السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

عبد الرحمن الطويل
فيينا

2017

حقوق الآخرين فى الاسلام !

لا يمكن حصر حقوق الإنسان التى تحمس ودافع عنها الإسلام .. لقد كان هدف الدين الحنيف تكريم الإنسان .. وحفظ كرامته .. وضمان رزقه..
يلقى خصوم حقوق الإنسان أكوام الحجارة على كل ما ينتمى لنا من حضارة .. والجريمة أنهم يعاملون البشر كالوليمة .. لتصبح كرامة الأمم والشعوب نعيا مخفيا تنشره جريدة قديمة .. وهو أمر لا يقره قانون ولا تسمح به شريعة .. كما أن الظلم مهما طال سيسقط عن آخره .. هذه هى حكمةالحياة العظيمة.ولا يمكن حصر حقوق الإنسان التى تحمس ودافع عنها الإسلام .. لقد كان هدف الدين الحنيف تكريم الإنسان .. وحفظ كرامته .. وضمان رزقه .. فتوفير الخبز والحرية فريضة؛ على كل أولى الأمر أن يوفروها للمسئولين عنهم .. ويجب أن ننتبه إلى أن هناك حكاما حاولوا التستر وراء الدين وادعوا أنهم من أصفياء الله .. لكن .. كل تصرفاتهم وسلوكياتهم لا علاقة لها بشرع الله.. فالله لم يأمرهم بضرب شعوبهم .. و إستنزاف مواردها .. وتحجيم مصائرها .. وسد الطرق أمام مستقبلها.
إن كل شئ جاء به الاسلام كان دقيقا محكما.. بداية من الوضوء ونهاية بأى أمر من الأمور الكبيرة .. العظيمة . فالإسلام مثلا عندما أمر بالوضوء قبل الصلاة فإنه يعطى الحق قبل الواجب .. فإذا كانت الصلاة واجبة فإن الوضوء حق .. حق الطهارة التى أمرانا الله بها .. وقيل إنه نصف الإيمان .. فاستخدام المطهرات للقضاء على الجراثيم والميكروبات لا يساوى استخدام الماء للوضوء.. فالوضوء طهارة .. يطهر البدن ولا ينظفه فقط .. وقد شمل الوضوء كل أجزاء الجسم المكشوفة والمعرضة للتلوث .. ثم هناك الطهارة من الحدث الأكبر (الجنابة) .. وكذلك الطهارة من الحيض .. الطهارة هنا ضرورة صحية وإ يمانية .. فالجسم فى هذه الحالات يكون معبأ بالميكروبات والجراثيم.
ويقول الرسول الكريم: "إن لبدنك عليك حق " .. من حق الانسان أن يستريح من العمل .. وهو حق فرض على من يستأجره للعمل .. أن يعطيه الحق فى الراحة .. راحة البدن والاهتمام به وصيانته بالعلاج إذا مرض وبالهدوء النفسى بالاجازة.. وقبل ذلك حق العمل يأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .. وهو ما يعنى أن الاسلام لم يهتم كثيرا بالسادة أو الصفوة و إنما أهتم أساسا بالعبيد والفقراء والجوارى والمستضعفين .. وقد جعل من كفارات الأيمان عتق الرقاب .. يقول سبحانه وتعالى: "وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام فى يوم ذى مسغبة (مجاعة) يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة (يتيم معدم)".
ولم ينس الإسلام المرأة كما يحاول البعض إيهامنا .. لقد ذكرها الله سبحانه وتعالى فى كتابه مستقلة عن الرجل .. وكلفها بالتشريع كما كلف الرجل .. ولم يجعلها تابعة له .. " والذاكرين الله كثيراً والذاكرات" والمؤمنون والمؤمنات" .. لم تؤخذ المرأة ضمنا .. هى مستقلة لأن لها تشريعا خاصاً .. فليس فى شريعة الرجال حكم للحيض .. أو حكم للنفاس .. جعل إستقلاليتها كاملة فى الخطاب والتشريع .. وفى الخصوصية والاحترام جعل الجنة تحت أقدام الأمهات.
وأحل الله تقبيل أيادى الوالدين وتقديم الاحترام لهما إلى أقصى درجة حتى لو كانا على غير الملة..
يقول سبحانه وتعالى: "ووصينا الانسان بوالديه" .. ويقول سبحانه وتعالى: " وبالوالدين إحسانا" .. ويقول سبحانه وتعالى: "فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربى ارحمهما كما ربيانى صغيراً ".. حتى إذا أمر الوالدان إبنهما بالشرك بالله وهو أمر يبغضه الله ولا يغفره فإن الله لم يعط الابن الحق فى إهانة والدية لهذا السبب .. يقول سبحانه وتعالى: " وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلىَّ.."
ويخاطب الله القوى ليأخذ منه حق الضعيف.. ويحدد لهذا الضعف حقوقاً معلومة وليست اجتهاداً يحدده القوى.. فعندما يتحدث عن حق الزوجة ولا يتحدث عن حق الزوج فلأن الزوج الاقوى .. وعندما قرر أن الرجال قوامون على النساء لم يترك ذلك دون شروط صارمة .. ومنها الإنفاق وبما فضل الله بعضهم على بعض.. كل تفضيل يناظره مسئولية.
إن هذه القاعدة هى التى جعلت سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: "لو عثرت بغلة فى العراق لحاسب الله عليها عمر لِمَا لم يمهد لها الطريق" . مسئولية الحاكم هنا تتبعها واجبات تجاه الرعية .. ومن ثم فإن مطبات الشوارع وبالوعات المجارى المفتوحة هى جريمة سيحاسب الله عليها أصحاب الشأن الذين قبلوا مثل هذه المسئولية.
وقبل ذلك كله دافع الإسلام عن حق الحياة للبشر جميعاً .. يقول صلى الله عليه وسلم: " من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة لن يشم ريح الجنة" .. وتبع ذلك "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" .. والقرآن فى كثير من آياته لا يخاطب المسلمين فقط بل يخاطب الناس جميعاً.. يقول سبحانه وتعالى: من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" ويقول سبحانه وتعالى : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وكلمة الناس تعنى غير المسلمين أيضا .. والناس جميعا حرام علينا أن نسرقهم أو نقتلهم أو نغتصب حقوقهم .. حرام علينا السخرية منهم والكذب عليهم .. وإلا خرجنا من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الزواج العرفي علاقة سريه خفيه غير شرعيه !

السمكة الجميلة و الزوجة الجميلة تتشابهان . ., فهما لا تدخلان مياهنا الإقليمية إلا بالحوار الحضاري و الشرعي و الصبر . . لا أحد يمارس التعسف مع المرأة . . و لا العنف مع الأسماك . . فاستعمال الديناميت لا يعطينا سوى أسماك ميته .
لقد تفشت في المجتمع المصري ظاهره مثيره للريبه عرفت بأسم الزواج العرفي. . و كان يسمى من قبل الزواج السري . . و قد لجأ إليه المصريون لأكثر من سبب . . إما حفاظا على معاش لا تريد المرأة أن ينقطع . . أو خوفا من زوجه أولى لا يريد الرجل أن يخبرها . . أو رغبه في تمرير علاقة ما يتصور طرفاها أنهما يحظيان بالشرعية عندما يكتبان ورقه يوقع عليها شاهدان يكتمان الشهادة في غالبية الأحوال .
و المثير للدهشه أن هناك شبه إنفاق بين كثير من العلماء على شرعية هذا النوع المتفشي من الزواج رغم أنهم منذ سنوات قريبه كانوا يحرمونه . . لكن . . كثرة الزن على الأذن أمر من السحر . . و قد فعل السحر مفعوله . . و خرج شيوخ الفضائيات يبيحونه .
إن أساس الزواج هو دوام العشرة . . و لو قال رجل لزوجته : أنت طالق بعد شهر أو بعد سنه أو بعد موعد محدد تكون محرمه عليه في اللحظة نفسها التي قال فيها ذلك . . فالطلاق ليس رخصه سهله الاستعمال – كما يتصور البعض – إنها تمر بمراحل متدرجة في الصعود . . تبدأ بالنصيحة . . " عظوهن " . . ثم يكون العقاب بالهجر . . " اهجروهن في المضاجع " . . لكن الهجر يكون و هما في فراش واحد . . لعل الشوق يصلح ما بينهما . . ثم " اضربوهن " . . لكنه ضرب خفيف . . غير مبرح . . ثم حكم من أهل الزوج و حكم من أهل الزوجة . . " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " . . ثم " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . . و بعد الطلاق للرجل أن يرجع زوجته و لو بدون إذنها في فترة العدة . . فالله لا يريد أن يقطع حبل الزواج . . و هو ما يسمى بالطلاق الرجعى . . فهي تعود إليه فور أن يجلس معها في مكان وحدهما . . أما لو انقضت فترة العدة فهي لا تعود إليه إلا بشروطها و موافقتها . . و لو طلقها الطلقة الثالثة فلا تجوز له إلا لو تزوجت غيره .
هذه هي الصورة المستقرة للزواج و الطلاق . . أما ما يسمى بالزواج العرفي فهو في حقيقته علاقة سريه . . إن الزواج إيجاب و قبول و مهر و شهود و إعلان . . و كلمة " عرفي " هو ما تعارف عليه الناس على اختلافهم في كيفية إتمام الزواج الشرعي و إشهاره . . مثل هل يتلقون المهر مالا أم إبلا ؟ . . هل يكون العرس في بيت العروس أم في بيت الرجل ؟ . . فالعرف هو قواعد القانون المتفق عليها و إن لم تكتب . . العرف هو ما تعارف عليه المجتمع لإتمام شئ بعينه . . و من ثم فالزواج الصريح الشرعي المشهر هو الزواج العرفي الذي تعارف عليه المجتمع . . أما الزواج العرفي بمعناه الجديد فليس زواجا . . وليس عرفيا . . و إنما هو علاقة سريه . . تعبير زواج عرفي هو تعبير محترم لأنه اكتمال لأركان الزواج الشرعي بالطريقة التي يفضلها المجتمع . . و غير ذلك هو علاقة خفيه . . سريه . . غير عرفيه و غير شرعيه . . و لا حول و لا قوة إلا بالله .

النخلة العذراء

" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً "
بفرحة العذراء بالفصيح المسمى بالسيد المسيح والبشارات التي توالت مبتدأها القول ألا تحزني أوتقولي بعدها ياليتنى .
التقيت بسماحة الإمام وكان سعيداً بالصيام عائداً لتوه من صلاة العشاء والقيام والأحباب يومئذ كثيرون يسألون سماحته ويتساءلون ويستمعون ويعجبون نعم أقول يعجبون حيث لم يكن مستطاعاً أن أوجه إلى سماحة السيد أي سؤال خاص بالحوار أوالمقال فاكتفيت بالتقاط العجائب من كلامه واقتناص الغرائب في مقامه ومن أعجب وأغرب ما سمعته في تلك الجلسة الممدودة كالعادات المعهودة أن رجلاً من الحاضرين ألقى على مسامع مولانا سؤالاً عجباً حيث قال الرجل : يا مولانا أفسح صدرك لي فإن عندي سؤالاً أراه غريباً قال الشيخ : هات .
قال : ما هي العلاقة بين مريم عليها السلام وجذع النخلة ؟
ولماذا النخلة المعرفة بالألف واللام مرتان وما وجه التشابه بينهما ؟
فقال الحاضرون: إنا نرى هذا السؤال غريباً.
قال السيد : إنكم ترونه غريباً وأراه مصيباً فاستمعوا بقلوبكم وأنصتوا بآذانكم لعلكم ترحمون ثم قال الشيخ : أولاً أنظر إلى سرعة تسلسل الأحداث في هذه الواقعة ولا أقول القصة لأن القصة تقبل الإضافة والحذف إلا أحسن القصص أما هذه فواقعه والواقعة حقيقية إذا وقعت فليس لوقعتها كاذبة خافضه لمن كذبها رافعه للمصدقين بها . . انتبهوا . . اسمعوا . . يقول الله تعالى: " فحملته. . فانتبذت . . فجاءها . . قالت . . فناداها من تحتها أي المولود فالفاء تفيد السرعة والتعاقب مما يقلل من الفواصل المكانية و الزمانيه .
أما عندما قالت العذراء ( يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) بعدها مباشرة استخدمت الفاء دلاله على السرعة الزمانيه " فناداها " الفصيح المسيح من تحتها يأمرها وينصحها قال : لا تحزني فإني مصدر تأييد وتزكيه لك ولست مصدر إيلام واتهام ( قد جعل ربك تحتك سريا ) يسرى عنك أي جاءك بالمسرة وليس بالمضرة ثم قال لها : أنظري إلى النخلة التي تعرفينها وليست عليك بغريبة هذه النخلة أنت تعرفينها جيداً وهذا واضح في قوله تعالى ( جذع النخلة ) ولم يقل جذع نخله مما يدل على أنها النخلة المعروفة لدى مريم . . ثم ماذا قال لها أنظري . . أليها إنها جذع أي فارغة من البلح ناهيك عن الرطب فلم يقربها أحد. . ولم يمسسها بشر بالتلقيح أي أنها عذراء لم تمس مساس الإخصاب هذا أولاً , أما ثانياً : ليس هذا الوقت وقت طرح النخيل لذلك لا يوجد فئ الجو آثار من طلع الذكورة وأنت يا مريم من عبيد الله فإذا أردت من النخلة ألمعروفه لديك وهى فارغة الآن إذا أردت منها رطباً جنياً بدون تذكير أوتلقيح لأنوثتها كما هو معتاد فإنها تساقط عليك رطباً جنياً وقوله تساقط خلاف تُسقطِ لأن معناها إنك تبسطين يدك فتساقط النخلة رطبه واحده تأكلينها ثم تبسطين يدك مره أخرى فتسقط الرطبة الثانية في يدك وليس على الأرض وكأنها تعطيك في يدك ما تريدين عندما تريدين بالقدر الذي تريدين وأنت يا مريم مثل هذه النخلة التي أعطت رطباً جنياً في غير أوانه وبغير منطقياته فما رأيك يا مريم إذا أراد الله لك أن يكون لك ولد بغير تلقيح أومساس ذكوري فأنا ولدك كما أن الرطب ولد النخلة ثم إن العلاقة بين مريم والنخلة هي مقام العمة لمريم فالعمة أخت الأب والنخلة بقية طينة آدم أبى البشر بما فيهم مريم لذلك فهي نبت خُلق من طين ومريم نبت خُلق من طين ( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً ) ولذلك فلا تستغربي يا مريم شيئاً أجراه الله على يدك وقد قمت بفعل شيء مثله بيدك ( وهزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطباً جنياً ) أي كامل الأطوار غير ناقص فئ خلق ولا في خُلق ويتكلم وينهى ويطمئن ولذلك فقد ولد سيدنا عيسى عليه السلام رسولاً نبياً دون انتظار للسن التي يكون فيها النبوة غالباً وهى سن الأربعين ففي لحظة ولادته قال ( إني عبد الله آتاني الكتاب ( أي رسول ) وجعلني نبياً . .
. . الآية ) . وذلك بعد أن علمت أمه بنصيحته ولم تكلم إنسياً وأما الحكمة في قوله تعالى ( فأشارت إليه ) فهي أن السيدة مريم عليها السلام نذرت ألا تكلم إنسياً فى يومها ولو أنها عندما لامها قومها نطقت بكلمه واحده موجهه كلامها إلى سيدنا عيسى كأن تقول له أخبرهم يا ولدى مثلاً كان معنى ذلك أن هذا الذي تحمله ليس إنسياً ولكنها أرادت أن تؤكد لهم إنسيته الخالصة وبشريته الكاملة فأشارت إليه كما تشير إلى أي إنسي .
ثم أنتبه الشيخ وقال بروحه السمحة المعروفة: هل فهم أحد شيئاً ؟ فقال الحاضرون جميعاً: نعم فنظر سماحته إلى وقال: حتى أنت فهمت ؟ قلت : الله أعلم .
فقال السيد : إذا قرأت الموضوع أكثر من مره فلعلك تفهم .
قلت: يا مولانا أنا في متعة الشارب المتذوق الذي لا يستطيع التعبير ولا حرمنا الله منكم
والسلام عليكم
وعليكم السلام
مريــــد

إذا فقدنا الإيثار ساد البوار !

الحكومة على خطأ فهى تتصرف وكأنها حكومة ثرية.. والناس على خطأ رغم شكواهم من نقص المال
إن الخير كثير .. ولكن.. المشكلة فى إدارته وتبديده.. يقول سبحانه وتعالى ((و لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ))
يتبادل الناس والحكومة الاتهامات.. الناس تتهم الحكومة بالتقصير.. والحكومة تتهم الناس بالتبذير.. الناس تتهم الحكومة بالتقصير فى توفير فرص العمل.. وفى توفير السلع الضرورية بأسعار مناسبة.. وبالإسراف فى الإنفاق العام.. والعجز عن إدارة موارد الدولة بالكفاءة المناسبة لتحقيق مستوى معيشة أفضل.. والحكومة تتهم الناس بالزيادة فى معدل الإنجاب الذى يأكل كل برامج التنمية.. وبالاستهلاك الزائد عن الحد فى الطعام إلى حد إلقاء الكثير منه فى القمامة.. والحقيقة أن كلا الطرفين على خطأ.. فالمشكلة مشتركة..ولا يجوز ضياع الوقت فى تبادل الاتهامات.
الحكومة على خطأ.. فهى تتصرف وكأنها حكومة ثرية.. مكاتب المسئولين شديدة الفخامة.. سياراتهم التى يدفع الناس ثمنها من عرقهم.. الفساد الذى يعطى فرصة للبعض أن يكسب الملايين على حساب من يحتاج القروش والملاليم.. إعلانات التهاني والعزاء التى تضيع فى المجاملات قد تقترب إلى حد النفاق.. وكبار الموظفين الذين نمد لهم سنوات الخدمة ولا نفك ما يحصلون عليه من أموال بعدد كبير من الشباب فى حاجة إلى العمل وقادر بحكم السن على العطاء.
والناس على خطأ أيضا.. فهم رغم شكواهم من نقص الأموال لا يفعلون ما عليهم لترشيد إنفاقها.. فالطعام الموضوع على المائدة يكفى أضعاف أضعاف من يجلسون عليها.. ويلقى الباقى في صفيحة القمامة.. ليس هناك أمة غيرنا تترك طعاما على المائدة.. وما ينفقونه على التليفون المحمول يزيد على10 مليارات جنيه فى السنة يحول معظمها إلى الخارج فى شكل عملة صعبة تضاعف من ضعف العملة الوطنية.. ودون استفادة حقيقية من وراء كل المكالمات التى تجرى.. وكأن التليفون المحمول مجرد وجاهة اجتماعية.. ومن باب الوجاهة الاجتماعية أيضا ينفق الناس على الأفراح أكثر مما يجنون .. وربما اقترضوا من أجل هذه المظاهر الكاذبة.. وما ندفعه فى المياه والكهرباء دليل أخر علي أننا لا نستفيد من مواردنا المحدودة.. بل نسرف فيها بلا عائد حقيقى.. أين القناعة؟.. إن القناعة ليست فقط فى الرزق وإنما فى الاستهلاك أيضا.. يقول سبحانه وتعالى(( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين )) ويقول سبحانه وتعالى (( كلوا واشربوا ولا تسرفوا )).. الإسراف هنا حرام.. استهلاك فى غير موضعه.. استهلاك بلا فائدة.. يقول النبى صلى الله عليه وسلم (( ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك )) والثلث هنا يعنى ثلث موارد الطعام أيضا.. بحيث يكون لنا الحق فى الثلث والأجيال القادمة لها الحق فى الثلثين.. ويمكن القول بالنسبة لموارد المياه أيضا.. وعدم تلوث الهواء النقى للتنفس كذلك.. الثلث لنا.. والثلثان لأبنائنا وأحفادنا.. إننا فى هذه الحالة نكون من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة.. والخصاصة أيضا تعنى ألا اشترى من السوق أكثر مما احتاج وان أترك لغيرى شيئا يحتاجه.. تعنى ألا أكدس السلع التموينية مهما كانت الأزمات والإغراءات.
والأهم من ذلك كله أن أراعى الله فى عملى.. أن أتقنه.. أن أتعامل مع الذين يتقنون عملهم أيضا.. فالعامل الماهر مهما إرتفع أجره أفضل وأوفر من العامل غير الماهر.. كذلك فإننا أصبحنا شعبا يريد أن يكسب كسبا سريعا دون مجهود حقيقى.. مثل المضاربة على الدينارات العراقية التى ضيعنا فيها بعضا مما نملك من العملة الصعبة وهى قليلة فى الأصل.. إننا شعب يحب أن يكسب بالصدفة.. مع أن الله قال (( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )).. الله سيرى عملنا ليكافئنا عليه.. والرسول صلى الله عليه وسلم سيراه ليشفع لنا عند الله بمزيد من الخير.. والمؤمنون سيرونه حتى يتعلموا منه.
لو فقدنا الإيثار فإن نهايتنا ستكون إلى البوار.. لقد كان سيدنا على رضى الله عنه وزوجته السيدة فاطمة الزهراء صائمين وعندما حانت لحظة الإفطار جاء مسكين فأعطوه رغيفا ثم جاء يتيم فأعطوه رغيفا ثم جاء أسير فأعطوه رغيفا.. لم يفكرا فى نفسيهما.
هؤلاء هم الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. يقول سبحانه وتعالى (( ومن يوقى شح نفسه فأولئك هم المفلحون )).. والنبى نفسه قال(( زاد اثنين يكفى لثلاثة.. وزاد ثلاثة يكفى لأربعة )) وهكذا.. وكل علوم الاقتصاد والاستهلاك الحديثة تؤكد ذلك.. فما هذا الذى نحن فيه؟.. كيف لا نجد العيش نأكله فنقترض من أجل أن نتذوق الكفيار؟.. كيف لا نجد مكانا نسكنه فننفق مليارات الجنيهات على المخدرات؟
إن الخير كثير.. ولكن المشكلة فى إدارته وتبديده.. يقول سبحانه وتعالى (( لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)).. فما هى هذه البركات؟.. هل تمطر السماء لحماً وسمكاً وزيتاً وبسكويتاً؟ بالقطع لا.. لكن.. هنالك موارد يهبها الله لنا.. مياه.. بترول.. فنزرع ونربى الأسماك والماشية ونستخرج الطاقة فنحصل على اللحم والسمك والزيوت والبسكويت.. وهو تفسيرنا أيضا للآية الكريمة (( وفى السماء رزقكم وما توعدون)).
إننا لن نصعد إلى السماء لنحصل على الرزق.. ولكن المقصود ان السماء هى التى تسبب لنا أسباب الرزق.. مثل مياه الزراعة.. والأراضى الخصبة.. وغيرها.. إنها الأسباب التى علينا أن نأخذ بها ونجد فيها ثم نتقبل النتائج التى قدرها الله لنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الوهابية والشيعة والصوفية والأغلبية الطيبة

الوهابية يحبون الصحابة وينكرون أهل البيت والشيعة يحبون أهل البيت وينكرون الصحابة والصوفية يحبون أهل البيت ويوقرون الصحابة .
المتساهل شخص يكتب على زجاجة خمر كلمة حليب . . والمتشدد شخص يكتب على زجاجة ماء كلمة خمر . . والمعتدل شخص يفصل بين الحلال والحرام ويعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لقد فرضت هذه الاتجاهات الثلاثة نفسها على الأمة الإسلامية وراح كل منها يستقطب بعضاً من السواد الأعظم الذي لا حول ولا قوة ليشد ه إليه ويطويه تحت جناحيه .
إن الاتجاه الأول وهو الوهابية وما فى حكمها من جماعات متشددة ومتطرفة حرمت علينا عيشتنا نجدها تحترم الصحابه وينالون من أهل البيت .
والإتجاه الثانى وهو الشيعه فنجد العكس . . يقدسون أهل البيت وينالون من الصحابه .
والشيعه كلمه تأخذ أكثر من معنى . . فهى تعنى أحياناً الأهل والأقارب والأنصار . . كما فى قوله سبحانه وتعالى لسيدنا موسى " فإستغاثه الذى هو من شيعته على الذى من عدوه " . . أو قوله سبحانه وتعالى : " وإن من شيعته لإبراهيم " . . لكن فى موضع من القرآن آخر نقرأ : " الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون " . . الكلمه نفسها لا تسبب مشكله فى إستخدامها .
أما الإتجاه الثالث وهو الصوفيه فيحبون أهل البيت بنفس القدر الذى يحبون به الصحابه ويحترمون الصحابه بقدر تعظيمهم لأهل البيت بل إنهم يعتبرون كل صحابى هو من أهل البيت وكل أهل البيت هم صحابه .
ويبقى الإتجاه الرابع وهو العامه الذين لا يعرفون التفرقه بين الإتجاهات السابقه . . بل أكثر من ذلك تسعى إليهم تلك الإتجاهات ويحاول كل منها شدهم إليها . . الوهابيه تتمسك بالتفسير الظاهرى للنص . . والشيعه الذين يصرون على التفسير الباطنى للنص . . والصوفيه التى ترى أن العبره بالعلاقه بين الإنسان وربه وليست بين إتجاه وآخر .
والمنصف من العامة لا يعجبه فى الشيعة موقفهم من الصحابة ولا يعجبه في الوهابية موقفهم من آل البيت . . ويدرك بسهوله أن الوهابية تكره الصوفية بسبب حبهم لآل البيت وأن الشيعة تكره الصوفية بسبب حبهم للصحابة مع أن المفروض أن الوهابية يحبون ألصوفيه لحبهم للصحابة والمفروض أن الشيعة يحبون الصوفية لحبهم لآل البيت . . ولكن . . ذلك لا يحدث . . فكل اتجاه يرى إنه يملك الحقيقة وحده .
ولا جدال أن المتشددين فى الدين مثل الوهابية لم يأتوا بتشددهم من عندهم وإنما أتوا به من آيات قرآنيه تتكلم على العذاب بكل أشكاله وفى كل مواقعه . . وكذلك المبشٍرون لم يأتوا بالتسهيل من عندهم وإنما جاءوا به من آيات الرحمة والكرم والعفو والتوبة .
وخطأ كل فريق هو إطلاقه لما يتبنى . . فالإطلاق مستحيل . . لا أحد يكتفي بوصف الله بالمنتقم طوال الوقت دون أن يتحدث عن عفوه ورحمته . . وكذلك من يتحدث عن عفو الله ورحمته طوال الوقت وينسى أنه منتقم وجبار . . الاكتفاء بنصف الكوب فيه إشارة نقص إلى الله . . أستغفر الله . . فلو قلنا الله معط لابد أن نشير إلى أنه مانع أيضاً . . ولو قلنا جبار لكان علينا ألا ننسى أنه رحيم أيضاً . . الإطلاق فى الأحكام خطأ ونقص .
لقد أخذ الشيعة جانباً من الإسلام وأخذ الوهابية جانباً آخر . . بينما قطار الإسلام يحتاج إلى جانبين وقضيبين ليسير عليهما .
هذه هى الوسطية التى لا تميل إلى جانب على حساب جانب آخر . . فلو أطلقنا صفه التوبة زال عنا الخوف من مكر الله . . ولو أطلقنا صفات شدة العقاب لقنط الناس من رحمة الله .
لا يجرنا الخوف من الله إلى أن نقنط من رحمته ولا يجرنا الشعور بعفو الله وكرمه وإحسانه إلى أن نأمن مكره . . لابد أن نكون معتدلين بحيث لا نميل إلى الرحمة وننسى الجانب الآخر . . أونميل إلى القسوة وننسى الجانب الآخر . . احذر أن يجرك الخوف من الله إلى القنوط من رحمته أو تجرك الرحمة إلى أن تأمن مكره سبحانه وتعالى .
ولو كانت الوهابية تريد إقامة الدولة السنية وإن الشيعة تريد إقامة الدولة الشيعية فإن الصوفية تريد أن تعبد الله ولا تتوقف عن ذكره . . فهى تهدف إلى محبه الله . .
يقول سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم : " من يرتد عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " . . ويقول : " قل ‘ن كنتم تحبون الله فإتبعونى يحببكم الله " .
ورغم ذلك فإن المتشددين يتهمون الصوفية بالسلبية لأنهم لا يشاركون في أهدافهم الإنقلابيه والتكفيرية . . وفى الوقت نفسه يعتبر الشيعة الصوفية نوعاً من التقية والتقية مبدأ يسمح بأن نقول على غير ما نؤمن ونعتقد تجنباً للبطش. . أما العامة فيأخذون على الصوفية ما حولها من مظاهر سلبيه يجدونها فى الموالد الصوفية مثل الأصنام التي كانت موجودة حول الكعبة . . إن تلك الأصنام حرام ولكنها لا تفقد الكعبة احترامها .
إن تلك المظاهر الموجودة فى الموالد كالذباب والكلاب التى تتقاتل على محل الجزارة . . منظرها سيء ولكنه لا يحرم اللحم فى حد ذاته . . المظاهر الموجودة لا تعيب الموالد نفسها . . فلو جارى عاص فليس معناه إنني عاص مثله . . الأمر يحتاج إلى تريث وهدوء شديد .
ولو كانت الوهابية تعبر عن التشدد فقد خرج من بطنها وصلبها عشرات التنظيمات والجماعات والتيارات المتطرفة التي تختلف بين بعضها البعض . . كما أن الشيعة ليست جماعه واحده فهم يختلفون فيما بينهم . . إن من السهل القول إن الوهابية متشددون فيما بينهم والشيعة مختلفون بين بعضهم البعض أما الصوفية فمختلفون عن بعضهم البعض . . وهناك فرق بين أن تختلف مع غيرك وتختلف عنه . . وهو ما يفسر تعدد الطرق الصوفية .
عندما فرض الله علينا الصلاة علمنا النبي كيف نصلى فكانت هناك بعض الاختلافات البسيطة . . لكن عندما فرض علينا الله الصيام وحدد لنا كيفيته لم نختلف فيما بيننا . . وكذلك الحج . . حدده الله فلم نختلف فيه . . لكن . . عندما فرض الله علينا الذكر لم يحدده ولم يذكر كيفيته . . وهذا ليس نسياناً ولا تقصيراً من الله ورسوله وإنما ليجعل لأهل الذكر الطريقه التى تناسب كلا منهم للذكر . . فكل ولى من الأولياء أخذ طريقه فى الذكر . . فلا أحد يقدر على ذكر الله بكل الصور وبكل الطرق .
إن الذكر مثل الذبيحه فيها تخصصات كثيره مختلفه ومتنوعه فهناك من تخصص فى اللحم وهناك من تخصص فى الأحشاء وهناك من تخصص فى الفراء وكل هؤلاء لا يتبعون جزاراً واحداً . . لكن كل ذلك فى النهايه حلال .
الطرق الصوفيه تشبه طرق الطهى . . كل الطهى حلال وإن أختلف الإسلوب . . وهى أيضاً تشبه طرق التدريس . . كل معلم وله أسلوب . . وكل شيخ وله طريقه . . وهو فى الوقت نفسه لا ينكر الطرق الأخرى . . كل ميسر لما خلق له . . هم مختلفون عن بعضهم وليس مع بعضهم . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

دار الإفتاء المصريه
تجيز مشروعية الإحتفال بالموالد

القرآن الكريم أمرنا بتذكر الأنبياء والصالحين وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أول من سن لنا الإحتفال بمولده الشريف
" فإسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " " النحل 43 "
إطلعنا على الطلب المقدم من / مشيخة عموم الطرق الصوفيه المقيد برقم 1186 لسنة 2007 بتاريخ 30/7/2007 المتضمن :
· ما حكم الإحتفال بالمولد النبوى وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين ؟
- المولد النبوى الشريف إطلاله للرحمه الالهيه بالنسبه للتاريخ البشرى جميعه, فلقد عبر القرآن الكريم عن وجود النبى صلى الله عليه وآله وسلّم بأنه " رحمه للعالمين " , وهذه الرحمه لم تكن محدوده , فهى تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم على صعيد حياتهم الماديه والمعنويه , كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان , بل تمتد على أمتداد التاريخ بأسره (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) ( الجمعه : 3 ) .
والإحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمه وغوث الأمه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم , ومحبة النبى صلى الله عليه وآله وسلّم أصل من أصول الإيمان , وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخارى
قال ابن رجب : " محبة النبى صلى الله عليه وآله وسلّم من أصول الإيمان , وهى مقارنه لمحبة الله عز وجل , وقد قرنها الله بها , وتوعد من قدّم عليهما محبة شىء من الأمور المحببه طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك , فقال تعالى : ( قل إن كان آبائكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال إقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ) ( التوبه : 24 ) , ولما قال سيدنا عمر للنبى صلى الله عليه وآله وسلّم : يا رسول الله , لأنت أحب إلى من كل شىء إلا نفسى , قال النبى صلى الله عليه وآله وسلّم : ( لا والذى نفسى بيده , حتى أكون أحب إليك من نفسك ) فقال له سيدنا عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى , فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلّم " الآن يا عمر " رواه البخارى .
والإحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلّم هو الإحتفاء به , والإحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم أمر مقطوع بمشروعيته , لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى , فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه , فعرف الوجود بأسره بإسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته , فالكون كله فى سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته .
وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الإحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم , كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزى وابن كثير , والحافظ بن دحيه الأندلسى , والحافظ بن حجر , وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى .
ونص جماهير العلماء سلفاً وخلفاً على مشروعية الإحتفال بالمولد النبوى الشريف , بل ألف فى إستحباب ذلك جماعه من العلماء والفقهاء , بينوا بالأدله الصحيحه إستحباب هذا العمل , بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الإحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف , وقد أطال ابن الحاج فى
( المدخل ) فى ذكرى المزايا المتعلقه بهذ الإحتفال , وذكر فى ذلك كلاماً مفيداً يشرح صدور المؤمنين , مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه ( المدخل ) فى ذم البدع المحدثه التى لا يتناولها دليل شرعى , وللإمام السيوطى فى ذلك رساله مستقله سماها " حسن المقصد فى عمل المولد " .
والإحتفال فى لغة العرب : من حفل اللبن فى الضرع يحفل حفلاً وحفلاً وتحفلّل وإحتفل : إجتمع , وحفل القوم من باب ضرب وإحتفلوا : إجتمعوا وإحتشدوا . وعنده حفل من الناس : أى جمع , وهو فى الأصل مصدر , ومحفل القوم ومحتفلهم : مجتمعهم , وحفله : جلاه ,فتحفل واحتفل , وحفل كذا : بالى به , ويقال : لا تحفل به .
وأما الإحتفال بالمعنى المقصود فى هذا المقام , فهو لا يختلف كثيراً عن معناه فى اللغه , إذا المراد من الإحتفال بذكرى المولد النبوى هو تجمع الناس على الذكر , والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلّم , وإطعام الطعام صدقه لله , إعلاناً لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم , وإعلاناً لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم .
ويدخل فى ذلك ما إعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف , فإن التهادى أمر مطلوب فى ذاته , لم يقم دليل على المنع منه أوإباحته فى وقت دون وقت , فإذا إنضمت إلى ذلك المقاصد الصالحه الأخرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحباً مندوباً إليه , فإذا كان ذلك تعبيراً عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم كان ذلك أشد مشروعيه وندباً وإستحباباً , لأن للوسائل أحكام المقاصد , والقول بتحريمه أوالمنع منه حينئذ ضرب من التنطع المذموم .
ومما يلتبس على بعضهم دعوى خلو القرون الأولى الفاضله من أمثال هذه الإحتفالات , ولو سلم هذا – لعمر الحق – فإنه لا يكون مسوغاً لمنعها , لأنه لا يشك عاقل فى فرحهم – رضى الله عنهم به صلى الله عليه وآله وسلّم , ولكن للفرح آساليب شتى فى التعبير عنه وفى إظهاره , ولا حرج فى الأساليب والمسالك , لأنها ليست عباده فى ذاتها , فالفرح به صلى الله عليه وآله وسلّم عباده وأى عباده , والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيله مباحه , ولكل فيها وجهة هو موليها .
على أنه قد ورد فى السنه النبويه ما يدل على إحتفال الصحابه الكرام بالنبى صلى الله عليه وآله وسلّم مع إقراره لذلك وإذنه فيه , فعن بريده الأسلمى رضى الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فى بعض مغازيه , فلما إنصرف جاءت جاريه سوداء فقال : يا رسول الله , إنى كنت قد نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : " إن كنت نذرت فإضربى , وإلا فلا " رواه الإمام أحمد والترمزى وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .فإذا كان الضرب بالدف إعلاناً للفرح بقدوم النبى صلى الله عليه وآله وسلّم من الغزو أمراً مشروعاً أقره سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلّم وأمر بالوفاء بنذره , فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الدنيا – بالدف أوغيره من مظاهر الفرح المباحه فى نفسها - أكثر مشروعيه وأعظم إستحباباً
وإذا كان الله تعالى يخفف عن أبى لهب – وهو من هو كفراً وعناداً ومحاربه لله ورسوله – بفرحه بمولد خير البشر بأن يجعله يشرب من نقره من كفه كل يوم إثنين فى النار , لأنه أعتق مولاته ثويبه لما بشرته بميلاده الشريف صلى الله عليه وآله وسلّم كما جاء فى صحيح البخارى , فما بالكم بجزاء الرب لفرح المؤمنين لميلاده وسطوع نوره على الكون ! .
وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بنفسه الشريفه جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف , فقد صح عنه أنه كان يصوم يوم الإثنين ويقول : " ذلك يوم ولدت فيه " رواه مسلم من حديث أبى قتاده رضى الله عنه , فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمه بذاته الشريفه , فالأولى بالأمه الإحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم بشكر الله على منته ومنحته المصطفويه بكل أنواع الشكر , ومنها الإطعام والمديح والإجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك , - وكل ماعون ينضح بمافيه . وقد نقل الصالحى فى ديوانه الحافل فى السيره النبويه " سبل الهدى والرشاد فى هدى خير العباد " عن بعض صالحى زمانه : أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلّم فى منامه , فشكى إليه أن بعض من ينتسب إلى العلم يقول ببدعية الإحتفال بالمولد الشريف , فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلّم " من فرح بنا فرحنا به " .
وكذلك الحكم فى الإحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين وإحياء ذكراهم بأنواع القرب المختلفه , فإن ذلك أمر مرغب فيه شرعاً , لما فى ذلك من التأسى بهم والسير على طريقتهم , وقد ورد الأمر الشرعى بتذكر الأنبياء والصالحين فقال تعالى : ( وأذكر فى الكتاب إبراهيم ) " مريم : 41 " ( وإذكر فى الكتاب موسى ) " مريم : 51 " وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء , بل يدخل فيه الصالحون أيضاً , حيث يقول تعالى : ( وإذكر فى الكتاب مريم ) " مريم : 16 " إذ من المقرر عند المحققين أن مريم عليها السلام صديقه لا نبيه , كما ورد الأمر الشرعى أيضاً بالتذكير بأيام الله تعالى فى قوله سبحانه وتعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) " إبراهيم : 5 " ومن أيام الله تعالى أيام الميلاد وأيام النصر , ولذلك كان النبى صلى الله عليه وآله وسلّم يصوم يوم الأثنين من كل أسبوع شكراً لله تعالى على نعمه إيجاده وإحتفالاً بيوم ميلاده كما سبق فى حديث أبى قتاده الأنصارى فى صحيح مسلم , كما كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه شكراً لله تعالى وفرحاً وإحتفالاً بنجاة سيدنا موسى عليه السلام , وقد كرم الله تعالى يوم الولاده فى كتابه وعلى لسان أنبياؤه فقال سبحانه : ( وسلام عليه يوم ولد ) " مريم : 15 " وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم : ( والسلام على يوم ولدت ) " مريم : 33 " , وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد , وهى سبب لحصول كل نعمه تنال الإنسان بعد ذلك , فكان تذكره والتذكير به باباً لشكر نعم الله تعالى على الناس : فلا بأس من تحديد أيام معينه يحتفل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين , ولا يقدح فى هذه المشروعيه ما قد يحدث فى بعض هذه المواسم من أمور محرمه , بل تقام هذه المناسبات مع إنكار ما قد يكتنفها من منكرات , وينبه أصحابها إلى مخالفة هذه المنكرات للمقصد الأساسى الذى أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفه .
والله سبحانه وتعالى أعلم
أمانة الفتوى

هل يعرف الصوفيون الغيب؟

ولعل الصوفي هو الأكثر إحساسا وإيمانا بذلك رغم الأفكار الخاطئة الهائمة السائدة غير المتسمة بالدقة عن الصوفية مثل رفع التكاليف وأهل الحظوة والقدرة على شفاء الأمراض ورد الغائب إلى أهله وتحقيق الكرامات وغيرها إن هذه العبارات صحيحة ولكن الخلاف كالعادة على المعنى ولنبدأ بمعرفة الغيب ومعرفة الغيب باب واسع فلا يعلم الغيب إلا الله ولكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يطلع أحدا من خلقه على غيبه فلا حرج على فضل الله.. يقول سبحانه وتعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا" ربنا يعلم الغيب ولكن هناك إستثناء يمنحه إلى من إرتضى من رسول. والغيب أنواع هناك"" غيب الشهادة "وهو أبسط أنواع الغيب كأن تعلم ما في جيبك من نقود ولا يعلمه جارك كأن تعلم ماتفكر فيه ولا يعلمه غيرك.. ما تعلمه أنت وغاب عن الآخرين هو بالنسبة إليك شهادة ما أمامك ... وشهادة ما وراءك غيب ... لو كنت تقود سيارتك ما تراه أمامك شهاده وما خلفك غيب لن يصبح شهادة إلا إذا كانت هناك مرآة تنظر فيها لترى ما وراءك وغيب الشهادة لا علاقة له بإيمان أو كفر مستوى عادي جدا من معرفة الغيب. كانت هناك غيوب شهادة لم يكن متاحه للإنسان أن يعرفها لكن تيسير العلم أتاحها إننا لم نكن نعلم ما في بطن الأم الحامل بالعين المجردة: ولدا أم بنتا؟ لكن جاء السونار ليحدد لنا ذلك وايضا كشفت لنا الأشعة ما كان مجهولا بالنسبة لنا في داخل جسم الإنسان ..الأمراض والكسور ..كذلك كشف لنا الرادار الطائرات والسفن البعيدة التي لا نراها بالعين المجردة إن ذلك علم غيب يسره الله لنا من خلال هذه الأجهزة. وإذا كان الله قد أطلع عباده بواسطة هذه الأجهزة على مستوى معين من الغيب فإنه قادر ولا شك أن يجعل بعض عباده في حد ذاتهم أجهزة شفافة تكشف بقدرته ما يشاء من غيب لا يتاح لغيرهم.. يقول صلى الله عليه وسلم: "إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". من الذي أطلع سيدنا عمر بن الخطاب وهو على منبره في المدينة أن سارية محاصر بالشام وأن النصر لن يكون إلا باعتصامه بالجبل؟.. لقد كشف الموقعة كلها ثم نادى: يا سارية الجبل"وسارية وسط صخب المعارك وصهيل الجياد وصليل السيوف سمعها وميز صوت صاحبها؟..فلما عاد سارية من المعركة سئل سيدنا عمر قال: "كلمات أجراها الله على لساني" وهي فعلا كذلك أطلعه الله على غيبه وأنطقه بالحل وسمع سارية النداء إذن هي فراسة المؤمن تكشف الغيب أحيانا بإذن الله. هناك أشياء معينة نعرفها كبشر شركة الكهرباء تعرف استهلاكنا من الكهرباء شركة التليفون المحمول تعرف ذلك بواسطة الكمبيوتر لكن الكمبيوتر لا يعلم الغيب لكنه مبرمج على أداء هذه الوظيفة وغيره من أجهزة صنعها الإنسان لكشف بعض مما لا نعرف ولكن ذلك ليس كشفا إلا لغيب محدود في نطاق البشر أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخبر المؤمنين بفتح مصر وقبل أن يحدث ذلك على أن لا أحد يعلم الغيب بنفسه أو بذاته أو بقدرته لكن بمنحه من الله .. الله يعلم من يشاء ولا حرج عليه. لا قدرة لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي من أهل الحظوة على شيء من هذا كله .. ولكن القدرة لله سبحانه وتعالى .. الله هو الذي أعطى الكلب البوليسي حاسة الشم التي تكشف اللصوص وهو ما لم يمنحه الضباط الكبار هو الذي منح الكلاب القدرة على التنبؤ بالزلزال وهو ما لا يعرفه علماء الجيولوجيا لا أحد يعلم إلا ما علمه الله.. ولا حدود لما يعلمه الله. لكن هناك غيبا أخر يسمى الإرادة وهو الذي أخبر به الله وملائكته بأنه جاعل في الأرض خليفة وقالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" لقد عرف الملائكة الغيب.. علموا بأن البشر سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء قبل أن يخلق آدم وقبل أن تتكاثر ذريته على الأرض وقبل أن يحدث شيء مما قالوه. وهناك غيب يسمى "الإيمان" وهو المستوى الأعلى من الغيب وهو غيب يكشفه الله للمستوى الأعلى من خلقه.. الدليل على ذلك قصة سيدنا موسى والخضر.. لقد راى ركاب السفينة (التي خرقها الخضر) ما لم يره غيرهم رأوها وقد خرقت وهو غيب شهادة ورأى موسى الخضر وهو يخرقها وهو مستوى أعلى من الغيب فموسى يعلم من خرقها ولكن المستوى الثالث والأعلى من الغيب هو ما رآه الخضر.. الحكمة من خرق السفينة هي الحفاظ عليها لأهلها وحمايتها من المصادرة لحساب الملك الذي كان لا يصادر سوى السفن السليمة ويمكن القول بالتفسير نفسه في قتل الغلام.. وإقامة الجدار.. وباقي القصة مشروح بالتفصيل من قبل. وهناك ايضا غيب يسمى "الغيب المحمدي" وهو خاص بمنزله ومرتبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخلق وبه سمي رسول الله غيبا في قوله: "وما هو على الغيب بضنين".. بمعنى أن الله لم يضن على رسوله بشيء مباح لخلقه غير أن هذا النوع من الغيب يدخل في الاستثناء فلا يظهر على غيبه (منزله رسوله) أحدا إلا من إرتضى من رسول إذن هذا النوع من الغيب ممنوع مع التشديد ومسموح استثناء لمن ارتضى الله من رسول. غير أن هناك نوعا من الغيب استأثر الله به لنفسه ولم يطلع عليه أيا من خلقه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا النوع من الغيب يسمى "الغيب المطلق" وهو محور الآية: "لا يعلم الغيب إلا الله" .. وهو متعلق بكنه الذات العلية أي الصفات الذاتية حتى إن من يدعي علمه يكون من المشبهين أو المصورين الذين هم في النار وهو الذي حذر الله منه "ويحذركم الله نفسه".. وذلك رأفة ورحمة بالعباد.. "والله رءوف بالعباد" لأنه لا طائل من وراء الخوض في هذا النوع من الغيب إلا الوقوع في المحظور وعدم التنزيه ولله المثل الأعلى.. "وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون" وهذا بيان للمسموح والممنوع بإذن الله وقدرته فليس كل غيب يتساوى مع الغيب الآخر من حيث النوع والإباحة والتحريم. خلاصة القول: كل الغيوب لا يعلمها إلا الله ولكن هناك غيوبا يسمح بقدرته لخلقه بمعرفتها: غيب الشهادة غيب الإرادة غيب الإيمان الغيب المحمدي وهناك غيوب لم يسمح بها: الغيب المطلق .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هل هناك وحى بعد رسول الله !

هل هناك وحى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .. سؤال تبدو الاجابة عنه سهلة وسريعة وحاسمة.. لا ليس هناك وحى بعده .. فهو خاتم الأنبياء والمرسلين.. لكن .. الإجابة السريعة ليست كالعادة صحيحة.
الوحى سر بين ملق ومتلق هو سر يقال بينهما .. لقوله سبحانه وتعالى: "رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح (الوحى) من أمره على من يشاء من عباده".. ويسمى الملقى بالموحى.. ويسمى المتلقى بالموحى إليه.

وعلى هذه القاعدة يكون الوحى أنواعا : هناك وحى إلهام كقوله تعالى:
"وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون".. وهو وحى جاء من الله مباشرة دون جبريل او ملك آخر .. وحى تلقاه كائن غير بشرى .. ويمكن أن يكون الكائن الذى يتلقى الوحى مثلنا .. بشرا وليس رسولا .. كما فى قوله تعالى: "واوحينا إلى ام موسى أن ارضعيه".. ويمكن أن يكون الموحى إليه جماداً .. ففى يوم القيامة سيوحى الله للأرض بما عليها أن تفعل: كما فى قوله تعالى: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها".
وهذا النوع من الوحى لم ينقطع .. فلا يزال النحل يفعل ما أوحى الله به .. وهناك وحى يسمى وحى منام وهو الرؤيا الصالحة التى يراها المؤمن او يراها غيره له الرؤيا هنا لا تخرج عن كونها نوعاً من الوحى لأن النائم فى موضع المتلقى ..

لا يملك مشيئة فهو كالميت بين يدى الله .. وهناك وحى رسالة .. وهو الذى يخص به الله رسله وأنبياءه .. وهذا هو الوحى الذى انقطع .. فلا وحى رسالة بعد رسول الله وأشرف خلقه.
وهناك وحى غريب لا يدل على الصلاح والتقوى نراه فى قوله تعالى: "يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا".. هو وحى التدبير السيئ.. وحى ابليس لمشركى مكة بأن يجمعوا رجلا من كل قبيلة ليقتلوا النبى .. ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل .. ووحى التدبير هو وسواس … بين فاسق وفاسق.. بين إبليس والبشر.

لكن .. يقول سبحانه وتعالى عن سيدنا زكريا: "فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم "أن سبحوا بكرة وعشيا".. لقد كان سيدنا زكريا وهو فى المحراب فى موضع الموحى إليه من الله .. كان فى موضوع المتلقى .. لكنه ما أن خرج إلى قومه حتى أصبح فى موضع الملقى والموحى.
إذن لو جاز أن يكون هناك وحى مباشر من الله إلى النحل والأرض وام سيدنا موسى أفلا يجوز بين الله والنبى صلى الله عليه وسلم؟ .. وحى يضاف إلى الوحى غير المباشر بواسطة الأمين جبريل .. إننا نعرف الوحى عن طريق سيدنا جبريل .. أما كيف كان الوحى مباشراً فقد ذكر فى قصة المعراج: "ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى".

لذلك قلنا: إن الوحى سر بين ملقى ومتلقى .. ويقول سبحانه وتعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً" ويمكن القول إن الوحى هو سر بين متناجيين .. والنجوى قد تكون وسواسا من الشيطان .. لكن .. ليس نجوى من الشيطان . يقول سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله".
وخلاصة القول: إن ما انقطع من وحى هو فقط وحى الرسالة.. أما وحى الإلهام والمنام فهما مستمران إلى يوم تقوم الساعة .. ولا حول ولا قوة إلى بالله.

مولد سيد شباب أهل الجنه

كانت كل مظاهر الخير تعم المكان . . مكان الإحتفال بمولد سيدنا الحسين . . موائد طعام . . حلقات ذكر . . بشر يمدون جسوراً متبادله من الموده والرحمه . . وفى وسط تلك المظاهره المتفجره بالمغفره والصوفيه خرج من يفتى بغير علم . . وينكد على زوار وضيوف حفيد رسول الله . . ويحرم الإحتفال به . . ويعتبره شركاً و كفراً بالله . . إستغفر الله .
إن المولد يعنى إحتفالا بمولود . . والإحتفال بمولود هو إقرار بأنه بشر . . وليس إلهاً . . لو كنا نعتقد أنه إلهاً لنفينا عنه أنه وُلدَ . . فالإله لا يلد ولا يولد . . ومن ثم فإن الإحتفال بمولد سيدنا الحسين لا يعد شركاً ولا كفراً إلا فى عقول لا تريد أن تتفتح على نور الله . . ولا تريد أن ترتوى منه .
ونحن لا نحتفل بمولد سيدنا الحسين لنفسه . . وإنما نحن نستفيد منه . . " إن فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا إليها عسى أن تصيب أحدكم رحمه لا يشقى بعدها أبداً " . . لقد إستفدنا من إلإحتفال بمولد النبى عليه الصلاه و السلام . . إحتفلنا بخروجنا من الظلمات إلى النور . . و من الشرك إلى الإيمان . . نحتفل بالنعم التى أنعم الله بها علينا منذ مولده .
بل أبسط من ذلك . . إننا نحتفل بالمولود البشرى العادى جداً . . بالخير الذى يأتى معه . . العقيقه . . وهى ذبح خروفين فى حالة المولود الذكر . . و ذبح خروف واحد فى حالة المولود الأنثى . . وهو فى الحالين ذبح لله . . يستفيد منه أهل الله . . وليس شركاً ولا كفراً بالله . . كما يصر بعض من بلانا الله بهم . . الذين يريدون أن يوقفوا كل شىء فى الدنيا بتفسيراتهم الضعيفه الضيقه .
ولوسألت واحداً منهم لماذا تفتى بغير علم سارع بالقول : إن الأمر شورى بين المسلمين . . ويدلل على ذلك بأن النبى صلى الله عليه و سلّم غير موقع المعركه فى
بدر بإقتراح من مسلم يقاتل معه . . وهو قول حق يراد به باطل و جهل . . فالذى سمع النبى كلامه مقاتل محترف . . وليس بائع خضار . . ومن ثم فإن للشورى دوائر ومستويات . . فلو كانت هناك حالة مخ وأعصاب حرجه فإننا نلجأ إلى الأطباء . . هذه هى دائرة الإختيار . . ولابد أن يكون هؤلاء الأطباء متخصصين فى المخ والأعصاب على أعلى مستوى . . هذا هو مستوى الإختيار . . إن هؤلاء هم أهل الذكر . . أهل العلم . . أهل الخبره . . أهل الشورى فى هذا التخصص . . ولكل تخصص من تخصصات الحياه أهله . . وخبراؤه . . وعلى هؤلاء أن يقواوا خيراً أو ليصمتوا .
ونحن نحتفل بمولد سيدنا الحسين كما نحتفل بوفاته . . نحتفل باللحظه التى لقى فيها ربه . واللحظه التى يرضى فيها الله عنه . . ومره أخرى نحتفل بوفاته لأنه ليس إلهاً . . فهو مخلوق . . يولد ويموت . . وفى الإحتفال بالميلاد نحتفل بالخير الذى جاء إلينا معه . . وفى الإحتفال بالوفاه نحتفل بالخير الذى يناله وهو يلقى الله فرحاً مشتبشراً . . قانعاً . . راضياً .
وفى يوم عاشوراء . . يوم إستشهاد سيدنا الحسين . . نحتفل بأنه لقى ربه فى أشرف ميته . . ميتة الشهاده . . ولو خير سيدنا الحسين أن يعيش أطول أويلقى ربه شهيداً لما تردد فى إختيار ما جرى له . . لقد أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه . . وهو ما يفرحنا . . ويجعلنا نرفض شق الهدوم ولطم الخدود عليه .
لقد فرح المسلمون بكل مرحله من مراحل سيدنا الحسين . . الميلاد . . الحياه . . و الأستشهاد . . وقد كان وهو على قيد الحياه يدير أمور المسلمين . . ويختلى بنفسه فى رحاب الله . . وحدث أن وجد أخوه سيدنا الحسن جمعاً من الناس حول بيته و هو فى خلوته . . فأرسل إليه ورقه قال له فيها : " إحتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوها فتعود نقماً " . . فقرر سيدنا الحسين الخروج من خلوته و أقسم ألا يعود إليها مفضلاً قضاء حوائج الناس على متعته فى خلوته مع الله . " سلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً " .
و " ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوة الجاهليه " .
وفى كل الأحوال لا بد من القبول بما قسم الله . . إنا لله وإنا إليه راجعون . . و علينا أن نفرح بقضاء الله . . وهى أعلى درجه . . أقل منها أن نرضى بقضائه . . أقل منها أن نصبر على قضائه . . ساعتها سنرضى عن الله كما يرضى الله عنا .
وجد أبو بكر الصديق رضى الله عنه رجلاً فسأله : هل رضيت عن الله حتى يرضى عنك ؟ . . فقال الرجل كيف أرضى عن الله وهو القوى وأنا الضعيف وهو الغنى و أنا الفقير . . . . . فقال أبو بكر : إن فرحت بالنقمه كما تفرح بالنعمه فقد رضيت عن الله . . وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم " ورضوا عنه " .
فلماذا يبكى البعض على سيدنا الحسين ؟ . . نحن نعرف أنه سيموت . . فلماذا البكاء ؟ . . علينا أن نفرح بما حدث له حتى فى لحظاته الأخيره . . فقد لقى الله و هو راض عنه . . وكان يشعر بالفرحه . . وعلينا أن نفرح بفرحه . . لماذا نبكى ؟ . . هل نبكى معتقدين أنه ما كان يجب أن يموت . . إن كل مولود يجب أن يموت . . هل نبكى على الأسلوب الذى مات به ؟ . . نعم هو أسلوب سىء . . ولكنه فى النهايه شهاده . . و لوخير بينها وبين الموت الطبيعى لإختارها .
لقد تمنى خالد بن الوليد ميته مثلها . . قال وهو على فراش الموت : لم يبقى فى جسمى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنه برمح أورميه بسهم وها أنا ذا أموت على فراشى كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء . . إنه مثل كل مؤمن كان يتمنى الشهاده . . أحسن خاتمه . . وهى تَجُبّ ما قبلها . . ولا شىء بعدها .
لقد منحها الله تكرماً لسيدنا أبو بكر الصديق الذى مات بلدغة ثعبان . . ففى يوم الهجره من مكه إلى المدينه دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم الغار وكان يرتدى جلبابين . . وراح يمزقهما كى يسد ما فى الغار من شقوق . . حتى أصبح هناك شق لا يجد قماشاً يسده . . فسده برجله . . بينما النبى ينام على حجره . . وكان فى الشق ثعبان أراد أن يرى الرسول ومنعته رجل أبى بكر فلدغه لدغه خفيفه لعله يسحبها . . وتحمل أبو بكر الألم حتى لا يوقظ النبى . . لكن دمعه فرت من عينه . . سقطت على خد النبى . . فاستيقظ قائلاً : مايبكيك يا أبا بكر ؟ فروى له ما حدث . . فسأل النبى الثعبان : ألا تعلم من أنا ؟ . . قال الثعبان : مصيبتى أننى أعلم ؟ . . و سأله : ألا تعلم من هذا ؟ . . أجاب : أعلم أنه صاحبك يا رسول الله . . وقد أردت أن أراك لكن أخيك منعنى عنك . . فمسح النبى بريقه الشريف عضة الثعبان فبرأ أبو بكر منها . . وعندما حانت لحظة الوفاه أراد الله أن يكرمه فأطلق سم الثعبان فى جسده مره أخرى لينال الشهاده .
ونال سيدنا عمر بن الخطاب الشهاده بموته مقتولاً على يد أبى لؤلؤه المجوسى . . و كذلك سيدنا على بن أبى طالب الذى قتله عبد الرحمن بن مرجوم . . وسيدنا عثمان بن عفان . . وسيدنا الحسن . . شقيق سيدنا الحسين . . كلهم أحبوا السهاده فمنحها الله لهم . . و لا حول و لا قوة إلا بالله .

لماذا هاجر عمر جهرا وهاجر الرسول سرا ؟

هاجر النبي صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة سرا ، بينما هاجر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – علنا وجهرا وفي وضح النار .. لماذا كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في الخفاء وهو الأقوى والرمز والنموذج ؟ . لقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم سرا لأنه المسئول عن التشريع .. والمسئول عن التشريع يضع في حسبانه تصرفات وقدرات البشر العاديين .. لا الأنبياء المرسلين .. وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الحجة ويقطع الطريق أمام كل من يتقاعس عن الهجرة بحجة الخوف والبطش .. وأراد أن تكون في الهجرة رحمة ، ومن ثم فقد جعلها سرية . وكان يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستخدم البراق في الهجرة .. فقد كانت الهجرة بعد الإسراء والمعراج .. لكنه .. لم يستخدمه .. واستخدم دابة عادية ليكون نموذجا للمؤمنين العاديين بكل متاعبهم وضعفهم وقصورهم البشري .. بل أكثر من ذلك كان معه صاحب كبير في السن .. هو سيدنا أبو بكر الصديق .. ثم لجأ إلى الحيلة وهو في طريقه إلى المدينة .. فغار ثور الذي اختبأ فيه كان في جنوب مكة ، بينما هو يقصد شمالها .. واستخدم دليلا مشركا بالأجر هو عبد الله بن أريقط . لكن .. سيدنا عمر بن الخطاب عندما أراد الهجرة شهر سيفه أمام الجميع وقال كلمته الشهيرة : " من أراد أن تثكله أمه وترمل زوجه وييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي فإني مهاجر " .. لقد فعل سيدنا عمر ذلك حتى يرهب من أرهب المسلمين وجعلهم يهاجرون سرا .. وهو عندما يظهر قوته يمنع تعرض غيره له فيقتله سيدنا عمر فيخسر النبي صلى الله عليه وسلم مشروع مؤمن به حتى لو كان كافرا وقت الهجرة .. لقد حافظ الإسلام على دماء المسلمين والمشركين .. حافظ على دماء المسلمين لأنها غالية .. وحافظ على دماء غير المسلمين لأنهم قد يكونون مسلمين فيما بعد . لم يكن سيدنا عمر ليعتدي على أحد ولا يأخذ مال أحد .. ولكنه أعلن هجرته علنا بهذه الجرأة والشجاعة ليترك لهم فرصة الحياة .. أما هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سرا فهي حتى يتبعه المسلمون دون تقاعس وحسب إمكاناتهم وقدراتهم .. فليسوا جميعا في قوة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه .. ولو كان سيدنا عمر مشرعا لهاجر سرا حتى يتبعه المسلمون دون تقاعس وحسب إمكاناتهم وقدراتهم .. فليسوا جميعا في قوة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه . كان عليه أن يفعل ما فعل الرسول .. فالله سبحانه وتعالى يقول " وما أتاكم الرسول فخذوه : ولم يقل " وما أتاكم عمر فخذوه " .. وسيدنا عمر بذلك لم يخالف رسول الله بأن هاجر جهرا لأن في استطاعته أن يهاجر جهرا .. لكن .. تبقى الحكمة من وراء هجرة عمر بن الخطاب بكل هذه الجرأة .. وبكل هذا التحدي .. إن إستعراضه للقوة .. وتهديده بها .. هو نوع من الإرهاب الذي يفضله الإسلام .. أن نرهب الآخرين بالقوة حتى لا يتورطوا في القتال .. فيخسروا .. ونخسر .. إنه إرهاب لحقن الدماء .. لا إرهاب يدعو للقتل والتفجير والتكفير كما يفهمه بعض الشاردين والمتشددين الذين مسحت عقولهم ودست فيها مفاهيم خاطئة .. مضللة . لا أحد تجرأ على أن يلقى عمر بن الخطاب وراء التل .. خشوه .. وخشوا قوته .. فنجو بأنفسهم .. ولم يفقد ابن أباه .. ولا ترملت زوجة .. ولا فقد مشرك حياته .. هذه هي غاية الإسلام .. الحفاظ على الحياة وصيانتها .. حياة الناس جميعا .. لا حياة المسلمين وحدهم .. فكل مشرك اليوم قد يكون مؤمنا غدا .. أو بعد غد .. ولو قتلناه اليوم لحرمنا من الدعوة فيما بعد .. وقصرنا عدد المسلمين في نطاق ضيق .. محدود.. وما كان الإسلام ساعتها هو دين العالمين .. سيكون فقط دين جماعة محدودة من المؤمنين يسمون أنفسهم المسلمين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الشاهد الأوحد

الحمد لله الذى لا يحمد على أى حال غيره والصلاة والسلام على رسول الله الذى عم الأكوان خيره وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
* فى لقاء من لقائات السفر الطويل فى أحد قطارات أوروبا العابره للدول دار حوار يجمع مجموعه تدين باليهوديه ومجموعه تدين بالنصرانيه ومجموعه لا دين لها ثم تطرق الحوار بينها وتشعب حتى تناول سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسّلم ولكن للأسف الشديد لم يتناولوا السيره الشريفه بما يليق بها من التكريم والتعظيم بل تناولوا السيره المحمديه بالنقد والإسقاط والتلميح وهذا شأن من لا مؤدب له وأومن له مؤدب ولم يستمع إليه والحقيقه أن الذين كانوا على غير ديانه كانوا أكثر صمتاً وأقل حده وشده لأن الأنبياء كلهم عندهم متساوون فهم منكرون للجميع ولكن كان لهم ملاحظه . . سألوا الطرفين : مَن منْ المرسلين شهد لللآخرين بالصدق ؟
فأجاب اليهود . . قالوا محمد شهد فى كتابه بصدق موسى وصحة دعوته وصحة المعجزات التى أجراها الله على يده وقال النصارى " وهذا لفظ قرآنى " أن محمداً شهد لمريم بالبراءه مما نسب إليها من الإفك وشهد لعيسى بأنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وشهد له بمعجزة إحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وخلق الطير من الطين بإذن الله وكل ما شهد به محمد لعيسى أعطانا الإحساس بعظمه التشرف بالإنتماء إليه وهنا حدث الأمر العجيب الذى يتميز به الإسلام وهنا نصرة الدين ولو بالرجل الفاجر فالذى حدث أن الجماعه التى لا دين لها أخذت تضرب كفاً بكف وقالوا للطرفين الآخرين : ليتكم مثلنا لا دين لكم حتى يتساوى عندكم ا؟لأنبياء جميعاً ولكن الغريب أنكم تتكلمون عن كذب محمد – معاذ الله – مع أنه كما سمعنا من كلامكم هو الشاهد الوحيد على صدق أنبيائكم فلو أصر كل منكم على كذب محمد أى الحكم بكذبه وأقتنع الناس برأيكم فإنكم أول المضارين لأنه أخبر بالحقائق عن ربه بعلو قدر الأنبياء وأنتم تكذبونه فى ذلك وغير ذلك .
* وهذا يعنى أنكم تطعنون فى أنبيائكم وتطعنون فى صدق الرسول وكأنكم تريدون أن تقتلوا الشاهد الوحيد على برائتكم خاصه فى القضايا الروحيه التى لا تخضع للعقل وتحولونها إلى قضايا ماديه وعندئذ تكون الكارثه فأين تذهبون ؟ !
ولا حول و لا قوة إلا بالله

المحرر

 (وأتموا الحج والعمرة لله )
صدق الله العظيم

بفرحة المدعوين الكرام إلى بيت الله الحرام المؤدين بالكمال والمطالبين بالإتمام .. التقيت بسماحة الإمام السلام عليكم مولانا وعليكم من الله التحية والسلام .
قلت : مولانا الكريم وقد أهللت بالإحرام قاصدا البيت الحرام نسأل الله لسماحتكم سفراً أمنا وحجا مبروراً وعوداً مجبوراً وعملاً مأجوراً وذنباً مغفوراً .
قال السيد والحاضرون : اللهم أمين .

قلت : قال الله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فلماذا لم يقل سبحانه وأكملوا بدلا من قوله وأتموا خاصة أن هذا اللفظ الكريم ورد فى أية أخرى فى قوله تعالى ( ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ) . وقد علمنا منكم أنه لا مترادفات فى القرأن ؟ .

قال سماحته : نعم .. وإذا أردت أن تعرف الفيصل فى هذا الأمر فعليك بقوله تعـــالى:

( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) .

وعلى ذلك فالإكمال هو وفاء المطلوب من حيث العدد إن كان معدوداً والوزن إن كان موزونا والكيل إن كان مكيلأ وهكذا .. أما الإتمام فهو مراعاة المقاييس والمعايير والمواصفات الغير منظورة والمتعلقة بالتركيب الداخلى للمطلوب فمن أدى المطلوب حسب المواصفات الظاهرة فقد أكمل

 وإن كان رديئاً ومن أداه حسب المواصفات الباطـنة ( الخفية ) فقد أتم وإن كان ناقصاً ، ومن أداه حسب ظاهره وباطنه معا فقد وفى أى أكمل وأتم وكما أكمل الله لنا ديننا وأتم علينا نعمته فقد أعطانا بالوفاء وإذا طالبنا بشىء مما أعطانا فقد وجب علينا أن نؤديه بالوفاء كمالاً وتماماً ونعود إلى موضوعنا وهو الحج يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عنى مناسككم ) أى عليكم أن تتعلموا منى كيفية أداء المناسك الخاصة بهذه الشعيرة المباركة من النية والإحرام والسفر والتلبية والطواف والسعى والوقوف بعرفات والجمع تقديما مع القصر فى عرفات والجمع تأخيراً فى مزدلفة وجمع الجمرات ثم بعد ذلك الرجم أوالرمى والتحلل والهدى والإفراد والإقران فإن فعلنا ذلك نكون قد قضينا المناسك أى أكملنا أداءها ظاهراً ولكن هذا غير كاف فقد يفعل ذلك بعض الناس وهم لم يقصدوا البيت للنسك أصلاً بل لسمعة أوتجارة أومثلاً السرقة بين الزحام أوأى شىء أخر خلاف المقاصد الحقيقية للحج أوقد يحج بعضهم من مال حرام أوليأخذ هذا الأمر ستاراً لكسب ثقة الناس فيه وهو ليس كذلك والله أعلم بخلقه أكثر من علمهم بأنفسهم ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) لذلك قال سبحانه لعباده قصاد بيته أن إكمال المناسك لايعفى من إتمامها والإتمام معناه تحرى المال الحلال وقصد البيت للنسك مع الانضباط الكامل أثناء الحج فلا يرفث ولا يفسق ( فلا رفث ولا وفسوق ولا جدال فى الحج ) فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقل من حج وأدى المناسك كاملة رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه بل قال : ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ويمكنك القول أن الكمال أداء الكم وأن التمام أداء الكيف أى الجودة والوفاء هو الجمع بينهما وقدوة الحجيج جميعا هو أبوالأنبياء إبراهيم الذى أمره الله تعالى أن يؤذن فى الناس بالحج ( وأذن فى الناس بالحـج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات ) . وعلى ذك فإن سيدنا إبراهيم قد أدى المناسك الظاهرة والباطنة أى أكمل وأتم لهذا وصف الله سيدنا إبراهيم بالوفاء أى الجمع بين الكمـال والتمـام فقال تعـالى : ( وابراهيم الذى وفى ) فهل فهمت .
قلت : نعم وهذه من المرات القلائل جداً .

قال سماحته : هل أكملت لك الجواب قلت : يامولانا لقد أكملت وأتممت أى وفيت وأوفيت لنا الكيل . وتصدقت علينا وجعلكم الله من المتصدقين المحبوبين عنده وأعتقد أن هذا إيجاز بغير إعجاز ( من التعجيز ) ولكنه إيجاز وإعجـاز ( أى يصعب رده أو إلاتيان بمثله ) ولا أزكى على الله أحدا .
العودة

خلط الأوراق . . وراء الاتهامات الباطلة والافتراءات الظالمة للصوفية

محاسبة الناس على " نيـاتهم " تحول المجتمع إلى " مكفراتيه "
الحب الذي يربط بين المريدين منحه ربانيه . . وطريقهم إلى رضوان الله
* يواجه الصوفية بالكثير من الاتهامات وخاصة بين فيما يتعلق بالموالد والاحتفالات . . فما هي تلك الاتهامات وما هو ردكم عليها ؟ !
* يجيب فضيلة الشيخ مختار على محمد – شيخ الطريقة الدسوقية المحمدية بقوله :
* * هؤلاء الذين يتهموننا لا يعلمون عنا شيئاً ويتحدثون ويتحدثون من خلال أفكار أو اتهامات تروج دون دليل أو سند من الحقيقة فهم يتحدثون عن الاحتفالات بالموالد وكأننا نعبد صاحب تلك الذكرى ! !
والأكثر أنهم يفترضون لنا " نية " ويحاكوننا عليها ! ! ونحن براء من هذا تماماً .
فهل الشرع يبيح لهم هذا ؟ ! والأكثر أنهم يدعون أننا نذبح على أعتاب ضريح أومنزل الولي . . ونحن نذهب ونشارك في هذه الموالد ولم نر إنساناً يذبح . . فمن أين أتوا بهذه الاتهامات ؟ !

* وماذا عن التزاحم والاختلاط الذي يحدث في تلك الموالد ؟ !
* * هذا ما نسميه " المدد " أو محبه الناس للأولياء والعارفين وهذه فطرة فى طبيعة شعبنا الحبيب الذي يحب آل البيت والصالحين ويتعطش لكل ما يعمق لديه هذا الحب لذلك نجد التزاحم وكثرة الحضور .
أما الاختلاط فهذا غير موجود وإن وجد فهو ليس مسئولية المشايخ الذين يرفضون هذا النوع من الاختلاط الذي يساء إلى الصوفية . . أما موضوع الباعة والمهرجين الذين يتخذون من الموالد موسم للبيع والشراء والمكسب فهذا له عدة أوجه . .
أولاً : أننا كمشايخ طرق لسنا مسئولين عنهم فنحن نحصل على تصاريح من الجهات الأمنية والمحلية لإقامة سرادقات الموالد فهل هؤلاء يحصلون على تصاريح مثلنا أم أنهم طفيليات موجودة مع كل مولد ؟ !
ثانياً : إذا كان هؤلاء يتجمعون للبيع والشراء وحتى الأكل والاسترزاق بالحلال فما الموانع من ذلك ؟ ! إنه دليل على خير وبركة صاحب هذا المولد أو ذاك يشمل الجميع .
ثالثاً : وهذا هو الأهم أننا نقيم هذه الاحتفالات إحياء لذكرى الأولياء والصالحين بالحديث عن سيرهم ومآثرهم وإلقاء الدروس الدينية والمواعظ والحكم التي يجب أن نتدارسها فى حياتنا العملية كي نكون خير خلف لخير سلف ويقتدي الشباب بالكبار فى الأدب والأخلاق
رابعاً : أننا نتجمع لذكر الله عز وجل والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم فهل فى ذلك ما يشين أو يتعارض مع الشرع ؟ ! وهذا التجمع الذى يكون سنوياً أو دورياً يزيد من المحبة والتآلف والترابط بين المحبين من غير أرحام بيننا ولا مصالح شخصيه دنيويه نبتغيها . . فما الضرر فى ذلك ؟ ! إننا نسعى لأن نكون أحباب الله ورسوله من خلال نشر المحبه بيننا . . أليس المتحابون فى الله يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ !
* ولماذا لا تواجهون هذه " الطفيليات " التي تستغل موالد الأولياء والصالحين ؟ !
* * هذه ليست مسئوليتنا وإلا أتهمنا بالتدخل فى شئون الآخرين كالشرطة مثلاً .
نحن نحصل على موافقة المجلس الأعلى للطرق الصوفية , والمحليات وأقسام الشرطة وإن خالف أحدنا يعاقب . . أما هؤلاء فيجب أن يعاقبهم المسئولون لا نحن .
فلماذا نُسأل ونعاقب نحن بأفعال هؤلاء ؟ ! إن شرطة المرور تمنح تراخيص مهنة السائق فهل إذا استخدمت الرخصة فى نقل المخدرات نتهم المرور بإعطاء الرخصة ؟ ! نفس الشيء بالنسبة لوزارة الأوقاف التى تمنح الموافقات لبناء المساجد فنجد من يسرق أحذية المصلين . . فهل معنى هذا أن وزارة الأوقاف أعطت الرخصة لسرقة الأحذية ؟ ! وكذلك فى السعودية تعطى تأشيرة الحج أو العمرة فإذا ذهب إنسان وسرق أو خالف فهل نقول بأن السعودية أعطته رخصة السرقة ؟ !
فلنكن موضوعيين فى النقد والتوجيه ولا نلقى بالاتهامات جزافاً وإلا تحولنا إلى مجتمع يكفر بعضه بعضاً . . إن مشايخ الطرق الصوفية لا يرضون أبداً بما يحدث فى الموالد من مخالفات ويحاربونها بالفكر والتوجيه والإبلاغ عنها . . أما الذكر وإطعام الطعام فهذا فضل حثنا عليه الإسلام فإكرام الضيف واجب .
فلا داعى لخلط الأوراق و التجني على أولياء الله الصالحين ولا داعي لتطاول السفهاء .
* يقال كذلك أن الصوفية بحبهم للأولياء يكادون يوصلونهم إلى درجة العبادة ؟ !
* * هذا أيضاً جهل مطبق وافتراء باطل . . لماذا ؟ ! لأننا نقول فى تعريفنا للأولياء والعارفين : هذا الشيخ فلان , ونسبه كذا ولد وتعلم على يد فلان ومات ودفن فى المكان الفلاني . . فهل من يُعبد أويصل لدرجة العبادة والتأليه نقول عنه مثل هذا ؟ ! وهل نحن " مجانين " حتى نعبد إنساناً ميتاً ؟ ! خسئ هؤلاء المفترون على الله وأولياؤه الصالحين .
إن هذا الحب الذى ينتقدوننا عليه إنما هو منحه ونور يقذفه الله تعالى فى قلوب عباده ومن فقده لا يشعر به . . لأن بهذا الحب يكون الإنسان صادقاً ويحب سيرة الصالحين.

أسرار النفس الإنسانيه

عندما يطلق الظلم النار على العدل يبدأ القلب فى السواد . عندما يغتال القبح الجمال فى وضح النهار يزداد القلب سواداً . . عندما تتربع الخطيئه على عرش الحياه فارضه على النفس البشريه تدليك أصابع قدميها فى الماء والملح يصبح القلب حالك السواد . . فى هذه اللحظه يفقد القلب شفافيته ورقته ووداعته ويطلب طوق النجاه عاجلاً وهو يستغيث : لا غالب إلا الإيمان . . لا غالب إلا الإيمان . . لا غالب إلا الله .
والنفس من الشىء النفيس . . الشىء الغالى . . فهى أغلى من كنوز الدنيا وعروشها وغرورها لكن أغلب الناس لا يعلمون ذلك إلا بعد فوات الأوان . . إن الإنسان يولد من توافق الروح والجسد . . الروح مصدرها نور السماء . . والسماء من السمو . . والسمو من العلو . . والجسد تشده قوانين الأرض وقوة جاذبيتها . . فالجسد من خام الأرض . . التراب وكل ما يلزمه موجود فيها ويخرج منها . . القمح والأرز وثمارالفاكهه . . يعيش الجسد على مافى الأرض وفى النهايه يعود إليها أما الروح فتعود مشتاقه إلى الملأ الأعلى فنقول: طلعت روحه . . أى صعدت . . لا نقول : نزلت روحه فالنزول للجسد والصعود للروح .
ولأن الجسد منظور فغذاؤه منظور . . ولأن الروح غير منظوره فغذاؤها غير منظور غذاؤها فى مصدرها . . الملأ الأعلى . . ونحن نشعر بذلك عندما نرى طفلاً يبتسم فنقول : إن الملائكه تداعبه وهذا صحيح فهو لايزال بريئاً طاهراً على فطرته وهو يظل على حاله حتى البلوغ فلو مات قبل البلوغ فهو فى الجنه ولو كان من أبوين ملحدين كل الأطفال دون البلوغ يدخلون الجنه فالآله الحاسبه للذنوب تبدأ عملها بعد البلوغ أى بعد التكليف .
والفطره لها إسم آخر هو : النفس الكامله وهى النفس الأصليه والأصيله التى يخلقنا الله عليها وهى جزء من نور النبى صلى الله عليه وسلّم الذى به تولد .
يقول سبحانه وتعالى : " واعلموا أن فيكم رسول الله " لكن بعد البلوغ يبدأ التكليف . . والتكليف هو المطالبة بأداء ما فرض علينا . . بعد البلوغ يبدأ الثواب والعقاب فلو أذنب الإنسان ذنباً تنكت أوتحفر نقطه سوداء فى قلبه . . بالتحديد على الغشاء المحيط لقلبه . . تبدأ نقطه سوداء على النفس الكاملة فتفض بكارة شفافيته وتجرح عذريته إنها تلك التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالزجاجة : ( ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) سورة النور , الآيه 35 تتجمع النقاط السوداء على القلب . . على الزجاجة فتتسخ من الخارج مثل مصباح الكهرباء الذى تتكون على سطحه الزجاجي طبقه معتمه فتحجب ضوءه حتى تمحوه إن ذلك يحدث لنور القلب مع تراكم الذنوب طبقه بعد طبقه حتى يختفي نوره . . إن هذه الطبقة السميكة الكثيفة الصلبة التي تحيط بالقلب وتغطيه تسمى
" الران " يقول سبحانه وتعالى : (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة المطففين, الآيه 14 وتسمى " الأقفال" يقول سبحانه وتعالى " (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد , الآيه 24 وتسمى" الأكنه " يقول سبحانه وتعالى:(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) سورة فصلت, الآيه 5 وتسمى " الحجب " يقول سبحانه وتعالى : (وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) سورة فصلت الآيه 5 وتسمى أيضاً " الأغلفه " يقول سبحانه وتعالى : (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ) سورة البقرة , الآيه 88 ويصف القرآن الطبقه الأولى من الخارج من سواد القلب " بالنفس الأماره بالسوء" يقول سبحانه وتعالى : (۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة يوسف , الآيه 53 ويصف الطبقه الثانيه التى تليها " بالنفس اللوامه " يقول سبحانه وتعالى :( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِوَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) سورة القيامه الآيه 1-2 أى بأحق الحق يوم القيامه ولا بإبطال الباطل . . النفس اللوامه ثم تأتى بعدها الطبقه الثالثه وهى " النفس الملهمه " يقول سبحانه وتعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) سورة الشمس الآيه 7 ثم تأتى بعدها الطبقة الرابعة " النفس المطمئنة " يقول سبحانه وتعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ ) سورة الفجر ومعناها أرجعى إلى الصواب ثم تأتى " النفس الراضيه " وأيضا " النفس المرضية " وهما تابعتان للنفس المطمئنة يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) سورة الفجر الآيات 27-28 وتبقى" النفس الكاملة " وهى النفس الأولى الشفافة . . البللوريه . . النقية . . الفطرة " فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " لكن النفس الكاملة تغيرت بما فعله أصحابها بها فحاصرت الذنوب القلب والقلب هو الملك مركز الرئاسة والجوارح والحواس هى الرعية أوالمملكة والقلب يصدر التعليمات إلى العقل ليدير الحواس أوالرعيه فإذا كان على القلب تلك الطبقات السوداء العازلة " الران والحجب والأقفال والأغلفه " لأنقطع الاتصال بينه وبين العقل وتحول الإنسان إلى إنسان مادى محض ليس فيه من الروحانية شىء وهذا يمنعه من الإيمان بالغيب فلا يصدق إلا مايراه بعينه أويلمسه بيده أويحيط به عقله على طريقة بنى إسرائيل الذين قالوا : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) سورة البقره الآيه 55 أوالذين ربطوا إيمانهم بالله بالعين فعندما رأوا قوماً يعبدون عجلاً قالوا:(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) سورة الأعراف الآيه138
إن كل الشئون ليست كلها فى مستوى العقل . . مثلاً . . لو أن هناك رجلين أحدهما عقله متصل بقلبه والآخر عقله منفصل عن قلبه قد سمعا بقصة السيدة العذراء الطاهرة البتول رضوان الله عليها وإحدى سيدات نساء العالمين. . الرجل المتصل عقله بقلبه إذا توقف عقله عن إدراك الحكمة من وراء " بنت عذراء " لم تتزوج ثم ولدت غلاماً يتكلم وما زالت عذراء . . إن قبول هذا الخرق لناموس البشر يتصل بالقلب لأنه أوسع إدراكاً من العقل فهو موطن الإيمان . . إن العقل يسأل القلب مثل هذه الحالة قائلاً : أيها القلب لقد أبلغتني هذه القصة وأنا لا أستوعبها فيرد القلب قائلاً : إنها قدرة الله وما جرى فوق احتمالك وهى من إختصاصى وعليك الالتزام وعدم الخوض فى طهارة السيدة العذراء بل عليك أن تعجب من قدرة الله وتشعر بضآلتك وعليك أن تصدر تعليماتك للجوارح أو الرعية خاصة اللسان بألا ينطق بحرف واحد فيه إساءة للسيدة العذراء .
أما الرجل الآخر الذى انقطع اتصال قلبه عن عقله فإنه يبدأ بالقياس العقلي فى تقييم ما سمع ويكون بين أمرين : أما أن يقول إن هذا لم يحدث أصلاً وإما أن يخوض فى طهارة السيدة العذراء . إن العقل هنا مجرد قائد محدود الفهم وعليه أن يعود إلى القيادة العليا للأركان وهى القلب ليفهم منها ما غاب عنه فإذا كان الاتصال مقطوعاً فإنه سرعان مايخطىء ويضل ويهذى . . إن القلب " الملك " عندما يستولى عليه إبليس يترك العنان للجوارح تخوض فيما لا تعرف وتتورط فيما يزيد من قسوة الحياة وجفائها .
وللحديث بقيه إن شاء الله .

 انتهى شهر " الصيام وبدأت شهور " الصوم" !

ليس في القرآن لعب بالكلمات . . وإنما معان محدده. . دقيقه. . ولو مرت أجيال وأجيال من الأحياء والأموات
كل كلمه في القرآن لا تشبه غيرها وإن بدت غير ذلك. . وكل من يحاول تعليب المعاني السماوية حسب فهمه لها يجعلها تعانى من نزيف الحروف. . وسعال الجمل. . ومغص العبارات .
لقد انتهى شهر رمضان . . شهر الصيام . . وبدأت شهور الصوم. . وقد وردت الكلمتان في القرآن. . كلمة الصيام. . وكلمة الصوم. . وغالبية المفسرين يستخدمونها ككلمه واحده. . فيخطئون عن جهل . . ويضللون عن عدم دراية .
يقول سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام . . كما كتب على الذين من قبلكم " . . هنا جاءت كلمة الصيام . . ويقول سبحانه وتعالى : " فأما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً " . . هنا جاءت كلمة الصوم .
والصيام شيء والصوم شيء آخر . . الصيام هو ما كتبه الله علينا في شهر رمضان . . كما كتبه على الذين من قبلنا . . وهو ركن من أركان الإسلام . . يتلخص في الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب .
أما الصوم فهو نافلة لم يكتبها الله على الأمم السابقة بل هي للخواص من عباد الله وهى تتجاوز الامتناع عن الاغتياب . . النميمة . . مسك سيرة الناس . . وربما كانت للصوم حكمه أخرى . . كما في قوله سبحانه وتعالى للسيدة مريم عليها السلام : " فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً " .
والنذر ليس فريضة . . فلا يصح أن تقول : إني نذرت صيام رمضان . . فهو تكليف يجب الوفاء به . . من يقم به ينج من العقاب . . والحساب .
ويطلب زكريا عليه السلام من الله آية . . " قال رب أجعل لي آية . . " قال آيتك ألا تكلم الناس " . . وحددها بثلاثة ليال . . أو ثلاثة أيام . . وجعل الكلام بالرمز استثناء . . فقال سبحانه وتعالى : " إلا رمزاً " .
وعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء " . . لم يقل الصوم . . فليس معقولاً إن من لا يستطيع الزواج يمتنع عن الطعام والشراب أيضاً . . وليس المقصود هنا الصوم المكتوب . . بل صوم النافلة .
ويمكن أن يجتمع الصوم والصيام . . إن هناك صائمين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش . . أي الإمساك فقط عن الطعام والشراب دون مراعاة الأصول الأخرى ويسمى صيام العوام . . إذن فهو صيام ولو كان فقط امتناعا عن الطعام والشراب . . أما الصيام عن كل شاء عدا ذكر الله فهو صيام الخواص . . وهو صيام بمثابة مرحله انتقاليه من الصيام إلى الصوم .
وهناك نوع ثالث هو الإمساك عن الطعام والشراب والإعراض عن كل ما سوى الله وهذا مستوى يكون فيه العبد في مقام المخاطبة والمشاهدة , أي في مقام الإحسان , ويسمى صيام خواص الخواص . . وهذا هو الصوم .
إن الامتناع أوالإمساك أدناه الصيام وأعلاه الصوم وقد كتب الله على الأمة أدنى استطاعتهم وهو الصيام وترك لهم ميدان السباق مفتوحاً ليصلوا إلى الصوم . . فالله برحمته لا يكلف نفساً إلا وسعها .

الصيام والصوم

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
صدق الله العظيم
( فإما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً )
صدق الله العظيم
بفرحة الصائم بفطره والروض بعطره والسماء بقطره التقيت بسماحة الإمام وبعد رد السلام.
قلت : سماحة الإمام . . . . إن كل أبنائك من الصوفيه يتقدمون لسماحتكم بأرق التهانى والأمانى بحلول شهر رمضان الكريم .
فقال سماحته : أحياكم الله جميعاً إلى كل عام .
قلت : سيدى الكريم كل الناس يسألون سماحتكم عن الصيام وما وراء ذلك من أحكام فهل سأل أحد سماحتكم يوماً عن الصوم ؟ أم أن الصوم هو الصيام والصيام هوالصوم أم أن للصوم قوم وللصيام أقوام ؟
فضحك سماحته وقال على وزن للتين قوم وللجميز أقوام ثم أسترسل ســماحته يقول : لاشك أن الصيام شىء والصوم شىء آخر فالصيام هو المكتوب على المؤمنين فريضه
( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) وأما الصوم فهو ما زاد عن الصيام فى الكيفيه والمعنى والمضمون والنتيجه ثم نظر إلىّ سماحته فرآنى واضعاً يدى على فمى وقد أتسعت عيناى إستغراباً .
فقال : هكذا أنت يا ولدى تسأل السؤال وتستغرب الإجابه .
قلت : بل غالباً ما تدهشنى إجاباتكم كما أدهش الله نبيه زكريا عليه السلام إذ سأل زكريا ربه ولداً وأعلن علمه بإنتفاء المقومات وعندما بشره الله بالولد قال ( أنى يكون لى ) فلعلها يا سيدى دهشة من يجد المستحيل فى لحظه أصبح أيسر الممكنات فلا تؤاخذنى ولا يقطع جهلى إسترسالك .
قال سماحته : أنت تعلم أويجب أن تعلم أن الفرائض ديون على العباد ويحب الله من العباد قضاء ديونهم أما النافله فهى إستثمار يزيد عن الدين وهو من جنسه والله يحب العبد إذا تقرب إليه بالنوافل .
فالصيام فريضه كتبت علي الأمم السابقه كما كتب على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم وأما الصوم فلم يكتب على الأمم السابقه بل كان نافلة للخواص من عباد الله أنظر إلى قوله تعالى مخبراً عن السيده مريم عليها السلام : ( فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً ) والنذر ليس فريضه فلا يصح أن تقول إنى نذرت صيام رمضان لأنك مكلف به فإن صمته نجوت من الحساب وإلا فالعقاب العقاب وأنظر أيضاً إلى قول الله مخبراً عن زكريا عليه السلام : ( قال رب إجعل لى آيه . قال آيتك ألا تكلم الناس ) وحددها الله بثلاث ليال أوثلاث أيام وجعل الكلام بالرمز إستثناء فقال : ( إلا رمزاً ) .
وعندما يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم : " يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءه فيتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم يقصد صوم المكتوبه بل صوم النافله .
قلت : هل يمكن أن يبجتمع الصوم والصيام ؟
قال سماحته : نعم .
قلت : زدنى .
قال السيد : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش معناه أمسك فقط عن الطعام والشراب ولم يراع الأصول الأخرى ويسمى هذا صيام العوام إذن فهو صيام فإذا صام المؤمن عن الطعام والشراب وعن كل شىء عدا ذكر الله فهذا يكون صيام الخواص كما أطلق عليه العلماء ذلك وفى إعتبارى أن هذا النوع هو المرحله الإنتقاليه من الصيام إلى الصوم .
قلت : هل من نوع ثالث ؟
قال الإمام : النوع الثالث هو الإمساك عن الطعام والشراب والإعراض عن كل ماسوى الله وهذا مقام يكون العبد فيه فى مقام المخاطبه والمشاهده أى فى مقام الإحسان ويسميه العلماء صيام خواص الخواص وفى إعتبارى أن هذا هو الصوم ومن هنا يمكننا القول أن الإمتناع أوالإمساك أدناه الصيام وأعلاه الصوم وقد كتب الله على الأمه أدنى إستطاعتهم وهو الصيام وترك لهم ميدان التسابق والتنافس والقرار مفتوحاً .
- ( فإستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً ) .
- ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ) .
- ( ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ) .
وكما تعلم أن "الوسع" "هو أدنى الإستطاعه وأقل الطاقه" والله برحمته لا يكلف نفساً إلاوسعها فمن تذوق حلاوة الطاعه فإنه يسعى إلى الإستزاده منها ومن لم يتذوق حلاوتها فإنه يؤدى ما كتب عليه وكأنه يتجرعه ولا يكاد يسيغه ولذلك ترك الله الباب مفتوحاً للراغبين فى التقرب إليه المحبين للقاؤه على موائد طاعته الآملين فيما عنده المستغنين به عن غيره المعرضين عن كل ما سواه الصوامين نافلة تقربهم إلى ربهم وتؤدى بهم إلى حبه لهم فإذا أحبهم كان سمعهم الذى يسمعون به وبصرهم الذى يبصرون به وأيديهم التى يبطشون بها وأرجلهم التى يمشون بها ولئن سألوه لأعطاهم وإن إستعاذوا به لأعاذهم وما تردد الله عن شىء هو فاعله تردده عن نفوسهم فإذا كرهوا الموت كره الله مسائلتهم وحاشاهم ذلك فهم المحبون للقاء الله .
قلت : سيدى الكريم لقد علمت أن فوق كل ذى علم عليم والله أعلم ورمضان كريم
السلام عليكم
وعليكم السلام
مريد

صيام الصابرين وصيام الراضين وصيام الشاكرين

* ما أن يأتى شهر رمضان حتى تخمد أنفاس غالبية الصائمين . . ويسيطر عليهم الوخم . . ويتكاسلون عن العمل . . وتظهر عليهم أعراض التوتر . . وتضيق مشاعرهم . . كأنهم فى كرب كئيب . . لا يخرجهم منه سوى مدفع الإفطار .
* إن هذا النوع من الصيام يسمى صيام الصابرين . . الذين يتعاملون مع تكليف : " كتب عليكم الصيام " . . وكأنهم يسمعون آية : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " . . فصيامهم على مضض . . مجبرين عليه . . وكأنهم فى قرارة أنفسهم يتمنون أن يلغى الله تلك الفريضه الصعبه عليهم .
* ولو كان ذلك النوع من الصيام يخص عامة الناس فإن النوع الثانى يسمى صيام الخواص أوصيام الراضين . . وهم لا يتذمرون من الصيام . . ولكن . . لو خيروا بين بقاؤه وإلغاؤه لإختاروا إلغاؤه . . والفرق بينهم وبين الصابرين هو أنهم لا يعلنون شكواهم من الصيام . . ويخفون تبرمهم منه .
* أما النوع الثالث من الصيام . . صيام خواص الخواص . . فهو صيام الشاكرين . . وهنا نتوقف قليلاً عند قوله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " . . وليس المقصود أننا نصوم كما كان يصوم من قبلنا . . ولكن . . المقصود أن الصوم فريضه لسنا أول من كتبت عليهم . . فمبدأ الصيام وهو الحرمان من شىء ما واحد . . بغض النظر عن إختلاف القواعد والتوقيت .
* وتضيف الآيه : " أياماً معدودات " . . أى هناك توقيت محدد . . هو شهر رمضان . . لا يجوز تأجيله أو تقديمه .
* ويضيف سبحانه وتعالى : "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " . . ومعنى أن الله يتوجه بدعوة الصيام للذين آمنوا فإن من يستجيب لها عليه أن يشكر الله لإنه إحتسبه من المؤمنين . . وعليه أن يشكره أيضاً لأنه ليس مريضاً كى يعفيه منه . . وهى شهاده على الصحه . . وعليه أن يشكره كذلك لأنه يقيم وسط أهله وناسه ومن يحب . . وليس على سفر . . بكل ما فى السفر من متاعب فى الغربه . . ومن ثم فإن كل لائق للصيام عليه أن يشكر الله لوصفه بالمؤمن ولتمتعه بنعم الله لا أن يتبرم منه .
* لذلك يقول سبحانه وتعالى : " وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " . . وفى موضع آخر : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العده ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون " . . ومن الكلمه الأخيره جاء وصف صيام الشاكرين . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الحكمه الإلهيه من تغيير القبله

* لوتأملنا ما يجرى الآن فى القدس سيسهل علينا إكتشاف الحكمه الإلهيه من تغيير القبله .
* ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير . . من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام . . من الحسن إلى الأحسن .

1 - قبلة المسجد الحرام قبله فى السماء !
تصور أنك طلبت شقه فى الزمالك أومصر الجديده أوالقطاميه فإذا بك تحصل على غرفه وحيده فى حى شعبى متواضع ثم تجد من يقول لك : مبروك لقد حصلت على ما أردت بالضبط ؟ .
المشهد السابق هو ترجمة بشريه متواضعه ومتعجله للآيه التى يقول فيها الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم : " قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " .
يبدو من ما قرأنا أن النبى كان يبحث عن قبله فى السماء ( الحى الراقى ) فإذا بالأمر الإلهى يوجهه إلى الأرض . . ناحية المسجد الحرام . . بل أكثر من ذلك يؤكد له أنها قبلة يرضاها . . فكيف هبط ما أراد النبى من السماء إلى الأرض ؟ . . من قبله فى السماء إلى المسجد الحرام ؟ . . ألم يكن النبى يعرف الكعبه حتى يبحث عنها فى السماء ؟ .
تعالوا نترجم معانى كلمات الآيه حتى نصل إلى تفسيرها المناسب . . إن كلمة تقلب وجهك فى السماء تعنى أن الوجه صار قلباً . . الوجه لا يرى إلا فى إتجاه واحد من الإتجاهات الأربعه . . لكن القلب يقدر على رؤية الإتجاهات والأبعاد المختلفه .
والمقصود بالسماء هنا العلو والسمو والشرف وزيادة الرتبه والأجر . . يا محمد أنك تبحث بقلبك القادر على رؤية الإتجاهات والأبعاد عن قبلة ترضاها فى مكان رفيع الشأن . . عالى المنزله . . يكون للصلاه فيه أجر كبير . . أكبر من غيره . . فول وجهك شطر المسجد الحرام . . حيث الصلاه بمائة ألف . . بينما فى المسجد الأقصى بخمسمائة فقط .
كان المسجد الأقصى الذى باركنا حوله هو القبله قبل تغييرها . . ولو كان الله قد بارك حول المسجد الأقصى فإن المسجد الحرام نفسه مبارك . . يقول الله سبحانه وتعالى : " إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً " .
أما بيت المقدس فيقول عنه سبحانه وتعالى : " سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إل المسجد الأقصى الذى باركنا حوله " . . فلو قارنت بين المبارك ( المسجد الحرام ) إلى المبارك حوله ( المسجد الأقصى ) يكون المبارك أعلى وأسمى من المبارك من حوله . . يكون المبارك بمثابة السماء بالنسبه للمبارك حوله . المسجد الحرام بمثابة السماء بالنسبه للمسجد الأقصى . . الصلاه بمائة ألف مقابل خمسمائة فقط .
إذن تقلب وجهك تعنى أنك تبحث فى كل الإتجاهات والأبعاد عن قبله تكون أكثر سمواً من القبله القائمه . . تكون بمثابة السماء بالنسبه إليها . . هذه القبله هى المسجد الحرام .
ولو تأملنا ما يجرى الآن فى القدس سيسهل علينا أكتشاف الحكمه الإلهيه من تغيير القبله . . إن الفلسطينيين . . سكان البلاد يعجزون عن الصلاه هناك . . فكيف يكون الحال لو كان على باقى المسلمين فى كل الإتجاهات والأنحاء أن يقصدوها وهى محتله ؟ . لذلك فإن قوله سبحانه وتعالى : " قد " نرى ليس معناها قد الإحتماليه وإنما " قد" التحقيقيه ويقول سبحانه وتعالى : " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب " . . والسفهاء هم فاقدوا الأهليه . . لقد قالوا ماولاهم ؟ ولم يقولوا من ولاهم ؟ . . ولو قالوا من ولاهم لكان السؤال صحيحاً . . أما ما ولاهم فسؤال خطأ . . ورغم ذلك طلب الله من النبى الإجابه عنه إجابه صحيحه وهى : " قل لله المشرق والمغرب " . . وهو يعنى أن الرسول هو رسول للمشرق والمغرب . . هو رسول للعالمين .
والمعروف أن الكعبه ستة أضلاع . . لا نرى منها سوى ثلاثة أضلاع ونحن نقف فى كل جهه منها . . ما نراه منه يسمى شطر . . إى نصف . . ومنها شرع الله الطواف لنرى بقيتها . . " فول وجهك شطر المسجد الحرام " . . أى إتجه ناحية الكعبه .

2- مكه أحب الأماكن إلى الرسول والمدينه أحب الأماكن إلى الله .
والكعبه هى القبله الساميه القّيمه والمكانه والشرف والأجر وهى القبله التى إرتضاها الرسول لنفسه ولأمته فمكه هى أحب الأماكن إلى قلب الرسول . . وعندما أخرج منها قال : " أيه يا مكه إن الله يعلم أنك لأحب بقاع الأرض إلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت" . . ولكنه عندما وصل إلى المدينه أضاف قائلاً : " إن مكه أحب بقاع الأرض إلى ولكن المدينه أحب بقاع الأرض إلى الله " . . ومن هنا كان مقامه الشريف وروضته الشريفه .
ويروى عن الإمام مالك رضى الله عنه ( إمام دار الهجره ) إنه كان يسير حافى القدمين . . لا ينتعل شيئاً . . وعندما سئل عن ذلك قال : " عل قدمى تلامس موضعاً وطأه رسول الله بقدميه " . . والمعروف أن تراب المدينه يشفى من مرض الجذام

3- الفرق بين يتفكرون ويفكرون كالفرق بين من ينفذ ومن يتأمل !
ويجرنا الكلام إلى قوله تعالى : " إن فى خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " .
قال سبحانه وتعالى : " ويتفكرون " ولم يقل " يفكرون " وهى الكلمه الأكثر شيوعاً . . لماذا ؟ . إن الفرق بين الكلمتين أوالفعلين أكبر مما نتصور . . أكبر مما يوحى لنا به الساده العلماء على قنوات الفضائيات .
لو قلت إننى أفكر فى الزواج فمعناه أننى يمكن أن أتزوج ولو قلت إننى أفكر فى العماره التى أسكنها فمعناه أننى أفكر فى بناء مثلها . . لكن . . لو قلت أننى أتفكر فى الزواج فمعناه إننى أتفكر فى فلسفته وقواعده وأصوله والحكمه منه . . ولو قلت إننى أتفكر فى العماره التى أسكنها فمعناه أننى أتفكر فى طرازها المعمارى وطريقة بنائها . . مثلاً .
لو قلت أفكر فى خلق السموات والأرض فمعناه أننى أفكر فى خلق مثلهما . . ولو قلت أتفكر فيهما فمعناه أننى أبحث فى كيف خلقهما الله وكيف سيرهما بقوانين يصعب على البشر صياغة مثلها . أفكر فى شىء يعنى أننى أفكر فى تنفيذه أوتقليده . . أتفكر فى شىء يعنى أبحث فيه .
التفكير فى الشىء يعكس إرادة إقتناءه أوإنشائه أوالإتجار فيه . .
أما التفكر فيعكس الرغبه فى الوصول إلى الحكمه منه والعذب فيه وبلوغ ما هو غير متاح للعين .

4- تحريم الدعاء فى ليلة النصف من شعبان حرام !
وقد تغيرت القبله فى ليلة النصف من شعبان . . كان الرسول يصلى بالمسلمين صلاة العصر فى مسجد القبلتين ( وهو مسجد لايزال قائماً فى المدينه ) عندما إستدار ليغير قبلته ناحية المسجد الحرام .
وتثير ليلية النصف من شعبان جدلاً حولها . . فهناك من الشيوخ الأفاضل من يقول إن الدعاء فيها لم يرد عن الرسول ومعنى هذا أن الدعاء فيها لا يقبله الله . . وهو أمر يثير الدهشه بقدر ما يثير الإستغراب . . فالرسول لم يقل : " يارب إمنحنى سياره آمنه " . . فهل لايصح أن أطلب ذلك من الله ؟ .
إن الدعاء مفتوح . . ومباح . . وطالما أن الداعى يقول :" اللهم " فلا حرج عليه . . بل إن الدعاء واجب عليه .
وفى دعاء النصف من شعبان نقول لله : إن كنت كتبتنى شقياً أومحروماً فامح بفضلك شقاوتى وحرمانى وأكتبنى عندك سعيداً مرزوقاً . . ويقول المعترضون إن هذا عيب أن نقول ذلك إلى الله . . ولو صح أدعاؤهم فإن الإستغفار لا داعى له . . فالإستغفار طلب من الله بمحو ماكتبه علينا من ذنوب . . وهو أمر يسير عليه . . إن المهم هنا هو أن يقول الداعى " اللهم " . . فسبحانه وتعالى يقول : " وقال ربكم إدعونى " . . أما كون الله يستجيب أولا يستجيب فهذا شأنه . . فإذا دعونا الله فإنما نؤدى فريضه ( الأمر الإلهى يقول إدعونى ) أما إستجابة الدعاء فليست فرضاً على الله .
يا ليت الساده العلماء يهتمون بشروط الوجوب والصحه فى العبادات ويتركون شروط القبول والرفض . . فلا شأن لهم بها . . عليهم أن يقولوا لنا متى تجب الصلاه ؟ . . وكيف تكون الصلاه صحيحه ؟ . . وليس عليهم أن يقولوا كيف تقبل الصلاه ؟ . . فهى على الله .
هناك أوقات للصيام وأوقات يحرم فيها الصيام ( أيام العيد وليلة الشك ) وأوقات مفروضه للصلاه وأوقات تكره فيها الصلاه ( وقت الشروق والغروب ) ولا يصح الحج إلا يوم عرفه . . أما الدعاء فمفتوح طوال العام وفى أى زمان ومكان . . ومن ثم فإن الإختلاف على ميقات الدعاء يعد باطلاً . . ولو كان الإختلاف على النص فهو أيضاً باطل . .
ومن شروط الصحه أن تقصد الله بالدعاء . . أما كونه مقبولاً أومرفوضاً فهذا ليس شأن أحداً من خلق الله . . يا خلق الله خلوا بين الله وعباده .
لقد أعجبنى قول رجل بسيط عندما سئل عن دعاء النصف من شعبان . . قال : لماذا ترفضونه ؟ . . قيل له : لأن غالبية الناس لايدعون الله إلا فى هذا اليوم . . قال : ليكن . . فلو فتح الله فيه على عباده بالدعاء فلماذا تريدون حرمانهم منه ولو كان يوماً واحداً فى السنه . . قالوا : يجب الدعاء طوال العام . . قال : لو كنا ندعو الله طوال العام فلماذا نتوقف فى ليلية النصف من شعبان ؟ .
وبالمناسبة فإن نص دعاء ليلة النصف من شعبان هو : " اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه . . ياذا الجلال والإكرام . . اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقياً أومحروماً أومطروداً أومقتراً على فى الرزق فأمح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى وأثبتنى عندك فى أم الكتاب سعيداً ومرزقاً موفقاً للخيرات فإنك قلت وقولك الحق فى كتابك المنزل على نبيك المرسل " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم أن ترفع عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم إنك أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم " .

إن ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير . . من قبلة المسجد الأقصى إلى قبلة المسجد الحرام . . من الحسن إلى الأحسن . . ومن ثم فالدعاء فيها رغبه فى التغيير من السىء إلى الأحسن . . فلماذا يضيق علينا بعض الشيوخ بتحريم الدعاء فى هذه الليله . . لماذا يضيقون ومن ضيق علينا ضيق الله عليه ؟ . . لماذا يعسرون ومن عسر . . عسر الله عليه فى الدنيا والآخره ؟ . . وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الحكمه من الإسراء و المعراج

الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وعلى سيد المرسلين سيدنا محمد وآله إلى يوم الدين
وبعد
قال تعالى " سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله "
صدق الله العظيم
وقال تعالى " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى " صدق الله العظيم فى الآيتين الكريمتين إشاره إلى الرحلتين العظيمتين لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما أرضيه وهى الإسراء أى السير ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والرحله الثانيه سماويه أى تربط الأرض بالسماء وهى المعراج من المسجد الأقصى إلى الملأ الأعلى .
وقد سمعنا كثيراً من الساده العلماء عن الحكمه من الإسراء و المعراج حيث قالوا – بارك الله فيهم – أن الحكمه من الإسراء و المعراج أن الله تعالى أراد أن يسرى عن سيدنا رسول الله ما أصابه من حزن شديد فى عام أسموه عام الحزن على فقد عمه أبو طالب وزوجته السيده خديجه رضى الله عنها وهذا قول طيب .
وقال بعضهم " أى الساده العلماء " أن الرسل عموماً لا يحزنون على مثل هذه الأشياء " أى الموت " لأنهم أولى الناس بالإيمان بالقضاء و القدر . فإذا كان الأولياء رضى الله عنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فما بالنا بالأنبياء عليهم السلام والمرسلين فكيف الحال مع سيدهم أجمعين .
ثم قالوا إن الحكمه من الإسراء و المعراج أن يتشرف الجسد المحمدى بزيارة الملأ الأعلى كما تشرفت الروح بذلك من قبل وهذا أيضاً قول طيب . ثم قال البعض رداً على هؤلاء وهل الجسد المحمدى ينقصه تشريف , ثم قالوا بل الحكمه من الإسراء والمعراج أن يتشرف الملأ الأعلى بالجسد المحمدى الشريف كما تشرف بروحه العاليه من قبل ثم أنشد قائلهم .
على رأس هذا الكون نعـل محــمد علا فجميع الكـون تحت ظلاله
على الطور موسى نودى أخلع وأحمد على العرش لم يؤذن بخلع نعاله

عزيزى القارىء هذه ثلاثة آراء فى الحكمه من المعراج بعد الإسراء فإلى أيها تميل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

تعالوا نفهم معنى التكاثر !

حين أراد الله أن يوصل رسالته إلى الناس أختار اللغة الراقية الجميلة .أختار النغم المسكوب , والحرف المنسوج من خيوط الحرير والفاصلة الأنيقة والكلمة التي تدخل القلب ولا تخرج منه كان بوسعه سبحانه وتعالى أن يستعمل سلطته الإلهية المطلقة فيقول للإنسان : " كن مؤمناً فيكون " ولكنه لم يفعل وأختار الطريق الأجمل , أختار الأنبل , ,
وحين أراد الله أن نستوعب أسرار أحكامه فضل لغة العقل وهى لغة دقيقه محكمه تحترم ذاتها وتوقر صاحبها بشرط أن يتفكر جيداً فيما ورائها وما بين سطورها بشرط ألا يتسرع في تفسير يقلب المعنى ويتورط في فتوى تكون عليه وهذه هي آفة كثير من الناس لكنهم لا يعلمون ! !
لقد توقفت طويلاً عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " توقفت عند كلمات الرسول الكريم وأنا أستعرض حالة العالم الإسلامي الممتد من الصين إلى الدار البيضاء توقفت عندها وأنا أرى خريطة العالم الإسلامي على هذا النحو وهى تكاد تكون الخريطة الوحيدة على الأرض التي تجمع كل عيوب الفقر , والأمية , والفاشية , والديكتاتورية , والفساد , والضعف , والمرض وغيرها من الأمراض السياسية و الإجتماعيه والعشوائية .
وتساءلت بيني وبين نفسي : هل هذه الأمة التي سيتباهى بها رسول الله صلى اله عليه وسلّم بين الأمم يوم القيامة ؟ ! وكانت الإجابة واضحة قاطعه لا تحتاج إلى مجهود كبير أو صغير . . إذن أين المشكلة ؟ لقد فسر البعض هذا الحديث النبوي الشريف على أنه دعوه للانفلات في كثرة الذرية وعدم وضع قواعد أوقيود بغض النظر عن القيمة والتميز بغض النظر عن ضعف وهشاشة هذه الكثرة !
إن الإنسان يتباهى بولد صالح يقدر على برمجة الكمبيوتر بينما يخجل من مائة ولد لا يفكون الخط ولا يفرقون بين الألف وعمود الكهرباء ويجرون عرايا في الحواري والأزقة
المباهاة التي يقصدها النبي الكريم هي أن تكون الأمة متميزة فلا يعقل أن يتباهى النبي صلى الله عليه وسلًم بكثرة لا حول لها ولا قوة لا تقدر على إطعام نفسها أوحماية أرضها أو إيجاد مكان خاص لها تحت شمس الدنيا التي نعيشها يقول صلى الله عليه وسلّم : " يوشك أن يأتي زمن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا : أو من قله نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ؟ ولكنكم غثاء كغثاء السيل " أى كثرة ريم الماء كثره بلا وزن .
لو ربطنا بين الحديثين الشريفين لعرفنا أن المقصود ليس الكثرة التي نتخيلها ونسعى إليها فلا عبره بكثرة كغثاء السيل , ولا عبره بكثرة من الرغاوى والفقاعات , إذن كيف نفهم الحديث الأول ؟
يقول الرسول الكريم : " تناكحوا " أي تزوجوا وهو أمر نكون قد نفذناه بمجرد الزواج , ثم يقول صلى الله عليه وسلّم : " تناسلوا " وهو هنا ليس فعل أمر , لكن المقصود به إن من يتزوج ينجب . . أومقصود به : إذا تناكحتم تناسلتم , أوبمفهوم أبسط : تناكحوا فتناسلوا , وهنا يكون من أنجب طفلاً واحداً قد تناسل , لأن لو كانت كلمة تناسلوا فعل أمر فأين يذهب العقيم والعاقر منه ؟ . . خاصة وإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها .

البدعة و الخدعة

عندما تحسست طريق مشاعري ناحية الكتابة إعتبرت اللغة نوعا من العزف علي بيانو نستمتع به لذاته.. فمارست رقابة موسيقية شديدة علي تشابك الحروف والكلمات لتحافظ علي الوزن والرنين.. لكن فيما بعد تخلصت من هذه الأفكار.. وكسرت حواجز الحدود بين ما أكتب وما ينفع الناس.. فالجمال لا يطلب لذاته وإنما يطلب لنفعه. ,و إلا صرنا عبدة أوثان منحوتة من كلمات.
إن الأفكار الجامدة الشائعة التي لا يريد أن يتجاوزها أصحابها هي أفكار مصابة بفقر دم.. أفكار مختوم عليها بالشمع الأحمر.. هي أفكار من خشب جاف.. يأكلها الناس علي أنها شهد.. وعسل.. ثم يتعجبون عندما تخرج من ا فواههم الشظايا والمسامير. إن من يبلع النار لن يشعر إلا باللهب.
وقد شعر المسلمون باللهب طوال العام الذي مضي، عندما وجدنا هجوما شرسا مهينا علي المسلمين دون تفرقة بين مسلم معتدل ومسلم متطرف.. بين مسلم خاطئ ومسلم يمشي علي الصراط المستقيم.. بين مسلم يتبع تنظيم القاعدة ومسلم يقود أرفع مؤسسات الدولية.. فعندما تأتي العاصفة فإنها لا تفرق بين حبات الرمل وأوراق الشجر.. بل إن هذا الهجوم وصل في تشدده وتجاوزه إلي حد المساس بشخص الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.. لقد بدأ هجوم القس الأمريكي القريب من دوائر البيت الأبيض بيلى جرهام، بعد أحداث سبتمبر، وهو صاحب وصف الإسلام بـ (( ديانة الشر)).. وقبل أن ينتهي عام 2002، نشر رسام الكاريكاتير الأمريكي المعروف رسما ساخرا، يمثل النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو يقود سيارة عليها صاروخ نووي.. وكتب فوقه:(( ما الذي يقوده محمد؟)).
وقد سببت الحملة علي رسول الله غضبا عنيفا كان نارا في قلب أكثر من مليار مسلم، وشنت الصحف العربية والإسلامية هجوما مضادا وتدخلت المنظمات والحكومات الإسلامية وأجبرت البعض علي التراجع والاعتذار.. لكنها لم تملك القدرة ولا القوة علي اقتلاع هذه الحملة من جذورها.. لسبب بسيط هو أن جذور هذه الحملة زرعت في تربتنا وترعرعت فيها.. إن من الممكن أن نثور وننفعل ونهاجم ونقاتل ونصرخ في وجه الذين يوجهون الإهانات للإسلام ولرسوله.. لكن.. ذلك بالقطع لا يكفي.. فهذه مجرد قشور.. بثور.. طفح جلدي.. أما الدواء فهو فينا نحن.. فقد قد منا صورة غير حقيقية عن الإسلام.. ولم نتوقف طوال ربع قرن مضي لمراجعتها والتخلص منها أو تجميلها أو تحسينها.. فلماذا نغضب عندما يعاملنا الأخر ون بالصورة التي رسمها البعض وصدرها إلي أربعة أنحاء الدنيا؟.
إن صورة المسلم في ذهن غير المنصفين، هي صورة الإرهابي الذي يفجر القنابل ويقتل الأبرياء ويطعن من يختلف معه في الرأي.. صورة الشاب القادم من عصور غابرة، الذي قتل الدكتور فرج فودة بعد أن سحق أنصار الجماعات المتطرفة في مناظرة كانت حديث الناس جرت في معرض الكتاب قبل شهور من إغتياله.. صورة الشاب المتشنج الذي طعن نجيب محفوظ في رقبته عقابا له علي رواية لم يقرأها ذلك الشاب.. صورة الشاب المهزوز الذي لا يعرف التصويب علي ضحاياه.. فيقتل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق خطأ، وكان يقصد وزير الداخلية في ذلك الوقت اللواء عبد الحليم موسي..
وكانت هنالك صورة أخري تنافس تلك الصورة.. صورة المسلم الثري المتسيب أخلاقيا علي طريقة شهريار.. أكبر بلطجي عرفه التاريخ.. الذي يضجع علي عشر وسائد.. وحوله جوار ومحظيات.. وخلفه مسرور السياف.. في انتظار تعليماته بالذبح.. والقتل دون مبرر.. وقد أمسك بيده كتاب(( رجوع الشيخ إلي صباه)).. الدستور الدائم لهذا الطراز من البشر.. علي تلك البقعة من الكرة الأرضية، إنها صورة شاعت وسادت وفرضت نفسها علي الدراما السينمائية والتلفزيونية الغربية.. كما أنها أصبحت منجما من السخرية في الملاهي الليلية.. ولمؤلفي النكات في دور النشر الأوربية.. وكذلك كانت محور استفزاز لمعظم جماعات الحقوق المدنية التي تدافع عن كرامة المرأة وكيانها.. فقد وجدت في مثل هذه الصورة الشائعة إهانة التي يشاع أن الرجل المسلم يستغلها ويستنزف ثرواتها الجسدية والروحية.. ثم يلقي بها في عرض الطريق.. ويشاع أنه يؤمن بأن القوة في الكسر والضرب والجر وليس في الحنان والمعروف والرحمة.. وهي شروط شرعية إسلامية إجبارية لمعاملة الرجل للمرأة.. ولو فهمت الدنيا عكس ذلك.. لكن البعض منا كانوا المسئولين عن هذه الصورة.. وعن ترويجها..
إن أسماء الله الحسني تشمل الرحمة.. العدل.. الكرم.. السلام..النور..الإيمان..الرفعة.. المغفرة.. فلا يجوز أن نضيق ما وسعه الله.. وأن نعقد ما بسطه.. وأن نخجل مما أباحه.. فالحلال بين والحرام بين.. لا يجوز أن يضع أحد نفسه في موقع الوساطة بين الناس والسماء، وهو ما أباح لهم الفتوى بغير روية.. بعيدا عن أحكام الله..
إن شئون الدين أسهل وأبسط وأرحم مما يعرفه الناس.. ويعتقد الناس.. ويتصوره الناس.. وسأضرب مثلا علي ذلك.. كنت عائدا من الساحل الشمالي، عندما توقفت لتأدية الصلاة في زاوية صغيرة علي الطريق الصحراوي.. كان الشيخ الإمام يصرخ في وجه شاب أمامه ويتهمه بالكفر.. ويتوعده بجهنم.. وبئس المصير.. كان الشاب الذي عرفت أنه يدرس الفلسفة الإسلامية قد تجرأ وسأله(( هل هنالك وحي بعد رسول الله؟)).. لكن.. ما أن سمع الشيخ السؤال حتى نفرت عروقه.. وانفلت غضبه.. وسارع باستدعاء النار لتحرق الشاب..وبرغم أنني عادة لا أتورط في مثل هذه الأمور، إلا أنني تطوعت بالإجابة قائلا:(( نعم هنالك وحي بعد رسول الله)).. وقبل أن يرسلني الشيخ أنا أيضا إلي النار طلبت منه أن يهدأ وأن يصبر وأن يفكر ولا يكتفي بما يعرف.
إن الوحي هو سر بين ملق ومتلق لقوله سبحانه وتعالي:(( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح(الوحي) من أمره علي من يشاء من عباده)).. الملقي هنا هو الموحي.. والمتلقي هو الموحي إليه.. وعلي هذه القاعدة يكون الوحي أنواعا: هناك وحي إلهام كقوله تعالي:(( وأوحي ربك إلي النحل أن إتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)).. وهو وحي جاء من الله مباشرة دون جبريل عليه السلام أو أي ملك أخر.. وحي تلقاه كائن غير بشري.. ويمكن أن يكون الكائن بشرا مثلنا وليس رسولا.. كما في قوله تعالي:(( وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه)).. ويمكن أن يكون الموحي إليه جمادا.. ففي يوم القيامة سيوحي الله للأرض بما عليها أن تفعل.. كما في قوله تعالي:(( يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحي لها )).. وهذه الأنواع من الوحي لم تنقطع.. فلا يزال النحل يفعل ما أوحي الله به.. وهنالك وحي يسمي(( وحي منام)) وهو الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو يراها غيره له.. الرؤيا هنا لا تخرج عن كونها نوعا من الوحي لأن النائم في موضع المتلقي.
لكن الوحي الذي إنقطع هو وحي الرسالة الذي خص به الله رسله وأنبياءه.. فلا وحي رسالة بعد رسول الله وأشرف خلقه.. بل هنالك وحيا غريبا لا يدل علي الصلاح والتقوى نراه في قوله تعالي:(( يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا )).. وهو وحي التدبير السيئ.. وحي إبليس لمشركى مكة ليقتلوا النبي ضربة رجل واحد ويفرقوا دمه بين القبائل.. ووحي التدبير.. وهو وسواس بين فاسد وفاسد.. بين فاسق وفاسق..بين الشيطان والبشر.. علي أن هنالك – كذلك – وحيا من بشر إلي بشر.. يقول سبحانه وتعالي عن زكريا:(( فخرج علي قومه من المحراب فأوحي إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )).. لقد كان زكريا وهو في المحراب في موضع الموحي إليه من الله.. كان في موضع المتلقي..لكنه لما خرج إلي قومه حتى أصبح في موضع الملقي والموحي.
وخلاصة القول: إن ما انقطع من وحي هو فقط وحي الرسالة.. أما وحي الإلهام والمنام فهما مستمران إلي يوم تقوم الساعة.. وقد أفرطت في الشرح الديني لهذه القضية للتدليل علي تسرع البعض في الإجابة والفتوى.. والتكفير والتحريم والتفكير.. إن هذا التسرع هو الذي جعلنا لا نتعمق في معاني الدين الصحيحة والبسيطة والسهلة والمناسبة لكل ما حولنا.. هذا التسرع هو الذي أسهم في رسم وتلوين وتجسيد تلك الصورة الخاطئة عن الدين، والتي شاعت وراجت وفرضت نفسها علي السياسات والمؤامرات الخارجية التي ترسم وتدبر لنا.
لقد كان باب رسول الله صلي الله عليه وسلم مفتوحا للكفار، يناقشهم ويناقشونه، فلماذا نسينا هذه الفضيلة؟ إن حجة العلماء دائما هي أنهم يخشون علي الدين من العامة فيميلون إلي التشدد.. وهي خشية تعطيهم مبررا لعدم إضافة أية معلومات أو اجتهادات يملكونها.. يقولون إن العامة لن يفهموها.. لن يستوعبوها.. وبهذا التبرير يضعون حاجزا عريضا بينهم وبين الناس.. مع أن المفروض عليهم رفع مستوي العامة.. إن العالم يجب أن يضيف شيئا.. أو يقول لا أدري.. إذا لم يفض الله عليه بشئ يقول: لا أعلم.. ومن قال لا أعلم أو لا أعرف فقد أفتى.
لقد شهدت السنوات الأخيرة عادة غير إسلامية، هي رمي البعض للعامة بالشرك والكفر والبدعة.. وهي تهم لا يسهل رمي الناس بها.. وربما كان الوصف الأدق هو الجهل.. جهل العامة.. وهذه مسئولية العلماء.. فلو كان الإنسان جاهلا.. ويريد أن يتعلم فقد برؤا من هذه الصفة.. ولو كان جاهلا ولا يريد أن يتعلم ويدعي أنه يعلم وينكر علي من يعلم أنه يعلم، فهو الجاهل قياسا علي أبي جهل.. فقد كان أبو جهل لا يعلم ويدعي أنه يعلم، ولا يريد أن يفتح أذنيه ليعرف، ويمنع غيره من العلم، ويتطاول علي رسول الله الذي يعرف ويعلم.. لكن حتى وصف الجهل لا يجوز أن نطلقه بسهولة علي العامة.. لأن الله أعفي من لا يعلم.. وأعفي من لا يستطيع.. ولم يؤاخذ عبده إلا إذا اجتمع لديه العلم والاستطاعة.. أو المعرفة والقدرة. أما من لا يعلم ويريد أن يعلم فيسمي طالب علم.. وهنا بالضبط يأتي دور العلماء.. إن الذين لا يعلمون هم(( خامة)) العلماء ودون هذه الخامة لا صنعة ولا وظيفة ولا دور.. تماما مثل قطعة الحديد التي هي خامة الحداد.. يشكلها كما يشاء.. وحسب موهبته وخبرته.. ومثل قطعة الخشب هي خامة النجار يصنع منها ما يشاء.. حسب ما منحه الله من قدرة علي ذلك.. لم نر حدادا استغني عن قطعة حديد لأنها معوجة.. ولم نر نجارا استغني عن قطعة خشب لأنها ليست مستوية.. علي العكس.. يتحمس الصانع الماهر لكل ما يصعب علي غيره.. إن مهارته تبرز في هذه الحالة أكثر وبراعته تتألق أكثر.. العامة للعلماء كالخامات في يد الصناع.. وجودهم علي ما هو عليه من جهل.. مثل وجود حديد بلا حداد أو خشب بلا نجار دلالة علي ضعف الصنعة وقلة الخبرة وصعوبة المهمة علي أصحابها.. وجود جهلآء مسألة ليست في مصلحة العلماء.. ودليل علي أن دورهم ليس كافيا.. ومهمتهم ليست كاملة.. ورسالتهم ليست مقنعة.
وربما كانت الكلمة التي أثارت الكثير من الجدل حولها، هي كلمة البدعة.. إنها مثل فرس جامح يصعب السيطرة عليه.. وهي كلمة تفتح أبواب الجدل والشجار بين كثيرين، وتجعلهم في حالة نفور دائم.. فكل من أراد تحريم شئ وصفه بالبدعة.. دون أن نتوقف لتعريف البدعة.. إن تعريف البدعة هي إطلاق ما قيده الله ورسوله.. أو تقييد ما أطلقه الله ورسوله.. كل ما ينطبق عليه هذا التعريف نعتبره بدعة.. فنتجنبه ونرفضه.. ونستريح.
إن العبادات مقيدة لا يجوز إطلاقها.. مثلا.. والصدقة مطلقة لا يجوز تقييدها.. مثلا هذه هي نتيجة القاعدة التي نقيس عليها فننجو من تهمة البدعة..
إن إعادة النظر في مثل هذه الأمور أصبحت مسألة حياة أو موت.. مسألة دخول لعصر يرفضنا.. أو خروج منه إلي الشتات والتيه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أدب المؤمن .. مع الله

علامة المؤمن العارف العابد الزاهد الواصل السايح فى ملكوت الله أن يكون فارغاً من الدنيا والآخره عليه أن يضرب الدنيا فى وجه عشاقها ويسلم الآخره إلى أربابها .
عليه ألا ينتظر على ما يفعل دخول الجنه أوالفرار من النار . عليه أن يحرم قلبه من كل حب إلا حب مولاه . ولو نظر إلى نفسه لشعر بالإفتقار ولو نظر إلى ربه لشعر بالإفتخار
لا إعتراض على مشيئة الله مهما بدت مؤلمه ومباغته وغير متوقعه حتى لو دخل أشد الناس كفراً ومعصيه الجنه بشفاعة أوغير شفاعه - أبولهب – مثلاً. فلا مجال لكلمة ظلم مع الله فكلمة ظلم لا يستعملها إلا من له حق . فإذا إنتفى الحق إنتفى الظلم . ولأنه لا حقوق لنا على الله " وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً " (الكهف:49) .
فأساساً ليس هناك مجال لحق حتى يترتب عليه ظلم . وعلى ذلك لو دخل عصاه الجنه فإن المطيعين لا يظلمون " وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "(النور: من الآية35 ويقول سبحانه وتعالى أيضاً : " إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ"
(البقرة:26 ) فلو أن ثلاثه جاءوا إلى رجل غنى يسألونه صدقه فأعطى الأول مبلغاً كبيراً وأعطى الثانى مبلغاً أقل ورفض إعطاء الثالث شيئاً . هل ظلم الثانى بالقله وظلم الثالث بالحرمان ؟ لم يظلم الثانى ولا الثالث لأنه ليس لهما حق أصلاً . وقد يكون الأول الذى أخذ الكثير أكثر تطاولاً على الرجل الغنى وأقل الثلاثه تقوى والرجل الغنى يعرف ذلك كله ورغم ذلك ليس لنا أن نحاسبه على ما منح .
يقول الله لعباده " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (الشورى:40) ومن عفا هو من تخلق بأخلاق الله , العفو , الصفح , المغفره , الرحمه . فهل من المعقول أن يأمر الله عباده بخلق ليس فيه ولا يرضاه ؟ هل من المعقول أن يأمرنا بالعفو والصلح ولا يكون ذلك من خصاله ؟ إن التجاوز عن أخطاء البشر شأن إلهى والله سبحانه وتعالى هو ( الصبور ) أى لا يستفزه عصيان خلقه فيمنع عطاؤه . فكم من أمة كفرت بالله وأنعم عليها . وكم من قوم جعلوا مع الله أنداداً وأمهلهم بحلمه وعلمه وقدرته المطلقه فرصاً أخرى . وكم من جماعه تطاولوا على عزته وجلاله ولكنه سبحانه وتعالى لم يخسف بهم الأرض . على أن هناك أمماً وجماعات أخرى خسف بهم الأرض . هذا شأنه لكنه على المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله ولا يلتفت إلى القيل والقال ويفتح قلبه للتسامح والرحمه وينقى ضميره من الغل والإنتقام . إن القسوه التى حملها الإنسان فى داخله هى أشواك تدميه قبل أن تدمى من سيلقى بها عليه لكن أغلب الناس لا يعلمون . أغلب الناس يركبون عنادهم وجهلهم ولايفيقون إلا بعد أن يسقطوا على الأرض وتنكسر رقابهم .
والقيل والقال نوع من الأسلحه الفاسده التى تنفجر فى وجه من يطلقها . فالكلمه السيئه تعود إليه بكتيبه من كلمات السوء . لكنها طبيعة البشر . فلو صاحب إنسان جبريل ما سلم من القيل والقال . بل إن الله سبحانه وتعالى لم يسلم من تلك الخصله البشريه .
قيل أن له إبناً وصاحبة زوراً وبهتاناً . فإذا كان هذا قولهم فى الله خالقهم . فماذا لو قيل عنا بعض مما قيل فيه سبحانه وتعالى ؟ ؟ ؟
إن الواجب أن يتأدب المؤمن مع الله ولا يتدخل فى الشئون الإلهيه وإن يخلى بين الله وعباده . فيرفع الله من يشاء ويخفض من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويرحم من يشاء ويشفع لمن يشاء ويقبل شفاعة من يشاء ويرفض شفاعة من يشاء فيمن يشاء . إنه على كل شىء قدير .
إن الإنسان وهومخلوق ضعيف وهش ومحدود القدره والطاقه والإراده لا يقبل أن يتدخل أحد فى شئونه الخاصه ولو كانت بينه وبين خادمه أوبينه وبين أبنه فكيف يتجراً أن يتدخل بين الله وعباده ويعترض مستغلاً إن الله حليم والحلم يغرى بالجهل . أومستغلاً إن الله كريم والكرم يغرى بالتجاوز .
ويبدو إن كرم الله وحلمه أغرى بعض العلماء الأفاضل بالإعتراض على الشفاعه وهو أمر مثير للدهشه بدوا وكأنهم يعلمون الله أصول الدين .
لكنه سبحانه وتعالى يقول "قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الحجرات:16) .
بل إن الشفاعه لا تنفع فى الآخره فقط وإنما تنفع فى الدنيا أيضاً فصلة الرحم تشفع فى إطالة العمر والصدقه تشفع فى تداوى المريض والزكاه تشفع فى تحسين المال . والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه . هذه كذلك شفاعه . وربما تشفع لنا من سبق وتشفعنا له , فقد تشفع سيدنا موسى لسيدنا هارون ليكون رسولاً ثم إستشفع به فى قوله تعالى " قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وأشركه فى أمرى) .
(طـه من 25 : 31) وإستجاب الله لسيدنا موسى فى قوله تعالى :" قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (القصص:35)
وقدرة الله تعالى على العفو كقدرته على العقاب بل قدرة الله على العفو دليل قدره أشد . فالعفو عند المقدره النسبيه للبشر فضيله فما بالنا بالعفو عند المقدره الإلهيه المطلقه . والمقدره النسبيه فرق بين قوتين . والمقدره المطلقه فرق بين منتهى القوه واللا قوه فرق بين اللانهايه والصفر .
ولنا أن نتساءل : هل هناك إلزام على الله بالإستجابه للشافعين ؟ هل نتكل على أن الأنبياء والأولياء والصالحين والأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ سيشفعون لنا ؟ ؟ ؟
ما حدود ذلك وغير ذلك إذن الله . وإذنه سبحانه وتعالى شأن من شئونه الخاصه تحكمهُ فيه مطلق وغيب . لذلك فإن الجانب الأكثر أمناً للمؤمن هو فى قوله تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " (الأحزاب: من الآية 366) وأمر الشفاعه مما يقضيه الله بإرادته .
ولنا أن نتساءل أيضاً : هل الأمل فى الشفاعة يعيب المؤمن ؟ هل هو نقص إيمان ؟ والإجابه : إنه من تمام الإيمان . . الإيمان أن يكون أمل المؤمن فى رحمة الله وليس فى عمله . يقول سبحانه وتعالى : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "(غافر: من الآية60) والإستجابه هنا مطلقه لكن لا يجب أن يتوقف عمل المؤمن عند حدود وفى الوقت نفسه لا يستكثر على شىء فإذا دعوناه فكما أمر وإن إستجاب فكما وعد . غير ملزم بذلك فقد جاز سبحانه وتعالى أن يعذب من أطاعه وأن يثيب من عصاه ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل ونحن نُسأل . فالمؤمنون المتوكلون هم الذين يتخذون الأسباب ويطلبون الشفاعه ثم يتقبلون النتائج مهما كانت يقول سبحانه وتعالى : " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" (النساء:17)
فعلى من تطاول وتعدى حدوده وأنكر أنعم الله عليه أن يتوب وألا يكون من الذين يصرون على الإثم وهم يعلمون .
ولا حول ولا قوة إلا بالله

مولد سيد شباب أهل الجنه

كانت كل مظاهر الخير تعم المكان . . مكان الإحتفال بمولد سيدنا الحسين . . موائد طعام . . حلقات ذكر . . بشر يمدون جسوراً متبادله من الموده والرحمه . . وفى وسط تلك المظاهره المتفجره بالمغفره والصوفيه خرج من يفتى بغير علم . . وينكد على زوار وضيوف حفيد رسول الله . . ويحرم الإحتفال به . . ويعتبره شركاً و كفراً بالله . . إستغفر الله .
إن المولد يعنى إحتفالا بمولود . . والإحتفال بمولود هو إقرار بأنه بشر . . وليس إلهاً . . لو كنا نعتقد أنه إلهاً لنفينا عنه أنه وُلدَ . . فالإله لا يلد ولا يولد . . ومن ثم فإن الإحتفال بمولد سيدنا الحسين لا يعد شركاً ولا كفراً إلا فى عقول لا تريد أن تتفتح على نور الله . . ولا تريد أن ترتوى منه .
ونحن لا نحتفل بمولد سيدنا الحسين لنفسه . . وإنما نحن نستفيد منه . . " إن فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا إليها عسى أن تصيب أحدكم رحمه لا يشقى بعدها أبداً " . . لقد إستفدنا من إلإحتفال بمولد النبى عليه الصلاه و السلام . . إحتفلنا بخروجنا من الظلمات إلى النور . . و من الشرك إلى الإيمان . . نحتفل بالنعم التى أنعم الله بها علينا منذ مولده .
بل أبسط من ذلك . . إننا نحتفل بالمولود البشرى العادى جداً . . بالخير الذى يأتى معه . . العقيقه . . وهى ذبح خروفين فى حالة المولود الذكر . . و ذبح خروف واحد فى حالة المولود الأنثى . . وهو فى الحالين ذبح لله . . يستفيد منه أهل الله . . وليس شركاً ولا كفراً بالله . . كما يصر بعض من بلانا الله بهم . . الذين يريدون أن يوقفوا كل شىء فى الدنيا بتفسيراتهم الضعيفه الضيقه .
ولوسألت واحداً منهم لماذا تفتى بغير علم سارع بالقول : إن الأمر شورى بين المسلمين . . ويدلل على ذلك بأن النبى صلى الله عليه و سلّم غير موقع المعركه فى
بدر بإقتراح من مسلم يقاتل معه . . وهو قول حق يراد به باطل و جهل . . فالذى سمع النبى كلامه مقاتل محترف . . وليس بائع خضار . . ومن ثم فإن للشورى دوائر ومستويات . . فلو كانت هناك حالة مخ وأعصاب حرجه فإننا نلجأ إلى الأطباء . . هذه هى دائرة الإختيار . . ولابد أن يكون هؤلاء الأطباء متخصصين فى المخ والأعصاب على أعلى مستوى . . هذا هو مستوى الإختيار . . إن هؤلاء هم أهل الذكر . . أهل العلم . . أهل الخبره . . أهل الشورى فى هذا التخصص . . ولكل تخصص من تخصصات الحياه أهله . . وخبراؤه . . وعلى هؤلاء أن يقواوا خيراً أو ليصمتوا .
ونحن نحتفل بمولد سيدنا الحسين كما نحتفل بوفاته . . نحتفل باللحظه التى لقى فيها ربه . واللحظه التى يرضى فيها الله عنه . . ومره أخرى نحتفل بوفاته لأنه ليس إلهاً . . فهو مخلوق . . يولد ويموت . . وفى الإحتفال بالميلاد نحتفل بالخير الذى جاء إلينا معه . . وفى الإحتفال بالوفاه نحتفل بالخير الذى يناله وهو يلقى الله فرحاً مشتبشراً . . قانعاً . . راضياً .
وفى يوم عاشوراء . . يوم إستشهاد سيدنا الحسين . . نحتفل بأنه لقى ربه فى أشرف ميته . . ميتة الشهاده . . ولو خير سيدنا الحسين أن يعيش أطول أويلقى ربه شهيداً لما تردد فى إختيار ما جرى له . . لقد أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه . . وهو ما يفرحنا . . ويجعلنا نرفض شق الهدوم ولطم الخدود عليه .
لقد فرح المسلمون بكل مرحله من مراحل سيدنا الحسين . . الميلاد . . الحياه . . و الأستشهاد . . وقد كان وهو على قيد الحياه يدير أمور المسلمين . . ويختلى بنفسه فى رحاب الله . . وحدث أن وجد أخوه سيدنا الحسن جمعاً من الناس حول بيته و هو فى خلوته . . فأرسل إليه ورقه قال له فيها : " إحتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوها فتعود نقماً " . . فقرر سيدنا الحسين الخروج من خلوته و أقسم ألا يعود إليها مفضلاً قضاء حوائج الناس على متعته فى خلوته مع الله . " سلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً " .
و " ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوة الجاهليه " .
وفى كل الأحوال لا بد من القبول بما قسم الله . . إنا لله وإنا إليه راجعون . . و علينا أن نفرح بقضاء الله . . وهى أعلى درجه . . أقل منها أن نرضى بقضائه . . أقل منها أن نصبر على قضائه . . ساعتها سنرضى عن الله كما يرضى الله عنا .
وجد أبو بكر الصديق رضى الله عنه رجلاً فسأله : هل رضيت عن الله حتى يرضى عنك ؟ . . فقال الرجل كيف أرضى عن الله وهو القوى وأنا الضعيف وهو الغنى و أنا الفقير . . . . . فقال أبو بكر : إن فرحت بالنقمه كما تفرح بالنعمه فقد رضيت عن الله . . وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم " ورضوا عنه " .
فلماذا يبكى البعض على سيدنا الحسين ؟ . . نحن نعرف أنه سيموت . . فلماذا البكاء ؟ . . علينا أن نفرح بما حدث له حتى فى لحظاته الأخيره . . فقد لقى الله و هو راض عنه . . وكان يشعر بالفرحه . . وعلينا أن نفرح بفرحه . . لماذا نبكى ؟ . . هل نبكى معتقدين أنه ما كان يجب أن يموت . . إن كل مولود يجب أن يموت . . هل نبكى على الأسلوب الذى مات به ؟ . . نعم هو أسلوب سىء . . ولكنه فى النهايه شهاده . . و لوخير بينها وبين الموت الطبيعى لإختارها .
لقد تمنى خالد بن الوليد ميته مثلها . . قال وهو على فراش الموت : لم يبقى فى جسمى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنه برمح أورميه بسهم وها أنا ذا أموت على فراشى كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء . . إنه مثل كل مؤمن كان يتمنى الشهاده . . أحسن خاتمه . . وهى تَجُبّ ما قبلها . . ولا شىء بعدها .
لقد منحها الله تكرماً لسيدنا أبو بكر الصديق الذى مات بلدغة ثعبان . . ففى يوم الهجره من مكه إلى المدينه دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم الغار وكان يرتدى جلبابين . . وراح يمزقهما كى يسد ما فى الغار من شقوق . . حتى أصبح هناك شق لا يجد قماشاً يسده . . فسده برجله . . بينما النبى ينام على حجره . . وكان فى الشق ثعبان أراد أن يرى الرسول ومنعته رجل أبى بكر فلدغه لدغه خفيفه لعله يسحبها . . وتحمل أبو بكر الألم حتى لا يوقظ النبى . . لكن دمعه فرت من عينه . . سقطت على خد النبى . . فاستيقظ قائلاً : مايبكيك يا أبا بكر ؟ فروى له ما حدث . . فسأل النبى الثعبان : ألا تعلم من أنا ؟ . . قال الثعبان : مصيبتى أننى أعلم ؟ . . و سأله : ألا تعلم من هذا ؟ . . أجاب : أعلم أنه صاحبك يا رسول الله . . وقد أردت أن أراك لكن أخيك منعنى عنك . . فمسح النبى بريقه الشريف عضة الثعبان فبرأ أبو بكر منها . . وعندما حانت لحظة الوفاه أراد الله أن يكرمه فأطلق سم الثعبان فى جسده مره أخرى لينال الشهاده .
ونال سيدنا عمر بن الخطاب الشهاده بموته مقتولاً على يد أبى لؤلؤه المجوسى . . و كذلك سيدنا على بن أبى طالب الذى قتله عبد الرحمن بن مرجوم . . وسيدنا عثمان بن عفان . . وسيدنا الحسن . . شقيق سيدنا الحسين . . كلهم أحبوا السهاده فمنحها الله لهم . . و لا حول و لا قوة إلا بالله .

كلاً يغني على ليلاه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآل بيته ومن ولاه .. وبعد يحكى ان رجلاً لا يسمع وأمرأته لا تسمع وأبنته أيضاً لا تسمع ولكن هذا لا يمنع أن لكل منهم ما يشغل باله فإذا كلمت أحد بكلام لم يسمعه ولم يفهمه فإنه يحيل هذا الكلام إلى الأمر الذى يشغله .
وذات مرة كان الرجل في حقله يحرث الأرض بمحراث البقر فمر عليه رجل يعرفه وقال له السلام عليكم يا فلان .. طبعا لم يسمع .. وأنتهى الأمر وفي منتصف النهار أحضرت إليه زوجته وجبة الغذاء كما هي العادة عند الفلاحين فقال لها زوجها أن فلاناً مر على منذ فترة وكان يلومني على أن الأرض بها وحل ولا يجوز حرثها فقلت له المهم أني حرثتها فقالت زوجته والله لا ذنب لي في هذا فأبنتك هي التي ضبخت وكثرة الملح في الطعام مسئوليتها ثم عادت الزوجة إلى البيت قالت لابنتها أن أباك يشكو كثرة الملح في الطعام فقالت البنت يا أماه لا يهم فإن غنياً أو فقيراً سأتزوجه والسلام فالرجل منشغل بحرثه والبنت منشغلة بالزوج والأم بينهما لها ما يشغلها وكلاَ يغني على ليلاه .
والسوق يمدحه رابحه .. والحاجة تدعوا إلى التؤيل والظن لا يغنى من الحق شئ .
عزيزى القارئ ألا ترى في القصة هذه القصة السخيفه أنها أشارة إلى التخبط الذي نعيش والشكاوى التي لا أصل لها إلا عند صاحبها وكلاً يحلم بما يتمنى وقد يكون أو يكون ما يتمناه قالت أم بنى هاشم أى أم هاشم التي هي السيدة زينب رضى الله عنها .

سـهرت أعيناً ونامت عيون لأمور تكون أولا تـــكون
أن رباً كفاك ما كان بالأمس سوف يكفيك في غداً ما يكون
فإدراً الهم ما أســـتطعت فحملانك الهموم جـــنون

ولا حول ولا قوة إلا بالله

العلم. . العولمة . . العلمانية
( قل أتعلمون الله بدينكم )

بفرحة المريد إذا التقى بمن يريد التقيت بسماحة الإمام أما وقد تفضل سماحته برد السلام . . فقد وجب على مثلى أن يبادر بالسؤال وإن يقصد في الكلام .
قلت : يا مولانا لقد أختلط علينا في هذه الأيام كثير من الفتاوى في الأحكام حتى وصلنا إلى وضع التيه بين كل متحدث والذي يليه والكل يجزم أن الحق كل الحق في أي كلام يخرج من فيه وما أريد أن أطرحه على سماحتكم هو السؤال عن العولمة والعلمانية .
قال السيد : يا ولدى العولمة هي سلوك أونمط إقتصادى مؤداه إتاحة الفرصة للسلعة المتميزة أن تسود على غيرها من السلع الرديئة دونما تدخل من قريب أوبعيد لدعم السلعة الرديئة بحجة أنها محليه وهو أسلوب لو صح ظني يجعل البقاء والنماء للأصلح ويجعل البوار والفناء للأقل صلاحية أو السىء من السلع وكل من أحسن صنعاً أولى بأن يجنى نتيجة إحسانه وإتقانه وتميزه أما من أساء فعليه تبعة أساءته وتكافؤ الفرص أمر يحبه الإسلام ويحض عليه ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ) وقوله تعالى : ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وخير الناس أنفعهم للناس هذا عن العولمة التي تجعل المقياس عالمياً .
أما ما يقولون عنه أنه العلمانية فهذا شيء آخر إنها كلمات حق أريد بها باطل ذلك لأن العلمانية تعنى أن العلم الإنساني هو الذي يسود بغض النظر عن النصوص الإلهية أو النبوية والحاكم هو العقل والمنطق وهذان الميزتان يختلفان حسب البيئة والظروف والمستويات المتفاوتة والطوائف والقبائل بعاداتها وتقاليدها التي تتوازى حيناً وتتقاطع أحياناً والعكس صحيح .
قلت : يا مولاي لقد أصبحت أنا في التيه وضاع منى التركيز في خضم العبارات الكبيرة
قال الشيخ : إن العلمانية ببساطه هي مخالفة النص وإتباع الهوى مع أن الله يقول : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع هواه وكان أمره فرطاً ) .
قلت : بمعنى ؟
قال الإمام : بمعنى أن العلماني يقول مثلاً إن توزيع التركات غير منطقي فلماذا يقسم الميراث على أساس ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ولماذا لا يكون بالتساوي وأين العدالة الإجتماعيه ؟ .
وقد يقول : لماذا يتزوج الرجل المسلم بأكثر من إمرأه واحده عند الضرورة ولماذا تحرم المرأة من هذا الحق ولا يكون من حقها الزواج بأكثر من رجل عند الضرورة أيضاً ومن وجهة نظره أن هذا الأمر يتنافى مع العدالة الإجتماعيه وحقوق الإنسان على اعتبار أن المرأة فقط هى الإنسان ؟ ! !
وقد يقول قائلهم لماذا تكون العصمة فى يد الرجل وعلى نيته وقوله هو يتوقف أمر الطلاق ؟
وعلى حد قوله يقول أن الشراكة الزوجية من طرفين والطرف الأكثر تحملاً في هذه الشراكة هو جانب المرأة من آلام فى الحمل والإرضاع والتربية لكل هذا هو يرى أن حق الطلاق لابد أن يكون للمرأة دون الرجل ثم يسأل سائلهم يقول لماذا يتسمى الولد باسم أبيه وليس باسم أمه فنقول له هذا هو الشأن الإلهي فكل الأنبياء ذكروا بآبائهم فيقول فيقول : إن عيسى عليه السلام ذكر بأمه . فإذا قيل له أن الله تعالى يقول : ( أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) يقول ما علينا من النص أوغيره فكل الأمور قابله للمناقشة والأخذ منها والرد عليها وهذه حياتنا ولنا أن نعيش فيها ونحن أعلم بأمور ديننا وهكذا يا بني نجد أن العلمانية هي إتباع للهوى وقد ضرب لنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المثل الأعلى عندما وقف أمام الحجر الأسود عند الكعبة المشرفة وقال : " أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك " . . . هل فهمت ؟
قلت : قطعاً لا .
قال السيد : عندما قال سيدنا عمر " أعلم أنك حجر " كان يشير إلى قول العلمانيين الذين لا يهتمون كثيراً باحترام النصوص المقدسة ثم إنه عندما قال : " ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك " كأنه يقصد الرد على أهل الهوى وأهل الزيغ وعدم الالتزام بالنص فقال بعد ذلك " ما قبلتك " ومعناها أنه رضي الله عنه تخلى عن علمه بأن الحجر لايضر ولا ينفع ولجأ إلى تغليب النص على العلم لأنه إن كان ذاعلم فإن فوق كل ذى علم عليم وإنى أقصد أن سيدنا عمر كان يقول للناس : أيها الناس إن بلغكم عن رسول الله ما صح نسبه إليه عليه السلام فلا يمنعكم جهلكم بالحكمة عن أداء الأمر لأن الله لم يعط علمه كاملاً لأحد فكل الخلق فوق بعضهم البعض فى العلم والله تعالى أعلى وأعلم .
وبعبارة أخرى لعل أمير المؤمنين كان يريد أن يقول أنى رأيت رسول الله يقبل هذا الحجر وهذا مبلغ علمي ولذلك فقد قبلته مكتفياً بالامتثال للأمر الأدائي لرسول الله .
أما من ناحية علمي فليس عندي من العلم ما يوجب أويحبب إلى تقبيله . ولو أتبعنا أهوائهم عما جاءنا من الحق فلن نفلح أبداً .
قلت : من هم يا مولانا فضحك الشيخ هذه المرة لأنه علم إنى أمزح وقال : العلمانيين طبعاً وإني أقول لهم ( أأنتم أعلم أم الله ) .
قلت : الآن فهمتهم ويصح لى بناء على ذلك أن أقول ( كبرت كلمه تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) .
عزيزي : أما وقد إستجليت من مولانا الحقيقة ووقفت منها على الرقيقة والدقيقة فادع الله معي لسيدنا بالصحة والعافية وطول العمر .
والسلام عليكم
وعليكم السلام
مريد

النخلة العذراء
" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً "

بفرحة العذراء بالفصيح المسمى بالسيد المسيح والبشارات التي توالت مبتدأها القول ألا تحزني أوتقولي بعدها ياليتنى .
التقيت بسماحة الإمام وكان سعيداً بالصيام عائداً لتوه من صلاة العشاء والقيام والأحباب يومئذ كثيرون يسألون سماحته ويتساءلون ويستمعون ويعجبون نعم أقول يعجبون حيث لم يكن مستطاعاً أن أوجه إلى سماحة السيد أي سؤال خاص بالحوار أوالمقال فاكتفيت بالتقاط العجائب من كلامه واقتناص الغرائب في مقامه ومن أعجب وأغرب ما سمعته في تلك الجلسة الممدودة كالعادات المعهودة أن رجلاً من الحاضرين ألقى على مسامع مولانا سؤالاً عجباً حيث قال الرجل : يا مولانا أفسح صدرك لي فإن عندي سؤالاً أراه غريباً قال الشيخ : هات .
قال : ما هي العلاقة بين مريم عليها السلام وجذع النخلة ؟
ولماذا النخلة المعرفة بالألف واللام مرتان وما وجه التشابه بينهما ؟
فقال الحاضرون: إنا نرى هذا السؤال غريباً.
قال السيد : إنكم ترونه غريباً وأراه مصيباً فاستمعوا بقلوبكم وأنصتوا بآذانكم لعلكم ترحمون ثم قال الشيخ : أولاً أنظر إلى سرعة تسلسل الأحداث في هذه الواقعة ولا أقول القصة لأن القصة تقبل الإضافة والحذف إلا أحسن القصص أما هذه فواقعه والواقعة حقيقية إذا وقعت فليس لوقعتها كاذبة خافضه لمن كذبها رافعه للمصدقين بها . . انتبهوا . . اسمعوا . . يقول الله تعالى: " فحملته. . فانتبذت . . فجاءها . . قالت . . فناداها من تحتها أي المولود فالفاء تفيد السرعة والتعاقب مما يقلل من الفواصل المكانية و الزمانيه .
أما عندما قالت العذراء ( يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) بعدها مباشرة استخدمت الفاء دلاله على السرعة الزمانيه " فناداها " الفصيح المسيح من تحتها يأمرها وينصحها قال : لا تحزني فإني مصدر تأييد وتزكيه لك ولست مصدر إيلام واتهام ( قد جعل ربك تحتك سريا ) يسرى عنك أي جاءك بالمسرة وليس بالمضرة ثم قال لها : أنظري إلى النخلة التي تعرفينها وليست عليك بغريبة هذه النخلة أنت تعرفينها جيداً وهذا واضح في قوله تعالى ( جذع النخلة ) ولم يقل جذع نخله مما يدل على أنها النخلة المعروفة لدى مريم . . ثم ماذا قال لها أنظري . . أليها إنها جذع أي فارغة من البلح ناهيك عن الرطب فلم يقربها أحد. . ولم يمسسها بشر بالتلقيح أي أنها عذراء لم تمس مساس الإخصاب هذا أولاً , أما ثانياً : ليس هذا الوقت وقت طرح النخيل لذلك لا يوجد فئ الجو آثار من طلع الذكورة وأنت يا مريم من عبيد الله فإذا أردت من النخلة ألمعروفه لديك وهى فارغة الآن إذا أردت منها رطباً جنياً بدون تذكير أوتلقيح لأنوثتها كما هو معتاد فإنها تساقط عليك رطباً جنياً وقوله تساقط خلاف تُسقطِ لأن معناها إنك تبسطين يدك فتساقط النخلة رطبه واحده تأكلينها ثم تبسطين يدك مره أخرى فتسقط الرطبة الثانية في يدك وليس على الأرض وكأنها تعطيك في يدك ما تريدين عندما تريدين بالقدر الذي تريدين وأنت يا مريم مثل هذه النخلة التي أعطت رطباً جنياً في غير أوانه وبغير منطقياته فما رأيك يا مريم إذا أراد الله لك أن يكون لك ولد بغير تلقيح أومساس ذكوري فأنا ولدك كما أن الرطب ولد النخلة ثم إن العلاقة بين مريم والنخلة هي مقام العمة لمريم فالعمة أخت الأب والنخلة بقية طينة آدم أبى البشر بما فيهم مريم لذلك فهي نبت خُلق من طين ومريم نبت خُلق من طين ( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً ) ولذلك فلا تستغربي يا مريم شيئاً أجراه الله على يدك وقد قمت بفعل شيء مثله بيدك ( وهزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطباً جنياً ) أي كامل الأطوار غير ناقص فئ خلق ولا في خُلق ويتكلم وينهى ويطمئن ولذلك فقد ولد سيدنا عيسى عليه السلام رسولاً نبياً دون انتظار للسن التي يكون فيها النبوة غالباً وهى سن الأربعين ففي لحظة ولادته قال ( إني عبد الله آتاني الكتاب ( أي رسول ) وجعلني نبياً . .
. . الآية ) . وذلك بعد أن علمت أمه بنصيحته ولم تكلم إنسياً وأما الحكمة في قوله تعالى ( فأشارت إليه ) فهي أن السيدة مريم عليها السلام نذرت ألا تكلم إنسياً فى يومها ولو أنها عندما لامها قومها نطقت بكلمه واحده موجهه كلامها إلى سيدنا عيسى كأن تقول له أخبرهم يا ولدى مثلاً كان معنى ذلك أن هذا الذي تحمله ليس إنسياً ولكنها أرادت أن تؤكد لهم إنسيته الخالصة وبشريته الكاملة فأشارت إليه كما تشير إلى أي إنسي .
ثم أنتبه الشيخ وقال بروحه السمحة المعروفة: هل فهم أحد شيئاً ؟ فقال الحاضرون جميعاً: نعم فنظر سماحته إلى وقال: حتى أنت فهمت ؟ قلت : الله أعلم .
فقال السيد : إذا قرأت الموضوع أكثر من مره فلعلك تفهم .
قلت: يا مولانا أنا في متعة الشارب المتذوق الذي لا يستطيع التعبير ولا حرمنا الله منكم
والسلام عليكم
وعليكم السلام
مريــــد


شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا