دار الإفتاء المصريه
تجيز مشروعية الإحتفال بالموالدالقرآن الكريم أمرنا بتذكر الأنبياء والصالحين وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أول من سن لنا الإحتفال بمولده الشريف
" فإسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " " النحل 43 "
إطلعنا على الطلب المقدم من / مشيخة عموم الطرق الصوفيه المقيد برقم 1186 لسنة 2007 بتاريخ 30/7/2007 المتضمن :
· ما حكم الإحتفال بالمولد النبوى وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين ؟
- المولد النبوى الشريف إطلاله للرحمه الالهيه بالنسبه للتاريخ البشرى جميعه, فلقد عبر القرآن الكريم عن وجود النبى صلى الله عليه وآله وسلّم بأنه " رحمه للعالمين " , وهذه الرحمه لم تكن محدوده , فهى تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم على صعيد حياتهم الماديه والمعنويه , كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان , بل تمتد على أمتداد التاريخ بأسره (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) ( الجمعه : 3 ) .
والإحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمه وغوث الأمه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم , ومحبة النبى صلى الله عليه وآله وسلّم أصل من أصول الإيمان , وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخارى
قال ابن رجب : " محبة النبى صلى الله عليه وآله وسلّم من أصول الإيمان , وهى مقارنه لمحبة الله عز وجل , وقد قرنها الله بها , وتوعد من قدّم عليهما محبة شىء من الأمور المحببه طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك , فقال تعالى : ( قل إن كان آبائكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال إقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ) ( التوبه : 24 ) , ولما قال سيدنا عمر للنبى صلى الله عليه وآله وسلّم : يا رسول الله , لأنت أحب إلى من كل شىء إلا نفسى , قال النبى صلى الله عليه وآله وسلّم : ( لا والذى نفسى بيده , حتى أكون أحب إليك من نفسك ) فقال له سيدنا عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى , فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلّم " الآن يا عمر " رواه البخارى .
والإحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلّم هو الإحتفاء به , والإحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم أمر مقطوع بمشروعيته , لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى , فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه , فعرف الوجود بأسره بإسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته , فالكون كله فى سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته .
وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الإحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم , كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزى وابن كثير , والحافظ بن دحيه الأندلسى , والحافظ بن حجر , وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى .
ونص جماهير العلماء سلفاً وخلفاً على مشروعية الإحتفال بالمولد النبوى الشريف , بل ألف فى إستحباب ذلك جماعه من العلماء والفقهاء , بينوا بالأدله الصحيحه إستحباب هذا العمل , بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الإحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف , وقد أطال ابن الحاج فى
( المدخل ) فى ذكرى المزايا المتعلقه بهذ الإحتفال , وذكر فى ذلك كلاماً مفيداً يشرح صدور المؤمنين , مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه ( المدخل ) فى ذم البدع المحدثه التى لا يتناولها دليل شرعى , وللإمام السيوطى فى ذلك رساله مستقله سماها " حسن المقصد فى عمل المولد " .
والإحتفال فى لغة العرب : من حفل اللبن فى الضرع يحفل حفلاً وحفلاً وتحفلّل وإحتفل : إجتمع , وحفل القوم من باب ضرب وإحتفلوا : إجتمعوا وإحتشدوا . وعنده حفل من الناس : أى جمع , وهو فى الأصل مصدر , ومحفل القوم ومحتفلهم : مجتمعهم , وحفله : جلاه ,فتحفل واحتفل , وحفل كذا : بالى به , ويقال : لا تحفل به .
وأما الإحتفال بالمعنى المقصود فى هذا المقام , فهو لا يختلف كثيراً عن معناه فى اللغه , إذا المراد من الإحتفال بذكرى المولد النبوى هو تجمع الناس على الذكر , والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلّم , وإطعام الطعام صدقه لله , إعلاناً لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم , وإعلاناً لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم .
ويدخل فى ذلك ما إعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف , فإن التهادى أمر مطلوب فى ذاته , لم يقم دليل على المنع منه أوإباحته فى وقت دون وقت , فإذا إنضمت إلى ذلك المقاصد الصالحه الأخرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحباً مندوباً إليه , فإذا كان ذلك تعبيراً عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم كان ذلك أشد مشروعيه وندباً وإستحباباً , لأن للوسائل أحكام المقاصد , والقول بتحريمه أوالمنع منه حينئذ ضرب من التنطع المذموم .
ومما يلتبس على بعضهم دعوى خلو القرون الأولى الفاضله من أمثال هذه الإحتفالات , ولو سلم هذا – لعمر الحق – فإنه لا يكون مسوغاً لمنعها , لأنه لا يشك عاقل فى فرحهم – رضى الله عنهم به صلى الله عليه وآله وسلّم , ولكن للفرح آساليب شتى فى التعبير عنه وفى إظهاره , ولا حرج فى الأساليب والمسالك , لأنها ليست عباده فى ذاتها , فالفرح به صلى الله عليه وآله وسلّم عباده وأى عباده , والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيله مباحه , ولكل فيها وجهة هو موليها .
على أنه قد ورد فى السنه النبويه ما يدل على إحتفال الصحابه الكرام بالنبى صلى الله عليه وآله وسلّم مع إقراره لذلك وإذنه فيه , فعن بريده الأسلمى رضى الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فى بعض مغازيه , فلما إنصرف جاءت جاريه سوداء فقال : يا رسول الله , إنى كنت قد نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : " إن كنت نذرت فإضربى , وإلا فلا " رواه الإمام أحمد والترمزى وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .فإذا كان الضرب بالدف إعلاناً للفرح بقدوم النبى صلى الله عليه وآله وسلّم من الغزو أمراً مشروعاً أقره سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلّم وأمر بالوفاء بنذره , فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الدنيا – بالدف أوغيره من مظاهر الفرح المباحه فى نفسها - أكثر مشروعيه وأعظم إستحباباً
وإذا كان الله تعالى يخفف عن أبى لهب – وهو من هو كفراً وعناداً ومحاربه لله ورسوله – بفرحه بمولد خير البشر بأن يجعله يشرب من نقره من كفه كل يوم إثنين فى النار , لأنه أعتق مولاته ثويبه لما بشرته بميلاده الشريف صلى الله عليه وآله وسلّم كما جاء فى صحيح البخارى , فما بالكم بجزاء الرب لفرح المؤمنين لميلاده وسطوع نوره على الكون ! .
وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بنفسه الشريفه جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف , فقد صح عنه أنه كان يصوم يوم الإثنين ويقول : " ذلك يوم ولدت فيه " رواه مسلم من حديث أبى قتاده رضى الله عنه , فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمه بذاته الشريفه , فالأولى بالأمه الإحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم بشكر الله على منته ومنحته المصطفويه بكل أنواع الشكر , ومنها الإطعام والمديح والإجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك , - وكل ماعون ينضح بمافيه . وقد نقل الصالحى فى ديوانه الحافل فى السيره النبويه " سبل الهدى والرشاد فى هدى خير العباد " عن بعض صالحى زمانه : أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلّم فى منامه , فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعية الإحتفال بالمولد الشريف , فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلّم " من فرح بنا فرحنا به " .
وكذلك الحكم فى الإحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين وإحياء ذكراهم بأنواع القرب المختلفه , فإن ذلك أمر مرغب فيه شرعاً , لما فى ذلك من التأسى بهم والسير على طريقتهم , وقد ورد الأمر الشرعى بتذكر الأنبياء والصالحين فقال تعالى : ( وأذكر فى الكتاب إبراهيم ) " مريم : 41 " ( وإذكر فى الكتاب موسى ) " مريم : 51 " وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء , بل يدخل فيه الصالحون أيضاً , حيث يقول تعالى : ( وإذكر فى الكتاب مريم ) " مريم : 16 " إذ من المقرر عند المحققين أن مريم عليها السلام صديقه لا نبيه , كما ورد الأمر الشرعى أيضاً بالتذكير بأيام الله تعالى فى قوله سبحانه وتعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) " إبراهيم : 5 " ومن أيام الله تعالى أيام الميلاد وأيام النصر , ولذلك كان النبى صلى الله عليه وآله وسلّم يصوم يوم الأثنين من كل أسبوع شكراً لله تعالى على نعمه إيجاده وإحتفالاً بيوم ميلاده كما سبق فى حديث أبى قتاده الأنصارى فى صحيح مسلم , كما كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه شكراً لله تعالى وفرحاً وإحتفالاً بنجاة سيدنا موسى عليه السلام , وقد كرم الله تعالى يوم الولاده فى كتابه وعلى لسان أنبياؤه فقال سبحانه :( وسلام عليه يوم ولد ) " مريم : 15 " وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم : ( والسلام على يوم ولدت ) " مريم : 33 " , وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد , وهى سبب لحصول كل نعمه تنال الإنسان بعد ذلك , فكان تذكره والتذكير به باباً لشكر نعم الله تعالى على الناس : فلا بأس من تحديد أيام معينه يحتفل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين , ولا يقدح فى هذه المشروعيه ما قد يحدث فى بعض هذه المواسم من أمور محرمه , بل تقام هذه المناسبات مع إنكار ما قد يكتنفها من منكرات , وينبه أصحابها إلى مخالفة هذه المنكرات للمقصد الأساسى الذى أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفه .
والله سبحانه وتعالى أعلم
أمانة الفتوى
دار الإفتاء المصريه
|
الرزق والدعاء والمشيئة
( وقال ربكم ادعونى أستجب لكم )
بفرحة الشمول بالعطية من صاحب المنائح السخية التقيت بسماحة الإمام .. السلام عليكم يا مولانا قال السيد وعليكم من الله السلام .
قلت : هل يمكن اليوم إجراء الحوار مع سماحتكم كالمعتاد :
قال السيد : العادة تثبت ولو من مرة واحدة فماذا لديك ؟
قلت : عندي تساؤل مشمول بالعجب محاط بالاستغراب .
قال : أى عجب وأى استغراب ؟
قلت : أما السؤال فإنه بخصوص الدعاء والسعى على الرزق فمع أن الله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالاستجابة ولكن غالباً ما ندعو ربنا فلا يجيب ولا يستجيب وهو لا يخلف الميعاد وأيضاً أمرنا بالسعى على الأرزاق وغالباً ما نسعى ولا نحصل الرزق ألا ترى سماحتكم أن في هذا الأمر ما يدعو للعجب والاستغراب .
قال السيد : نعم ولكن عند من يجهل الحكمة الإلهية .
قلت : إن الحكمة يؤتيها الله لمن يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً .
قال السيد : يا ولدى إن الله عندما يعطى الحكمة لمن يشاء يأخذ عليه الميثاق ألا يعطيها لغير أهلها وألا يمنعها عن أهلها .
قلت : إن لم أكن شخصياً أهلاً لها فالقراء الأفاضل لاشك أن معظمهم أهل لها بإذن الله .
قال الشيخ : نعود إلى سؤالك .. يا بنى إن الله عندما يأمرنا بشئ فإنه يكون فريضة علينا وعندما يعدنا بشئ فليس ذلك بفريضة عليه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وإياك أن تظن أن السعى على الرزق هو الذي يجلب الرزق ولكن الرزق من لدن الرزاق سبحانه وتعالى والسعى على الرزق إنما هو سبب والله بقدرته يستطيع ربط الرزق بالسبب ويستطيع أيضاً أن يهب الرزق بغير سبب ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
والخلاصة أن السعى على الرزق فريضة يؤديها المؤمن لأنه أمر بها فإذا حدث أن رزق العبد فإن الرزق ساعتها يكون منحة .. منة .. هبة و إلا فمن الذي رزق العبد وهو جنين في بطن أمه أسعيه . أم ربه ومن الذى رزقه وهـو رضيع أسعيه أم ربه ومن الذى رزق العبد الحياة سعيه أم ربه .. إلخ .
وكذلك الحال بالنسبة للدعاء فإذا دعونا الله فكما أمر ونحن ملزمون بذلك وإن استجاب لدعائنا فكما وعد غير ملزم بذلك وعلى أية حال فإن الدعاء فريضة على العبد ( وقال ربكم ادعونى ) فإذا أجيبت الدعوة فذلك محض كرم وفضل وهبة من الوهاب سبحانه وتعالى والخلاصة أن الأمور التي نجهلها أكثر من الأمور التي نعلمها فكيف ندعو بما نجهل مما يلزمنا في حياتنا وكيف نسعى إلى رزق نجهله وهو لازم لحياتنا الدنيوية والأخروية ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .
وقد يطلب أحدنا من الله شيئاً يظن أن فيه كل الخير له والله بعلمه وقدرته يمنع ذلك عن العبد الطالب لأن ذلك الأمر فيه من الشر الكثير وقد يعرض أحدنا عن أمر معين ظاناً أن فيه كل الشر فيعطيه الله له فيكتشف العبد أن الخير في ما يظنه الشر وأن الشر في ما يظنه الخير ( عسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ) .. ( عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .
أقول حتى لو أطلعك الله على شئ مكتوب في اللوح المحفوظ فاعلم أن قدرة الله تعالى على المحو هى قدرته على الإثبات ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
يا ولدى أن كل الخلق تحت هيمنة ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) واعلم أن الحيلة هي في ترك الحيلة أما سمعت مقالة الإمام الشاذلى رضى الله عنه وهى مشهورة بل دعوة مأثورة عنه ... كان رضى الله عنه يقول : " اللهم إنا قد عجزنا عن جلب الخير لأنفسنا من حيث نعلم فيما نعلم بما نعلم فكيف لا نعجز عن دفع الضر عن أنفسنا من حيث لا نعلم فيما لا نعلم بما لا نعلم .. اللهم فدبرنا فإنا لا نحسن التدبير فما علينا إلا أن ندعوه مطيعين لأمره ثم ننتظر ما يجود به كرمه سبحانه وتعالى لأنه يعطى بالأسباب وبغير الأسباب وما علينا إلا أن نسعى على أرزاقنا مطيعين لأمره ثم ننتظر ما يجود به سبحانه وتعالى لأنه يرزق بالأسباب ويرزق من يشاء بغير حساب .
فأين العجب والاستغراب ؟
قلت يا سيدي : إذا عرف السبب بطل العجب وأما الاستغراب فإنه يزول بزوال العجب .
قال السيد : اسمع إلى قول الله تعالى : ( أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) .
قلت : ومع ذلك فإنى أسأل الله لك وأدعوه أن يتفضل على سماحتكم بالصحة والعافية والعلم الذي يبدد الظلمة ويكشف الغمة إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
والسلام عليكم ... وعليكم السلام مريد
|
عاشوراء .. يوم فرح وسرور لا حزن وبكاءكل أمه لها نصيب من يوم عاشوراء . . سيدنا نوح عليه السلام نجاه الله من الغرق ورست مركبه على جبل ( الجودى ) يوم عاشوراء . . سيدنا إبراهيم عليه السلام نجاه الله من النار يوم عاشوراء . . سيدنا موسى عليه السلام نجاه الله من الغرق يوم ضرب البحر بعصاه " فانفلق كل فلق كالطود العظيم " يوم عاشوراء. . سيدنا عيسى عليه السلام رُفع يوم عاشوراء. . سيدنا يونس نجاه الله من بطن الحوت يوم عاشوراء. . سيدنا أيوب شفاه الله وعوضه عن أولاده وأمواله يوم عاشوراء .
كل أمه تتبع نبياً من هؤلاء الأنبياء أوكل من يحبهم يجب أن يحب يوم عاشوراء ويحتفل به لكن أين نصيب الأمة المحمدية من يوم عاشوراء ؟
لا النبي ولد يوم عاشوراء ولا الإسراء والمعراج كان يوم عاشوراء ولا فتح مكه فى ذلك اليوم ولا انتصار المسلمين فى غزوه من غزواتهم كان فيه . فهل تفرح كل الأمم بيوم عاشوراء ماعدا الأمة المحمدية ؟
لقد أستشهد سيدنا الحسين فى كربـلاء يوم عاشـوراء لكن هل يوم الحادث يدعو إلى الفرح ؟ ! إن كل المظاهر السابقة فيها فرح , نجاة من الغرق , نجاة من النار , نجاة من بطن الحوت , نجاة من مرض سقيم . فهل استشهاد سيدنا الحسين مظهر يستحق الفرح ؟! يستحق الاحتفال به ؟! .
إن نجاة معظم الأنبياء يوم عاشوراء مناسبة تستحق الفرح . . فقد نجوا من الشرور لكن نجاتهم تبعها بقاؤهم فى الدنيا بكل متاعبها وهمومها وعيوبها أما ما جرى لسيدنا الحسين فهو النجاة من الدنيا نفسها , هي النجاة التي ليس بعدها ألم , هي النجاة التي لا يخشى بعدها شيئاً هي الغنى الزى ليس بعده فقر والشفاء الذي ليس بعده مرض , والشبع الذى ليس بعده جوع . هو الحل الذى ليس بعده مشكله , كل ذلك تجمع فى استشهاد سيدنا الحسين وهى مناسبة تستحق الفرحة . فلماذا حولها البعض إلى مأتم وسرادق عزاء وألم وحزن وأوجاع ودماء ودموع ؟ ! .
لقد أستلم سيدنا الحسين راية الرياده عندما بُشر بأنه سيد شباب أهل ألجنه .
ولحظة إستشهاده ها اللحظة التحى إلتقى فيها مع سيدنا على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء وسيدنا رسول الله – عليه الصلاة والسلام – هذا هو ما قلنا : المكسب الذي ليس بعده خساره والفرج الزى ليس بعده ضيق والعطاء الزى ليس بعده سلب والفرح الذى ليس بعده كرب .
لقد ترك سيدنا الحسين الأرض المليئة بالظلم والغدر وذهب إلى جنات الله حيث لا ظلم ولا قهر .
لقد تعود الصوفية أن يحتفلوا بمولد الأولياء والصالحين فى ذكرى وفاة هؤلاء الأولياء . إن يوم الميلاد يشبه يوم دخول الامتحان , ويوم الاستشهاد يشبه يوم النجاح بتفوق وامتياز يوم الميلاد هو يوم بداية الاختبار , وهناك احتمال للمكسب واحتمال للخسارة واحتمال للنجاح واحتمال للسقوط لكن يوم الاستشهاد هو يوم التصنيف الذي ليس بعده تصنيف , يوم القبول الزى ليس بعده رفض يقول سبحانه وتعالى : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .
طبعاً كل واحد حر يضرب نفسه بخنجر أوسكين أوجنزير , لا أحد يعاتبه على ما يفعله بنفسه لكن يجب إلا يؤخذ ذلك على أنه عقاب على ما جرى لسيدنا الحسين أوتعبير عن ذنب التقصير فى إنقاذه إن سيدنا الحسين ليس خالداً فى الدنيا ولا كان قادراً على تغيير مصيره , لقى ربه وهو راض .
إن كل الأنبياء الذين نجاهم الله يوم عاشوراء عادوا وامتحنوا فى الدنيا أما سيدنا الحسين فقد لقى ربه شهيداً دون اختبارات أخرى إذا كان الذين يبكون عليه يبكون على فقد أو خساره فهو لم يخسر شيئاً بل كسب كل شيء . هم لا يبكون لأنهم لم يناصروه إذاً هم يبكون على أنفسهم لا عليه .
إن البكاء على سيدنا الحسين وإظهاره فى صورة البائس الضعيف المهزوم المهدود الذى لا ناصر له ولا معين هو انتقاص من قدره الشريف ومكانته الرفيعة .
إن البكاء لا ينصر من نبكى عليه بل يضعفه والذي يحب سيدنا الحسين يحب شمائله وخصاله وهى ذاتها الشمائل والخصال النبوية . . الصدق , المودة , الرحمة , التسامح , المغفرة , العطاء بلا حدود .
|
لو أعطيت الحكمه لغير أهلها فقد ظلمتها ولو لم تعطها لإهلها فقد ظلمتهم !سيدنا رسول الله ليس شخصاً عادياً . . وعندما نتكلم عن خصائصه الجسمانيه فلا يجوز أن نطبق عليه علوم التحاليل الطبيه . . البشريه . . فليس كمثله شىء . . وعندما يكون ما يخرج منه طاهراً فذلك دليل قدرة الله سبحانه وتعالى لا قدرته هو صلى الله عليه وسلّم . . والفيصل هو العين التى تراه . . فعين أبى لهب ليست كعين أبى بكر . . وعين المحب له ليست كعين أطباء الأشعه والليزر وتحاليل الدم والعرق والبول .
لكن ليس كل ما يعرف يقال . . وليس كل ما يقال جاء أوانه . . وليس كل ما جاء أوانه حضر أهله . . قرأ سيدنا عمر بن الخطاب الفاتحه على عين فشفيت , لكن لما جاء غيره وقرأ الفاتحه على عين أخرى لم تشف فالسبب هو أن عمر بن الخطاب هو الذى قرأ الفاتحه . . والفاتحه متاحه لكن عمر بن الخطاب غير متاح .
كل شىء له أهله . . والحكيم هو الذى لا يعطى الحكمه إلا لأهلها فإن أعطاها لغير أهلها ظلمها وإن حجبها عن أهلها ظلمهم .
من هنا قيل " كفا بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " . .
إن سيدنا على بن أبى طالب قال عن نفسه : " لو حدثتكم بحديث سمعته عن أبى القاسم لقلتم أن علياً أكذب الكاذبين " . . لو سمعوا ذلك الحديث من النبى سيصدقونه ولو سمعوه من أقرب الناس إليه لكذبوه ولقالوا أن النبى لا يقول ذلك الحديث أبداً .
سيدنا أبو الحسن الشاذلى أرسل إثنين من مريديه فى مهمه فوجد أحدهما أناساً تتكلم كلاماً فارغاً وراح يستمع إليهم ويحاول منحهم ما فتح الله عليه من علم وعاد الآخر إلى سيده الذى سأله عن زميله فأجاب : " لقد تركتُه يُقلّدْ الدُرْ أعنَاق الخَنازير " .
والخطأ هنا هو خطأ تلميذ أبى الحسن الشاذلى أن يتطوع بعلمه لمن لا يهضمه . . فالعالم يجب أن يتأكد من أن علمه سيصل كما هو ودون فهم خاطىء . . عليه أن يقول قولاً لمن يتذكر ويخشى . . ومن ثم فلابد من طهو العلم حتى يسهل هضمه . . فلا يجوز أن نعلم الطفل الجبر قبل القراءة . . إن العالم يجب أن يكون عالماً بالمعلومه وعالماً بمن سيتلقاها .
يقول سبحانه وتعالى " لو كنتم تحبون الله فإتبعونى يحببكم الله " . . لكن الحب هنا غير مفهوم الحب بين الرجل والمرأه وهو المفهوم الوحيد الذى أصبح يقفز إلى عقولنا كلما جائت سيرة الحب . . وتغير مفهوم القوه . . فأصبحت القوه هى قوة العضلات . . لا قوة الإيمان . . ولا إمتلاك النفس عند الغضب . . وتغير مفهوم الرزق فأصبح ينصب فقط على المال فى حين أن الهواء والعلم والهضم والستر أنواع من الرزق .
ولعل سوء الفهم حول معانى الكلمات هو الذى يسبب سوء التفسير لما يقوله العلماء . . ومن ثم فإن على العَالِم أن يتأكد من أن رسالته ستصل صحيحه قبل أن ينطق بها . . وربما كان هذا هو خطأ المفتى عندما تحدث فى تلك الأمور الأخيره التى أهاجت الدنيا عليه . . يقول صلى الله عليه وسلّم ما معناه : ما حدّثْ أحد قوماً بحديث لا تدركه عقولهم إلا كان فتنه عليهم . . وكأن العُلماء الذين يقصون الناس عن الفتن يمكن أن يكونوا سبباً لها لو كان حديثهم بعيداً عن إدراك الناس بغض النظر عن صحة ما يقولونه .
إن المعلومه قد تكون صحيحه لكن توقيت عرضها قد يكون خطأ . . هنا تشتعل الفتنه . . وقد يكون عرضها على العامه دون تفرقه فتنه . . فليس كل الناس تفهم فى الجواهر . . والكلام عن حضرة النبى هو أثمن الجواهر . . وهناك من يعتبر السجاجيد العجميه القديمه والغالية الثمن "خرقه" أفضل منها "حصيره" من البلاستيك .
ولو كانت هناك شروط فى تقديم العلم فإن هناك أدباً يجب أن يتحلى به المتلقون له ولو لم يعجبهم ما يسمعون . . لو كان هناك أدب للإلقاء فإنه يقابله أدب للتلقى . . أو لابد من أن يقابل أدب الكلام أدب الإستماع . . ولوكان المفتى بما قال عن الرسول تكلم فى وقت غير مناسب لبشر غير محبين لسيدنا رسول الله فإنه كان عليهم أن يعاملوه بأدب التلقى أوأدب الإستماع . . لو كان هناك من سخر من الكلام عن بول النبى صلى الله عليه وسلّم دون مناقشه فلماذا لم يسخر ممن طالبوا بشرب بول الإبل بنفس القدر ؟ ؟ . . هل الإبل أكرم عند الله من حضرة النبى صلى الله عليه وسلّم ؟
إن لكل شىء أهله . . فعند إختراع الراديو قالوا يسكنه الجن . . ثم تقبلوه . . وعندما ظهر التليفزيون قالوا بل هو الجن بعينه . . ثم تقبلوه . . إن الجهل بالشىء ليس عيباً ولكن العيب كل العيب هو السخريه من كل ما لا نعرف وما لا ندرك وما لا نستوعب .
يقول الشاعر : قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد . . وينكر الفم طعم الماء من سقم . . وينكر الأذن صوت الرعد من صمم . . فالمشكله ليست فى وجود الرعد وإنما فى الأذن الصماء . . والمشكله ليست فى ضوء الشمس وإنما فى الرمد الذى يحجبه عنها .
إن الجهل ليس حُجهْ . . العلم هو الحُجهْ . . " وقل رب زدنى علماً " . . ويقول سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلّم : " وكان فضل الله عليك عظيماً " . . وصور ذلك الفضل لا حصر لها . . كان الطعام يكثر فى يده الشريفه . . ورحلة الإسراء والمعراج . . وغيرهما . . وهذا ليس إلا دليلاً على عظمة الصانع الذى صنعه . . والخالق الذى أحسن ما فعل . . ولا يقصد به الألوهيه للنبى صلى الله عليه وسلّم .
لم يخطىء المفتى فيما قال إلا فى إختيار الوقت والناس الذين تحدث إليهم . .
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
|
تعالوا نفهم معنى السلفيهلو أمسكت بخريطة الدنيا وفردتها على طول ذراعيك . . ستكتشف أن غالبية الدول الإسلاميه متخلفه . . وفقيره . . أميه . . ترفض الحضاره العصريه . . وتصر على أنها تعيش فى حاله سلفيه .
هم بإسم السلفيه يتمسكون بما كان يجرى أيام الرسول وصحابته . . يدسون المخدر الدينى فى قالب سكر مغرى بتناوله . . فيتسلل ذلك المخدر إلى العروق والعقول . . يسيطر عليها . . يصيبها بالغيبوبه . نرفض التكنولوجيا الحديثه فى القتال ونتمسك بالسيف والدرع والطوب والمقلاع بينما أعداؤنا يستخدمون الطائرات المقاتله النفاثه الأسرع من الصوت . . وفى الغيبوبه نحرم وسائل المواصلات المتطوره . . الفاكس . . الإنترنت . ونصر على الجمل والناقه والبغال والحمير . . إن الحقنه السلفيه السائده . . مثل الحقنه الشرجيه العتيقه فى زمن الطب بالليزر .
لقد وجدنا جموعاً غفيره من شبابنا تمزق الشهاده الجامعيه فى تخصصات الطب والهندسه والصيدله والإقتصاد والبورصه وترفض العمل فى مؤسسات الحكومه الكافره وراحوا يبيعون العسليه والسواك والبخور متصورين إنهم بذلك ينقون أموالهم من أموال الحكومه الحرام . . رغم أنهم يعيشون على طريق مهدته الحكومه . . ويستخدمون شبكات الكهرباء التى أمدتها الحكومه . . ويشربون من مياه طهرتها الحكومه . . ويقضون حاجاتهم فى نظام صرف صحى مولته الحكومه . . إنهم فى الحقيقه عاله على الحكومه . . وعاله على المجتمع الذى يعمل بالنيابه عنهم . . ويدفع الضرائب نيابه عنهم . . ويمول الخدمات التى يستخدمونها نيابه عنهم .
وفى أفضل الأحوال يفسرون الحديث النبوى الشريف " يسروا ولا تعسروا " على إن الأمر بالتيسير يقتصر على الفتوى والأمور الدينيه فقط .
إن الأمر بالتيسير يجب أن يمتد إلى كآفة نواحى الحياة العملية والشخصية.. لو كانت هناك عملية حسابية تستغرق ساعة بالعقل البشرى المجرد ودقيقة بالكمبيوتر فإن الأمر النبوى بالتيسير يفرض علينا استخدام الكمبيوتر.. لو كان الحج بالمشى يستغرق شهورا فإن التيسير الذى أمرنا به أن نحج بالطائرات التى لا تستغرق سوى ساعات.
إن معنى يسروا هنا.. اخترعوا.. تقدموا.. تطوروا.. سهلوا الحياة.. ولا يعتد بتقليد الحياة فى عصر النبوة والصحابة.. وفى زمن السلف الصالح.. لو كانت الطائرة فى زمن رسول الله لأمرنا بالقتال بها.. لو كانت البورصة فى عصره صلى الله عليه وسلم لترك التجارة وتفرغ لها.. ولو كان فى زمن الصحابة فنادق خمس نجوم لزوجوا أبناءهم فيها.. ولو كان التلفزيون معروفا فى زمن الرعيل الأول من المسلمين لاستخدموه فى الدعوة.
لكن.. الذين يقولون إنهم سلفيون يرفضون كل ما لم يكن فى عصر السلف.. يأخذون الأمور الشكلية.. ليبقوا فى زمن غير زمانهم.. فالجبن حرام لأن الصحابة كانوا يشربون اللبن.. ولا يعرفون الجبن.. والجلباب هو الزى الإسلامى لأن البدلة بدعة غربية.. والسيارة حرام.. فالجمل هو وسيلة النقل الشرعية.. وهكذا خرج المسلمون من العصر الحديث.. وأعطوا ظهورهم له وولوا وجوههم شطر الماضى البعيد ليظلوا فيه.. وهو ما أسعد الغرب ونال استحسانه.. فالحضارة الغربية هى حضارة قامت على أعمدة العلماء والمفكرين المسلمين فى كافة نواحى المعرفة والتطور.. ومن مصلحة الغرب بقاؤنا فى زمن الماضى حتى نكون أداة طيعة فى يده.. وسوقا لمنتجاته.. من مصلحة الغرب أن نبقى فى مساجدنا وبيوتنا لا نغادرها حتى يصدر لنا كل ما نحتاجه ونعيش عليه.. فيزدهر اقتصاده.. وتدور مصانعه.. ويرتقى يوما بعد يوم.
إن التقدم لا بد له حتى يستمر أن يحافظ على أكبر مساحة ممكنة من التخلف على ظهر الكرة الأرضية: يقول سبحانه وتعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث ".. والمقصود بكلمة حدث " تكلم " أومقصود بها " التحديث " أى التطوير.. والاكتشاف.. ليس هناك ما يمنع أن نفهم كلمة حدث على هذا النحو.. ويقول النبى صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ثم طوبى للغرباء".. ويمكن فهم كلمة غريب على أنها من الغرابة وليس من الغربة.. فمن الغرابة أن النبى الذى كان لا يعرف القراءة والكتابة أتى من عند الله بقرآن يعجز فلاسفة العرب وشعراؤهم أن يأتوا بمثله.. ولم يكن النبى من عظماء قريش وإنما يتيما كان فى قريش والغرابة انه دخل مكة ( التى أخرج منها) فاتحاً مسيطرا ناشرا دعوته.. والغرابة أن المسلمين.. رعاة الأغنام الذين جاءوا من قلب الصحراء هم الذين فتحوا العالم ودخلوا بلاد الفرس والروم ووصلوا إلى قلب أروبا دون تكنولوجيا.. وبرسالة سامية.. وكلمة طيبة.. فقط.. ولو كان الحكام فى كافة بقاع الأرض يبنون مجدهم على سياسة "فرق تسد" فإن الغرابة فى الإسلام أن نبيه فعل العكس.. " وحد تسد".. إن تجميع الناس فتح البلاد الظالم حكامها.. ليسود العدل والمحبة والسلام وحقوق الإنسان والطمأنينة.
إن الغريب هو العجيب.. الذى لا يعتمد على معطيات المنطق العقلى السائد.. بدوى يفتح دولا متحضرة.. أمى يأتى بمعجزة لغوية سماوية.. بيئة متخلفة تفرض الحضارة السامية على أصحاب المادية الصارمة.. هذه هى الغرابة التى ولدت مع الإسلام.. أما انه سيعود غريبا.. فربما كان المقصود هنا.. أن المكان الذى خرجت منه الدعوة الإسلامية لنشر السلام والعدل فى العالم ستخرج منه الفتاوى المتأخرة المنومة المخدرة التى ستكرس التخلف.. وهنا الغرابة.. أن يسعد المسلمون بذلك.. ويصروا عليه ويتمسكوا به.
إنها فتاوى تطالب المسلمين بأن يأكلوا ما كان يأكله الصحابة.. وأن يناموا كما كانوا ينامون.. ولا يستعملوا ما لم يكن معروفا أيامهم.. الدش.. الكمبيوتر.. الليزر.. التشريح.. التشخيص.. ليأكل المسلمون بأيديهم كما كان الصحابة يأكلون.. ألا يعملوا فى الحكومة لأنه أيامهم لم تكن هنالك حكومة.. كل ما يميز المسلم السلفى هو أن يطلق لحيته رغم أنه لا فضل له فى ذلك.
ولعلنا نفهم الغرابة فى قول رسول الله وسيعود (الإسلام غريبا) بأنها نبوءة أن يعود الإسلام بفهمه الصحيح (من العلماء والفقهاء وأهل الرأى) لما كان عليه، قادرا على فرض العدل والحق والسلام.. والغرابة أن يحدث ذلك رغم ما نحن فيه من تخلف وأمية وإصرار على الجهل.
إن سر تخلف المسلمين... أنفسهم.. إن الطب موجود لكنك تجد من يفتى بتحريم العلاج ليموت المريض شهيدا.. أو بدعوى أن العلاج تغيير فى مشيئة الله.. إن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".. والقوة هنا ليست قوة العضلات.. إنما قوة العقل.. والعلم.. والمال.. والاختراع.. ليست قوة التصورات الخاطئة التى يعيش أصحابها على بيع البخور أمام المساجد.. بل قوة من يزرع وينتج ويبنى ويعمر ويطور.. ليست قوة العاطلين والكسالى وأصحاب الفتاوى المحبطة الذين لم يقرأوا الحديث النبوى الشريف: " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة (شتلة النخلة) فليغرسها".. ولم يقرأوا قوله سبحانه وتعالى: " وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" .. ولم يقل خربوا.. دمروا.. وفجروا.. وأحرقوا.. وأقتلوا.. إن مثل هذه الأفعال هى تعبير عن عقد نفسية يعانى منها الذين نبذوا العمل وعاشوا عالة على الناس وشعروا بغل نحو كل ما يملكه الآخرون.. ومن ثم سعوا لتخريب سياراتهم وحرق بيوتهم.. ليبيع كل الناس العسلية والبخور مثلهم.
الغرب يريدنا أن نبقى على هذه الصورة.. وقد شجع أصحابها.. واستخدمهم فى صراعاته السياسية والعسكرية فى أفغانستان.. ضد الاتحاد السوفيتى.. ولم يعترض على التفجيرات والاغتيالات التى يرتكبونها فى بلادهم.. لكن.. ما إن وصلت التفجيرات للغرب نفسه حتى قام وانتفض ورفض وغضب.. وبعد أن كان يسميهم بالمجاهدين أطلق عليهم صفات الإرهابيين والمجرمين والمتطرفين.. والغرب سعيد بأن نبقى على هذه الصورة حتى نتحمل نيابة عنه المصانع القذرة الملوثة للبيئة على أن يعيش هو فى بيئة نظيفة.. وحتى يستغل كل ما نملك من موارد مادمنا نحن نصر على أن العمل حرام.. وأن بيع العسلية هو التجارة الشرعية المناسبة لنا.
يقول صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً ويأكل منه طير أوإنسان أوحيوان إلا له به صدقة وما سرق منه صدقة ".. لكن.. لا أحد من الكسالى العاطلين يقدر على استيعاب ذلك.. كل ما عليه أن يحرم المياه المثلجة لأنه لم يكن هناك ثلاجات أيام الرسول.. ويحرم الصلاة فى مساجد الأوقاف لأن الحكومة "الكافرة " تنفق عليها.. رغم أنه يتوضأ بمياه كافرة من الحكومة ويقرأ على كهرباء كافرة من الحكومة.. إن الغرب ليس وحده الذى يكيل بمكيالين.. نحن نكيل بألف مكيال.. وكلها غريبة غير معايرة مبتدعة تماما.. كلها مكاييل تعتبر التطور بدعة.. وكل بدعة ضلالة .. وكل ضلالة فى النار.. ولأن لا أحد يريد أن يشوى فى النار نجد الناس تجلس على رصيف الحياة متسولة ملتحية فى انتظار الجنة.
ويمكن القول إن هؤلاء هم عملاء الغرب الذين يسيرون أعماله ويحققون أهدافه دون مقابل.. يلوثون الأفكار بلا مقابل.. يقبلون كل شئ سيئ بلا مقابل.. رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " اليد العليا خير من اليد السفلى" ورغم أنه يقول أيضا: " لئن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يسألون الناس أعطوهم أو منعوهم".
لقد خدعوك فقالوا إنهم سلفيون ملتزمون بكل ما كان فى زمن الرسول والصحابة.. إن الالتزام يكون بالأخلاق.. لا بالشكليات الجامدة.. التى تسكن الإنسان فى الماضى وتبقيه فى الكهف لا يخرج منه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
|