.. رويدأً..
رويداً..
أدركتُ ببطئٍ شديد..دون فهم عميق لـ مسألة ارتباط
„ رفيقي “ بالبحر.. بدءً مِن ميدان محطة الترام
المتجه إلى الرمل.. وبجوارهحديقة الخالدين.. وأمام
جامع القائد إبراهيم.. والجميع يطلون على الميناء
الشرقي.. وخاصةًمن نقطة ابتداء تسجيل حبه..
منطلقاًمِن إطلالةِ زعيمِ الأمة :„سعد باشا
زغلول“تجاه البُحِيرة البيضاء المتوسطية.. موجهاً
بصرَه نحو القارة الأوروبية.. جنوب إيطاليا..
كمحطة أولى لسفن تَعبر تلك البُحيرة الناصعة
البياض..أو المحطة التالية لتلك السفن.. موانئ
جنوب فرنسا..
فـ مِن عند إطلالةِ„ زعيم الأمة“على الميناء
الشرقي.. بدأتْ قصة حب„رفقي“بـ
„نَفِيسَتِهِ“..الفتاة الأولى في حياته.. وكأن هذا
الحوض الصغير من البُحيرة البيضاءالناصعة
المتوسطية كان„المَحْبَرة“.. والتي منها
استمد„رفيقي“أحباره الملونة التي زينت كراستيه كـ
لغةِ نَفْسِهِ الهائمة في أول قصة حب حقيقية له..
وكأن مياه البحيرة ناصعة البياض هي المداد الذي
كتب به رسائله- الأولى.. تقديراً مني : في حياته
الغرامية- لـ „نَفِيسَتِهِ“والتي ستظل بالفعل هي
الفتاة النَفِيسة الوحيدة..اليتيمة.. لـ
ندرتها..والتي ستكون فيما بعد الفتاة المثالية
التي لا مثيل لها في حياته المستقبلية وطوال
عمره.. كمنوذج حب عذري.. لم يلمس منها سوى أطراف
اصابعها الرقيقة.. ورقائق أناملها الرفيعة..
بيد أنَّ وصفه هذا يتعارض مع أنها كانت فتاة
ممتلئة البُنية.. متينة البدن.. على اعتبار أن
أباها بالفعل كان جزارا وبتتغذى يوميا لحوم مختلفة
من الضأن للبتلو للعجالي والبقر مرورا بخرفان
المجزرة سواء الخروف البلدي : أبو لية أو السوداني
فالصومالي..
فـ„رفيقي“ظن أنه حين ألقى دفتريه في البحر..ولم
يكتملا بعد كتابةً.. وحبَّرَ كراستيه بمداد حبر
أزرق.. انه -بــ كله- قد امتزج بالبُحيرة البيضاء
المتوسطية إلى الأبد.. وصارت هي جزءً منه.. أو
تواضعاً منه -كما بلغني لاحقاً- صار هو جزءأً
منها.. وأن مشاعره الراقية تجاه„نَفِيسَةِ
النَّوَارِ “غاصت في قاعها فـ قوَّت من أرضيتها
وجعلتها صلبة تقاوم الزلازل -وإن كانت هذه المنطقة
برمتها خالية من الزلازل المدمرة أو رداتها-
وخالية من تحركات القشرة الأرضية المفاجأة وسرعة
مع قوة الأمواج.. وأن عواطفه الصادقة في بداية
تكوينها تجاه„نَفِيسَتهِ “ذابت في مائها
النقيفاختلطت بلوراتها بحبيبات حبه الوليد.. وأن
حبه الوليد منذ اقل من ثلاثة أشهر ألتصق بحبات
ملحها.. فذابا -الحب وحبات الملح- معاً.. فصار ماء
البُحيرة المتوسطية على كافة شواطئ
„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“إلى شواطئ المغرب العربي..
وقليلا.. قليلاً سيصل إلى شواطئ الريفيرا
فاسبانيا.. وخاصةً الشاطئ ذو الرمال الذهبية :"
كالا أغولا ".. صار ماء البُحَيرة حلواً عذباً
فُراتاً يستسيغه الشاربون ويروي ظمأ مَن التهبت
قدماه فوق رمال شمال أفريقيا الحارة.. وبـ التالي
سوف تتأقلم عليه -لحلو مياهها- أسماكها.. والتي
يتعلم من ابناء „الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“فن العوم
واتقنت السباحة وكذا كائناتها الحيَّة..
ولا عجبَمِن هذا الخَبل.. فـ لعله مِن هؤلاء
الفِتية الذين قالوا ذات مرة بـ سذاجة الأطفال
الرضع مِن حليب هنري نستله المولود في فرانكفورت
حين خدع الأمهاتبـ استبدال الرضاعة الطبيعية
المفيدة بالصناعية التي فيها الكثير مِن اضرار على
الرُضع حديثي الولادة.. مما آثر على مستوى ودرجة
الذكاء الطبيعي..فـ جعل تلك الصبية يخترعون شعارا
زائفا كحليب الرضاعة الصناعي.. إذ يقولون وهم
يضحكون على أنفسهم أولاً قبل الآخرين..„آِحْنَا
إِلِّي علمنا السمك العوم“.. يفهم من هذا أن لولا
هؤلاء الصبية لـ غرقت أسماك البحار.. ونفقت حيتان
المحيطات وتعطل سمك القرش عن ممارسة هواياته في
الصيد.. وماتت الكائنات البحرية..
وهذا يلاحظ منه-„رفيقي“كثيراً.. أو مايسميه
البعض„شمخة أنف“مفتعلة.. ورفعت„جبهة“مصطنعة.. إذ
أنَّ به مسحة„ناصرية“.. فهو بحق ناصري الهوى
والمشرب والمنبع وحتى النخاع.. وإن لم يصرح بذلك
علناً.. فيُشتم مِن بين مخارج حروفه وتسمع من
تركيبة كلماته وتجد ذلك في نسيج جمله وكيفية منطق
كلامه.. تلاحظ أنه يقلل كثيراً من قيمة مَن جاء
بعد„الزعيم الخالد“ومَن اعتلى كرسي الرئاسة
بعد„ناصر العروبة“.. فــ أَطلقَ عليهالبعض أنه رجل
العلم والإيمان -وأظنه د. مصطفى محمود.. إثناء
تقديم برنامجه التلفزيوني : العلم والإيمان-ثم..
وينزل اسفل سافلين بنائبه الذي بقي حياً بعد حادثة
المنصة الشهيرة.. وهو..„رفيقي“قد غادر
„إِسْكَنْدَارِيَّتَه“في نهاية السبعينات من القرن
الماضي..ولم يتابع مايحدث على أرض هبة المِصريين
إلا قليلاً..
وأيضاً.. قليلاً.. قليلاً .. بدأتُ استوعب بفهم
عميق دون وعي صحيح لـ قضية ارتباط „ رفيقي “ -بعد
البحر-بالنهر.... بدءً بالقرب مِن نهايته واقتراب
الزائر الفضي مِن محطته الآخيرة ومصبه في
البُحَيرة البيضاء المتوسطية.. فقد
ارتبط„رفيقي“بـممر مائي فرعي مِن الرافد الفضي
والزائر الدائم وليس الموسمي : نهر„النيل“ارتبط من
خلال ممر فرعي مائي بـ طول يصل تقريباً إلى 70
كم.. يخترق محافظة البحِيرة ومدينة
„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“..
ولعل الطريف العجيب والغريب المزعج.. والذي قد لا
يعرفه „ رفيقي “ الناصري من أخْمَص قدمه: باطنها
الذي يتجافى عن الأرض علواً فلا يلامسها أو
يصيبها.. وأطراف أصابع قدميه إذا سار حافياً إلى
مفرق شعره أن محمد علي „Wālī der Provinz
Ägypten“أمر بحفر ترعة -ممر مائي- لـ تبدأ مِن
النيل قرب قرية بهبيت-وقتها- لـ تصل مياه النيل
إلى„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“عبر البِحِيرة.. وأمرُ
والي الآستانة المعين هذا.. صدرَ في 8 مايو
1807م.. وكان هدف محمد علي باشا من ذلك أن تكون
-الترعة- ممرا مائيا بين
„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“وبين نهر النيل للمراكب
التجارية كي تصل البضائع إلى القاهرة.. هذه
هي..ترعة تمر بــ „الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“أطلق
عليها ترعة المحمودية.. وهذه التسمية لها تاريخ
وأحداث..
وقدأمرَمحمد علي„Kavalalı Mehmet Ali Paşa“كشافين
البِحِيرة بجمع الأنفار.. وتجهيز العمال.. وتوفير
البنائين.. واستحضار الحدادين.. وجلب المساحين..
وأعداد كثيرة من الفؤوس.. والغلقان.. والمقاطف..
والعراجين.. والسلب.. وكانوا يسيرون مع كاشف كل
منطقة بالطبل والمزامير.. وكان كل إقليم تمر به
الترعة له حصة من الأقصاب ليحفرها.. فإذا انتهى من
الحفر يساعد الإقليم المجاور..
ولعل ما لا يعلمه "رفيقي" أنه وأثناء الحفر ظهر
ببعض الأماكن مساكن مطمورة -قد تكون فرعونية(!)-..
وقيعان وحمامات معقودة وظروف بها وبداخلها قطع
نحاسكفرية قديمة وأخرى لم تفتح ولا يعلم عنها
شيئا.. وما قد يؤلم "رفيقي" حقاً وصدقاً أن ما
فيها رُفِعَت لـ محمد علي„عزيز مصر“.. بيد أنه في
أبريل 1819م -بعد عشر سنوات- عمَّ المنطقة طاعون..
فـ توقف الحفر..وعاد الجميع لبلادهم.. وكان كل من
يموت يدفن في مكانه لكثرة الموتى.. وفي يناير سنة
1820مفتحوا للترعة شرمًا -خليج- بــ
„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“على البحر..
ومما قد يزيد ألم "رفيقي" أنها سُمّيت ترعة ومدينة
المحمودية باسم السلطانمحمود الثاني سلطان
الآستانة..ومما قد يتلوى منه"رفيقي" ألما.. وقد
يصيبه مغصا كلوياً.. أنأيام محمد علي باشا:
العزيز-.. مِصر وقتها كانت ولاية عثمانية.. ولكي
أرضيه واخفف من عرق حبيبات جبينه اقول على مسمعه..
من حيث المسميات تتبع مِصر -وقتها- الخلافة
العثمانية..„Yüce Osmanlı Devleti“ ..„الدَّوْلَةُ
العَلِيَّةُ العُثمَانِيَّة“..
إذاً وجدت مدينة وترعة بمسمى السلطان العثماني
محمود الثاني..
وحين أخبرته -رفيقي- بتلك المعلومات الموثقة..
تصرف كما يتصرف غلمان مَن علموا السمك “العوم“
بمقابلة ذلك بإبتسامة بلهاء.. ثم نظر إلى عنان
السماء.. حابساً دموع الغيظ بين جفنتيه.. مفكرا
كيف يردبدهاء !.. ولم يأتِ بجواب..
استوعبتُ بـ فهم عميق دون وعي مستنير ارتباط „
رفيقي “ بالرافد الفضي وكأنه استشعر في قرار نفسه
ما كتبه د. إبراهيم ناجي..
سلامًا شبابَ النيل في ڪل موقفٍ * علىٰ الدهر يجني
المجدَ أو يجلبُ الفخرا
نهرٌ.. تنغم "رفيقي" بـ بيت من روائع أمير الشعراء
المِصري حين يقول :
وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ * مِـن
عَليـا الجنان جَـداوِلًا تَتَرَقـرَقُ
وفي مقابل كل ما كان يشدو به.. فقد كان
„رفيقي“ينتقل من مدينته
„الْإِسْكَنْدَارِيَّةِ“إلى البر الثاني.. بتلك
المعدية الخشبية المتهالكة.. والتي أظنُ أنها أيضا
من مخلفات حُقبة حكم والي الاستانة محمد علي..
المعدية الخشبية التي يربطها حبل سميك بين ضفتي
الترعة.. كانت تنقله مع أمه إلى البر الثاني حيث
تسكن عمة أمه„فَطمَنَه“وهي المسمى الدلع لـ
„فاطمة“في بيت ريفي متواضع بسيط للغاية.. كان
يُسعد ذلك كثيراً „رفيقي“عند زيارتها من حين إلى
آخر.. فوجوده هناك نقلة نوعية ظاهرة بين مدنية
مدينته وبين بساطة البر الثاني الريفي..فهي ليست
قرية مستقلة بذاتها.. ولكنها من ضواحي
„الْإِسْكَنْدَارِيَّة“.. ولعل اسم عمته لأمه
:„فَاِطمَةِ“وموقع منزلها الريفي يذكره بالأولىفي
مسبحة حريمه..„الزهراء فاطمة الأولى“..
بـ الكاد.. أدركتُ هذه العلاقة الوطيدة عند
„رفِيقيِ“ بين مجمع البحرين : بين المالح.. البحر
الأبيض المتوسط الرابط بين القارات ذات النشاط
الدائم منذ فجر التاريخ : القارة الأفريقية ..
والقارة الآسيوية .. والقارة الأوروبية.. والذي
حلى ماءه كراستان بخط يده.. وبين الحلو
الفضيالقادم من منبعه ومعدن أصله الرافد الفضي
والزائر الذي يحيي أرض مِصر.. وبين „ رفيقي
“..خاصةً بعد تجربته الحقيقية الأولى.. والتي
أنتهت قبل أن تزهر ورودها..وتينع ازهارها.. ومن
خلال "فأرة" المجاري تعطن أريجهذه التجربة قبل أن
يفوح طيب عبيق زهرها ويرتفع في سماء حبه عطر بندى
ورودها.. فذبلت قبل أن تخرج الورود والأزهار من
أكمامها..
.. هذا „الفتىٰ“ .. „رفِيقي“قد يحمل جمة متناقضات
كــ مَن يسكن قُطرٍ بأكمله.. شاءَمَن خلق الأرض
ودحاها أن يكون موضعه في سُرة العالم أجمع.. واراد
منشؤه ومبدعه أن يكون موقعه الجغرافي وسط القارات
: فـ مِصرُ.. قُطرٌ سكنه أغراب عن أهله الأصليين..
فاستطاعوا أن يحكموه.. ومرَّ بهذا القُطر.. فجاء
مِن كل صوب..وكأنهم من كل حدبٍينسلون.. غرباء عنه
من حيث الهوية والإنتماء واللغة والعرق والجنس..
فمكث بعضهم بجوار نهره الفضي فملكوا أرضه الخصبة..
أو استقر بعضهم على شواطئ بحيرته المتوسطية..
فصاروا من أهله وأصبحوا من ناسه..
ثم بعد ذلك يعجب المرء لـ مقولة:د. طه حسين في
كتابه:„مِصرُ ثقافيا وحضاريا.. هي دولة غربية بكل
ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة.. فالعالم ينقسم إلى
حضارتين لا ثالث لهما.. الأولى: تأخذ جذورها من
الحضارة المِصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون
الرومانى.. والثانية: تأتي من الهند“..ثم يؤكد
حسين فى كتابه الصادر عام 1938م أن أقرب حضارة لنا
هى أوروبا واليونان من حيث المخزون الثقافي..
ويركز على فكرة أن العقل المِصري مبني على الفكر
والثقافة الفرعونية-الأوروبية "اليونانية
الرومانية" وعليه فلا علاقة له بالشرق وإنما يتصل
اتصالا معرفيا بالغرب.
..ولعل هذه المقولة لعميد الأدب العربي تصطدم
مباشرة مع الفكر الناصري وبالطبع عند„
رفيقي“فيرفضها على الإطلاق دون مناقشة هادئة أو
حوار ساخن.. و„رفيقي“ اعترف أكثر من مرة أنه لم
يقرأ شيئا يُذكر لوزير المعارف.. سوى أن صدق في
قوله أنه رأي الرواية التي تحولت إلى فيلم ..
ولعله قصد „دعاء الكروان“..
فـ هل „رفيقي“ من حيث لا يدري طبق على نفسه ما
قاله العميد منذ 86 عاماً ونفذ حرفياً ما ذهب
سعادة وزير المعارف في اطروحته في كتابه مستقبل
الثقافة في مِصر!
.. لعل!
.. إذاً.. انتهت تجربةٌ.. بذلَ „ رفيقي “ خلال
عمرها القصير جداً مع „ نَفِيسَةِ النَّوَارِ“بذل
قصارى جهده في حُسن الكتابة بها وعنها وإليها
ولها.. وبذلَ كبيرَ سعيه ليستحوذ على قلبها..
وبذلَ عظيمَ مقدرته في التعبير عن صدق مشاعره
نحوها.. ليتملك فؤادها..وبـ رُقي ونبل عواطفه تجاه
„نَفِيسَةِ النَّوَارِ“.. كتب لها -وهذا اعتقاده
حتى هذه اللحظة-.. أنه كتب أروع قصائد حبه.. وإن
لم تكن كلمات قصائده شعراً.. وسطَّر أعظم أبيات
شوقه لها وإن لم تكن جمله نثرا مسجوعاً.. وأرقى
همسات الهوى وأحر جمرات الجوى وإن لم يذكر لي منها
حرفاً واحداً أو تفوه أمامي بـ كلمة مفردة أو أحسن
المقولة بـ جملة مفيدة.. تنم عن مقدرته البلاغية
في الكتابة..أوتخبر عن علو أحاسيسه في سرد
مشاعره.. وتنبئ عن عميق إحسان التعبير وصدق ما
بداخله.. ولكنه.. „ رفيقي “ كتبَ ما كتب.. فأغرقه
كله في بحيرته..
على كل حال.. فقد أثنى عليه كثيراً أستاذ اللغة
العربيةفي المرحلة الإعدادية وكان شيخاً من شيوخ
الأزهرالشريف.. الشيخ / إبراهيم..
و.. غالب يقيني أنه صادق فيما سطره لها..
أو هكذا أظنُ..
خاصةً.. وهو زمن هذه الأحداث كان مازال في منتصف
دور المراهقة.. وما يعتريتلك المرحلة العُمرية من
تقلب المزاج بين لحظة وآخرى دون سبب واضح..
والتغيير السريع في العواطف وإن كانت لحظتها
ملتهبة بين عشية وضحاها.. وإن لم يُبِنْ نيته..
والإنتقال المفاجئ غير المبرر في المشاعر الجامحة
بين بزوغ فجر وضحى نهار.. وأن كانت في بدايتها
صادقة لحدٍ ما..
.. لكنه.. „ رفيقي “.. سعىسعياً حثيثاً من خلال
تجربته هذه الأولى بشقيها الجميل..
الرائع..العذري..المثالي.. الفذ.. وأيضاً بالشق
السئ الفاحش الردئ المنكر في إثبات لـ نفسه
ذكوريته أمام „الفأرة الشرسة.. والقطة القذرة..
الفأرة المتوحشة.. بل الفأرة النجسة.. فأرة
المجاري.. خنزيرة متشردة تسكن في مجمع مقالب
الزبالة..وتقيم في منطقةتوافد أقذار القمامة..
واعتدت على التواجد بين ما يتجمع من أبْعار
الأبقار والماشية والدواجن.. وما يتبقى من فضلات
الأغنام والإبل.. ورَجيعِ ذَواتِ الخُفِّ وَذَواتِ
الظَّلْفِ..كـ خَضْرَاءِ الدِّمَنِ.. تلك التي
نبتت بين الأوحال الأسنة.. ودست أنفها بين الأوساخ
المتعفة وترعرعت بين الأعفان المتراكمة“.... هذا
أولاً..
وإثبات نبله وشهامته ورُقي أخلاقه وصدق مشاعره
أمام „ النوارة النفيسة “.. زهرة البستان.. ووردة
حدائق النعمان.. مهبطها جاء من سمو وعلو الجِنان..
ومرقدها بين الورود والأزهار وأغصان الفل وأعواد
النرجس والريحان.. والتي كست نفسها بــ سندسةٍ
منسوجة بالذهب.. لذا فهي لها بريق شديدالمعان يخطف
الأبصار ويشد إليها الأنظار.. فـ السندس يُلبس على
الجسد مباشرةً ويلامسهلرقته ونعومته ولطافته..
كذلك الحرير الأصلي البري..وإستبرق.. كساءٌ وكسوة
أهل الجنة.... وهذا من شِعَارِ الْمُلُوكِ..وملبس
الملكات فترتديه الأميرات..
تلك.. هي „نُوراِ“ التي ارتدت الديباج النفيس
كاسمها.. الناعمكملمسها.. الرقيق كمشاعرها..
الشفاف كروحها..فـ يغطي جميع بدنها.. فتظهر فقط
له..„ رفيقي “.. عيناها ذات البريق الآخاذ ولمعة
صدق العاشق المحب الولهان.. التي تمْلُك السحر
الخلاب والصوت الملآئكي العذب.. عذراء الفردوس
الأعلى.. وحورية من حوريات الجنَّة.. ثم يعلو فوق
هذا الثياب -سندس- ديباج غليظ تخين-الإستبرق- فهو
لا يشّف ولا يصف.. يتم لبسه فوق الثياب من
الخارج.. نطق.. فصدق القرآن الكريم حين يقول
:﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ
وَإِسْتَبْرَقٌ﴾.. وهذا: ثانياً..
وإثبات رجولته وإظهار فحولته أمام والده وأمام مَن
حوله من رفاقه.. وهذا : ثالثاً..
وإثبات استقلاليته أمام أمه..وقدرته على
مواجهتها.. وإن رفضت أمرا ما فصرحت على أذنيه بعدم
الفعل.. إلا ما ترغب هي فيه.. ونهرته بعدم الإقدام
على شئ إلا ما هي فيه تريد.. وهذا هو : رابعاً..
فـ „ رفيقي “ أراد أن يثبت لنفسه أولاً عدة قدرات
مجتمعة في تجربةٍ واحدةٍ!..
وأظن أنها تجربة كلفته الكثير الغالي
لحظتها..والكثير من الألم لما اصابه بعد تلك
اللحظة..
ثم يمكن القول أنها شكلت شخصيته الخاصة فيما بعد
مع الجنس الناعم ووبينت قدراته مع الصنف الرقيق..
فتوصل إلى محصلة بعد دفع التكاليف من عمره
وأعصابه.. مفادها :
- إما إن آحداهنَّ ملاك أبيض طاهر بأجنحة ترفرف
حوله وفوقه فــ تحميه ثمترفعه إلى سماء الطهارة..
وتسكنه بجوار نجوم العفة.. و
- إما شيطانة رجيمة من بنات إبليس اللعين.. تُلقيه
في قاع جهنم -وبئس المصير-بلا رحمة أو شفقة..
وخلود في نار الجهنام الموقدة.. أي الجحيمبعيدة
القرار والقعر يتجرع غسلين وقيح.. و
مِن خلالهما -الملاك الأبيض الطاهر.. أو..
الشيطانة الرجيمة الملعونة - يجمع خبراته
الشخصية.. إذ أنه قامبالعديد من المحاولات..وتحمل
المزيد من التكاليف وتكلف الكثير من مصاريف
التجارب الجمة الكثيرة في أو لـ بناء شخصيته
المستقبلية المستقلة تماماً عن أبيه.. ذي النمط
القضائي المعروف..والزي التقليدي لرجال المحاماة..
وكيفية نطقهم في الكلام وطريقة حديثهم.. و
أراد أن يكون لنفسه شخصية مستقلة عن رجال أسرتهأو
رجال عائلتهفلا يسعى للتشبه بهمأوبآحدهم أو يرجو
حتى ذلك..أو رجال يسكنون في حارته أو مدرس من فئة
خاصة في مدرسته أو رجل مرموق في مجتمعه أو رجال
عظام قد يتقمص شخصيتهم من خلال أصحاب المقالات
الصحفية.. أو رجال الأدب والرأي والقلم.. أو أبطال
افلام الشاشة الفضية المصنعين على يد المخرجين
والمساعدين.. أوأصحاب مسلسلات التلفزيون الأبيض
والأسود في زمن صباه ومراهقته..
وقد ابتعد كثيراً عن معلمه الأول فيالحياة الأستاذ
أُدولف فرج المحامي.. أمين مكتبة محكمة الحقانية
بالمنشية.. وهو كان ذا ثقافة عالية واهتمامات
كثيرة جيدة متنوعة.. و
قد صرح لي ذات مرة أنه كان معجبا بهدام خاله..
يوسف بيك.. إذ هو التالي في العائلة بعد والده..
الذي كان دائما مهتما بما يرتديهمن طقم بدلة كاملة
ثلاثة قطع بكرافت ذات الوان فاتحة دون الداكنة لـ
تظهر شخصيته وتحتها قميص أبيض زاهر أو أزرق سماوي
باهر.. ودائمأ في يده منشة من شعر ذَيْل
الفَرَسوهي منمستلزمات الوجاهة ومتطلبات الأناقة
زمن العصر الملكي تحت حكم ولي النعمة الخديوي..
فبـ المختصر المفيد كان :"رفيقي" يسعى دائماً
لتحديد هويته وفق ما يرغب هو.. وإبراز شخصيته كما
يريد هو.. دون عوامل خارجية أو تقليد لأحدٍ.. هذه
الشخصية أو تلك الكينونة شكلها عبر سنوات وبمرور
أعوام سواء من خلال مايُشتم من عطره الخاص.. أمام
الآخرين أو هندامه المعين.. والذي يفصله نفصيل..أو
طريقة ربط كرافتته المناسبة لبدلته.. أو تلميع
حذاءه أو قَصْةشعره..
..وما قد ازعجني -فعلاً- من„ رفيقي “ أنه لم يعترف
صراحة بخطيئته مع „ فأرته “اللعوب.. وإن لمح
تلميحا لا يفهم فساد فعلته إلا اللبيب الحاذق..
الذي يفتشبين ثنايا حروفه.. و
ازعجني ايضاً : سوء تصرفه مع„نَفِيسَتِهِ“والتي لا
ذنب لها ولا جريرة سوى خطأ إختيار مَن ترافقتها
فقد كانت زميلة فاسدة..
ثم .. ازعجني : تلويثهللبيئة : البحر الأبيض
المتوسط بكراستين بأحبارهما.. حين رماها بعد
تمزيقها في مياه الميناء الشرقي.. و
حقيقةً هو عاقب نفسه قبل أن ينهي علاقته الطاهرة
بــ „نُورَا“..
ثم أخذ يترنم بإنشودة يقول فيها :
سمراء من قوم عيسى..
فــ استوقفته مباشرة قائلا له : „ لا توجد أي
مناسبة بين„نُورَا“.. المِصرية.. وبين „سمراء ناظم
الغزالي العراقية“.. “..
فـ خجل من تعليقي هذا.. ومن نفسه.. وانسحب بهدوء
من غرفة المعيشة.. يجر أذيال هزيمته الأولى
وأخفاقه الأول!
وقال بأدب جم متلطفاً :„ أتريد كوباً من الشاي
بالحليب.. تشربه معي “..
وهذه كانت عادته منذ زمن طويل..
فقلت له بحزم : „ أنتَ تعلم جيداً.. إننيلا أشرب
الشاي بالحليب..“..
ثم علقت بقولي : „أنتَ تعلم جيداً أنني قد فطمت
منذ أكثر من 25 عاماً.. “ ..
فغادر الغرفة وساد السكون الحذر بيننا في تلك
الليلة!.. والهدوء النسبي لعدة ليالٍ!
ـــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
« „رُوَايَّةُ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“ »..
«القصة بدأت» : [(٣)] :اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ؛
فصل رقم: [ 64 ]
« وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ
إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ»..كُتبتْ في مدينة: «
فييناVienna لحظة إطلالها علىٰالدانوب الأزرق»
الأربعاء : 14 أغسطس 2024م~٩ صفر ١٤٤٦ هـ
63 الفأرة
الشرسة
الڪارثة الڪبرى
الألم المزمن
بـ ألمٍ شديدٍ موجع
يعتصرڪافة أنحاء جسده النحيل الطري.. وجميع بدنه
الغض.. فهو.. „ رفيقي “ ما زال في مقتبل عمره..
ألمٌ لا يُحتمل طرحه أرضاً..فـ جعله طريح الفراش..
ڪأن حمى الربيع اصابته-مبڪراً- ليس فقط في أنفه بل
ألمتبجميع مفاصله.. فـ ألمها يفصل بين عظمه
واعصابه تمزيقاً.. وبين لحمه وشحمه تقطيعاً..
ويفرق بين اطراف جوانحه ڪما تفعل وحوش أࣣڪلة
اللحوم مع غزال صغير.. ألمٌ يمزق اعضائه الحيوية
الداخليه سواء أڪان القلب النابض بغرفه المتعددة
فينقطع جريان شريان دمه عن بقية بدنه..فــ تتوقف
حرڪته.. أو تتعطلرئته عن جذب الهواء النقي لـ
شعبها.. أو صدمة مخية بمراڪز الإحساس فتفقده
توازنه.. ڪأن „ رفيقي “ أصيب بجلطة دماغية..
فأصابه الشلل..
فـبحالته هذه وحديثه معي عما حدث معه يصير شفافاً
أمامي فـ يظهر بوضوح ما بداخله من معاناة..ويصبح
ڪــ مرآةٍ تڪشف وتفضح.. فـ تعڪس عما بداخله.. فـ
أرى بـ عين رأسي هذا الإنفصال الممزق لأعضاء جسد
إنسان.. أعرفه عن قرب.. وأرى هذا التفرق المؤلم
لاشلائه.. وهذا التمزق الموجع لـ بدن ووجدان
إنسان.. هذا الإنسان أخشى عليه من نسمة هواء ساعة
مغربية في صيف الإسڪندرية اللطيف دائماً.. فـ إذ
ما به لا يمڪنه فلا يقدر علىࣣࣷ الوقوف على قدميه..
وبالتالي لا يتمڪن من الحديث معي بشڪل مفهوم أو
أقدرُشخصياً فـ اتمڪن من استيعاب ترڪيبة جمله.. أو
أفهم بوضوح مضمون ڪلامه.. ولا يتمڪن من التعبير عن
حدثٍألمَ به وهو- „ رفيقي “- مازال في ريعان شبابه
ومقتبل عمره..
ڪأن „ رفيقي “ بالفعل يتلوىأمامي مِن مشاهد عدة
صورها -هو- لي وبيَّنها من خلال حديثه المر وڪشفها
بأدق ڪلمات تخرج من فم جف ولسان تلعثم.. فتسمع
بصعوبة ما يقول.. ويسعى بـ حسن تعبير -وهو القادر
على الحديث دائماً إلا في تلك الحالة ومع هذه
المشاهد-فقد سعى بعد أن تمالك أنفاسه وتمڪن من
استرداد ذاڪرته.. أن يخبرني عما حدث له مع
„نَفِيسَةِ النَّوَارِ “.. حبيبته الأولى..
بدءَ حديثه المأساوي بـ لفظة خرجت من فمه ڪـ
العلقم المر بقوله أنه ارتڪب : „ خطأً ضخمًا..
فاحشاً.. مرعباً “.. ما فعله ڪان: „ ڪارثةًڪبرى
“.. ڪان ما قام به.„ إفساداً في الأرض “..
ثم بدءَيشرح فــ يُعدد لي أن ما حدثڪان بالفعل : „
قلة حياء “..„ سوء تربية “.. „ فُجْر أخلاقي
“..نتيجة :„ تراجع ظاهر ومُخزي لمؤسسة التربية
والتعليم وتجمعها في هذا الصدد ضعف التربية على
الأخلاق الحميدة التي ينبغي أن تتولاها المؤسسات
الدينية.. سواءالإسلامية: السنية منها أو الشيعية
أو الصوفية..أوالنصرانية.. المسيحية: سواء الروم
ڪاثوليك أو البروستانت أو الأرثوذڪية..فنجم عن ضعف
آداء هذه المؤسسات مجتمعة ضعف دورها الطبيعي في
المجتمع“.. مع „ غيابِ ربِ الأسرة عن دوره الحقيقي
في تنشأة الولد..وسهو ربة البيت عن دورها الطبيعي
في تنشأة طفلتها ڪـ أم“..
وهڪذا يُلقي المرء أوزاره على غيره ليتخلص من عقدة
الذنب!
وبعد أن تمالك „ رفيقي “ نفسه واسترد أنفاسه
الضائعة بين تلك المشاهد المخزية التي فعلها..
وأخذ بعقال لبه وأمسك بزمام عقله.. بدءَ يقول :„
تقابلنا -ڪالعادة- نحن الثلاثـ(3)ـة .. .. قصد „
رفيقي “ نفسه و.„نَفِيسَةَ النَّوَارِ “.. لڪن في
هذه المرة سمى صاحبتها والتي ڪانت تأتي معها
مرافقة ڪـ ستار يغطي ما هم عليه.. في هذه المرة
سماها تلطفاً :„القطة الجائعة “.. وهو لا يذڪر
بالفعل اسمها.. ثم وجدته تراجع قليلاً في مجلسه
واطلق عليها مسمى : „ الفأرة القذرة “.. ثم تراجع
مرةً ثانيةإلى الخلف.. وقال : بل هي :„ الفأرة
المتوحشة.. الفأرة النجسة.. فأرة المجاري“ ..
وتراجع للمرة الثالثة وقال : لا ..لا .. بل هي تلك
: „ الخنزيرة التي تربت في وسط مقالب
الزبالة..وتجمع القمامة.. وعاشت بين الأوحال
الآسنة.. ودست أنفها بين الأوساخ المتعفة والأعفان
المتراڪمة “..
وسألته :.„ أهي تلك القطة.. بتعبيره.. فقط المخطئة
أم أنه هو أيضاً بالفعل شارك معها تلك الخطيئة..
بل هو الذي دفعها دفعاً.. فجرها جراً.. لإرتڪاب
تلك الزلة الشنيعة بمضاجعتها في سريره دون فعل
الزنا! “
سڪت وصمت..ڪـ صمت وسڪوت الموتى في قبور منسية
ومهملة!
فـ هل ما حدث لـ .„ رفيقي “دون تشبيهه بوصف ما..
ڪما فعل مع القطة أو الفأرة.. ما حدث مع فتاة
مراهقة يُعتبر أحد مظاهر غضب أو ثوران الطبيعة
الذڪورية تجاه مراهق في السادسة عشر من عمره أو
يزيد قليلاً.. أي ما حدث هو مظهر من مظاهر „ غريزة
النوع “عند الإنسان.. وهذه الغريزة ڪـ بقية
الغرائز لها مظاهر متعددة تُشبع من خلالها.. وليس
فقط الميل الجنسي للآخر.. ڪما يشاع ويرڪز على هذا
الإشباع فقط دون غيره.. و„ رفيقي “ من أهل الرياضة
البدنية.. فما حدث تم بشڪل مبڪر نسبياً مع صبي
تجاوز مرحلة الطفولة منذ زمن ليس ببعيد.. مع فتاة
طائشة جاوزت مرحلة الطفولة فـ دخلت مبڪراً في زمرة
النساء البالغات العارفات..!
وهل هي تجربة عملية مبڪرة لما نسمع عنه في أوساط
المراهقين من حديث نظري عن الجنس الآخر.. أو ما
يُرى فوق الشاشة الفضية من مشاهد سواء إنتاج غربي
أو عربي.. تثير الصغار قبل الڪبار.. أو تفريغ فعلي
لما نسمعه من أغاني الحب والغرام والهيامڪـ .„ حبك
نار.. نار يا حبيبي.. نار.. “.. فڪيف بربك نطفأ
هذه النار الموقدة!
وهل لو فعل نفس الشئ المخزي ڪما وصفه.„رَفيقي “
وحدث ما حدث بدلاً مع .„الفأرة..الرفيقةِ “ لڪن مع
: „نَفِيسَةِ فؤادِهِونَّوَارِةِ قلبه ونور عينيه
“.. أڪان مسموحاً وحميداً.. وجائزاً !
توقفنا معاً أمام العديد من الأسئلة الحرجة دون
إجابات واضحة.. وتعطلت الاستفسارات المحرجة دون
توضيحات قاطعة.. ومَن الذي ينبغي أو يجب عليه أن
يقوم بعرض تلك الإجابات باسلوب سهل.. والرد على
تلك الاستفسارات بشڪل علمي.. والتي يخجل
-اصطناعاً- ويستحي -تفعيلاً- وليس حقيقةً أمامها
المربيون الأفاضل فلا يتڪلمون بصريح العبارة
وبالفاظ تتناسب مع الفئة العمرية وفي الوقت
المناسب تحذيراً وتنبيهاً.. أو توضيحاً
وتبياناً..!
أعود إليه.. „ رفيقي “.. ولا ادري.. اسميه
الضحية!؟.. أم اسميه الفاعل الفاجر القادر!..
.. على ڪل حال.. هو „رفيقي “..!..
وهنا تڪمن إشڪالية آخرى.. وهي غض الطرف عن ما يفعل
-وإن ڪان خطاً.. أو ما يقوله وإن ڪان قبيحاً!
أعود إليه سريعاً.. فـ. „ رفيقي “ قد صبَّجامَ
غَضَبَه الشَّدِيد عليها -صاحبة حبيبته-.. „الفأرة
“.. ڪما يسميها.. ولم يتمالك نفسه من السُّخْطِ
تجاهها.. فـ أڪال لها أفظع الأوصاف وأقذر النعات..
ولعنها.. وأراد أن يلعنها معه جميع أهل الأرض
:إنسها وجنها وشياطينها.. وديدان باطن أرض يقف هو
عليها.. والفئران بالطبع ستعلنها.. وتلعنها ايضاً:
سڪان السماء مِن الملآئڪة..وطيور تطير في الهواء..
وتلعنها معه ومعهم أيضاً : أسماك البحار ومخلوقات
تلك البحاروحيتان المحيطات.. ومَن فيها بل جميع
الموجودات في سفح الجبال وقممها وما يسبح في
الأنهار والبحيرات سواء في القطب الشمالي المتجمد
أو الجنوب الأفريقي الحار.. فـ ثار في صدره ڪبير
ينابيع برڪان غَيْظِه الدفين.. مثل أڪبر برڪان نشط
في العالم : .„ ماونا لوا “ [((Mauna Loa))].. في„
هاواي “.. أو ما هو اقرب إلينا.. أي برڪان „ إتنا
“بـ .„إيطاليا “..وأظن أن حمم.„رفيقي “البرڪانية
الداخلية مازالت متحجرة على قمة فوهة قلبه الحزين
لــ فراقها.. اقصد لـ فراق : „نَفِيسَةِ
النَّوَارِ “.. ولڪن ما يراه السامع منه أو الناظر
إليه أن رماد هذه التجرية البرڪانية مازالت تشڪل
خطراً عظيماً بداخله.. فقد أندفع عمود من الصهارة
اللفظية القبيحة من صدره إلى فمه فـ شتم وأهان..
وسب ولعن تلك „الفأرة القذرة “وڪأنه.. هو.. الطفل
البرئ الساذج..
صحيح أنه لم يبرأ نفسه تماماً.. فالحقيقة أنه
الفاعل الأصيل في هذه المهزلة
Melodramaالميلودرامية.. ڪـ تراجيديا يونانية
قديمة.. حُبِڪَت بصورة رائعة ڪــ مَشجاة بوليودية
هندية.. أو وفق النمط المِصري في افلام السيدة
الرائعة أمينة رزق وساطع النجومية يوسف بيك وهبي!
فــ هل حين يبرد غضب„رفيقي “وتتصلب حمم وتخمد
نيران فوران غضبه في عروقه سـ تڪونله
-جميعها-دروعاً حاميةً لمستقبل حياته
العاطفية..وقابل وجديد تجاربه النسائية..فـ تختفي
آثار وجروح هذه التجربة المؤلمة القذرة تحت أمواج
حب حقيقي راقي لطيف تصاحبه عواطف صادقة نبيلة
وتهدأ نفسه مع هبوب رياح صديقة لـ مرڪب حياته
المستقبليةفـ تسير دون فضائح ذات رائحة عفنة
ڪريهة!..
ولعلي من القلائل الذين يطلون بصدق وبديهية
وإريحية على نوافذ عدة داخل ڪينونة.„ رفيقي “تڪاد
تڪون مغلقة تماماً أمام العديدين من معارفه
وأصحابه.. بل وأصدق القول حين أقول وايضاً
اقاربه.. فإني مولع بالإطلال والإطلاع على نوافذ
عدة تطل على داخل ڪينونتهالنفسية ومعرفة مفتاح
شخصية „ رفيقي “ الإنسانية..ولعل السبب حبي له
واحترامي لشخصه النبيل.. نعم شخصه النبيل.. دونڪشف
فاضح يؤذيه.. أو فضيحة مجلجلة على رؤوس الأشهاد..
تنسف ڪيانه الآدمي وتڪوينه البشري.. وڪما
يقولون-عندمَن يريد إشاعة الفضائح لتصفية شخص ما
معنوياً-.. يقولون: „الغائب يعرف من الحاضر الشاهد
“!
...
فـ تلك .. „القطة الجائعة “.. افسدت حبه لـ :
„نَفِيسَةِ فؤادِهِ..ونَّوَارِةِ قلبه.. ونور
عينيه “.. بل دمرته.. وانهته..
فـ هي مستنقع الماء الأسن الذي فَسَد فـ تغيَّر
طعمًا ورائحةً ولونًا فلا يُشرب.. وللأسف الشديد
وقع „ رفيقي “في حرج!
فـ هي بصدق : برڪة الطين الواحل.. والتي غرس رأسه
فيها قبل أن يغوص بقدميه!
..
وأخيراً تقابل الجميع.. الثلاثــ(3ـ)ـة وحضرت مع
„نَفِيسَةِ النَّوَارِ “ صاحبتها „ المصيبة الڪبرى
“والتي سدت عين الشمس بـ غبائها.. وأغلقت فضاء
السماء على رحابته بسوء فعلها.. وأطفئت ضوء قمر
الليالي المضئ بتصرفها الخاطئ.. وفي هذا اللقاء
نظرت إليه بــ برود ڪـ صقيع شتاء القطب الشمالي..
وڪأن لم يحدث أي شئ بينهما يخشاه المرء النظيف فلا
يصح أن يطلع عليه أحد!..
حيَّتْهُ„نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ بـ حرارة قلب
المحب الصادق.. وظهر بين العين والحاجب لهيب شوق
العاشق.. ونطق قلبها قبل لسانها بشعورها نحوه..
وتڪلم فؤادها الولهان بحب „ رفيقي “ قبل أن يتحدث
فمها.. أو تبوح بغرامها به!
فقالت „نَفِيسَةُ النَّوَارِ “له وابتسامةٌ عريضة
تملأ الوجه الصبوح : .„حبيب قلبي.. وروح فؤادي..
ونور عيني.. وَجْــــدِي.. “
.. وأطالت في اسمه.. تريد أن تغطي بدفء صوتها
سمعَه بإسمه ناطقةً أياه ڪـ سيمفونية رائعة العزف
تمس أوتار القلب فتتراقص خلايا جسده ڪلها على
أنغامها.. وليس فقط تُسمع موسيقى صوتها..
ثم اردفت بسحر الأنثى المتمڪنة من صدق مشاعرها
تجاهه والمالڪة لـ صفاء روحها الراقية.. والعارفة
أن مَن تُسمعه قولها يحبها من صميم قلبه..ڪما تڪشف
وتبين رسائله الاسبوعية من خلال ڪراستين.. الأولى
عندها تقرأها والثانية عنده ليڪتب لها..
فـ قالت:.„آآآآآآآــيــــــــــــه!..
بقـــــــــى.. فڪرت في إللي قلتهولك !.. حبيبي..
“!..
فقد ظنت أن بينهما شعور واضح صادق وإحساس بيِّن من
الانسجام والاتَّفاق والتفاهم وأنه سينفذ رأيها
على الفور.. فقد ڪانت تتحسَّس منه وتعرف أنه ڪاد
يوافق على مقترحها.. وڪأنها أمتلڪت بُرهاناً
حِسِّيّاً حقيقياً لا لبس فيه ولا غموض ولا
إبهام.. حسٌساطعٌ بيّن ڪأنَّها تُحِسَّ بهبأطراف
أصابعها فتلمسه حقيقةً.. أنه سيأتي لأبيها يطلب
يدها !
بيد أنه حدثَ صمتٌ رهيب من طرفه..وتجمدت ملامح
وجهه.. ڪأن الإحساس تبلَّد في عواطفه وتجمد الشعور
في أعصابه.. وليست هذه من صفاته..و „نَّوَارَته
“تعلم ذلك.. لذا فقد بيَّن لي حقيقة الأمر بأنه :
لا حِسَّ ولا حَسيس.. بمعنى : هدوء تام..هدوء
شديد.. ڪـ صمت القبور!
فقد ڪانت تنتظر منه.. „رَفيقي “ أن يرد عليها
بأسرع من البرق.. وبنبرةٍ أوضح من صوت الرعد..بل
ويؤڪد على صحة فڪرتها ويؤيد صواب طلبها.. بيد أنه
سڪت.. ڪـ صمت سڪان القبور منذ عاد وثمود.. ثم طلب
منها ڪراستها.. فقد ڪان في يده الڪراسة التي يحتفظ
بها ليڪتب لها فيها عن عواطفه ويبث فيها شجونه
ويعبر عن عواطفه..
وهي„نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ صدقت ڪل ڪلمة قالها..
ڪتبها.. بل ڪل حرف خطه في ڪراستها.. حتى ڪل رسم
رسمه لها.. مثل : وردة حمراء تظهر حبه لها.. أو
زهرة بيضاء تعبر عن نقاء علاقته بها..أو نجمة
ساطعة ترشده الطريق من خلالها في السماء أو شمس
حبها تنير دربه وطريقه وتدفء قلبه أو قمر يضئ ليله
فلا يتخبط في دياجير الظلام..!
انتظرت قليلاً ڪأنها تريد أن تستفهم ما يدور في
رأسه أو بالفعل ماذا سيڪون رد فعله لطلبها.. فقد
ڪانت على أحر من الجمر في معرفة رد فعله أو
تصرفه..
ومتى سيأتي لوالدها في بيتها ليطلب يدها.. خطوبة..
يعني بس ربط ڪلام.. وظنَّ أنها أخبرت أمها أو أنها
حڪت بالتفصيل المريح لأختها الڪبرى أو خالتها عن
علاقتها بـ „رفيقي “..
هڪذا ظنَّ„ رفيقي “ !
فما ڪان منه إلا أنه أخذ الڪراسة..تلك التي في
يدها والتي في يده فمزقهماإِرْبًا إِرْبًاثم توجه
إلى البحر.. أمامه.. وبعزم ما عنده من قوةٍوعلى
طول فرد ذراعه ألقى الأوراق الممزقة.. الڪراستين
المقطعتين في عرض البحر.. فتلونت البحيرة
المتوسطية البيضاء بلون الحبر الأزرق الغامق الذي
ڪتب به حروف رسائله معبراً عن مشاعره لها.. وتسممت
الأسماك بذوبان الأوراق في مائها الذي تعيش فيه
حزنا وڪمدا لهذا التصرف الغريب .. بـ حقٍ مفاجأة
للجميع.. وأيضاً للمارة على ڪورنيش محطة الرمل..
وحتى طيور السماء استغربت هذا الفعل العجيب.. ثم
التفت إليها وصرخ في وجهها:.„الحڪاية انتهت.. خلاص
خلّاصنا “..
ثم هدأ قليلاً وقال لها :.„بقولك آيه إنتِ من
دلوقت في أمان الله.. إمشي مِن قدامي.. موش عاوز
أشوفك ثاني! “
بالقطع.. يقيناً.. لم تفهم عباراته المقتضبة..
..
فبادرته „نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ قائلة له.. وهي
تبڪي بدموع حارة ممسكة يده بشدة..وقد ارتبڪت من
هول المفاجأة.. وڪأنها تتوسل إليه :.„إنتَ
جرحتني.. يا وجدي.. في صميم قلب..أحبك.. أدميت
فؤاداً.. أحبك..وأخلص لكَ من جُوَه..
قتلتني..ذبحتني بسڪين باردة.. قتلت حبيبتك.. مزقت
أحشائي.. إنتَ موش عارف بتقول آيه!.. آيه إللي
حصلك .. أنا موش فاهمة حاجة منك خالص!.. أنا
عملتلك آيه علشان تغضب مني بالشڪل ده..
حبيبي..وَجْدِي.. فُوق لنفسك.. إنت في حالة غضب..
بس إنتَ غالي عليَّ..إنتَ غالي قوي عليَّ.. إنتَ
جرحتني في أعماقيمن غير ماتحس بيَّ..وطعنتي في
مشاعري من غير ما تشعر.. هدمت أملي فيك.. دمرت
بڪلمة حبي لك..جرحتني بجراح أعيش بها طول وڪل
عمري.. عارف..صبر العطارينلا ينفع في جرحي منك..
ولا يشفيه.. ولا طول الزمن راح يداويه.. ولا طول
سواد الليالي راح تنسيه.. “..
طوال الوقتڪان يوجه نظره إلى البحر!.. يسمع ما
تقول ولا يريد أن يرى وجهها وهي تبڪي.. وعيونها
الجميلة -في نظره- تمتلئ بالدموع.. دموع الفراق..
بسببه.. ومن أجله.. والحزن مع الارتباك يغطي
الموقف بينهما!
ثم قالت„ نورا “.له .„بُص لي.. اسمعني ڪويس.. جرحك
ده في قلبي.. إللي راح أعيش وياه طول عمري..صعب
إنني أنساك.. ده صعب قوي أنساك.. إنتَ بالذات.. ده
إنتَ أول حبي وآخر حب ليَّ.. ده أنا ما عرفش إلا
إنتَ.. طيب احڪي لي.. أنا عملت لك آيه غلط.. وطيب
صححهولي.. والڪلام الحلو إللي إنتَ ڪتبته ليَّا
ڪان من ورا قلبك!.. يعني آيه!.. ڪنت بتسلي أيدك
بدل ما تقزز لب.. إنتَ يا وجدي دمرتني!“..
وزاد بڪاؤها ونحيبها..
فما ڪان مِن „فِأرة المجاري القذرة “ إلا أنها قال
لها على مسمعه : „ ســـــيبيــــــه.. ده
مايستهليڪيشِ.. ده.. يبقى... !“
لم تڪمل جملتها فقد التفت إليه „رفيقي “ وقال لها
مسرعاًغاضباً مزمجراً موجهاً ڪلماته لها ڪـ طلقات
نارية :„ إنتِ بالذات ما تفتحيش بقك بڪلمة واحدة..
إنتِ تخرسي خالص.. اسڪتي..آسدي.. إنتِ السبب.. في
مصيبتي ده.. ربنا يخرب بيتك.. الله يخدك.. الله
يلعنك.. الله يأخذ أجلك! ويرحينا منكِ“..
فنظرت „ نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ لصديقتها بريبة
وشك.. وذهول.. وقالت بهدوء والدموع ما زالت تنهمر
من عيونها „ آيه الحڪاية.. يا جماعة.. آيه الموضوع
يا ناس.. أنا موش فاهمه منكم حاجة “..
فوجه نظره إلى „النَّوَارِ “ وقال لها „ صحبتك..
حبيبتك.. راح تقول لك ڪل حاجة.. بس لما أنا ماشي
“..
فنادته „وَجدي.. وجدي “.. „ استنَى .. ارجوك..
ڪلمني ما سيبنيش ڪده ضايعة! “
لم يلتفت إلى الخلف.. ولم ينظر إلى الوراء..ڪـ
عادته.. وسار بخطى مثقلة.. فهو يحمل بين ڪتفيه
صخور جبال الأرض جميعاً!.. وهڪذا ڪان ينظر دائماً
لنفسه .. ذڪورة فائقة.. مع نبل الرجولة الراقية!
ثم قال لي متألماً متوجعاً : „ لم اراها منذ ذلك
الوقت حتى الأن “..
...
..„ رفيقي “بـ دموع الندم الحارة.. وزفرات الوجع
المؤلمة وأحاسيس الجُرم الذي ألم بجميع بدن „
رفيقي “ ترجى الغفور الرحيم -ربه.. المتعالي-أن
يغفر له.. سأله : الغفران والرحمة.. وترجى من صميم
قلبه على البعد أن تسامحه..التي أطفأ بإنانيته ضوء
شمعتها الأولى في طريق حب عفيف.. وأن تڪون مع غيره
في أفضل حال وأسعد بال!
اللافت عندي حتى ڪتابة هذه السطور أن „ رفيقي “ما
زال يعتقد اعتقاداً جازماً.. ويتملڪه اليقين أنها
فتاة صالحة لــ يبني معها عش زوجية جميل.. تعلوه
السعادة الغامرة..ويسوده الوفاء الخالص..
لڪن.. هڪذا.. أنتهت آحدى فصول حياة.. وملف في عمر
ذلك « „الْرَجُلِ الْمَشْرَقِيِّ“ »„رفيقي “..
الذي أحبه واتمنى بالفعل له غفران تلك الخطيئة من
الغفور الرحيم..
وإذ به « „الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“ »„رفيقي
“يقول لي:„أن جعبته مازالت ممتلئة!“.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ
إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ»كُتبتْ في« فيينا لحظة إطلالها
علىٰالدانوب الأزرق»
الأربعاء : 24 يوليو 2024م
في الصباح الباڪر عند بزوغ أشعة الفجر الجديد ..
وعند الظهيرة فترافق أهلهابلفحة شوق العاشق لمحبه
تحت ضوء شمس ساطعة .. وعند العصرية لحظة قيام
السڪندري من قيلولته بعد غذاء طيب لذيذ فانتعش
بوضوء من البحيرة المتوسطية وشرب ڪوبا من ماء
الترعة المحمودية .. وبعد الصلاة رقد على رمال
شواطئها الدافئة كـ قلبه الحار لمعشوقته .. فتهب
نسائم المغربية مع رشفات من عصير الليمون ڪأنها
عصرت ليمونة قلبه بشفايف الورد ذي المذاق الرائع
قبل أو بعد شفاف ثغرها .. تلك هي الفتاة المراهقة
.. الدلوعة .. صغيرة السن .. الصبية الحسناء ..
والتي لم تخرج بَعد من أڪمام الزهرة البيضاء ..
وقد عشقها بالفعل„ رفيقي “ .. فسطر لها لوعة حبه
وزفرات عشق قلبه بڪلمات رقيقة معبرة رشيقة ملهمة
على ڪراسة المدرسة *** الثانوية ..
فهي .. محبوبته قد أحسنت هذا الدور .. دور الفتاة
الدلوعة التي يجب أن تحب .. فـ يجب أن تعشق فـ
يغرم بها الفتى المراهق .. مثل „ رفيقي “.. فتسيل
قطرات الحب ندىً على جمرات الجوى فـ تلتهب جوانحه
نتيجة شوي غرف فؤاده ..
و
هي .. „ النفيسة “„ النوار “قد أحسنت دور الأنثى
التي تحب ببراعة لا مثيل لها .. فلا يقاربها أحد
في خفة ظلها .. ولا يقترب أحد من بشاسة وجهها ولا
يتمكن أحد من إظهار وفوحان طيب عطر معاطفها ..
ورقة مشيتها فوق ڪورنيش الميناء الشرقي على أرض
مدينة الإسڪندرية .. ڪأنها تسير فوق سحاب مدينة
الثغر لا على أرضها وشوارعها وأزقتها وحواريها ..
تلك الفتاة ذات السادسة عشر من عمرها أو التي لم
تتجاوز هذا السن بعد .. صاحبة الدلال الآمر..
فتُحَب .. وصاحبة الدلع الراقي فتُعْشَق .. والتي
لم يڪن „ رفيقي “ يملك أمامها أن يرد لها أمراً ..
أو يرفض لها طلباً .. أو يثني لها قولاً .. تلك
الساحرة ذات الصوت العذب الشجي .. والتي أسرته
بصوتها منذ اللحظة الأولى حين تناديه باسمه
الخطأ.. والذي اخترعه من نسيج خياله .. ولا أدري -
ڪصاحبه منذ زمن - لماذاأختار هذا الاسم بالذات
..ولماذا ورط نفسه بڪذبة فخدعها وربما تطلع على
شهادةثبوتية عنه فتڪتشف ڪذبه وفضيحته .. ڪيف
سيتصرف „ رفيقي “ المراهق .. هل سيساعده خياله
الخصب نتيجة فرجته على العديد من الأفلام الأجنبية
الهوليودية أوالعربية زمن الشاشة الفضية ذات أفلام
الأبيض والأسود ! ..
أقول : لا أدري!!!
المهم أنه „ رفيقي “ .. أحبها فعلا من صميم قلبه
.. بل ويظهر لي أنه عشقها واجتهد في الڪتابة عن
مشاعره لها في ڪرستين من ڪراريس المدرسة الثانوية
المرقسية ..
.. تلك الجميلة الساحرة الحسناء .. والتي- اعتقد„
رفيقي “- أنها تغتسل يومياً-إذ أنه لم يشم من
معاطفها إلا أطيب ريح .. ولم يشتم فــ يمر على
أنفه منها إلا أجمل عبير .. وأرقى عطر جاء خصيصا
لها من بلاد الهند حين لامست قدم آدم أرض العناء
.. فغرز ورود محبته وزهور عشقه لـ حواء قبل أن
يتلاقى فيزدلفا ..
„ رفيقي “ يشتم من „ نورته “ ريح ڪأنه يفوح من أُم
رأسها عطر الوجود الخالد المخصص فقط لعشاق ذلك
الزمان الجميل .. عطر مسك الڪعبة الذي تدهن
جدرانها به قبيل الفجر ڪل صباح قبل الشروق .. وعند
غروب الشمس قبيل صلاة العشاء .. فتبقى جدران
الڪعبة المشرفة دائما معطرة لمن يزور ولمن يطوف
ولمن يتمسك بجدرانها أو يصلي في الحجر والذي يسمى
خطاً بـ حجر إسماعيل ..
وهڪذا ڪانت .. هي„ نفيسته “ .. ڪأن عطر المسك الذي
يحييه ينز من مسام بدنها الطري .. -فـ „ نوراته
“في الصباح الباڪر تغتسل ڪل فجر يوم جديدعلى شط
البحيرة المتوسطية بقميص نومها الأبيض الشفاف ..
„ رفيقي “ لم يتمڪن أبداً وإلى الأبد أن يراه ..
ولن يراه ..
قميصها من القطن الخالص .. طويل التيلة المزروع
مِصرياًلم تعبث به دودة القطن فتفسده .. والمُصنع
بأيدي مِصرية خالصة وليس إنتاج إنجليزي ڪما يفتخر
ذوي اللوثة الأجنبية وناطقو „ الراء “„ غاء “..
فيدعي البعض أن ملابسه صناعة أجنبية .. تملڪتهم
عقدة الخواجة! ..
قميصها .. والمخيط بنفس الأيدي الناعمة المِصرية
الأصيلة .. فـ صناعته محلية مئة في المائة .. وإن
لم يڪتب عليه في الداخل -بعد- جهة التصنيع ..
ولڪنه قطعاً خياطة „ بيتي “ عند الخياطة „ أم
محمود “.. جارة „ رفيقي “تسڪن في البيت المقابل
أمامه في حارة „ حلابو “ بـ „ غيط العنب “ .. أو
أم الفتاة نفسها تخيطه لها توفيراً للمصاريف
ومنعاً للتڪاليف .. قميصُنومٍ.. قطن يشرب عَرَق
النوم فيلطف الجسد ليلاً .. فلا يحدث أرق .. ويرفق
بالبدن نهاراً يُلبس تحت فستان الخروج فـ يشيل
الملابس الخارجية .. وفوقهما الملاية اللف
الحريرية .. قميصٌ بـ حملات بسيط للغاية بل في
غاية البساطة ..
الظاهر أن „ رفيقي “ مغرم بالملابس الحريمي!
فهي-الفتاةُوإن ڪانت البحراوية الإسڪندرانية ساڪنة
على الشط الجنوبي للبحيرة المتوسطية -لڪنها تلك
التي لا تعلم شيئا ما عن ملابس الاستحمام الفرنجية
سواء أڪانت قطعة واحدة-في ذٰلك الزمان: تغطي ڪامل
الصدر والأفخاذ- أو قطعتين منفصلتين -ڪزمننا هذا
.. زمن العري والتڪشفوالتعري حسب الموضة الفرنسية
أو الإيطالية .. لڪنه زمن جدودنا حين قالوا : „
إللي ما يشتري يتفرج.. بالطبع مجاناً.. “- ..
وقتها .. لم يظهر بَعد البُورڪيني بعد والذي صممته
الأسترالية من أصول لبنانية عام 2007م„ عاهدة
زناتي “.. فالڪلمة معربة للفظ الغربي (burkini)..
قميصُ فتاة „ رفيقي “.. ذٰلك القميص الداخلي الذي
يعري أڪثر مما يستر -منفرداً- فيفتن الذڪر البالغ
المترصد لعورات الصبايا والنظر خلسة لـ
أعضاءالنساء أڪثر مما يخبئ مفاتن الشابة الناهد في
باڪورة أيام دخولها إلى عالم النساء ..
وآهٍ من نساء الشرق ..
خاصةً مَن تسڪن على حافة بحيرة شمالها القارة
الأوربية بما فيها وعليها وعندها وما سوف نستورده
منها .. سواء أفڪار متفرنجة ليست شرقية .. وقناعات
مصدرها الحرية المطلقة دون قيد أو سياج حماية
أوقيم غربية ليبرالية ومقاييس ذات مسحة ڪنائِسية
مرت سريعا فأخذت من تعاليم الطائفة الروم
الڪاثوليك شيئا ما .. أو ملابس حسب الموضة .. أو
صناعات وأسلحة .. وجنوبها القارة الأفريقية وما
فيها مما جلبه المستعمر الغربي سواء الفرنسي بـ
ثقافته ولغته أو الإيطالي أو البريطاني بـ عسكره
وتابعيه بعض أهل القارة السمراء للمستعمر الغاصب
..
فهي ..فتاة „ رفيقي “ .. الساڪنة على الساحل
الشماليللقطر المِصري -خاصةًالشط والساحل
الإسڪندارني- فحين تغتسل يذهب عنها الدرن ..
فَتُنَعم بشرتها -قبيل الاستحمام- بـ تدليك ڪعوب
قدميها بـ رمال ناعمة صفراء ذهبية ثم تقوم بتشطيف
الوجه الصبوح والشعر الأسود مِن فرع الوافد ذي
الطعم العذب الفضي .. „ ترعة المحمودية “ لتذهب
ملوحة البحيرة المتوسطية .. فتسرع شمس البحيرة
بتنشيف الملابس بحرارتها الساخنة ..
ولعله هناك سوء فهم في مقولة : „ وشوش ڪالحة ..
ومياه ملحة “.. إذ ڪان المقصود من إطلاقها
الاحتلال الأجنبي الظالم حين جاء عن طريق البحر..
فـ أصل القصة :
ڪانت مذبحة في الإسڪندرية .. والتي ڪانت في عهد
الخديوي توفيق .. وشرارتها ڪانت خناقة ڪبيرة بين
شاب مِصري صاحب عربة حنطور “العرب ~ جي” ومعناها
[سَائِق عَرَبَة تُجَرُّ بِالْخُيُول].. والذيحصل
أنه ڪان وقت ظهيرة يوم أحد سنة 1882م عند قهوة
اسمها القزاز في شارع السبع بنات بالإسڪندية وڪان
حي معروف بأنه حي الجالية اليونانية ..
ڪان هناك شاب .. اسمه „ سيد العجان “يقوم بتوصيل
خواجة أجنبي جاء لمِصر من جزيرة مالطةلهذا
الشارع.. وحدثت خناقة بسبب الأجرةفطعن
المالطيبسڪينتهالشاب المِصري البسيط صاحب الـ20
ربيعاً وقتله .. والجمهور بالطبع ڪان يشاهد
الخناقة -وبجانبهم صاحب مخبز يوناني وحارس أمن
إيطالي- ولما شاهدوا صاحب „ الحنظور “مقتولا غضب
المِصريون على حال أخوهم الذي قُتل ظلما.. فما ڪان
من المِصريين إلا أنهم نزلوا ضرب في الخواجات :
المالطي واليوناني والإيطالي وڪان يشاهد ما يحدث
الجمهور الأوروبي .. فـ الأوروبيون - سڪان الحي
-أخرجوا المسدسات من البالڪونات وڪانت هناك طلقات
نارية تطلق بشڪل عشوائي .. وما حدث في ساعة زمن أن
وقع ضحايا وقتلى ڪُثر .. وڪبرت الخناقة بشڪل أڪبر
وقامت مطحنة بين المِصريين وبين المحتلين الأجانب
وراح ضحية الخناقة هذه ٢٥٠ مِصريا و٥٠ أجنبيا..مع
انتشار الفوضى وسرقة المحال..وڪانت واحدة من أشهر
المعارك التي دارت في الإسڪندرية ومثلها ڪثير مما
دفع السڪندري إنه يعبر عن الوشوش الڪالحة[لونها
باهت] من المياه المالحة لأن الاحتلال ڪان بيجي عن
طريق البحر ..
لذا فـ لهذه الواقعة بين شاب مِصري وآخر أجنبي
استغلت الدول الأوروبية وعلى رأسها إنجلترا
وفرنساالحادث وعقدوا مؤتمراً للنظر في „ المسألة “
المِصرية وتطورها بحجة فقدان السلطات المِصرية
السيطرة على الوضع الأمني وعجزها عن تأمين المصالح
الأجنبية ..
وتَشعر أن الصدفة لم تكن مجرد خناقة بين „ عرب ~جي
“ وزبون .. وبل تشتم رائحة صدفة مدبرةولحماية
مصالحهم في مِصر .. فــ
انتهزت بريطانيا الفرصة لإنزال جيشها ..
ومما يدعم هذا الڪلام إن إنجلترا استغلت فرصة
تجديد قلاع الإسڪندرية الحربية وأرسلت إنذارا
للقائد المسؤول عن الأمر بضرورة إيقاف بناء عمليات
التحصين وإنزال المدافع خلال 24 وإلا سيتم ضرب
مدينة الإسڪندرية خلال 24 ساعة .. ولما رفضت
الحڪومة المِصرية التهديدات.. وبالفعل قام الأسطول
الإنجليزي في 11 يوليو بضرب ڪل القلاع التي ڪان
يطلق عليها [الطوابي] ومن هناڪانت بداية الحرب عام
1882م بالإسڪندرية وضربت القلاع واضطرت المدينة أن
تستسلم وترفع الراية البيضاء”..
وانتهى الأمر بالاحتلال البريطاني لمدة 72 سنة
لمِصر”. ..
فـتوقيت بداية الاحتلال الإنجليزي لمِصر بدايته
ڪانت من عند خناقة” ..
-*/*
أعودُ بحضراتڪم إلى فتاة „ رفيقي “ الأولى بعد „
الزهراء .. فاطمة “ وفق مسبحته النسائية المِصرية
..
تلك الفتاة .. والمرتدية -في مُخيلته الواسعة
-الملاية السمراء اللف المصنعةيدوياً من الحرير
الطبيعي ذي المواصفات العالية ڪـ منتج فاخر نادر
..
بَادِئ ذِي بَدْءٍفـ الحرير بدءَ في الصين فــ
اليابان ومع حلول عام 552 م .. تمڪن البيزنطيونمن
الحصول على بيض دودة القزواستطاعوا خوض أول تجربة
لهم في تربية دود القز.. وبدأ العرب أيضا في صنع
الحرير في نفس الوقت ..
هذه الملاية الحريرية اللف الإسڪندرانية والتي
تڪشف مفاتن مَن ترتديها أكثر من أن تستر معاطفها
.. إذا أحڪمت لفها على عودها الطري الناعم المهتز!
تلك الفتاة ..التي ارتدت في مخيلة „ رفيقي “
ملايتها اللف الحريريةغاصت في الصباح الباڪر بعد
أن غرزت أطراف اقدامها الناعمة نتيجة استخدام
الحنة الأصلية .. غاصت مع دولفين البحر الأبيض
المتوسط لتستخرج لؤلؤة فريدة يتيمة تزين بها صدرها
الناصع ..
بذلك الدلال الناعم الذي لم يعتاد „ رفيقي “ عليه
-بعد-إذ هو „ صفر “تجارب غرامية .. وبصوتها الذي
أسره منذ أول ضحڪةٍ أطلقتها في سماء ميدان محطة
الرمل السڪندري ..
ثم .. لحظة أن نطقتعلى مسامعه اسمه غير الحقيقي ..
„ وجدي “ .. المزيف .. وهو .. „ رفيقي “ قد سُحر
بها ..
فقد أعجبته ڪثيراً وڪانت فتاةً لَبَّةً .. فـ
تَلَبَّبَالإثنان فقد أَخَذَ ڪُلُّ واحِدٍ
مِنْهُما بِعُنُقِ الآخَرِ .. فهي في نظره لُبابةٌ
من لُبابِ فتيات الإسڪندرية مُزجت بلُعاب
النحلالأصيل النقي الوارد خاصةً من بنها .. لجودته
وطيب مذاقه .. فأخذت بتلابيب فؤاده .. وتمڪنت من
افتراش قلبه واستمسڪت بفرائد لبه وأطراف ومداخل
عقله .. فـ أغرقته لشوشته في غرامها ..
فـ الظاهر - عندي - أنها تمڪنت منه .. تمڪن الصائد
من الإحڪام بفريسته فلن يفلت من شباڪها .. وبالفعل
الظاهر عندي -ايضا- أنها أحبته من صميم قلبها ..
أو ڪــ النمر الجائع من قدرته على الإمساك بـ
غزالته..
فـ قالت له حين توثقت من علاقته بها .. وتمڪن
غرامها من فؤاده ..
تلك العلاقة الراقية الرائعة العالية النقية
البهية النظيفة-كما وصفها لي مراراً وتڪراراً - ..
والتي لم تستغرق من عمر الزمان وعمرهما بعد .. أو
مِنعمر حبهما العذري أڪثر من ثلاثة شهور قمرية ..
فقالت بصوت ملآئڪي آتي من السماء السابعة .. علوي
ڪالقادم من الفردوس حين تعزف ملآئڪة السماء أنشودة
الحب العذري تحت شجرة المنتهى ..
قالت مع تنهيدة طويلة .. طويلة .. أخذت لبه .ز
قالت : „ وجدي .. حــــبــــــيــــبـــــي.. أنا
..عاوزه أقول لكَ حاجة مهمة قوي ! .. عارف .. أنا
.. عاوزاك تيجي عندنا في بيتنا .. !“..
ثم سڪتت برهةً ليست بالقصيرة استعجالا وليست
بالطويلة المملة .. مع أخذها شهيق عميق سمع به
الكون كله .. .. ثم قالت : „ أنا عوزاك “ ..
ثم سڪتت .. ووقفت على رصيف الڪورنيش .. فــ أوقفته
.. فأمسكت بأطراف اصابعه .. فـجعلت ظهره للبحيرة
المتوسطية.. ونظرت بتمعن في عينيه .. ثم قالت
بهدوء تام : „ بُص ..بقى .. شوف يا سيدي .. أنا
بقى عوزاك.. يعني .. أنا عوزاك تيجي عندنا في
البيت وتخطبني من بابا! “..
.. ...
ڪان طلبها .. أو عرضها .. أو فڪرتها .. أو أمرها
.. أو رجاؤها .. صاعقة مدوية نزلت من فوق .. على
أذنيه .. في يوم مطير شديد الريح عاصف .. صاعقة ..
يصاحبها برق يخطف البصر .. ورعد يصم الأذان ..
زُلْزِلت الڪرة الأرضية بـ أڪملها من تحت قدمية ..
أو على الأقل من المحيط إلى الخليج ..
ارتبك „ رفيقي “ .. ارتباك الفأر في مصيدة ربة
البيت والتي ضاقت منه ذرعاً .. فقد سمع جيداً ما
قالت .. تجمدت - سريعاً - دماؤه في عروقه لحظة ما
سمعه منها .. فقد توقف قلبه عن النبض وتوقفت دقاته
.. وتعطلت عملية ضخ الدماء إلى عقله وإلى بقية
جسده .. بلعَ لسانَه .. جفَّ ريقه .. تخشبت قدماه
على أرض الكورنيش فـ لم تعد ساقاه لديها القدرة
على حمل ثقل فڪرتها .. ناهيك عن حمل جسده والسير
ببدنه ..
ثم ڪأنها دعته للمسير .. وبعد خطوات قليلة ..
لحظتها هبت نسمة رقيقة فوق جبينه .. الذي يتصبب
عرقاً .. ڪأن تلك النسمة جاءت من مضيق الإدرياتيڪي
لتفرج عنه ما به من ضيق وتفكك قليلا هذا الارتباك
.. أو ڪأن السواحل الشمالية للبحيرة المتوسطية
ارادت اسعافه .. ڪي لا يغرق في عرقه .. فهو „
رفيقي “ .. فقط يحسن السباحة في البحر ...
فاستوقفها .. وهما يسيران على ڪورنيش الميناء
الشرقي .. ومياه البحر المالح ساڪنة.. ڪأن ذرات
المياه قلقة مثل قلقه .. فـ لا أمواج ترتطم بصخور
الميناء .. فرذاذ الأمواج المرتطمة تلطف من الجو
الحار .. ولا طير يتمڪن من أن يسبح في الهواء ..
فقد تجمد الهواء .. وتجمد الماء .. بل توقفت أسماك
البحيرة المتوسطية عن السباحة والغوص في انتظار رد
فعل „ رفيقي “ .. الڪل ينتظر وينظر إليه لسماع
رده!
وبهدوء تام ڪما يحدث في الطبيعة .. وقبل هبوب
العاصفة المدمرة أو المطر الغزير الذي قد يحيي
الأرض بعد موتها .. توقف„ رفيقي “ أمامها.. وجهاً
لوجهٍ .. ووجه استفساره لها .. وجهه لوجهها.. بعد
أن تمالك نفسه وقدر أن يقوم بشهيق عميق مع تجمد
الهواء ثم إخراج زفير أعمق منه .. ثم قال والڪلمات
خرجت من فمه مع التحرج في نطقها والضيق من مخرجها
: „ إنتِ قولتي آيـــه.. دلوقت .. يـــا
حـــيــــاتي !؟ “..
فقالت بحزم قاطع وثقة ڪاملة متناهية : „ آيـــوه
.. إنتَ .. سمعت ڪويس إللي أنا قلته .. يا .. وجدي
!يا حبيبي“.
فقال بعد أن ضبط إيقاع نبض قلبه .. مستفسراً : „
آيوه.. آيــــه إلــــــلــــي انا سمعته
منــــــــكِ دلوقتبالضبط!؟“
وغارت عيناه في وجهه .. فلم يعد يقدر على حسن
الرؤية .. فقال: „ إنتِ عوزاني .. أَخـــ ..
ــــــبَطِك !؟؟ “..
وتدارك ڪلماته سريعاً فهذه ليست جملة مفيدة.. فقال
بعد تعسر في النطق : „ أقصد .. أَخْــ ..طُــبِــك
“
فقالت„ نَفِيسَةُ النَّوَارِ “له : „ ما إنتَ سمعت
ڪويس آهوه .. إللي أنا قلته دلوقت! “.
.. يخبرني رفيقي أن دقات قلبه توقفت بالفعل عن
النبض في تلك الأمسية .. وضاق صدره .. وتعطلت
مدرڪات التفكير عنده وتوقفت أجهزة الإدراك بل
حواسه جميعاً ..
وهنا سارعت زميلتها وتدخلت قائلة له : „
آيــــــــوه .. صحيــــــــح .. إنتَ لازم تخطبها
.. وحالاً.!دلوقت .. و آيــــه يعني ..مالك فيك
آيـــــــه “..
.. فقال „ رفيقي “ بعد أن تمالك نفسه هذه المرة
وعادت إليه قواه العقلية ومدارڪه التفڪيرية .. „
يا جماعة .. أنا لسه طالب في التوجيهي .. أنا لسه
طالب في الثانوية ! .. مصروفي بأخذه من أبويا كل
اسبوع ... “..
فقالت„ نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ له مستشهدة بحالةٍ
: „ ده .. أنا أبويا خطب أمي وهي في التاسعة من
عمرها .. وقرءوا الفاتحة على طول .. وضمن خلاص
أنها بتاعته! “..
فأراد رفيقي أن يستوضح المسألة فأوقفته ثم قالت „
نَفِيسَةُ النَّوَارِ “ له : „ جدي .. الله يرحمه
.. أبو أبويا يعني .. وأمي لسه في اللفة طلب من
جدي أبو أمي أنه يريد أن يخطب ابنته.. يعني : „
خديجة “ لأبنه„ عبدالغني “.. “..
ثم قالت ڪأنها تتوسل إليه : „ يا وجدي .. يا
روووووووحي .. يا حـــبيــــــبي .. افهمني بقى
الله يخليك ويهديك .. الناس شايفينا واحنا الإثنين
رايحين مع بعض وجايين مع بعض.. وفيه واحدة من
زميلاتي الله يسامحها .. فتنت .. قالت .. فضحت
السر عند أمي .. فأخبرت أمي إنني بأمشي مع شاب
وأقابله دائماً ڪل يوم .. وبيمسك إيدي وبيحط ذراعه
على ڪتفي .. على فڪرة .. ده .. أبـــــويـــــا ..
ولو عرف ڪده راح يدبحني .. وأخويا .. راح يضربك
ويعدمك العافية .. ويڪسر عظمك .. ! “..
ثم فجرت قنبلة من العيار الثقيل ڪما حدث في
هيروشيما وناڪازاجي ...
فقالت :" آحنا أصلنا .. يعني .. آحنا أصلنا .. بقى
صعايده! ". . . . . .
فقالت زميلتها : „ خلي بالك يا أخويا .. ده أبوها
.. جزار .. يعني .. بيدبح خرفان وعجول وبقر !..
وأخوها بيشتغل معاه في دڪان الجزارة .. ! “..
ڪانت هاتان المعلوماتان الأخيرتان صاعقتان الواحدة
تلو الاخرى .. نزلتا فوق دماغ رفيقيفي أمسية
الصواعق هذه .. : و „ رفيقي “ .. هذا.. وهو بطبعه
رومانسي أڪثر من أهل الرومانسيةبتوع فينيسيا ..لم
يتحمل تلك الصواعق مرة تلو الآخرى ..
.. توقف الثلاثة عن الحديث .. وتواعدوا الخميس
القادم فــ افترقوا على لقاء جديد فقد تبقى .. فقط
.. اتخاذ القرار الصواب ..
.. ثم شاءت السماء أن تمطر حجراً فوق رؤوس الجميع
.. زلط .. طوب .. يجرح القلوب قبل جرح الأبدان ..
فيؤلم النفس قبل أن يؤلم الجسد ويعڪر صفو الحياة
ڪلها .. فلم تمضِ اياماً قليلة معدودة .. حتى قابل
: „ رفيقي “ صدفةً زميلتها : „ المصيبة الڪبرى “
.. أمام منزل أبيه .. على خطوات معدودة من باب شقة
العائلة المحافظة!
.. فما ڪان منه إلا أنه تجرأ .. اخطأ .. افسد ..
ومد يده فأمسك بها وجذبها .. فــ جرها إلى غرفته
.. فقد علم أن والدته في هذا الوقت .. ليست في
البيت بل في زيارة لخالته ..
قبلها .. لمسها .. فجر بها .. وهي : „ المصيبة
الڪبرى “.. لم تمانع .. لم تعترض .. لم ترفض ما
فعله معها ما فعله بها .. ڪانت ڪــ لوح الثلج ..
كـ قطعة حجر ملقاة على قارة الطريق .. كـ جزع شجرة
جوفاء .. ساڪنة .. مستسلمة ..لا استجابة ولا تجاوب
..
هل ڪانت راضية بما يفعله بها!؟ ..
أم أنها تجرب قدرته الذڪورية في أن يحرك مواضع
أنوثتها ويثير مكنونات دواخلها !؟..
فــقد آتى منها ما يأتيه الرجل معامرأته غير أنه
لم يفعل الفاحشة!.. هذا في مفهوم الشرع الحنيف !..
وهما „ رفيقي “ وزميلة النفيسة النوار .. هما ..
ما زالا في مرحلة المراهقة المبڪرة ..
أيكفي أن نلعن الشيطان الرجيم ووسوسته في صدور
المراهقين !؟
.. طيش شباب .. شطحات مراهق .. فساد أخلاقي ..
غياب القيم .. تفسخ مجتمعي .. ضعف في المفهوم
الديني للحرام .. مع تراجع المؤسسة التعليمية
والدينية عن القيام بواجبتهما تجاه النشأ .. خاصة
من يدخل مرحلة البلوغ بعد بقاءه في مرحلة الطفولة
سنوات دون تعليم صحيح أو وعي علمي!
من طرفي .. وبخته بما عندي له من أواصر قوية
لعلاقة الصداقة المتينة بيننا .. وخوفي الشديد
عليه من الإنزلاق في بئر الرذيلة ..
فقلت له : „استغفر ربك يا صاحبي .. وقم توضأ وصلي
رڪعتين “..
فقال „ رفيقي “„ يا شيخ دي حكاية منذ العديد من
السنوات “
بيد أنني صممتُ على طلبي أو قُل رجائي!
وبالفعل .. قام أمامي وأحسن وضوءه وسجد وركع أمامي
..
ووجدت دموع الندم بللت سجادتهالخضراء والتي
أحضرتها له والدته من أرض الحجاز المقدسة
الطاهرة.. في عمرة لها أوحجة!
.. ثم أخبرني بعد ذلك بأنههناك كان موقف جديد!
ــــــ
ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
« „ رُوَايَّةُ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ “ »
«القصة بدأت»..
٣ اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ فصل رقم: [ 62: أخطبني
من بابا]
23 / 06/ 2024م
. ولم يكن „ رفيقي “
- بعد - يُدرك تماماً معنى كلمة „ نَفِيسَة “ ..
فالكلمةُ صفةٌ ونعت .. والغالب عند العرب - وهذا
ما أعلمه يقيناً - وعند بقية الشعوب والأمم أن
المسمى صفة واضحة عند إطلاقه على شئ ما.. أونعت
بيِّن أي كنية للشخص ملازمة له أوإنسان بوصفه باسم
..
فـ „ نَفِيسَة “ .. مسمى الفتاة الأولى في حياة :
„ رفيقي “ العملية مع النساء .. وأول تجاربه
الغرامية في القُطر المِصري .. وهي البكر قطعاً
كأمثالها من بعدها ..
وكان „ رفيقي “ .. تبنى نظرية فحواها „ أن لا
يَرِد قبله الحوض رياً أحدٌ .. فيشرب منه “ ..
وتمسك بهذه النظرية في هندامه وسيارته وبقية
لوازمه وشؤون حياته .. ومنذ نعومة أظافره في
التعليم الإلزامي الإبتدائي كان مِن ضمن فريق
أوائل الصف الدراسي .. وبالنسبة للنساء فـ الظاهر
أنهن كُثر .. ورغب في تطبيق نظريته ما استطاع
إليها سبيلا ..
فـ هذا الاسم „ نَفِيسَة “ .. يخبرني „ رفِيقي “
.. حين سمعه من صاحبتها لم يستهزأ منه كما فعلت
زميلاتها أو يضحك مثلها .. وأمثال هذا المسمى
يعتبر دقة قديمة عنده ومَن شابهه من شباب وشابات
جيل عبدالناصر .. ومَن شاكله منِ الصِّبْوَة
والصِّبْيَة : صِبْيَانِ العهد الناصري -فهو اسمٌ
تقليدي قديم يرجع إلى حقبة الاستعمار العثماني لـ
مِصر .. على رأي قول فريق من العرب .. وخاصة
المِصريين .. كـ ابن خالته الأستاذ : حسن إبراهيم
القرشي المحامي بالنقض .. وقد درسَ هو وأمثاله :
مفاسد أسرة محمد علي -الألباني-.. وتعلم في منهاج
التاريخ : مساوئ حكم الأسرة العلوية وترسخت في
الأذهان نتيجة هذه الدراسة : كراهية الاستعمار
بشتى صوره وبكل إشكاله بل يجب مقاومته وفضح كافة
أساليبه وطرقه .. وقد تصدر الزعيم خالد الذكر
وترأس حركة التحرير .. ناصر العروبة وحامل لواء
الإشتراكية - وقتها - صاحب الكريزما الطاغية على
قلوب محبيه وعاشقيه في الوطن العربي بآسره .. فقد
كانت غالبية البلاد العربية تحت وطئة الإحتلال
الفرنسي أو الإنتداب خاصة البريطاني .. فكان حامل
لواء حركة التحرير بلا منازع .. وقد كانت هناك في
ذلك الزمن قطيعة بين القديم الرجعي وبين الحديث
التقدمي .. لذا فقد سميت - آنذاك وما زالت إلا
قليلا بعد الصحوة الإسلامية في بداية السبعينات من
القرن الفائت- سميت فتيات بـ اسم نانسي مثلاً أو
جيهان أو شريهان أو شيرين ..
ويجب الاعتراف بأنه في العهد الناصري تم تسجيل أول
: « شريط كاسيت » لـ كامل القرآن الكريم لـ كبار
قراء مِصر في العالم العربي كله .. وفُتح في
الإذاعة المِصرية : « إذاعة خاصة للقرآن العظيم »
.. ثم يتخلل القراءة الكريمة مواعظ إيمانية
وإرشادات فقهية .. بل أصدرت وزارة الأوقاف أو
الأزهر الشريف : « موسوعة عبدالناصر للفقه
الإسلامي » ضخمة لكافة المذاهب الإسلامية .. بل
أصدرت : « دار الشعب » الحكومية سلسلة من كتب
التراث الإسلامي والعربي .. سواء : كتب تفسير
القرآن كـ تفسير القرطبي أو صحيح الحديث كـ صحيح
البخاري .. أو كتب الفقه خاصةً فقه السادة
الشافعية لإمامهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي :
الأم.. أو نهج البلاغة المنسوب للإمام علي بن أبي
طالب أو الأغاني للأصفهاني .. ثم .. كُللت مجموعات
التراث هذة بـ ما اصدرته : « دار المعارف » بمِصر
من سلسلة كُتب هامة تحت عنوان عريض : « ذخائر
العرب » .. تحصّل رفيقي على المجموعة الثلاثين
منها وهي تاريخ الطبري .. لأبي جعفر محمد بن جرير
المسمى بـ تاريخ الرسل والملوك ..فـ على كل حال
تمت قطيعة فاصلة بين الحقبة الملكية وبين العهد
الجمهوري .. مما دعى بعض الكتاب المأجورين إلى
النيل من الدولة العثمانية .. دار الخلافة - آنذاك
- على كل حال .. والمؤرخ يجب أن يتميز بالعلم
والعدل .. مع ملاحظة أن أمير الشعراء أحمد شوقي
رثى سقوط الخلافة العثمانية بقصيدة بليغة .. وهو
الذي تربى بين جنبات القصر الملكي .. وقامت حركات
إسلامية لإعادة الحكم بما أنزل الله بيد أن الجميع
أخفق.. !
و .. من الطريف الذي يُذكر أن جدةَ „ رفِيقي “ ..
لأبيه ارادت أن تسميه محمدا بناءً .. على قوله ..
أي هذه الرواية مستندة لـ „ رفيقي “ نفسه .. إذ
أنه ولد بعد مولد سيد الخلق وحبيب الحق رسول
الإسلام محمد بثلاث ليالٍ .. وفي نفس ليلة ميلاد -
وفق الكنيسة الغربية الروم الكاثوليكية - ليلة
ميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم .. العذراء
البتول.. بيد أن أمه .. والدته .. ومَن حملته ..
فـ سوف ترضعه وتنظفه وتربيه أرادت أن تسميه : « „
يُوسُف “ » على اسم أخيها الذي ولد قبلها .. ثم تم
الإتفاق ودياً بينهما - الجدة والأم - دون تدخل
الوالد بتسمية الوليد مصطفى .. وغالبية اسماء
عائلته من طرفي الوالد أو الوالدة يحملون اسماء
أنبياء إما : محمد أو أحمد أو إبراهيم .. أو محمود
.. لكن الفارق الصارخ المعارض لهذا كله أن جميع
زملاء والده في الحقانية بالمنشية أمام ضريح
الجندي المجهول ذي الشعلة والحراسة العسكرية
بتناوب عسكر وزارة الحربية بالزي الرسمي مع حمل
بندقية على الكتف .. اطلقوا -زملاء والده في محكمة
الحقانية - اسم : « „ عيسىٰ “ » .. عليه .. ومن ثم
اشتهر بـ عيسى .. فله اسم في بيت عائلته ومنزل
والده واسم آخر في المحكمة الحقانية وفي وسط زملاء
الوالد ..
وهذا خطأٌ وقع فيه الكثير .. فيكتبون اسما في
شهادة الميلاد .. ثم يطلقون مسمى آخر فيسمون
الوليد باسم جديد آخر ..
وأُلاحظ دائماً أبدا إعجاب „ رفيقي “ بشخصية
الزعيم الخالد .. وطريقته في إلقاء خطبه ..
ومقدرته الصوتية في التعبير عن افكاره .. وكيفية
إدارته الحوار مع الخصم ..وإن كنتُ - صدقاً -
نتيجة الدعاية الرسمية الصادرة لجماعة الإخوان
المسلمين المحظورة أميل إلى كراهيته .. فـ أنا و „
رفيقي “ ضدان .. متناقضان في كثير من المسائل ..
ومختلفان في العديد من القضايا .. متعارضان في
كثير من الأفكار .. بيد أن هذا لا يمنع صداقتنا
فيما بيننا .. وخوف كلانا على الآخر .. وحبنا
الأخوي لبعضنا البعض .. وحرص كل منا على منفعة
الآخر ..
فـ نورا إذاً هي نفيسة ..
أقصد أن نفيسة تُدَلل بـ „ نورا “.. والمرء له
نصيب من اسمه .. والمقولة التي تقول : « „ كلٌ له
من اسمِهِ نصيب أو : لكل انسانٍ من اسمه نصيب “ »
.. تنطبق تماماً عليها .. فهي بحق نفيسة ..
وقد قال لي رفيقي : يا عزيزي لا نغفل :" أن فِي
أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - : النُّورُ .. اسم
من اسمائه الحسنى .. ".
ثم اردف قائلاً :" وَالنُّورُ مِنْ صِفَاتِ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، قَاْلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ﴾ .. قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: هَادِي
أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقِيلَ:
﴿مَثَلُ نُورِهِ ڪَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ ..
أَيْ مَثَلُ نُورِ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ
ڪَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ .. وَالنُّورُ:
الضِّيَاءُ. " ..
وأنا أعلم علم اليقين أن رفيقي ليس من أتباع رابعة
العدوية صاحبة نظرية العشق الآلهي إذا صُدق نسبة
هذه الرواية لها .. ولكنه الحب يا عزيزي! .. وهذا
الخلط بين الديني السماوي وبين المدني الدنيوي..
وقد صفها رفيقي بين :" نَائِرَاتُ الْفتيات
وَمُنِيرَاتُ الْبنات .. فـ النَّائِرَاتُ عنده
تلك الْوَاضِحَاتُ الْبَيِّنَاتُ، وَالْمُنِيرَاتُ
ڪَذَلِكَ قريبة من نفس المعنى .. ".
ثم أخذ رفيقي بالترنم ينشد :" النُّوَّارُ ..
النون بِالضَّمِّ ثم الواو بَالتَّشْدِيدِ:
ڪَالنَّوْرِ، وَاحِدَتُهُ نُوَّارَةٌ " ..
ثم أخذ في التمايل مردداً : " وَقَدْ نَوَّرَ
الشَّجَرُ وَالنَّبَاتُ .. وقد نورت لي تلك
الفتاة. فـ النَّوْرُ نَوْرُ الشَّجَرِ،
وَالْفِعْلُ التَّنْوِيرُ، وَتَنْوِيرُ
الشَّجَرَةِ إِزْهَارُهَا .. وهي نورت بوجودها
بجواري فاخضرت أغصان شجرة حياتي .. وأزهرت ورود
بستان عمري .. ".
ثم توقف رفيقي قليلا وقال :" لقد سحرتني! " .. ثم
قال :" الم تسمع بهذه القصة!؟؟..".
فقلت له :" وما هي !؟".
فقال :" نُورَةُ : اسْمُ امْرَأَةٍ سَحَّارَةٍ ..
لذا فقد قِيلَ: هُوَ يُنَوِّرُ عَلَيْهِ أَيْ
يُخَيِّلُ .. وَهذا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ صَحِيحٍ ..
فــ : يُقَالُ فُلَانٌ يُنَوِّرُ عَلَى فُلَانٍ ..
إِذَا شَبَّهَ عَلَيْهِ أَمْرًا .. فهي لَيْسَتْ
هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَرَبِيَّةً .. وَأَصْلُهَا
أَنَّ امْرَأَةً ڪَانَتْ تُسَمَّى نُورَةَ
وَكَانَتْ سَاحِرَةً .. فَقِيلَ لِمَنْ فَعَلَ
فِعْلَهَا: قَدْ نَوَّرَ فَهُوَ مُنَوِّرٌ.. " ..
ثم شهق شهقة وقال بصوت مسموع عال :" .. سحرتني ..
سحرتني .. " ..
-*/*
.. „ نَفِيسة “ .. لم يدرك „ رفيقي “ معنى الاسم
كما أخبرني „ رفيقي “ نفسه ..
وهي آحداهنَّ.. تلك التي اذاقته بيدها طعم الحب
الصافي .. وناولته بريقها العذب الحنان الخالص ..
وشملته برموش عيناها العاطفة الصادقة .. فاسكنته
بجوار قلبها .. لا .. بل فرشت له وحده غرفة معيشة
له في سُوَيْداءِ قلبها .. فــ اسعدت أيامَه
وابهجت لياليه .. وهو منذ ساعات فقط التقى بها ..
فتاة -مثلها- هي بالفعل من طراز خاص .. وبالقطع
ستأتي حتماً إلى لقاءه .. في كل موعد يتفق معها
فيه!
-*/*-
.. النَفِيسةُ : هي العظيمة القدر .. والكبيرة
الخطر .. والغالية .. العالية .. عظيمة القيمة..
والنفيسة من النساء .. أي المرغوب فيها .. أو ..
المضنون بها.. ولعلها عند „ رفيقي “ جمعت تلك
الأوصاف الرائعة .. وتحصلت على هاتيك المزايا
النادرة .. فكتب لها في كراستيه الكثير من الجمل
الرقيقة وكلمات الحب وألفاظ الغزل فـ يبث شجونه
نحوها وحنينه تجاهها .. يعبر لها عن تعلقه بها
ورغبته في الإقتراب دائما منها مع محاولات خجولة
كل مرةٍ لـ لمس أطراف أصابعها وهي تنتبه لـ مراده
وتكشف رغبته فتبتعد برقة متناهية دون أن تفضحه ..
كـ نسمةِ صيفٍ رقيقة هبت في حينها تصاحبها سحابة
بيضاء في عنان السماء تستر أشعة الشمس فـ تلطف
حرارة شمس الظهيرة .. وهما يسيران متجاوران ..
بمحاذاة سور الميناء الشرقي لـ مدينة الإسكندرية
الثغر المطلة على البحيرة المتوسطية البياضاء ..
ويتبادل معها كراسته والتي كتب على صفحاتها وفوق
سطورها كلمات حبه لها ويأخذ الكراسة الثانية والتي
قرأتها خلال الاسبوع الماضي ..
وظل هكذا على هذا المنوال يلتقيان مرة أو اكثر في
الاسبوع الواحد ..
وذات مرة .. وقبيل غروب شمس نهار لطيف .. طلبت منه
أمراً غريبا .. لم يتوقعه منها ولم يَدُر في خلده
مثل هذا الطلب من قبل أبداً
.. ! ..
.. ..
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
« „رُوَايَّةُ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“ »
( ٣ ) اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ .. فصل رقم: [ 61 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ركب „ رفيقي “
المركبة العمومية التابعة لشركة نقل الركاب
الحكومية المِصرية.. فرع الإسكندرية..ركب معها..
من أول الخط .. وقد حذرتهالتي سحرته ابتسامتها
الرقيقة -فتاته الأولى وفق مسبحته النسائية
الحقيقة وليس كما توهم -حذرته مراراً من أن يلحظ
أحد علاقته به ..
ونبهته-سَمْرَاءُالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ-عدة مرات
خشية عليه مِن أن يراه آحدهم يتكلم معها في الشارع
أو على كورنيش الميناء الشرقي أو في ميدان سعد
زغلول أو داخل الأُتوبيس أو في أي مكان.. ولكنه -
„ رفيقي “ -لم يبالِ لتحذيرها ولم يهتم بتنبيهها..
قال لي : „ يكفي أنني الأن معهافي نفس
الأوتوبيس“..
ثم علق بقوله : „ لم ادرك تماما قصدها من
تحذيرها.. ولم أفهم جيداً تنبيهاتها .. وظننته دلع
بنات “..
.. تحرك الأوتوبيس.. ببطئٍ شديدٍ غيرَ معهودٍ..
-أو هكذا ظن „ رفيقي “-كأنه مثقل بأوزان لا يتحمل
جرّها الماتور المجري الديزل.. محاولاً بصعوبة
بالغة أن يغادر محطته الرئيسة..-هكذا توهم „ رفيقي
“- وكأنه -أوتوبيس النقل العام لمحافظة الإسكندرية
- يحمل فوق عجلاتهالكاوتشوكالأربع-صُنع محلي-
بالإضافة إلى وزنه الأساسياضف حمولته من
الركاب..يحمل أيضاًثقل الحب الوليد .. الجديد لـ „
رفيقي “.. فـ لأول مرة في تاريخ النقل العام
المِصرييحمل ثقلوزن حب „ رفيقي “ الجديد لتلك
الفتاة-سَمْرَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ- التي
جذبته لها بـ ضحكتها.. وسيطرت ابتسامتها على
جوانحه كلها .. ثم ابهرته بصوتها العذب الرقيق..
لحظة أن غنت له وحده مقطع من أغنية أو أسمعته حروف
كلماتها حين تحدثه.. ولحظة أن تكلمه.. ذلك الحب
الجديد والذي ولد منذ ساعات قليلة لم تتجاوز
إسبوعاً واحداً.. ذلك الحب الذي استغرقه كله فـ
ستحوذ على جميع تفكيره وسيطر على ذهنه وتمكن من
وجدانه..فنبضُ قلبه ينطق اسمها الموهوم ودقات
فؤاده تغني لها وحدها .. فتفاعلت معه - كما قال لي
- مشاعره وعواطفة وأحاسيسه .. وكأن أوتوبيس
الغرام- هذا- الذي يركبه معهالا يريد أو لا يقدر
أو للدقة لا ينبغي له أن يغادر ميدان محطة الرمل..
ميدان زعيم الأمةالذي يقف فيه سعد باشا زغلول من
محطته الرئيسية..
ثم لحيظات ونظر „ رفيقي “إلى أوتيل سِــسيل.. وهو
يسير محاذياً له.. وهذا النُزُل الفاخر له إشكالية
مع „ رفيقي “ أو عقدة نفسية قديمة منذ أن كان في
بداية الصف الثاني الثانوي.. استمرت معه تلك
العقدة الإيجابية! ..
..صحيح (!!!)..
نسيت .. أن اقول أن „ رفيقي “ يُقَسم العقد
النفسيةعند الإنسان منذ عهد آدم إلى قسمين :
إيجابية.. عقدة نافعة تحفز صاحبها على القيام
بأعمال مفيدة له أو لغيره .. وآخرى سلبية ضارة
تقهره فتذله فتلجئه إلى فعل تصرفات قبيحة مخجلة
يترتب على فعلها عقوبة أو زجر ..
وهو يقول : „ أن كل العقد - النفسية .. الإيجابية
منها والسلبية .. سهل جداً حلها إذا عُرف سببها
المباشر وحيثياتها وتيقن المرء من معرفة نتائجها
وما سوف تؤول إليه “ ..
ولا أدري- حقيقةً- كيف تكون في الشخصية
الإنسانيةالمريضة عقدة نافعة.. أوتوجد عقدة نفسية
إنسانية في التركيبة الآدمية .. إيجابية .. لا تضر
.. بل العقد النفسية كلها.. والأزمات الداخلية
جميعها دون الأمراض العضوية ينبغي أن تكون سلبية
تؤثر سلباً على سلوك الأفراد فتضر صاحبها أولا
وتضر افراد من المجتمع ثانياً ..بل وتنغض حياتهم..
وتظل تلاحقهم طوال حياتهم .. إن لم يتمكن الفرد من
حلها والتخلص منها .. بل -الادهى-أنه .. „ رفيقي “
يقسم تلك العقد النفسيةإلى درجات خمس قد تزيد عنده
مرة أو تنقص في آخرى.. حسب حالة الشخص الذي
أمامه.. ويقول لي دائماً: „ أنه لا غبار في
استخدام مصطلحات حديثة أو استحداث تقسيماتلم تكن
موجودة من قبل “..
ثم يوضح قوله : „ فلكلٍ له رأيه ولكلٍ يملك الحرية
كاملة في وضع المصطلح الذي يروق له ويتفق حوله مع
مَن معه ..وعليه أن يبين حيثياته ويبرهن على صحة
قوله .. كأصحاب المهن والحرف.. فالأطباء لهم
مصطلحاتهم والمهندسون أو النجارون والبناءون كلٌ
له مصطلحاته الخاصة بمهنته إثناء مزاولتها أو
حرفته حين يمارسها .. أو وظيفته حين يقوم بها ..
“..
.. والحقيقةُ أن هذه المشكلة.. الإشكالية.. العقدة
النفسية الإيجابية بخصوص أوتيل سِسيل.. لازمته حتى
وصل إلى الغرب لـ يكمل دراسته العليا وحتى
تخرَّجبل وحتى حصَّل وظيفته في الوزارة .. ثم حتى
بلغ سنالكَهُولةِأي جاوَز الثلاثين من عمره أو
يزيد قليلاً.. وهي مرحلة: مرحلة الشباب والرجولة:
وهي من سن الحادي والثلاثين وحتى سن الأربعين من
عمر الإنسان"في قول آخر .. وهي تعتبر المرحلة
السادسة من العشر المعروفة عند بعض التقسيمات
علمياً ..و „ رفيقي “ يحسن تركيب جمله حين يقوم
بعرض فكرته ..
وليس وقتها - العقدة النفسية تلك .. وهاتيك
المراحل - الأن أن أشرحها.. فنحن مازلنا وقوف مع
إشكالية الركوب في أوتوبيس هي نفسها-ساحرة
الابتسامة .. سَمْرَاءُالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ -
تركبه في نفس اللحظة..
..الأوتوبيس يسير الأن في محاذاة أوتيل سيسِل :
Steigenberger Cecil~سوفيتيلشتايجنبرجر سيسيل..في
اتجاة منطقة غبريال.. كأنه يسير بثقله المعهود فوق
أطراف أصابع قدم „ رفيقي “.. ويخشى السائق أن يكسر
عظامه أو يحطم غطاريف ما بين مفصل القدم والساق ..
أو كأنه يريد أن يدخله سيراً حثيثاً بحجمه الطبيعي
الكبير إلىمجرى الدم في شرايين „ رفيقي “ المحملة
بدماءه النقية والمغادرة من قلبه المحب إلى بقية
أجزاء جسده..
توجد حالة ما (!) .. لم يستطع „ رفيقي “ أن يحسن
وصفها لي .. فكيفتعطلت الدنيا أمام عينيه وتوقف
قلبه عن النبض الطبيعي وتلخبطت دقاته المعهودة..
فـ الأوتوبيس لا يريد حراكاً .. كأن حديد
الأوتوبيس - تصنيع المصانع الحربية المِصرية -
يشعر بمرارة الفراق في أول لقاء لهما .. وكأن
مقاعد الأوتوبيس - جلد صناعي - تريد أن تفرغ لهما
مكانا ما عليها خالياً من الركابلــ يتجاورا فــ
يحسنا الحديث بهدوء دون إذان تسمع وتتصنت أو عيون
ترى فتحسد .. ملاحظته أن الناس .. - الركاب
امثالهما - من حوله لا يتكلمون كأنهم ينتظرون سماع
كلمة منه لها يتفوه بها..أو همسة حائرة من فمه ..
إذ أنه لا يدري كيف يبدء الحديث معها ودائما
حولهما أناس كثيرون..فـ تعطلت لغة الكلام .. وكما
غنت فيروز من قبل : „ .. وخاطبت عيناي بـ لغة
الهوى عيناك.. “ .. وكأن الجميعيقف أمام كاميرا
تصوير عملاقة مِن أيام الأربعينيات تصور مشهدا
خارجيا.. بيد أنه ارتجالياً .. الجميع ينتظرون
إشارة مخرج المشهد.. توقفت الدنيا باسرها..حالة من
القلق الذي مازال عند „ رفيقي “نتيجة تحذيرها..
ولا مبرر له أو على الأقل لا يفهم تماما خوفها
عليه ..فالأوتوبيس سوف يتحرك مغادراً محطته
الرئيسة .. و „ رفيقي “ لا يرغب المغادرة .. يريد
أن يرافقها ففي ميدان سعد زغلول كان اللقاءالأول
معها واليوم في هذه اللحظة اللقاء الثاني وهي
بمفردها .. فــ ينبغي أن يحسن الحديث.. فتنطلق
الكلمات معبرة عن أحاسيسه .. وكما كان دائما يقول
لي : „ ينبغي ربط دماغ الزبون! “ ..
الصدقُ يقال .. إنها..الأولىٰ .. التي تمكنت بسرعة
البرق أن تحفر مقعدها في سويداء قلبه الشاغر فتجلس
متماسكة متربعة متمكنةبهدوء علىٰقمةعرشفؤاده ..
وهي الفتاة المشاغبة الأولىٰ..خفيفة الروح التي
تربعت بسرعة الضوء فوق عرش قلبه.. سيطرت بالفعل
على مشاعره الكامنة بين جوانحه .. فأرغمته أن
يحسنَ الكتابةَ إليها.. ولها.. وعنها.. وبها..
ومعها.. سيطرت على أحاسيسه الدفينة ففجرت ينبوع
عواطفه في الكتابة إليها.. والأن هو يتلعثم في
الكلام .. بيد أن الحقيقة التي عرفتها عنه
بمعاشرته له أنه هكذا - يكون - مع كل فتاة جديدة
أو امرأة صادفته في حياته أو عرفها مع بعض
الفروقات الخفيفة والتي لا تذكر ولا يلاحظها إلا
المتابع دقيق النظر حساس الموهبة ..
.. „ رفيقي “ يخبرني في الأمسية الأولى ونحن معاً
على الباخرة المتجهة إلى طرابلس الغرب في أول راحة
صيفية في تعليمنا الجامعي.. يخبرني أنها..
النَّوار.. هكذا أطلق عليها مِن مسمى .. وقاموس
الأسماء عنده كبير جدا .. أخبرني عن هذا المسمى
وهو ما زال في الأوتوبيس واقفا متردداً بين التجرؤ
والإقدام إلى الحديث معها أو يقف متخشباً في مكانه
كتمثال سعد باشا زغلول إلى أن تأتي محطة نزوله
القادمة ويغادر وسيلة المواصلات العامة..
لحظات بين التردد والقلق ..ثم قرر الذهاب في اتجاه
مقعدها .. فوجد أن بجوارها على الكرسي الثنائي
امرأةً مسنةويتحدثا معاً.. وظهر له أنهما يعرفان
بعضهما بعضاً.. فلم يتبقَ سوى لغة الإشارة بالأيدي
وحركة الشفايف والحواجب.. بيد أن الأوتوبيس معبأة
ركاب وسوف يلاحظ البعض إن لم يكن الكثير منهم أنه
يخاطبها بلغة الإشارة .. تقدم بـ خطوات خجولة ..
مع زحمة المركبة العمومية - مستأذناً - ووقف بحذاء
المرأة العجوز إذ أنها كان جالسة بجوارالشباك ..
بيَّن لها أنه سوف ينزل المحطة التالية .. في
انتظار الخميس القادم الساعة الخامسة مثل اليوم ..
وحين جاءت المحطة التالية نزل مودعاً إياها تاركاً
قلبه رهينةً عندها كي تحضره معها في لقاءهما
الثالث مع كراسته ..
...
„ رفيقي “أخبرني أنه ومن محاسن الصدف أن الأمير
السعودي عبدالله الفيصل .. صاحب هذه القصيدة
الفصحى „سَمْرَاءُ“ دون الْإِسْكَنْدَرِيَّةِكانت
آحدى زوجاته الثلاث اسمها نورا.. الأميرة نورة بنت
عساف العساف ..
ثم يعلق بالقول: „إنها نقلة نوعية ظاهرة مَن يسكن
في الأحياء الشعبية كمنطقة غبريال أو كرموز أو غيط
العنب.. أن يأتي للتنزهة في منطقة سان
ستيفانوالتابعة إلى قسم محطه الرمل.. خاصة أمام
فندق سوفيتيل سِسيل.. بـ ميدان سعد باشا زغلول وسط
محافظة الإسكندرية“..
أخذ „ رفيقي “بفارغ الصبر يحمل ساعة الزمن في
ساعده ينتظر مجئ يوم الخميس القادم الساعة الخامسة
.. وجاءت بالفعل ..غير أنه كانت معها صاحبتها : „
صاحبة المصيبة “.. لا يذكر اسمها .. ولعلها لم
تخبره عن اسمها ولم تمر ثوان عند اللقاء وإذ
بصاحبتها „ المصيبة “ تعلن بصوت عالٍ واضحٍ قائلة
له : „إنتَ تعرف اسم البنت دي آيــه!!!؟..“
غير أنها لم تنتظر إجابةًمنه لسؤالها .. فقالت
مسرعة يرافق كلماتها ضحكة خبيثة .. كأنها تستهزأ
.. فقالت : „دِي .. تبقى اسمها .. نَفِيسَةُ ..
“.. „نَفِـــــــيسَةُ ..آه والله.. دِي اسمها
نفــــــــيسة .. بس هي بدلع نفسها وتقول اسمها
نورا .. “
ولم يكن „ رفيقي “بعد يدرك تماما معنى
اسم„نَفِيسَة“..
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
14 / 05 / 2024م
.. أنارتْ بـ
ابتسامَتِهَا ليلَهُ.. بل -حقيقةً- أضاءتْ
بضحڪتِهَا ليلَ„الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ“كله.. نوَّرت
حياته حين قدومها.. أزهرت أيامه بربيع حلولها..
أينعت زهرة شبابه بحسن طلعتها.. أخضر ورق شجرة
عمره -بعد أن جف- برؤيتها.. ومع ذلك لم يعلم حتى
اللقاء الثاني اسمها.. فهي -صاحبة الابتسامة
الساحرة- اقرب إلى الخيال من الحقيقة وقد تكون
وهماً أقرب إلى حلم ليلة صيف.. فتاة يحلم بها شاب
لم يتذوق طعم الحب بعد.. أو هكذا ظننت من حالة„
رفيقي “..
ولعل الكثير من البشر عند صعوبة تحقيق ما يريدون
-فعلاً- يبقون في أحلام اليقظة زمناً.. لا يحركون
أمل اليقظة في تحقيق ما يطمحون إليه.. بل يرغبون
في معايشة أوهام..حين يواجهون واقعاً يصعب تحقيق
أمالهم إلا في منام.. فلا يتقدمون إلى الأمام
بخطوات جدية ولا يستيقظون من منام بل يظلون يعيشون
في الأوهام.. وغفلة الأحلام..
فقد ظل„ رفيقي “ اسبوعاً كاملاً تتردد في كل لحظة
على أذنه ضحكتها..خاصةً في الصباح الباكر عند
استيقاظه من نومه.. فتضحك له الدنيا بأسرها
فيسعدطوال يومه وجُلَّ نهاره.. وهو في انتظار
موعدها القادم : يوم الخميس في الساعة الخامسة..
ليسمع بالفعل لا وهماً ضحكتها حقيقةً مرةً
ثانيةً..وصار يرى في كل خطوة يخطوها أينما سار أو
مشى ابتسامتها.. فتبتسم له مخلوقات الأرض التي
سارت أمامه أو بجواره وحتى من خلفه.. وكذلك طيور
السماء حتى الجوارح منها..
حالةٌ من الابتهاج أصابته.. دون تعاطي أفيون
مخدريغيبه عن واقعه.. فينقله إلى وهمه الذي يظن
حقيقة وجوده.. أو الإدمان على بودرة كوكايينأصلي
طازج غير مضروب مستورد من أمريكا الجنوبية.. أو
يمضغ كـ حيوان مجتر قات جاءه على التو من اليمن
السعيد.. حالةٌ عايشها مع وهم وخيال غيَّرت أحواله
وتبدلت أموره.. أصبح في يقظته من مجرد تخيل سماع
ضحكتها مسروراً.. وقبيل منامه تصحبه إلى فراشه
بأبتسامتها الساحرة فيحلم بأحلام وردية تسعده وهو
مستغرق في نومهفتفرحه حين يستيقظ من نومه أو
غفوته.. فقد ظلت طوال الليل في رفقته.. فـ ضحكتها
أفرحته يقظاناً.. وابتسامتها اسعدته نائماً.. فصار
في إسبوع الانتظار يعيش في وهم ويحيى على تخيل
ووهم..وهذا لم يعطله على إحسان مذاكرته وإجادة
تحصيل علومه.. بل كانت دافعاً مشجعاً للحصول على
أعلى الدرجات..
لذا فقد أيقن „ رفيقي “أن عمره ثوان ستمر سريعاً..
وهو يظن أن بِدء عمره الحقيقيصار بضحكتها واعتقد
أنه استهل ايامه الخضراء بأبتسامتها.. بيد أن عمره
سوف ينتهي حتماً في لحظة ما..يتمنى أن يكون بـ
جوارها ومعها وبرفقتها وبين يديها..أذنه تقترب من
دقات قلبها.. وأنفه يلقيها خلف أذنها اليسرى ليشم
عبيق عطرها النفاذ.. واصابعه تعبث بجدائل شعرها
-وإن أخبرني„ رفيقي “.أن شعرها قصير- ويده تمسح
برفق على عنقها.. فحياته -مع فتاة مثلها- بلا هموم
وايامه برفقتها بلا كدر.. فحياته إما في سعادة
كاملة وهناء دائم وسرور ما بعده سروريكمله حبور..
والشعراء العرب في ديوانهم.. البعض منهم جنَّ
بمعشوقته وتفاخر بين قومه بجنونه بها.. و„ رفيقي
“.يظن في نفسه لهم انتساباً.. بيد أنه مُودل.حديث
عنهم.. فـ هو يسعى أن تكون حياته نجاح متواصل..فــ
„ رفيقي “ في مرحلته الثانوية وهو مقبل على
التعليم العالي الجامعي..فسيعلو من قمة قليلة
الارتفاع -نسبياً-الشهادة الثانوية إلى قمة أعلى
منها -التعليم الأكاديمي الجامعي التخصصي-يعلو فوق
قمةٍ ذات شموخ تناطح السحاب مع تحقيق -بجوار فتاة
مثلها- طموحاته الدراسية والعلمية بحصوله على درجة
أكاديمية.. ومن ثمالحصول على درجةوظيفية
مرموقةفالراحة الحياتية..وهذه -لعلها- أمال الشباب
المقبل على الحياة.. فـ مستقبله بكامله وضعه„
رفيقي “ بين ضحكتها التي تؤنسه نهاراً وبين
ابتسامتها الساحرة التي تصاحبه في منامه.. أما في
بعدها منه وغيابها عنه فحياته شقاء ما بعده شقاء
وتعب وعناء وإرهاق جسدي وضيق في التنفس.. يتذوق
علقم البُعد ويتجرع طعم فشل الاحتفاظ بها ويشرب من
مُر تصرفات غبية أو حماقات طائشة سيدفع ثمنها
غالياً فيما بعد..إذا ابتعدت عنه..
أخذ„ رفيقي “في خلوته يتغنى بأغنية
الأمير..آحدشعراء العصر الحديث من جزيرة العرب..من
بقعةٍ عُرفت بالمذهبيات في العصر القديم..
وبالمعلقات على استار الكعبة في سالف الزمان.. ذلك
الأمير الذي كتب قصيدته..والتي مطلعها :
.. „سَمْرَاءُ“..
وكأن هذا الأمير السعودي كتب لـ „ رفيقي “خصيصاً
هذه القصيدة.. فاخذ يترنم بها أحيانا كثيرة في
صباحه الباكر تحت الدش المنعش بماء الإسكندرية
الدافئدون تسخين.. ثم إثناء فطوره رغيف بلدي وجبنة
تركي أو فول وعسل اسود بطحينة..أو يشدو بها عند
عودته من مدرسته إثناء غذاءه ثم طوال العصر إلى
المغرب إثناء مذاكرته وأخيراً عند عشاءه.. وقد
تسمعه أمه يردد كلمات„ سمراء “ ولا تدري مَن تلك
السمراء الحسناء التي أخذت بلبه وشغلت عقله وسكنت
فؤاده وسيطرت على ذهنه.. وتنظر -أمه- إليه متعجبة
وقد تكون متحيرةفـ هي لاحظت تغييراً ملحوظاً في
سلوكه وهدوءً تاماً في تصرفاته.. لكنها لم
تسأله..ولاحظت حالةًمن غياب عن واقعه..
ثم من محاسن الصدف.. أنه سمع.. ومن مذياع ورشة
نجارة تنحت على الخشب اسفل منزله.. سمع.. من يشدو
فيقول :
„سمراءُ يا حلمَ الطفولة * يا منيةَ النفس
العليلة“
„ رفيقي “ يعلق على الشطر الأول من القصيدة بعدم
الدقة في تسلسل زمن عمره معها.. فتلك السمراء ليست
منذ زمن الطفولة.. ولكنه أقر أمامي بدقة وصحة
الشطر الثاني من بيت القصيدة الأول..
„كيف الوصول الى حماك * وليس لي في الأمر حيلة“
فـ اقر واعترف بصحة هذا البيت بكامله
„ان كان فى ذُلي رضاك * فهذه روحي ذليلة“
يتوقف„ رفيقي “ كثيرا أمام هذا البيت.. وابدى لي
اعتراضه على حالة الذل هذه والهوان الذي يعشقها
العربي في شعره ولعله يعيشها في واقعه.. وتعجب من
أغنيات شعبية تذاع في الإذاعة المِصرية كـ أغنية :
„ يا شبشب الهنا..“
„ يارتني كنت أنا “..
وهذا ليس فقط مذلة وهوان وذل.. بل حالة من التدني
البشري والسقوط الآدمي إلى أسفلسافلين واحتقار
النفس وإذلال الذات..
ثم اعترف بموافقته تماماً مع كل الأبيات الشعرية
الآتية :
„ووسيلتي قلب به مثواك * ان عزت وسيلة“
„فلترحمِ خفقانه لك * ولتسمعِ ترتيله“
„قلب رعاك وما ارتضىٰ * فى حبه أبداً بديلة“
„أسعدته زمنا وروىٰ * وصلك الشافي غليله“
عاد„ رفيقي “..وتوقف عند هذا البيت بشطريه.. إذ هو
في بداية البداية..
„ما بال قلبك ضل عنـــه * فما اهتدى يوما سبيله“
„وسبيلك الذكرىٰ اذا ما * داعبتك رؤى جميلة“
وتوقف كثيراً منسجماً بحسن تصور الأمير عبدالله
الفيصل ودقة التعبير حين يقول :
.. „في ليلةٍ نسجَ الغرامُ* خيوطها بيد نحيلة“
„وأطال فيها سهد كل * متيم يشكو خليله“
„سمراء يا أمل الفؤاد * وحلمه منذ الطفولة“
غاب „ رفيقي “عني.. بل غاب عن الدنيا مع آخر بيتين
من قصيدة الأمير السعودي.. فقد كان يكتب في كراسة
المدرسة المرقسية خواطره في كل ليلة قبل أن يخلد
إلى النوم ويبدء في سماع ضحكتها في منامه ويرى
ابتسامتها في أحلامه..
انتظر يوم الخميس.. الخامسة عصراً بفارغ الصبر
وعلى أمل كبير وحلم أكبر.. ويقنع نفسه بالقول :
ستأتي حتماً لا جدال في قدومها إليه..
.. هكذا بدلت حاله وغيرت أحواله.. كما روى لي „
رفيقي “.وأخذ ينتظر يوم الخميس الساعة الخامسة في
ميدان المحطة العمومية للـ ترام المتجه إلى منطقة
الرمل..
ولعل„سَمْرَاءُالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ“ تجربته
الغرامية الأولىالحقيقية -هذا تخمين وظن من طرفي-
بعد أنتهاء قصته الأولى الفاشلةبكل المقاييس
مع„زهراء الدنيا“.. هكذا أطلق عليه وسماها..
واسمها الحقيقي :„فاطمة“تلك التي تركته دون
ابتسامة صفراء ترسمها على وجهها الصبوح تقابله بها
صباحاً قبل مغادرته منزله وذهابه إلى مدرسة
الأمريكان الإعدادية.. أو ضحكة حزينة تلقيها على
مسامعه بُعيد الغروب وقبل مجئ المساء.. وهي -تلك-
القصة التي لم تبدء -أبداً- حتى تنتهي أو تكون لها
نهاية محزنة أو مفرحة.. ولكنه حَسَبَها ضمن تجاربه
الأولى.. بيد أنها -قصته مع نورا.. هكذا ظن في
البداية أن هذا قد يكون اسمها-.. تعتبر وفقحبات
سبحته النسائية من أهم تجاربه..
هي..„سَمْرَاءُالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ“تعتبر أولى
حبات سبحته اللؤلؤيةالثمينة البحريةالراقية والتي
تبعثرت حباتهاعلى كر أعوام عمره وآحدى أغلى فصوصها
الزبرجدية والتي زينت سبحته.. خاصةً من نوعالزمرد
الريحاني.. أو نوع آخر يسمى ماء البحر.. وأفضل
أنواع الزبرجد.. ذلك الموجود في مِصر في جزيرة
الزبرجد الواقعة في البحر الأحمر..
و„ رفيقي “.وهو يفتخر بذلك.. له جولات في جزيرة
العرب.. خاصة مكة المكرمة.. وكان اسمها مُزنة..
سحابة..ذات مذاق خاص.. ورنة صوتها أبهرته.. تلك
الخليجية الرائعة.. كما له جولة في بلاد الإغريق
لم تكتمل.. وآخرى في كرواتيا..أغدقت من صميم قلبها
صافي ودها وتمدد على البحر الإدرياتيك فاكتسبت
يشرته اللون البرونزي.. ثم.. ثلاثتهنَّ جميعاً في
جمهورية الألب وعلى التوالي آحداهنمن سالزبورج
وآخرى في جراتس وثالثة من سكان النمسا السفلى..
ثم توقف„ رفيقي “عن عدِّ خرزات مسبحته.. إذ تذكر..
رابعة.. واصلها من بلاد بولندا قد هرب جدها من
مذبحة هتلرية فلجأ إلى آحدى مقاطعاتالنمسا..
هذا وفق تقسيماته النسائية.. إن لم يكن قد غفل عن
آحداهن أو خانته ذاكرته فـ نسي واحدة منهن..
وبافتخاره بـ حبات هذه المسبحة فهو بحق يعتز بأنه
:„ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“..
وهنا قال„ رفيقي “بصوت عالٍ :„وصدق من قال :
«„إنَّ خَيْرَ هذِه الأُمَّةِ أكْثَرُهَا نِسَاءً“
».
فقاطعته قائلاً:„حديث في صحيح البخاري موقوفاً “؛
فقال :„أهو في البخاري.. في صحيح البخاري
والسلام.. “؛
وقد بدأت تجاربه العملية بعد أن تعلمها منذ نعومة
أظافره من خلال السيدة„ فوزية“.والتي كانت تقريبا
في سن أمه.. وهي التي لها الفضل.. فقط.. أنها
بيَّنت له: «„ضرورة ميل الذكر إلى أنثى“ »ليس أكثر
من ذلك.. بدلا من تلك الفوضى التي تراها في
الأوراق الرسمية من إضافة خانة ثالثة بجوار خانة
الذكر: «„Herr“ » ؛والأنثى: «„Frau“ » ؛من
إيجادخانة كتب بجوارها: «„Neutral“ » ؛ثم
تجربتهالناقصة غير مكتلمة مع„الزهراء“.. ثم
مدارسات نظرية من خلال مشاهداته كـ رؤيته لنجمات
الشاشة الفضية الحسناوات الجميلات أمثال : مريم
فخرالدين.. صاحبة الشق المجري.. أو سامية جمال..
صاحبة القوام الرشيق.. أو نعيمة عاكف بدلالها وخفة
دمها.. أو من خلال صوت ملائكي كـ ليلى مراد.. أو
-بالطبع وقطعاً- نجمات هولييود..
جاء اليوم الموعود.. وحضَّر نفسه للقاءها.. فلبس
قميصاً وردياً تفصيل خياط تعرف عليه عن طريق ابن
خالته.. محامي وموظف بالمستشفى الأميري.. وحمل في
عنقه سلسلة أمه الذهبية ووضعها على صدره ولبس
بنطلونا أقرب إلى اللون الأزرق الغامق منه إلى
الأسود.. لمعَ حذاءه.. مشطَ شعره.. وقد حلق ذقنه
في الصباح كعادته.. وبدء في السير في أرجاء شقة
أبيه يمثل في بعض غرفها كيف سيكون اللقاء الأول
معها.. وهو مازال لا يعلم اسمها وإن كان يغلب على
ظنه أو هناك احتمال يراود ذهنه.. أن اسمها..
„نورا“.. وأخذ يلعب دور العاشق الولهان.. مرةً
أمام المرآة الكبيرة -التسريحة- في غرفة نوم
أبيه..ومرةً آخرى أمام مرآة صغيرة في غرفة
الحمام.. أو في غرفته.. ويتساءل : كيف سأبدء
تحيتها!.. ما هي أول كلمة سأتلفظ بها!.. كيف سأمد
يدي لمصافحتها!.. هل أنحني أمامها لأقبل يدها كما
كنتأرى على الشاشة الفضية.. أم أن هذا تقليد غربي
يصح فقط في افلام هوليوود الأمريكية ولا يجوز في
بلدنا!!.. فالغرب غرب والشرق شرق.. ولن يلتقيان..
وهكذا مئات الأسئلة كانت تراود ذهن„ رفيقي“وأغلبها
لا يجد لها جواباً.. فهو..„ رفيقي “.. أحسن
الكتابةفي كراستها الأولى وها هو يحمل فوق قلبه
وبين رموش عينيه كراستها الثانية.. بدء يضيق صدره
لعدم قدرته على إيجاد إجابات تقنعه أو الوصول إلى
إجابات مقنعة خاصة في لقاءها الأول معه.. أسرعت
عقارب الساعة في التحرك وبقيت دقائق معدودات على
لقاءه بها.. بل ثوان.. أخذ كراستها الثانية ونظر
في المرآة للمرةِ الأخيرة والتي علقتها أمه بالقرب
من مخرج باب الشقة.. وتحرك ببطئ شديد كأن سيقانه
لا تتحمل ثقل افكاره.. وقدماه لا يمكنهما حمل ثقل
وزن هواجسه وحمل أوزان أوهامه وتخيلاته.. تحرك إلى
ميدان المحطة وهو بين السعيد المسرور وبين القلق
الخائف.. ذهب.. فإذ بها بالفعل في انتظاره على
بداية ساحة الميدان.. رفعت يدها اليمنى..
بكراسته.. مشيرة أنها هنا.. لم يدر أهل الساعة قد
جاوزت الخامسة أم أنها جاءت مبكرة.. اسرع الخطى في
تجاهها ونسى أن حوله بشر وأن هناك أناس لهم عيون
ينظرون.. ويملكون أذان يتسمعون بل يتلصصون.. أقترب
سريعاً منها وحياها بأبتسامة خفيفة..
قال لهابهدوء وأدب جم :„السلامُ عليكو!“..
ثم أردف قائلا : „ أهلاً.. أهلاً .. بيكِ“..
ثم وجد أن هذا لا يكفي فقال مسرعاً : „أنا!..“..
فاسرعت هي وبادرته بالقول :„ موشإنتَبرضه بتاع
الأوتوبيس!؟“..
فنظر إليها مبحلقاً : „ أوتو..!؟..“..
ثم زادت بكلمات دون أن تترك له الفرصة لإتمام
كلمته : „ والكراسة.. دِي.. موش تبقى برضه
بتاعتك.!ولا آيــــه!؟ “..
فقال : „ ودِي -واشار الى التي في يده اليمنى-
تبقى كراستك إنتِ كمان.. “..
ثم ابتسمت برقةٍ متناهية.. إذ وجدته مرتبكاً..
تماماً..وكلماته في لقائهما الأول وليس معهما من
أحد وجدته متلعثماً.. وقالت كأنها تداعبه : „
كده.. يبقى برافو عليك.. ده إنتَ كتبت كل الواجب
إللي كان عليك.. كتبته كله.. مرة واحدة كله.. وراح
أديك درجة كويسة! “.
„ رفيقي “ في لحظاته الأولى معها لم يتمالك نفسه
أويحسن الرد أو الإجابة أو حسن التفكير.. والتمرين
المنزلي الذي قام به في بداية كيفية الحديث معها
قد تبخر من ذهنه تماماً وغاب الدرس النظري من
عقله.. وحاول كما اشار لي بأن يخرج من تلعثمه..
ويفر من ارتباكه أمامها.. وأخذ في سحب شهيق عميق
كي يتمالك نفسه ويحسن التفكير ويجيد الرد..
ثم بدء رويداً.. رويداً..في الأتزان النفسي
والذهني والهدوء القلبي.. وترتيب أفكاره..
فقال لها مسرعا كأنه يلقي ارتباكَه من فوق كتفيه :
„ أنا اسمي وجدي “..
ثم نظر إليَّ وقال :„ أول كذبة في أول لقاء معها
“..
فما كان منها إلا أن جاوبته قائلة له وهي ساهمة :
„ اسمك حلو.. ده يبقى جميل قوي“..
وفي تلك اللحظة تمالك „ رفيقي “ نفسه وتحصل على
إتزانه النفسي وتمكن من استعادة هدوءه القلبي
والذهني.. ثم قال بهدوء تام : „قرأتِ ما كتبتَه
لكِّ!؟“
فأجابت بمكر مصطنع: „ هو الكلام الحلو ده إللي في
الكراسة دِي.. مكتوب علشاني.. أنا!؟..“..
فقال لها : „ يا نهار ابيض.. إنتِ لسه موش عارفه..
طبعاً ليكِ إنت.. ليكِ إنتِ وبس.. ده أنا قعدت
اسبوع كامل أفكر فيكِ وأكتب لكِ “..
فما كان منها إلا أنها بدأت تغني وظهر عليها
علامات الفرح الشديد والسرور البهيج..
فسمعها تقول : „ بكتبلك عَلي بقاله سنين.. سنين
مِداريه.. مِداريه “..
فصححت -أنا- له ما قالته لأخرجه من غيبوبته :"
بكتبلك علي بقاله كتير كتير.. كتير ميداريه "..
ثم توقفتْ سريعاً ولم تكمل غناءها..
وهنا اكتملت عنده ما جذبه لها : ضحكتها.. فــ
ابتسامتها.. والأن صوتها وغناها..
ثم قال لها : „ طيب.. ودي -واشار إلى الكراسة التي
بيده- الكراسة الثانية..! تحبي تقرئها “
وانبسط في الكلام معها : „ وفي كل مره تأخذي مني
كراسة مكتوبفيها كلام الإسبوع إللي فات.. كله..
تقرأيه.. وأخذ منكِ الكراسة الثانية!.. اكتب لكِ
فيها“ .
ابتسمت ولم تتكلم..
نظرت فقط إلى اتجاه رصيف الميناء الشرقية..
وانتبه „ رفيقي “ إلى تلك اللفتة منها..
فقال لها : „ تحبي نروح على رصيف البحر!؟.. “
فقالت له بخجل وهدوء تام : „آه.. يا ريت! “
فقال لها.„ طيب .. يالَّه بينا نروح..“..
تحركا معاً..
يروي لي „ رفيقي “..إنهما.. كــ أنهما يسيران فوق
السحاب بلا طائرة.. أو يمشيان فوق ماء البحر بلا
أمواج.. أو يطيران في الهواء بلا جناحين.. يسيران
بجوار بعضهما البعض وكل منهما يمسك كراسةً في
يده.. كـ تلميذ الإبتدائي في أول يوم عند ذهابه
إلى المدرسة.. وشعر كأنها تطير معه في الجو من
فرحتها.. كما أنه شعر أنه لمس السحاب.. نظرا معاً
إلى بحر ينتهي مداه عند رؤيته.. ينتهي إلى سماء
زرقاء صافية..
ثم ثوان وقالت بصوت ازعجهوافاقه من غيبوبته : „
أنا لازم اروَّح دلوقت.. أنا لازم أمشي على طول..
أنا أتأخرت كثير قوي على البيت!.. “..
فقال متألماً : „ بس أحنا لسه متكلمناش!..ده..“..
فقاطعته قائلة : „ لأ.. لأ.. لأ.. لازم أمشي..
أرجوك.. خليني أروَّح.. من فضلك.. أرجوك..
سيبني..يا وجدي.. أركب الأوتوبيس وأروَّح“ ..
ذاب „رفيقي“في عشقهإلى شوشته حين سمع اسمه
المستعار يخرج من بين شفتيها.. فلم يتمالك نفسه من
السرور أو الإعجاب بها.. فما كان منه إلا أنه قال
لها بهدوء : „ طيب.. طيب.. حاضر.. راح تروحي
دلوقت.. حالاً.. بس عاوز أسألك.. سؤال واحد بس..
من فضلك.. أرجوكِ.. هُوَ..هو..إنتِ قرأتِ ما في
الكراسة بتاعتي.. أقصد كراستك إنتِ!.. “ ..
فسرحت منه بعيداً.. -كما أخبرني- ثم عاودت الطلب
مرة ثانية بنرفزة معهودة عند البنات صغار السن
فقالـت : „ روَّحني دلوقت.. يالَّه.. وحالاً.. لو
حد شافني دلوقت معاك.. إنتَ عارف راح يعملوا فيك..
وفيا آيه.. راح يقتلوني.. راح يدبحوني.. راح
يضربوك.. بالجامد.. ويعوَّروك..“..
فقال لها „ رفيقي “: „ طيب.. طيب.. حاضر.. هَدِي
بس نفسك شويه.. بس أنا عاوز أعرف إنت اسمك آيه..
أسمك بس عاوز أعرفه.. زي ما إنت شفتي أنا سايب
فراغ.. مكان فاضي.. يعني نقط على قدر حروف اسمك..
إنتِ.. في الكراسة.. يبقى.. إنتِ اسمك آيه!؟.. “
فردت عليه بـ دلع بنات الإسكندرية ذوات الملاية
اللف وكأنها استرددت عافيتها وهدوءها : „ أنا عرفت
كده برضه.. علشان كده أنا كتبت بنفس لون الحبر
بتاعك.. أسمي في المكان الفاضي.. إللي إنتَ سايبه
فاضي.. خذ كراستك دي.. يالَّه بقى.. أنا عاوزه
أروح.. آحـــه.. أنا أتأخرت قوي سيبني أروَّح..
أرجوك بقى“
فقال : „ صحيح إنتِ كتبتِ اسمك.. طيب وريني
كده..“..
فقالت له : „ لأ.. لأ.. بس لما تروح بيتكم وإنتَ
تقرأ اسمي في كل الصفحات “
فقال : „ طيب أنا نفسي أسمع اسمك بصوتك إنتِ
وبعدين ابقى اشوفه في الكراسة النهارده.. الليلة
دِي“ ..
فقالت : „ لأ.. موش ممكن ابداً! “
فقال متسائلاً : „ هو آيه إللي موش ممكن!.. ده أنا
عاوز أسمع منك إنتِ اسمك.. بس أسمك.. موش أكثر..
طيب أول حرف منه يكفيني النهاردة! وبقية الحروف
المرة إللي جايه“
فقالت : „ لأ.. ما فيش مره جايه ولا رايحه.. أنا
عاوزه أروح دلوقت “..
فقال لها.„ طيب راح اروُح معاك لمحطة الأوتوبيس..
وأركب معاك.. أوصلك يعني! “..
فقالت:„ يا نهار اسود..لأ..لأ دَه موش اسود.. ولا
حاجة..دول راح يشفوك تاني..وتبقى ليلتي وليتك أسود
من الزفت في شارع غبريال.. آحـــه.. آحـــه..أنا
بقول لك آيـــه.. لأ.. ركبني الأوتوبيس وبس.. وراح
أشاورك من الشباك.. وأقول لك بايّ بايّ“.
فقال „ رفيقي “.:.„ طيب راح أركب معاكِ محطة أو
اثنين وأنزل.. أنا عندي كلام كثير عاوز اقوله
لكِ!.. “.
فردت بإنزعاج: „ راح يشوفوك تاني.. زي المرة إللي
فاتت.. المرة إللي فاتت جت سليمة وعدّت.. المرة دي
فيها قطع رقبة..“..
ثم توسلت قائلة :„ وحياة أبوك.. يا وجدي.. ما فيش
داعي تركب معايا الأوتوبيس!. راح يبهدلوك.. حــ
يضربوك! “.
فقال لها حازماً :„ طيب.. خلاص.. أمتى راح اشوفك
تاني!؟ “.
فقالت بسرعة :„ زي النهارده.. الخميس إللي جاي..
“.
فقال :„يا نهار ابيض.. لأ .. لأ.. ده يبقى بعيد
قوي “.
فقالت :„ معلش علشان خَطْري.. الخميس إللي جاي..
معلش ارضى المره دي.. “.
فقال .„ طيب حاضر.. الخميس إللي جاي الساعة خمسة!
“.
ثم قال.„ مع السلامة.. راح توحشيني قوي قوي! ..
قلبي معاكِ..“.
ذهبت ورجلاها مثقلتان وركبت الأوتوبيس بمفردها..
.. ثم.. انتبه „ رفيقي “.أن كراسته الأولى مازالت
معها.. في يدها.. والجديدة مازلت في يده.. فـ ركب
الأوتوبيس خلفها.. من الباب الخلفي.. وبحث عنها
فوجدها جالسة وقد فتحت كراسته تقرأ فيها..
فقال لها : „ عفواً.. يا مدموَزييل.. إنتي نسيتي
تأخذي الكراسة الجديدة بتاعة النهاردة! “..
فقالت بهدوء حذر :„ آه.. صحيح.. شكراً.. راح ابقى
أديها لقريبتك يوم السبت في المدرسة.. موش كده
برضه! “..
فأظهر تعجبه وأبدى استغرابه..
ثم أشارت بيدها كأنها تريد القول :„أنزل بقى..“..
بعد أن أخذت الكراسة الجديدة.. ثم تحرك في اتجاه
باب المركبة العمومية من الأمام.. ونسي أن يأخذ من
يدها كراسة الإسبوع الماضي.. فعاد إليه قائلاً: „
طيب اديني الكراسة الثانية! “.
فقالت : „ آه.. صحيح دِي لسه معايا .. أتفضل
أهيَّه “..
وتحرك مسرعاً للمرة الثانية تجاه الباب.. للنزول..
فإذ بالأوتوبيس يتحرك مغادراً محطة الوقوف.. التي
كانت أمام تمثال زعيم الأمة سعد زغلول.. ولعله لم
يعجبه تلك التصرفات الصبيانية منهما.. فاعطى ظهره
لهما ونظر إلى البحر.. فلم يكن أمامه من بُد أن
يبقى حتى محطة الوقوف القادمة..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[(٣)] اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ: «القصة بدأت»..
فصل رقم: [59]الجزء الثالث:
سَمْرَاءُالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ..
«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ»..
كُتبتْ في «فيينا Vienne - لحظة إطلالها
علىٰالدانوب الأزرق»..
الخميس، 02 ذو القعدة، 1445هــ ~ 3مايو 2024م
بل -حقيقةً- أنارتْ
بضحڪتِهَا ليلَ الإسڪندريةڪلها
لم يدرِ ڪيف أقدمَ علىٰ تلك الفعلة الشنيعة.. ولعل
من حسن حظه ڪـ إنسان أنه لا يذڪر تفاصيل مقدمات
تلك الحادثة المستنڪرة..
وصدق مَن قال: „ما سميت إنسانا إلا لنسياني“..
ڪل ما يذڪره أنه تجرأ واقتحم مڪتب أبيه المحامي
بالنقض بوسط عاصمة الثغر الإسڪندرية ليريه وزملائه
تلك الفتاة ذات البشرة البيضاء وذات الشعر
الأشقر.. ثم دعاها لرؤية فيلم أجنبي بسينما
رويال.. ثم سحبها لمنزله لترقد فوق فراشه في
غرفته.. فقد ڪان يعلم تماماً أن أمه في زيارة
لخالته وغالبا سوف تعود علىٰمغارب هذا اليوم..
.. حدثٌ مخزيٌبڪل المقاييس يتألمٌ منه..ڪلما
تذڪره.. وذاڪرة„ رفيقي “تملؤها أحداث ڪثيرة مفرحة
وسعيدة وآخرىٰ مؤلمة غالباً ومخزية أحياناً بل
تعتصره من الألم.. فتقهره من الخزي وتذله ڪلما
تذڪرها.. ويا ويله من هذا العار.. فتظهر عليه
علامات الحزن..ڪأنه يريد أن يقدم اعتذاراً يعلن
فيه من خلاله بصوت مسموع آسفه لمن اساء إليهم أو
إليهنَّ..
وهي.. تلك الشقراء البيضاء لم تتفاعل معه ڪـ
أنثىٰبل ڪانت صامتة طوال الوقت..فلم تتجاوب معه بل
ظلت باردة متخشبة.. و„ رفيقي “لم يرغمها علىٰ شئ..
بل أتت معه راغبة.. وهو أراد أن يحرك مشاعرها
نحوه.. أو بتعبير أدق أراد أن يثبت لنفسه قدرات
ذڪورية.. ولا يدري„ رفيقي “ ما الدافع عندها
ليقترب منها هكذا أو تسلم نفسها له هكذا.. وهي لم
تڪن لحظتها حبيبته.. بل -فقط- صديقة(!) حبيبته!..
والمؤلم حقاً والمخزي صدقاً أنها -تلك الفتاة
الشقراءالبيضاء.. أو هڪذا ڪان يراها-ليست صاحبة
هذه القصة..حين رواها لي.. بل القصة الحقيقة: هي
حڪاية صاحبة الابتسامة ذات البريقالرائع الذي يرى
من بُعد أميال من ثغرها البَسَّام الذي سيضئ ظلام
حياته -هڪذا ظن- في مطلع شبابه.. بل -بالفعل-يضئ
ليل مدينة الإسڪندرية.. مدينته الجميلة.. والرجل
يرغب دائمأً في امرأة من طراز خاص ذات مواصفات
بعينها تحمل مميزات خاصة نادرة الوجود ويسعد ذلك
الرجل إذا وجد ڪل هذا في امرأة أمامه.. بغض الطرف
عن درجة جمالها أو وصف الناس لها.. قصةُ فتاةٍ
ملئت قلبه بحنان نادر و„ رفيقي “يرغب -بل ڪل رجل-
في مثل تلك المرأة.. فتعلق عقله بحسنها المِصري
الأصيل.. فهي بالقطع مِصرية المواصفات حتى النخاع
جاء أجدادها من جنوب القطر المِصري حين
بنىٰالأجداد الفراعنة اصحاب البشرة السمراء
ومُلَاك الشعر الأجعد.. بنوا أعاجيب الدنيا فثلث
أثارالعالم -أو أڪثر- تجدها مجتمعة علىٰ أرض
مِصر..
إذافـ „ رفيقي “ يرغب في هذه الأمسية أن يسرد
روايتين حدثتا معه في قصة واحدة.. تألم مرة لترك
الأولىٰ واصابه الخزي ولحقه العار لما فعله مع
صاحبة الرواية الثانية.. صاحبة الرواية الأولىٰ
مڪث معها عدة شهور ينعم فيها بدفء قلبها ورجاحة
عقلها وإكتمال إنوثتها.. أما الثانية.. فروايتها
معه لا تستغرق سوىٰ سويعات تعيسة في نهار
أسودتشمسه أمام عينه.. فأمطرت الدنيا بغزارة
أمطارا سوداء قاتمة حملتها مزنڪاحلة.. لا تروي
عطشاً ولا تسقي زرعاً وڪأن هذا اليوم لم تبزغ فيه
شمس ولم يڪن في الدنيا بأسرها قمر يضئ ليل..وغارت
النجوم فلم يهتدي السائر بضوء وتعطل منارة
الإسڪندرية عن الإضاءة ثم هاجت الأمواج واصطدمت
بجدار الميناء فتحطمت البضائع وغرقت السفن..
.. حدثَڪل هذا ڪما أخبرني.. فـ علاقته بتلك
البيضاء الشقراء أنه رأها عدة مرات فقط وهي تصاحب
صاحبة القصة الأصلية وتحدثا قليلاً جداً..
ثم توقف : „ رفيقي “عن الحديث معي..
وقال بصوت مجروح من الألم ينزف صديداً من الخزي
بدلا من الدم: „ألا تذڪر أنه ورد عن ابن عباس،-رضي
اللَّه عنهما-، أَنه قال..“
فقاطعته مباشرة : „حيلك.. حيلك.. يا سي عباس..
اتستشهد بحَبر هذه الأمة وانت تتحدث عن معصية..
هڪذا أنتَ تصفها“!؟..
فقال : „ طيب “..
وارتشف من فنجان قهوته رشفةً بلت أطراف فمهثم أڪمل
القول: „خليني أڪمل حديثي.. الله يخليك.. وسوف
تفهم“..
فقلت له : „قُول يا سيدي.. واطربني.. لا فض الله
فاك!.“
فقال متأثماً: „إِنما سُمي الإِنسان إِنساناً
لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ“
فقلت له : „ يا عم دي لُغة.. وفعلتك باشتم منها
أنها معصية وجريرة لا تغتفر إلا باستغفار بندم
وتوبةنصوح “..
ثم اعتدل في جلسته فقال: „أزيدك من المسألة معلومة
قرآنية أنت بالقطع تعلمها.. ثم استعاذ من الشيطان
اللعين الرجيم والمبعد من رجمة الله وافتتح قوله
بالبسملة فالحمدلة ثم قال وهو جالساً متربعاً فوق
مقعده :„ويؤكد هذا القول قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾..وڪأنه أراد أن يستدل
بأن -النسيان وضعف العزم-صفتانآدميتانورثناهما عن
أبينا الأول وجدنا الأوحد سيدنا آدم -عليه وعلىٰ
نبينا الصلاة والسلام-..
ثم نظر إليَّ وأڪمل: „.. أو سُمي إنساناً
منالإيناس.. وهو الإبصار.. لأنه يبصُر أو يُرى..
أو منالأنس.. لأنه يأنس ويؤنس به.. أو منالنوس،
وهو التحرك.. لأنه متحرك“..
والظاهر لي -والله أعلم- أن „ رفيقي “في شبابه
المبڪر أرتڪب عدة حماقات.. ولڪن بداية تلك
الحماقات ڪانت في بداية تلك العلاقة -ولعلها حماقة
ميسورة- إذ أنه غيَّر اسمه.. وأظن أن„رفيقي“ غيَّر
اسمه إما إلىٰ„مراد“أو إلىٰ„وجدي“.. ولم يخبرني
لماذا اختار هذا الاسم أو ذاك بالذات.. ولا استطيع
أن أخمن.. ففي فلتة لسان له ذڪر منطق آحدهما أو
مخرج ڪل منهما علىٰ حدة ولعله اختار مرة مع ضحية
له اسم „مراد “ومع آخرى بدَّله بـ „وجدي “.. ولم
يتبين لي ولا أدري ما سبب ذلك التغيير ولعل الباعث
طيش شباب.. أو أنه ڪان يتفرج على آحد الأفلام
المِصرية فأراد أن يتقمص شخصية بطل الرواية.. أقصد
الفيلم..
إذاً تذوق „رفيقي“طعم الخيانة.. وهو لم يدرك
مرارتها إلا بعد إنتهاء وطره منها.. أقصد ليست
صاحبة هذه القصة.. والعجب أنه غضب من نفسه أو هڪذا
يبدو لي فعاقب نفسه أولاً ثم عاقب نورا..
-*/*-
.. فـ من هي نورا إذاً!؟..
وما علاقتها بتلك الخيانة.. التي يُسميها عظمىٰ..
! ويتألم عند ذڪرها ويصيبه الخزي عند الحديث
عنها..
.. تبدء القصة وهي من قصصه الشيقة.. جداً!
فقد قال „رفيقي“لي : „عند قُرب غروب شمس نهار دافئ
مِن أيام نهاية عام دراسي..“..
ويغلب علىٰ ظني أن „رفيقي“ڪان في نهاية المرحلة
الثانوية في مدرسة المرقسية المشهورة بالقرب من
محطة ترام الرمل..
يڪمل „رفيقي“ القول: „ انتبهتُ لوجودها بالقرب مني
“ ..
ثم أخذ في وصفها بدقته المعهودة فقال „ رفيقي “:
„وهي ترتدي بدلةًمدرسية رصاصية اللون..محزأة على
جسمها الممتلئ.. تحتها قميص أبيض مفتوح الصدر
قليلا.. يظهر -ڪما يدعي- أنه غير مڪوي بشڪل جيد..
أو مر عليه أسبوع دراسي ڪامل دون تبديله بآخر وهو
نظيف لا يشتم منها رائحة عرق“..
ثم يحلل أمراً ما بقوله „ومَن يدقق في فتحة القميص
ويبدو أنها تعمدت هڪذا ترڪه مفتوحاً يتمڪن من
النظر إلىٰ لون حمالة الصدر.. وهي ذات شعر قصير
أسود ڪـ ليل بهيم.. دائمة الابتسامة مع
صويحيباتها“..
إذاً.. لفت انتباهه صوت ضحڪتها ذات الرنة الساحرة
-بوصفه-وهي تتحدث مع زميلاتها بصوت عالٍ جلب سمعه
إليها فاراد أن يقترب منها.. وانتبه لمصدر الصوت
إذ هي تتوسط بنات مدرستها ولا يعلم ما سبب
وجودهنَّ في هذا المڪان وحاول اصطناع موقف.. وسار
خلفها برهة من زمن وهي لاحظت أن إنساناً يسير منذ
زمن خلفهنَّ خاصة خلفها هي بالذات ولڪن بشڪل
يجعلها تلاحظ أن بالفعل هناك إنسان ما يسير
خلفها.. في البداية ڪانت متضايقة لهذا القرب -ڪما
وصف لي- في السير وخاصةً وأن ميدان محطة الرمل
يمتلئ بالناس.. فـ منهممَن يريد الذهاب لحفلة
السينما المسائية مع شراء مسليات مشاهدة الفيلم ڪـ
اللب الأسمر أو الفشار..
قليلا.. قليلا بدأت تنظر خلفها لتستوضح ماذا
يريد.. أهو صدفة في طريقه يسير هڪذا ڪما هنَّ
يسيرنَّ..أم يريد أمراً ما.. ولفت انتباهه بريق
ينبعث من ثغرها.. يلمع حين تتحدث وهي
تنظر-أحياناً- إلىٰ الخلف.. تنظر إليه.. بريق
لمعان اسنانها وهي ڪانت تميل إلىٰ السُمرة.. وكانت
ممتلئة الجسم قصيرة لحد ما ڪـ غالب النساء..
ثم ذهب الجميع -وهو معهم- إلىٰ محطة النقل العام
أمام تمثال زعيم الأمة „ سعد زغلول “ورڪبن
جميعهنَّ أوتوبيس-لم ينتبه „ رفيقي “ لرقمه أو خط
سيره - فرڪب معهن.. واقترب خصيصا منها ليواجهها..
وينظر إلىٰ وجهها وهي ڪانت دائمة الإبتسام تمتلئ
حيوية الأنثىٰ التي منذ حين أنتقلت إلىٰ مبلغ
النساء.. وبالقطع-من وجهة نظره- هي من تلك النسوة
اللائي يجلبن السعادة والراحة للرجل.. وڪانت تتحدث
مع زميلة لها..
.. هڪذا أخبرني بالتفصيل..
ثم بدأ الأوتوبيس في الازدحام برڪابه قبل مغادرة
بداية موقفه الأصلي بمحطة رمل الإسڪندرية.. وبتحرك
وسيلة النقل العام هذه صارت فرصة آخرىٰ سانحة له
ڪي يقترب منها أڪثر.. وأڪثر.. ثم اعتذر بأدب جم
أنه يلامسها بصدره نتيجة زحام أتوبيس غالب الرڪاب
في طريق عودتهم إلىٰ بيوتهم.. وبهذا الأدب الجم في
الإعتذار بدأ الحديث بينهما.. ثم من ڪثرة الزحام
انفصلت تماما عن رفيقاتها نتيجة زحمة الأوتوبيس
وهو -وڪأنه حاول- عمدا أن يبعدها عن مَن ڪنَّ معها
بل اراد أن يبعدها عن الناس جميعا ڪي يتمڪن من
الحديث معها علىٰ إنفراد وإن ڪان المرڪبة العمومية
مزدحمة ولعل ڪل راڪب يفڪر في حاله او في ليلته
وعشائه.. وإن ڪان طالبا يفڪر في دروسه ووجباته
المدرسية.. وبالتأڪيد ڪان هناك مَن يراقبهما..ثم
بدءا يتبادلان الإبتسامة نتيجة هذا الإلتزاق
المفروض عليهما..ومن هنا بدأ الحديث..
قال لها:„موش إنت -برضه- طالبة في المدرسة
الثانوية للبنات خلف محطة الترام!.“
فضحڪت بصوت مسموع له مڪتوم عن الآخرين وقالت:„. ده
ما فيش مدرسة ثانوية للبنات خلف محطة الترام..
باين عليك إنك موش من هنا خالص! “.. فما ڪان منه
إلا أنه قال مسرعاً : „لأ.. أنا من هناك!!.“
فضحڪت مرة ثانية وقالت: „ من هناك.. يعني منين! “
وڪانت في ڪل ضحڪة إثناء سير الأوتوبيس تنشل قلبه
من صدره ليصل إلىٰ حلقومه فيتوقف عن التنفس بشڪل
طبيعي.. „ رفيقي “نسي تماما أنه برفقة رڪاب أذانهم
ملتصقة بمخرج ڪلماته لا يسمعون فقط ما يقول بل
يتلصصون ڪلماته ويتحسسون أنفاسه.. فقد ظهر للجميع
ان هذا الشاب لا يعرف هذه الفتاة وأنه يحاول أن
يغازلها أو يجلب انتباهها لحديثه !
ڪان „رفيقي“ يخشى سرعة المرڪبة العمومية وهو لا
يدري متىٰ سوف تنزل في محطتها بالقرب من منزلها..
وهي بالفعل إذا نزلت فسوف يڪون منزلها بالقرب من
محطة الأوتوبيس..
فڪان يسرع في الحديث معها.. ثم تجرأ وقال لها :
„أريد أن اراك مرةً ثانية.. وهذا ضروري.. ارجوك“..
فضحڪت مرة ثانية وفي ڪل ضحڪة منها يريد أن يلثم
فاها أو يريد أن يقبل شفتاها.. لڪن غير معقول
الناس الغرباء من حولهم..
وقد تبرع آحدهم بالاقتراب منهما وسألها: „إنتِ
نازلة فين.. يابنتي“
فردت مسرعة: „أنا رايحة عند بيت عمي.. وده ابن
عمي-واشارت إليه- حـ يوصلني “!.. فـ سكت الرجل
المتبرع..
فاطمئن „رفيقي“ أنها ترغب في مصاحبته إلىٰ نهاية
رحلة الأوتوبيس أي إلىٰمحطة نزولها!
لم تخبر السائل بمحطة النزول.. لڪن „رفيقي“علم
أنها لا تريد تدخل أحد لحمايتها.. فهذا ليست
معاڪسة فتى مراهق ولڪن هي ابنة عمه يرافقها في
زيارة العم..
ابتسم „ رفيقي “ابتسامة المنتصر واطمئن ڪما يقول
الصائد الماهر بأن „السنارة غمزت“..
للأسف بدء الأوتوبيس في أن يفضىٰ من رڪابه.. وهذا
معناه قرب محطة نهاية الخط.. فالغالبية وصلوا إلىٰ
محطة نزولهم.. فضىٰ الأوتوبيس أو ڪاد من الرڪاب
وصارت بعض المقاعد فارغة مِن مَن جلس عليها.. فقال
لها : „تحبين الجلوس.. أم تفضلين الوقوف بجوار
النافذة“..
فردت بصورة لم يتوقعها قالت له : „ أريد أن اراك !
“.
فقال لها : „لو جلسنا سوف تريني !؟“..
فقالت: „سأرى جانبا من وجهك.. أريد أن اراك
ڪاملاً.. وأنت واقف أمامي “
... تبعثرت الڪلمات عنده في الرد عليها.. وتبعثرت
الأفڪار في الإجابة..
بيد أنه قال لها مسرعاً : „إنها أسعد لحظة في
حياتي أنني وجدتك.. “.. ولم يڪمل أين..
أقتربت المرڪبة العامة من محطة النهاية.. إذ أن
المحطة القادمة هي آخر الخط.. ڪما أعلن مراراً
الڪُمسري.. محصل ثمن التذڪرة..
فقالت له: „سوف أنزل.. محطتي جاءت“ ..
فقال مسرعاً : „متى اراك مرة ثانية“..
قالت له بعد لحظات تفڪير .. ڪأنها أعوام : „
الاسبوع القادم “..
فقد نسىٰ تماما „رفيقي“ أن اليوم هو الخميس نهاية
الاسبوع المدرسي وغدا الجمعة عطلة رسمية في الديار
المِصرية.. نزل معها..
قالت بهدوء حذر: „لا تسير معي أو خلفي.. الناس هنا
يعرفونني.. راح يڪسروا عظامك لو شافوك ماشي
ورايا“..
لم يبالِ بما قالت من تحذيره وشفقتها عليه..
فرد مسرعا: „ ياه.. اسبوع ڪامل لا اراك فيه.. يعني
-آيه- الخميس القادم.. طيب الساعة ڪام.. وفين“..
فقالت: „زي النهاردة.. أمشي بقى.. روح بسرعة علىٰ
الرصيف التاني.. آَحِّهْ.. الناس راح تشوفك.. راح
يبهدلوك وبعدين يضربوك!“ ..
„رفيقي“ڪان يحمل علىٰ عنقه فوق صدره سلسلة ذهبية
يتعمد إظهارها.. وهي علىٰ شڪل قلب منقوش بوسطها
أول حرف من اسم ابيه يعانق أول حرف من اسم أمه..
حرفان متعانقان.. واخذها من أمه ولبسها.. وعليه
يظهر من ملابسه ومن طريقة حديثه بل ومشيته أنه ابن
ناس بمفهوم ولاد البلد الجدعان.. وبالعامية يعني
أنه ابن أمه.. وبالفعل بدأت تتوجه أنظار المارة
إليهوبنظرات مستفسرة إن لم تڪن مريبة..
ثم سمع من جانبه الأيسر مَن يقول: „ إلأفندي رايح
علىٰ فين!؟..
و„ رفيقي “ لم يظن أن الڪلام موجه إليه..
فطبطب علىٰڪتفه المتحدث سائلا بصوت عالٍ : „إنتَ
رايح فين يا أخينا!؟“..
فقال بصوت يرتجف : „ آِه.. أنا رايح ارڪب
الأوتوبيس!.“ ..
فقال المتڪلم : „يا أفندي أحنا في نهاية الخط
والأوتوبيس وراك موش قدامك!.. سلامة الشوف.. العتب
ع النظر!“ ..
فقال„رفيقي “: „لا مؤاخذه..ده صحيح.. “ ..
وإذا به يسمع صوت من شرفة تطل علىٰ الحارة التي
دخلها يقول : „ يا بت.. يانوره. أتخرتي ليه..
أطلعي علىٰ طول ده ابوك لو عرف راح يقطع رقبتك!“..
لم يسمع رداً منها.. علىٰڪلام تلك المرأة ولم يعرف
دقة جواب منها.. فــ رجع بهدوء تام..
في تلك الليلة أخذ „ رفيقي “ڪراسة من دفاتر
المدرسة المرقسية فارغة وأخذ يكتب لها..
ومن هنا جاءت منه فڪرة ڪتابة:„صفحات من ڪراسة
إسڪندريات“
وهذه وفق حديثه معي أنها المرة الأولىٰ التي يبدء
في ڪتابة أوراق غرامية لمحبوبته.. فهو لا يدري
بالفعل أهل السيدة التي تحدثت من الشرفة ڪانت تقصد
راڪبة الأوتوبيس معه..
إذا فــ اسمها „ نورا “.. أم فتاة آخرىٰڪانت تسير
في نفس الحارة.. لذا لم يتمڪن من ڪتابة اسمها وڪان
يترك نقاط بعدد حروف „نورا“ في رسائله علىٰ صفحات
ڪراسته المدرسية الإسڪندرانية..
تقريبا ڪان يڪتب ڪل ليلة عدة ڪلمات لها يعبر فيها
عن مشاعره الغامضة تجاهها وينتظر بفارغ الصبر مجئ
يوم الخميس..
لڪنه انتبه بعد حين أنه لم يتمڪن من تحديد الساعة
التي قابلها فيها يوم الخميس الماضي.. والتعبير
قبل غروب يوم ما تعبير فضفاض لا يحدد ساعة زمنية
بعينها فڪانت حيرة ما بعدها حيرة.. فاصابه قلق فقد
تحضر مبڪرا ويأتي متأخرا أو العڪس يأتي مبڪرا
وتحضر متأخرة..
أخذ يڪتب.. ويڪتب خواطر تأتي علىٰ خاطره تعبيرا عن
شئ ما غامض تجاه فتاة ما زالت بالنسبة إليه غامضة!
لا يدري ڪيف مرت الأيام أو عدد الساعات..وأخيراً..
جاء يوم الخميس الموعود.. وذهب في انتظارها
مبڪرا.. -هڪذا يظن- وميدان محطة الرمل ليس ڪبيرا
جداً فيتمڪن المرء من رؤية مَن سيأتي من أي زاوية
ڪانت.. إذا وقف الإنسان عند نهايته.. مرت دقائق..
ڪأنها أزمان ومرت ساعة ڪأنها دهر.. وهو في مڪانه
ينتظر قدومها إليه.. وڪأنه يتساءل مصبرا نفسه :
لعله جاء مبڪرا قليلا أو ڪثيراً.. وهڪذا وهو في
حيرة من أمره منشغل الفڪر إذ به يسمع صوتاً رقيقاً
من خلفه يقول له:„هي موش راح تيجي.. بتعتذر!..“ ..
فإذ به تقف أمامه ثلاث فتيات بنفس زي مَن
ينتظرها.. البدلة الرصاصي والقميص الأبيض مفتوح
الصدر..
فسارع بالقول مستغربا: „هي مين إللي راح موش راح
تيجي“..
فقالت آحداهنَّ : „موش راح تيجي.. وخلاص.. بقىٰ“..
فقال: „هيَّ مين.. إنتِ تقصدِ مين“..
فقالت آخرىٰ : „إللي ڪنت راڪب معاه الأتوبيس.. يا
خويّا.. يوم الخميس إللي فات!“..
فعرف مَن تقصد وظهر عليه علامات الحزن.. ثم قال
رافعاً الرأس قليلا : „طيب لو سمحتِ أعطِ هذه
الڪراسة لها علشان تقرأها“..
فقالت آحداهنَّ له :„لأ.. لأ.. أحنا منعرفهاش.. ما
شفنهاش“..
فقال متوسلا :„ارجوڪم.. بس اعطوا الڪراسة دي لها..
بس.. موش أڪثر.. وأنا راح أنتظرها الخميس القادم
الساعة الخامسة هنا.. شڪرا.. أنا متشڪر خالص“..
فترددنَّ في أخذ الڪراسة منه.. ثم تجرأت
آحداهنَّ.. بل وتعطفت.. وقالت له: „ راح نعمل
معروف فيك وفيها ونأخذ الڪراسة بس موش أڪثر..“
فقال لها وهو ممسڪا الڪراسة بطريقة معينة :
„ارجوكِ.. خلي بالك.. الڪراسة دي.. في الصفحة
الثالثة بها شئ عزيز عليَّ قوي“..
فردت آحداهنَّ : „يبقىٰ آيه ده إن شاء الله!“..
ففتح „رفيقي“لهنَّڪراسته علىٰ تلك الصفحة التي
رقمها وقال: „ شوفوا.. بصوا.. انظروا !“..
فإذا بـ وردة بيضاءاقتربت من أن تجف أوراقها بداخل
الڪراسة..
و.. هڪذا.. أنتهىٰ المشهد الثانيبعد المشهد الأول
في الأتوبيس من قصةٍ لم تدم طويلاً.. وأنتهت
بخيانة عظمىٰ..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
﴿رُوَايَّةُ: « „الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“ ».﴾
[(٣)] اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ: «القصة بدأت»..
فصل رقم: [ 58 ]الخيانة العظمىٰ.. الجزء الأول
«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ»..
كُتبتْ في «فيينا Vienne - لحظة إطلالها
علىٰالدانوب الأزرق»..
الخميس، 17 شوال، 1445هــ ~ 24 أبريل2024م
توجهت إلى„ رفيقي
“بسؤالٍ مفتتحاً به تناول العشاء العُزابي.. طبيخ
„ قرديحي “ على مائدة طعام لا أدري كيف حُضر..فقد
كنا على عجلةٍ من أمرِنا.. وأمرُنا كلُه في سرعة
غير متناسقة وعلى استعجال أحيانا يكون فضوي.. ولا
ندري ما طيب مذاقه ولكنه -على كل حال- طعام يسد
جوعة المعدة وطبيخ يسد المرء به رمقه.. إذ كان
مزيجَ من خضار ولحم دجاج..وعليه لم يصبح „ ارديحي
“بيد أن اللحم إنهرىفلم تتبقى منه سوى أنسجة وذكرى
أن كانت بداخل هذه الحلة دجاجة..التي.. قيل أنها
ذُبحَت على الطريقة الإسلامية والعهدة على„ القاتل
“أقصد الجزاروكنا نصحح له:"هل ذُبح على الشريعة
الإسلامية"..فيرد بـ هزةِ رأسٍ للأمام والخلف..لا
يفهم منها شيئ ما.. سوى خلصنا وراك زبائن.. وقد
حلَّ لنا هذا الإشكال فضيلة الشيخ محمد متولي
الشعراوي -الله يرحمه- في زيارته لفيينا في مصلى
إتحاد الطلبة المسلمين -قبل التغيير وتبديل الاسم
ثم الإغلاق- التابع لجماعة الإخوان المسلمين بالحي
السابع الفييناوي حيث قال فضيلته :„ دُول أهل
كِتاب “.. وسكت -رحمه الله- برهةً ثم اردف قائلاً:
„ وأكل ذبائحهم جائز دون سؤال أو استفسار.. سموا..
وكلوا “.. ثم علق مستغربا مستعجبا: „إنتم -كنا
شباب عزابية- غالبية أسئلتكم تدور حول اللحم
الأبيض واللحم الأحمر“وقصد فضيلته : „معاشرة نساء
بني الأصفر“دون زواج أو عقد شرعي.. والعمل في
مطاعم تقدم لحم خنزير..والمهم أن البعض منا قَبَلَ
فتواه والبعض الآخر تردد!.. هذا الحدث تم في بداية
الثمانينات من القرن الماضي..
المقصود أنهفي بداية وجبة عشاء عُزابية اُرْديحي
بطريقة السلق السريع بماء مغلي لدرجة الذوبان: لحم
دجاج وأرز معجن مع خضار لم يتبق منه سوى لونه..
توجهت إلى „ رفيقي “بالسؤال:
„ما مقياس الرجولة عندك!؟“..
ولم أدرِ ما الذي جعلني اسأله مثل ذلك السؤال في
هذا اليوم.. وقبل التسمية على الطعام..
ثم سرحتُ بفكري قبل سماع إجابته.. إذ المعلوم أن
الإنسان-دوماً- لديه أزمات في حياته أو مصاعب
تقابله في فترات عمره أو مشاكل نفسية أو صحية أو
إشكال في التعامل مع الآخر الذي مثلك أو غريب
عنك.. وتبدء هذه المشاكل والصعوبات مبكراً عند :
„هذا الإنسان“سواء البكري في العائلة أو آخر
العنقود وكما يقولون سكر معقود أو بين عدة أولاد
أو ما يطلق عليه الطفل الساندويتش أو طفل وحيد:
„بتاع أمه“.. الكل لديه مسائل مستعصية أو سهلة
وعُقد نفسيه..
ولخبرتي به.. فـ بالقطع „ رفيقي “ يحمل بين جنبيه
-وإن أخفاها- مجموعة مثقلة من العُقَد النفسية
-كبقية الناس- نتيجة ما مر به من مواقف مخجلة في
زمن الطفولة الواعية -إن تذكرها- وإن كانت تصلح أن
نسميها الطفولة البريئة أو أزمات وقت صباه قبل
بلوغه مبلغ الرجال أو عبث ما فعله في باكورة شبابه
سيحمل وزره إن لم يقلع عنه أو خبطات موجعة من
سقوطات في تجاربما أو مؤلمة من فشلفي
علاقاتإنسانية اراد له التوفيق.. فأخفق..أو إرهاق
وتعب وتأخر في دراسة حين كان شابا أو تعثر في بناء
مستقبل زمن قوة الشباب وفتوة الإنسان أوما مر به
كرجل حتى الأن من صعاب في عمله واستمراره فيه
وترقيته في درجاته أومشاكل في مسكنه.. أو أزمات لا
دخل له ولا يد فيها أو مع المرأة أو نساء.. خاصةً
إنتقال: „ رفيقي“المفاجئ دون مقدمات تمهيدية أو
تهيئة نفسية وإعداد ذهني أو إحسان لغة القوم الذي
سوف يمكث معهم زمنا قد يطول.. إما بقصد العمل وجمع
المال وإدخاره على حساب صحته أو على حسابالآخرين
أو بقصد الدراسة والتحصيل العلمي.. انتقاله
المفاجئمن بيئة مسلمة بحكم المولد وشهادة الميلاد
وتواجده داخل مجتمع متدين من حيث العادات
والتقاليد والعرف العام السائد والاحتفال بـ مواسم
تأتي والفرح لـ قدوم مناسبات تمر والتنشأة
التقليدية داخل أسرة محافظة.. خاصةً:
„الحاجة“والدة أبيه.. واقتراب أنفه وهو ممسك من
خلفها بملايتها اللف „الْإِسْكَنْدَرَانِيّةِ“ »..
ذات العبق المكي والمسك المديني ثم التواجد في
مدارس منذ الروضة يغلب عليها الطابع المسيحي -وإن
لم تظهر له علامات-كـ مدرس الإبتدائي الأستاذ فؤاد
في مدرسة سيد درويش أو المدرسة الإعدادية: مدرسة
الأمريكان الخاصة بالعطارين أو مدرسة النيل بحي
غيط العنب الذي يغلب على قانطيه النصرانية أو
مدرسة المرقسية..ومن اسمها يعلم تابعيتها وإن لم
يظهر بوضوح تأثير مسيحي على الطلاب أو في الحياة
العامة من خلال أي ممارسات أو ضغوطات أو إظهار أي
رموز.. ثم تواجده في مناخ عام عربي من حيث
الهوية..شرقي من حيث الإنتماء..مِصري من حيث
الشخصية وتأثره بـ لغته العامية الدارجة ثم
الانفتاح على العالم الخارجي منذ عهد الوالي محمد
علي باشا.. فـ بيئته ليست مجتمعاً مغلقاً.. مع
سماع وقراءة القرآن الكريم دون إدراك تام لغريب
الفاظه وصحة فهم معانيه وتردد بسماع خُطب جُمع
تأخذ الطابع الوعظي الإرشادي وأحيانا الكهنوتي
ودروس مساجد ما بين العصر والمغرب تتحدث عن
الأخلاق الحميدة وفضائل العبادات والبعد عن الحرام
وإن كان البعض يأتيه ومصرح به منقِبل الجهات
المعنية بالأمر في عدة أماكن عامة.. ثم المهم
-وهذا التناقض التام عنده- أنه يفاخر
بأمتيازدائماً.. أبداً.. بأنه
الفتىٰ„الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ“ »..
قصدتُ من هذا التبيانإنتقاله من هذا المناخ العام
المتدين بحكم الهوية المشرقيةمن حيث الإنتماء
والبيئةالمِصرية من حيث الشخصية بكل ما تحمل هذه
الكلمة من معانوالتنشأةوالتربية في مجتمع محافظ..
إنتقاله..إلى مجتمع غربي ديموقراطي حر رأسمالي
منفتح لا يلعب الدين دوراً جوهرياً اساسياً أو
ثانوياً.. بل تسوده عادات وتقاليد وقيم منبثقة من
الديانة النصرانية الحديثة مع كثير من
التعديلوالتبديل بإعتبارالساكن في القارة المسيحية
العجوز.. فانفصل -عندهم- الدين عن الحياة
العامة..وتتبقى علاقات الأفراد بالآله في
المناسبات ولعل هذا -المناخ الجديد- أضاف أيضا إلى
شخصيته ملامح تلاحظها إثناء حديثه.. ثم تواجده
مرافقاً رجالات كبار اثروا في تكوين رجوليته..
وبلورة فكره.. وإعادة تنشأة وتكوين كيان إنسان
جديد.. الحكم عليه يحتاج لدراسة نفسية معمقة ..
-*/*-
„ رفيقي “ في أول سنة حب لإثبات رجولته أو ما
يسميه -هو- تجربة حب أولى.. والتي كانت فاشلة
بجميع المعايير وبكل المقاييس.. حتى صوت
محبوبته-كما يعتقد- لم يسمعه جيداً وأصيب بخيبة
أمل بنظرة حنان أو همسة عطف.. أو لمسة ود.. أضف
-وهذا اصابه في مقتلٍ-تندر رفاقه الصبيان عليه في
شارع عبدالحميد السنوسيواستهزاء جيرانه به في حارة
حلابو..
وهذه-لعلها- تصلح أن تُكَوِن عنده أول صدمة
نفسيةمعلومةبالضرورة عنده ومدركة في شخصيتهمن
نظرات استهزاء رفاق جيرانه له أو من تجاهل المرأة
خاصةًالأولى في حياته ومن بعدها النساء
عامة..فتشكلت في الخلفية الذهنية عنده وفي
اللاشعور حالة رهاب من فشل جديد مع صبية قد يعجبه
جمالها وقد تصغره قليلا أو تكبره بأعوام أو حالة
قلق مع شابة تروق له وهي لا تعيره اي أهتمام.. أو
حالة خوف من أي فشل جديد منتظر في اي مجال آخر..
ولعل هذه التجربة الفاشلة كونت عنده عقدة نفسية..
كما أن أفلام السينما الهوليودية -وهذا عامل إضافي
قد ترك بصمته على شخصيته- قد ركبت عنده عقدةآخرى
جديدة ما تسمى بـ : „دون جوان“..„زير “النساء..
وأعتقد أن„رفيقي“ قد أعجبه هذا الدور كثيراً.. فما
زالت ترتسم في مخيلته دور السيدة فوزية والتي
أشعرته قُبَيل بلوغه سن الرجولة أنه مرغوب فيه
بشكل كامل وإن أبدت أبنتها غير الحسناء استهتارا
به وقللت من شأنهبل ومن قيمته.. وبعد أنأنتهى دور
السيدة فوزية أو كاد بدء في استظهار مهاراته
الذكورية الضئيلة مع "الزهراء.. فاطمة".. فتاة
الريف الحسناء ذات البشرة البيضاء والشعر المصبوغ
بالحنة الحمراء.. وإصابه الفشل الذريع في تجربته
هذه الأولى.. وتذوق طعم مرارة البعد وإن اقتربت
منه مسكناً..ولحس قطرات علقم الهجران وإن كان صباح
مساء يراها أمامه.. بل وتجرع كأس عدم الاهتمام
-وهو عنده أمر الكؤوس- وهو مدلل المرأتين -جدته
وأمه-كأس عدم المبالاة به وإن سكنت -فاطمة الزهراء
- في عيونهورسمها على صدره وكتب اسمها على ذراعه
اليمنى وتلحفت برموشه وتمددت مفترشة قلبه وخطت
باصابعها الرقيقة الناعمة في ذاكرته أجمل سطور
أحلام اليقظة وأرق المشاعر ونقشت على شغاف قلبه
مثال الجمال ونموذج الأنوثة الفاتنة -بعد السيدة
فوزية- الذي سيحتذي بهمامن حيث مقياس جمالهما في
مستقبل حياته.. فمن جئن من بعدهما اقتربا في
الصورة والمثال والنموذج والجمال والدلال والأنوثة
اقتربا منهما كثيراً.. وإن لم يصرح بذلك..
„ رفيقي “ أراد بالفعل الخروج من سجن الحريم
وإثبات رجولةٍ لم تتبلور بعد في ذهنه -زمن
الصبا-.. أو ما زال يبحث عنها ليشكل كيانه -زمن
شبابه-.. لبلورتها أو تصطبغ في شخصيته -زمن
رجولته- لتقمصها.. ومحاولته الدءوبة التحرر من أن
يكون سجين المرأتين -جدته لأبيه وأمه-وحبيس مدلل
المربيتين.. فأعجب كثيراً بافلام جيمس بوند النسخة
الأولى منها خاصة أداء السير: Thomas Sean
Conneryأذ أنه قُلدَ وسام الفروسية سنة 1999م من
قِبل الملكة البريطانية إليزابيث الثانية-قدس
الإله روحها-، واختير سنة 1989 كأكثر الرجال إثارة
على قيد الحياة.. وبقيامه بـ مهن كـ.عامل بناء
ومنظف لأكفان الموتى وغيرها.. خلقت منه شخصا صلبا
ومليئا بالرجولة والخشونة، حتى استطاع أن يصبح
موديلا -مستغلا وسامته الشديدة- لكلية الفنون في
إدنبره، وفي عام 1953 -في سن الثالثة والعشرين-
خاض مسابقة ذكورية -على غرار مسابقات ملكات
الجمال- اسمها سيد الكون، وحقق فيها المركز
الثالث.. وهذا كمثال.. نموذج رغب„ رفيقي “في
تجسيده في شخصيته..واستحضاره في تصرفاته والغريب
العجيب أنه في هذه السن المبكرة غاب عنده الحضور
الذهني أو التقمص الشخصي لـ شخصيات إسلامية مهمة
بصورتها الحقيقية الكاملة -والتي لم تُدرس بشكل
جيد أو ملموس في خطب الجمع ودروس المساجد- كـ
شخصية رسول الإسلام أو كيفية تربية وزيريه الصديق
والفاروق في المدرسة النبوية أو الصحابة الكرام في
الأكاديمية الرسولية .. وهو رفيقي أبلغني ذات مرة
أن عدد الصحابة :" الذين توفي الرسول عنهم مائة
ألف وأربعة عشر ألفاً: (٠٠٠,.١١٤.)،ثم ذكر لي
أنمنهم 9500 صحابيا تواترت إلينا أسماءهم، وأن
هناك فقط 1740 صحابي قاموا برواية الحديث، منهم
990 صحابيًا روى عنهم الإمام أحمد في مسنده، و254
في البخاري ومثلهم في مسلم. "..وهذا غاب عنده
تماماً زمن صباه وشبابه.. أو أهم الشخصيات
المِصريةالمؤثرة والفاعلة عبر تاريخ مِصر الطويل
الممتد طوال آلاف السنين أو ما يسمع عنهـم بين
الفينة والآخرى.. لذا تجد عند „ رفيقي “ كتل من
التناقضات النفسية وحزم من المخالفات الذهنية لا
يستطيع أحد إدراكها سوى من يقترب منه فيكشف أغوار
شخصيته.. فتربيته التقليدية اقرب ما تكون إسلامية
ثم صقلت بالثقافة الغربية وكان يتندر بشخصيات درست
في الغرب أمثال الدكتور طه حسين قبل البعثة
الدراسية وبعدها واقترانه بعَقِيلتِه.. ولعل غالب
الناس هكذا يخفون تحت جلودهم عُقدنفسية وتناقضات
عقلية تنضح في سلوكيات غريبة عجيبة في شخصياتهم..
نتيجة تزاوج ما لا يصلح الجمع بينهما والاقتران..
„ رفيقي “بحق سعى منذ مقتبل شبابه وسن اليفاع أن
يكون له شخصية متميزة وباسلوب غير مباشر ساعده
والده في بلوغ قمم الجبال اليافعات الشامخات؛ ولعل
القراءة المنتظمة لمقال„ هيكل “في الأهرام الصادر
يوم الجمعة وما يكتبه „ العقاد “..ثم منشورات دار
الشعب المِصرية لأمهات الكتب التراثية بثمن زهيد
فيجمع كل إسبوع جزء صغير„ كراسة “من كبار مصادر
الثقافة العربية والإسلامية ثم تجليدها بعد تمامها
في كتاب.. هذا كلهآثر بصورة واضحة في ميوله فيما
بعد.. وتكوين شخصيته..
ولعل هذه كانت الخلفية التي أعرفها عن „ رفيقي “
وهو لا يتحرج في الحديث عنها..
وهنا استوقفني وقال مسرعاً ومعلقاً:„ بيد أن
الإشكال الضخم أن مفهوم الرجولة يختلف إختلافا
كليا من ثقافة إلى آخرى وبالتالي من حضارة إلى
حضارة ومن بيئة منغلقة ومناخ رجعي إلى بيئة منفتحة
ومناخ حر “..
ثم توقف قليلاً وأردف:„ يخشى المرء على نفسه من
الميوعة فيم أطلق عليه بتسميته: „ الشخصية البشرية
“.. إذ يجب على المسلم تثبيت دعائم الشخصية
الإسلامية بمقوماتها وركائزها ودعائمها.. وبشقيّها
النفسي.. الروحي.. والعقلي الذهني الإدراكي “..
وهنا علقت بقولي:„ ولعل هذا ما أوجد إحيانا صداما
فكريا بينكَ وبين بعض زملائك في العمل أو جيرانك
في السكن وحتى في الشارع العام أو فيما تقوله “..
سكتنا برهة ثم بدء القول :„ هناك تجمعات بشرية لا
تدرك تماماً معنى الرجولة الحقة.. أو تثبيت مفهوم
الأنوثة الصادقة.. فوجود المثليين بينهم أو
المخنثين بين أظهرهم ومحاولة إظهارهم بصورة
إيجابية واضحة داخل المجتمع وفي دور التعليم
والتثقيف والإعلام والسينما.. والسعي الحثيث
لقبولهم داخل المجتمع وفي المؤسسات الرسمية
والهيئات والمطالبة بإعطائهم حقوق كاملة.. يُمَيِع
قضية الرجولة.. فينعكس هذا -بالقطع-سلباً على
المرأة وأنوثتها.. فيضيع الإثنان!.. الرجل
والمرأة.. ويلحق بهما وبينهما الطفل والنشأ
“..ولعل من هنا جاء مصطلح الجنس الثالث.. الخيار
الثالث.. وهذا بداية ثورة صغيرة في مجال النظام
الإجتماعي العالمي..
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
04 رمضان 1445 هـ ~ 14 مارس 2024 م.
رحلتْ عنه فغابت..ذهبت بعيدة منه فترڪته بمفرده.. حتىٰدون إلقاء نظرة وداع أخيرة إليه.. قد تُظهر-لإرضاءه- مِن تحت رموشها الطويلة وعيونها الڪحيلة ما تخبؤهمِن ألمها الدفين لبعده عنها ومفارقتها إياه.. سواء أڪانت نظرة اغرورقت عيناها فامتلئت بالدموع حزناً لفراقه وتألماً لبعاده.. أو.. لعل.. في المقابل نظرة فرح وابتهاج وسرور لذهابها إلىٰ بيت العَدَل.. العريس..بيت زوجها.. ابن عمها المطوع في الجيش المِصري والعامل فيه ڪخالها.. الذي مڪثت عنده بضع ايام.. فحقيقة الأمر.. و„رفيقي“ يعترف بذلك.. هي لم تأتِ إلىٰ«„الْإِسْكَنْدَرِايَّة“ ».. مِن أجله هو.. فهي لم تعرفه أصلاً..
ويضيف„رفيقي“بحسرة تعتصره.. ولعل ڪان بينهما-الزهراء.. حبيبته المجهولة وابن عمها- قصة حب عُذري منذ زمن طفولتهما البريئة..إذ لم يڪن بينها وبين „رفيقي“ أي شئ يذڪر.. أو حتىٰ يستحق الحديث عنه سوىٰ أنه ابن البندر أو أحد ابناء مدينة الثغر المطلة علىٰ البحيرة البيضاء المتوسطية ذا السمعة السيئة.. والتي أطلق الآخرين حسداً من عند أنفسهم عليهم بأنهم أصحاب „ الوجه الڪالح.. والماء المالح“.. وذلك نتيجة تواجدهم تحت أشعة شمس الثغر لساعات طويلة فوق رمال شواطئها والتي تمتد من الدخيلة وحتىٰ أبي قير شبه عرايا إلا من قماشة ڪورقة التوت والناظر بحياد فڪل من يعمل في العراء ستضربه اشعة شمس المحروسة بلا أدنىٰ شك؛ ولعل هذا مدح لا يتواجد في منطقة آخرىٰ سوىٰ„الإسكندرية“وقيل عن شبابها أنهم يعاڪسون بنت الجيران.. أو -بالطبع- أي ضيفة تأتي إلىٰ المصيف.. ويسعىٰ إلىٰ إسقاطها في شباك حبه إثناء الراحة الصيفية.. و„رفيقي“ يذڪر لي أنه ورفاقه حين ڪانوا في مرسىٰ مطروح وقتراحتهم الصيفية ڪان الغذاء يأتيهم-متأخراً قليلاً- من عند خادمة في فيلا ناس أغنياء بالقرب من خيمتهم وقد أوقعها في شباڪه رفيق تلك الرحلة وڪانت الوجبة إما بقايا بطاطس بالفراخ أو خضار باللحمة الضاني مع ما تبقىٰ من حلة الأرز وبعض ثمار الفواڪة..
ولعل رواية „دعاء الڪروان“ لـ„طه حسين“ قد أظهرت بصدق هذه العلاقة بين طبقة من الشعب ڪادحة تعمل بالأجرة عند الأغنياء زمن الأقطاع أو مَن هم في أدنىٰ سلم الطبقات وبين طبقة آخرىٰتعلوها قليلا فتقترب منها أو ڪثيراً فتدمرها وتسحقها.. ثم يتغلب الحب في النهاية ويموت أو يقتل البطل.. ولعل نمط الشاشة الفضية المِصرية في عرض نماذج من اسفل قاع المجتمع تقرب المستحيل من خلال ابطال وهميين فتجعله واقعاً ملموساً فيصاب المشاهد بحالة من الغثيان أو التعاطف مع البطلـ(ـة) أو محاولة التقليد.. ولعل ما يحدث علىٰ شواطئ الغردقة وشرم الشيخ مع نزلاء الفنادق القادمين من القارة الأوربية واصطياد مَن تجاوزت سن الأنوثة المطلوبة وقد ولىٰ منذحين..أو تلك المتعطشة للحب ڪإنسانة تريد الحياة.. فيقترب منها شاب يريد الثراء سريعاً من ميراثها أو تحويشة عمرها.. وهذا قد لوحظ ايضا في تونس الخضراء.. وفقراء ايطاليا مع أغنياء المانيا..
.. إذاً رحلتْ-الزهراء.. فاطمة- دون إرسال ڪلمة رقيقة أخيرة عبر الأثير تصل لمسمعه تخبره أنها سوف تذهب بلا عودة فلا يصح له أن يحزن لفراقها..وأنه الفراق بلا رجعة.. فلا يجوز له أن يتألم لبعدها.. إذ أنه -بالفعل- لم يحدث أي شئ بينهما يستحق الحزن أو الألم.. أو الفرح والسرور..
أختفت فجأة.. دون سابق إنذار أو إستعلام من طرفها.. و „ رفيقي “ڪانڪل يومينتظر بزوغ شمس نهاره حين ترفع رمشها فتطل عليه من خلال عينيها العسليتين..ڪما ينتظر بداية ليله الطويل بسطوع نور قمر وجهها.. وانتظر طويلا ڪي يتلحف بغطاء شعرها المنديل أبو أويه بالترتر „أويمق“دون جدوىٰ أو مطمع..
.. أختفت فجأة..ڪما جاءت حين رست فجأة علىٰ مرفأ عيونه..
..„رفيقي“..يحدثني عن هذه التجربة وقد اقترب مِن سن الشيخوخة الصحية أي اقترب من سن الــ [(٥٠)]عاماً..
يتحدث عنها ڪأنها تجربتهالوحيدة.. ولن تتڪرر في عمره مرة آخرىٰولن تعاد مثل هذه التجربة في حياته من جديد..تجربة رائعة -من وجهة نظره-تجربة شيقة - من خلال رؤيته- لا مثيل في تاريخ البشرية -يحڪم عليها بمنظاره-.. سواء في عصورالبشرية البدائية أو أزمنتها المدنية أو فتراتها الراقية الحضارية.. سواء حدثت أيام الملڪية مِن آل محمد علي باشا القوللي.. الوالي القادم من مقدونيا لأسرة ألبانية من قِبَل الخلافة العثمانية.. أو زمن الجمهورية الناصرية.. والذي لم..ولن يتڪرر.. أو إثناء عصر الإنفتاح علىٰ البحري في عهد دولة رجل العلم والإيمان الساداتية.. ومن بعدهما فلا تحدث فليس هناك حرج.. إذ لم يعش „رفيقي“ في مِصر بعد تلك الحقبتين فقد غادرها لإتمام دراسته العليا..
تجربةُ„رفيقي“برومانسيتها التخليلية تحلم بها ڪل فتاة ويتمناها ڪل شاب..„رفيقي“ يتحدث عنها ڪأنه عاش معها بالفعل فاستغرق حبه لها من عمره سنوات طوال.. ومرت عليهما أحداث جسام.. ولحظات غرام تحدث فقط في الأحلام والناس نيام.. وأزمنة انسجام سيرا علىٰ الأقدام في المنتزة أو في جليم.. وهذا لم يحدث بالقطع.. تجربته أوهام في أوهام..وڪأنها سحابة صيف مرت بسلام فلم تمطر السماء ولم تمتلأ بغيم فاقصىٰ ما جرىٰ أنها حدثت خلالأشهر قليلة لا تتجاوز عدد الأصبعين: الخنصر فالبنصر ولا تتجاوز الإبهام.. ولڪنها فترة مراهقة مرت به.. وهي تجربته الأولىٰ.. مع الجنس الآخر.. الناعم..وحتما ليست الآخيرة.. أو الدقة في التعبير بداية تجارب أولية.. قد تڪون فاشلة أحياناً أو ناجحة غالبا أو رائعة إلىٰ حدِ ما..
فقط تجارب أولية مع بنت الجيران.. وهي ليست من بنات الجيران.. مع أن التجربة مع بنت الجيران اسهل علاقة يمڪن أن تحدث بين صبي وصبية..مراهق ومراهقة..
في حالة „رفيقي“تجربة أولية ڪي يخرج حبيس المرأتين مِن سجن الحريم ليصبح رجلاً ڪاملا يميل إلىٰ الأنثىٰ بطبعه.. ولڪن أي أنثىٰ.. أنثىٰ بملامح الزهراء..„فاطمة“.. حتىٰاسمها رسخ في وجدانه فتغلغل في أعماقه ڪيانه فتسرب إلىٰ المادة الرمادية فاستقر في خلاياه العصبية التي تتحڪم في ذاڪرته وتحرڪاته الإرادية واللاإرادية وڪذا نشاطه الإنفعالي..
اسهب „رفيقي“ في الحديث عن تجربةٍ لم تڪتمل.. بل لم تبدء.. بل ليس لها وجود إلا في خياله وأوهامه.. وجدت في دهاليز أحلامه.. فتحدث طويلا عن محاولة من طرفه هو فقط لإثبات ذاته.. بيد أنه غفل أو تناسىٰأنها حدثت من طرف واحد فقط.. وهي.. „الزهراء“ لم تبادله أي شعور إنساني يذڪر.. أو حتىٰإحساس عاطفي متبادل.. أو تواجد آدمي ملحوظ بين طرفين.. ولڪنها بداية مرحلة جمع المعلومات الضرورية والتي قد يحتاجها المرء في قابل الأيام والاستفادة من المرور بالتجارب الساذجة المتنوعة.. وغالبيتها تجارب أولية.. بدائية.. في مستقبل حياته..
فجأةً توقف„رفيقي“ عن الحديث.. ثم نظر إليَّ بتمعن ثم قال بصوت العالِم النحرير ونبرة الفاهم القدير: „ الإنسان الأول.. وهنا بالقطع آدم.. المخلوق الأول.. مَن قام بتعليمه وتلقينه المعلومات الأولية عن الأشياء.. والتي سوف يحتاجها في حياته العملية.. استمع لقوله تعالىٰ :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ﴾.. فالمعلم هنا-تجاوزاً دون تشبيه- هو خالقه ومبدعه ومنشؤه.. ثم حدثت بعد مسألة التعليم قضية إظهار ذاك العلم عند آدم فطُلب منه استحضار ما تعلمه.. فقال تعالىٰ : ﴿ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾.. بعد أن ظهر عدم معرفة الملآئكة -وهم حضور هذا المشهد التعليمي دون سواهم من المخلوقات ماعدا إبليس- بذلك العلم.. فحين أخبرهم.. هنا وبعد أن نال آدم الجائزة.. استحق آدم التڪريم:﴿وَ.. قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾.. ثم نظر „رفيقي“مرةً آخرىٰ إليَّ ڪأنه استحضر نظرية حديثة علمية في التربية والتعليم واستحدث نظرية جديدة في التلقين والتدريب.. ثم قال„رفيقي“لي هذا بالنسبة إلىٰ الإنسان الأول.. المخلوق الأول.. الذي ليس عنده أم تربيه وتعلمه أو أب يربيه ويفهمه ويثقفه.. أما بالنسبة إلىٰ ابناء آدم فجاء التعبير في النص التعليمي التربوي القرآني بطريقة مخالفة للطريقة الأولىٰ.. إذ قال ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾.. وهنا جرىٰ الحديث عن أدوات التعليم.. بغض الطرف عن مَن يؤمن بهذا النص أو من ينڪره.. فبدء بـ السمع أولاً.. لذا تجد الطفل الصغير يسمع ڪثيراً من الأم ويتصنت لڪل من حولهمن مخلوقات متنوعة ذات أصوات؛ ثم تأتي بمجاورة السمع أو منفصلة حاسة النظر.. ثم تنتهي هذه العملية التعليمية بحاسة العقل وقوة الإدراك وصحة الفهم وصحيح البصيرة والمقدرة علىٰالتبصروهذه للبشر جميعاً.. فقبل الإقدام علىٰ الفعل يجب توفر وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع المحسوس أو المنظور أو تخبر الإنسان عن الشئ أو الفعل فتوجد رابطة قوية بين المعلومة السابقة عن الشئ وعقل سليم وإدراك حين القيام بعملية التعليم..ثم علق بقوله وهذا ما تهمله الڪثيرات من الأمهات عندما ينشغلن عن أولادهن بالمحمول.. جهاز المحمول..
.. „رفيقي“ لديه نمط معين من النساء يرغب دائماً في التعرف عليهن والاقتراب منهن.. ومعاشرتهن.. ذلك النمط يڪون لديه قدر عالمن المعرفة ووجود معلومات ڪافية في شتىٰ ميادين العلم والحياة.. إذ يرغب في التعرف علىٰتلك المرأة التي تستخدم عقلها بجوار أنوثتها وإدراڪهاوفهمها بجانب قسط وافر من الجمال؛ وإن قالوا „مرآة الحب خشب“فالمرأة في نظر „رفيقي“ ليست فقط أنثىٰ لإشباع رغبات جسد أو وعاء لـ إطفاء شهوات بدن بقدر ما هي إنسان ڪامل ناضج بشقيه العقلي والنفسي البدني والروحي.. يتبادل معها معلومات صحيحة عن الشئ الذي يرغب في معرفته من مصادره الصحيحة.. ولعل ذلك الصنف نادر وجوده ڪندرة الڪبريت الأحمر في الطبيعة المخلوقة؛ وهذا النوعأثمن من الذهب!
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
08 فيراير 2024م
﴿رُوَايَّةُ: «„الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ“»﴾«وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ».فيينا - لحظة إطلالها علىٰالدانوب الأزرق
تصحيح المفاهيم من خلال فهم سليم لـ أحاديث النبي
الكريم-عليه السلام-
السؤال: " هل "الصلاة معراج
المؤمن" حديثٌ عن رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟
الإجابــة: " وردت هذه المقولة في ڪثير من ڪتب أهل
العلم.. وبعد البحث فيما تيسر من المراجع، لم أقف
علىٰ من نسبها إلىٰ الحديث النبوي الشريف،
سوىالنيسابوري في تفسيره..والسيوطي في شرح سنن ابن
ماجة والحديث المنسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم
- من غير إسناد معتبر لا يؤخذ به؛ ڪما جاء هذا
القول بصيغة التمريض في بعض الڪتب بصيغة: „ورد“،
أو „رُوي“ من دون ذڪر لسند، أو عَزْوٍ لڪتاب
معتبر.
وجميع من ذكر هذا القول يذكره على أنه مجرد قول ؛
فالقاري - مثلا - يقول : ولهذا قيل : الصلاة معراج
المؤمن .
وفي مجلة الجامعة الإسلامية : ... أمرا بالصلاة
التي هي معراج المؤمن .
وقال الألوسي في " روح المعاني " : ولهذا ذكروا أن
الصلاة معراج المؤمن .
وقال المناوي في " فيض القدير " : وهي معراج
المؤمن .
ولذلك أقول: إن هذهالمقولة ليست بحديث ينسب إلىٰ
رسول الإسلام-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ-، ولڪنه ثبت أن الصلاة صلة بين العبد
وربه، وأنها أم الدعائم، وخير أعمال العبد،
ومجازاً يصلح القول بأن روح العبد المؤمن--دون
جسده- إثناء صلاته بخشوع ومناجاته لربه -عز وجل-
بذل ودعائه من خالص قلبه تصعد إلىٰ عليين؛ وما
قاله بعض خطباء المنابر في صلاة الجمعة بما سموه
„معراج“ المؤمن إلىٰ الله تعالىٰ لعل هذا من باب
حسن الوعظ وقوة الإرشاد ومتانة التشجيع؛ دون
مقارنة بحادثة معراج سيد الخلق وحبيب الحق محمد
-عليه السلام-.. وعند بعض السادة الخطباء حسن
صياغته لجملهوبلاغة كلماته توهم السامعأنه حديث
لرسول الله.
والجدير ذڪره أنه جاء في شرحالزرقانيعلىٰ موطأ
الإماممالك،عند قوله -صلى الله عليه
وسلم-::«„.....وَخَيْرُأَعْمَالِكُمْ
الصَّلَاةُ....“»؛ إذ قال في شرحه-رحمه الله-
:وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ: أَيْإِنَّهَا
أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا، فَلِذَا كَانَتْ
أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ؛ لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ
كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ،
وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ،
وَالْمُفْطِرَاتِ.هِيَ „مِعْرَاجُ“ الْمُؤْمِنِ،
وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَىٰ اللهِ، فَالْزَمُوهَا
وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا. انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
تصحيح المفاهيم من خلال فهم سليم لـ أحاديث النبي
الكريم-عليه السلام–
٢٣ رجب ١٤٤٥ هـ~ 04 فبراير 2024م.
الإسراء
والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق
رسوله محمد بن عبداللهصلى الله عليه وسلم، وعلى
عظم منزلته عند الله -عز وجل-.. كما أنها من
الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى
علوه-عزَّوجلَّ-على جميع خلقه، قال الله سبحانه
وتعالى وجل شأنه-: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
.. مع ملاحظة ما يشبه الصحوة عند المسلمين منذ
بداية السبعينات من القرن الماضي حيث يعتمد الكثير
منهم على فهم وتفسير وتأويل آيات الذكر الحكيم حين
القيام بأعمالهم اليومية واعتماد سنة خاتم
الأنبياء في الحياة المعاشة.. إلا أنه ما زال يغلب
على عامتهم تقسيم السنة الهجرية إلى مواسم
ومناسبات.. تسمعهذا من فوق بعض منابر المصليات..
كما تجده على منصات التواصل الإجتماعي؛ ويشيع بين
الكثيرين إرسال رسائل نصية بتهنئة دخول شهر أو
تذكير بيوم جمعة.. أو الصلاة على النبي.. وحادثة
الإسراء المعراج تأخذ -كبقية أخواتها من
المناسبات-مساحة واسعة في العرض والتقديم..
والاهتمام والانتشار..ولعل هذا يعود لفراغ تنفيذي
في تحقيق الإسلام بكافة أحكامه سلوكا في معترك
الحياة العامة.. وليس فقط التركيز على الجانب
التعبدي..فـ كل مَنْ لديه اطلاع دقيقوفهم
صحيحللسيرةالنبوية العطرة فـيَتَكَلَّمُ فِيهَا
بِعَقْلٍ صَائِبٍ، وَذِهْنٍ ثَاقِبٍوادراك بوعي
للتاريخ الإسلامي الصحيح الموثق لا يستطع أن يحدد
تاريخ الإسراء.. لا بسنتِه ولا بشهرِه ولا بيومه؛
قولاً واحداً؛
فلميثبتعنالنبي-صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآله
سَلَّمَ-أنهاحتفلبيومإسرائهومعراجه؟!؛ حتىٰ يتسنىٰ
لنا معرفة التاريخ؛ كما ولم يحتفل
بذلكالصحابة-رضوان الله تعالى عليهم جميعاً-
أوالتابعون لهم بإحسان؟!.
وماداملميثبتمنهاشيءفــ لانثبتمن عند أنفسنا
أيشيءمنها.
بلقالبعضالمتأخرينكماذكرذلك"الشهابالخفاجي"في"نسيمالرياضفيشرحالشفاللقاضيعياض"؛
إذيقول : قالبعضالعلماءالمتأخرين: "
وأماماهومنتشراليومفيبعضالديارالمِصريةمنالاحتفالبـ
ليلةسبعوعشرين[٢٧]،ودعوىٰأنهاليلةالإسراءوالمعراج،فذلكبدعة
.. وهذامتأخر ".
ثم أضيفُ (الرمادي) بقولي :" هل يترتب على معرفة
التاريخ بدقة حكم شرعي ؟ "؛ بمعنىٰ أنه وجب أو ندب
علينا صيام النهار أو قيام الليل.
قالالحافظابنحجرالعسقلاني-رَحِمَهُاللَّهُ- :"
الأقوالفيذلكأكثرمنعشرة [١٠]أقوال،حتىٰأنمنها
أنذلك:
[أ] قبلالبعثة ،
ومنها :
[ب] بعدالهجرة ،
وقيل : [١] قبلها -أي الهجرة الشريفة إلى المدينة
المنورة-بخمس ،
وقيل : [٢] قبلهابست ،
وقيل : [٣] قبلهابسنةوشهرين؛كماقال ابن عبدالبر .
تأصيل مسألة تحديد تأريخ حادثة الإسراء !
أذكر الأقوال التي قيلت في التاريخ : قبل الهجرة
دون تحديد زمن: فـقَالَابْنُإِسْحَاقَ: "
أُسْرِيَبِهِمِنَالْمَسْجِدِالْحَرَامِإِلَىالْمَسْجِدِالْأَقْصَىٰوَهُوَبَيْتُالْمَقْدِسِ،وَقَدْفَشَاالْإِسْلَامُبِمَكَّةَفِيالْقَبَائِلِ".
[١] القول الأول :
أُسْرِيَبِالنبيعليهالسلامإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِقَبْلَخُرُوجِهِإِلَىالْمَدِينَةِبِسَنَةٍ؛
فقَالَقَتَادَةُوَمُقَاتِلٌ: "
قَبْلَالْهِجْرَةِبِعَامٍ" .
وعَنِالزُّهْرِيِّأَنَّهُقَالَ :
أُسَرِيبِرَسُولِاللَّهِ
صَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوآله
وَسَلَّمَقَبْلَخُرُوجِهِإِلَىالْمَدِينَةِبِسَنَةٍ
. قَالَ :
وَكَذَلِكَذَكَرَهُابْنُلَهِيعَةَعَنْأَبِيالْأَسْوَدِعَنْعُرْوَةَ.
وعَنْإِسْمَاعِيلَالسُّدِّيِّأَنَّهُقَالَ:
فُرِضَعَلَىرَسُولِاللَّهِصَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوَسَلَّمَالْخَمْسُبِبَيْتِالْمَقْدِسِلَيْلَةَأُسَرِيَبِهِ،قَبْلَمُهَاجَرِهِبِسِتَّةَعَشَرَشَهْرًا
. فَـ عَلَىقَوْلِ السَّدِّي
يَكُونُالْإِسْرَاءُفِيشَهْرِذِيالْقِعْدَةِ،وَعَلَىقَوْلِالزُّهْرِيِّوَعُرْوَةَيَكُونُفِيرَبِيعٍالْأَوَّلِ
.
[٢] القول الثاني
:"فِيسَبْعَعَشْرَةَمِنْرَبِيعِالْأَوَّلِوَالرَّسُولُعَلَيْهِالسَّلَامُابْنُإِحْدَىوَخَمْسِينَسَنَةًوَتِسْعَةِأَشْهُرٍوَثَمَانِيَةٍوَعِشْرِينَيَوْمًا"
. ورحجه النووي.
[٣] القول الثالث :" قَالَالْحَرْبِيُّ:
أُسْرِيَبِهِلَيْلَةَسَبْعٍوَعِشْرِينَمِنْشَهْرِرَبِيعٍالْآخِرِقَبْلَالْهِجْرَةِبِسَنَةٍ
".
[٤] القول الرابع :"
وَقَالَأَبُوبَكْرٍمُحَمَّدُبْنُعَلِيِّبْنِالْقَاسِمِالذَّهَبِيُّفِيتَارِيخِهِ:
أُسْرِيَبِهِمِنْمَكَّةَإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِ،وَعُرِجَبِهِإِلَىالسَّمَاءِبَعْدَمَبْعَثِهِبِثَمَانِيَةَعَشَرَشَهْرًا.
وجاء بصيغة آخرى :"
وَقَالَأَبُوبَكْرٍمُحَمَّدُبْنُعَلِيِّبْنِالْقَاسِمِالرُّعَيْنِيُّفِيتَارِيخِهِ
:
أُسْرِيَبِهِمِنْمَكَّةَإِلَىبَيْتِالْمَقْدِسِوَعُرِجَبِهِإِلَىالسَّمَاءِقَبْلَمَبْعَثِهِبِثَمَانِيَةَعَشَرَشَهْرًا
" .
تعليق ابوعمر على ما قاله الذهبي :
قَالَأَبُوعُمَرَ:
وَلَمْيُسْنِدْقَوْلَهُإِلَىأَحَدٍمِمَّنْيُضَافُإِلَيْهِهَذَاالْعِلْمُمِنْهُمْ،وَلَارَفَعَهُإِلَىمَنْيُحْتَجُّبِهِعَلَيْهِمْ"
.
[٥] القول الخامس :" قَالَتْأمنا عَائِشَةُ؛ أم
المؤمنين: " بِـ عَامٍوَنِصْفٍفِيرَجَبٍ"
[٦] القول السادس
:وَرُوِيَعَنِالْوَقَّاصِيِّقَالَ :
أُسْرِيَبِهِبَعْدَمَبْعَثِهِبِخَمْسِسِنِينَ
[٧] القول السابع :قَالَابْنُشِهَابٍ:
وَذَلِكَبَعْدَمَبْعَثِالنَّبِيِّصَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوَسَلَّمَبِسَبْعَةِأَعْوَامٍ
.
[٨] القول الثامن : في تاريخ حادثة الإسراء : ذكر
اثيرالدين الأندلسي في تفسيره :" وهو قول ضعيف :"
وَوَقَعَلِشَرِيكِبْنِأَبِينَمِرٍفِيالصَّحِيحِأَنَّذَلِكَكَانَقَبْلَأَنْيُوحَىإِلَيْهِ،وَلَاخِلَافَبَيْنَالْمُحَدِّثِينَأَنَّذَلِكَوَهْمٌمِنْشَرِيكٍ.
وَحَكَىالزَّمَخْشَرِيُّعَنْأَنَسٍوَالْحَسَنِأَنَّهُكَانَقَبْلَالْمَبْعَثِ
.
[٩] القول التاسع : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ
أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ
جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، وَهِيَ لَيْلَةُ
الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا
الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ، وَلَا أَصْلَ
لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَنْشُدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ :
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ *
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ
وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ، وَإِنَّمَا
ذَكَرْتهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ .
وعَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا : وُلِدَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ،
وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى
السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ.
[فِيهِ انْقِطَاعٌ]. وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ
عَبْدُالْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي
" سِيرَتِهِ "، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا
يَصِحُّ سَنَدُهُ، وَيُقَالُ : كَانَ فِي رَجَبٍ.
أي أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ
وَالْعِشْرِينَ [٢٧] مِنْ رَجَبٍ .
[١٠] القول العاشر : وَقِيلَ : كَانَ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمُتَحَقِّقُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ
شَقِّ الصَّحِيفَةِ وَقَبْلَ بَيْعَةِ
الْعَقَبَةِ.
كما أن هناك اختلاف في اليوم الذي حدثت فيه؛ فقد
اختلف كُتّاب السير والمؤرخون في اليوم الذي حدثت
فيه معجزة الإسراء والمعراج على أقوالٍ منها:
-القول الأول: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت
في يوم الجمعة، أي في ليلة الجمعة لفضلها.
- القول الثاني: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت
في يوم السبت.
- القول الثالث: إنَّ معجزة الإسراء والمعراج وقعت
في يوم الاثنين، وقال ابن دحية: وذلك يوافق يوم
مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعثته، وهجرته،
ووفاته.
خلاصة البحث :
أما ثبوت تعيين تاريخ الإسراء والمعراج فلم يثبت
عَلَى الإطلاق أي دليل صحيح صريح في تحديد وقت
الإسراء والمعراج.
القول الراجح :
كل ما نعرفه من خلال السيرة هو أن الإسراء
والمعراج كَانَ قبل الهجرة، هذا هو القول الراجح،
والمشهور والمستفيض أن الإسراء والمعراج كَانَ بعد
:
[أ] موت أبي طالب عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ،
وبعد:
[ب] موت أمنا خديجة الكبرىٰ-رضي الله تعالى
عنها-،والرأي الذي رجحه بعض أهل العلم بأن رحلة
الإسراء والمعراج كانت ليلة السابع والعشرين من
شهر رجب في العام العاشر من البعثة النبوية أي قبل
الهجرة من مكة إلى المدينة بنحو 3 سنوات،
وبعد :
[ج] أنذهب النبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الطائف ورده أهلها، وهو العام الذي يسمىٰ
عام الحزن، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لقي فيه الأذىٰ الشديد والألم والتعب،
فــ
[أ] مَنَّ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- عليه بهذه
الآيات العظيمة، وهذه المشاهد وهذا المقام الرفيع
الذي لم يصل إليه بشر،
[ب] تسلية للنبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله
وسَلَّمَ، وكانت آيات عظيمة قال الله -تعالىٰ- :﴿
لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ﴾
فأراه الله -عَزَّ وَجَلَّ- آياتٍ عظيمة ففُرج عنه
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهمَّ وسُرِّي
عنه، وعاد وقد استيقن بربه وبلقائه، وأن ما يوحى
إليه هو الحق أكثر من ذي قبل، وعاد صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد شد العزم عَلَى أن يبلغ
دعوة ربه، وأن لا يبالي بالنَّاس مهما صدوه، بعدما
رأى ما رأى من الأَنْبِيَاء ومن الكرامة التي
نالها.
ويترجح ويظهر من عموم الأدلة أنه كَانَ قبل
الهجرة، وأنه كَانَ بعد أو في عام الحزن.
ولي قبل أن نختم البحث بــ أن أقول:
١.) ثبتت حادثة الإسراء بنص قرآني قطعي الثبوت
قطعي الدلالة بقوله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه-
:﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
﴾.
٢.) قال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ
الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :" ثَبَتَ الْإِسْرَاءُ فِي
جَمِيعِ مُصَنَّفَاتِ الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ
الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ،
فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَذَكَرَ
النَّقَّاشُ مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ
صَحَابِيًّا.
ثم تتبعتُ المسألة فوجدتُ قَدْ تَوَاتَرَتِ
الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ [١]
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَ [٢] عَلِيٍّ، وَ [٣]
ابْنِ مَسْعُودٍ، وَ [٤] أَبِي ذَرٍّ، وَ [٥]
مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَ [٦] أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَ [٧] أَبِي سَعِيدٍ، وَ [٨] ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَ [٩] شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَ [١٠]
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَ [١١] عَبْدِالرَّحْمَنِ
بْنِ قُرْطٍ، وَ [١٢] أَبِي حَبَّةَ؛ وَ [١٣]
أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ؛ وَ [١٤]
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَ [١٥] جَابِرٍ، وَ
[١٦] حُذَيْفَةَ، وَ [١٧] بُرَيْدَةَ، وَ[١٨]
أَبِي أَيُّوبَ، وَ [١٩] أَبِي أُمَامَةَ، وَ [٢٠]
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَ [٢١] أَبِي
الْحَمْرَاءِ، وَ [٢٢] صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَ
[٢٣] أُمِّ هَانِئٍ؛ هند بنت أبي طالب، وَ [٢٤]
عَائِشَةَ، وَ [٢٥] أَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي
بَكْرٍ الصَّدِيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ-.
وأزيد :
مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ
اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ،
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى
شَرْطِ الصِّحَّةِ " فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ
أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَأَعْرَضَ
عَنْهُ الزَّنَادِقَةُ
وَالْمُلْحِدُونَ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ
اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.: فـ
روايات حديث الإسراء والمعراج جمعها الحافظ ابن
كثير الدمشقي-رحمه الله تعالى-في كتاب التفسير عند
أول الآية من سورة الإسراء :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ حيث جمع الروايات في
الإسراء والمعراج من المسند ومن الصحيحين ومن
المسانيد الأخرى كـ أبي يعلى وروايات البيهقي
وعبدالله بن أحمد بن حنبل كما في زياداته عَلَى
مسند آبيه.. وابن جرير؛ أبوجعفر الطبري رَحِمَهُ
اللَّهُ- ذكر روايات كثيرة لكنها بسنده هو.
وأخيراً وليس آخراً:
على الرغم من اختلاف العلماء حول تاريخ الإسراء
والمعراج إلا أن دار الإفتاء المِصرية أجازت
الاحتفال بذكرى الرحلة المباركة في شهر رجب، وفي
ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الهجري على وجه
الدقة..فـ قالت دار الإفتاء المِصرية: إنَّ تعيين
رحلة الإسراء والمعراج بالسابع والعشرين من شهر
رجب قد حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من
المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا
وحديثًا، فضلًا عن أنَّ تتابع الأمَّة على
الاحتفال بذكراها في السابع والعشرين من رجب
يُعدُّ شاهدًا على رجحان هذا القول ودليلًا على
قوته.أي أنها تبدأ من مغرب يوم الأربعاء الموافق
26 رجب و07 فبراير، وتنتهي فجر الخميس.. والله
تعالى أعلم وأحكم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
سلسلة بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة.. أُمةُ
المواسم؛ كتاب : « المناسبات الحولية »؛ اسمالبحث
«تَارِيخُالْإِسْرَاءِ»؛ الخميس: ١ فبراير2024م~٢٠
رجب 1445هـ
.. في هدوءٍ
تام -وهذا ليس مِن عادته- ڪـ سڪون الريح قُبيل
هبوب العاصفة العاتية.. فـ ترىٰ الطيرَ دون حراك
ضاماً جناحيه إلىٰ صدره يقف ساڪناً فوق فروع الشجر
التي تعرت من أوراقها.. ينتظر ما سوف تأتي به
الرياح.. وفي سڪونٍ لا تسمع سوىٰ همسه.. وارتسمت
ابتسامة عريضة علىٰ شفتيه.. بدء „ رفيقي ” الحديث
الهامس ڪأنه يخشىٰ أن يسمعه متصنت ڪـ مَن يسرب
سراً مِن خزانة أمن الدولة العليا.. همسَ.. وهو
مستلقياً فوق مرقده القديم الغَث.. فوضع تحت رأسه
وسادة اصفرت من طول الاستعمال أو نتيجة عرق
النوم.. فـ نحن ما زلنا طلبة دراسات عليا في مدينة
الأنس التي غنت لها أميرة جبل الدروز والتي وُلدت
علىٰ متن باخرة « .. أمال.. أسمـــ هان= تحريفاً
من خان : اي الحاڪم أو السلطان ».. في تابلوه راقص
من أجمل ما أنتجته الشاشة الفضية المِصرية.. و„
رفيقي ” يشبه تجربته الأولىٰ بما حدث لها.. ولا
أدري ما هو وجه المقارنة بينهما.. واقتبس ما قالته
جدته لأبيه ذات مرة له: « الڪلام مَ عَلَهُوش جمرك
»؛ ولعل هذا مِن العامية المِصرية والتي أخطأ مَن
قال به بيد أن حقيقة الأمر.. أنه ورد سؤال فحواه
يقول: „ إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ ” ؛
فـجاء الرد سريعاً فـ قال: « „ ثَكلتكَ أمُّكَ يا
معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَىٰ
وجوهِهِم، أو علَىٰ مناخرِهم، إلَّا حصائدُ
ألسنتِهم ” »؛ „ رفيقي ”.. رأيته محلقاً في سماء
الغرفة الوحيدة التي نسڪنها في الشقة الصغيرة
والتي لا تتجاوز 35 متراً مربعاً وتقع في الدور
الرابع.. والمطلة علىٰ الحوش الداخلي.. ونقطن في
الدور الآخير في عمارة قديمة بُنيت علىٰ حرف „ U ”
وهي من مبان ما قبل الحرب العالمية الأولىٰ -هڪذا
ظن „ رفيقي ”-. وهو لا يملك ما يؤڪد به زعمه.. بـ
هذا الهدوء التام.. وسڪون من سڪن الجدث إلىٰ حين
قيامته.. بدء „ رفيقي ” يسترسل في حديثه.. وليس له
موضوعاً واحداً بعينه.. فيبدء به لينهيه بل عنده
موضوعات متعددة شتىٰ.. في تلك الليلة بدء ڪلامه
بالقول: „ تسرب إلىٰ داخلي شعورٌ غريب وانتابني
إحساسٌ مبهم.. هڪذا فجاةً دون سابق إنذار أو
تمهيد.. إذ بدأتُ أهتم بالجلوس أمام نافذة غرفة
المعيشة مدة أطول عن المعتاد.. محدَّقاً للشقة
التي تقابل شقة والدي والقاطنة في بيت جدتي لأبي..
وأطيل النظر.. وڪأني انتظر خروج أحد ليفعل أي شئ
في بلڪونة جيراننا.. وقد يطول الانتظار.. وأعتقد
أن والدتي قد لاحظت أمراً ما ولڪنها لم تخبرني أو
تمنعني أو تزجرني بأن لا ابحلق ملياً في بلڪونة
شقة جيراننا.. إذ أنني لم افعل أي شئ يستحق
الملامة أو العتاب أو الزجر.. ڪل ما في الأمر أنني
أنظر.. أو انتظر”.. ثم سڪت قليلاً ڪأنه يريد أن
يسترجع بذاڪرته أحداثا بعينها.. وإشڪالية „ رفيقي
” معي.. أنه يخبرني بالقدر الذي يرغب أن يحدثني
عنه -فقط- وباقي الحدث أو استڪمال الموضوع استنتجه
بنفسي أو أترڪه لمرة قادمة فأربط اللاحق بالسابق
ڪي تڪتمل الرواية للحدث الواحد عندي ولو بعد حين..
„ رفيقي ” يخبرني.. „ أنها الفتاة الأولىٰ في
حياته الغرامية ”.. إن صح هذا التعبير منه.. وهو
بالقطع في هذه السنين من عمره لا يعلم معنىٰ
الحب.. ولا يدرك معنىٰ الميل الفطري للأنثىٰ.. إذ
أنه ما زال في نهاية مرحلة طفولته.. والتي تحدث
أحياناً عنها „ أنها طالت ڪثيراً عما ينبغي ”..
وهو يبتسم قليلا وتعلو إمارات وجهه علامات استنڪار
أو تعجب.. حين يتذڪر السيدة « فوزية » صاحبة هذا
الدور الغامض والذي لعبته معه.. وهو يحلل ذلك
الدور.. „ العاشقة ” بأنه تم بموافقة الوالد مع
أستاذه « أدولف فرج » المحامي.. أمين مڪتبة
الحقانية في إخراجه من سجن الحريم.. إذ ظنا أنه
سجين المرأتين.. „ الأم والجدة ”.. وهي.. السيدة «
فوزية » لعلها أرادت.. أو هما معا -الوالد وسڪرتير
مڪتبة المحڪمة- ارادا أيقاظ آحدىٰ مظاهر غريزة
النوع.. وإلا ما هو الداع الحقيقي.. والسبب
المباشر والباعث أن تقترب « فوزية » -أنثىٰ ڪاملة-
منه.. وهي أقرب ما تڪون إلىٰ سن أمه وهو „ رفيقي ”
ما زال في مرحلة الطفولة.. وهو ابن وحيد لأبيه
وأمه.. وتدلله جدته لأبيه ڪثيراً.. فهو ناعم الطرف
غض الملمس لين العريڪة وڪأنه تجرح خدوده نسائم
الفجر العليل.. أو تخيفه بشائر قرب قدوم الليل
البهيم الظليم ويقلق من غياب قمر ينير تحت قدميه
الطريق.. فيخاف من صرصور يتنزه بين جوانب حيطان
بيت قضاء الحاجة علىٰ الطريقة العربية قبل دخول
طريقة الإمبريالية الصحية بالمسح بالورق.. ويرتعش
من رؤية [Tarentola] برص طائر يتسلق الحائط.. أو
رجليه تسبق الريح أمام فأر خرج للتو من بالوعة
مجاري حارة « حلابو ».. „ رفيقي ” تعلق بفتاة
الجيران مع أن فتيات جيرانه ڪُثر.. فـ لم تعجبه أي
واحدة منهنَّ.. لڪنها هي.. وهي الوحيدة التي تعلق
بها قلبه.. ويريد أن يراها دائماً حين يطل من
نافذة غرفة معيشة شقته علىٰ بلڪونتها.. وحين ينظر
إليها يرغب في سماع صوتها.. يتمنىٰ أن يقترب
منها.. يقول „ رفيقي ”: „ احساس غريب تملڪني لم
اتمڪن من فهمه.. وشعور مبهم تسرب إليَّ لا استطيع
أن افسره ”.. ثم يڪمل: „ ڪنت انتظر خروجها لتفعل
أي شئ في البلڪونة مع صغيرات يسڪن معها.. هي ليست
من سڪان هذه الشقة إنها وافدة عليهم.. فـ مَن
هي!؟.. مَن تڪون!؟.. ڪنتُ انتظر بزوغ فجري حين
يشرق من لِّحاظ عينها اليسرىٰ.. وانتظر سدول ليلي
من خلال أن تغطيني بآحدىٰ جدائل شعرها.. وإن لم
يڪن شعرها أسود كَسْتَنَائِيٌّ: أَسْمَرُ
قَاتِمٌ.. بل ڪان يميل إلىٰ الحمرة أو اللون
البني.. ولعلها ڪانت تطليه بالحناء فيڪتسب هذا
اللون.. الرائع الفذ.. والحناء لها فوائد عديدة
لجلد فروة الرأس أو لحية الرجال ڪمن يسڪن في الهند
أو اليمن أو لعلاج مشاڪل بشرة جلد القدمين.. وأن
تغذيني بأنامل أصابعها وتسقيني من عصير ريقها
العذب الفرات.. هي ڪانت جميلة.. بل رائعة الجمال..
بل باهرة الحسن.. وذات صباح مشرق سمعت صوتها تتحدث
مع صغيرات في شقتها.. فإذ هي صاحبة لُكْنَة؛ أي في
لِسانها عُجْمَةٍ ”.. يتوقف „ رفيقي ” عن الحديث
شارحاً هذه الإشڪالية: „ وهذه آحدىٰ إشڪاليات سڪان
المدن ذوي احتڪاك بالثقافة الغربية من خلال افلام
هوليوود مثلاً.. وهي نعرة..إذ هي ڪِبْر وخُيلاء
وعصبيَّة يمقتها الآخرون ”.. بيد أن „ رفيقي ”
تربىٰ عليها دون أن يشعر وتأصلت فيه دون أن يدري..
و „ قد أيقظها بعد القضاء علىٰ الملڪية الفاسدة
وأشعلها في ظل الجمهورية الأولىٰ صاحب الڪريزما
الطاغية علىٰ قلوب محبيه الزعيم الخالد « ناصر
العروبة »؛ فيتم التندر حين يأتي أحدٌ من قاطني
الأقاليم.. فــ « الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ » القُح..
مثلي.. غير مُخَلط بلهجة عامية آخرىٰ فـ يلاحظ
سريعاً مخارج حروف إنسان عنده صعوبة في نطق
الڪلمات ڪما تعودتُ أن اسمع في مدينة الثغر وڪما
يتحدث أهلها الأصليون! ”..
يڪمل „ رَفيقِي ” حديثه: „ بدأتُ في محاولة
الاقتراب منها.. أو بتعبير أدق لفت انتباهها..
تارة بالمشاورة بأصابع اليد.. وتارة بحرڪات
الشفايف.. وفي البداية لم تڪن تبالي بما افعل أو
ما أقوم به من حرڪات صبيانية.. وڪانت تبتسم أو
تفتعل الضحك أو إن شئت الاستهزاء بما افعل.. ولا
تبالي بما اصنعه.. وقد لاحظتُ أن النجار وهو المحل
الذي يقع مباشرة اسفل شقة جارتنا الجديدة مع صغار
الصبية في الحارة بدءوا ينتبهوا لمحاولاتي..
وبدؤوا في التضيق عليَّ بل واستجلاب أصوات منڪرة
حين تطل تلك الفتاة أو يظنوا أنني أريد منها أن
احدثها ”.. „ إنها المحاولة الأولىٰ في سن
التجرية.. ولعل عُمر الإنسان ڪله تجارب إما ناجحة
أو فاشلة.. محاولة إثبات رجولة في منطقة أسڪنها..
وڪنتُ اشعر بفارق بيني وبين اقراني.. فمنذ البداية
منعتني أمي من اللعب في الشارع لذا فإنني لا أحسن
لعبة ڪرة الشراب ولذا فإنني أڪرهها.. وعليه اتجهتُ
لممارسة رياضة ڪمال الأجسام.. ولما قيل لي أنني لا
اصلح لضيق صدري اتجهت لممارسة لعبة الجودو وتفوقت
فيها.. ولعل ڪل جيران منطقتي لاحظوا اهتمامي بتلك
الفتاة.. وهي لم تعرني أي اهتمام يذڪر.. أرسلتُ
لها ذات مرة.. وڪانت جُرأةً مني منقطعة النظير..
أني أرسلت لها ورقة صغيرة ملفوفة ووضعت في مشبك
الغسيل؛ وهي قطعة الألمنيوم والتي تمسك بطرفي
المشبك الخشبي.. وقد لففتها وأدخلتها بعد عدة
محاولات لتڪون علىٰ قدر فتحة ممسك المشبك.. ولا
أدري إن قرآتها أم لا.. ولعلها لم تقرأها أو قرأها
آحدٌ لها.. وهي لم تبادلني أي شعور عاطفي بالمرة
بل إنها لم تبادلني أدنىٰ درجات الود.. أو تعرني
أقل درجات الاحترام الإنساني أو نوع ما من الشفقة
الآدمية.. بل إنها انزعجت من تصرفاتي.. ولعلها ذات
مرة بصقت في وجهي أو سبتني.. فـ مَن هي!؟.. صدفةً
سمعتُ أمي تتحدث مع جارتنا.. وهي تمتهن الخياطة
مِن منازلهم.. فقالت لها إنهم لديهم ضيفة ستمڪث
قليلا وهي أبنة أخت زوجها.. ثم علمتُ أنها أتت مِن
قريتها أو من النَّجع.. ثم جاءت الطامة الڪبرىٰ..
إذ قالتْ -جارتنا صاحبة الشقة- أن هذه الفتاة
تعدها للزفاف علىٰ ابن عمها.. متطوع في الجيش
المِصري.. وزوجة خالها تخيط لها فساتين العرس..
لذا فقد جئتُ متأخرا للغاية ”.. يتوقف „ رفيقي ”
عن الحديث تماماً.. ثم يقول بمرارة أشد من
العلقم.. كَالْحَنْظَلِ: „ وبعد مرور سنوات طوال..
عدة علىٰ هذه الحادثة إلا أنها ترڪت بصماتها علىٰ
شغاف قلبي.. فصار اسمها أيقونة عُلقت داخل فؤادي
وصار ملامح وجهها ذخيرة ڪذخائر القدِّيسين أعلقها
في رقبتي وصار جمالها المقياس عندي لمن تأتي بعدها
من الفتيات.. فـ بياض وجهها ولون -حنة- شعرها صارا
النموذج عندي للأنثىٰ القادمة بقدر الإمڪان..
والأسوء من ذلك أنني تعلمت أن أترك الفتاة قبل أن
تترڪني ”.. وهنا وڪأنني لمحت دمعة تريد أن تنحدر
من مقلته.. بل إنني رأيت بالفعل احْمِرَاراً فِي
مُقْلَتِهِ.. ولعلي الأن بعد عدة سنوات من زمالتي
له أدرڪت سبب ميله للمرأة الهَيْفَاءِ البيضاء ذات
العيون الزرقاء! تلك مَنْ دَقَّ خِصْرُهَا
وَضَمُرَ بَطْنُهَا.. هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً..
عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ
ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ
ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
﴿ رُوَايَّةُ : « „ الْرَجُلُ الْمَشْرَقِيُّ ”
».﴾.. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
« وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ
»..ڪُتبتْ في فيينا Vienne - لحظة إطلالها علىٰ
الدانوب الأزرق!
[(٣)]„. اَلْـجُزْءُ اَلْثَالِثُ “: « القصة بدأت
»..„ فَاطِمَةُ.. الزَّهْرَاءُ “
[ * ] للمحب أو العاشق أن يغدق على محبوبته
بالأوصاف التي يريدها.. فمرآة الحب خشب!.. ومن
الأمثلة المِصرية الشعبية الرائجة : “خنفسة شافت
ولادها على الحيط، قالت ده لولي ملضوم في خيط”.
السبت: ١ رجب ١٤٤٥ هــ ~ 13 يناير 2024م