السيرة
النبوية
الشريفة
تقديم :
د.
محمد
الرمادى
فيينا /2025 |
 |
|
|
|
 |
167 تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ َكَانَ صَرْفُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ الْـمُعَظَمةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيةِ الْشَرِيفةِ .
مدخل للمسألة :
منذ اللحظة الأولى من البعثة المحمدية الخاتمة لرسالات السماء للبشر أجمعين .. والإسلام يضع الخط المستقيم الصحيح بـ جوار الخط المعوج الخطأ .. سواء المتعلق بـ وحدانية الآله وربوبيته .. أو كيفية تسيير المعاملات فيما بين البشر .. أو كيف ينظم الإنسان حياته .. {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} .. وهذا الخط المستقيم عارضه الكثير .. سواء أهل مكة - مبدأ الدعوة ومنطلق الرسالة - بل رفضه السواد الأعظم .. من عشيرة النبي محمد عليه السلام أو مَن سكن يثرب من اليهود والمنافقين ..
.. ويتبين بوضح تام عند مراجعة مصدري الوحي المُنزل من رافع السماوات بغير عمد نراها بواسطة أمين السماء المَلك جبرائيل على قلب أمين السماء والأرض النبي الرسول محمد بن عبدالله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ.- .. فـ بلغ عليه السلام كامل الرسالة الخاتمة والبعثة الآخيرة والنبوة المتمة كما أوحى ربه تعالى إليه .. فـ بلغ عليه الصلاة والسلام الإسلام لـ صحابته .. فـ يتبين بوضوح كـ إنهارة شمس رابعة النهار الكون كله أن الإسلام الخاتم تميَّز بـ ميزات خاصة فـ صارت من خصوصيات هذه الملة الحنيفية السمحاء .. تقبلها البعض بـ إيمان عميق ورفضها أخرون بـ عناد وحقد وحسد من عند أنفسهم ..
.. جاء في السيرة الحلبية :" من خصائص هذه الأمة :
- الركوع و :
- الجماعة و :
- افتتاح الصلاة بالتكبير ، فـ إن صلاة الأمم السابقة كانت لا ركوع فيها ولا جماعة ، وكانت الأنبياء كـ أممهم يستفتحون الصلاة بـ التوحيد والتسبيح والتهليل ، أي وكان دأبه صلى الله عليه وسلم في إحرامه لفظة الله أكبر، ولم ينقل عنه سواها أي كــ النية. "..
فصار لهذه الأمة المحمدية الإسلامية خصوصيات عدة .. إما نصاً جاء في محكم الكتاب الكريم .. وإما حديثاً نبوياً شريفاً أو وقائع حدثت من السادة الصحابة والصحابيات أو التابعون لهم بإحسان ..
وهذه المميزات والتي صارت خصوصيات يمكن أن أقسمها إلى أربع خاصيات ..
1 . ) - الأولى منهن : أن الله ~ الخالق الرازق المحيي المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير وهو البصير السميع الخبير .. أنزل اسماءَه الحسنى وصفاته العُليا في محكم كتابه العزيز .. قال تعالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ .. فـ عَرَّفَ ذاته - وهو الذي ليس كمثله شئ - بـ نفسه العلية وصفاته السمية .. إذ لا تدركه الأبصار ولا تعرف كنهه العقول والأفهام .. فـ تميَّز آله محمد(!) وربه [(الله - سبحانه وتعالى -)] عن بقية الالهة عند البشر جميعاً والتي استحدثوها من بنات افكارهم تميزاً ظاهراً واضحاً جلياً سواء عند آلهة الإمبراطورية الرومانية .. أو الفارسية .. أو الهندية .. أو عند العرب في أصنام جزيرتهم .. أو عند أهل الكتاب بعد التعديل والتبديل والتحريف والتغيير ..
فـ مَن يقرأ كتابَه العزيز يجدها [( أي : الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )] مبثوثة بين جنباته .. في العديد مِن الآيات الكريمات .. جاءت وحياً من عنده - عزَّ وجلَّ - ..
كما أن السُنَّة المحمدية النبوية جاءت بــ تفصيل لها .. ولم تترك صفاته أو اسماؤه للبشر يتخيلونها فـ يستحدثونها كما شاءوا فــ يبتدعون ما تصل إليها مداركهم الناقصة وافهامهم الضئيلة عن فهم خالقهم ورازقهم ..
فـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :„ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ[*] اسْمًا .. مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةٍ .. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .. إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ( هُوَ اللَّهُ ) ..“ ؛ .. ثم ذكر تلك الأسماء الحسنى .. وَسَاقَهَا التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ .. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالْحُسْنِ .. وَسَاقَهَا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ ، وَلَفْظُهُ :„مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ“؛ .. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ :„ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي إحْصَائِهَا مُضْطَرِبَةٌ .. لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا .. ثم .. قَالَ :„وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ “ ؛ كما أشرت سابقاً ..
قلت( الرَّمَادِيُّ ) : ويكفي تتبعها في الكتاب العظيم : القرآن المجيد لــ معرفتها ..
مع التنبيه أَنَّ:„ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ “ ..
2 . ) - أما الخاصية الثانية .. والتي تُميز الأمة الإسلامية كـ أمة من أهل الكتاب عن غيرها من الأمم والشعوب: هذه الخاصية والخصوصية هي : حُفِظَ الوحي المُنزل بـ شقيه الكتاب العزيز :
أ . ) : القرآن الكريم .. و الترجمة العملية للوحي :
ب . ) السنة النبوية الرسولية المحمدية .. حُفظ هذا الوحي مِن قِبل الحق تبارك وتعالى بـ آية قطعية الثبوت وقطعية الدلالة فـ أنزل أمين السماء المَلك جبرائيل وحياً من ربه قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}
وقال : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز} {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد}.. فـ تكفل سبحانه في علاه وتقدست اسماؤه بـ حفظ وحيه المُنزل على قلب خاتم رسله ومتمم رسالته وآخر انبياءه بـ نفسه العلية .. حفظه - عزَّ وجلَّ - مِن التعديل والتبديل والزيادة والنقصان والتحريف والتغيير .. وهذا مصداقاً لقوله عليه السلام :« تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ» .. وفي رواية : « تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجَّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ» .. والمحجة جادة الطريق : أي وسطه ؛ وهي بيضاء لـ وضوحها ؛ ولذلك قال: «لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا » .. أي لا لبس فيها ؛ واضحة جلية لـ سالكها . ويتأكد المعنى هذا بـ قولهُ تعالى : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ .. فـ صراطُ الله واحِد .. ولهذا ندعوا الله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة في كل صلاةٍ ، وهي ركنٌ من أركانها ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فـ الذين أنعم اللهُ عليهم هم : الصديقون والشهداء والصالِحون ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾ .. لأن المصيبة الكبرى تكمن في مَن عندهم علم ولم يعملوا به .. أو الذين يعبدون الله على جهل وضلال على غير دليل .. وعلى غير حق ..
3 . ) - أما الخاصية الثالثة : تميز المصطفى الرسول المجتبى النبي المحتبى المبعوث المرتضى : خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين [( موضوع هذه البحوث )] عن بقية البشر والخلق .. فـ ميزة هذا النبي الرسول .. وخصائصه .. وصفاته .. وأخلاقه .. وشمائله .. ودلائل نبوته .. هذه كلها ثبتت في صحيح كُتب أهل الكتاب :
أ . ) : العهد العتيق .. و
: ب . ) العهد الجديد .. ثم آكدها :
ج . ) العهد الحديث : القرآن الكريم .
[( انظر : بحث : ﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ .. بـ قلمي .. منشورات آستروعرب نيوز)] ..
وَنُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ .. وَأَدَّى الْأَمَانَةَ .. وَنَصَحَ الْأُمَّةَ .. وَترَكَهَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ..
4 . ) - أما الخاصية الرابعة :ميزة وخاصية أمة الإسلام .. نطق القرآن الكريم واصفا الأمة المحمدية فقال: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ .. ﴾.. وهذه الأمة الإسلامية تميزت فــ صارت من خصائصها أن تكونت في عهد النبوة ونشأت زمن الرسالة بـ وجود السادة الصحابة والسيدات الصحابيات ؛ ثم تلاهم السادة التابعون فـ تابعو التابعين .. ثم جاء من بعدهم .. قوم .. كما جاء في الصحيح المسند للوادعي ما رواه : أنس بن مالك عن النبي أنه قال :«„ وددتُ أنِّي لقيتُ إخواني “» ؛ قالَ : فقالَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ :„ أوليسَ نحنُ إخوانَكَ “ ؛ قالَ :«„ بل أنتُم أصحابي .. ولكنْ إخواني الَّذينَ آمَنوا بي ولم يرَوني “» .. وهذا الحديث يحتاج تفصيل مني .. فـ من بعد إذنه وعظيم تفضله سأتكلم عنه في الملحق!
:«„ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ “»
فـ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:„صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ بِــ شَهْرَيْنِ“؛ وَ عَنْه - أيضاً - أنَّهقَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ:„ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِـ شَهْرَيْنِ“؛ وجاءت روايته بألفاظ آخرى إذ قَالَ :„ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِـ شَهْرَيْنِ“ ..
..
فقد كان المسلمون في صدر الإسلام يستقبلون بيت المقدس بالشام في صلاتهم .. حتى جاء الأمر الآلهي بـ تغيير القبلة إلى الكعبة المشرفة ونزل قول الله تعالى : ﴿... فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .. وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ...﴾ فـ نحن نصلي إلى الكعبة لأن الله تعالى أمرنا بذلك وهو جلَّ وعلا :﴿ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ ..
فـ لا ريب في أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس بعد قدومه المدينة بضعة عشر شهرا ، وقد جاء عن ابن عباسرضي الله عنهما „ أن الله هو الذي أمره بذلك .. ثم .. أمره بأن يستقبل البيت العتيق .. فـ كان هذا أول ما نُسخَ من القرآن “ ..
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:„ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بـ مكةَ إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه .. فلما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا .. ثم .. صرفه الله إلى الكعبة بعد .. ولهذا يقول تعالى: ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ ـ
قال أبو عبيد القاسم بن سلام، في كتاب الناسخ والمنسوخ: „ عن ابن عباس ، قال: „ أول ما نُسخ من القرآن فيما ذُكر لنا - والله أعلم - شأن القبلة: قال تعالى: ﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ صلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها ، فـ قال: ﴿ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام .. وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ “..
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال: „ كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة [(وكان أهلها اليهود)] أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، فـ فرحت اليهود فـ استقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قِبلة إبراهيمَ ، فـ كان يدعو وينظر إلى السماء ، فـ أنزل الله: ﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها﴾ ـ إلى قوله: ﴿فولوا وجوهكم شطره﴾ ـ فـ ارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فـ أنزل الله: ﴿قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ “ ..
وقد دل قوله تعالى : ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ على ما ذكره ابن عباس وذهب إليه الجمهور من أن استقبال بيت المقدس كان بأمر منه تعالى .
وقد ذكر القرطبي الخلاف في هذه المسألة فقال ما عبارته: " واختلف العلماء ـ أيضا ـ في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلاثة أقوال ، فـ
قال الحسن:
1 . ) كان ذلك منه عن رأي واجتهاد(!) ، وقاله عكرمة وأبو العالية. و
2 . ) الثاني: أنه كان مخيرا بينه وبين الكعبة ، فاختار القدس طمعا في إيمان اليهود واستمالتهم .قاله الطبري . وقال الزجاج:امتحانا للمشركين ، لأنهم ألفوا الكعبة.
3 . ) الثالث: وهو الذي عليه الجمهور ـ ابن عباس وغيره ـ وجب عليه استقباله بأمر الله تعالى ووحيه لا محالة ، ثم نَسخ الله ذلك وأمره الله أن يستقبل بـ صلاته الكعبة ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ﴾ .. الآية.
..
وعلى تقدير أن استقبال بيت المقدس لم يكن بأمر من الله وإنما كان باجتهادٍ منه صلى الله عليه وسلم ، فإن القائلين بـ جواز الاجتهاد في حقه : [**] [( هذه المسألة : تحتاج مراجعة مني .)]صلى الله عليه وسلم منهم من يقول إنه معصوم من الخطإ في الاجتهاد ، ومنهم من يقول إنه قد يقع منه الخطإ ، ولكنه لا يقَر عليه ، قال الزركشي في البحر: " إذا جوزنا له الاجتهاد .. فـ المختار أنه لا يتطرق الخطأ إلى اجتهاده ، لأنه لو جاز لـ وجب علينا اتباعه فيه ، وهو ينافي كونه خطئا ، والمسألةُ قد نص عليها الشافعي في الأم "..
حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنُزُولِهِ حَيْثُ أَمَرَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ.:۱٦ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ :۱٧ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهِكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.. قَالَ: فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ .. قَالَ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُودُ- ﴿ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ فَـ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.. قَالَ: وَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ .. جاء فِيَ رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ " [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ إِسْرَائِيلَ]. ".
.
وعند بن حزم : تحت عنوان :" صرف القبلة " :
وصُرفت القبلة عن بيت المقدس حينئذ ، على سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلىالله عليه وسلم المدينة ، وقد روى أن أول من صلى نحو الكعبة «أبو سعيد بن المعلى الأنصاري»، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم [يأمر] بتحويل القبلة ، فصلى ركعتين إلى الكعبة . وقيل: بل صُرفت على ثمانية عشر شهراً ، وقيل: على ستة عشر شهراً ، لم يقل أحد أكثر ولا أقل.
. .
مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ..
.. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو،وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا:„ يَا مُحَمَّدُ، مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا .. وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ .. ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ “.. وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ .. فَـ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾..أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا﴿وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾.. أَيْ مِنْ الْفِتَنِ: أَيْ الَّذِينَ ثَبَّتَ اللَّهُ﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ﴾.. أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيَّكُمْ، وَاتِّبَاعَكُمْ إيَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ، وَطَاعَتَكُمْ نَبِيَّكُمْ فِيهَا: أَيْ لَيُعْطِيَنَّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا ﴿إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾.. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.. ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ..
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ- فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ ..
.
فـما المقصد الشرعي من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة؟
- علينا أن نعلم - وفق الله تعالى الجميع إلى ما فيه الخير- أن الله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم ومنفعة عاجلة كانت أو أجلة ، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم وشر لهم ، ومنهاجه وأحكامه وتشريعاته عزَّ وجلَّ جميعها لحكمةٍ يعلمها سبحانه وتعالى هو ارتضاها للعباده .. وما على المؤمن إلا السمع والطاعة والاستجابة ، والانقياد لأوامر الله والابتعاد عن نهيه ، والإلتزام بأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم والبعد عن ما نهى عنه ، وإعمال الفكر في الكتاب الكريم والسنة المطهرة .. وهذا هو الذي عَملَ به صحابة نبينا رضي الله تعالى عنهم .. فقد ثبت في الصحيحين عن أنس:»” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس» ، فـ نزلت: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾ .. فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر ، وقد صلوا ركعة ، فنادى :„ ألا إن القبلة قد حُولت “؛ فـ مالوا كما هم نحو القبلة .«“
وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :„ بَيْنَمَا النَّاسُ بِـــ قُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ ، فَـ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ ، فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةَ “؛[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مَالِكٍ.] ..
والملاحظ هنا أنه :
لم يتخلف واحد منهم ، ولم يَسأل عن الحكمة مِن ذلك ، وهذا من قوة إيمانهم ، وصفاء قلوبهم من أي شك أو ريبة أو تردد رَضي الله عنهم ، بعكس ضعاف الإيمان ، ومَن تأثر بـ دعاية اليهود.
وقد جاء التصريح بموقف الفريقين من تحويل القبلة في قوله سبحانه:﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ ..
قال القرطبي: „ يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه ، يعني ممن يرتد عن دينه ؛ لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ، ونافق قوم ؛ ولهذا قال:﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾، أي: تحويلها . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. اهـ.
.. فـ بعدَ ما تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة وهي اللبنة الأولى في الكيان الإسلامي الشامخ عن غيره من مجتمعات الجاهلية ڪـ اليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم زاده الله تميّزاً ، بـ أن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس .. اتجاه الشام ، إلى قبلة الإسلام خاصةً وهي الكعبة المشرفة .. ومن ثم كانت حادثة تحويل القبلة هي الفاصل بين الحرب الكلامية والتدخل الفعلي من جانب اليهود لـ زعزعة كيان الدولة الإسلامية الناشئة ..
عن البراء بن عازبرضي الله عنه قال:„ .. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده .. أو قال أخواله .. من الأنصار وأنه صلى الله عليه وسلم صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر : "۱٦"شهراً أو سبعة عشر : "۱٧"شهراً ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت[(العتيق)] ، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال: أشهد بالله ، لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل مكة ، فـ داروا كما هم قِبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك “ ؛ (انظر: الحاكم)
وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، من إثارة الشكوك والإنكار والتساؤلات قبل وقوعه .
وفي أمر تحويل القبلة قال الله تعالى :﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ ..
لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما ، فيه من الدروس والعبر الكثير ، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة ، ومنها :
"۱" : إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، قَبل وقوع الأمر بالتحويل ، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو أمرٌ غيبي ، فـ أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بـ آيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع ، فـ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم : رسول .. و : نبي يخبره الوحي بما سيقع ، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول ، أن يخبر بـ أمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر . وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا .. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾..
لقد كان لـ حادثة تحويل القبلة أبعاداً كثيرة .. منها :
"۱" : السياسي ، ومنها :
"٢" : العسكري ، ومنها:
"٣ " : الديني ، ومنها:
"٤" : التاريخي .
فـ بُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث ، و
بعدها التاريخي : أنها ربطت هذا العالم بـ الإرث العربي لـ إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، و
بعدها العسكري : أنها مهدت لـ ـفتح مكة ، و
بُعْدها الديني : أنّها ربطت القلوب بالحنيفية ، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها ..
ومن ثم كان تحويل القبلة نعمة من نعم الله علينا ، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾..
ومن خلال حدث تحويل القبلة ظهر درس هام ما أحوجنا إليه ، ألا وهو :
"٢ " : التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم :
فـ المسلمُ عبدٌ لله تعالى ، يُسلم بـ أحكامه وينقاد لـ أوامره بكل حب ورضا ، ويستجيب لذلك بـ حماس ، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد ، إذ أن أصل الإسلام : التسليم .. وخلاصة الإيمان : الانقياد .. وأساس المحبة : الطاعة .. لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو : فعل ما أمر الله والاستجابة لـ حكمه ، والامتثال لـ أمره في جميع الأحوال ، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها ، لـ أنه يعلم علم اليقين ، أنه ما أمره الله تعالى بـ أمر ولا نهاه عن شيء ، إلا كان في مصلحته ومنفعته سواء علمَ ذلك أو لم يعلمه .
التطبيق العملي لـ أوامر الوحي [(القرآن العظيم والسنة المطهرة)]:
والصحابة الكرام رضي الله عنهم في أمر تحويل القبلة ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فـ توجهوا وانقادوا ، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور ، فــ لما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا ..
قمة الإيمان والتطبيق الفوري :
بل إن بعضهم لما علم بـ تحويل القبلة وهم في صلاتهم ، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة ، ضاربين المثل في الانقياد والتسليم المطلق لـ أوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم .
فـ كان تحويل القبلة اختبارا .. وتربية للصحابة على السمع والطاعة ، والتسليم لله ورسوله ، كما قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ .. وقد ثبتوا ونجحوا رضي الله عنهم ، فـ سارعوا للاستجابة والتسليم لـ أمر الله ورسوله ، فـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال: „ بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء ، إذ جاء رجل فقال : قد أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فـ استقبلوها ، فـ توجهوا إلى الكعبة “؛ (انظر: الترمذي) .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :„ لما وجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ .. فـ أنزل الله تعالى:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (يعني صلاتكم ) “ ..
كما أن بعض أهل العلم قد ذكر بعض الحكم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فمن ذلك:
"۳" : استنباطهم من سبب نزول هذه الآية ، وهي قوله تعالى :﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله عليه الآية ، ووجهه نحو الكعبة . وهذا ذكره ابن كثير نقلًا عن الإمام أبي حاتم في تفسيره.
ومن الدلالات والدروس الواضحة والهامة من حادثة تحويل القبلة مخالفة اليهود والنصارى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة ، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة ، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا كـ اليهود والنصارى ، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم ، بل يأمر بمخالفتهم ، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف ، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم ، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو أول بيت وضع للناس ، وهذا كان ما يتمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فـ التميز في العبادة وعدم مشاركة مَن لا يؤمن بآله واحد بـ أي شعيرة من الشعائر ، أو مظهر من المظاهر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تربية الصحابة .. والمسلمين من بعدهم عليه ، فـ كثيرا ما كان يقول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة :«„ خالفوا اليهود والنصارى “»(انظر: ابن حبان) . وقال ابن تيمية:„ قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بـ مخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم ، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم “؛ ثم قال : “ فـ المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة ، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان ، وهذا أمر محسوس “؛ ..
أمرٌ آخر ، وهو :
"٤" : أن الأمر بالتوجه إلى الكعبة ؛ حتى يقطع احتجاج اليهود في أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وافقهم في قبلتهم ، فيوشك أن يوافقهم في دينهم ، وممن قال نحو هذا القول :مجاهد ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة.
ومن دروس حادثة تحويل القبلة الهامة ، أنها عرفت المسلمين طبيعة أهل الكتاب من يهود ونصارى وغيرهم وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ ..
كما أن :
"٥" : تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل ، الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم ، إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل ، وقد شارك أباه إبراهيمعليهما السلام في بناء البيت ، بخلاف أنبياء بني إسرائيل ، فإنهم من ذرية إسحاق عليه السلام.
اقول (الرَّمَادِيُّ) : هذه مِن المسائل الشائكة(!) والتي تحتاج لـ مزيد تبيان وتوضيح وتفصيل بالأدلة والبراهين والحجج ! ..
كما أن :
"٦" : ارتباط مناسك الحجبالبيت الحرام، وبالكعبة المشرفة ، والزيارةفـ ناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت العتيق ، الذي تكون فيه وحوله المناسك والعمرة والزيارة ، وهذا -والله أعلم- جزء من كمال هذا الدين.
هذه بعض الحكم ، وقد يكون الأمر بتحويل القبلة لـ أمور أخر غير هذه . ابحثها لاحقاً إن شاء الله تعالى ..
كذلك أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له ، فـ حينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بـ تحويل القبلة إلى الكعبة ، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس ، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة .. فهذا .. مِن كرم الخالق سبحانه وتعالى : فـ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قِيلَ: هَذَا لِلَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرِجَالٌ قُتِلُوا ، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهُ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْأَبِي نُعَيْمٍ]...
وهكذا كان حدث تحويل القبلة تربيةً للصحابة وللأمة ، وتشكيلاً للشخصية المسلمة المتميزة ، التي لا ترضى إلا بالإسلام ديناً ومنهجا كاملا للحياة ..
وهذه من خصوصيات هذه الأمة المرحومة .
تنبيه :
يجب التنبيه على أن الواقع الحالي .. ومنذ زمن .. أنه قد طرأ على أذهان أفراد الأمة الإسلامية حالة مِن الضعف الشديد في فهم الإسلام .. وهذا أنتج حالا من الضعف في الثقة بأحكام الإسلام وتشريعاته ومنهاجه عند بعض المسلمين .. مما جعلهم - وهم في حالة الضعف هذه - يقبلون على ما عند الغرب من افكار وقيم وقناعات ومقاييس وتقدم علمي وتكنولوجيا حديثة متوسلين بها أن ينهضوا كـ نهضتهِ.. فما زادهم إقبالهم ذلك إلا وهناً على وهن وضعفاً على ضعف .. وبالتالي ضعف أو كاد يتلاشى حمله بصحيح عقيدته وتوعية المسلمين بصحيح أحكامه وتشريعاته .. هذا : أولاً .. وثانياً غياب توعية غير المسلمين بــ صحيح أحكامه ..فصلاح النفوس أو انحرافها هو أصل اعتدال الأحوال أو اعوجاجها ، قال تعالى :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، وقال سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ .
.. فنحن أمة تنتصر بـ طاعتها لله واتباعها لـ رسولها ، وتنكسر بـ عصيانها لله وبعدها عن شرعه وهداه .. وقد صدق سلمان عندما قال لـ سعد بن أبي وقاص: " إن هؤلاء صادقون مع الله ولذلك أيدهم وسخر لهم البحر كما سخر لهم البر .. وأخشى أن يأتي يوم يتخلى فيه المسلمون عن طاعة الله فـ يتأخر عنهم نصر الله" ، وقد بكى أبو الدرداء عند فتح قبرص، فقيل له: " تبكي في يوم نصر الله فيه دينه وأعز فيه جنده!؟ .. فقال رضي الله عنه: أبكي على حال هؤلاء الذين عصوا الله فـ سلطنا عليهم، وأخشى أن يأتي يوم يقصر فيه المسلمون في طاعة الله فـ يسلط عليهم عدوهم" ..
.. ولا شك أن الحالة التي خاف منها سلمان .. واليوم الذي أشفق منه أبو الدرداء ..ذلك الحال .. وهذا اليوم .. هو ما وصلنا إليه.!
وكتبه:
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِبْنُإبراهيم الرَّمَادِيُّمِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
الأحد : ٨ شوال 1446 هــ ~ 06 ابريل 2025 م.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
[*] قَوْلُهُ :" إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا " .. قَالَ النَّوَوِيُّ : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .. فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرَ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةُ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .. فَـ الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارُ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ .. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :" أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ".. قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ .. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا .. وَ تَتِمَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ أَسْمَاءُ رَبِّي ، وَلَوْ جِئْنَا بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ مِثْلِهِ مَدَدًا .. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِزَيْدٍ مِائَةُ دِينَارٍ أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْمِائَةِ دِينَارٍ ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا غَيْرَهَا [انْتَهَى] .
والمسألة تحتاج مني بحث سارحلها إلى ملحق نهاية البحوث .. مِن بعد مشيئته وبحسن توفيقه وتمام منته وكامل عونه !.
[**] مسألة : [( هل يجوز في حق الرسول الاجتهاد !)].. تحتاج مني لـ بحث وتفصيل سـ أجعلها من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه وتمام رعايته في الملحق .
أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ .
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ ثَان [(2)] سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 623 م
بدايات العهد المدني
أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ .. دَارُ السُّنَّةِ" « الْمَدِينَةَ المنورة » |
ـ
 |
166 شُرِعَ الآذان الْأَذَانُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ عِنْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ - الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ!
-*/*
مَــدْخَل لـ مسألة الأذان في التشريع الإسلامي..
هذا الموضوع يحتوي على مسألتين ..
1 . ) الأولى منهما :
أنه قد يظن جاهل .. أو يعتقد معاند أن مسألة الأذان كانت مناماً أو حلماً أو اقتراحاً من صحابي .. وهذا الظن خطأ جسيم .. والأدلة الشرعية لا تؤخذ من المنامات .. بل الدليل الشرعي مصدره وحي السماء المُنزل بواسطة أمين السماء المَلك جبرائيل نَزل به على قلب أمين السماء والأرض الرسول محمد بن عبدالله .. النبي .. فبلغه عليه السلام لـ صحابته الكرام ومِن ثم لـ أمته المرحومة .. سواء جاء الوحي عن طريق محكم : القرآن المجيد أو مِن طريق سُنة وأحاديث السيد الحــبيب خاتم المرسلين وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين ..
وهذه المسألة تحتاج توضيح :
ابتداء مشروعية الأذان:
- قال بعض الناس :" إن الأذان معروف عند الأنبياء منذ أن نزل آدم على الأرض " .. و أذان آدم فهو ضعيف .. قال ابن حجر رحمه الله: "وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لـ آدم حين أهبط من الجنة. ". [ ينظر: الفتح : (2 /280)].
بل قال بعضهم :" هو معروف عن نبي الله إبراهيم الخليل حيث قال له ربه: ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ﴾ [الحج/26 ] .. وهذا الكلام غريب غير صحيح .. يقول ابن حجر العسقلاني : "ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبدالله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ، قال فـ أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. "[ ينظر : الفتح: (2 / 280)].
والصحيح أن الأذان شُرعَ في المرحلة المدنية .. في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة .. وليس في مكةَ .. وليس في ليلة الإسراء أو غثناء المعراج .. كما ورد بذلك بعض الأحاديث الضعيفة.
..
أما :
2. ) المسألة الثانية :
فــ تتعلق بـ هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بفعل ولم يفعله!
وهي مسألة تتعلق بـ وقائع صدرتْ عن الرَّسول الكريم عليه السلام تبيِّن أنَّه قد هَمَّ بإيقاع أفعال معيَّنة؛ ولكنَّه لم يفعلها ولم تقع.
ومثل هذا نجِده في بعض أحداث السيرة النبويَّة الشَّريفة، أو بعض الأحاديث النبويَّة الرسولية الشَّريفة، فــ :
- هَلْ هذه الوقائع التي صدرت عن الرَّسول المصطفى والنبي المجتبى .. ولم يفعلْها يمكن عدُّها أدلَّةً على الأحْكام الشَّرعيَّة، كــ قوله وكــ فعله الصَّريح .. وإقراره وسكوته سواء بسواء؟
أم هي غير ذلك؟
و لقد انقسم العلماء إلى قسمَين، فـ :
أ . ) - مِنْهم مَن عدَّه دليلًا شرعيًّا،
و :
ب . ) - منهم مَن لم يعدَّه كذلك،
ولكل منهما أدلَّته وبراهينه وحجَجُه.
والَّذي أَميلُ إليْه وأحاول أن أُثْبِته-في ملحق قادم بإذن الله تعالى ومن بعد إذنه وتوفيقه -هو أنَّ ما هَمَّ الرَّسول المرتضى عليه السلام بــ فعله بيد أنه لم يفعله .. يُعَدُّ دليلًا شرعيًّا، كــ باقي أقسام السنَّة النبويَّة الشَّريفة المعروفة، وهو واحدٌ منْها .. أو يمكن أن يكون منضوِيًا تَحت قسم من أقْسامِها.
وتتبقى مسألة الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بتفاصيل وجزئيات الأذان .. وتجدها لمن يريد الإستزاده مفصلة في كتب الفقه!
-*/*-
موضوع البحث
.. [خبر الأذان]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَــ قَامَتْ الصّلَاةُ، وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هم الذين تبوّؤا الدّارَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ .. فَهَمّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَـ بُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمّ كَرِهَهُ، ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ، فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ.
وقد دلّت الأدلّة الصحيحة على أنّ ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي ذلك أدلّة :
عن نَافِع أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ .. فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى .. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ .. فَقَالَ عُمَرُ :" أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ ".. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ„يَا بِلالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ“ . [ رواه البخاري : (569). ]
وعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ : اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا .. فَقِيلَ لَهُ : انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .. فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ.. قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ .. وَقَالَ زِيَادٌ شَبُّورُ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ .. وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ... قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى .. فَانْصَرَفَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِرَبِّهِ .. وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَــ أُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ .. قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ .. فَــ قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الأَذَانَ .. قَالَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا .. قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ„مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي.. فَقَالَ : سَبَقَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَحْيَيْتُ“ فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ „ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ“ .. قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ . [رواه أبو داود في سننه 420].
[رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاريِّ -رضِي اللهُ عنه-]
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ [(يَتَباحَثونَ حَولَ كيفية إعْلامُ النَّاسِ بدُخولِ وَقتِ الصَّلَواتِ .. إذ أنها مِن المَسائِلِ التي أخَذَتِ اهتِمامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِهِ رضوان الله عليهم)]، إذْ رَأَى عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عبدرَبّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النّدَاءَ، فَأَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ طَافَ بِي هذه الليلة طائف: مَرّ بِى رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَتَبِيعُ هذا النّاقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعوا بِهِ إلَى الصّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إله إلا الله.
فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ، إنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذّنْ بِهَا، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك.
قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به ..
[رؤيا عمر فى الأذان]
فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَبِيّ اللهِ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلّهِ الْحَمْدُ على ذلك.
[وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ . وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا . وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ ، قَالَ :ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ . ثُمَّ قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَكَمِيُّ ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ ، قَالَ فِي ذَلِكَ :
أَحْمَدُ اللَّهَ ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْإِ كْرَامِ * حَمْدًا عَلَى الْأَذَانِ كَثِيرَا
إِذْ أَتَانِي بِهِ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ*فَأَكْرِمْ بِهِ لَدَيَّ بَشِيرَا
فِي لَيَالٍ وَالَى بِهِنَّ ثَلَاثٍ*كُلَّمَا جَاءَ زَادَنِي تَوْقِيرَا
قال[(ابن كثير في البداية)]: وَهَذَا الشِّعْرُ غَرِيبٌ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ : وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ ،، نَحْوَ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ .] .
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى ، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ :عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ . وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ :وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ . مَرَّتَيْنِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ: ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ، إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ: لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ، بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ، فَذَهَبَ عُمَرُإلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ: قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَحْيُ بِتَقْرِيرِ مَا رَآهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِرَبِّهِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
فهذه الأحاديث تدلّ على أن ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة .. وعدَّ هذا واحد من ميزات هذه الأمّة التي فضّلها الله على سائر الأمم.
تفصيل مسألة الأذان كي لا يكون في قلب أحد شيئا ما :
الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ
وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت ، وقد شُرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لـ حديث عبدالله بن زيد بن عبدربه الأنصاريِّ: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت : يا عبدالله أتبيع الناقوس ؟ قال وما تصنع به ؟ قال قلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت : بلى . قال تقول : الله اكبر …. (إلى نهاية الأذان )… قال : فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها لـ : « „ رؤيا حق إن شاء الله“ »فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد . [رواه أحمد ( 15881 ) والترمذي ( 174 ) وأبو داود ( 421 ) و ( 430 ) وابن ماجه(698).
فخرج يجرّ رداءه : أي : من العَجَلةِ والسُّرعةِ؛ لشِدَّةِ تَعجُّبِه من الأمرِ ..
يتّضح من هذا الحديث :
أنّ كلمات الأذان :
1. ) رؤيا منام رآها صحابي جليل و :
2. ) أقره عليها نبينا الكريم ، فهي ليست اقتراحاً كما يتوهم البعض ، بل هي رؤيا ، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « „ الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة “ » [رواه أحمد: (4449)] .
ورواه البخاري بلفظ : « „ الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة“ ». [رواه البخاري ( 6474 ) ومسلم ( 4203 ) و(42005)].
فـ الرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها : « „ رؤيا حق“ »فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص .. فــ هي نبوة بـ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها : « رؤيا حق “ »ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة ، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلىالله عليه وسلم الموحى إليه من ربه. أي: عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها رُؤيا من اللهِ ؛ لِتَعْليمِهِم كيفيَّةَ الإعْلامِ بالصَّلاةِ بالذِّكْرِ والتَّكْبيرِ والتَّوحيدِ بعيدًا عن فِعلِ أهْلِ الكِتابِ ، وإنَّما قال: إنْ شاءَ اللهُ للتَّبرُّكِ ..
وفي الحَديثِ: بَيانُ اهتِمامِ الصَّحابةِ بأُمورِ الدِّينِ التي كانت تَشغَلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.. وهذه خاصية صحابة الرسول رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.. وتلك الخاصية قد غابت عند بعض مسلمي اليوم ..
وهناك حديث ضعيف جداً وليس بصحيح عن حذيفة- رضي الله عنه "نصه :" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. [رواه الحاكم في مستدركه والطبراني في المعجم الأوسط]. وجاء بزيادة : (من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم ". وجميع طرقه كلها منكرة شديدة الضعف .. وليس معنى هذا أننا إذا سمعنا هذا الكلام أننا لا نلقي بالًا ولا نهتم بأمور المسلمين، ولا نحمل همهم ولا نسعى في رفع معاناتهم! فالمسلمون كما جاء في الحديث الصحيح:«كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا»[البخاري: 481] ، و «كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[البخاري: 6011].
وعلى كل حال إذا كان الحديث غير صحيح والوعيد المذكور فيه لا يثبت، فإن الاهتمام بأمور المسلمين مطلوبٌ شرعًا، كحال إخواننا في غزة أو السودان أو سوريا .. والحديث عن هؤلاء له شجون .. يدمي القلب ويؤلم الروح وتتألم النفس ..
وحسبنا ما :" يغني عنه جميع الشواهد من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم ، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم ، ومنها قوله سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ الحجرات/10 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) [رواه البخاري (6011) ومسلم(2586) ] والله أعلم . ".
وقد :
3 . ) رأى عمر -رضي الله عنه- مثل ذلك .. ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « „… فعليكم بسنتي .. وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ“ » . [رواه الترمذي ( 2600 ) وابن ماجه ( 43 ) وأحمد(16519)].
وقد :
3 . 1. ) وافق عمر -رضي الله عنه- الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة .. وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « „ أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم“ » . [رواه البخاري ( 3282 ) ومسلم ( 2398 ) وعنده : قال ابن وهب تفسير " محدَّثون " : ملهمون.]
فإن قال آحدهم :" ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام !؟؟."..
فالجواب :
أ . ) أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد -عزّ وجلّ-
ولعلّ فيما حدث
ب . ) إظهارا لفضل هذين الصحابيين
و :
ج. ) إثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ..
وأخيرا:" فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة : بأنها : « كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير »
فــ القول والفعل واضحان .. وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال .
وقد لا يقره على ذلك وينهاه ، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال : « „ بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس ، فسأل عنه ، قالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم ، قال : مُرُوه فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه “ » . [رواه البخاري(6326)].
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم ، وأبطل عليه باقي ما نذره ، فلم يقره عليه .
فــ
يتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبدالله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به .. ونسأل الله عز وجل لنا جميعاً الفقه في الدين . والله أعلم.
[مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ فى الفجر]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِك. قَالَتْ : ثُمَّ يُؤَذِّنُ . قَالَتْ: وَاَللهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً .. يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ ...
.. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ السُّهَيْلِيُّ بِسَنَدِهِ ، مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ ، وَفِيهِ فَخَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَأَذَّنَ بِهَذَا الْأَذَانِ ، وَكُلَّمَا قَالَ كَلِمَةً صَدَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ ، فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ ، وَفِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ ، ثُمَّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا؛ لِمَا يَعْضُدُهُ وَيُشَاكِلُهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ . فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ ، بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْجَارُودِيَّةُ ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ . ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا قَدْ سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ، لَأَوْشَكَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الصَّلَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
..
.. ومسألة الأذان بتفصيلاتها وجزئياتها تحتاج تبيان وشرح تجدها في كتب الفقه!
ـــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ .
ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 622 م
بدايات العهد المدني
"أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ" « الْمَدِينَةَ المنورة »
١٦٦ :" شُرِعَ الآذان ".
حُرِّرَفي العامالهجري : ١٤٤٦؛ يوم : الخميس : 20 رمضان ~ 20 مارس 2025 م .
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
غريب الألفاظ :
- بُوقِ : في رواية البخاري : « „بوقة“ » ؛ وفي رواية لمسلم والنسائي : « „قرنا“ » ؛ وقيل : « „القنع“ » ؛ وقيل : « „ الشبور“ » ؛ وهذه الالفاظ الاربعة : « „ القنع - الشبور - البوقة - القرن“ » ؛ بمعنى واحد وهو الذي ينفخ فيه ليخرج منه الصوت.
- اندى: أقوى وأبعد.
- قال الاسفرايني في الفرق بين الفرق: ص 22: الجارودية فرقة من الفرق الزيدية من اتباع المنذر بن عمرو المعروف بـ أبي الجارود .. كفروا الصحابة لتركهم بيعة علي، وقالوا ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بالنص دون الاسم. وافترقت الجارودية في الامام المنتظر فرقا: فــ منهم من لم يعين واحدا بالانتظار ... ومنهم : من ينتظر محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.. ومنهم : من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان .. ومنهم : من ينتظر محمد بن عمر الذي خرج بالكوفة. |
ـ
 |
165 زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ
العهد المدني :
مقدمة :
لأهمية أحكام الصلاة في شريعة نبي الإسلام وفي منهاج خاتم المرسلين .. وما يسبقها مِن إعداد وتمهيد وتهيئة .. ثم كيفية إقامتها وصحتها .. ثم ما يليها من أحكام تشريعية عملية وهي-الصلاة- آحدى أهم ركائز العبادات من الناحية الفقهية .. لذا صحَّ أن أبدء بـ :
تمهيد لها :
فقد يتساءل المرء : " هل كان النبي صلى الله عليه وسلم .. خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر المصطفين المكرمين .. وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين يصلون قبل فرض الصلوات الخمس؟
فـ
- أَصْلُ وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ المكرمة فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِـ وُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ وأول البعثة المحمدية تَحُثُّ عَلَيْهَا .
وَ
- أَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ -الأن- فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ..
وقد :
- أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت - على ما نعرفه الآن - ليلة الإسراء.. عند المعراج .
وَ :
- ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاةَ كانت مفروضة أول الأمر :
- ركعتين بـ الغداة ..
و :
- ركعتين بالعشي ..
لذا فقد
- دلت النصوص المتظاهرة على أن النبي المصطفى والرسول المجتبى والحــبــيــب المرتضى والخليل المحتبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا يصلون منذ بداية الرسالة الخاتمة ؛ وبدء البعثة المحمدية ، قبل فرض الصلوات ؛ والتي حدثت : ليلة الإسراء .
فقد :
-قالت أمُّ المؤمنين عَائِشَةَ رضوان الله تعالى عليها :« „إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [( أي تقصد : ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾)] فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا .. وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ‟»
قلت (الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ): الحديث طويل كما رواه الإمام أحمد في مسنده؛ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ؛ وذكره ابن كثير والقرطبي والبغوي في تفسيرهم.
وفي :
حديث هرقل أنه سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم .. و.. عن مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقالله:„مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟‟ .
فـ أجابه أبو سفيان ، وهو في شركه : قُلْتُ : يَقُولُ :„اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ .. وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِــ الصَّلَاةِ .. وَالزَّكَاةِ .. وَالصِّدْقِ .. وَالْعَفَافِ .. وَالصِّلَةِ‟ . [رواه البخاري (7) ومسلم (17739] .
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: " وهو يدل على أن النبي كان أهم ما يأمر به أمته :« „الصلاة‟» ، كما يأمرهم بـ الصدق .. والعفاف .. واشتُهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ، فـ إن أبا سفيان كان حين قال ذلك .. مشركاً ، وكان هرقل .. نصرانياً .. ولم يزل منذ بُعث يأمر بالصدق والعفاف ، ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة " [فتح الباري" ، لابن رجب(2/101)] .
- وظاهر الحديث أن ذلك الأمر بــ :« „الصلاة‟» ، في أول الإسلام ، كان على الوجوب ، وإن اختلفت التفاصيل عما استقر عليه الأمر بعد الإسراء والمعراج ، وهو ـ أيضا ـ ظاهر الأمر بقيام الليل في سورة المزمل .. وهي مكية .. التي هي من أول ما نزل من القرآن .
قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ كَيْسَانَ: " كَانَ هَذَا بِــ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ .. ثُمَّ .. نُسِخَ ذَلِكَ بِــ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. "..
وقد :
" ذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ نُسِخَ قِيامُ اللَّيْلِ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم بِــ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ﴾ [الإسْراءِ: ٧٩] ، ونُسِخَ في حَقِّ المُؤْمِنِينَ بِــ الصَّلَواتِ الخَمْسِ. ".
- قال الإمام الشافعي - رحمه الله - :„سَمِعْتُ مَن أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ .. يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ .. ثُمَّ .. نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ .. ثُمَّ .. نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .. قال [ الشافعي ] : كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل ﴿ يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا ﴾ الْآيَةَ .. ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿ إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ ﴾ ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ . وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال‟. [ انظر : "الأم" (ج: 1/ ص: 68) ، وينظر أيضا : "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) ، "الذخيرة" للقرافي(2 / 8)] .
وقد قيل إن أول ذلك الفرض :
- ركعتان بــ الغداة ، و :
- ركعتان بــ العشي .
قال قتادة - رحمه الله - : " كان :
- بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر ، و:
- ركعتين غدوة ، و :
- ركعتين عشية " . [انظر : تفسير الطبري(3 / 501)].
وأنكر جماعة من أهل العلم قول قتادة ومن وافقه على ذلك ، وإن أثبتوا فرض مطلق الصلاة قبل الإسراء . [ ينظر : التمهيد لابن عبدالبر(8/35)].
وقال ابن كثير في قوله تعالى : ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق/39] : " وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية " .[ينظر : تفسير ابن كثير" (3 / 538) ، وينظر ايضاً : "البحر الرائق" ، لابن نجيم: (1 / 257)] .
- قال الحافظ -رحمه الله- في الفتح: "ذَهَبَ جَمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْل الْإِسْرَاء صَلَاة مَفْرُوضَة إِلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْر بِهِ مِنْ صَلَاة اللَّيْل مِنْ غَيْر تَحْدِيد ، وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ مَفْرُوضَة رَكْعَتَيْنِ بِـ الْغَدَاةِ وَ رَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيّ [(كما ذكرتُ عاليه]) عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ مَفْرُوضَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ فَصَارَ الْفَرْض قِيَام بَعْض اللَّيْل ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس" .
وقال [( ابن حجر العسقلاني )] أيضا: " كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابه لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا؟ .. فــ قيل: إِنَّ الْفَرْض أَوَّلًا كَانَ صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قَبْل غُرُوبهَا ، وَالْحُجَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ وَنَحْوهَا مِنْ الْآيَات " . [انتهى بتصرف يسير].
و
عليه :
- دل حديث هرقل السابق على أن الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- كانوا قد أُمروا بـ عبادات أخرى في أول البعثة المحمدية وبداية الرسالة الإسلامية ، سوى التوحيد و:« „الصلاة‟» ؛ فــ فيه [(أي الحديث السابق)] أمرهم بــ الزكاة والصدق والعفاف والصلة .
ولعله من المفيد ما
قاله ابن كثير - رحمه الله- :" كان في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان . وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام ، عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان " [ انظر: تفسير ابن كثير" (1 / 497)] .
وقال أيضا : " لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام/ 141] ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصَّل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا " .[ينظر : تفسير ابن كثير" (7 / 164) ] .
والله تعالى أعلم . " .
أما
مسألة هذا البحث ..
فـ اقول :
.-*/-*.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- ذِكْرُ مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ :
بحوث العهد المدني
المرحلة المدنية
[وَفِيهَا - يَعْنِي السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ - : زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ : رَكْعَتَانِ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ. ].
[الزيادة في صلاة الحضر] .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ -زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ فِيمَا قِيلَ ، رَكْعَتَانِ ، وَكَانَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ لِمُضِيِّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مضت، مِنْهُ .
وَقَالَ : وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيهِ.. وَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ " .
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْهَا .وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ ، فُرِضَتْ أَرْبَعًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
14 رمضان 1446 هـ ~ 14 مارس 2025 م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ). |

 |
164أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ تمهيد:
مباشرة .. بعد الهجرةِ النبوية مِن مكةَ المكرمة إلى المدينةِ المصطفوية المنورة .. بَدءَ إنشاء وتكوين .. وبناء وتعمير .. وتشيد أركان وإرساء أعمدة مجتمعٍ جديد .. بكل ما فيه مِن أفكار ومفاهيم وقناعات ومقاييس وقيَّم ..
مجتمعٌ جديد يحمل في اجزاءه مبادئ وحي السماء القرآنية وتسوده الطريقة السُنية النبوية والكيفية الرسولية العملية .. يحملُ تلك المبادئ - تطبيقاً ودعوةً - مجموعةٌ مِن النّاس ترسخ في قلوبهم إيمان عميق بصحة ما يدعو إليه نبي الإسلام مِن إيمان ومعالجات .. وتجذر في أفئدتهم عقيدة صحيحة بصدق ما يخبرهم به مِن عقائد وأحكام .. والتزموا - فهماً وعقلاً ووعياً وسلوكاً وخُلقاً - بالأحكام التشريعية العملية والكيفية المنهجية التطبيقية وفق الكتاب العزيز .. ويبيّنها الرسول النبي الكريم - شرحاً وقولا وعملا وإقراراً - ..
هذا المجتمع الإسلامي القرآني السُني يختلف تماماً وجذرياً عن واقع مجتمع مكة الذي نشأ فيه نبي الإسلام .. كما يختلف عن العهد المكي - مرحلة بدء النبوة وعهد تبيان عقيدة الرسالة وشرح مبادئ إيمان الإسلام الخاتم .. إذ هو نظام حياة وطراز خاص مِن العيش وطريقة معينة للحياة - بل هذا المجتمع الجديد يختلف تماماً وجذرياً - فهماً وتطبيقاً وعملا ودعوة وسلوكاً - عن بقية المجتمعات الآخرى سواء عند : أهل إمبراطورية فارس أو الإمبراطورية الرومانية [( وهذه الجزئية تحتاج لـ تبيان وشرح .. فـ مِن بعد إذنه - تعالى ذكره - وبحسن توفيقه وتمام رعايته ستبحث في ملحق نهاية البحوث )] - وكذلك بما في مجتمع وطريقة حياة ومعيشة أهل الكتابين [( ستبحث تحت عنوان عريض : مقارنة الأديان )] ..
وهذا الفارق الجوهري .. بين مجتمع المدينة: « „ الجديد في كل شئ “ » ؛ وبين المجتمعات الآخرى .. ما سأظهره في البحوث القادمة من خلال أشعة وأضواء شمس : الآيات القرآنية الكريمات المُنزلة وحياً من خالق الإنسان والكون والحياة بواسطة أمين السماء الملك جبرائيل .. آخر كتاب وحي السماء المُنزل على قلب أمين السماء والأرض الرسول محمد عليه الصلاة والسلام للإنسان.. كما وستبيّنه شعاعات أنوار طريقة آخر الأنبياء في الحياة الجديدة وكيفية خاتم الرسل في معيشة المسلمين .. وببدء هجرة المسلمين إلى المدينة المصطفوية المنورة بدأت تأخذ الحياة الإسلامية طبيعتها القرآنية وشكلها السُني النبوي أو ما يطلق عليه : « „ دولة الرسول “ » .. « „ حكومة النبي “ » .. ثم .. ومِن بعده .. حين إنتقل إلى الرفيق الأعلى : „ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة “ ! .
..
ذِكرُ ما وقع في السنة الأولى من الهجرة النبوية من الحوادث والوقائع العظيمة :
.. وَمِمَّنْ وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ - وَهِيَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ -عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، ابْنَتَيِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
-*/
فِي مِيلَادِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ الْهِجْرَةِ .. أَيْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَــ
أَمَّا مَنْ وُلِدَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ .. فَــ قِيلَ : عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِالْحَبَشَةِ ، فـ جاء عند الطبري في تاريخه :" وفيها (السنة الأولى) - في قول بعضهم- ولد عبدالله بن الزبير و
في قول الواقدي: ولد في السنة الثانية من مقدم رسول الله عليه السلام المدينة في شوال .
ثم
يقول ابو جعفر الطبري : حدثني الحارث ، قَالَ: حدثنا ابن سعد ، قَالَ : قَالَ محمد بن عمر الواقدي : ولد ابن الزبير بعد الهجرة بـ عشرين شهراً بالمدينة ..
وَ
مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : وُلِدَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ..
وَ
مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمَا وُلِدَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ .
وَالظَّاهِرُ [( عند ابن كثير .. كما جاء في البداية )] الْأَوَّلُ .. وسوف أَشِيرُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَزِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ وُلِدَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
.. خرَّج البخاريُّ في صحيحه :" عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِـ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ : „ فَــ خَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ .. فَــ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ .. فَــ نَزَلْتُ بِــ قُبَاءٍ .. فَــ وَلَدْتُهُ بِــ قُبَاءٍ(*) .. ثُمَّ .. أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَــ وَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ .. ثُمَّ .. دَعَا بِــ تَمْرَةٍ .. فَــ مَضَغَهَا .. ثُمَّ .. تَفَلَ فِي فِيهِ .. فَــ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ : رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ثُمَّ .. حَنَّكَهُ بِــ تَمْرَةٍ .. ثُمَّ .. دَعَا لَهُ .. وَبَرَّكَ عَلَيْهِ .. وَكَانَ : أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ “ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى فـ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ.. وقَوْلُهَا : ( وَأَنَا مُتِمٌّ ) أَيْ قَدْ أَتْمَمْتُ مُدَّةَ الْحَمْلِ الْغَالِبَةِ وَهِيَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ ، وَيُطْلَقُ " مُتِمٌّ " أَيْضًا عَلَى مَنْ وَلَدَتْ لِتَمَامٍ .. وقد ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَــ أَحْضَرَ زَوْجَتَهُ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَبِنْتَيْهِ فَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَأُمَّ أَيْمَنَ زَوْجَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَابْنَهَا أُسَامَةَ ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ أُمُّهُ أُمُّ رُومَانَ وَأُخْتَاهُ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ، فَقَدِمُوا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَسْجِدَهُ " .. وَمَجْمُوعُ هَذَا مَعَ قَوْلِهَا " فَوَلَدَتْهُ بِقُبَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ .
.. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَوْلِدَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالصَّحِيحُ ، بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ [(قَالَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ.)] بِأَنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ ..
-**-
الدعاية الإعلامية :
لا يخلو مجتمع من القيل والقال .. خاصة إذا اختلفت الأفكار والمفاهيم وتعارضت المقاييس والقيم وتباينت العادات والتقاليد بناء على وجهة النظر في الحياة :
وكان عبدالله أول مولود ولد من المهاجرين في دار الهجرة .. فَلَمَّا وَلَدَتْهُ أسماء بنت أبي بكر وزوجة الزبير بن العوام .. كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ - فيما ذكر - اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد ، كبروا تَكْبِيرَةً عَظِيمَةً فَرَحًا بِمَوْلِدِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَهُمْ - اذ أنهم قد تحدثوا - عَنِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ -يذكرون أنهم- سَحَرُوهُمْ حَتَّى لَا يُولَدَ لَهُمْ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ وَلَدٌ ، فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم فَأَكْذَبَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِيمَا زَعَمُوا. ..
تحقيق مسألة الميلاد :
قال أبو جعفر الطبري : وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر، هاجرت إلى المدينة وهي حامل به.
أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ :
.. وَأَمَّا مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ..
* .) : مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
* . ) : كَمَا - يغلب على الظن - أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .. وَزَعَمُوا أَنَّ النُّعْمَانَ وُلِدَ قَبْلَ الزُّبَيْرِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ.
..
فـ مِن السنة - وقد تكون من السُنن الغائبة - عند ميلاد الوليد - ذكر كان أو أنثى - كما جاء .. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : „ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَــ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَةً فَلَاكَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ ، فَــ أَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. “ ؛
* . ) : نص الحديث: „ ثُمَّ أَتَيْتُ [( أسماء بنت أبي بكر )] بِهِ [( الوليد : عبدالله ابن الزبير )] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ “ ؛
قلت: (الرَّمَادِيُّ ) يقوم شخصٌ بهذا الفعل مَن شُهد له بأنه صالح تقي ..
« „ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُحَنِّكَهُ “ ؛ „ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ “ ؛..
قلت: (الرَّمَادِيُّ ).. الجزء الأخير من نص الحديث : « „ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا “ ؛ ثُمَّ : „ تَفَلَ فِي فِيهِ “ [( فم الوليد )] ؛ فَــ : « „ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ : رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ » ؛ قلت: يظهرلي - والعلم عند الله تعالى ذكره فهو أعلم وأحكم - أنهاخصوصية نبويةلا يشاركه فيها أحد!
* . )التسمية : نص الحديث: « „ وَسَمَّاهُ عَبْدُ اللَّهِ “ » ؛
* . ) الدعاء للمولود : نص الحديث: « „ دَعَا لَهُ .. “ » ؛ ..
* . )الدعاء له بالبركة : نص الحديث: .. وَ : « „ بَرَّكَ عَلَيْهِ “ » ؛....
أخيراً .. ما يقابل نعمة الولادة .. مصيبة الموت :
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ :
* . ) كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ الْأَوْسِيُّ ، الَّذِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْكَنِهِ بِقُبَاءَ ، إِلَى حِينَ ارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى دَارِ بَنِي النَّجَّارِ ، وَبَعْدَهُ فِيهَا
* . ) أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ ، تُوُفِّيَ .. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ - مَاتَ أَبُو أُحَيْحَةَ بِمَالِهِ بِالطَّائِفِ ، وَمَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، والْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ فِيهَا بِمَكَّةَ .. وَهَؤُلَاءِ مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ ، لَمْ يُسْلِمُوا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- .
**
* . ) ملحق شخصيات محورية : سيكون الحديث عن : .. عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، الأسدي ، كنيته أبو بكر ، وقيل: أبو خُبيب صحابي ابن صحابي .. وأبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - وأم أبيه صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم ..
ــــــــــــــــــــــــــ
( يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ )
الأربعاء : ٢۰ شعبان ١٤٤٦ العام الْهِجْرِيَّ ~ 19 فبراير 2025 م |
ـ
 |
163 موت أبي أمامة » يَا رَسُولَ اللَّهِ .. دِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ، وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا «
السَّيِّدُ نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ ، مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
بطاقة تعريف للــ صحابي الجليل:
الاسم: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ
الكنية: أَبُو أُمَامَةَ
اللقب: « نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ ».
النسب: الْأَنْصَارِيُّ ، الْخَزْرَجِيُّ ، النجاري .. شهد العَقَبتين وكان نقيبا على قبيلته؛ جد أبو أمامه لأمه .. ولم يكن في النقباء أصغر سناً منه ، ويقال أنه أول من بايع ليلة العقبة .
بلد الإقامة: [(يثرب)] مدينة المصطفى المنورة
تاريخ الوفاة: ذكر الواقدي أنه مات: على رأس 9 هـ،
وذكر ابن إسحاق أنه مات والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبني المسجد، وقد اتفق أهل المَغازي والتواريخ على أنه مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر ، وقال ابن حجر في التعجيل: مات 1 هـ قبل بدر .
بلد الوفاة: البقيع بالمدينة النبوية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
هذا الصحابي الجليل هو أَبُو أُمَامَةَ .. أَسْعَدُ ابْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ ابْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ (رضي الله عنه) ، الأنصاري الخزرجي الذي آمن بالله وبرسوله .. وقَبْلَ أن يُقبض وتذهب روحه الطاهرة إلى بارئها قدّمَ في أقل من ثلاث [(٣)] سنوات أعمالاً عظيمة جليلة ساهمت في نشر مفاهيم الإسلام وقناعاته وقيَّمه وعمل على تأسيس قاعدته المتينة في المدينة ، ثم أتمَّ أعمالاً عظيمة أخرى في النصرة والبيعة وإقامة كيان الدولة الناشئة الجديدة.
وهذا الانموذج الرائع نحتاج لدراسته دراسة تفصيلية وافية .. فقد نطق القرآن الكريم يقول : ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾..فنحن .. جميع البشر في حاجة ماسة لقدوة حسنة صالحة مصداقا لقوله -عزَّ وجلَّ- :﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ومثال صالح نرتقي به كضيفنا اليوم..
.. من مواقف أسعد بن زرارة؟
روى الإمام أحمد بسنده عن جابر قال: مكث رسول الله ﷺ بمكة عشر [(١٠)] سنين يتبع الناس في منازلهم بـ عكاظ ومجنة وفي المواسم بـ منى يقول: « „ مَن يؤويني .. مَن ينصرني .. حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ‟»؛حتىإنالرجلليخرجمناليمنأومنمُضر - كذاقال-فـيأتيهقومهفيقولون: ”احذرغلامقريش ! .. لايفتنك” .. ويمشي -عليه السلام-بينرجالهموهميشيرونإليهبالأصابع .. حتىبعثنااللهإليهمنيثرب،فــآويناه .. وصدقناهفــيخرجالرجل منا فــ يؤمن به ويقرئه القرآن ، فــ ينقلب إلى أهله فــ يسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام .. ثم ائتمروا جميعًا ، فقلنا: „ حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف ! “ ؛ فرحل إليه منا سبعون [(٧٠)] رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم ، فــ واعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا ، فقلنا: „ يا رسول الله نبايعك!!! ،
قال: « „ تبايعوني على :
- السمع والطاعة في النشاط والكسل و:
- النفقة في العسر واليسر، و:
- على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و:
- أن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم ، و:
- على أن تنصروني فــ تمنعوني .. إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم .. و « „ لكم الجنة ‟» .. ‟»؛.
قال: فــ قمنا إليه فــ بايعناه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو مِن أصغرهم ، فقال: „ رويدًا! .. يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ﷺ ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف ، فـ إما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله ، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خبيئة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله “؛
قالوا: „ أمط عنا يا أسعد! ، فـ والله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا “ ؛ قال: فقمنا إليه فـ بايعناه ، فـ أخذ علينا وشرط ، ويعطينا على ذلك : « „ الجنة‟ » .
..
.. و .. أخذ أسعد بن زرارة بيد رسول الله -ﷺ- ليلة العقبة فقال : »يا أيها الناس ، هل تدرون على ما تُبايعون محمداً « ..
ثم يكمل فيقول: » .. إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم ، والجنّ والإنس مُجِلِبَةً « .. فـ
قالوا : » نحن حرب لمن حارب وسلم لمن سالم « فـ
قال أسعد بن زرارة : » يا رسول الله اشترط عليّ «..
.. فقال الرسول -ﷺ- : « „ تبايعوني على أن :
- تشهدوا ألا إله إلا الله ، و :
- أني رسول الله ، و:
- تقيموا الصلاة ، و:
- تُؤْتُوا الزكاة ، و:
- السمع والطاعة ، و:
- لا تنازعوا الأمر أهله ، و:
- تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم ‟»؛
قالوا : » نعم «..
قال قائل الأنصار : » نعم ، هذا لك يا رسول الله ، فما لنا !؟«
قال : « „الجنّة والنصر‟ » .
..
..أول من جمّع بالمسلمين:
ومن فضائل هذا الصحابي الجليل أنه كان أول من صلى جمعة بالمسلمين، وقيل كان مع مصعب (رضي الله عنه).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف، عن أبيه أبي أمامة عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، قَالَ : كُنْتُ قَائِدَ أَبِي كعب بن مالك، حِينَ عَمِيَ - ذهب بصره- ، فكنت فَإِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمْعَةِ ، فَسَمِعَ الْأَذَانَ ، صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أسعد بن زرارة ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ . قال فمكث حيناً على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. قال فقلت في نفسي: والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟ قال: فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له. فَقُلْتُ : يَا أَبَةِ ، أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لِأَبِي أُمَامَةَ كُلَّمَا سَمِعْتَ أَذَانَ الْجُمْعَةِ مَا هُوَ ؟ قَالَ كعب بن مالك: أَيْ بُنَيَّ ، كَانَ أسعد أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ [قبل مقدم النبي -ﷺ-] فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ؛ يُقَالُ لَهُ :نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ ؛ قُلْتُ : فَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ ؟ ؛ قَالَ : أَرْبَعُونَ رَجُلًا .
فَكَانَ أَسْعَدُ مُقَدَّمَ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ ، فَهُوَ نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ ؛ ” .. وكان أسعد بن زُرارة وعُمارة بن حزم وعوف بن عفراء لمّا أسلموا كانوا يكسرون أصنام بني مالك بن النجار” ..
.. ماهي ملامح شخصية أسعد بن زرارة؟
سرعة استجابته للحق:
يتضح ذلك عندما عرض الرسول ﷺ على النفر الذين جاءوا إلى عتبة ، فــ لقيهم النبي -ﷺ- وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فـ أسلموا ، وقيل: إن أول من قدم بالإسلام إلى المدينة كان أسعد بن زرارة.
إيجابيته في الدعوة:
كان يسعى مع سيدنا مصعب بالمدينة ويتضح ذلك في قصة إسلام سيدنا أسيد بن حضير وسيدنا سعد بن معاذ -رضي الله عنهما وعنه وعن صحابة رسوله ﷺ جميعًا- .
عمق فهمه مع حداثة سنه وتقديره للبيعة:
يظهر ذلك من موقفه في بيعة العقبة الثانية ، يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه -أي رسول الله ﷺ- فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين.
وعندما مرض أسعد بن زرارة، وعلم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بمرضه ، ذهب يزوره فوجده مريضًا بالذبحة ، ثم مات -رضي الله عنه- وقد أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله وكن ثلاثًا ، فكن في رعاية رسول الله وكفالته .
..
ذهب النبى - عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة ، وبدأت الحياة تعتدل بعض الشيء ، لكن الأحزان كانت هناك أيضا ، فقد مات أبو أمامة : أسعد بن زُرارة ..
..وفاته“: - رضي الله تعالى عنه وارضاه–
قَالَ محمد بْنُ إِسْحَاقَ: ” تُوُفِّيَ أبو أمامة أسعد بن زُرارة وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَسْجِدَهُ في تلك الأشهر -أي بعد الهجرة مباشرة- قَبْلَ بَدْرٍ ، أخذته الذبحة أو الشهقة - رحمه الله ورضي عنه - “ .
وآكد الواقدي - ذلك - أنه مات على رأس أشهر من الهجرة .. رواة الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن أبي الرجال، وفيه جاء بنو النجار فقالوا: يا رسول الله مات نقيبنا فنقب علينا ، فقال: « ” أنا نقيبكم “ ».
.. " روى أخو عبدالرحمن بن أسعد.: فـ. عن محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري ؛ قال: سمعت عمي يحيى ، وما أدركت رجلا منا به شبيها ، يحدث الناس أن أسعد بن زرارة ، وهو جد محمد من قبل أمه ، أنه أخذه وجع في حلقه ، يقال له الذبحة .. .. قال: أنَّ أبا أمامةَ أصابَه وجعٌ يُسمِّيهِ أهلُ المدينةِ الذبحُ(*) فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «„ لا بُلِينَ ولا بَلَغْنَ في أبي أمامةَ عذرًا “ » قال فكواهُ(**) بيدِه فمات .. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «„ ميتةُ سوءٍ لليهودِ (***) “ » .. يقول ألا دفع عن صاحبِه ولا أملكُ له .. ولا لنفسي من اللهِ شيئًا .. ". [ الجزء الأول من صحيح سنن ابن ماجه ؛ وانظر: الهيثمي؛ في : مجمع الزوائد: (5 / 101 ) ؛ الحديث : رجاله ثقات .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)والذُّبْحَةُ : وجَعٌ يَعرِضُ في الحلْقِ مِن الدَّمِ ، وقيل : هي قُرْحةٌ تَظهَرُ فيه فيَنْسَدُّ معها وينقَطِعُ النَّفَسُ.
(**)ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم النَّهيُ عن الكيِّ ، وفي هذا الحديثِ أنَّه كوَى أسعدَ بنَ زُرارةَ بيدِه ، ويُجمَعُ بين هذه الأحاديثِ : بأنَّ الكَيَّ مِن العلاجِ والتَّدواي المأذونِ فيه ، والنَّهيُ عنه يَحتمِلُ عدَّةَ احتمالاتٍ .. سابحثها [( إن شاء الله تعالى وإذن )] في الملحق . .. وفي الحديثِ : مشروعيَّةُ التَّداوي بالكيِّ مع التَّحرُّزِ لأضرارِه . .
(***)فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «„ مِيتةُ سوءٍ لليَهودِ “ » ، والمعنى: أنَّه مات مِيتةً تَسوؤُنا مِن قِبلِ اليهودِ ؛ "يقولون: ألَا دفَع عن صاحبِه؟ " ، أي : كيف للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ألَّا يَدفَعَ عن أسعَدَ هذا الوجَعَ والموتَ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
.. .. ..
و
بناء على الحديث ..
قلت( الرَّمَادِيُّ ) : .. منذ بداية الخليقة والإنسان الفرد لديه إشكالية مع الفرد الإنسان الآخر .. بغض النظر عن نوعها وبإغماض الطرف عن سببها .. بل وصل الأمر إلى أن مدَّ أول نسل الذرية الآدمية يده لإزهاق روح الآخر والتخلص منه نهائياً .. وبغض الطرف عن الداعي لذلك وقد قيل فيه الكثير .. بل قد وصل الحال أنه منذ بدء الخلق والتكوينوالإنشاء للحياة والتعمير والإعمار في هذا الكون وجدت مشكلة عويصة : لم .. ولن تحل بين الإنسان -سواء- الفرد الأول - آدم عليه السلام- أو ذريته وبين أحد افراد الجن - أبليس اللعين : الشيطان الرجيم - وذريته .. والإسلام هو نظام الحياة الوحيد الذي أوجد حلاً للحماية مِن وسوسة الجِنَّةِ والنَّاس .. ووفق المعلومات الموثقة - عندي - لا يوجد أي إشكال بين الإنسان والملآئكة .. ولكن بـ مرور الوقت وُجِدَت عداوة بين طائفة مِن اليهود وبين أحد أفراد الملآئكة - جبرائيل - .. لِمَا قاله : عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ - أحد افراد اليهود - .. الذي أسلم بعد لقائه الأول وحديثه مع نبي الإسلام .. خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين .. حين قابل ابْنُ سَلَامٍ نبي الهدى بـ يثرب أول مرة .. فقال : ” جِبْرِيلُ .. عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ “ فَقَرَأَ - عليه السلام - هَذِهِ الْآيَةَ : ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّه ِ﴾ وتوجد عدة اقوال تبين سبب تلك العداوة تجدها عند” فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ كتاب تفسير القرآن؛ سورة البقرة “ .. ثم وجدت عدوات قاتلة بين طائفة من البشر كـ قوم لوط - عليه السلام - ونبيهم نتيجة أستحلالهم أمرا منكرا وأنه يمنعهم بأمر من الله تعالى فعله أو إتيانه .. ثم وجدت عداوات لا مبرر لها بين أوائل أتباع المسيحية الحديثة ضد الوثنيين - في الإسكندرية القديمة .. مثلاً - وقبلهم بين اليهود وأتباع النصرانية الصحيحة وضاقوا ذرعاً بـ تعاليم السيد المسيح ابن مريم العذراء البتول وحين لم تنفع التصفية المعنوية لم يجدوا سوى التصفية الجسدية .. فــ يصحح القرآن المجيد هذه الجزئية من تاريخ اليهود مع نصارى كتاب الإنجيل المُنزل بقوله : ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ .. يأتي هنا تبيان قد لا يستلزمه(!!!) سياق النص ؛ بيد أنه آتى لـ تأكيد الحاجة إلى الرسل وتبيان حقيقة السيد المسيح عيسى ابن مريم بـ نص قول القرآن العظيم : ﴿ رَسُولَ اللّهِ﴾ ثم يكمل النص القرآني القطعي الثبوت والقطعي الدلالة هذا الإدعاء الكاذب بقوله :﴿ وَمَا قَتَلُوهُ﴾ ويزيد البيان بياناً بقوله : ﴿ وَمَا صَلَبُوهُ ﴾ ويوضح الإلتباس حين يُظهر حقيقة الأمر بقوله : ﴿ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾(!!؟) ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ .. ثم يؤكد على حقيقة مفادها : ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾[النساء:157] ..
ويقر حقيقة تقول : ﴿ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ﴾ ثم يخبر عن صفاته العُلى واسمائه الحسنى بقوله :﴿ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء:158]
.. كما توجد صورة نمطية سلبية(!) عن أتباع دين بعينه ترسخت في أذهان الآخرين وتولد منها حالة عداء مصطنع..
ثم وجدت حزازات أو عداوات أو إشكاليات بين عشيرة وآخرى .. أو بين قبيلة وجارتها أو حروب طاحنة وتدمير وتشريد بين قوم .. شعب وآخر .. كما يجري على أرض المعراج منذ 07 أكتوبر 2023م .. ومصانع آلة الحرب الجهنمية لن تتوقف سواء ضد البشرية أو بقية المخلوقات!
... ..
وقال البغوي : أن أسعد بن زُرارة أول من مات من الصحابة بعد هجرة النبي ﷺ مباشرة .. فـ لمّا توفي أسعد بن زُرارة حضر رسول الله -ﷺ- غُسْلَه ، وكفّنه في ثلاثة أثواب منها بُرد ، وأنه أول ميت صلّى عليه الرسول - ﷺ - .. ورُئي رسول الله -ﷺ- يمشي أمام الجنازة ، ودفنه بالبقيع
.. ..
وذكر الواقدي بروايةٍ عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم : أن أسعد بن زرارة أول من دفن في منطقة البقيع ، وهذا ما استشهد به السادة الأنصار ، أما السادة المهاجرون فــ قالوا : أن أول من دفن في منطقة البقيع هو: عثمان بن مظعون.
.. ....
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ
حُرِّرَ في العام ١٤٤٦ الهلالي الْهِجْرِيَّ. الأربعاء، 30 رجب، 1446هــ ~ 29 يناير، 2025 م. |
ـ
 |
162 حُمَّى الْمَدِينَةِ تمهيد :
سُنَّةُ الله - عزَّ وجلَّ- المبدع في خلقه -بني آدم: البشر- والمصور لهم في أحسن تقويم ومنشؤهم من عدم ومحيهم في تكريم وتنعيم : سنتهُ -تعالى ذكره- التي فَطرَ الناس عليها : الابتلاء فـ يضعهم في بوتقة الاختبار ويمحصهم دوماً في المختبر بـ الامتحان يتلوه الاختبار.. سواء بالخير كما يحب الإنسان ويرغب : ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن﴾ .. أو بالشر من وجه نظر الإنسان لما يصيب نفسه ووفقا لـ رؤيته المحدودة ومداركه الضئيلة.. فنطق القرآن المجيد يقول : ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن﴾ [الفجر: الآيتان : 15 و 16]
..وهذا الابتلاء يصيب المسلم والمؤمن .. سواءً بسواء.. كما وأن هذا الاختبار يصيب الملحد والمشرك .. فكلهم خلقه : مَن آمن به ومَن جحده ؛ وهم عبيده : مَن اعترف بوحدانيته ؛ ومَن أشرك معه -تعالى عن هذا علواً كبيراً-أحد من خلقه أو مِن صنعه .. ثم جاءت حالة عامة تعم الإنسانية : ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد﴾ [البلد:4]..
-*/*
السيرة المحمدية النبوية
العهد المدني : العام الهجري الأول : 622 م
وقع في السَنَّةِ الأولى من هجرته المباركة حدثٌ .. اختبر الخالقُ عبادَه المكرمين وابتلى المقربين : صحابة نبيه الأبرار الأطهار المتقين فـ قد : أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ما اصابهم .. وَقَدْ سَلِمَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ، وَدَعَا -عليه السلام- اللَّهَ فَأَزَاحَهَا عَنِ الْمَدِينَةِ!
بعض المتاعب الصحية تواجه بعض المهاجرين !
وقد جمع البيهقي في كتاب „ دلائل النبوة “ما حدث تحت عنوان .. بقوله : مَا لَقِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمُوهَا وَعِصْمَةِ اللهِ : رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا ، ثُمَّ مَا وَرَدَ فِي دُعَائِهِ بِتَصْحِيحِهَا [(أي المدينة)] لَهُمْ وَنَقْلِ وَبَائِهَا عَنْهُمْ إِلَى الْجُحْفَةِ ، وَاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ ، ثُمَّ تَحْرِيمِهِ الْمَدِينَةَ ، وَدُعَائِهِ لِأَهْلِهَا بِالْبَرَكَةِ!..
ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَتْ أمُ المؤمنين عَائِشَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - :.. وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ،[( مِنَ الْحُمَّى ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ ، وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)].. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا [(وَوَادِيهَا بُطْحَانُ نَجْلٌ يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَثْلُ.)](تَعْنِي وَادِيًا بِالْمَدِينَةِ). [(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ اشْتَكَى أَصْحَابُهُ، وَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٌ، [( (يقيمون) فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، فَأَصَابَتْهُمُ الْحُمَّى )] ،فَاسْتَأْذَنَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيَادَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهَا، [(فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ )] وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ .. [( وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ ،)]. )].
قَالَ الْبُخَارِيُّ:عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ.
قَالَتْ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ :„ يَا أَبَهْ كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ .. وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ ؟“ .
«اعلان الحنين الى الوطن والتغني بحبه«
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ :
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبِّحٌ فِي أَهْلِهِ * وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
قَالَتْ:„ وَاللَّهِ مَا يَدْرِي أَبَى مَا يَقُولُ “.
قَالَتْ : ثُمَّ دَنَوْتُ إِلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ .. فَقُلْتُ :„ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ ؟ “؛
قَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ * إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهِدٌ بِطَوْقِهِ * كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
قَالَتْ : فَقُلْتُ :„ وَاللَّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ “ » ؛.
( بِطَوْقِهِ ) يُرِيدُ : بِطَاقَتِهِ ،
قَالَتْ : وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَدْرَكَتْهُ الْحُمَّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ، و [(إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى )] يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ ، وَيَقُولُ :
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً * بِوَادٍ [(بِفَخٍّ)] وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ * وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ : جَبَلَانِ بِمَكَّةَ..بيد أنالْخَطّابِيّقَالَ فِي كِتَابِ :" الْأَعْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ" :„ كُنْت أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ حَتّى مَرَرْت بِهِمَا، وَوَقَفْت عَلَيْهِمَا فَإِذَا هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ “!
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، [(فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ ، وَقُلْتُ :„إِنَّهُمْ لَيَهْذُونَ ، وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى “.. )]
[ دُعَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ ]
فَنَظَرَ النبي إِلَى السَّمَاءِ [(كما جاء في مسند الإمام أحمد)] ،[(فدعا -عليه السلام- بدعاءه المشهور كما ورد عند البخاري. )]
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «„ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، (وَصَحِّحْهَا) ، [(اللَّهُمَّ)] وَ بَارَكْ لَنَا فِي صَاعِهَا ؛ [(وَفِي)] وَمُدِّهَا ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ “»؛ ..[وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ هِشَامٍ مُخْتَصَرًا].. .. .أما رواية أحمد في مسنده :" وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إِلَى مَهْيَعَةَ " ..
وَمَهْيَعَةُ هِيَ الْجُحْفَةُ .. فِيمَا زَعَمُوا ..
وعند السهيلي في الروض الأُنف توضيح لهذه المسألة ساذكره إن شاء الله تعالى وبحسن توفيقه ورعايته في الملحق!
.. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : " وَزَادَ بَعْدَ شِعْرِ بِلَالٍ ، ثُمَّ يَقُولُ:„ اللَّهُمَّ الْعَنْ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ، كَمَا أَخْرَجُونَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ “..
فـ وصل حب بلال لـ مكة أنه كان يلعن من كان سببا في اخراجه فكان يقول:„اللهم الْعَن : عتبة بن ربيعة .. وشيبة بن ربيعة .. وأمية بن خلف كما أخرجونا الى أرض الوباء «أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا».
-*/*
.. والطريف ماقَالَه هِشَامٌ : وَكَانَ وَبَاؤُهَا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ إِذَا كَانَ الْوَادِي وَبِيئًا ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ ، قِيلَ لَهُ أَنْ يَنْهَقَ نَهِيقَ الْحِمَارِ](!!!)ٍ ؛ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَبَاءُ ذَلِكَ الْوَادِي ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ :
لَعَمْرِي لَئِنْ عَشَّرْتُ مِنْ خِيفَةِ الرَّدَى * نَهِيقَ الْحِمَارِ إِنَّنِي لَجَزُوعُ
وَ قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ الْمَوْلُودُ يُولَدُ بِـ الْجُحْفَةِ ، فَلَا يَبْلُغُ الْحُلُمَ حَتَّى تَصْرَعَهُ الْحُمَّى . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي :„دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ “ ؛ وَقَالَ يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهِيَ وَبِيئَةٌ ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ حَتَّى أَجْهَدَهُمْ ذَلِكَ ، وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..
[ مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ ]
وَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، أَصَابَتْهُمْ حُمَّى الْمَدِينَةِ ، حَتَّى جَهَدُوا مَرَضًا ، وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى كَانُوا مَا يُصَلُّونَ إِلَّا وَهُمْ قُعُودٌ . قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُمْ : «„اعْلَمُوا أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ “ ».فَتَجَشَّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ ، عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ ؛ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ.
*/*--*/*-
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «„ رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ- وَهِيَ الْجُحْفَةُ- فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا “»؛هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ..
-*/* -*/*
.. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ :قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ - صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ يَعْنِي مَكَّةَ- عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ قَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ .وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ .
.. وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَانَتْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ (7) فِي ذِي الْقِعْدَةِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأَخَّرَ دُعَاؤُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِنَقْلِ الْوَبَاءِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ أَنَّهُ رُفِعَ وَبَقِيَ آثَارٌ مِنْهُ قَلِيلٌ ، أَوْ أَنَّهُمْ بَقُوا فِي خُمَارِ مَا كَانَ أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
.-*/*-.
.. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ فِيهِ الْهُدَلِيّ أَنّهُ قَدِمَ مِنْ مَكّةَ، فَسَأَلْته عَائِشَةُ :„كَيْفَ تَرَكْت مَكّةَ يَا أُصَيْلُ؟ “؛ فَــ
قَالَ :„تَرَكْتهَا حِينَ ابْيَضّتْ أَبَاطِحُهَا، وَأَحْجَن ثُمَامُهَا، وَأَغْدَقَ إذْخِرَهَا، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا “؛ فَــ
اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «„لَا تُشَوّفْنَا يَا أُصَيْلُ“ » ؛ وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ: «„دَعْ الْقُلُوبَ تَقَرْ“ » ؛
وهذا الخبر رواه السهيلي في الروض ويحتاج إلى تخريج .. ساذكره بمشيئته -تعالى- وحسن عونه وتمام رعايته في الملحق.
ومسألة حب الوطن(!) فيها جانب إيجابي وآخر سلبي تحتاج لتفصيل!
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
السيرة المحمدية النبوية
العهد المدني
[(162 حُمَّى الْمَدِينَةِ )]
٨ رجب ١٤٤٦ هــ ~ 07 يناير 2025 م. |
ـ
 |
|
|
 |
|
|
 |