالَا : „ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ “ ؛
فَــ
أَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ [اشْتَرَاهُ] مِنْهُمَا ،
ثُمَّ
بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ : وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبْرَأُ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ “ »؛
.. قَالَ الْحَاكِمُ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُخُولَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى الْخَوَارِزْمِيَّ قَالَ : إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ . ".
[تفصيل المواقف والاحداث] :
[اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا]
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ[وَعَبَّاسُ بْنُ عُبادة بْنِ نَضْلَةَ] فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ [مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى] فَقَالُوا :„ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ [الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ] “.. [وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ نَاقَتِهِ]،
[نُصرة أفكار ومفاهيم ومبادئ وقيم وقناعات ومقاييس الدين الجديد من خلال: الْعَدَدِ.. وَالْعُدَدِ.. وَالْمَنَعَةِ.. والْعِزِّ.. وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ ]
[دعوا سبيل الناقة]
فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “ - لِنَاقَتِهِ - فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا[فَانْطَلَقَتْ] حَتَّى إِذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ فَتَلَقَّاهُ قَوْمٌ[فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا حَتَّى مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ [فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ: [يا رسول الله هَلُمَّ إلينا في العدد وَالْمَنَعَةِ]، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.. ثُمَّ دَارَ بِبَنِي الْحَٰرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَكَذَلِكَ[اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فقالوا:„ يا رسول هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ “]،
[اعتراض أخوال النبي الناقة]
ثُمَّ دَارَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُهُ.. فَــ[اعْتَرَضَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: قَالُوا:„ أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا]: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى أَخْوَالِكَ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ “، فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ[(فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حيث أنزلني الله “)]، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا
[بروك الناقة ببني مالك بن النجار]
فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بَرَكَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ [مَسْجِدِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْيَوْمَ] وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرْبَدٌ، فَلَمَّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ، فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبَرَكَتْ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا، [فَفَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا، وَاطْمَأَنَّتْ حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَدْ أُمِرَتْ] فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
09 شعبان 1445هـ~20 فبراير2024م

أعلى الصفحةـ

 145 خُطْبَةُ النَّبِيِّ فِي بني سَالم

مُقَدَّمَاتُ أحداثٍ دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ المصطفوية النَّبَوِيَّةِ المنورة - مَدِينَةِ الْسَلَامِ..
أوائل العام الهجري الأول : [( الجمعة: ١٦ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ).. هذا علىٰ قولٍ؛ وهناك مَن أثبت قول آخر ] : محرم ١ هـ ~ يوليو/تموز 622 م
خُطْبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْڪَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بني سَالم بن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة:
فَمِنْ ذَلِكَ تَجْمِيعُهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ مِنْ قُبَاءٍ فِي بَنِي سَالِمٍ فِي بَطْنِ وَادٍ لَهُمْ، وَهِيَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ جَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْإِسْلَامِ وَخَطَبَهُمْ، وَهِيَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ[(*)]..
وهي رواية عند القرطبي في تفسيره الجامع.. وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري.. حيث أنهما نصا علىٰ أنه-عليه السلام- خطب خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة:
فـ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خُطْبَةِ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بني سَالم بن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-: أنه قال:
« „ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَلَا أَڪْفُرُهُ، وَأُعَادِي مَنْ يَڪْفُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ وَالنُّورِ وَالْمَوْعِظَةِ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَضَلَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ: وَدُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقُرْبٍ مِنَ الْأَجَلِ. مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَىٰ وَفَرَّطَ وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَأُوصِيڪُمْ بِتَقْوَىٰ اللَّهِ، فَإِنَّهُ خَيْرُ مَا أَوْصَىٰ بِهِ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَحُضَّهُ عَلَىٰ الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَقْوَىٰ اللَّهِ. فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَڪُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيحَةً وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ذِڪْرَىٰ، وَإِنَّهُ تَقْوَىٰ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ علىٰ وَجلٍ ومخافةٍ، وَعونَ صدقٍ علىٰ مَا تَبْتَغُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَمَنْ يُصْلِحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ أَمْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَا يَنْوِي بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ يَڪُنْ لَهُ ذِڪْرًا فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ وَذُخْرًا فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَىٰ مَا قَدَّمَ، وَمَا ڪَانَ مِنْ سِوَىٰ ذَلِكَ يَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، ويحذرڪم اللهُ نَفسه وَالله رءوف بِالْعِبَادِ. وَالَّذِي صَدَقَ قَوْلُهُ، وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، لَا خُلْفَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ -تَعَالَىٰ-:﴿مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [ق:29]
وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي عَاجِلِ أَمْرِڪُمْ وَآجِلِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهُ ﴿مَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ [الطلاق:5] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا وَإِنَّ تَقْوَىٰ اللَّهِ تُوقِّي مَقْتَهُ، وَتُوقِّي عُقُوبَتَهُ، وَتُوقِّي سَخَطَهُ، وَإِنَّ تَقْوَىٰ اللَّهِ تُبَيِّضُ الْوَجْهَ، وَتُرْضِي الرَّبَّ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَةَ. خُذُوا بِحَظِّڪُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَڪُمُ اللَّهُ ڪِتَابَهُ، وَنَهَجَ لَڪُمْ سَبِيلَهُ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلِيَعْلَمَ الْڪَاذِبِينَ، فَأَحْسِنُوا ڪَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْڪُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاڪُمْ وَسَمَّاڪُمُ الْمُسْلِمِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَأَڪْثِرُوا ذِڪْرَ اللَّهِ، وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَڪْفِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَلَىٰ النَّاسِ وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَمْلِڪُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَڪْبَرُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ” » ؛
...
هَڪَذَا أَوْرَدَهَا ابْنُ جَرِيرٍ.. وَفِي السَّنَدِ إِرْسَالٌ.
وَقَالَ ابن هشام والْبَيْهَقِيُّ: بَابٌ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ:
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: ڪَانَتْ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ أَن قَامَ فيهم فَــ :
« „ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَىٰ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ” » ؛
ثُمَّ قَالَ:
« „ أَمَّا بَعْدُ!.. أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِڪُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُڪُمْ ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ، لَيْسَ لَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ:
« „ أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ، فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ ” » ..
فَــ
يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَىٰ شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَىٰ غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِڪَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَىٰ الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَاَلِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَڪَاتُهُ ” » ؛
ثُمَّ
خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً أُخْرَىٰ فَـ
قَالَ :
« „ إِنَّ الْحَمْدَ لله أَحْمَده وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ، إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ڪِتَابُ اللَّهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ.. وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْڪُفْرِ.. وَاخْتَارَهُ عَلَىٰ مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ، أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ ڪُلِّ قُلُوبِڪُمْ وَلَا تَمَلُّوا ڪَلَامَ اللَّهِ.. وَذڪرَه.. وَلَا تقسىٰ عَنهُ قُلُوبڪُمْ فَإِنَّهُ من ڪل مَا يخلق الله يَخْتَارُ اللَّهُ وَيَصْطَفِي، فَقَدْ سَمَّاهُ خِيَرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَخِيَرَتَهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ ڪُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِڪُوا بِهِ شَيْئًا وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِڪُمْ، وَتَحَابُّوا بِرَوْحِ اللَّهِ بَيْنَڪُمْ، إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْڪَثَ عَهْدُهُ. وَالسَّلَامُ عَلَيْڪُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَڪَاتُهُ ” » ؛
وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا مُقَوِّيَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الالفاظ..
يقول الدڪتور مصطفىٰ الشڪعة في ڪتابه : „ البيان المحمدي ”: إنه مثلما أثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث خطب يوم أوحي إليه بأن أنذر عشيرتك الأقربين فقد أثر عنه -صلى الله عليه وسلم- ثلاث خطب يوم الجمعة الذي وصل فيه إلىٰ المدينة المنورة .

ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
سلسلة بحوث في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وڪامل التبريڪات وعظيم التنعيمات
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
أبحاث : دَارِ الْهِجْرَةِ.. دَارِ السُّنَّةِ « يثرب » الْمَدِينَةَ المنورة
الإصدار الأول مِن منشورات «آستروعرب نيوز»
[(*)] قلتُ (مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُّ) : مجموع خطب حضرة الرسول المبتعث والنبي المرسل.. أمين وحي ربه تعالىٰ-.. أفضل البشر.. وسيد ولد آدم.. وأفضل الخلق.. هذه الخُطب النبوية.. الجزء الأول منها في العهد المڪي والجزء الثاني في العهد المدني.. تحتاج إلىٰ إعادة تضبيب.. أي إمساك بها بشدة حتىٰ لا ينفلت منها شئ؛ وقد اشرَفت علىٰ أن أظْفَرَ بجمعها من مظانها؛ وسوف تنشر في ملحق خاص بها في نهاية الأبحاث مِن بعد إذنه -تعالىٰ- وبمعونته وبرضاه وتوفيقه.. إن شاء الله -سبحانه وتعالىٰ شأنه- ..
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-
العام الهلالي الْهِجْرِيَّ : ١٤٤٥؛ يوم الخميس١٣ رجب الفرد~ الموافق: 25 يناير 2024 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-.

أعلى الصفحةـ

144 مبدأ صَلّاة الجمعة
تاريخ التشريع لصلاة الجمعة

الجمعة : 16(*) ربيع الأول من العام الهجري الأول ~ 23 أيلول / سبتمبر 622 م
تمهيد:
.. جاء في “الروْض الأنُف” للسهيلي علىٰ سيرة ابن هشام، أن ڪعب بن لؤي ـ أحد أجداد النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هو أول من جمَع يوم العَروبة.. ولم تُسم العَروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم.. وقيل: هو أول مَن سمَّاها الجمعة، عن أبي سلمة قال: أول من قال: أما بعد كعب بن لؤي، وڪان أول من سمىٰ الجمعة الجمعة وڪان يقال للجمعة: العَروبة، وقيل: أوّل من سماها جمعة الأنصار.
فڪانت قريش تجتمع إليه [اي: ڪعب بن لؤي ]في هذا اليوم، فيخطبهم ويُذَڪِّرهم بمبعث النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ويُعْلِمهُم أنه من ولده، ويأمرهم باتِّباعه والإيمان به، وقد ذڪر الماوردي هذا الخبر عن ڪعب في ڪتاب الأحكام السلطانية. وأميلُ إلىٰ القول بأن : الجمعة اسم إسلامي خالص، وڪانت العرب تقول: العَروبة قبل الإسلام، ثم سماه الله-تعالىٰ- بيوم الجمعة. لذا فـ قد اختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أڪمل فيه الخليقة ڪما جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة-رضي الله تعالىٰ عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « „ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارىٰ بعد غد ” »؛ نحن الآخرون يعنى الآخرون وجودًا وخلقًا بين الأمم، الأخرون زمنًا من ناحية الوجود، والسابقون بالفضل ودخول الجنة.
صلاة الجمعة فُرِضَتْ بمڪة قبل الهجرة ڪما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس -رضى الله عنهما- ، ولم يتمڪن النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من إقامتها بها، وذلك لقلة عدد المسلمين، أو لضعف شوڪتهم أمام قوة المشرڪين.. وأن الذي منع من أدائها أن شعارها الإظهار، والإظهار لم يڪن ممڪنًا بمڪة لبطش الڪفار، وڪان - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بمڪة مستخفين في غالب أحوالهم. .. فلما هاجر من هاجر من الصحابة إلىٰ المدينة ڪتب إلىٰ مُصعب بن عُمَير - وهو أول من أوفده النبى - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [سفير الإسلام الأول] من مڪة مع المسلمين من الأنصار ليُعَلِّمهم، ثم قدم بعده عبداللّه بن أم مڪثوم: « „ أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءڪم وأبناءڪم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقرَّبوا إلىٰ الله برڪعتين ” » .وعلىٰ هذا يڪون مُصعب أول من صلىٰ بهم الجمعة فى المدينة، وڪان عددهم اثنىٰ عشر رجلا، ڪما فى حديث الطبراني عن أبى مسعود الأنصاري، وهذا الحديث ضعيف .
وهناك قول آخر بأن أول من جمع بهم هو أبو أمامة أسعد بن زُرَارَة الذى نزل عليه مصعب بن عمير، فقد قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عَنْ أبِيهِ قالَ: حَدَّثَنِي عبدالرحمن بن كعب بن مالك، قالَ: „ كُنْتُ قائِدَ أبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإذا خَرَجْتُ بِهِ إلىٰ الجُمُعَةِ فَسَمِعَ الأذانَ بِها اسْتَغْفَرَ لِأبِي أُمامَةَ أسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ، فَمَكَثَ حِينًا عَلى ذَلِكَ فَقُلْتُ: إنَّ هَذا لَعَجْزٌ ألا أسْألَهُ عَنْ هَذا، فَخَرَجْتُ بِهِ كَما كُنْتُ أخْرُجُ، فَلَمّا سَمِعَ الأذانَ لِلْجُمُعَةِ، اسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقُلْتُ: يا أبَتاهُ! أرَأيْتَ اسْتِغْفارَكَ لِأسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ كُلَّما سَمِعْتَ الأذانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ؟ ”؛ قالَ: „ أيْ بُنَيَّ! كانَ أسعد أوَّلَ مَن جَمَّعَ بِنا بِالمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هَزْمِ النَّبِيتِ مِن حَرَّةِ بَنِي بَياضَةَ في نَقِيعٍ يُقالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضَماتِ ” ؛ قُلْتُ: „ فَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ ” ؛ قالَ: „ أرْبَعُونَ رَجُلًا ” . قالَ البيهقي: „ ومحمد بن إسحاق إذا ذُكِرَ سَماعُهُ مِنَ الرّاوِي، وكانَ الرّاوِي ثِقَةً، اسْتَقامَ الإسْنادُ، وهَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ الإسْنادِ ” .
قال ابن القيم: „ وهَذا كانَ مَبْدَأ الجُمُعَةِ. ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ، فَأقامَ بِقُباءٍ في بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَما قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، ويَوْمَ الثُّلاثاءِ، ويَوْمَ الأرْبِعاءِ ويَوْمَ الخَمِيسِ وأسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، فلما كان اليوم الخامس (يوم الجمعة) ركب رسول الله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الناقة بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى أخواله (بني النجار)، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَأدْرَكَتْهُ الجُمُعَةُ في بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فجمع بهم في المسجد فَصَلّاها في المَسْجِدِ الَّذِي في بَطْنِ الوادِي[وادي رانوناء ] وكانوا مائة : "١٠٠".رجل وكانَتْ أوَّلَ جُمُعَةٍ صَلّاها بِالمَدِينَةِ، وذَلِكَ قَبْلَ تَأْسِيسِ مَسْجِدِهِ ” .. والهزم المكان المطمس من الأرض، والنبيت أبو حشمن اليمن اسمه عمرو بن مالك، وحرة بنى بياضة قرية على ميل من المدينة، أي ما يعادل : (1,60934 كيلومترا). وبنو بياضة بطن من الأنصار والنَّقيع: بطنٌ من الأرض، يستنفع به الماء مدَّةً، فإذا نضب الماء أنبت الكلأَ.. وقد جمع بين الحديثين -على فرض صحة الأول -بأن مُصعبا يقال : إنه أول من جمع باعتباره كان إماما للمصلين وبأن أسعد هو أول من جمع لأنه الأمير للقوم، وكان مُصعب فى ضيافته فنسب الأمر إليه وبخاصة أنه أطعم المصلين غداء وعشاء كما فى رواية أخرىٰ.. واجتماع المسلمين فى يوم من أيام الأسبوع قيل: كان باجتهادهم قبل أن تفرض عليهم صلاة الجمعة، فقد جاء فى حديث مرسل عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلى ونشكره، فجعلوه يوم العَروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها، وذلك لقلتهم فأنزل اللّه -تعالى- فى ذلك ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، قال ابن حجر: رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، أى سقط منه الصحابي..
[(يلاحظ أن هذا الحديث يبين قلة عدد المصلين للجمعة فى أول مرة بحيث تڪفيهم الشاة غداء وعشاء، أما الحديث الذى فيه استغفار ڪعب بن مالك لأسعد بن زرارة فيذڪر أن عددهم أربعون[٤٠]، وهؤلاء لا تڪفيهم الشاة غداء وعشاء، فالظاهر أن رواية حديث ابن سيرين ڪانت عن أول صلاة، وحديث ڪعب ڪان بعد اشتهار صلاة الجمعة وڪثرة الحاضرين)] .
وقيل ڪان اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة بأمر النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪما يدل عليه ڪتابه إلىٰ مصعب بن عمير الذى أخرجه الدارقطني عن ابن عباس .
ولما هاجر النبى - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونزل "قباء" عند بني عمرو بن عوف، ثم توجه إلىٰ المدينة يوم جمعة فأدرڪته صلاتها فى بني سالم بن عوف، فصلاها فى المسجد الذي فى بطن الوادي وسمى مسجد الجمعة وهي أول جمعة صلاها بأصحابه وڪانوا مائة[١٠٠] وقيل أربعون[٤٠]. .ولعل ڪل جماعة أسلمت قبل هجرة النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إليهم ڪانت تتخذ لها مسجدا خاصا..
وأول جمعة جمعت في مسجد من مساجد بلاد الإسلام بعد المدينة، يعني خارج المدينة النبوية أي .. أول جمعة في غير المدينة ڪانت في جواثىٰ؛ قرية في مجمع البحرين؛ فـ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: „ إنَّ أوَّلَ جمعةٍ جمِّعت في الإسلامِ بعدَ جمعةٍ جمِّعت في مسجدِ رسولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالمدينةِ لجمعةٌ جمِّعت بجواثاءَ ”؛ قريةٍ من قرىٰ البحرين. وهي قريةٌ من قرىٰ عبدِ القيس.. وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ عبدُالله بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ أوَّلَ صَلاةِ جُمعةٍ صُلِّيتْ بِشُروطِها مِنَ الخُطبةِ والاجتماعِ، بعْدَ الجُمعةِ الَّتي صَلَّاها الصَّحابةُ لأوَّلِ مرَّةٍ في المسجِدِ النَّبَويِّ بالمدينةِ: هي الجُمعةُ الَّتي أُقيمَتْ في مَسجِدَ عَبدِ القَيسِ، وهي قَبيلةٌ بِـ جُواثَىٰ مِن البَحرين، و«جُواثَىٰ» قَريةٌ أو اسمُ حِصنٍ، و«البَحرين» ڪانتْ في القَديمِ تُطلقُ علىٰ ما يشمَلُ حاليًّا ڪلًّا مِن: البَحرينِ، والأحساءِ والقَطيفِ شَرْقِ الملڪيَّةِ السعوديَّةِ، ويقَعُ مسجِدُ عبدِ القَيسِ حاليًّا في مُحافظةِ الأحساءِ.. هذا قول.. ولعل من الدقة الجغرافية أن أقول (الرمادي) :" وبلاد البحرين تطلق علىٰ الموضع الذي هو ما بين البصرة وعمان، فـ البحرين قديمًا، وفي العهد النبوي من البصرة إلىٰ عمان، هذه ڪلها البحرين، فليست البحرين جزيرة، ولا الأحساء فقط، ولا المنطقة الشرقية فقط، البحرين من البصرة إلىٰ عمان. ".. وبعض ألفاظ الروايات قد توحي أن أول جمعة في المدينة وثاني جمعة في جواثىٰ، وليس -الأمر- ڪذلك لڪن ثاني مڪان خارج المدينة صار فيه جمعة هو جواثى، لڪن بعد مدة من الزمن..
والذي عليه جمهور العلماء أن-صلاة الجمعة فرضت في المدينة؛ لأن سورة الجمعة مدنية.
.. هذا فى تاريخ التشريع لصلاة الجمعة ..
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
(*) وفي تفسير الثعلبي جاء:" قال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله ﷺ‎ مهاجرا حتى نزل قباء على بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين أشتد الضحى فأقام ﷺ‎ بقباء يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة " . أي صباح يوم الجمعة الموافق 16 من شهر ربيع أول من العام الأول من الهجرة.
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
أحداث جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ....
أوائل العام الهجري الأول : ربيع أول ١ هـ ~ 622 م
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
بدايات العهد المدني
144 مبدأ صَلّاة الجمعة
٤ رجب الحرام(ويسمىٰ: الفرد/مُضر) ١٤٤٥ هـ~ 16 يناير 2024م

أعلى الصفحةـ

 

١٤٣ مسجد « قُباء »
أول مسجد في الإسلام
 [ 1 هـ ~ 622 م ]
أحداثٌ جرت عند دُخُولِ نبي الإسلام -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَدِينَةِ الْسَلَامِ ..
أوائل العام الهجري الأول
[ ١٥ ] الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ عَشَرَ
السيرة النبوية : بدايات العهد المدني

قد يُثار تَّساؤُل عند المتابع العادي لـ أحداث السيرة المحمدية.. والمراقب للـ منهجية النبوية.. والدارس للطريقة العملية المصطفوية الرسولية.. وڪل ذلك وحي مِن مَن رفع السموات بغير عمدٍ نراها..
يُثار تَّساؤُل عند قرب إنتهاء هجرة خير البرية ورسول الإنسانية ونبي الرحمة المهداة للعالمين المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- برفقه صديقه الصحابي الأول الصديق أبي بڪر -رضوان الله تعالى عليه- من مڪة المڪرمة إلىٰ يثرب/مدينته المنورة..
وقد يتبادر سؤال عند المستشرق ذي الأصول النصرانية أو دارس الڪهنوت المسيحي أو عند مستشرق باحث في الأديان ينتمي إلىٰ الديانة اليهودية.. في بلاد الغرب..
يتساءل الجميع!..
ولهم الحق الڪامل في الاستفسار في السؤال!..
ويجب علىٰ أهل العلم تحت الخيمة الخضراء الإسلامية والفسطاط الإسلامي.. تجب الإجابة..
وإن لم يتم الإقناع وجب الحوار بـ التي هي أحسن!
فــ محور السؤال يدور حول :
لماذا بنىٰ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المهاجر مع رفيقه -رضي الله عنه- في بلدة « قُباء » مسجداً!؟..
أليس ڪان من الأولىٰ أن يشيد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مسڪناً أو يبني بيتاً.. أو يسقف له -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- غرفة تأوية من حرارة شمس النهار.. وتحميه من برودة الليل.. إذ أنه ترك مسقط رأسه وهاجر فترك موطنه وغادر مسڪنه.. فترك عشيرته وقبيلته وترك أترابه..!؟..
وســ أسعىٰ جاهدا-بإذن الله تعالىٰ- للإجابة عن هذا السؤال !
..
.. « مَسْجِدُ قُبَاءٍ » أول مسجد بني في الإسلام، وأول مسجد بُني في المدينة النبوية..
ومن حيث الأولية فإن المسجد الحرام بمڪة المڪرمة أول بيت وضع للناس..
أما مسجد قُباء فهو أول مسجد بناه النبي المصطفىٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-..
فقد بُني المسجد من قِبل النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وذلك حينما هاجر من مڪة متوجهاً إلىٰ مدينة؛ فوضع النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أساس المسجد، وقام بالمشاركة الشخصية في بنائه، وسارع الصحابة المهاجرون منهم والأنصار-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- في إعماره، حتىٰ قامت بنيته وعلا ڪعبه..
يقع مسجد قباء في البقعة التاريخية المقدسة لدىٰ المسلمين حيث بنىٰ الرسول محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الأيام الأولىٰ لهجرته إلىٰ المدينة أول مسجد في تاريخ الإسلام ويقع في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، هو أيضًا أڪبر مساجد المدينة بعد المسجد النبوي..
...
فقد نزل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بــ « قباء » علىٰ ڪلثوم بن الهدم، وأقام رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بــ قباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.
وأسس مسجد قباء وصلىٰ فيه.
وهو أول مسجد أسس علىٰ التقوىٰ، وهو المسجد الذي وصفه الله تعالىٰ بقوله: ﴿لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ﴾ [آية: (١٠٨)؛ من سورة: التوبة].

التفصيل:
" جاء عند الطبري : وفي [مستهل] السّنة [الأولىٰ من الهجرة وقبيل وصوله إلىٰ يثرب/ المدينة المنورة] بُنِي مسجد قُباء [1]..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الذهبي :" فَــ
عَمَدَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَڪَانَهُ مَسْجِدًا فَڪَانَ يصلّي فيه،
ثم
بناه عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَىٰ التَّقْوَىٰ وَالرِّضْوَانِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر الطبري تأريخ بناء مسجد قباء هكذا، وتطرق إلى بنائه عابرًا كذلك في مواضع سابقة ولم يذكر بالتفصيل ما ذكره أئمة الحديث والمغازي والسير في بناء مسجد قباء. (٢: ٣٩٧)
(2) التوفيقية
وأكتفي بهذا القدر من الحديث عن أول مسجد وسأكمل في الملحق بإذنه تعالى وإن شاء سأتكلم عن بقية العهود في توسعة مسجد قباء!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الأحد : 26 جمادى الثانية1445 هــ~ 07 يناير 2024 م

أعلى الصفحةـ

كتاب & مراسلون

أوسترو عرب نيوز

 

 

 

 


اضغط هنا .. لمشاهدة الحوار
اضغط هنا .. لقراءة الحوار
اضغط هنا .. لسماع الحوار
اضغط هنا .. لقراءة الحوار

 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا