السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 2019

 غلطة عمر

لعل مقولة «„ الحياة مدرسة باهظة التكاليف ‟» حقيقة مؤكدة أثبتتها التجربة اليومية وأكدتها ممارسة لحظات الحياة المعاشة... وإعادة التجربة نفسها أمر مؤلم للغاية نفسيا يدل على حالة تخلف عقلي عند مَن يكررها... فذاتَ صباحِ يوم أحد نهاية إسبوع؛ الأصل فيه أنه مشرق أو سيكون مشمساً وفق ما أعلنته مصلحة الارصاد الجوية؛ والعلم عند الله تعالىٰ ... وفي باكرِ هذا الصباح المشرق استيقظ رفيقي فوجد زوجته ذات الأصول العربية تحمل بين عاتقيها وواجهته بـ «„ وش خشب(!) ‟» دون سنفرة أو تلميع... وكأنها كسرت جميع المرايا واتلفت كافة مساحيق التجميل الأوروبية وأغلقت دكاكين العطارة؛ وأخذ يردد «„ آيش تعمل الماشطة في الوش...!!!!) ‟» وهذا مصطلحٌ يتناوله العامة مِن المِصريين تعبيراً عن حالة غضب شديد؛ وبداية ثورة عارمة لتقلب رؤوس الجبال الراسخات كرواسي الأرض كي لا تميد فوق رأس الزوج الغلبان؛ فتجعله ذرةً في مهب ريح عاصف؛ فتجمده في يوم من أيام شتاء شمالي قارس؛ خاصةً إذا كانت تلك المرأة -عموماً- من نوع «„ cho¬le¬risch ‟». فهي تغضب سريعاً كإشتعال عود كبريت لحظة احتكاكه؛ وتثور بسرعة البرق الخاطف كبركان ثائر... ثم تهدأ بعد تفريغ الشحنات وبعد قذف حمم كعبوات حارقة ناسفة... وهذه المرة طال قذف الحمم البركانية وامتد زمن العبوات الناسفة الحارقة...
... مع العلم أن الجميع يشهد -وخاصة النساء- بأن «„ طبق(!) ‟» وجه زوجته العربية جميل بل باهر الجمال؛ وبالطبع وفق مواصفات رفيقي في الجمال!.
وهو -رفيقي- لا يدري ما هو السبب(!!!)؛ لكنه افاق من نومه وذهب كعادته ليأخذ دش (حمام) الصباح؛ فكان بعده دش (حمام) آخر آحر من الدش الأول؛ إذ أن الدش الأول تتمكن من ظبط درجة سخونة الماء وأنتَ تحته؛ اما الدش الثاني فهذا يتوقف علىٰ الموقف الذي أغضب تلك المرأة...
رفيقي سأل امرأته الْإِسْكَنْدَرِانِيَّةِ :" آيه مالك!!؟"...
ثم تنفس نفساً عميقاً ليأخذ قدرا من الهدوء النفسي والإتزان الفكري والتركيز العقلي... ثم قال بصوت منخفض هادئ؛ كي تمر العاصفة دون خسائر عاطفية أو مادية:" غضبانة النهاردة كده ليه!؟".
فنظرت إليه شذرا مدرا لا تجمع كلمات مفهومة في جملة مفيدة؛ بل حالة هياج نفسي؛ وغضب عاطفي؛ واهتزاز الحروف إثناء انبعاثها مِن مخارجها فيعلو هذا المشهد ثورةٌ لا يتمكن المرء من كبح جماحها...
لكنها -زوج رفيقي- هكذا أصبحت بعد إنجابها ولدهما الأول؛ فبعد أن كانت هادئة رقيقة وديعة تسمع في صوتها بحة تظن أن حبالها الصوتية أرهقت من عدة وصلات غنائية في جو بارد ممطر مرتفع درجة الرطوبة... فإذ بها بعد الإنجاب تزمجر مِن أي شئ تافه... ويعلو صوتها في فناء الدار... وبقية الحال يعلمها مَن له صاحبة علىٰ منوال زوج رفيقي...
سألها مرةً ثانية بهدوء؛ بعد أن جمع قواه الفكرية وقدراته البيانية :" ماذا بكِ!؟".
فأجابت بنرفزةٍ... مرتعشة مخارج الحروف... وبلهجة حادة... تهيج عصافير الكون في أعشاشها وتزمجر أناث الأسد في عرينها وتخطف طيور تملك مخالب فتفتك بفريستها في أوكارها؛ وبصوت مرتفع يكاد يشق سحاب السماء؛ فترعد وتزبد وتمطر وتبرق... قالت لرفيقي بصوت غاضب متحجر في حنجرتها مبلل بدموع الغضب والحزن وحرقة القلب:" تبقىٰ مين «„ كريستينا(!) ‟» يا بتاع «„ كريستنيا ‟».!!؟.. تقدر تفهمني تبقىٰ مين الست دي!؟.".
... ثوان مرت كدهور مِن الزمان وأعصار مِن الأزمنة... فنظر إليها متعجباً منبهراً متسائلاً بصوت خفيض :" «„ كريستينا!؟ ‟» ...
وأعاد السؤال :" «„ كريستينا ‟» .!؟"...
مين تبقىٰ «„ كريستنيا ‟».!!؟.
أي «„ كريستنيا ‟» تقصدين!!؟.
مناوراً كأنه قصد زميلة عمل أو مجاورة له في مقعد دراسة بالجامعة!
فقالت له أكثر غضبا من ذي قبل :" لا تردد اسمها على لسانك أمامي!".
مع أنه عُلمَ عن رفيقي أنه ما صاحبَ فتاة شقراء أو سمراء أو عرجاء خلال فترة دراستة إلىٰ أن انتهىٰ من تحصيله شهادته العليا... وهذا لقناعته بوصية أمه؛ إذ قالت له قبيل مغادرة الإسكندرية في طريقه لمطار القاهرة الدولي ليستقل الطائرة متجهاً لأوروبا؛ ألمانيا؛ قالت «„ مَن زنىٰ في غربته أرجعه الله خائباً ‟(*)». ظناً منه أن حديث نبوي شريف... وبالطبع لا يريد أن يعود خائباً فهناك تحدي مع الوالد في إثبات قدرة ابنه علىٰ تحصيل العلم والدرجة الرفيعة مِن أوروربا؛ لذا سمح له بالمغادرة وإرسال بشكل منتظم مصاريف الدراسة شهرياً.
وكأن الدنيا بقاراتها بل الكون بمجراته وكواكبه ونجومه لا يوجد فيها مَن يتسمىٰ بهذا الاسم!.
أعاد النظر إليها وتساءل بهدوء :" «„ كريستينا(!) ‟» . تبقىٰ مين الست دي!!!".
.... فقالت -زوج رفيقي- بنرفزة أشد وبصوت أعلىٰ هز مقاعد غرفة المعيشة وما زال أهل البيت نيام ... «„ كريستينا ‟»
فتساءل :" ده اسمها(!)...
فقالت -زوج رفيقي- :" الاسم ده ذكرته إنتَ أمبارح بالليل وإنتَ نائم!!... وإنتَ بتحلم بيها!"..
وبدأت حالة هستيرية من البكاء وبصوت متقطع :" وإنتَ يا أستاذ كنت جنبي في فراشي وإنتَ في سريري!...
واحمرت عيناها من شدة الغضب وقالت :" كل ده تعمله فيّه بعد ما خدمتك إنتَ وعيالك وضيعت شبابي وصحتي وعمري عليكم؛ تبقىٰ تروح لوحدة ثانية... واحدة آخرىٰ، وكمان تحلم بيها في بيتي؛ وفي غرفتي؛ وعلى سريري؛ وتناديها باسمها وأنا جنبك !"...
ثم أكملت وصوتها متقطع بسبب بكائها :" أعمل فيك آيه !!؟... ولا أعمل آيه في نفسي!!؟
ثم نظرت إلىٰ السماء :" يارب خدني وريحني مِن الراجل الظالم ده!!؟... موش عاوزه أعيش معاه!"..
ثم اعتدلت في وقفتها أمامه وقالت بصوت واضح جلي :" كان يوم أسود أكحل؛ ومنيل بستين نيلة وهباب يوم ما وفقت أن اتزوج مِن راجل مثلك ... بتاع نسوان؛ بصباص؛ هلاس؛ وعينه فارغة؛ كان بيعملي البحر طحينة!!... ومن خبتي كنت باصدقه".
ثم بدأت مرة ثانية في البكاء وقالت :" ده أنا ولعت صوابعي العشرة شموع تنور علشان تدرس وتنجح وتخلص دراستك وتبقى دكتور قدر الدنيا... وقفت جنبك في الأيام الصعبة ومعاك لوحدي في الليالي الطويلة؛ مع توتر أعصابي لما تدخل أمتحان؛ وامسك قلبي بإيدي قبل إعلان النتيجة... وافرح لكَ أكثر منك لما تنجح، وكنت أحضرك فطورك وإنت نايم في سريرك موش قادر تقوم مِن النوم... علشان سهران حضرتك تذاكر (!)... ولا كنت سهران معاها بتذاكرك الألماني وتراجع معاك ما تكتبه في محاضراتك أو تسهر معاها تحضرك امتحاناتك!!..
ثم توقفت مرة ثانية عن البكاء وقالت بنبرة حادة :" أنا موش طايقه اشوفك(!)...
ثم أطلقت قذائف نارية بقولها له :" طلقني... طلقني... طلقني!!".
ثم بدأت تبكي بحرقة شديدة قائلة له كأنها تسترجع ذكريات مر عليها سنوات :" إنتَ ضحكت علىٰ أبويا؛ ضحكت علينا كلنا؛ وقلت سنتين ثلاثة وترجع بعد ما تحصل تعليمك وأدينا أنزرعنا في البلد دي... وأمي قالت لكَ دي بنتي أمانة في رقبتك ... كده تخون الأمانة!؛ يا خائن؛ يا ظالم؛ يا مفتري علىٰ بنات الناس ... ربنا يوريني فيك يوم يا ظالم!!.
... رفيقي لم يتمكن من أن تنفرج شفة عن أختها في رد لتلك الموشحات العربية؛ ولَمْ يتمكن من أن يَنْبَسْ بِبِنْتٍ شَفَةٍ ... وكما يقولون بلع «„ لسانه ‟»
توقفت الكلمات في حلقه بل قل إن شئت توقف الهواء في رئته وتجمد... فلم يعد يقدر علىٰ أن يتنفس تنفسا مريحاً... فلا زفير ولا شهيق بل في حقيقة الأمر تجمدت أطرافه... فقد تجمدت الدماء في عروقه وسدت جميع شراينه التي تصلبت...!
إذاً... فقد عرفت الزوجة المخدوعة في زوجها وفي حبها الوحيد.... أن رفيقنا له مغامرات نسائية؛ هي غائبة عن المشهد الذي يحدث خلف ظهرها؛ لذا فهمت كما تقول لماذا كانت تتعدد سفرياته في كل شهر مدعيا أنها مؤتمرات علمية ولقاءات مع مسؤولين وهو يكلف بتمثيل مؤسسته !!
فرفيقي يعرفها -زوجته الإِسْكَندرانية- منذ أن كانت في الصف السادس الإبتدائي وفق التعليم المِصري الإلزامي؛ أي منذ نعومة أظافرها ومنذ أن وعت الدنيا علىٰ أنها أنثىٰ لها عواطف ومشاعر تجاه شاب تراه وسيماً؛ ثم حين انتقلت -هي- إلىٰ الإعدادية... مدرسة «„ هدى شعراوي ‟» ... محررة المرأة المِصرية؛ ومِن ثم المرأة العربية؛ وبدء -رفيقي- يشاغلها... ويلعب أو قل يمارس أو يقوم بإتقان ومهارة بدور العاشق الولهان؛ كما كان يراه علىٰ الشاشة الفضية الكبيرة إثناء أوقات العرض الأول سواء النسخة العربية الرديئة -في أفضل حالات تقديره- التي كانت افلامها بالنسبة إليه أفلام مملة مزعجة؛ أو النسخة الأفرنجية سواء الإيطالية أو الفرنسية.
وقد أحسن -وفق شهادتي كرفيق له- الدور بشكل منقطع النظير؛ فقد كان يتبارىٰ مع زملاء الثانوية المرقسية في كيفية «„ اصطياد ‟» بنات الإعدادي كتجربة أولية سهلة؛ وتمرين عملي بسيط غير كلف؛ اعتقادا -منه ومِن زملاءه- أنهن سذج ومتعطشات لتطبيق أغاني عبدالحليم حافظ واقتباس افلامه مع خلطة أو مقبلات مِن افلام فريد الأطرش وبقية ذلك الرعيل الذي أحسن تقديم افلام غرامية قبل أن ينتقل الفن إلىٰ فن اباحي...
وهي- زوج رفيقي - كانت تعلم -علم اليقين- منذ البداية انه الشاب المدلل؛ صاحب السلسلة الذهبية القابعة فوق شعيرات صدره مباهياً بها أمام أمثاله والناس معلناً قدراته الكلامية وكيفية أنه يميل رأس «„ اتخنها ‟» انثىٰ...
ولعل تلك الحقبة التي أتحدث عنها هي تلك الحقبة النَّاصرية والتي سعىٰ الزعيم الخالد؛ صاحب الكريزما الطاغية؛ والتي لم يقدر أحد من حكام العرب -وقتذاك- أن يقف بجوار ظله؛ ناهيك أن يقف بجواره آحدهم في مشهد سياسي أو موقف دولي؛ وهو الذي أراد أن يجعل للعرب بصفة عامة؛ وللمِصريين بصفة خاصة موضعَ قدمٍ تحت الشمس؛ يباهي بهم الأمم؛ ويفتخر بهم أمام الشعوب؛ فكان لابد من تصفيته المعنوية؛ وكانت صعبة للغاية فتبقت التصفية الجسدية؛ فــ سَمَّ في كوب مِن شراب عصير البرتقال -كما تزعم رواية خالية مِن الدليل- ...
فرفيقي تربية نَاصرية بأمتياز وإن ابتعدت المسافات بينهما؛ وتغيرت مسارات الحياة لكل منهما... وتباين الكثير مِن المعتقدات والمبادئ والأفكار والمفاهيم؛ وكيفية ممارسة الحياة... بيد أن مَن يجاوره يلاحظ أنه تربية نَاصرية؛ إذ أن مَن جاء مِن بعده هدم الثوابت وبدل القواعد وضيع الحقوق وذل الشعب الآبي لحفنة دولارات... والنتيجة تراها بأم عينيك -كما يقول رفيقي- في حالات دول كانت ستصبح عظمىٰ كالعراق أو سوريا وفشل دول كليبيا والسودان وتأرجح دول كالخليجيات...
رفيقي - في نعومة أظافره - تربىٰ في عصرٍ ينبغي عليه أن يثبت الذات في مجال تخصصه...
رفيقي - في صباه - تربىٰ في زمنِ تجب النجاحات المتتالية...
رفيقي- في بكورة شبابه – تربىٰ ينظر إلىٰ الغد ليبني مجد أمةٍ... فهو ينظر دائماً إلىٰ مشروع مستقبل... لذا أراد السفر إلىٰ ألمانيا ليكمل دراسته العليا التخصصية...
وهو ... إن ركع فهو يركع لرافع السماء بغير عمد نراها؛ أما إن سجد فسجوده للشكر علىٰ نعمة ابتلي بها ليحسن الحمد فتزداد النعم...!
وعند -رفيقي- هناك عدة مجالات للنجاحات المتتالية... بالطبع منها «„ المرأة ‟» وقدرته في الحديث معها... وعنها... ولها ... وهذا ما تميز به في مؤسسته العلمية مع الفارق الكبير بينه وبين اقرانه من أبناء الوالدة الغربية؛ وهو -رفيقي- يخبرني أنه من حسن حظه أن غالبية مدراءه الآتي احتضنّه كنَّ من النساء علىٰ الطراز القيصري الآئي يحسن معاملتهن؛ ويحكي لي عن تلك المرأة التي وقفت بجانبه... مديرته الأولىٰ؛ كذا مديرته الثانية.. فكلاهما فهمته بمشرقيته؛ وفهمته برجولته فاعطته المساحة الكافية ليبرز ذكورته في العمل بجوارها حاميا لها؛ وهذا دوره الذي تربى عليه سنوات طفولته وصباه مع جدته لأبيه ومن ثم مع أمه ... وفهمته بأنه يريد أن يحسن عمله بأعلى تقدير فكانتا -المديرتان- له نِعم السند والعون؛ وفهمتا أنه مشرقي المزاج؛ مشرقي الطباع ارتفعت فيه ذكوريته فطغت عليه لذا مَن لم تفهمه من زميلاته كن ينصحن الزميلة الجديدة بالإبتعاد عنه إذ هو رجل خطير. فإذ به يردد ما اثبته البخاري في صحيحه: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ؛ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ «„ هَلْ تَزَوَّجْتَ ‟» ،
قُلْتُ «„ لَا ‟» ،
قَالَ «„ فَتَزَوَّجْ ! ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً ‟»
توقفت مشدودا لهذه الخلطة العجيبة بين الديني والسياسي والمهني والحياتي؛ فتساءلت بصوت مسموع أمامه : " يا رفيقي إنك تتخيَّر مِا تشاء وفق ما تشاء حيث ما تشاء وقت ما تشاء!!".
فضحك بصوت مرتفع وهو يقول دون أن يمسك ضحكته : " إنه عمر واحد نحياه ... فعشه وفق مبادئك التي تختارها طالما أنها لا تتعارض مع بعضها البعض من وجهة نظرك ولا يتأتىٰ منها اذية للآخرين" .
فقلتُ مسرعاً : " نعم هناك تعارضٌ بيِّنٌ صريحٌ بينَ وطنية وإشتراكية ودكتاتورية نَاصر العروبة -كما إنتَ تدعي- وبينَ شمولية الإسلام وأفكاره ووجهة نظره في الحياة وثالثاً بين نمط الحياة في أوروبا وكيفية العيش معهم وبينهم !!!".
فسكت قليلاً ثم أردف قائلاً : " فلنذهب إلىٰ مطعم الفردوس لنكمل حديثنا!!! ".
سألته قبل الذهاب ماذا فعلت !!؟ ؛ أو ماذا قلت !!؟.
فقال بنبرة حزن :" قلتُ لها؛ واعترفتُ؛ ولم أخذ بوصية الدكتور يوسف الكرواتي؛ زميلي في مؤسستي العلمية؛ فقد قال له إثناء وجبة غذاء: إذا كثر حريمك فالكل تناديه بـ «„ روحي ‟» أو بــ «„ عقلي ‟» ،.. «„ حياتي ‟» لا تستخدم اسماء ثم يكمل يوسف: لا تنادي آحداهن باسمها الحقيقي؛ فهذا ضمان خوفا من فلتات اللسان!!.. وآكد هذه المعلومة فقد قرأها في المجلة الأسبوعية Der Spiegel وأيضا في الآخرى News ... لكن متحسرا فات الأوان!!
اصطدمت -زوج رفيقي- فانزعجت بحروف اسم امرأة آخرى في حلم فطلبت الطلاق!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هناك حديث يقول : قال صلى الله عليه وسلم : (مَن زنى في غربته لا رجع سالماً ولا غانماً) ؟
ليس هذا الكلام بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعله دعاء دعا به بعض الخطباء على من زنى في غربته فظنه الناس حديثاً .
هذا وقد ذكر بعض أهل العلم في كتب الموضوعات كلمة قريبة من هذا المعنى ، وفيها : (من عصى الله في غربته رده الله خائباً).
قال الشيخ ملا علي القاري- رحمه الله- : "لا أصل له فيما أعلمه" انتهى . [ الأسرار المرفوعة " (ص/354) ، "كشف الخفاء" (ص/189) ] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
يتبع بإذنه تعالىٰ
رواية الرجل المشرقي
ورقة من كراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَة الْمَحْمِيَّةِ
١٢ ربيع آخر ١٤٤١ ه ~ 09 ديسمبر 2019م

حقائق عن مولده-صلى الله عليه وآله وسلم-

متىٰ ولد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟
اختلف أهل التاريخ والسير في مولد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- متىٰ كان؟
علىٰ أقوال، فمنها:
﴿ „ أ . ‟﴾:" سنة ولادته صلى الله عليه وسلم
﴿ „ ١. ‟﴾:" أولًا: اختلفوا في سنة ولادته -صلى الله عليه وآله وسلم- :
﴿ „ ١ . ١ ‟﴾:" الأكثرون علىٰ أن ولادته -صلى الله عليه وآله وسلم- كانت في عام الفيل، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، و
﴿ „ ١ . ٢ ‟﴾:" قيل بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا، وهو قول السهيلي المالكي، و
﴿ „ ١ . ٣ ‟﴾:" قيل بخمس وخمسين يومًا، حكاه الحافظ الدمياطي الشافعي، و
﴿ „ ١ . ٤ ‟﴾:" قيل بشهر، و
﴿ „ ١ . ٥ ‟﴾:" قيل بأربعين يومًا، حكاهما مُغلطاي الحنفي، وابن سيد الناس الشافعي، و
﴿ „ ١ . ٦ ‟﴾:" قال الإمام الزهري: بعد الفيل بعشر سنين، و
﴿ „ ١ . ٧ ‟﴾:" قيل: قبل الفيل بخمس عشرة سنة، و
قيل: غيره.
﴿ „ ب . ‟﴾:" الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم
﴿ „ ٢ . ‟﴾:" ثانيًا: واختلفوا في الشهر الذي ولد فيه - -صلى الله عليه وآله وسلم- : فــــ
﴿ „ ٢ . ١ ‟﴾:" قيل: في شهر صفر،
﴿ „ ٢ . ٢ ‟﴾:" قيل: في ربيع الآخر، حكاهما مُغلطَاي الحنفي، و
﴿ „ ٢ . ٣ ‟﴾:" قيل: في رجب، و
﴿ „ ٢ . ٤ ‟﴾:" قيل: في رمضان، حكاهما اليعمري الشافعيُّ ومُغلطَاي الحنفي، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو موافق لمن قال: إنَّ أمه حملت به أيام التشريق، و
﴿ „ ٢ . ٥ ‟﴾:" أغرب مَن قال: إنَّه ولد في أيام التشريق:
﴿ „ ج . ‟﴾:" يوم ولادته -صلى الله عليه وآله وسلم-
﴿ „ ٣ . ‟﴾:" ثالثًا: واختلفوا في يوم ولادته - -صلى الله عليه وآله وسلم- : فــ
﴿ „ ٣ . ١ ‟﴾:" قيل: غير معين، و
﴿ „ ٣ . ٢ ‟﴾:" قيل: في ربيع الأول، من غير تعيين اليوم، نقله الحافظ القسطلاني الشافعي في (المواهب اللدنية)، و
﴿ „ ٣ . ٣ ‟﴾:" قيل: يوم الاثنين، والجمهور على هذا، و
﴿ „ ٣ . ٤ ‟﴾:" قيل: لليلتين مضتا من ربيع الأول، قاله ابن عبدالبر المالكي، ورواه الواقدي، عن أبي معشر نجيح المدني. و
﴿ „ ٣ . ٥ ‟﴾:" قيل: لثماني ليال مضين منه، رُوي ذلك عن ابن عباس وجبير بن مطعم -رضي الله عنهم-، واختاره ابن حزم ونقل ابن عبدالبر تصحيح أهل التاريخ له، وقطع به الحافظ محمد الخوارزمي، ورجحه الحافظ ابن دحية الكلبي، وقال: هو الذي لا يصح غيره، وعليه أجمع أهل التاريخ، وقال القطب القسطلاني: هو اختيار أكثر أهل الحديث وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشأن، وحكى القضاعي إجماع أهل الزيج (أي : الميقات) عليه، و
﴿ „ ٣ . ٦ ‟﴾:" قيل لتسع خلون منه، وهذا ما ذهب إليه الباشا الفلكي المصري، وله رسالة علمية في هذا، درس فيها الموضوع دراسة فلكية، ورجحه الشيخ علي الطنطاوي، وأثنى على رسالته، و
﴿ „ ٣ . ٧ ‟﴾:" قيل: لعشر مضين منه، وهو قول الشعبي ومحمد الباقر وصححه الحافظ الدمياطي الشافعي، و
﴿ „ ٣ . ٨ ‟﴾:" قيل لاثنتي عشرة مضت منه، وهو قول ابن إسحاق، و
﴿ „ ٣ . ٩ ‟﴾:" قيل: لسبع عشرة مضت منه، نقله ابن دحية عن بعض الشيعة، و
﴿ „ ٣ . ١٠ ‟﴾:" قيل: لثماني عشرة مضين منه، و
﴿ „ ٣ . ١١ ‟﴾:" قيل: لثمان بقين منه، رواه أبو رافع عن أبيه محمد بن حزم الظاهري.
﴿ „ د . ‟﴾:" وقت ولادته -صلى الله عليه وآله وسلم-
﴿ „ ٤ . ‟﴾:" رابعًا: واختلفوا في وقت ولادته -صلى الله عليه وآله وسلم-: فــ
﴿ „ ٤ . ١ ‟﴾:" قيل: ولد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نهارًا، و
﴿ „ ٤ . ٢ ‟﴾:" قيل: عند طلوع الفجر، و
﴿ „ ٤ . ٣ ‟﴾:" قيل: عند طلوع أنجم الغِفَر و
﴿ „ ٤ . ٤ ‟﴾:" قيل: ولد ليلًا، رواه الحاكم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والله تعالى أعلم.
أختي العزيزة... أخي الكريم!
لم أرد أن أفسد عليكم تلك المناسبة بعد أن أصدرت هيئة معتمدة في الفتوى [كما ذكرت في المقال السابق] وإصدرت رأياً إسلامياً قد يأخذ به البعض؛ وقد يتوقف عنده البعض الآخر فيرفضه؛ وكاتب هذه السطور ليس من أهل الافتاء؛ ولكنه أقرب إلى أنه طالب علم؛ وتجاوزا باحث عن حقيقة الدين خاصة ونحن نعيش في زمن اختلط الحابل بالنابل؛ وتراجعت المؤسسة الدينية وفق التقسيم الحديث لشكل الدولة ونظامها العام؛
وأكمل الحديث ... فعلام يدل اهتمام الصحابة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- بضبط تاريخ مولد إمام الأنبياء وسيد المرسلين وخاتم المبتعثين من رب العالمين للعالمين رسول الله محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟
الجواب:
إنه يدل على أنَّ المسلم ليس مطلوبًا منه الاهتمام بتاريخ المولد، ولا العناية بضبطه، إذ المطلوب إقامة الدين وليس فقط إقامة المولد، وإنَّما الواجب عليه أن ينظر كيف هو في حبه لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ومتابعته في شريعته، واقتدائه بسنته واهتدائه بهديه، وحرصه على التخلق بِخُلُقِهِ.
فأين نحن – أخي الكريم – مما فرض الله علينا تجاه نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-؟
هذا هو الذي ينبغي على كل مسلم أن ينظر ... كيف هو فيه مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أما حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
هل احتفلوا؟
سؤال يطرح نفسه كلَّما أقبل على المسلمين شهر ربيع الأول، و
هو: هل احتفل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالمولد، و
هل احتفل صحابته، و
هل احتفل سلف هذه الأمة الصالح رحمهم الله تعالى؟
نترك للعلماء الجواب عن ذلك:
وقبل الإجابة اقول : مضت القرون المفضلة الأولى، الأول والثاني والثالث، ولم تسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ومن جاء بعدهم -مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكونهم أعلم الناس بالسنة، وأحرص الناس على متابعة شرعه صلى الله عليه وسلم- احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأول من أحدث الاحتفال بالمولد هم بنو عبيد القداح الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين، وينتسبون زوراً إلى ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية، وقد أظهروا هذه البدعة وغيرها من البدع كي يغيروا على الناس دينهم، ويجعلوا فيه ما ليس منه؛ لإبعادهم عما هو من دينهم، فإن أشغال الناس بالبدع طريق سهل لإماتة السنة، والبعد عن شريعة الله السمحة وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المطهرة.

وإليك أقوال العلماء التي تثبت أن أول من احتفل ببدعة المولد هم الفاطميون:-
1.) قال تقي الدين المقريزي رحمه الله تحت عنوان: ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها عيداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم.
قال: " كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم رأس العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه.." [انتهى النقل] [المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/ 490) ].
2.) وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي: "مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعزل لدين الله..." [انتهى النقل]. [أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام (ص:44) ].
3.) وقال الشيخ علي محفوظ رحمه الله -وهو من كبار علماء مصر-: "قيل: إن أول من أحدثها -أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر..." . [ انته التقل]. [الإبداع في مضار الابتداع (ص:251) ].
4.) وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن: مدير جامعة أسيوط سابقاً، وطه أحمد شرف : مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما (المعز لدين الله) تحت عنوان: "الحفلات والأعياد": " إن المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة أول رجب ونصفه، وليلة أول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان؛ حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين رضي الله عنه، كما كان يحيي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي" [انتهى النقل]. [المعز لدين الله (ص:284) ].
وقد اتفق العلامة محمد بخيت المطيعي الحنفي مع الشيخ علي محفوظ على أن الملك المظفر أبا سعيد إنما أحدث المولد النبوي بمدينة إربل في القرن السابع بعد الفاطميين.
وهؤلاء الفاطميون لم يعترف بنسبهم إلى أهل البيت أحد من أهل العلم الثقات، بل ألفوا في الطعن والقدح فيهم الكتب والمحاضر، وشهدوا عليهم بالإلحاد والزندقة والإباحية، قال الباقلاني: "هم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض". [ نقلاً عن ابن كثير في البداية والنهاية (11/ 387) ].
وكانوا يحدثون في هذه الاحتفالات أموراً شنيعة ذكرها المقريزي في خططه، وعقب عليها العلامة محمد بخيت المطيعي بقوله: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون في المولد النبوي؛ جزمت بأنه لا يمكن بأن يحكم عليه بالحل". [ أحسن الكلام (ص:52) ].
فهذا الاحتفال لا شك في أنه محدث بعد القرون الثلاثة، وأن الذين أحدثوه هم من أخبث الفرق التي انتسبت إلى الإسلام إن لم تكن أخبثها.
قاموا على هذه الاحتفالات بغية التأثير على العامة المحرومين، ظناً منهم أن هذه الموالد ستؤكد نسبهم المزعوم، فوسعوا على الناس فيها، وصرفوا الأموال الطائلة عليها، فأقبل الناس على تلك الموائد العظيمة التي كانت تعد لهم، وصاروا ينتطرونها كل عام بنفس مستشرفة، وهكذا توالت السنوات، وتعارف الناس عليها؛ حتى صارت عقيدة يموت عليها الكبير، وينشأ عليها الصغير، ثم انتهت دولة بني عبيد ولكن الاحتفال بها استمر، وصار لها سلطان على العلماء لجريان عمل الناس عليها.
وإن من العجب أن يكون أول من وضع بذرة عقيدة التشيع والرفض هو : عبدالله بن سبأ، وأول من ابتدع بدعة المولد النبوي هم العبيديون أبناء عبيدالله بن ميمون القداح!!!
قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي، المشهور بالفاكهاني، رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين... بل هو بدعة أحدثها البطالون.
وأقره الشيخ العدوي المالكي في حاشيته على مختصر خليل، والشيخ محمد عليش المالكي رحمهما الله في [فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك]. و
قال العلامة ابن الحاج المالكي، رحمه الله تعالى، في "المدخل" عن المولد إذا خلا من جميع المنكرات: فإن خلا من كل ما تقدم، فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين... ولم يُنقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم". و
قال الحافظ ابن حجر الشافعي -رحمه الله تعالى-: " أصل عمل المولد بدعة، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة ". و
قال الحافظ السخاوي الشافعي - رحمه الله تعالى-: "عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد". و
قال الشيخ نصير الدين المبارك، الشهير بابن الطباح - رحمه الله تعالى- : " ليس هذا من السنن". و
قال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي - رحمه الله تعالى -: "هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له -صلى الله عليه وآله وسلم- إعظامًا ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم، ولا ذرة منه ". و
قال إمام دار الهجرة، مالك بن أنس -رحمه الله تعالى-: "من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خان الرسالة، لأن الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }[المائدة:3]. فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا.
عن عِرْبَاضِ بنِ سارية –رضي الله تعالى عنه- قال: { صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا! قال:أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعيش منكم يرى بعدي اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة }.
الحَفَاوَةُ بِهَذَا الْيَوْمِ:
لَا شَكَّ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَشْهَدْ حَدَثَيْنِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدَثَيْنِ :
- مَوْلِدِ سَيِّدِ الْخَلْقِ ، وَ
- بَدْءِ إِنْزَالِ أَفْضَلِ الْكُتُبِ ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَفِي بِهِ ، وَذَلِكَ بِصِيَامِهِ ، وَهُوَ الْعَمَلُ الْمَشْرُوعُ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ عَنْ شُعُورِهِ فِيهِ ، وَالْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ الَّتِي يَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى بِهَا عَلَى هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ .
أَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ احْتِفَالَاتٍ وَمَظَاهِرَ ، فَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي ، وَلَا الثَّالِثِ ، وَهِيَ الْقُرُونُ الْمَشْهُودُ لَهَا بِالْخَيْرِ ، وَأَوَّلُ إِحْدَاثِهِ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ .
وَقَدِ افْتَرَقَ النَّاسُ فِيهِ إِلَى فَرِيقَيْنِ :
- فَرِيقٌ يُنْكِرُهُ ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُهُ ؛ لِعَدَمِ فِعْلِ السَّلَفِ إِيَّاهُ ، وَلَا مَجِيءِ أَثَرٍ فِي ذَلِكَ . وَ
- فَرِيقٌ يَرَاهُ جَائِزًا ؛ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ ، وَقَدْ يُشَدِّدُ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
فالدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - قال:" الاحتفال بالمولد النبوي سُنَّة حسنة من السُّنن التي أشار إليها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: « ومَنْ سنَّ سُنَّة حسنة فله أجرُها وأجرُ مَنْ عَمِل بها، ومَنْ سنَّ سُنَّةً سيئة فعليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها »، وذلك لأنَّ له أصولًا ترشد إليه وأدلة صحيحة تسوق إليه، استنبط العلماء منها وجه مشروعيته.
ومن هذه الأدلة ما يأتي:
1.) سُئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صوم الاثنين فقال: " فيه وُلِدْتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ". [رواه مسلم] ، فجعل ولادته في يوم الاثنين سببًا في صومه .
2.) سُئل ابن حجر عن هذا المولد فكان مما قال : "وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما يثبت في الصحيحين من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: " هو يوم أغرق اللهُ فيه فرعونَ ونجَّي موسي، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى". فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة" .
والشكر لله يحصل على أنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ـ وأيُّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم.
أما التاريخ الذي ابتدء به هذا الاحتفال فقد قال السيوطي: " إن أول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زيدالدين علي ابن بكتين، أحد الملوك الأمجاد والكبراء والأجداد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قيسون، وكان ذلك في القرن السابع".
ولا يعني ترك السلف لهذا العمل الصالح مخالفتَه للشرع؛ لأن السلف الصالح كان عندهم من اليقظة الدينية وحبِّ النبي الكريم ما يُغنيهم عن التذكير بيوم مولده للاحتفال.
وقد كانت الموالد كلها فيما مضى من نشأتها طاعة لله ـ عزَّ وجلّ ـ القصد منها الطعام وذكر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وتعريف المسلمين بفضائل نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحثهم على متابعته، أمَّا ما يحدث في الموالد اليوم مما ينافى الاحتفال بهذه الذكرى مِنْ لَهْوٍ واختلاط النساء بالرجال، وانتشار المفاسد والموبقات، والإقبال على المحرمات ، وصرف عن طاعة الله، وطاعة رسوله ومقارفة للمعاصي إلا قليلًا من المحافظين على حرمات دينهم، فلم يكن له وجود فيما مضى، والموالد بحاجة إلى رعاية وتقويمٍ وفرض عقوبات على كل مستهتر بدينه لا يرعى لله ولا لرسوله حرمة .
ومما ينبغي التنبيه إليه أن الاحتفال بمولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي أن يكون باستعراض سُنَّته، والتذكير بدعوته، والاسترشاد بِهَديه، وأن يكون بالإكثار من العبادة والذكر والصدقة في سبيل الله .والله أعلم "[انتهى النقل].".
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي فَصْلٍ قَدْ عَقَدَهُ لِلْأَعْيَادِ الْمُحْدَثَةِ : أَتَى إِلَى عَمَلِ الْمَوْلِدِ ، فَقَالَ : وَكَذَلِكَ مَا يُحْدِثُهُ بَعْضُ النَّاسِ إِمَّا مُضَاهَاةً لِلنَّصَارَى فِي مِيلَادِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِمَّا مَحَبَّةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمًا لَهُ ، وَاللَّهُ قَدْ يُثِيبُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ وَالِاجْتِهَادِ لَا عَلَى الْبِدَعِ مِنَ اتِّخَاذِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدًا ، مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَوْلِدِهِ ، أَيْ : فِي رَبِيعٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ . وَلَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَحْضًا أَوْ رَاجِحًا لَكَانَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنَّا ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ مَحَبَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَعْظِيمًا لَهُ مِنَّا ، وَهُمْ عَلَى الْخَيْرِ أَحْرَصُ . وَإِنَّمَا كَمَالُ مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ فِي مُتَابَعَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ، وَإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَنَشْرِ مَا بُعِثَ بِهِ ، فَإِنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَاهُمْ حُرَصَاءَ عَلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْبِدَعِ ، مَعَ مَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ الَّذِي يُرْجَى لَهُمْ بِهِ الْمَثُوبَةُ تَجِدُونَهُمْ فَاتِرِينَ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ عَمَّا أُمِرُوا بِالنَّشَاطِ فِيهِ . وَإِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُحَلِّي الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ وَلَا يَتَّبِعُهُ . وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يُزَخْرِفُ الْمَسْجِدَ وَلَا يُصَلِّي فِيهِ ، أَوْ يُصَلِّي فِيهِ قَلِيلًا ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَتَّخِذُ الْمَسَابِيحَ وَالسَّجَاجِيدَ الْمُزَخْرَفَةِ ، وَأَمْثَالَ هَذِهِ الزَّخَارِفِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ وَيَصْحَبُهَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ ، وَالِاشْتِغَالِ عَنِ الْمَشْرُوعِ مَا يُفْسِدُ حَالَ صَاحِبِهَا .
ولعلي قد وفيت في بحث المسألة والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني من المولد!
بحث من اعداد:
محمد الرمادي
الأحد : 13 ربيع أول 1441هـ ~ 10 نوفمبر 2019م

 مولد (!)

اصدر في بداية هذا الإسبوع رئيسُ الحكومة المصرية قرارا وزاريا باعتبار يوم الأحد القادم (10 نوفمبر) عطلة رسمية بالبلاد مدفوعة الأجر للقطاعين العام والخاص؛ كما يرسل رئيس الدولة تهئنة رئاسية للمصريين بالخارج عن طريق مكاتب البعثة الدبلوماسية المعتمدة في بلاد الشرق والغرب... وهذا بناءً على فتوى دار الإفتاء المصرية؛ إذ ﴿[ قالت دار الافتاء إن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبى الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبى -صلى الله عليه وآله وسلم- ومحبة النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- أصل من أصول الإيمان.
واستدلت دار الافتاء عن صحة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، أنه قد صح عنه أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”، وقال ابن رجب: محبة النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- من أصول الإيمان، وهى مقارنة لمحبة الله -عز وجل-، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شئ من الأمور المحببة طبعاً من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾.
ولما قال عمر -رضي الله تعالى عنه وعن ابنه- للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:« يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي»، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: 《لا والذي نفسي بيده؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك》، فقال له عمر:« فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي»، فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: 《الآن يا عمر》 [رواه البخارى].
وقالت دار الافتاء ان الاحتفال بالمولد النبوى اي بمولده -صلى الله عليه وآله وسلم- هو الاحتفاء به، والاحتفاء به -صلى الله عليه وآله وسلم- أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله -سبحانه وتعالى- قدر نبيه، فعرف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته.
وتابعت دار الافتاء انه قد درج سلفنا(*) الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين : ابن الجوزي؛ وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي -رحمهم الله تعالى-.(انتهى النقل).
وفي المقابل تجد مَن يرى خلاف هذا الرأي... فـــ" يتجدد النقاش والجدال كل عام في مثل هذا الوقت من العام حول مشروعية أو بدعية الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك القضية التي تنال قسطا وافرا من الخصومة بين الأقران. "...
أضف مسألة تحدث عنها بعض أهل التأريخ إذ حسبوا أن
‟» ﴾ Muhammad, Allahs Segen und Friede auf ihm, wurde am Montag, den 12. Rabi‘u-l-awwal im "Elefantenjahr" (23. April 571 n.Chr.) geboren und starb ebenfalls am Montag, den 12. Rabi‘u-l-awwal im Jahr 11 der Hijra (3. Juni 633 n.Chr.). „ ﴿ «
الكاتب:
Abu-r-Rida’ Muhammad Ibn Ahmad Ibn Rassoul (Juli / August 1998)
"lexikon_der_sira"
وعلى هذا الحساب الفلكي يكون يوم إنتقاله إلى الملأ الأعلى هو نفسه يوم مولده...
فهل يا ترى الإحتفال بمولده أم الإحتفال بغيبته عنا!!؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) " كتب الصالحي " قال أبو عبدالله بن الحاج -رحمه الله تعالى- في المدخل: فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه -صلى الله عليه وسلم- خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السموات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها ؟ .فـــ
الجواب من أربعة أوجه:
[«﴿[ ١.]﴾»] : الأول:
ما ورد في الحديث من أن الله -تعالى- خلق الشجر يوم الاثنين [(1)]. وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتد بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم -سبحانه وتعالى-. فوجوده -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر في هذا اليوم قرة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
[«﴿[ ٢.]﴾»] : الوجه الثاني:
أن ظهوره -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة لمن تفطن لها بالنسبة إلى اشتقاق لفظة ربيع إذ أن فيه تفاؤلا حسنا وبشارة لأمته -صلى الله عليه وسلم-.
وقد قال الشيخ الإمام أبو عبدالرحمن الصقلي -رحمه الله تعالى-: " لكل إنسان من اسمه نصيب".
هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشق الأرض عما في باطنها من نعم المولى -سبحانه وتعالى- وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى -سبحانه وتعالى-، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضا. فمولده -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى -تبارك وتعالى- إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رحمة للعالمين. وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخير
____________
[(1)] أخرجه أحمد [2 / 327].
_________________
[ص: 338؛ الصالحي ] العذاب عنهم لأجله -صلى الله عليه وسلم-. قال الله -تعالى-: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منته على عباده لهدايته -عليه الصلاة والسلام- لهم إلى صراط الله المستقيم.
[«﴿[ـــ ٣ .]﴾»] :
الوجه الثالث: ما في شريعته -صلى الله عليه وسلم- من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حر مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها -صلوات الله وسلامه عليه- من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.
[«﴿[ـــ ٤ .]﴾»] :
الوجه الرابع: أنه قد شاء الحكيم -سبحانه وتعالى- أنه -صلى الله عليه وسلم- تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره -عليه الصلاة والسلام- الفضيلة العظمى والمزية على ما سواه من جنسه إلا ما استثنى من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد -صلى الله عليه وسلم- في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها فجعل الحكيم -جل جلاله- مولده صلى الله عليه وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته -سبحانه وتعالى- وكرامته عليه. ".
ويليه - بإذنه تعالى في سماه وتقدست اسماه - الفصل الثاني
____________
بحث عن مولده -ﷺ- ؛ الفصل الأول.
من إعداد:
محمد الرمادي
الأربعاء: 09 ربيع أول 1441هـ ~ 06 نوفمبر 2019م.

 طبيبة الجراحة

يعترف رفيقي... دون أدنىٰ خجل يلحظ علىٰ ملامح وجهه... ويتكلم بصراحة منقطعة النظير دون أن تظهر عليه علامات التردد في سرد ما حدث له أو التلعثم في مخارج حروفه حين يحكي ما يريد قوله... وإن كان بعض ما يرويه لي من مسائل تعتبر موجعة مؤلمة أحياناً أو محرجة مخجلة أحيانا آخرىٰ؛ أو من الأفضل السكوت عنها وعدم البوح بها...
ورفيقي يسعىٰ دائماً أن يكون ذاك الفارس العائد تواً فوق جواده العربي الأصيل الجريح -أحياناً- والملطخ بدماء... ولا تدري أدماء الفارس أم دماء الفرس... ذاك الفارس المثقل بدماء جروحه مِن موقعة خاضها بمفرده ضد عدو تخيله كمن يناطح "طواحين الهواء" أو يقاتل "تنين" هبط من السماء أو ظهر فجأة من خلف الجبال والأكام؛ لم تجد مثله إلا في كراسات أساطير الأقدمين وكتب الأولين... أو العائد منتصراً -وهذا ما يتمناه دائماً- من موقعة سواء في عمله؛ وما أكثر ما يحدث في عمله ومؤسسته الحكومية؛ ذلك العمل الذي يحسنه فيتقنه بجدارة أو الخارج من مؤتمر مَثل فيه دولته الأوروبية يستحق له التصفيق؛ أو مغامرة عاطفية...
وهو -رفيقي- الذي يتخير المرأة التي تستحق عناء التفكير فيها قبل اللقاء؛ كما تستحق عناء التفكير في هدية تخصها هي دون غيرها يقدمها لها عند اللقاء؛ أو تستحق عناء التمهيد والتحضير لما سوف يقوله اليوم لها؛ كأنه يحضر في ذهنه خطاباً سيلقىٰ علىٰ أعضاء البرلمان الحاكم في جلسة استماع لما سيقرره؛ فهو يرىٰ أن المرأة التي يريد أن يقترب من خصلات شعرها يجب أن يملك أذنها كي يسهل عليه أن يدخل بيسر إلىٰ قلبها ومِن ثم إلىٰ روحها فيستقر مَلكاً متوجاً فوق عرش قلبها؛ فيملك زمام أمرها...
يعترف -رفيقي- أنه إذا رأى امرأةً قريبةَ الشبه منها؛ أقصد تلك المرأة السالزبورجية التي أخذت بتلابيب فؤاده وتملكت لحين من الدهر قلبه وسكنته زمنا فأغرقته في بحر حنانها وسقته رحيق شهدها وأطعمته لذيذ خبزها وإدامها... فانتعش وعاش رجلاً يعترف لي بأنها بالفعل جعلته رجلاً... مِن طراز خاص... بمعنىٰ كلمة الرجولة المفقودة في زمن الإنتكاسات العربية المتتالية؛ وعصر الزعامات الزائفة... وليس فقط ذكراً يحسن أداء دوراً بيولوجياً ينتهي بإنتهاء الوطر وينقضي بإنقضاء الرغبة فتفطر الأعصاب وتتبلد المشاعر وتبرد الأحاسيس...
هي -المرأة السالزبورجية- جعلته رجلاً بطريقتها الخاصة؛ وعلىٰ حسب نظرتها في الرجل الذي ينبغي أن يرافقها سيراً في الطريق أو مجاورا في حفل ما أو متحدثا في مجتمع بعينه...
جعلته رجلاً وإن تغيرت في سلوكها كثيراً وفي طريقتها قليلا عن بقية السادة الكبار الأساتذة الذين جعلوا منه رجلاً منذ نعومة أظافره و رقة أطراف اصابعه؛ برعاية غير مباشرة مِن والده؛ أو برعاية مباشرة مِن جدته لأبيه أو أمه... وخاصةً أستاذه في الإبتدائية المدرس « فؤاد »؛ صاحب البدلة الزرقاء الراقية الجميلة ومالك القميص بلونه الأزرق السماوي؛ والذي لم يعلن أمام أحد عن نصرانيته أبداً إثناء الدرس؛ ولم يلاحظ عليه أي رموز دينية تخبر عن عقيدته أو علامات كهنوتية تفضح سر إيمانه... ثم مِن بعده وبزمن يسير أستاذ القانون؛ ومدير مكتبة سراي المحكمة التي كانت تطل مباشرة علىٰ كورنيش بحر الإسكندرية الأستاذ « أدولف فرج »؛ بنظارته الطبية التي جاءته مِن سويسرا؛ وبدلته ذات الصوف الإنجليزي- وإن صُدر مِن مِصر-؛ وكان أستاذه يرتدي في الإسبوع الواحد عدة بدل مختلفة دائما كانت تحمل لوناً مناسباً تتفق مع الفصل الخريفي أو الشتوي أو الصيفي أو الربيعي أو تناسب اليوم المطير فتكون غامقة أو اليوم المشمس فتكون فاتحة؛ ودائما القميص الموافق لبدلته يزين عروة كم ذراع القميص زر فضي أو ذهبي؛ وهو بالتالي لم يعلن أمامه -أمام رفيقي- ابداً عن مسيحيته؛ وحين كان -رفيقي- يتردد عليه في منزله ما وجد شيئا ما معلقاً فوق الجدران أو وضع ما يثبت انتماءه الديني في زاوية من غرفة المعيشة أو في غرفة النوم... ثم جاءت أدوار آخرىٰ لنوع آخر من الأساتذة وطراز آخر من المعلمين؛ كمعلمِه في مادة اللغة العربية بالمستوىٰ الإعدادي فضيلة شيخ الأزهر الجليل الشيخ « إبراهيم »؛ بزيهِ الأزهري الكامل؛ كأنه يريد الذهاب إلىٰ مشيخة الأزهر كمن عنده موعد ليقابل معالي شيخها... وهذا الشيخ الجليل كان يشجعه كثيراً بعد كل حصة إنشاء ويثني عليه ويمدحه مدحاً حسناً؛ ويعطيه الدرجات العليا... ثم يأتي فضيلة الشيخ الجليل في المستوىٰ الثانوي شيخ الأزهر الجليل ومصادفة كان اسمه أيضاً « إبراهيم »؛ وهذا كان يرتدي الهندام المدني تارة وتارة آخرىٰ الزي الأزهري؛ ولم أكن أدرِ لمَ يختار هذا مرة وذاك آخرىٰ... أما في تعليمه العالي فكان أستاذه مدرب الجودو الدكتور « مصطفى »؛ وهذا كان يجمع بين القوة الجسدية بفنية رياضة الجودو وبين التوقد الذهني؛ وكان له حضور خاص إثناء التمرين أو بعد الإنتهاء والجلوس في بوفيه نادي سموحة الرياضي...
ثم في إثناء تواجده في الغرب قام بدور تربيته النفسية وتنسيق افكاره للمواقف وبناء الذهنية الفهمية للقضايا والأحداث قاضي شرعي متقاعد حصل علىٰ العالمية الأزهرية من أهل فلسطين الجريحة؛ وتركها؛ وأُرغم علىٰ الرحيل وهو مِن أهل الشتات... الشيخ الجليل « محمد تقي الدين » وجاوره في إحسان عملية البناء الفكري وتهيئته في مواجهة مجتمع غريب عنه في المعتقد والعرف والعادات والتقاليد والمفاهيم دكتور القانون الأفغاني « عبدالرحيم السيد »... هؤلاء... شكلوا جميعاً مدرسة الحياة لتشكيل عقلية رفيقي هذا ونفسيته... واللافت عندي -كــ رفيقه في الدراسة والمجاور له في السفر والترحال؛ والمزاملة لسنوات في المسكن والطعام والسمر لساعات نسهرها ليال صيف- أن هذا التنوع في المشارب الفكرية والإنتماءات العقدية؛ والإختلاف في المنشأ والأوطان والثقافة ومستوى التعليم ومجال التخصص لم يشكل عند رفيقي -الدكتور العلمي- أي تنافر ذهني أو اضطراب نفسي، بل حدث عنده حالة من الإنسجام النفسي والتوافق العقلي؛ ولعل السبب يعود للوحدة الفكرية التي رافقتهم جميعاً فجمعتهم وتقارب المواجع العامة عندهم؛ فهم جميعاً كانوا يهتمون بتربية رجل الغد وإعداد لمستقبل أمة؛ وكانت تجمعهم جميعا هموم واحدة واهتمامات واحدة وقضايا متقاربة...
يعترف -رفيقي- أنه إذ رأى امرأة قريبة الشبه منها؛ أقصد تلك المرأة السالزبورجية تظهر مباشرة في حديثه مظاهر حبه لها من خلال حديثه مع المرأة الشبيه؛ وتتضح ملامح عشقه إما في حركة يده إثناء التعبير الجسدي أو تعابير ملامح وجهه...
يروي لي أنه أصيب ذات مرة في أصبعة نتيجة تحضيره لكوب من الشاي في الصباح الباكر؛ وقف في المطبخ بُعَيد أن أخذ حماماً ساخناً وصلىٰ الفجر حاضراً في موعده؛ ثم تسلل في هدوء ناحية المطبح لكن خانته قوته أو بتعبير أدق خانه توازنه الحركي العصبي فانكسر في يده اليمنىٰ الكوب الزجاجي ذو العنق الطويل الذي أراد أن يكون بجوار فنجان الشاي ليصب فيه عصير البرتقال؛ ظن رفيقي أن الجرح ليس بالعميق بادر إلىٰ صيدلية المنزل ووضع ما يمنع النزيف في الأصبع؛ مع اعتقاده بأن النزيف لن يتوقف... لكنه بدءَ في فتح جهاز «اللبتوب» ليكمل ما أراد أن يكلمه في باكورة يومه هذا لكن النزف أشتد...
ذهب لمستشفىٰ مدينته للحوادث Unfallkrankenhaus Meidling وأثناء أنتظار دوره مع أنه في الصباح الباكر؛ مرت بجواره شابة اشبه ما تكون بالسالزبورجية الحسناء... اراد أن يتكلم معها.
هي -كما أخبرني- كأمرأة لاحظت أن نظرته نظرة رغبةِ مَن يريد أن يفتح حديث ويسعىٰ لبداية محادثة... النساء عموماً يملكن تلك القدرة في فهم تمنيات الرجل أو رغبات الذكر؛ فتهدأ قليلا مع الحذر في الحالة الأولىٰ؛ وتسرع الخطىٰ مبتعدة في الحالة الثانية..
تم الكشف المبدئي عليه أولاً؛ وتبين أن أعصاب الأصبع بحالة جيدة وكذلك الأربطة؛ وبعد المعاينة الأولىٰ تحول إلىٰ غرفة الأشعة؛ كروتين طبي؛ وطلبت منه مَن قامت بالأشعة أن لا يحرك يده؛ فقال مازحاً معها :"... وكذلك لا أتنفس!"؛ فابتسمت وقالت:" لا!... تنفس طبيعي !!"... ثم أخبرته؛ التي قامت بإجراء الأشعة أن ينتظر بالقرب من بوابة قسم الجراحة... وإثناء الإنتظار لدقائق معدودات مع جرحه وحالته النفسية نسىٰ تلك الشابة التي تشبه السالزبورجية...
نادت عليه مساعدة الطبيبة؛ وهي امرأة من النوع الخشن؛ بمعنىٰ أنها ليست من النساء اللآئي تروق له... أو يعجبه الحديث معها؛ أرقدته علىٰ سرير ملصق بالحائط لتأخذ منه بعض الإجابات...
وفجاةً سطعت الشمس من تحت عرش الرحمان! ...
إنها... تلك الشابة التي تشبه السالزبورجية... والتي مرت منذ دقائق بجواره في الممر العام الكبير... إنها هي التي ستتولىٰ القيام بتنظيف الجرح وفحصه ومن ثم عمل اللازم...
رفيقي يخبرني أنه نسىٰ جرحه وألمه ونسىٰ لِمَ جاء إلىٰ مستشفىٰ الحوادث ونسىٰ ما ينبغي أن يتذكره ليخبرها عن حالته؛ بدء ينظر إليها بتمعن وتفحص كأنه هو الطبيب وهي صاحبة الجرح النازف التي ينبغي عليه أن يقوم بمداواتها ومعالجتها؛ فيترفق بها ويطمئنها بأن الجرح سطحي وأنه سيباشر عمله بكل دقة وحِرفية... ولكن ينبغي أن يقوم بمبادئ التطهير وأوليات التأكد بأن القَطع لم يترتب عليه تلف في الأعصاب أو الروابط بين الأصبع واليد...
لحيظة... وبدء سيل من الأسئلة ينهال منه على مسامعها...
بادرها بالسؤال: "هل يمكنني أن اسألك سؤالاً شخصياً !؟..."
تلجلجت قليلا وارتبكت في وقفتها؛ ثم قالت :"تفضل!!!".
سألها:" هل أنت من مقاطعة سالزبورج أو مِن مدينتها!.
تنفست الطبيبة الشابة الصعداء؛ وردت بهدوء مع ابتسامة عريضة :" لأ؛ أبداً ... أنا فييناوية أباً وأماً وجِداً".
فبادرها بالقول:" غريب!؛ حقاً شيئٌ غريبٌ؛ فأنت الخالق الناطق تشبهين أمراة من أهل هذه المقاطعة!".
فردت مبتسمة:" البعض يقول لي ذلك أحياناً!".
فاسرع في الكلمات وحبك المفردات ونظم الجمل ورتب الحروف كخيط حرير يريد أن يلفه حولها كي لا تحسن الفرار؛ إذ أنه في هذه اللحظة؛ ولم تمر غير ثوان معدودات شعر بإحساسه الداخلي أنه وضعها علىٰ السكة التي يريدها أن تسير فيها ومعه... فاسرع في حياكة الكلمات وضبط إيقاع الحروف فوق أذنها وتركيبة الجمل... وإن كانت تقاطعة من حين إلىٰ آخر إذ أنها تباشر عملها كجراح يجب عليه أن يقوم بعمله مع مريض أو مجروح!!!
فذكر لها اسم المرأة السالزبورجية؛ فقالت وكأنها وقعت في شباكه... فلا مفر ولا كر :" لا!... اسم عائلتي يختلف تماماً عن اسم عائلتها".
تنهد وأخذ نفسا عميقاً؛ واراد أن يسكت ولكنه لاحظ فضول الطبيبة المعالجة الجراحة التي ستقوم بتنظيف جرحه ومن ثم خياطته... لاحظ رغبتها في أنها تريد أن تعرف أكثر عَن تلك المرأة التي يتحدث عنها هذا المريض؛ وما هو الشبة بيني وبينها!!...
لاحظ رفيقي أن طبيبته تصغره في العمر بأعوام كثيرة فهي يظهر عليها أنها حديثة التخرج من كلية الطب!!!
... حكى لها رفيقي في كلمات علاقته المتميزة والمميزة مع تلك السالزبورجية؛ وكانت تسمع بأهتمام وكأنها تريد أن تعرف القصة من بدايتها لنهايتها...
وهنا أستطيع القول أن رفيقي يحسن حبك الشباك ويختار مقدمة أو مقدمات تجعل السامع يريد أن يسمع إلىٰ النهاية وإن كان إثناء عملية جراحية بسيطةكتلك!!
قطعت حبل سرده لقصته... إذ قالت:" هذه حقنة بنج موضعي ستؤلمك قليلاً... أنتبه... الأن !!!".
وقبلها جاء زميل لها في غرفة الجراحة ووضع في أعلىٰ ذراعه جهاز قياس الضغط كي يقلل من سريان وجريان الدم إلىٰ الأصابع!!.
بدء حديثه عنها؛ ودون افتعال مشهد تمثيلي... ذرفت عينه اليمنى القريبة منها وهو ملقىٰ علىٰ سرير غرفة العمليات دمعة حارة؛ الطبيبة لاحظتها؛ فاعتذرت منه أنها قلَّبت عليه المواجع وذكرته بالذي هو مضىٰ...
فقال لها بعد أن ارتدت فوق رأسها ما غطت به شعرها كما وضعت فوق أنفها وفمها؛ فلم تظهر سوىٰ عيناها؛ قال لها:" ... كأني أنظر إلىٰ عيناها الأن!"...
وبعد لحيظة قال لها :" هل تسمحي لي بالنظر فقط إلىٰ عينيك؛ كي أتذكر تلك الحظات السعيدة التي كنت أعيشها بجوارها!".
... خجلت الطبيبة المعالجة؛ فهي لا تدري... أيغازلها هي!!؟... أم أنه يتحدث عن قصة حب له أنتهت بالفراق!؟.
رفيقي يحسن الحديث في السياسة وعن الحب ومقارنة الأديان!؛ ويتحسس اي الموضوعات تلك التي تروق للسامع ولعلها موضوعات عامة...
كانت-الطبيبة المعالجة- شابة جميلة في مقتبل عمرها؛ سألها:" هل أحببتِ بعمق!؟...
رددت السؤال مرة تتلوها آخرى؛ ثم قالت كأنها تعيد السؤال على مسامعها:" أحببتُ بعمق!؟"؛
وبعد برهة تفكير؛ وقد ابتعدت عنه لأحضار شيئا ما تحتاجه ثم قالت:" كلا!... لم أجد ذلك الرجل الذي أحبه بعمق!!".
رفيقي نبهني لمسألة يحسنها؛ ألا وهي أنه يريد أن يربط عقل محدثته بكلامه أو يستحوذ علىٰ اهتمام مَن تسمعه!
سألها فقال:" هل ترين الزواج المختلط بين رجل وأمراة كلاهما له دينه الخاص به والأعراف والتقاليد والثقافة؛ هل ترين أن مثل هذه الزيجات قد تنجح!!؟...
فقالت:" في محيط عائلتي أو معارفي لا أجد من تزوج من ثقافة غير ثقافة وسط أوربا أو دين غير الدين السائد في أوربا"؛ ثم نبهته بأنها ليست متدينة بالمرة؛ ثم أكملت :" لا استطبع الإجابة!"..
فبادرها قائلاً :" أظن الحب بمفرده لا يكفي لبقاء علاقة بين غربيين تحت سقف واحد لا يجمعهما دين واحد بما فيه من عقائد وطقوس وشعائر؛ ولا ثقافة واحدة بما ينبثق منها وعنها سلوكيات حياتية؛ ولا أعراف أو تقاليد وعادات! على مدار العام وفي كل يوم"..
سكتا معاً ثم أكمل :" يخيل لي أن هناك عوامل آخرىٰ مساعدة لبقاء هذه العلاقة؛ سواء كانت تحت غطاء شرعي؛ أو قانوني أو إنساني!"....
وكأنها لم تفهم عبارته الآخيرة..
فقال لها :" شرعي بمعنى داخل الكنيسة وعلىٰ يد راعيها؛ وتسجل في سجلات الكنيسة إلى الأبد؛ أو بمعنىٰ عقد إسلامي؛ بحضور شهود وإعلان ؛ وإما قانوني بمعنىٰ من خلال آحدىٰ مؤسسات الدولة التي تقوم برعاية شؤون رعاياها؛ وإما الإنساني فهي علاقة خاصة بين إثنين ارادا أن يعيشا تحت سقف واحد دون إرتباط شرعي أو قانوني؛ وهذا يتوقف علىٰ المجتمع وقبوله لمثل هذه العلاقة التي قد يحرمها شرع؛ أو يقبلها مجتمع ما!!.
تأكد رفيقي أن طبيبته الخاصة قد أحسنت بالفعل معالجته فهو لم يشعر بألم ما بعد الإنتهاء من عمليتها الجراحية.
بعد عملها جاء مساعد آخر لها فقام بتنظيف باطن اليد من بقايا الدم المسال وكذا ما بين اصابعه؛ وقال له :" ستذهب الطبيبة لكتابة التقرير الطبي لك؛ وعليك أن تنتظر في الخارج مباشرة أمام الباب".
دقائق قليلة جاءته طبيبته الخاصة وأعطته تقريرها عن حالته؛ فقال لها :" ارجو منك شيئاً...!".
سألته:" وما هو !!؟.
قال لها بهدوء نفسي:" ارجو أن تنسي ما قلته لكَ".
فقالت : " لا أبداً... مستحيل!".
فقال مكملاً:" هذه التراجيديا المِصرية لا تستحق منك أن تذكريها بعد".
فقالت له :" أسعدتني كثيراً لكبير ثقتك فيَّ؛ كي تروي لي قصتك؛ اتمنىٰ لك حياة سعيدة...!"
ثم سألته مستفسرة:" بعد حياتك مع المرأة السالزبورجية... هل تزوجت من بلدك!؟...".
فأمسك بيدها مودعاً لها...
ولعل هذا حديثي القادم عن رفيقي وزجتته المِصرية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفحة من كراسة إسكندريات
رواية «الرجل المشرقي»
الرمادي من الإسكندرية
الأحد: 27 أكتوبر 2019م

 Zukunftsfähig !

* . ] التجمع العربي علىٰ أرض النمسا لا يجتمع تحت خيمةٍ واحدةٍ؛ وكذلك بقية التجمعات؛ وكذا التواجد الإسلامي لا يصطف خلف راية واحدة؛ وايضاً بقية التوجدات، وإن كانت هذه التجمعات وتلك التواجدات مضىٰ عليها أكثر من نصف قرن من الزمان في الغرب عموما وفي النمسا خصوصاً، بيد أنه قد تعمقت الفجوة... ولعل هذا نتيجة طبيعية لإنتماء هذا التجمع عن الآخر وولاء هذا التواجد عن نظيره. هذا أولاً،
* . ] ولستُ بصدد كتابة تحليل سياسي إنتخابي لعرض نتائج تصويت 6,396.796 مواطن نمساوي؛ ضمنهم مَن يحمل الجنسية النمساوية إكتساباً أو بحكم التولد [وهذه الشريحة تمثل تقريباً 1 إلىٰ 6]؛ يسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات البرلمانية اليوم: الأحد؛ 29 من سبتمبر 2019م بعد سحب الثقة من الحكومة السابقة نتيجة فضيحة تكلمت عنها وسائل الإعلام. أو الإلتفات حول شخص بعينه نتيجة "كريزما" ويسند من قوى خارجة، أو استثمار فضائح أو غسيل"قذر" لأشخاص أو حزب يسعى الحزب المعارض لسحقه وإخراجه من حلبة الصراع علىٰ كراسي البرلمان أو مقعد الحكم، كما أن طهارة الذيل(!) ونظافة اليد(!) ونصاعة بياض الياقة(!) تلعب دورا جوهرياً في تأييد مرشح مثل هذا في الإنتخابات. هذا ثانياً،
* . ] ولكن ما يهم هو الحديث عن الدور الإيجابي والتفاعل الحي مع أحداث مصيرية تجري على أرض أورُبا لتواجد ما يزيد عن 8,00.000 تنتمي أصولهم لدول عربية أو آسيوية أو مِن دول الكتلة الشرقية قبل سقوط الشيوعية. وهذا ثالثاً،
* . ] إذ أن المقصود من كتابتي لهذا المقال هو : ما تأثير تلك الكتلة الإنتخابية ذات الأصول العربية (الجيل الأول) ومدىٰ تجاوب وتأثير كتلة تصويتية (الجيل الثاني) ونسبة ضئيلة لها تأثير ما (الجيل الثالث) علىٰ النتائج؛ فحقيقة الحال يشوب الكتلة الأولىٰ حالة من عدم الإهتمام بما يجري يصاحبه ضعف مستوىٰ الوعي السياسي وغياب الإستنارة الفكرية وهزال في التأثير المباشر في الحياة العامة (إلا نادراً؛ بحسب الوظيفة أو المهنة ويتبع هذا المستوىٰ التعليمي والكادر الأكاديمي؛ وغالبيتهم لهم أهتمامات ببلد المنشأ؛ وليس الوطن البديل؛ استمع إلى مناقشاتهم في تجمعاتهم) ... الكتلة التصويتية الثانية تعيش أجواء التغيرات السياسية وتتواجد في المناخ العام وتتحصل علىٰ قدر ما من فهم الواقع المعاش وتتعايش معه نتيجة القدرة علىٰ فهم لغة القوم؛ إذ هم منهم ودرسوا في مدارسهم وتخرجوا من جامعاتهم ... الكتلة الثالثة تكاد تكون انفصلت عن التجمع. وهذا رابعاً،
* . ] الأيديولوجية الحزبية والفكر الأساسي المبدئي القائم عليه تلك الأحزاب العاملة علىٰ الساحة السياسية في الغرب وتمارس افكارها في الشارع السياسي هل تتفق أو تتعارض مع الأيديولوجية العربية وبقية التجمعات الآخرى ووتتقابل أو تتنافر مع أيديولوجية التواجدات الإسلامية وافكارها ومبادئها وقيامها ... أم أن هذا سيجرنا إلى المجتمع الموازي للمجتمع الغربي؛ ورغبة البعض في العيش في حارة سد.. وهذا خامساً،
وسؤال مشروع:
هل التجمعات العربية بطوائفها المتعددة؛ والتواجدات الإسلامية بمدارسها وأتجاهاتها المختلفة ... هل لها بالفعل أيديولوجية في الغرب؛ وانهي السؤال بكمالةٍ له : هل التجمعات العربية والتواجدات الإسلامية لها أستراتيجية واضحة المعالم في الغرب!!؟...
وهل المواطن النمساوي المكتسب جنسية الوطن البديل يعلم يقينا برنامج الحزب الذي يصوت له؛ وهو (الحزب) المفترض انتخابه يقدم له حقاً خدمات ويحقق له مصالح!!؟.
* . ] بعد ظهور النتائج الأولية [كتبتُ هذا المقال بعد الفرز الأولي للأصوات الساعة 17:00] ينبغي علىٰ التجمعات [العربية والآخرى] إعادة النظر في تواجدهم المؤثر داخل المجتمع وفي الشارع السياسي؛ بمعنىٰ استثمار نتائج إنتخاب سبتمبر2019 لصالح خدمات ومصالح ترغب تلك التجمعات في تحقيقها؛ وخاصة مطالب التواجد الإسلامي؛ إذ أن وجود فئات متعددة لشرائح مختلفة تكاد تكون متعارضة المصالح ومتفاوتة الإهتمامات تجعل من الصعب تحقيق ما يريده المجموع؛ بيد أن لعبة السياسة هي لعبة فن تحقيق الممكن؛ والقدرة علىٰ تحقيق مصالح وجلب منافع ودرء مفاسد ... وهذا يحتاج لوعي سياسي مستنير وقدرة عالية على فهم الواقع مع ملاحظة التغييرات داخل المجتمع... وهنا يأتي دور الكتلة الإنتخابية [العربية/الإسلامية] في تحقيق مكاسب برلمانية لإيصال من يتفهم رغبات تلك الكتلة لمقعد البرلمان ... أو مَن يتراس الحكومة - المستشار- أو رئاسية لتمكين من يصلح في تحقيق مطالب تلك الكتلة لكرسي الرئاسة - وإن كان الحاكم في نظام الدولة النمساوية المستشار - كقوة مؤثرة في النتيجة النهائية للإنتخابات وكقوة ضاغطة في القرار السياسي...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مساء الأحد؛ 29 سبتمبر 2019م
د. محمد الرمادي

 خيمة العطر !

... نصبتْ خيمتها؛ بل قل -إن شئت- نصبتْ شباكها؛ -كما يحلو لبعضهم القول- وثبتتْ أعمدتها في فؤاده قبل قلبها؛ وتوسطتها بساري قوي في صميم سويداءه كي يقاوم رياح مشرقيته ومزاجه وبيئته وثقافته وعاداته وتقاليده؛ فهي تريده رجلها الأوحد وليس أحد سواه... كما ويقف ذلك الساري بوجه عواصف عائلتها المحافظة ونظرتهم التقليدية لأبناء الجنوب؛ ولا ننسى مَن عاش ردحا من الزمان على انقاض أمبراطورية أو تقلب بين أحضان ملكية فهو يرى العالم بمنظار خاص به... فهناك فارق بين أن يعمل الأجنبي ماسحاً لسلالم بيت أو حاملا لقطع طوب تُرص فوق فيلا لبناء بيت وبين أن يكون هذا الأجنبي يسكن هذا المنزل وذلك البيت؛ ويجلس على طاولة الغذاء متسلقا سلالم البيت ليأخذ مقعدة على مائدة العشاء في بيت نظر للأجنبي على أنه عامل وسيرحل...
كما وحفتها -خيمتها- بمَن يحرس كامل المكان؛ فلا يتمكن أي أحد من الدخول؛ وإزعاج سيدة البيت؛ إلا ضيفاً يتحصل على حق ضيافته ويغادر وإن كانت أختها القادمة لزيارة نهاية الإسبوع من شمال ألمانيا؛ بل وشعرتُ -صاحبة المنزل- أنها تملكت بزمام الزمان؛ فكل ثانية إثناء لحظة اللقاء مع هذا المشرقي محسوبة، فهي امرأة تريده أن يظل بجوارها وأن يبقى معها بعد أن أحبته؛ وإلى الأبد... فهو - رفيقي- المشرقي يحسن معاملة النساء بدفء قلب حار درس أشعار عنتر لعبلته؛ بيتا بيتا في كل قصائده؛ وأدرك بعقل مجنون ليلى أنه لا يوجد غير ليلى؛ وفهم بجوارح صاحب بثينة أنها الأولى والأخيرة ...
بيئة -رفيقي- الثقافية وتربيته على يد جدته لأبيه ثم مِن بعدها أمه علمته كيف يتعامل مع النساء؛ خاصة نساء المجتمع المخملي؛ تلك النساء الآتي يرغمن الذكر على أحترامهن؛ فينحني الرجل النبيل ليقبل أطراف اليد التي تعلوها قفاز الدانتيل الزَهري أو البمبي مناسبا لقطع الهندام الحريري...
رفيقي لا يرتشف قطرة أو رشفةَ عصيرٍ إلا مِن كأس تلك المرأة الغربية؛ إذ هي بأحاسيس حساسة وعواطف جياشة ومشاعر الغربيّة النصرانيّة؛ التي تربت في كاتدرائية القديس يوسف فتعمدت؛ ثم تدرجت في مبكر صباها في كنيسة العذراء الأم القديسة؛ فتعلمت أنه في السماء رب واحد؛ وفي الأرض ابناً تألم من أجلنا؛ فاحضتنت هذا المشرقي بعتباره أنه المخلص من آلامها في مطلع شبابها؛ وحظها التعس مع زوجها الأول؛ فالتربية الكنائسية للمرأة الغربية تلزمها أن تخضع لرجلها؛ إذ هي تحمل الصليب فوق صدرها ليل نهار تقبله في فجرها عند استيقاظها من نومها ومغادرة مرقدها لتغتسل في مستحمها لتطهر من أرجاس حلم الشيطان الرجيم لتعود لتقبل صليب الخلاص فـتقف أمام ما يقابلها من يومها من متعاب وصعوبات... ثم تستقر في فراشها وفوق رأسها علقت جدتها الصليب كرمز وفي مقابل سريرها تجد صورة العذراء تحمل وحيدها... سواء بُعيد الولادة ومواجهة قومها؛ وهي العذراء... أو بعد 14 محطة وهو يحمل الصليب لتضعه في قبره؛ وهي الأم المكلومة...
في هذا المناخ الكنائسي وهذا الجو التعبدي وتحت رعاية راهبات المعابد تربت امرأة رفيقي المشرقي؛ وهنا تتجلى بوضوح عبقرية لقاء الغرب والشرق.. عبقرية إلتقاء النقيض بالنقيض... عبقرية الجمع تحت سقف واحد بين شاب تربى علىٰ فتاوى ابن تيمية؛ أحمد الحراني وعبقريات عباس محمود العقاد؛ وثلاثية نجيب محفوظ؛ المحظوظ بجائزة نوبل للأدب؛ ومن ثم انخراطه في حزب سياسي يناهض الحكم ويعترض على تصرفات وأ‘مال الساسة... وفي مطلع شبابه حضر حلقات الذكر في جامع الأباصيري وتقلب علىٰ سجاد أبي العباس المرسي؛ وزار السيد البدوي -تبركاً- قُبيل أمتحان الثانوية العامة؛ وذُبح له ديك إنجليزي لطرد الشياطين وسحق وحرق الجان؛ فرفيقي المشرقي تقلب في صباه وشبابه من نقيض لنقيض...
وهي عروس الغرب تقمصت دور العذراء البتول أمامه؛ ونظرت إليه على أنه مخلصها؛ اضف طريقة حديثه الخاص عن نظرته للدين بصفة عامة ونظرته لدينها بصفة خاصة وفهمه لدينه وقيامه بمقارنة بين الأديان معتمداً النصوص في العهد العتيق فالجديد ثم الحديث...
رفيقي لا يرتشف قطرة أو رشفةَ عصيرٍ إلا مِن كأس تلك المرأة الغربية؛ وهي التي تعصره من فاكهة حديقتها، ولا تبتل شفاهُ إلا برحيقها العذب كماء زلال زمزم أو كزخات وقطرات من ماء السماء البكر الطاهر الذي لم يختلط بذرات الكربون المتصاعدة من مداخن الشركات الغربية أو الأمريكية، وهي تعلمت بسرعة فائقة أنه .... ذلك المشرقي .... سواء من ناحية تربية جدته لأبيه أو من ناحية مجتمعه أو بيئته ومن ثم ثقافته بجانب دراسته انه مسلم يعلم الكثير عن الأديان... ولعل هنا إما أن يكون أمر خطير مزعج -كما كان يحدث دائماً مع أختها (نصف ألمانيةونصف نمساوية) أو على العكس أمر ميسور سهل مفرح (كما كان يحدث مع زوجة ابن أختها الصينية؛ الدكتورة).... بسبب أنه درس الأديان... وهو يتكلم بما حُفظَ فسُطِر في الكتب المعتمدة ومِن أقاويل ومقالات ومراجعات السادة الأحبار ورجال الكنيسة الرهبان وكبار علماء علم الكلام أو علم التفسير وعلم الحديث؛ ولعل تركيبته العقلية لأنه درس ما يقرب من 15 عاماً على خلاصة فكر أحد كبار مفكري النصف الثاني من القرن المنصرم؛ وهو لا يقبل الهزيمة أو الإخفاق سواء في الدراسة أو العمل أو المناقشة أو أمام امرأة يريدها .. فدائما أبداً رفيقي ... ذلك المشرقي لا يقبل الهزيمة وإن كان يحسن التراجع خطوات من باب المناورة، ففارق بين انهزام في حرب وبين خسارة معركة.. وهذا دوماً ولعل مولده في نهاية الحقبة الملكية الفاروقية -وبالقطع لا يدري عنها شيئا ما فلم يحدثني ابداً عنها؛ إلا مجرد كلمات من والده سمعها ولم يتعايشها- وبالتأكيد التربية في طفولته وصباه ومطلع شبابه في كامل الحقبة الناصرية؛ وتشبعه بتلك الكريزما الطاغية والتي تلغي مَن يقف بجواره وتلك الشخصية الجبارة لقائد فذ والشخصية المؤثرة في شعوب عربية خرجت لتوها من استعمار مذل سواء بريطاني أو فرنسي وبعضهم يتكلم عن استعمار تركي جعلت أمة عربية بكاملها تشرأب لمثل هذا القائد؛ ولم تتحصل الأمة العربية مثله حين فقد... الإشكال عند البعض حين يملك علما أو مالا أو سلطة؛ ولم يتزين بعقل راجح أو إدراك واع أن يتسيد فستكون بالفعل كارثة...
المرأة الغربية أحضرت من معبدها بخور خاص - أعلمني رفيقي أنها اشترته من متجر تركي بعاصمة الجمال وخضراءالجبال «سالزبورج» - لتجمره علىٰ فحم من بولونيا لتعطر خيمتها حين تلقاه... سحرته أولا بعذب ريقها حيث الحديث ثم سحرته بعذب عصيرها حين الضيافة ثم سحرته بعطر خيمتها حين اللقاء.
ما فهمته من رفيقي : أنهما كانا يحضران كل على انفراد للحظة اللقاء؛ وهذه لعلها عبقرية الإنسان حين يعشق؛ ففارق بين عشق الروح وبين رغبة الجسد!

11 . 09 . 2019
يتبع بإذنه تعالىٰ
ورقة من كراسة <إسكندريات>
رواية الرجل <المشرقي>
محمد الرمادي

تمهيد للهجرة!

قدوم العام ١٤٤١ !

منذ اللحظة الأولىٰ بإعلامه بنبوته ﷺ بواسطة أمين السماء علىٰ وحي رب العالمين المَلٰك جبريل؛ وقبيل تبليغه الرسالة الخاتمة؛ ومِن خلال محادثةٍ مع القس ابن عم خديجة -الكبرىٰ- بنت خويلد؛ الحَبر ورقة بن نوفل؛ والذي تبحر في النصرانية؛ قراءةً في الكتب السماوية السابقة قبل القرآن الكريم فهما وعلما وإدراكاً، وإثناء طوافه ﷺ بالكعبة؛ أُعْلِم ﷺ بأنه سوف يُخْرَج مِن أم القرى« بكةَ »، وهنا نتذكر :" قول القس ورقة بن نوفل؛ ابن عم السيدة خديجة حين قال -رضي الله عنه- في تلك المفاصل الأربعة المرتبطة بــ مراحل البعثة الشريفة ؛ فقد قَالَ وَرَقَةُ :
١.] 《 لَتُكَذَّبَنَّهُ 《 وَ
٢ . ] 》 لَتُؤْذَيَنَّهُ 《 وَ
٣. ] 》 لَتُخْرَجَنَّهُ 《 وَ
٤ .] 》 لَتُقَاتَلَنَّهُ 《.
وهذه محاور أربعة كبرىٰ؛ ومفاصل مفصلية تربط بالدعوة المحمدية -على صاحبها أفضل السلام وأتم الصلاة وكامل البركات- تحتاج إلىٰ تفصيل منهجي وترتيب تشريعي وتوثيق إدراكي وتحقيق ذهني كامل وإعمال عقل مستنير لمن يدعي أنه يحمل دعوة الإسلام بشقيها:
الأول : الذاتي مع النفس والجوارح والأعمال والأقوال والتصرفات والسلوك والأخلاق علىٰ المستوىٰ الفردي؛
والثاني : علىٰ المستوىٰ الجمعي؛ أي مع الآخر -بغض الطرف عن دينه وعقيدته وانتمائه وهويته- أي علاقة الإنسان -المسلم- بغيره من بني الإنسان وكيف تنظم؛ وأيضاً ما حوله مِن كائنات آخرى وموجودات ومخلوقات... ثم تأتي أهم علاقة وعلىٰ رأس العلاقات جميعاً وأعلاها وهي : كيفية تنظيم علاقة الإنسان بخالقه ومبدعه ومنشئه؛ والذي وهبه الروح والحياة؛ ومن ثم رازقه
وهنا ألقى ضوءً على ما قاله القس الحَبر ورقة لمحمد في بداية نبوته وقبل الرسالة :
وَ 》 لَتُخْرَجَنَّهُ 《هو الأمر المستغرب حقاً إذ أنه ومنذ ما يقترب من أربعين عاماً يعيش بين قومه ومعهم؛ فهم أسرته وأهله وقبيلته وعشيرته؛ وهو ﷺ الذي آنفَ أن يقترب مِن صنم فضلاً عن تصرف من أفعال شباب وناس قريش ومَن تبعهم لآلهتم سواء التقرب الزلفى أو العبادة أو تقديم القرابين؛ وهو ﷺ المتصف بينهم بـ «الصادق» «الأمين»...
الناسُ -عموماً- ترغب أن يعيشوا بلا قيود علىٰ تصرفاتهم؛ ويحلو لهم عدم وجود حواجز بينهم وبين تحقيق رغباتهم وتنفيذ طموحاتهم أو يلتزمون بــ قوانين ولوائح ودساتير تنظم لهم حياتهم؛ وبنظرة شمولية لِما يَحدث في العالم اليوم أو بالأمس القريب والبعيد؛ يجد المتأمل أن البشر لا يرغبون بنظام عام شامل للحياة والإنسان أو نظام خاص وفق مجتمع بعينه أو قبيلة بذاتها، ويتحايلون على الإنفلات من النظم وخرق القوانين وتأويل الدساتير... بيد أن عقلاء الناس يضعون بأنفسهم ما يسير حياتهم وفقا لمعاييرهم الخاصة؛ فتجد في وسط افريقيا طبيعة حياتية خاصة بهم تختلف عن الجزيرة البريطانية-مثلاً-؛ وينبغي أن نتذكر ما فعله الجندي الإنجليزي المحافظ أثناء استعمار بلاده لشبة القارة الهندية -مثال- مِن تحطيم معابد هندية لما رأه مِن تماثيل في أوضاع -عنده- مخلة بالأدب؛ فهذا مِن خلال مقياسه هو للذوق الذي وضعه أو الأدب أو ما يطلق عليه - حالياً - «Tischmanieren» (*) وهذا بالطبع يختلف من شعب لآخر... فإذا كان هذا المتعارف عليه عند البشر؛ فيجب -عقلا- أن يكون هناك نظام وقواعد ولوائح تتننزل مِن رب البشر على البشر؛ لتنظيم حياتهم وسيرهم وفق ما يحبه خالقهم ويرضاه، ومن هنا وجب وجود رسول/نبي/مبلغ للبشر يخبرهم جميعاً عن النظام الذي يريده رب الأرباب !
مصادر السيرة الأصلية المعتمدة أو التكميلية المساعدة تخبرنا أنه ﷺ كان يعيش بينهم كواحد منهم ما عدا مسألة العبادة؛ وقضية العلاقة وكيفية تنظيمها مع الأصنام التي كانت تعلو «الكعبة» بـ «٣٦٠» صنماً؛ وابتعاده ﷺ -زمن صباه وشبابه- عن اللهو والمجون؛ ورضوا به ﷺ حكماً عند إعادة بناء الكعبة...
بيد أن الذي تغير:
هو كيفية تنظيم العلاقات التي اعتادوا عليها!؟.
وأولُ تلك العلاقات هي علاقتهم بالآله!
وفي رواية عن ابن إسحاق؛ وآخرى عن ابن عباس تخبرنا: بعد أن اجتمع كبار رجال قريش في بيت أبي طالب بن عبدالمطلب بحضور ابن أخيه ﷺ قال له :
« يَابْنَ أَخِي، مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ ؟ »
فقال ﷺ للرهط الذين اجتمعوا :《 يَا عَمِّ إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً :
1. ] تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَ
2 .] يُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْجِزْيَةَ الْعَجَمُ، كَلِمَةً وَاحِدَةً 》.
فالحديث هنا عن كلمةٍ واحدةٍ تقولها قريش؛ وهي أهل السيادة وهم مَن يملكون السُلطة؛ والعرضُ (الإسلامي) المحمدي تسيل له لعاب صناديد قريش:
1 .] السيادة و
2 .]. السلطة والمُلك؛ فتسأل أبو طالب بن عبدالمطلب؛ عمُّ النبي محمد ﷺ : «مَا هِيَ !؟»
يا ترى !!!! ما هي تلك الكلمة التي مَن يقولها صدقاً وحقاً وعدلاً يملك العرب ويتملك العجم!!؟
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ -وَهُوَ مُسْتَهْزِئٌ- : "نَعَمْ، لِلَّهِ أَبُوكَ، لَكَلِمَةً نُعْطِيكَهَا؛ وَعَشَرَةَ أَمْثَالَهَا ".
فجاء الرد المحمدي (الإسلامي)؛ قَالَ : 《 لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ》
وهذه الأولى ؛
أما الثانية :
« وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ »
فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ ،
ثُمَّ
كان ردهم المنطقي مِن وجهة نظرهم أنهم قَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا(!!!) إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب(!!؟)}
[سورة: ص: آية رقم : 5]. {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب} [ص: 4]، فَنَفِرُوا مِنْ كَلامِهِ ، وَخَرَجُوا مُفَارِقِينَ لَهُ ، وَقَالُوا :{ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [*] {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ } [7] {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [سورة ص آية 6-8 ].
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : "وَاللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ يُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ حَقّ يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ "،
ثُمَّ
تَفَرَّقُوا...
قَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «يَابْنَ أَخِي مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَحَطًا »، فَــــــ
لَمَّا قَالَهَا : طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ :》 أَيّ عَمِّ (!) فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلُّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 《.
فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لَهُ :« يَابْنَ أَخِي ، وَاللَّهِ لَوْلا مَخَافَةُ السَّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي ، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إِنَّمَا قُلْتُهَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ لَقُلْتُهَا ، لا أَقُولُهَا إِلَّا لأَسُرَّكَ بِهَا ».
ومنذ هذه اللحظة تمت المفارقة بين الدعوة الإسلامية في مهدها؛ والتي تدعو إلى إله واحد (له الأمر والنهي) لا شريك له وبين مَن يُعدد الالهة سواء في العبادة أو التصرفات والأعمال.
فلَمَّا بَادَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ بِالإِسْلامِ ، وَصَدَعَ بِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ-تعالى- ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ ، وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَعْظَمُوهُ وَنَاكَرُوهُ ، وَأَجْمَعُوا خِلافَهُ وَعَدَاوَتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِالإِسْلامِ ، وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَخْفُونَ ، وَحَدِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُظْهِرًا لَهُ لا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ ، أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِهِمْ ، وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ ، وَرَأَوْا أَنَّ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ قَدْ حَدِبَ عَلَيْهِ ، وَقَامَ دُونَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُمْ ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ ، فَــ
قَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ ، إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ
- سَبَّ آلِهَتَنَا ، وَ
- عَابَ دِينَنَا ، وَ
- سَفِهَ أَحْلامَنَا ، وَ
- ضَلَّلَ آبَاءَنَا ، فَــ
إِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا ، وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلافِهِ ، فَــ
قَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ قَوْلا رَفِيقًا ، وَرَدَّهُمْ رَدًّا جَمِيلا ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، يُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ وَيَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ شَرَى الأَمْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، حَتَّى تَبَاعَدَ الرِّجَالُ وَتَضَاغَنُوا ، وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهَا ، فَتَذَامَرُوا عَلَيْهِ ، وَحَضَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ ،
ثُمَّ
إِنَّهْمُ مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالُوا :" يَا أَبَا طَالِبٍ ، إِنَّ لَكَ سِنًّا وَشَرَفًا وَمَنْزِلَةً فِينَا ، وَإِنَّا قَدِ اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ ، فَلَمْ تَنْهَهُ عَنَّا ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ:
- شَتْمِ آبَائِنَا ، وَ
- تَسْفِيهِ أَحْلامِنَا ، وَ
- عَيْبِ آلِهَتِنَا ،
حَتَّى تَكُفَّهُ عَنَّا ، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيَّاكَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَمْلِكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ ، أَوْ كَمَا قَالَ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ ، فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ ، وَعَدَاوَتُهُمْ ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا خَذْلانِهِ.
وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ : " يَابْنَ أَخِي ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي ، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا لَهُ ، فَابْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ ، وَلا تَحْمِلْنِي مِنَ الأَمْرِ مَا لا أُطِيقُ "، فَــ
ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ ، وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسَلِّمُهُ ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ :
" يَا عَمِّ ، وَاللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرُهُ اللَّهُ وَأَهْلِكُ فِيهِ ، مَا تَرَكْتُهُ " ،
ثُمَّ
اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَكَى ،
ثُمَّ
قَامَ ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ :
" أَقْبِلْ يَابْنَ أَخِي "، فَــ
أَقْبَلَ عَلَيْهِ ،
فَقَالَ : " اذْهَبْ يَابْنَ أَخِي ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ ، فَوَاللَّهِ لا أُسَلِّمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا..."
يَقُولُ عَيَّادٍ الدُّؤَلِيَّ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ فِي مَنَازِلِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، يَقُولُ : 》يَأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 《،
قَالَ : وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ يَقُولُ :"يَأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ هَذَا يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا دِينَ آبَائِكُمْ "،
فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ ، فَقِيلَ : أَبُو لَهَبٍ.

«النُّصْرَةُ ، وَالْمَنَعَةُ»
أَنغلق المجتمع المكي أمام الدعوة الإسلامية وتصلبت عقول الناس على قديم ما كانوا عليه وتحجرت نفوسهم على ما هم عليه كحجارة اصنامهم؛ فـ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ ، وَيَقُولُ : 《 أَلَا رَجُلٌ يَعْرِضُ عَلَيَّ قَوْمَهُ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي 》.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَرَ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ ، أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا ، فَقَالَ لَهُمْ : " مَنْ أَنْتُمْ " ؟. قَالُوا : نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ : " أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ " ؟.قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : " أَفَلا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ " ؟. قَالُوا : بَلَى ، فَجَلَسُوا مَعَهُ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الإِسْلامِ ، أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلادِهِمْ ، وَكَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَكِتَابٍ ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثًا الآنَ ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ ، نَتَّبِعُهُ ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ ، فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُولِئَك النَّفَرَ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ-عز وجل- ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : تَعْلَمُوا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ ، فَلا يَسْبِقَنَّكُمْ إِلَيْهِ ، فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ ، وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الإِسْلامِ ، وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا تَرَكْنَا قَوْمَنَا ، وَلا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ ، فَإِنْ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، فَلا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا. ".
ثم تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَلا الْقُرْآنَ ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ وَرَغَّبَ فِي الإِسْلامِ ، ثُمَّ قَالَ : 《 أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ 》
مسألة الهجرة :
ثم :" أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ ، قَالَ :
في

المشهد الأول:" ﴿١﴾ :" رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ [واقِفٌ عَلَى نَاقَتِهِ]
المشهد الثاني :" ﴿٢﴾ :" وَاقِفًا بِالْحَزْوَرَةِ ، [فِي شَرْقِيِّ مَكَّةَ]؛ فــ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ وَاقِفٌ فِي سُوُقِ مَكَّةَ :] يَقُولُ :
المشهد الثالث:" ﴿٣﴾ :" وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ "،
وَالمشهد الرابع:" ﴿٤﴾ :" أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ "،
وَالمشهد الخامس:" ﴿٥﴾ :" لَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"..
وهناك عند :"(سنن ابن ماجه؛و تهذيب الكمال للمزي) تجد :
﴿٦﴾ :" المشهد السادس:"وأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ ".
ودون هذه الزيادة :
- قال صاحب:" (المحلى بالآثار؛ ابن حزم ):" هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلامُ- أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ؛ و
- تجد دون هذه الزيادة عند :" البيهقي في دلائل النبوة " ويقول:" هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ "، و
- دون هذه الزيادة :
- عند : ابن عبدالبر في الاستذكار :" وَهُوَ حَدِيثٌ لا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ "
وتوجد إضافة عند التمهيد لابن عبدالبر؛ يقول فيها :" وَكَانَ مَالِكٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ : مِنْ فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَنِّي لا أَعْلَمُ بُقْعَةً فِيهَا قَبْرُ نَبِيٍّ مَعْرُوفٍ غَيْرَهَا. ".
والبعض يتحدث عن مسألة حب الوطن من خلال هذا القول وما أثبته هو الصحيح!.
وللحديث بقية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(*) Zehn Benimmregeln, die Sie bei Tisch kennen sollten
الغرب يتحدث عن قواعد ينبغي أن تلتزم على مائدة الطعام؛ ورجال الدبلوماسية ونساؤها أيضا لهم تقليد (عُرف) في حياتهم العامة....وهكذا.
د. محمد الرمادي
28 ذو الحجة 1440 هـــ ~ 29 أغسطس 2019م

الشباب(*) ويومهم العالمي !

مسألة :" النهضة بالتعليم ".
[ ١ . ] الواقع المعاش الفعلي أن الذين يعيشون معاً علىٰ سطح المعمورة ينقسمون إلىٰ أهل الشمال (أوروبا والغرب عموماً) وأهل الجنوب (الدول النامية والمتخلفة!؟)؛ ويسعى أهل المشرق (الصين؛ ومجموعة (ASEAN) والهند) لموضع قدم تحت الشمس؛ وقد تمكن البعض مِن ذلك ... وبالنظر إلىٰ هؤلاء تجدهم ينقسمون إلىٰ أمم وشعوب؛ وعادات وتقاليد وقيم ومفاهيم وأفكار تختلف أو تقترب حسب درجة قوة المتنفذ من الدول الكبرىٰ؛ يضاف قوة سوق المشتريات، فقد كانت أمريكا تسعىٰ إلىٰ تصدير (فقط) شراب الكوكاكولا وحامل الصدر للسيدات للصين؛ ونجحت في ذلك، واليوم تصدر الصين كل ما يحتاجه المواطن الأمريكي مما اضطر ترامب إلىٰ فرض رسوم إضافية علىٰ تلك المنتجات... والعامل المشترك عند الجميع هو الشباب؛ فمتى قدرت علىٰ حسن مخاطبة الشباب وجذبه إلىٰ ما تسوق إليه فقد كسبت السوق كله ...
[ ٢ . ] ومقارنة تجد دولا تتميز بإرتفاع مستوىٰ التعليم وارتقاء الخدمات العامة التي تقدم للمواطن مع تحسين دائم لمستوىٰ معيشة الفرد وفي مناخ صحي يوفر للجميع فرص متكافئة؛ وخاصة للشباب ... وفي المقابل ... هنالك دول آخرىٰ تتعسر في تقديم القوت اليومي والأمان والطمأنينة لشعبها؛ بل بعضها يلفظ أبناؤها خارجها، فتلجئهم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأزمات والحروب إلىٰ الهروب ومِن ثم اللجوء لدول الغرب، واللافت للإنتباه أننا لم نسمع عن رغبة أحد باللجوء إلىٰ دولة الصين مع عظم قدرتها الإنتاجية والتصنيع أو دول الخليج مع إرتفاع ثرائها؛ بل الشركات الكبرىٰ (ألمانيا) تذهب للهند وما حولها لرخص ثمن عمالة الشباب هناك، وإمارة قطر حالة إستثنائية كيداً في العرب... وهذا هو التقسيم العام... وهذا إجمالاً...
وعند التفصيل : تؤثر مجموعة مِن القيم وحزمة مِن القناعات وكتلة مِن الأفكار والمقاييس في تشكيل الهوية الذهنية والفكرية وبناء الشخصية الإنسانية العقلية منها والنفسية، وهذه القيم والقناعات والأفكار والمقاييس تنمي الإنتماء عند الفرد وتُعلي مِن قدر الولاء؛ فيتدخل مَن يعمل بالسياسة فيشكل وجهة نظر في الحياة؛ كما يعطي حكماً علىٰ الآخر، فيشعر البعض بتفوق عرقه والبعض بعلو مقامه سواء مِن تحصل علىٰ قدر عال من التعليم الأكاديمي أو تحصل علىٰ أموال طائلة أو ينتمي إلىٰ دين أو طائفة فيترتب علىٰ ذلك رفض الآخر تماماً وأحياناً بتصفيته جسدياً... أو شراءه ... أو بقبوله بغض النظر إلىٰ لون بشرته أو بلد الولادة والمنشأ فيترتب علىٰ ذلك إمكانية التعايش معه، مع الاستفادة مِن خبراته والتعاون لرفعة شأن البشرية وإزدهار الحياة الآدمية، وقد يتلقىٰ الأفراد مِن خلال وسائل متعددة رؤىٰ خاصة لوجهة النظر في الحياة وكيفية العيش وتنظيمه مع الآخر؛ فيعلو علىٰ منبر الوعظ ويتمقعد فوق كرسي الإرشاد رجل دين؛ إما يستحلب افكار القدماء دون أن ينتبه لعامل الزمن وتغيير الأوضاع المحيطة به؛ ويستجلب فتاوىٰ الغابرين دون أدنى نظر إلىٰ واقع يخالف تماما واقع الحال وما وصلنا إليه من مآل؛ فيرددها اليوم بعد أن سُطرت مِن مئات السنين... وإما رجل علم يملك ذهناً وقاداً مستنيراً واعياً يرجع بفهم إلىٰ الأصول ويراجع بإدراك ويقارن اقوال العلماء السابقين وكيفية فهمهم للنصوص وينزلها علىٰ واقع معاش حي ملموس، فيقدم تأويلاً بما وصل إليه العلم البشري في كافة المجالات إما تفسيراً أو أحكاماً فيصيغ جُملَه وكلامَه بصورة واقعية حالية يدركها إنسان اليوم وليس فقط مجرد اجترار وإعادة تكرار.... وأمثال هؤلاء لا يبقون على الساحة كثيراً والغالب يوجه الخطاب للشباب ... أو (وهذا المهم) يشاركه في الخطاب رجل فكر يحمل عبأ نهضة أمة وصاحب مدرسة تربوية تعليمية تثقيفية إصلاحية... فينقسم العالَم الإنساني إلى مَن يتبعون أسس مبادئ فكرية صحيحة أو إلىٰ قيم دينية راقية... فبهما (واعظ يتكلم بأمس الماضي؛ ورجل مفكر ينظر إلىٰ الغد) بهما يتعمق التقسيم المبدئي الايديولوجي أو يتفتت الدين إلىٰ فرق ومذاهب وطوائف وطرق... أو يتم الإجتماع علىٰ كلمة سواء؛ أي ما يتفق مع العقل والمنطق بأدلة ثبوتية وبراهين قطعية ويعذر بعضنا بعضنا في بعض النقاط ... والشبابُ جزءٌ حيوي مِن هذا العراك الفكري داخل المجتمع الواحد أو خارجه، وجزءٌ اساسي مِن هذا التحرك الميداني، فترىٰ الشباب هم وقود الحروب الفكرية المشتعلة في العالَم أو حطب نيران المعارك الوهمية؛ وهي دامية بين أصحاب المذاهب أو بين أتباع الديانات... وانظر حولك لترى بأم عينك صحة هذا القول(!!؟).
الواقع الحالي المعاش يخبرنا أن لكل أمة مفاهيمها وقيمها وافكارها ومقاييس حياتها عن الشئ أو الفعل؛ فإما تتلاقىٰ مع الآخر فيحدث تلاقح إيجابي حضاري راق أو تتناكف في تصادم سلبي.
[ ٣ . ] والحديثُ عن الشباب وهم شريحة عريضة مِن المجتمع تقدر حالياً بـ 1,8 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 10 و 24 سنة في العالم، وهذا هو أكبر عدد من الشباب علىٰ الإطلاق، وتتشكل عقلية ونفسية الشاب منذ مرحلة الطفولة، وهي تلك المرحلة التي تبدأ بتكوين الجنين في بطن أمه؛ وهذا يستلزم منا قبل الشروع في الزواج أن نبحث في كيفية تربية أم المستقبل؛ وإعداد حاضنة أمل الغد، وهذه المرحلة تنتهي بالبلوغ، والبلوغ قد يكون بالعلامة؛ بمعنى بلوغ الصبية مبلغ النساء؛ وبلوغ الصبي مبلغ الرجال، وقد يكون بالسن؛ وهذه إشكالية آخرىٰ عند الفقهاء وتواجه المُشَرع عند سَن قانون؛ فيعتمد البعض بلوغ الصبية مبلغ النساء وإن كان عمرها لم يتجاوز التاسعة فتعامل معاملة المرأة البالغة في كافة أمور حياتها وجميع الأحكام المتعلقة بها؛ سواء الشخصية منها أو العامة، أو نعتمد ما قَدَّره أبوحنيفة[(1)] -في المشهور عنه- بثماني عشرة سنة وسبع عشرة سنة[(2)]. وتنتهي المشاكلة. بيد ان الطفل حسب التعريفات الدولية هو كل «إنسان لم يبلغ الثامنة عشر من عمره بعد»[3)]
وهذه تحتاج إلى إعادة نظر مع اعتمادها عند الجميع(!!؟)... وهنا تتدخل الأفكار والثقافةالعامة والقيم العليا وكيفية التربية(!!؟).
فالأمة التي تستطيع بناء أطفالها، وفق أهدافها وتطلعاتها هي الأمة التي تستطيع حماية وجودها والتحكم في مستقبلها؛ وقضية التحكم في المستقبل : تعني دراسة مستفيضة لواقع معاش مع الأمكانات المتاحة والمتوفرة مع التخطيط لهذا المستقبل المرجو المأمول، وهذا التخطيط يقتضي أن نفهم الحاضر فهمًا دقيقاً عميقًا واعيًا، وأن نحاول استشراف المستقبل استشرافًا علميًّا منهجيًّا؛ من أجل تطويره على الصورة المبتغاة المأمولة[(4)].
[ ٤ . ] وهنا تأتي إشكالية الواقع الحالي باعتبار أن العالم كله صار قرية صغيرة وأن الفضاء الإلكتروني والفضائيات مفتوحة طوال النهار والليل؛ مما استدعىٰ بعض الدول (تركيا؛ مثلا) إلىٰ غلق مئات مِن منصات الفضاء الإلكتروني؛ وما هو أشد وطأة هي تلك التجمعات العربية أو الإسلامية في بلاد الغرب؛ فهل هم أعضاء تلك الأمة الغربية وخاصة مِن تحصل علىٰ جنسية الدولة التي يقيم فيها بصفة دائمة؛ أو تمكن مِن الحصول علىٰ أوراق ثبوتية تسمح له بالبقاء في دول الإتحاد الأوروبي؛ ولعل الحديث هنا عن الجيل الأول ذي منشأ مشرقي أما مَن ولد في الغرب فهذا حديث آخر(!!)... وهل دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة تعتبر أمة مِن دون الأمم، أم أمم داخل تجمع (اتحاد) سياسي واقتصادي واحد(!!)، أم هذه التجمعات العربية والإسلامية في الغرب هي كما يحلو للبعض تسميتها بـ <<أقلية>> عربية؛ فتنفصل عن مجتمع تعيش فيه؛ أو <<جالية>> إسلامية... فتظل خارج إطار المجتمع مما يسمى بالمجتمعات الموازية؛ أي لها لغتها الخاصة وعاداتها وتقاليدها الخاصة بها فتنسلخ من المجتمع الذي وجدت فيه(!!؟.).
ويكاد الجميع يستشهد بأبيات قالها أبو العلاء[(5)]:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانُ مِنَّا * عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُـوهُ
وَمَا دَانَ الْفَتَى بِحِجًى وَلَكِنْ * يُعَلِّمُهُ التَّدَيُّنَ أَقْرَبُوهُ[(6)]
إذاً : يمثل الشباب في غالبية المجتمعات نسبة كبيرة من أبنائها، فهم حاضرُ أي مجتمع ومستقبله، وهم الذين سيتولّون زمامَ الأمور غدًا إذا أُحْسِن إعدادُهم وتجهيزُهم تربويًا وعلمياً ، نفسيًا وعقليًا؛ عقائدياً ودينيًّا، ليكونوا مُسَلَّحين بالعلم والمعرفة وبالقِيَم والأخلاق، وبالثقة بالنفس، ومُعطَيات الحداثة والتقدم؛ حتىٰ يستطيعون مواكبة التحدّيات التي تفرضها متغيرات <<العولمة>>، لذا فقد اهتم الإسلام بالشباب فأوصانا الرسول ﷺ بهم، فيقول : 《أوصيكم بالشباب خيرًا فإنهم أرق أفئدة لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ》[(7)] ثم تلا قول الله تعالى: {فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [(8)]
وما قاله وصرح به نبي الإسلام يعتبر سابقة منذ أكثر من 1440 عام قبل أن تقرر الأمم المتحدة مسألة اليوم العالمي للشباب. بل إن منهجه وطريقته -أي سنته- تبين لنا كما ضرب لنا رسولنا الكريم ﷺ مثلاً في الاهتمام بهم وتربيتهم التربية القيادية، فها هو نجده يُحيط نفسَه بكوكبة منهم يحملهم جلائل الأعمال، وهم في نضارة الشباب، فهذا : علي بن أبي طالب الفتى الشباب نراه ينام في فراش الرسول ﷺ ليلة الهجرة ويُعرِّض حياتَه للخطر بلا خوف أو جبن، ويؤدي الأمانات التي وكل إليه الرسول ﷺ أن يردها إلى أهلها ثم يهاجر وحده. بل مَن جاء من بعده على منهجه؛ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : « كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ » يقول العسقلاني: « أَيْ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ » . [(9)]
والرسول ﷺ لا يرضَ للشباب أن يستجيبوا لرغباتهم الجامحة أو أهوائهم، بل يرضى لهم الفضيلة، والحكمة والرزانة، ولذلك يقول (خير شبابكم من تشبه بكهولكم) أي <<شيوخكم>> [(10)]. أي في عمق التفكير ورزانة التصرف وبراعة القيادة، وما يغلب عليهم من وقار وحلم وهما صفتان محمودتان. كما يرضى للشباب الجدَ في ميدان الهداية والتقوىٰ ويكرم من يفعل ذلك خير تكريم حين يقول (إن الله تعالىٰ ليباهي ملائكته بالشباب الصالح).
يا أتباع محمد ﷺ يقول حَبر هذه الأمة عبدالله بن عباس: 《الخير كله في الشباب》 .
ولقد سار صحابة رسول الله على طريقته وسُنته ومنهجه في العناية بالشاب وتوجيههم وعرفان قدرهم، ومن بعد الفاروق جاء حفيده خامس الراشدين عمر بن عبدالعزيز الذي نراه يستقبل وفدًا أقدم من الحجاز لتهنئته بالخلافـة، فتقدم شاب صغير السن لم يبلغ إحدى عشرة 《١١》سنة ليتكلم، فقال له خامس الراشدين: «ليتكلم من هو أسن منك»، فقال الفتي: «يا أميـر المـؤمنين ، ليس الأمـر بالسن وإنما المرء بأصغــريه: «قلبه» و«لسانه»، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظاً ، وقلبًا حافظاً ، فقد أجاز له الاختيار واستحق الكلام، ولو أن الأمر يا أميــر المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا»، فأُعْجِبَ عمر بالشاب وشجاعته وحسن منطقه وقال له: «صدقتَ، تكلَّم أيها الغلام، فهذا هو السحر الحلال!» فقال الفتي: «يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة، لا وفد المرزئة <طلب المعونة> لم تقدمنا إليك رغبة ولا رهبة؛ لأننا أمِنّا في أيامك ما خلفنا، وأدركنا ما طلبنا». فتعجب عمر من كلامه وأنشد قائلاً :
تَعَلَّمْ فَلَيسَ الْمَـــرءُ يُولَــــدَ عَالِمًا * وَلَيسَ أَخو عِلْمٍ كَمَنْ هوَ جَاهِل
وَأَنّ كَبيرَ الْقَــومِ لاَ عِلَمَ عِنْـــــدَه * صغيــرًا إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الْمَحَافِل
ولما دخل الخليفة المهدي البصرة، رأى إياس بن معاوية – الذي ضُرِبَ به المثلُ في الذكاء – وهو صبي، خلفه أربعمائة 《٤٠٠》من العلماء وأصحاب الطيالسة، فقال المهدي: «أف لهذه العثانين، أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث»، ثم التفت إليه المهدي وقال: «كم سنك يا فتى؟ »فقال: «سني <<أطال الله بقاء أمير المؤمنين>>< سن أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله تعالى عنهم- لما ولاه رسول اللهﷺ جيشًا فيه أبوبكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما-». فقال: «تقدم، بارك الله فيك، وكان سنه سبع عشرة سنة».
-*/-*/-*/
[ ٥ . ] ولا أقول أن هذا تاريخ يروىٰ ويحكىٰ بل واقع يراد إعادته للحياة .... وهنا يأتي واجب الأبوين والمعلم؛ لكن الواقع المعاش - وهنا تأتي إشكالية الذوبان/الاندماج في المجتمع الغربي؛ أو تلك المجتمعات المغلقة في المناطق العربية أو الإسلامية- إذ أن الأب المسلم والأم المسلمة؛ وهذه حالة تختلف تماما عن حالة آخرىٰ : وهي الزواج المختلط بين شخصين يحملين ديانتين وعقيدتين بل ومفاهيم وقيم مختلفة فثمرة هذا الزواج طفلــ(ــة) يتربىٰ في بيت له مبادئه وفي الروضة والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام والمجتمع له مجموعة مبادئ آخرىٰ... أو نفس البيت رجل له دين وشعائر بل طعام يحله وآخر يحرمه وكذلك شراب وأيضا ملابس وستر عورة يعيش تحت سقف واحد مع امرأة لها ما يخالفه ولو في بعض المسائل(!!؟).
[ ٦ . ] عالمياً فإن أكثر من نصف عدد مَن هم بين سني 6 و 14 عام يفتقدون لمهارات القراءة والحساب علىٰ الرغم من أن معظهم يذهبون إلىٰ المدارس. وهذه تعتبر أزمة عالمية.
وإني أتساءل بدوري :
- هل المؤسسات الرسمية والهيئات والجمعيات والاتحادات ذات العلاقة بالمراهقين والمراهقات والشابات والشباب تقوم بدورها المنوط بها؛ وفق خطة علمية مدروسة ذات أهداف واستراتيجيات وفق المستوىٰ العُمري!!؟.
- وهل القائمون علىٰ عملية التدريس والإعداد هم من اصحاب المؤهلات العلمية ؛ مع فهم عميق مستنير لواقع جديد تعيشه تلك التجمعات العربية /الإسلامية!!؟.
لذا وعلىٰ الأبواب ؛ وقبيل بدء العام الدراسي 2019/20 يجب إعادة النظر فيما ذكرته آنفاً، إذ هي مسؤولية ... وليس استرزاق ... أو وجاهة إجتماعية!؟؟.

ملف مِن إعداد:
محمد الرمادي
12 أغسطس 2019م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في 17 ديسمبر 1999م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها: ( 120/54 ) إعلان يوم 12 أغسطس من كل عام بوصفه يوما دوليا للشباب، عملا بالتوصية التي قدمها المؤتمر العالمي للوزراء المسؤولين عن الشباب (لشبونة، 8 - 12 أغسطس 1998) ليكون بمثابة احتفال سنوي بدور الشابات والشباب كونهن شركاء أساسيين في التغيير، فضلا عن كونه فرصة للتوعية بالتحديات والمشكلات التي تواجه أولئك الشباب والشابات في كل أنحاء العالم..

موضوع عام 2019: النهضة بالتعليم

يسلط شعار [النهضة بالتعليم] هذا العام الضوء علىٰ الجهود المبذولة - بما في ذلك جهود الشباب أنفسهم - لإتاحة التعليم للجميع وتيسيره أمام الشباب. وتأسيسا علىٰ الهدف : ( 4 ) من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 - الذي ينص علىٰ <<ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدىٰ الحياة للجميع>> - فالمراد من اليوم العالمي للشباب لعام 2019 هو البحث في كيفية تركيز الحكومات والشباب والمنظمات المعنية بقضايا الشباب وغيرها من أصحاب المصلحة علىٰ النهضة بالتعليم بما يصنع منه أداة قوية لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
ويُعد التعليم المتاح والشامل أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يمكن له أن يضطلع بدور في منع نشوب الصراعات. وفي الواقع، فالتعليم <<مُضاعِف للتنمية>> لأنه له دور محوري في تسريع التقدم المحرز في جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر ذات الصلة به، سواء أكان ذلك هدف القضاء علىٰ الفقر، أو هدف الصحة الجيدة، أو هدف المساواة بين الجنسين في الآجر لنفس المستوىٰ التعليمي ونوع الوظيفة، أو هدف العمل اللائق والنمو الاقتصادي، أو الحد من التفاوت، أو هدف العمل في مجال المناخ، أو هدف إنشاء المجتمعات المسالمة. فيجب أن يؤدي التعليم إلىٰ نتائج تعليمية ذات صلة وفعالة، من حيث مناسبة محتوىٰ المناهج الدراسية للأغراض المرادة منها، وليس للثورة الصناعية الرابعة ومستقبل العمل وحسب، وإنما مناسبة كذلك للفرص والتحديات المُغيرة السياقات الاجتماعية.
إن الدور الحاسم الذي يضطلع به التعليم الجيد في تنمية الشباب هو أمر لا خلاف عليه. وفضلا عن ذلك، تفيد التنمية الشاملة للشباب المجتمع ككل. ومع ذلك، فإن مما يجهله كثيرون هو أن الشباب أنفسهم هم أبطال نشيطون في مجال تحقيق التعليم الشامل والميسر للجميع. وتسعىٰ المنظمات التي يقودها الشباب، وكذلك الأفراد أنفسهم من الشباب، جنبا إلىٰ جانب مع مختلف أصحاب المصلحة والحكومات، إلىٰ النهضة بالتعليم بشكل ملموس بحيث يصبح أداة أساسية للتنمية المستدامة والشمول لمختلف الفئات الاجتماعية. فعلىٰ سبيل المثال، تقوم المنظمات التي يقودها الشباب بالنهضة بالتعليم من خلال الجهود المبذولة في وسائل الضغط والدعوة، وإقامة الشراكات مع المؤسسات التعليمية، وتطوير برامج تدريبية تكميلية، وغيرها من تلك الجهود."
في عام 1965، أقرت الجمعية العامة في قرارها 2037 (د-20) ، إعلان ترسيخ عند الشباب مُثل السلم والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب. وفي الفترة من عام 1965 إلىٰ عام 1975، ركزت الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي علىٰ ثلاثة مواضيع أساسية في ميدان الشباب، وهي المشاركة والتنمية والسلم. وجرىٰ التوكيد كذلك علىٰ الحاجة إلىٰ وجود سياسة دولية معنية بالشباب. وفي عام 1979، عيّنت الجمعية العامة، بموجب القرار (151/34)، عام 1985 بوصفه ’’السنة الدولية للشباب: المشاركة والتنمية والسلم‘‘.
وفي عام 1985، وافقت الجمعية العامة في القرار 14/40 علىٰ المبادئ التوجيهية المتعلقة بمواصلة التخطيط والمتابعة المناسبة في ميدان الشباب. وللمبادئ التوجيهية أهميتها، لأنها تركز علىٰ الشباب بوصفهم فئة عريضة تضم فئات فرعية متعددة وليس بوصفهم كيانا ديمغرافيا واحدا، وهي تقدم مقترحات لاتخاذ تدابير محددة لتلبية احتياجات فئات فرعية مثل الشبان المعوقين وشباب الريف وشباب الحضر والشابات.
وفي ديسمبر من عام 2009، اعتمدت الجمعية العامة القرار (134/64)، بإعلان السنة الدولية للشباب ابتداء من 12 أغسطس 2010، ودعت الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والأفراد والمجتمعات المحلية في كل أرجاء العالم إلىٰ دعم أنشطة تُقام علىٰ الصعيدين المحلي والدولي بهذه المناسبة. وتزامن تلك السنة مع الذكرىٰ السنوية الـ(25) لأول سنة دولية للشباب احتفل بها في عام 1985.
وأوصت الجمعية العامة بتنظيم أنشطة إعلامية لدعم هذا اليوم بوصفه وسيلة لتعزيز الوعي ببرنامج العمل العالمي للشباب، الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرارها (81/50) في عام 1996.
ويُحتفل بيوم الشباب الدولي سنويا في 12 أغسطس، لاسترعاء انتباه المجتمع الدولي لقضايا الشباب ، وللاحتفاء بإمكانيات الشباب بوصفهم شركاء في المجتمع العالمي لعصرنا.
المجالات الخمسة عشر ذات الأولوية لبرنامج العمل العالمي للشباب

1. التعليم
2. التشغيل
3. الجوع والفقر
4. الصحة
5. البيئة
6. تعاطي المخدرات
7. جنوح الأحداث
8. أنشطة شغل الفراغ
9. الفتيات والشابات
10. المشاركة
11. العولمة
12. تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
13. فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز
14. الشباب والنزاع
15. العلاقات بين الأجيال
[1] أبو حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه الكوفي، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب الحنفية، أدرك أربعة من الصحابة، رضوان الله عليهم، وهم: أنس بن مالك، وعبدالله بن أبي أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة، وتوفي في رجب، وقيل في شعبان سنة 150هـ.
[2] هلالي عبد اللاه أحمد، خالد محمد القاضي: حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية ص29.
[3] السابق نفسه، ص9.]
[4] هلالي عبداللاه أحمد، خالد محمد القاضي، حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، ص11 و 12.
[5] أبو العلاء المعرّي: هو أحمد بن عبدالله بن سليمان 363-449هـ=973-1057م شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان بالشام، له شعر غزير من أشهره "اللزوميات". انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/113- 116.
[6] أبو العلاء المعري: ديوان لزوم ما لا يلزم ص332.]
[(7)] : أخرجه البخاري
[(8)]: سورة الحديد آية 16.
[(9)] خرجه : محمد بن إسماعيل البخاري.
[(10)] رواه جلال الدين السيوطي.

انتخابات سبتمبر 2019م

شبابٌ من الجيل الثاني من بنات وأبناء التجمعات العربية على أختلاف مشاربهم؛ وقلة من ابناء المصليات[(1)] على تعدد هوياتهم وانتمائتهم المذهبية وولائهم؛ إذ يحلو لبعض مَن يتمقعد على كراسي المنتديات من أصحاب التقاعد إطلاق مثل هذه التقسيمات وإعطاء كل فريق مسمى أو لقب أو لون... شبابٌ من أبناء الجيل الثاني درسوا اقتصادا وعلوما سياسية، وبناءً على هذا القدر من العلم النظري والممارسة العملية صلُح لهم أن يقدموا لنا -مَن له حق التصويت والإنتخاب- من الفينة إلى الآخرى وفق المناسبات والأحداث رؤيةً -حزبية؛ إذ يمثل آحدهم الحزب الأحمر (الإشتراكي) والآخر (الشعب/توركيز) الأسود- سياسية وتوعية مستقبلية تنويرية يصاحبهما-الرؤية والتوعية- تحليلا سياسيا عن الواقع الحالي المعاش مع ربطه بما استجد من أحداث على الساحة الداخلية أو المحيطة بنا في القارة الأوروبية يرافق ذلك ما استصدر من قوانين يشعر البعض من تلك التجمعات العربية أن تخصهم دون سواهم -بإحساسهم العميق أنهم : (أقلية)... أو أبناء المصليات -بإحساسهم الداخلي أنهم: (جالية إسلامية)- مع أنهم -أي : الأقلية تلك والجالية- يحملون جنسية الدولة التي يعيشون فيها ومنذ سنوات أو تحصلوا أوراق ثبوتية تمكنهم من الحصول على كافة المميزات وكل الخدمات الإجتماعية والاقتصادية؛ وتوضيح مع التنبيه على المقياس الحساس لما يدور داخل المجتمع الغربي بصفة عامة والفييناوي بصفة خاصة من نظرة سلبية أو غيجابية لتلك الأقلية أو هاتيك الجالية، مع الأخذ في الحسبان درجة انتماء هؤلاء الشباب للمفاهيم العامة والقيم السائدة والأفكار المتداولة التي تربوا عليها منذ نعومة أظفارهم في مجتمع يسوده مبادئ حرية العقيدة والتعبير والرأي والتملك؛ ودولة تحكم بديموقراطية نمطية غربية؛ مع حيز ما في الإعلام والصحافة، ومدى حقيقة الهوية عند هؤلاء الشباب لدولة تقع ضمن العالَم الأول ودرجة الولاء لمنظومة الاتحاد الأوروبي... مقارنة بجيل أول آتى من العالم الثالث حمل مع في حقيبة سفره كل ما يمكن حمله من ملابس وعادات وتقاليد وافكار وقيم.
النمسا والإسلام :
في عام 1874م أعطى «قانون الاعتراف» طوائفَ غير مسيحية بما في ذلك المسلمين الإطار القانوني لتصبح معترف بها كـ «طوائف دينية»؛ ثم اعترفت «القيصيرية» النمساوية بحق مواطنيها مِن الأحناف في مزاولة شعائرهم التعبدية فنظمت الحريات الدينية للتجمع الإسلامي عن طريق ما يسمى بـ «قانون الإسلام» في أغسطس من العام 1912م؛ أو ما تسمى بممارسة الشعائر الدينية : (قسمٌ من العبادات) كـ صلوات الجمع وقيام ليل صيام شهر رمضان ومغادرة حميدة بعودة مغفورة الذنب كمن ولدته أمه في حج مبرور أو عمرة رمضانية؛ وفي بداية السبعينات من القرن المنصرم أعطت الجمهورية النمساوية الحق الكامل لمسلميها فأنشات الهيئة الإسلامية كمتحدث رسمي مع الدولة والحكومة؛ وقد نشط بعضهم في افتتاح مصليات «البدروم» رخيصة الإيجار بتقديم وجبة طعام زهيدة السعر وكوب من الشاي وتوفير صالة لآداء الصلوات... ثم توالت الأحداث؛ وجاءت رياح تغيير جذري بما لا تشتهي السفن؛ أو بتعبير أدق بما لم تستعد له السفن(!)، فصارت لأهل السُنَّة هيئتهم وكذا لأهل التشيع[(2)]؛ وكذلك الطائفة العلوية[(3)] تأكيدا لما ترتب عليه -منذ قرون مضت وولت- للمنقسم الإسلامي الأيديولوجي.
الجديد : ما هو على الساحة الأوروبية مِن تواجد ملحوظ مِن كلا الطرفين -الطرف الأول : مَن يعتبر القارة الأوروبية مسيحية خالصة؛ إذ تعتبر في الذهنية الشعبية التقليدية أنها دار ممر وليس دار مستقر؛ خلافا لدول المهجر ؛ وإن كانت مجزرة المسجدين أحدثت شرخا عميقا في الغرب عموماً، والثاني: مَن تحصل على جنسية غربية من أبناء البلاد العربية أو الدولة التركية وتبعاتها- ... ما يلاحظ على ساحة الغرب تواجد ينمو في إبداء الرأي ضد الآخر علناً؛ أو قبوله ورفضه وتصفيته بصورة معنوية أدبية (الصورة النمطية عن العربي أو التركي في وسائل الإعلام أو يرى على الشاشة الفضية أو مسلسلات التلفاز) أو بصورة تصفية يشوبها عنف سواء جسدي أو دموي؛ أو مسألة الإندماج، الطرف الأول : أقصد الأوروبي من جذور مسيحية بغض الطرف عن طائفته (البروتستانت.. الروم الكاثوليك.. أو مَن خرج برغبته من تحت العباءة الكنسية؛ ومازال مؤمناً) رافق الأوروبي نبرة صوت الأحزاب اليمينية الوسط أو الصاعدة المتطرفة بقوة في الشارع العام والخطاب الذي يدغدغ المشاعر الشعبوية ويلامس أحاسيس التفوق سواءالعرقي أو العلمي؛ تلك الأحزاب الرافضة -كلياً- للآخر أو الغريب.
الملاحظة الأهم: لم تتمكن أصوات المصليات بتوصيل رسالة واضحة المعالم تناسب ما نسميه فهم «فقه الأقليات» أو إدراك «فقه الواقع»، وهذا يعود لبداية نشأت تلم المصليات في نهاية الخمسينات من القرن الماضي؛ كما يعود لنفسية وذهنية وعقلية مَن يتولى إدارتها؛ وهذا ثانيا، ويعود لمن تسمع صوته مدوياً في هذا المصلى أو ذاك؛ بعينه المفتوحة على كتب التراث دون تحقيق أو تدقيق أو مراجعة مع وجود فارق زمني يتعدى الزمان ويخالف المكان؛ وإغماض الآخرى على واقع لا يشعر به أو يتفهمه؛ وهذا ثالثاً؛ كما يعود لمن يحضر لتلك المصليات لسماع صوت يذكره بالآخرة ويحذره من عذاب جهنم مع حزمة من الخطب المنبرية التقليدية الموسمية من باب الوعظ والآرشاد الكهنوتي؛ وهذا رابعاً ... فانعزل المصلىٰ في الغرب -بمكوناته وعناصره- عن محيطه الملاصق به؛ وأغمض الخارج مِن المصلى عيناه عن لوحات الدعاية الإنتخابية لأحزاب يمينية أو خطابها السياسي؛ واكتفى بعضهم بمسيرة غضب؛ مع عدم القدرة على توصيل الرسالة لمن تجب أن تصل لهم؛ ولذر الرماد في العيون استحدث «الباب المفتوح» أو «اليوم» الواحد المفتوح في العام لمخاطبة الآخر، وعمَّ حالة تذمر من دعايات الحملة الانتخابية لأحزاب تصدر لجمهورها : «فوبيا الإسلام» والخوف الآخر ومسألة «الهجرة»... ونتفق على المبادئ الواسعة العامة والعريضة الفضفاضة والتي تقول :" بحماية حدود البلاد بشكل أفضل، ومكافحة الإسلام السياسي [وفقا نظرية تبنتها الدول العربية ذات الأغلبية الإسلامية أيضا بأنه «لا سياسة في الدين؛ ولا دين في السياسة»؛ مع ملاحظة أن الدول الغربية فصلت منذ سنوات طوال بين المعبد (الدين) وبين الشارع العام (الحياة)] وتقليص الهجرة غير الشرعية.". و:" يحتاج الشعبويون الآن إلى فزاعة، وهذه الفزاعة هي الإسلام في الوقت الحاضر. أو بتعبير أدق «تصرفات وأفعال واقوال وسلوكيات ومظاهر بعض مَن ينتمي إلى دين الإسلام» وغالباً ما يتم ربط الأسلمة باللاجئين فقط،".
سطحية في التعميم:
في الحملة الانتخابية (بصفة عامة)، يتم التعامل مع المسائل المطروحة والتي تهم المواطن الغربي بشكل سطحي وصورة شعبوية فقط. فقد نشرت إحدى الدراسات في عام 2017م بأن ثلث المساجد في فيينا تعمل ضد الاندماج الناجح. إلا ان تلك الدراسة شملت 16 مصلىٰ فقط من حوالي 400 في فيينا، وكانت الدراسة بتكليف من قبل مرشح حزب الشعب سيباستيان كورتس(توركيز)، الذي عرض نتائجها. لكن هيئة (IGGiÖ) السنية ردت وقالت: "نعتقد أن هذه الدراسة التكليفية تسعى لتحقيق أهداف سياسية؛ منها: الاتهام العلني للمؤسسات الإسلامية والتشكيك في مصداقية تعاليمها"، وتابعت: "هذه الدراسة التكليفية تبتعد كل البعد عن الاخلاقيات العلمية".
مسألة «التواجد الحي» لأهل المصليات مع مَن يعتاد على التواجد فيها؛ والتعايش الإيجابي مع المحيط الملاصق؛ ومسألة «الوعي المستنير» لمن يتولى إدارتها مع مَن يعتاد على الحضور والتفاعل مع المحيط الملاصق... يغلب على ظني أنهما -«التواجد الحي» و «الوعي المستنير» - في حالة ضعف أو خمول... وهما مسألتان يحتاجا بالفعل إلى بحث وإعادة نظر.(!!!)
وبناءً على ما صدر مؤخراً بأن :" حوالي 88% من المسلمين النمساويين يشعرون بأنهم على علاقة وثيقة بالنمسا ". ونتيجة رد فعل وليس مشاركة في اتخاذ القرار أو دقة مع صحة في ابداء الرأي تقدم بعض من المسلمين في ابداء الرأي بطريقة اعتادها في موضع مسقط رأسه... وشريحة عريضة غرقت في منصات التواصل الإجتماعي.
صار التواجد الإسلامي على الأرض الأوروبية رقما يحسب له حساب عند التشريع وقبله عند اجراء الإنتخابات؛ لذا فانتخابات سبتمير القادم 2019م تعطي مؤشرا واضحا للمواطن النمساوي (سواء أصلي أو يحمل جنسية الجمهورية) في ابداءالرأي لمن سيحكمه وبالتالي مَن يسن له قوانين.
وهذا يستلزم من أهل العلم يجاورهم أهل الرأي توعية صحيحة وسليمة لمن له حق التصويت وأبداء الرأي في الإنتخاب من اصول تركية أو عربية[(4)] ، والمشاركة الفعلية في تكوين الحكومة الجديدة القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(1)] يستخدم الكاتب مصطلح «مصلى» بدلا من «مسجد» أو «جامع» على أساس مسألة التعريف لكل من تلك المصطلحات.
[(2)] الإسلام هو ثاني أكبر دين في النمسا، ويمارسه نسبة 8% من مجموع السكان وفقا لتقديرات 2016م؛ الغالبية العظمى من المسلمين ينتمون إلى المذهب السني وأقلية شيعية.
[(3)] ذكرت أحد التقديرات في عام 2010م أن :
10 - 20 % من النمساويين المسلمين علويون. من بين حوالي 300 أحمدي في النمسا.
في عام 2013م، منحت النمسا الاعتراف الديني للعلويين.
في أغسطس عام 2017م وجد مسح من قبل مؤسسة «برتلسمان» أن من بين النمساويين المسلمين:
64 % كانوا من السنة و
4 % كانوا من الشيعة.
[(4)] غالبية المسلمين في النمسا هم مواطنون نمساويون. بينما الجنسيات الأجنبية الأكثر شيوعا بين المسلمين في النمسا هي: التركية (21.2 %)، البوسنية (10.1 %)، كوسوفو (6.7 %)، الجبل الأسود (6.7 %)، الصربية (6.7 %).

 ورقة من كراسة إسكندريات

لحظةٌ حرجةٌ مدمرةٌ قاتلةٌ مميتةٌ؛ بالطبع وجدها مؤلمة في عُرْفِهِ وسطرها بأسى في قاموس أبجدياته، فلم يعتاد رفيقي على مثل هذه المواقف الحرجة لشخصيته؛ ولم يقع في مثل هذه المشاهد المدمرة لمعنوياته؛ ولم يكن يقع في خاطره أنه ستقابله هذه اللحظة القاتلة في حياته؛ مع اعتقادي -وأنا رفيقه منذ سنوات طوال- الجازم أنه يحسن تمثيل عدة أدوار؛ ويخرج من مثل تلك المطبات؛ إذ اعرفه منذ أن كنّا معاً في ابتدائية الشيخ سيد درويش بمدينة الثغر المطلة على البحيرة المتوسطية...
... رفيقي... قالت -ذات يوم- له الشقراء الشعر الحُميراء البشرة زرقاء العين؛ والتي أغرقته منذ اللحظة الأولى في عشقها؛ فقرر أن يتزوجها... قالت له على الهاتف إثناء تأديه عمله في مؤسسته ومنذ فترة كافية بأن بنت أختها الكبرى ستتزوج في قصر بمدينة سالزبورج؛ وهو مِن هواة زيارة هذه المدينة والبقاء بها عدة ايام؛ وكعادته -في مثل هذه المناسبات- يتخير أفضل ما عنده من ثياب؛ خاصةً قميص له ياقة عالية؛ ويحضر عطره الخاص الذي أحضر عدة قنينات من المدينة المنورة والذي يولفه فجرا بخليط وفق مزاجه ليصبح طيبا خاصا له؛ أخبرته بحفلة العُرس أنها ستكون يوم سبت(!)... بتاريخ أظنه في بداية موسم الخريف...
....المهم... رتب نفسه وجهز كل شئ حتى الهدية التي سيعطيها للعروس؛ أما والدها؛ زوج أختها حاصل على درجة الدكتوراة من أمريكا في مجال الفيزياء ومِن شكله وهندامه تعرف مباشرة بأنه استاذ فيزيائي؛ ذهب الجميع إلى الحفل؛ وجاء مَن جاء مِن المانيا ؛ فعائلة زوج أختها تقيم في ألمانيا؛ وأختيرت مدينة سالزبورج لكونها في الوسط جغرافيا -تقريباً- بين جنوب ألمانيا وكذا شمال النمسا.
بدء الحفل في موعده تماماً السادسة مساءً؛ الدكتور والد العروس قدم مفاجأة من العيار الثقيل لكل المدعوين؛ بما فيهم الإبنة؛ العروس.... فقد عرض شريطَ حياة أبنته منذ كانت طفلة رضيع وقت ان وُلدت في أمريكا مرورا بسنوات عمرها ... طفلة صغيرة تسبح عارية... وبكاءها العالي ... وضحكتها العالية... وعند دخولها الروضة فـ المدرسة الإبتدائية فــ الثانوية ثم تخرجها مِن الجامعة؛ صوّر تلاحقت في أوضاع مختلفة وأماكن متعددة حتى وصلت لسن الزواج....
ثم افتتحت العروس حفلتها برقصتها مع رجل المستقبل على أنغام التانجو؛ وهنا بدأت قطرات -كما يقول رفيقي لي- من هرمونات رجولته كزخات مطر تتسرب فتجري بين دفقات قلبه بدماءٍ حارة؛ فــ
قال لزوجته الخواجايه: „ كم اتمنى أن اراقصك على انغام التانجو!!؟ ”؛
فرددت عليه مسرعة ومبتسمة: „ وكذلك كم أنا أريد أن أراقصك ”...
بمجرد أن أنتهت العروس من رقصتها الإفتتاحية؛ امسكت الزوجة السالزبورجية يد رفيقي المشرقي اليمنى ساحبة اياه إلى ساحة الرقص بأنغام تعزفها فرقة مباشرة على اذان الحضور...
... رفيقي كما يقول لي تقدم بخطوات ثابتة ممسكا بيده اليسرى يدها اليمنى ويده اليمنى التفت حول خصرها؛ ليحسن السير بها ومعها؛ بيد أنه سرعان ما توقف قلبه عن النبض وتدفق الدماء فتجمدت دماءه الحارة في شريانه كلها كأنه في نهاية شهر ديسمبر ويقف بمفرده في القطب الشمالي المتجمد؛ إذاً تتوقف اقدامه فقط... بل دماءه وتفكيره وذهنه .. وهمس في أذنها بصوت مرتعش خفيض كمن ينتحب أو ستفارقه الحياة بعد ثوان: .﴿ „ حياة قلبي! ؛ ألا تعلمين أنني لا أحسن الرقص الغربي؛ خاصة التانجو الأرجنتيني!!؟.”؛
فهمست هي بدورها في أذنه: .﴿ „ لا عليك .. لا تقلق .. أنا بجوارك؛ والتانجو سهل جدا؛ فقط إحساسك بالموسيقى سيحركك؛ وسوف تجد نفسك تصعد إلى السماء وأنا بجوارك !!؟ ” ...
تجمدت الدماء في عروقه؛ وكأنه يرى أن التلفزيون الرسمي لدولة النمسا سوف ينقل هذه الحفلة على الهواء مباشرة لكافة أنحاء العالم !. وسينهتز التلفزيون الألماني هذه اللحظة الحرجة لفضحه فهو كان طالبا مشاكسا مع زملاءه الألمان؛ والببارتسي؛ المصورون سيسارعون لإلتقاط صور الفضائح وهو يتكعبل في رقصة لا اسم لها ؛ والأدهى والأمر ايضا هناك مصانع الحداد بينه وبين أختها فهي لا تطيقه أبدا...
....قال لها ذات يوم : „ أعلم أنك لا تطيقي رؤيتي؛ وأنك تغضبين حين أبدء في الحديث بصحيح النطق والبلاغة بلغتك الأم؛ وهناك أسباب وجيهة جدا -آخرى- عندكِ لهذا الكُره؛ فأنا عربي بحكم قوميتي؛ مِصري بحكم وطنيتي ؛ بشرتي تميل إلى السمرة بحكم أنني من سكان شمال أفريقيا؛ مسلم بحكم ديانة عائلتي؛ وأحمل درجة علمية عالية مِن بلدك؛ مسقط رأسك النمسا؛ وأنتِ لم تكملِ الثانوية النمساوية؛ وأحسن التعامل مع النساء الغربيات؛ وزوجك لا يحسن هذا؛ وأخيرا وليس آخراً تحبني كثيرا أمكِ؛ فهي التي تقول دائماً :"إنه -قصد رفيقي نفسه - الرجل الوحيد في عائلتي الذي راعاني وقت مرضي؛ وحضر لي الحساء والدجاج المحمر" ... والقائمة تطول...”...
رفيقي سيتمزق داخليا إربا إربا حين تتغامز أخت زوجته عليه لعدم قدرته على آداء خطوات رقصة التانجو.
رفيقي يدرك مِن الرقص -فقط- الشرقي؛ رقص "البطن" الذي اعتاد رؤيته في حفلات الزواج لأقاربه أو معارف والدته أو اصدقاء أبيه؛ يجلس ليتفرج عليها وهي „ تهز ” خصرها؛
.... وقع وسقط في ما لا يريد أن يقع فيه .. فهو الأن في وسط صالة الرقص والموسيقى تعزف.. رومانسية فائقة الإحساس تعم الجميع وضوء خافت سلط على الراقصين والراقصات؛ وشموع أضاءت المكان ؛ وسمع مِن خلفه مَن يشجعه مِن مَعارف زوجته... صوت يعرفه يقول : " تقدم أيها الشاب! أرنا كيف تراقص محبوبتك!"..
همست زوجته دون ان ينتبه أحد أنها تكلمه: „ ما عليك !! أفعل كما أفعل؛ فأنا كذلك لا أحسن التانجو!!؟ ”؛ ثم أكملت „ إنك شاب ذكي !!؟ ”؛
... تراقص معها كأعرج بين ابطال الماراثون... أو كمترنح سكران وسط عقلاء أصحاء ... لم يطل كثيرا في حلبة الرقص؛ كما قال لي لفة والثانية وغادرا معا حلبة النزال.
فهو لا يسمح أن يراقص زوجته أحد مهما كان !!
وهو كذلك لا يحسن فلن يراقص أحد مهما كان!!
وساعتها قرر أن يذهب إلى مدرسة الرقص الأفرنجي.
لكن سيدته هذه السالزبورجية لم يكن عندها أهتمام أو رغبة في التعلم!
ولأسباب سيذكرها لي تركها وانفصلا
وتعلم بالفعل رقص الغربيين مع زوجته الحالية
ويعجب المرء منه في حفلات عائلة زوجته -السيدة الآخيرة- كيف هو يحسن التانجو؛ وكأنه وُلد راقصا لـ „ La Cumparsita ”؛
ـــــــــــــــــــــــــــ
... ورقة من كراسة إسكندريات
رواية : الرجل المشرقي
بقلم
محمد الرمادي

مؤتمرها الأول!

„إنّ الحياةَ مسراتٌ وأحزان ، أمّا مسراتُها فنحن مدينون بها للمرأةِ لأنها مصدرها وينبوعها الذي تتدفق منه، وأمّا أحزانها فالمرأة هي التي تتولىٰ تحويلها إلىٰ مسرات أو ترويحها عن نفوس أصحابها علىٰ الأقل ، فكأننا مدينون للمرأة بحياتنا كلها‟
مصطفى لطفي المنفلوطي
„ابنك علىٰ ما ربتيه ... وزوجك علىٰ ما عودتيه‟
مثل شعبي مِصري؛ فصححت لكاتب هذه السطور سيدة مِن الحضور أنه أيضا مثل أردني

„المرأةُ تملك نصف السماء...‟
مثل صيني
فأكملتُ قائلا:
„ ... ولها الحق في التصرف في النصف الثاني كما تشاء‟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبدعتْ المرأةُ العربية في النمسا -مقاطعة فيينا أولاً- فأخذت زمام المبادرة بين يديها الرقيقتين الناعمتين فابتكرت -علىٰ غير مثال سابق- السيدات أهل التخصص والخبرة توليفة رائعة من المحاضرات؛ لتثقيف وتوعية المرأة؛ وفاح ما بين فقرات مؤتمرها الأول عطر براعم زهرات السوسن إثناء ربط فقرة بآخرى كعُقد ياسمين عُلق فوق جيد سيدات المجتمع النسائي المخملي الراقي؛ فأحسنت التقديم؛ إذ أن المرأة العربية تجيد فن الإعداد والتجهيز والتقديم؛ كذا والإخراج.
محاور المؤتمر الأول للمرأة العربية في النمسا؛ انطلق مِن فيينا؛ ولعلنا نسمع صدىٰ له في بقية ولايات جمهورية النمسا ومقاطعاتها؛ ومؤتمرات لاحقات متتاليات ، والمؤتمرُ اُثقلَ ببرنامج أنثوي من العيار الثقيل؛ وهنَّ قادرات علىٰ حمله بمفردهن ، بيد أنه غاب عنصر مكمل له ألا وهو الرجل -مشاركاً بمحاضرة؛ وليس بمداخلة يتيمة- كي تكتمل في موضع العُقد المرصع بحبات اللؤلؤ وما خالطه من الفصوص والجواهر وشُبك الجميع بخالص الذهب وطُعم بالوَرِق؛ ففي تقديري أنه كان يجب أن يكون ديالوج مع الآخر سواء الرجل أو الجهات الرسمية المعنية الحكومية؛ وليس -فقط- مع عضوة حزب؛ فلا يصح أن يكون مونولوج؛ بمعنى المرأة تتحدث مع المرأة؛ إذ أعتقد أنه ينقصنا التواصل الحي المؤثر الفعال؛ وخاصة مَن لم تتمكن من الحضور والإنضمام لفريق اليوم.
من المحاور التي بحثت إجمالاً؛ والتي يعاني البعض منها :
محور العنصرية؛ فيترتب عليه :
محور التمييز؛ ومع ذلك يُطلب :
الإندماج؛ وهو محور ثالث؛ فينبهنا البعض أنه ينبغي أن يكون اندماجا إيجابيا، فيتحدث البعض -نفوراً- من ذوبان الهوية والإنتماء؛ فيقابل الجميع :
صعوبات قانونية وهو محور رابع؛ وصعوبات آخرى إما :
تربوية؛ محور خامس أو
تعليمية؛ محور سادس؛ فيترتب علىٰ ما سبق معاناة :
نفسية؛ محور سابع فيحتاج المرء لمتابعة:
طبية؛ محور ثامن ، فإذا عمل المرء منا فيحتاج لاستشارة :
نقابية؛ محور تاسع؛ أو عضوية إشتراك في نقابة ، كي يتم في النهاية إستقلال المرأة من الناحية :
الإقتصادية؛ وهذا هو المحور العاشر والآخير.
اعترف الجميع بأن المرأة عماد المجتمع وأن لها دورها الفاعل المؤثر وأن هناك تحدٍ ما بغض النظر عن مستواه أو درجته؛ ففي حقيقة الأمر ليس تحدي الآخر بقدر ما هو تحدي الذات لإثباتها في مجتمع ينظر البعض إليه أنه مجتمع غربي غريب؛ أو النظرة أنه مجتمع ذكوري أبوي؛ أو صار هناك مجتمع مواز ؛ مع الرغبة الملحة للبقاء في أوروبا ومغادرتها -فقط- للتنزه إما إلى تركيا أو تونس أو الإستجمام في مصر أو الأردن لفلسطيني المهجر.
كما اعترف الجميع بوجود أربعة أجيال مختلفة من النساء جئن إلىٰ القارة الأوروبية بدءً من سبعينات القرن الماضي وفيما بينهن وبعضهن البعض فروق شاسعة في التفكير والنظرة المستقبلية؛ قد تعاني المرأة من مسألة الإستقلالية الاقتصادية أو المالية وهي -المرأة- تسعى بالقطع لها؛ وبعضهن اكتفىٰ بالتقوقع داخل جدران مطبخها لتحضير وجبات شهية للرجل والأولاد... وكأنها مازالت تكرر مقولة جدتها لأمها:"ظل راجل ولا ظل حيطة".
حقيقةً يواجه المرأة في الشرق والغرب العديد من التحديات والصعوبات والعوائق؛ والواقع المعاش هنا في القارة الأوروبية يحتاج إلىٰ إعادة نظر -ولعل الإجازة الصيفية المدرسية (9 اسابيع) فرصة سانحة لإعادة النظر- وأتصال مؤثر فعال مباشر بين تلك المنظمات النسائية والتجمعات سواء تحت مسمىٰ وطني أو قومي أو مَن يتواجد في مصليات ويلقي كلمات في مواسم أو مناسبات؛ ولا أدري لماذا يغيب عن المشهد ذلك العربي الذي يذهب إلىٰ معبده أو كنيسته فلا يتم الحديث عنه أو معه أو عنها أو معها ؛ إذ لفت الانتباه أن هناك حديث عن „ حجابـــ ‟ــها كما جرىٰ الحديث عن „ اختلاطــــ ‟ــــها وغالب مَن حضر من السيدات يحملن „ قطعة ‟ قماش متر في متر علىٰ رؤسهن؛ حتىٰ البراعم الباسقات والزهرات اليافعات بغض النظر عن كيفية „ ربطــــ ‟ــــها؛ لغطاء „ رأســـ ‟ــــها فهل نحن في أوروبا أمام تقليد ديني؛ أم موروث ثقافي؛ أم عادة مكتسبة، أم بالفعل نحن أمام عقيدة تتبعها أحكامها العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.
أمام الجميع تحدي تعليمي من خلال طرق تدريس حديثة -في الوطن البديل- ووسائل إيضاح تخالف ما اعتاده جيل تربىٰ في بلد المنشأ؛ وأمام تحدي في تحديث القوىٰ الفكرية المستقبلية وأمام تحدي بناء بنية جسدية قوية؛ وأمام تحدي لُغوي مزدوج، مع إعادة النظر بشكل صحيح وسليم في كيفية نظرة المرأة لذاتها ولنفسها؛ مع عدم تغيّب الموروث الثقافي أو العادات والتقاليد المستحكمة في الشعور الباطني؛ ووجود أعداء للمرأة سواء من بنات جلدتها أو الذكر المقابل لها في الحياة سواء الغربي أو العربي؛ ووجوب زيادة جرعات فقه المرأة بحقوقها؛ وأدراكها الكامل بقوتها سواء الفكرية أو الروحية ورفع معنوياتها وتجيش امكانياتها المتعددة مع تحقيق شامل لطموحاتها؛ ومعالجة النظرة الدونية لها من خلال ذكر في الشارع العام أو المواصلات؛ إذ يتواجد بصورة واضحة شباب من اليمين المتطرف في أزقة المدن وحوانيت التبضع؛ وعدم الاعتماد علىٰ الجانب الخارجي أو ما يسمىٰ بالبعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة لدى جمهورية النمسا؛ إذ لديهم ما يشغلهم عنا.
أمام الجميع مشاكل تواجهها الأسرة العربية؛ سواء طريقة تربية الأطفال أو كيفية التعامل الصحيح والسليم مع مَن وصل إلى ما قبل سن البلوغ، فبلوغ الطفلة مبلغ النساء؛ مع معرفة جيدة بأحكام النساء ومسائلها وفق أحاديث الأحكام وآيات الأحكام؛ فالملاحظ أن المرأة المسلمة تمتلك قدرا هائلا من الأحكام الشرعية العملية دون زميلتها؛ وبلوغ الصبي مبلغ الرجال يرافق هذا النضج النفسي والاستقرار العاطفي أو الكمال الإنساني الإدراكي؛ مع أخذ الحلول المتاحة من أهل التخصص ورجال العلم؛ وإبعاد أهل الخبرة؛ إذ هم يتحدثون عن تجارب شخصية وليس عن دراسة وعلم وممارسة؛ وإبعاد مَن يسعى لتصدر المشهد الإجتماعي مع جهله؛ وإن كنتُ أحترم آدميته؛ وبخصوص الأسرة ومسائلها يوجد ما يسمىٰ بــ „ مدرسة الأزواج ‟ ؛ كما يوجد ما يطلق عليه من الناحية الفقهية „ عشرة النساء ‟ ؛ وخزانة كتب عن كيفية „ تربية الأولاد ‟.
تتبقىٰ كلمة :
هل المرأة تعتبر „ حالة ‟ أم „ مسألة ‟ أم „ مشكلة ‟ أم „ معضلة ‟!!؟. ولكل واحدة من تلكم الأربع معالجة تختلف عن الآخرى!.
كم اتمنى -قريبا- أن يُعلن عن محاور المؤتمر „ الثاني ‟ للمرأة العربية ؛ يعالج ما يطفو علىٰ السطح في مقاطعة فيينا -بالتحديد-!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكري الجزيل لــ :
السيدات والسادة الحضور الكريم ؛ ومَن شارك في إنجاح المؤتمر؛
وأخص بالذكر :
السيدة مهندس/ ريم أبو عجيبة؛ رئيس لجنة تحضير مؤتمر المرأة العربية „ الأول ‟ في النمسا : المنعقد يوم: 25 يونيو 2019
السيدة / ريم مسلماني؛ مقدمة المؤتمر
السيدات الفضليات ؛ صاحبات المحاضرات.
وتحية عطرة لـــ :
مجموعة الابتكار والابداع العربي؛
منظمة ماي لاندماج الأفراد في التطوع والعمل؛
نقابة العمال-فيدا-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. محمد الرمادي
25 يونيو 2019م

هي (!)

هي.. ﴿ ELLE ﴾ منذ اللحظة الأولى التي مر عبيرُها الفياح سريعاً وعلى بعد عدة أمتار من مجلسه في القاعة الكبرى التي جمعتْ رفيقي معها وغادرت لوجهة لم يعلمها إلى أين(!) ؛ ويعترف أمامي بصدق ويلوح بكلتا يديه أنه بمرورها تعطر هواء الكون كله بعبقها ؛ فسكنت رياح الشمال الآتية من القطب الشمالي كي لا تبرد أجواء المنطقة التي سكنا آخيرا فيها ولمدة لا تتجاوز عدة أيام ؛ ويشرح لي رفيقي مكملا حديثه :"... وفي نفس اللحظة هبت ريح الجنوب محملة رذاذ البحيرة المتوسطية المنعش لينسكب على وجهه قطرات كمطر خفيف ؛ وهدأت أمواج البحار التي تعبت من طول السفر ؛ وتنسمت محيطات الأرض بطيب نسمتها فغنت الحيتان وتراقصت أسماك الدلافين على أنغام أعشاب القاع ؛ فعلا في سماء الكون زخات تسربت من زجاجة عطرها الفريدة من نوعها ؛ إذ أن عطرها ومن عدة مسافات يخترق غشايا الأنف ليسكن في الروح فيستقر في الوجدان قبل أن تسنشقه الرئتين وأن مر منذ قليل بهما وكانت الشعب الهوائية متلهفة لريحها الطيب وبالطبع ستتمكن من سويداء القلب الذي انتظرها لطوال سنوات الغربة الباردة ؛ فحفرت في صميم قلبه صورتها الرائعة الجمال بجميع ألوان طيف قوس قزح بعد سقوط مطر رطب الأجواء فغسل أوراق الشجر ؛ فاستحمت الأشجار ونفضت غبار التعب عن ساقها فهتزت الأرض نشوة بمرورها وربت،
لتقول هي.. ﴿ ELLE ﴾ معلنة على مسمعه :" أيها الرجل المشرقي(!)... أنا المرأةُ التي انتظرتها طوال حياتك ؛ أيها الشاب العنيد(!) ، أنا لكَ... تلك المرأة التي غادرتَ مدينة الإسكندرية مبحرا لشواطئ إيطاليا في أول رحلة لكَ تبحث عني ؛ وبالطبع لم تجدني هناك ؛ أيها الشاب الوسيم (!)...أنا هذه المرأة التي مرت أجنحة طائرتك "فرانس آير" فوق مدينتي في اتجاهِكَ الخاطئ لباريس ؛ أنا .. أنا فقط تلك المرأة التي مكثت -أيها الغافل- في أثينا شهورا عدة تجمع حفنة من الأموال لتغادر إلى نابولي ثم ترحل إلى فينيسيا فتمر على مدينتي لتصل إلى محطة الجنوب في عاصمة الدانوب ؛ وأنا انتظرك -أيها المسافر- ؛ وقد لاحظتُ -أيها العاشق الولهان(!)- أنكَ قطفت زهرةً حمراء من حديقة‚‚ ‘‘ Das Schloss Belvedere ؛ وخبأتها في كراستك ؛ ثم غربتَ -مرة ثانيةً لبريطانيا ثم شرقت لألمانيا ثم مكثت في فيينا حينا من الدهر ثم شمالا لتحضر لي وأنا بجوارك طوال رحلاتك وكل سفرياتك.. أنتَ الرجل الوحيد الذي كنت أبحث عنه خلف كل مقعد في كنيستي العتيقة ؛والتي بنيتها بذوبان شوع ليلي الطويل في انتظارك ؛ وانتظرتك طويلاً أمام كل مدخل لطائرة مغادرة من بلد الألب؛ وأنتَ الراهب الوحيد في صومعتي الصغيرة في غرفة مضجعي والذي كان يناولني بيده المرتعشة رشفات الصبر ؛ وأنتَ الراهب الوحيد ؛ الذي علقته كتميمة في سلسلة عنقي والتي تدلى فوق صدري كان يساعد قلبي على دقاته بانتظام ؛ وكنتُ أوقدُ الشموع لأم الإله في خيالي بغرفتها الخاصة بها في الكاتدرائية الكبرى حين اذهب مُعمرة لسالزبوج حين أزور صديقاتي كي يضئ الربُ لك الطريق لتأتي إليَّ ؛ أتعلم أيها الرجل المشرقي أنني بخرت لك ببخور القديس ‚‚ فالنتين ‘‘ كل جنبات عربات كل قطارات ﴿ ÖBB ﴾ المتجه إلى مدينة جراتس ؛ لكنك لم تأتِ إلا في مكان رسمته لك عناية السماء… وخططت له القدر ، أيها الرجل العنيد (!) ... لقد اتعبتني كثيراً .. لما لا تعترف بأنك ما زلت تحبني منذ أن علمتَ أنك مولود ذكر... إنني أعلمُ أن صورتي رُسمت في خلايا جسدك كلها ؛ وطبعتْ في كل خلايا مخك(!) ؛ أنت لا تفكر إلا فيَّ ؛ ولم تدرس لغة ‚‚ جوته‘‘ إلا لتحسن الحديث معي لتعبر عن مشاعرك بطريقة سلسة وسليمة ؛ ولا تعمل إلا مٍن أجل أن تطعمني حبات الفرولة ؛ أعلم أيها الرجل أنك تفكر فيَّ إثناء نومك العميق ليس حلماً بل يقظة منامية كمن يأتيه وحي السماء .. لا تجعل أيها الرجل ما يكتب في بعض صفحات الجرائد الصفراء يعطل مسيرة حياتنا معاً... نعم إنني أعلم ماذا يكتبون عنكَ في صفحات الجرائد المباعة قبل الإصدار أو التي صُدرت قبل أن توضع في ‘‘Trafik‚‚... عليك أن تعترف أنك مازلت تحبني(!).. عُدْ لي فأنا أيها المشرقي مازلتُ انتظرك في محطة قطار مدينتي(!)... كما عودتني في الرابعة عصرا وخمس وخمسين دقيقة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة من كراسة ‚إسكندريات‘
رواية الرجل المشرقي
بقلم محمد الرمادي

(﴿ ثم ماذا .... بعد شَهْرِ „ رَمَضَانَ ” !!!﴾)

وليَّ أن أتساءل: أربُ رمضان عند المسلمين هو ربُ شوال!؟ أم صار الإسلام اليوم إسلام مناسبات وفصول ومواسم !؟.
مِن المقطوع به عند الجميع أن ربَّ شهر رمضان هو رب شوال وبقية الأيام والشهور؛ لكن الظاهر وجود وضع آخر وحال آخر عند البعض..فبانتهاء شهر الصيام والقيام: شهر القرآن :"رمضان" يتراجع البعض عما كان عليه خلال هذا الشهر الفضيل؛ وهذه بعض المسائل التي أود التركيز عليها ، فقد وضع الخالق -سبحانه وتعالى- مقياسا يخص الأمة الإسلامية دون غيرها مِن بقية الأمم والشعوب والقبائل والعشائر في الأرض:
١ . ] المقياس الأول:"
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿„ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ”﴾.
هذا أولاً؛ وثانيا نقرأ : ﴿„ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبًا ”﴾.
ثم يأتي المقياس المغاير لما سبق؛ فـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : ﴿„ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ”﴾؛ ويتضح هذا المقياس بقوله ﴿„ إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي ، فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”﴾ فــ ﴿„خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ” ﴾ :" هُوَ مَا يَخْلُفُ بَعْدَ الطَّعَامِ فِي الْفَمِ مِنْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ لِخَلَاءِ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ".
وهذا مقياس إلهي سماوي علوي وليس بشري!
٢ . ] المقياس الثاني :
﴿„ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” ﴾
٣ .] المقياس الثالث:" { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } فَـــــقَالَ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الصَّائِمِ :﴿„يَدَعُ شَهْوَتَهُ”﴾ ﴿„وَأَكْلَهُ”﴾ ﴿„وَشُرْبَهُ”﴾ ﴿„مِنْ أَجْلِي”﴾ سبحانه وتعالى
٤ .] المقياس الرابع : {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} فصار الإمتناع عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار وإن طالت خير لنا
٥ .] المقياس الخامس : {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } ومع هذا الإمتناع إلا أنه سبحانه يريد لنا اليسر ويكمل سبحانه المعنى :
٦ .] المقياس السادس :" {وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
٧ . ] المقياس السابع؛ واقسمه إلى مشاهدفـ :" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " 《الصِّيَامُ》
﴿„١”﴾ ﴿„جُنَّةٌ”﴾ أي ستر و وقاية .
ومن هنا تبدء المدرسة المحمدية والأكاديمية الرسولية والتربية النبوية خلال شهر في العام لننسجم مع بقية شهور العام فَــ الصائم
﴿„٢”﴾﴿„لَا يَجْهَلْ”﴾ وَالْجَهْلُ قَرِيبٌ مِنَ الرَّفَثِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَخِلَافُ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَ
﴿„٣”﴾ ﴿„لَا يَرْفُثْ”﴾ الرَّفَثُ هُوَ السُّخْفُ وَفَاحِشُ الْكَلَامِ، فَإِنْ امْرُؤٌ
﴿„٤”﴾ ﴿„ قَاتَلَهُ”﴾ أَوْ
﴿„٥” ﴾ ﴿„شَاتَمَهُ” ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿„٦”﴾. ﴿„مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ ” ﴾ قَوْلَ الزُّورِ : وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكَذِبُ
﴿„٧” ﴾ ﴿„وَالْعَمَلَ بِهِ” ﴾ ﴿„فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” ﴾
وهناك زيادة :" وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ : إذا صام
﴿„٨” ﴾ أَحَدُكُمْ ﴿„يَوْمًا” ﴾ بمعنى ليس فقط في شهر رمضان ولكن السُنَّة المحمدية العطرة على صاحبها أفضل السلام وأتم الصلاة ذكرت :"يوما"... ما في العام
وعليه فــ:" اعْلَمْ أَنَّه نَهْيَ الصَّائِمِ عَنِ:
﴿„١”﴾ " الرَّفَثِ " وَ
﴿„٢”﴾ " الْجَهْلِ " وَ
﴿„٣”﴾ " الْمُخَاصَمَةِ " وَ
﴿„٤”﴾ " الْمُشَاتَمَةِ "
ثم أوجد الحل :
فَلْيَقُلْ إنِّي ﴿„صَائِمٌ”﴾ إنِّي صَائِمٌ”﴾.
ولكي تكتمل الهداية النبوية أعرضُ ثلاثةَ نماذج:
١ .] النموذج الأول :
تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ والتقرير من سنته؛ بمعنى أنه -عليه السلام- رأي شيئا أو فعلاً أو سمع قولا وسكت عنه فاقره أي وافق عليه مثل : عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِاللَّهِ يَقُولُ: " ﴿„جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
﴿„مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ”﴾ ؛ ﴿„ثَائِرَ الرَّأْسِ”﴾ ؛ ﴿„يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ”﴾ ؛ ﴿„حَتَّى دَنَا”﴾ ؛ فَإِذَا هُوَ ﴿„يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ”﴾ ؛ فَــقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿„خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ”﴾ ؛، فَــقَالَ: "„هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟” ؛قَالَ: ﴿„لَا،إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”﴾، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَ﴿„صِيَامُ رَمَضَانَ”﴾ ؛ قَالَ: ﴿„هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟”﴾ ؛ قَالَ: ﴿„لَا ؛ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”﴾ ؛ قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ﴿„الزَّكَاةَ”﴾ ؛ قَالَ:„هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟” ؛ قَالَ: ﴿„لَا ؛ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ”﴾ ؛ قَالَ: فَــ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَ „اللَّهِ؛ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا” ؛ „وَلَا أَنْقُصُ” ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿„أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ”﴾.
فالرجل الذي جاء -هو : ضمام بن ثعلبة من بني سعد بن بكر- اكتفى بالقيام بالفرض؛ دون القيام بالسنن والمستحبات والنوافل والمندوبات؛ فاقره الرسول عليه السلام على ذلك؛ والحديث متفق عليه؛ وهنا تتجلى عظمة الإسلام من الناحية الإنسانية البشرية الآدمية، ولعلها هي المرحلة الأولى من مراحل تطبيق أركان الإسلام.
٢ .] النموذج الثاني : رفض نمط بعينه من الحياة يخالف الإسلام :"
عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : " مَنْ هَذِهِ ؟ " قُلْتُ : فُلانَةُ لا تَنَامُ اللَّيْلَ(!) ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا » ، وَ « كَانَ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ».
والمرأة المذكورة في الحديث هي: الْحَوْلَاءُ بَنَتُ تُوَيْتٍ ابْنِ حَبِيبٍ ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى مِنْ رَهْطِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
و( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ) أَيْ : تَسْهَرُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ وَنَحْوِهَا.
جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ «اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ». المثال الأول؛
أما الثاني:
مَا رَوَى أَنَسٌ ، قَالَ أَحَدُهُمْ :" أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا "، وَقَالَ آخَرُ : " أَصُومُ النَّهَارَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ »، أَوْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ».
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ « لَقَدْ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ [ابْنُ مَظْعُونٍ] التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ».
قَالَ الْعُلَمَاءُ : التَّبَتُّلُ هُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وَتَرْكُ النِّكَاحِ انْقِطَاعًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ ، وَأَصْلُ التَّبَتُّلِ الْقَطْعُ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: التَّبَتُّلُ هُوَ تَرْكُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَالِانْقِطَاعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ .
أما ثالثا:
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْضُهُمْ :" لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ "، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" لَا آكُلُ اللَّحْمَ "، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :" لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ :" أَصُومُ فَلَا أُفْطِرُ ". فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « يَا عَبْدَاللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟». قُلْتُ: " بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ". قَالَ: « فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
٣ . ] :" النموذج الثالث السُنَّة النبوية [السنن الرواتب(المؤكدة)؛ النوافل؛ المستحبات ؛ المندوبات] :
السنة المحمدية:
٣ . 1 . ] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : « كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ » . قَالَتْ : « وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ شَهْرًا كَامِلا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلا رَمَضَانَ».
٣ . 2 . ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ [خادم الرسول؛ وهي درجة عالية]، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : [جاءت ألفاظ حديثه مبينة حاله عليه السلام]« كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَرَى أَنْ لا يُرِيدَ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ ، وَيُفْطِرُ مِنْهُ حَتَّى نَرَى أَنْ لا يُرِيدَ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا» . [ولكنه أي سيدنا أنس بن مالك ؛ خادم النبي أضاف مسألة آخرى؛ وهي صلاة الليل] « وَكُنْتَ لا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا ، وَلا نَائِمًا إِلا رَأَيْتَهُ نَائِمًا ».
٣ . 3 . ] وحديث ابْنِ عَبَّاسٍ ، قريب من حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر وأنس بن مالك.
وهذا إجمالا من حيث بقية العام
٣ . 4 . ] أما حديث أم سلمة فهي تبين مسألة آخرى فـ :" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : « مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ » . وهنا تأتي إضافة شهر شعبان وهو يقع قبل رمضان.
٣ . 5 . ] أما حديث أم المؤمنين عائشة فهي تبين ما ذهبت إليه أم سلمة فـ :" عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : « لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصُومُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ لِلَّهِ فِي شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ » . وهذا من حيث شهر شعبان وما يليه من رمضان
٣ . 6. ] « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ».
أما من حيث الأيام :
٣ . 7. ] عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ فَقَالَ « إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ صُمْ رَمَضَانَ؛ وَالَّذِي يَلِيهِ؛ وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ وَخَمِيسٍ؛ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ وَأَفْطَرْتَ ».
قَوْلُهُ : ( صُمْ رَمَضَانَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ )قِيلَ أَرَادَ السِّتَّ مِنْ شَوَّالٍ .
٣ . 8 . ] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود، قَالَ : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ». يُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ بِحَسْبِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَائِشَةُ اطَّلَعَتْ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِي الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ تَارَةً كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَأُخْرَى مِنْ وَسَطِهِ وَأُخْرَى مِنْ آخِرِهِ أَوْ يُخَالِفُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بَيْنَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ لِيَحْصُلَ لَهُ بَرَكَةُ الْأَيَّامِ وَلِلْأَيَّامِ جَمِيعًا بَرَكَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ.
٣ . 9. ] عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاذَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ :" أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ؟ ". قَالَتْ : " نَعَمْ " . قُلْتُ : "مِنْ أَيِّهِ كَانَ يَصُومُ ؟ ". قَالَتْ : " كَانَ لا يُبَالِي مِنْ أَيِّهِ صَامَ ".
٣ . 10 . ] وَوَرَدَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ
٣ . 11. ] عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ :« كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالأَحَدَ وَالاثْنَيْنَ ، وَمِنَ الشَّهْرِ الآخَرِ الثُّلاثَاءَ وَالأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ » .
٣ . 12 . ] عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ".
وأبو هريرة يروى لنا مغزى صوم النبي لهذين اليومين :
٣ . 12 . 1 . ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ».
٣ . 13 .] عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ هُوَ الْفَرِيضَةُ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ "
٣ . 13 . 1. ] جَاءَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً ، وَ
٣ . 13. . 2. ] صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ .
قِيلَ ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِمُوسَى ، وَعَرَفَةُ مَنْسُوبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . .
حال الرسول:
عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَخُصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا ؟ . قَالَتْ : " كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُطِيقُ ".
عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ، أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتَا : " مَا دِيمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّ .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ ، وَمَنِ اسْتَنَّ بِي فَهُوَ مِنِّي ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَتْ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، زَوْجِي خَيْرُ النَّاسِ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ ". فَــ قَالَ عُمَرُ: " لَقَدْ أَحْسَنْتِ الثَّنَاءَ عَلَى زَوْجِكِ " . فَــقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ: " لَقَدِ اشْتَكَتْ فَأَعْرَضَتِ [من باب المعاريض؛ أي تقول شيئا وتقصد خلافه] الشَّكِيَّةَ ". فَــقَالَ عُمَرُ: "اخْرُجْ مِنْ مَقَالَتِكَ". فَقَالَ: "أَرَى أَنْ يُنْزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّجُلِ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ." وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِكَعْبٍ: فَإِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاقْضِ بَيْنَهُمَا. فَــقَالَ:" يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَلَهَا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يُفْطِرُ وَيُقِيمُ عِنْدَهَا، وَلَهَا مَنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَيْلَةٌ يَبِيتُ عِنْدَهَا". فَــ أَمَرَ عُمَرُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرمادي
11 شوال 1440 هــ ~ 14 يونيو 2019 م

مسألة تحديد ليلة القدر!!؟

الخالق الرازق صاحب الآمر والنهي -تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- منذ بداية التشريع ووضع المنهاج نبه في الذكر الحكيم وذكر في محكم التنزيل على قضية عبادته وحده بكيفية هو -سبحانه وتعالى -ارتضاه وقبلها؛ وبطريقة بعث -سبحانه- بها أمين السماء جبريل وأنزلها على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله -عليهما السلام- فبلغها لنا، فيقول مخاطبا الناس جميعاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}؛ ثم ينبه -سبحانه في نفس الآية- على الغاية من العبادة فنطق القرآن الكريم يقول {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:21]
وهذه -التقوى- ليست علة في تشريع العبادات وليس علة في بعض التكاليف الشرعية؛ بل هي ثمرة عبادة ومحصلة طاعة؛ إذ أن العبادات والمطعومات والملبوسات والمشروبات لم تعلل!؛ فمن نام ساعات الليل فــ - عقلا دون شرعا - يصلي الفجر حاضرا أكثر من ركعتين، فقد اخذ قسطا معقولا من الراحة؛ وبعد عناء نهار طويل من عمل وكد وتعب يكتفي بصلاة ركعتين؛ وهذا لم يحدث ولم يتم، إذا الصلوات -كعبادة- وقفت على الشرع لذا فهي توقيفية؛ وكذلك شرب الخمر؛ فكثيرها يسكر وقليلها حُرم فصار تحريمها لعينها وليس للإسكار؛ والخنزير لم يحرم لعلة ارتفاع نسبة الدهن والشحم في لحمه؛ ولباس المرأة ما شرع -فقط- خشية الفتنة. وهكذا، فهي أحكام تعبدية تنظيمية شرعية منهاجية لمجتمع بعينه بنيت هذه الأحكام جميعها على أساس متين هو :" أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له فلا مشير ولا معين له". ثم يُحضر خالقنا -حين يخاطبنا كبشر- مثالا لقضية عبادته وهي مسألة: "الصيام" مخاطباً -سبحانه- مَن أمن به رباً واحدا آمرا في أن يكون الصيام في شهر رمضان، شهر واحد في العام الهجري؛ وليس الميلادي؛ لذا أجد شيئا في نفسي حين أقرأ ما يكتبه البعض :"رمضان 2019" بدلا من رمضان 1440؛ وإن لم يغلب على ظني التحريم.
هذا هو القسم الأول من الفرض والمكتوب؛ ثم جاءت السنة النبوية المطهرة - وهي القسم الثاني؛ من حيث التشريع والمنهاج والطريقة - لـمَن أمن برسوله ونبيه مبلغا وهاديا - صلى الله عليه وآله وسلم- في مسألة سُنن الصيام ومستحباته ونوافله ومندوباته إتماما لطاعته -سبحانه- وتكميلا لحسن عبادته، فتكتمل دائرة التشريع : ابتداءً نص قرآني كريم يجاوره سنة محمدية عطرة وحديث قدسي شريف، فيخبرنا صاحب السنة العطرة عن صيام تطوع على مدار الإسبوع أو الشهر أو السنة أو المواسم؛ بما سنَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - من نوافل الصيام ومستحباته ومندوباته.
نعود للنص القرآني الكريم مُكرماً لهم فنستمع إليه -سبحانه- وهو يقول مخاطبا لهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} وهو خطاب لنا؛ إذ أنه خطاب تشريف وتكريم وتبجيل وقُرب منه ومن رضاه ورضوانه فيرفعهم - ونحن معهم - إلى مقام عبوديته وحده ونسمو - وهم معنا - إلى مقام العزة في طاعته بعد أمنا به ربا مالكا رازقا، ثم يخبرنا بفرضية الصيام في شهر رمضان بقوله تعالى {كُتِبَ} ويخبر -سبحانه- أنه خصهم عن بقية الأمم والشعوب فيقول {عَلَيْكُمُ} ثم يأتي القرآن العظيم بنوع الفرضية والأمر فينطق ويقول {الصِّيَامُ} ويخفف عنهم ويؤنسهم بأن هذا النوع من العبودية له وحده؛ ونحن لسنا بدعا من الناس بل {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }، ثم يحدد -سبحانه وتعالى- في بداية آيات الصيام في محكم الكتاب غاية العبادة سواء مفردة أو متعددة بقوله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:183]، بيد أن القضية كما بُدأت بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} ينهي -سبحانه- نوعَ عبادةٍ ؛ وهي :"الصيام" بخطاب الناس كافة وعامة مرة ثانية حين أنهى آيات الصيام في سورة البقرة بقوله تعالى {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ} أي علامات وجوده العلي: {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [البقرة:187]. فجاءت هنا التقوى لعموم الناس؛ إذاً هناك تقوى لمن آمن به ربا وبرسوله هاديا مرشداً، وهناك تقوى للناس كافة لما يرونه من فوائد الصيام ونوافعه ، ولي أن أقول أن الأعجاز العلمي في آيات الصيام - كفرع من فروع التفسير - وما أخبرنا به النبي عليه السلام لدليل صدق وبيان حق لدقة قوله تعالى :"وإن تصوموا خير لكم"؛ "إن كنتم تعلمون" والنبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى الصفي المحتبى في حديث رواه لنا طلحة بن عبيدالله -الصحابي الجليل؛ رضوان الله تعالى عليه- عن ذلك الرجل النجدي ثائر الشعر وهو يقول كلمات لم يفهمها الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - و هُوَ يَسْأَلُ الرسولَ الكريم عَنِ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وهناك رواية لتوضيح المسألة وهي " حَدِيثُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ : الشَّهَادَةَ، وَالصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَصَوْمَ رَمَضَانَ، وَالْحَجَّ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ : " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟، قَالَ " لَا ، " إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ". الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ فِي الْأَعْرَابِيِّ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ ذِكْرُ الْحَجِّ. وَمن حيث التخريج فَـ قَدْ رَوَى حَدِيثَ ضِمَامٍ هَذَا : عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَحْسَنُهَا سِيَاقَةً وَأَتَمُّهَا، وَنَحْوُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وهنا أوضح مسألة تحقيق وتدقيق وتوثيق : إذ اخْتَلَفَ فِي وَقْتِ قُدُومِهِ!!؟، فَقِيلَ: قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَنَةِ خَمْسٍ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ : سَنَةِ وَفْدِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قُدُومَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَامَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ. وَقَالَ الواقدي : قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ عَامَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ انْصِرَافِ الْأَحْزَابِ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ مِنْ وَفْدِ الْعَرَبِ، وَيُقَالُ : أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ وَافِدًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالُ بْنُ الْحَرْثِ الْمُزَنِيُّ مِنْ وَفْدِ مُزَيْنَةَ. الرواية :" وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ أَخَا بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ لَمَّا أَسْلَمَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ، فَــعَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِنَّ، ثُمَّ الزَّكَاةَ، ثُمَّ صِيَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ حَجَّ الْبَيْتِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأَفْعَلُ مَا أَمَرَتْنِي بِهِ وَلَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ، ثُمَّ وَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنْ يَصْدُقْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ. ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ : أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ؟؛ قَالُوا: هَذَا الْأَمْغَرُ الْمُرْتَفِقُ، قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشْتَدٌّ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، وَرَبِّ مَنْ بَعْدَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟؛ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ : فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؟؛ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهُ عَلَى فُقَرَائِنَا ؟؛ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ : وَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ؟؛ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ : وَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟؛ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ : فَإِنِّي آمَنْتُ وَصَدَّقْتُ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ .
وغريب الحديث: وَالْأَمْغَرُ الْمُرْتَفِقُ، يُرِيدُ الْأَبْيَضَ الْمُتَّكِئَ، وَالْأَمْغَرُ : هُوَ الَّذِي يَشُوبُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ، وَأَصْلُ الْأَمْغَرِ : الْأَبْيَضُ الْوَجْهِ وَالثَّوْبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَحْمَرُ كِنَايَةً عَنِ الْأَبْيَضِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ يُرِيدُ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ.
التخريج: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِأَكْمَلِ سِيَاقِهِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا . ".
وهناك رواية :" عَنْ أَنَسٍ: قَالَ كُنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَــجَاءَهُ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : صَدَقَ، فَقَالَ : مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ؟؛ قَالَ : اللَّهُ، قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ؟؛ قَالَ : اللَّهُ، قَالَ : فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ ؟؛ قَالَ : اللَّهُ، قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا، قَالَ : صَدَقَ، قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا، قَالَ : صَدَقَ، قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟؛ قَالَ : صَدَقَ، قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ".
وآخرى :" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَـــقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا غُلَامَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ (!!!!.. سبحان الله تعالى في صبره -عليه السلام)، فَــقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْكَ، فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِكَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَنَا رَسُولُ قَوْمِي إِلَيْكَ وَوَافِدُهُمْ، وَأَنَا سَائِلُكَ فَمُشْتَدَّةٌ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ، وَنَاشِدُكَ فَمُشْتَدَّةٌ مُنَاشَدَتِي إِيَّاكَ قَالَ : قُلْ يَا أَخَا بَنِي سَعْدٍ، قَالَ : مَنْ خَلَقَكَ وَهُوَ خَالِقُ مَنْ قَبْلَكَ وَخَالِقُ مَنْ بَعْدَكَ ؟؛ قَالَ : اللَّهُ، قَالَ : فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَرْسَلَكَ ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ وَأَجْرَى بَيْنَهُنَّ الرِّزْقَ ؟؛ قَالَ : اللَّهُ، قَالَ : فَأَنْشُدُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَرْسَلَكَ ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : وَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ، وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ لِمَوَاقِيتِهَا، فَأَنْشُدُكَ بِذَلِكَ أَهُوَ أَمَرَكَ بِهِ ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ، وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِنَا فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِنَا فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ ؟؛ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ، وَآتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَصُومَ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ - شَهْرَ رَمَضَانَ - فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا الْخَامِسَةُ - يَعْنِي الْحَجَّ - فَلَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهَا ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَأَعْمَلَنَّ بِهَا ، وَلِآمُرَنَّ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَـــ ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ صَدَقَ لِيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ .
قَالَ أَبُو عُمَرَ؛ ابن عبدالبر:" وَهِيَ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ حِسَانٌ صَحِيحَةٌ ".
وعليه : الحديث عن الفرض يسع الجميع ويلزم به الجميع؛ وليس فيه تضيق أو توسعة على أحد إلا اصحاب الأعذار -فقط-، وهم -أي أصحاب الأعذار نبحثها في موضع آخر- أما مسألة السنن والمستحبات والنوافل فهي تكاد تكون مسألة تخص أهل الهمم العالية ولا يتساوى فيها الجميع؛ كمسألة صلاة التراويح أو مسألة قيام الليل ثم نخص مسألة قيام ليلة في العام لم تحدد بل ابهمت لحكمة يعلمها الله عز وجل، فيجب بحثها من باب الحث على الطاعات وعرضها من باب التيسير على الناس والتذكير بأنها من القرب لرضوان الله تعالى؛ ثم يترك الأمر لكل منا وفق قدراته ووفق امكانياته؛ وفي المقابل يجب التنبيه على أن عدد المسلسلات الفضائية تعدى 33 مسلسلا بمعنى لو كل مسلسل استغرق ساعة واحدة لرؤيته لاحتاج المرء منهم لست ساعات إضافية لليوم الواحد للفرجة على جميعهم؛ ولعل الواقع السئ الحالي جعل البعض يتشدد والآخر يتراخى، والمسألة في نظري هي مسألة التربية المحمدية في المدرسة النبوية وفق آيات الرحمن العلوية وعلى طريقة السنة المرضية، انظر لمن يذهب إلى عمرة في رمضان رجاء الثواب والمغفرة؛ ثم انظر لمن يقضي ليله بين مقهى وآخر بين مطعومات وحلويات أو بين مسلسل وآخر، وأعجب لمن يجلس أمام جهاز التلفاز متفرجا على صلوات التراويح وهي تبث من مكة المكرمة بأصوات ندية بهية من السادة مشايخنا وفي يده اليمنى كوب من الشاي وفي الآخرى قطعة قطايف.
يَتناقَلُ النَّاسُ -اليوم- عبْرَ منصاتِ التواصُل الاجتماعيِّ والمحمول رَسائلَ مُفادُها أنَّ ليلةَ 27 من رمضانَ هي ليلةُ القَدْرِ...
وحقيقة الأمر أن المسألة بحثت منذ القديم وليست وليدة الساعة . فقد روي:" ( عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : { مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، أَوْ قَالَ : تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ } . [رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ) . ".
:" وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ : لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ } [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد] ) . ".
:" وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ وَقِيلَ لَهُ : إنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : { مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، فَقَالَ أُبَيٌّ : وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي وَوَاللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا ، هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا } . [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ] ".
:" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الصَّهْبَاءِ قُلْتُ : أَنَا ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ } [وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَنَاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ] ".
وقرآت فقد :" رَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " دَعَا عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَوْ أَظُنُّ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ ؟ فَقُلْت : سَابِعَةٌ تَمْضِي أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : خَلَقَ اللَّهُ سَبَعَ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَالدَّهْرُ يَدُورُ فِي سَبْعٍ ، وَالْإِنْسَانُ خُلِقَ مِنْ سَبْعٍ وَيَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعٍ ، وَالطَّوَافُ وَالْجِمَارُ وَأَشْيَاءُ ذَكَرَهَا ، فَقَالَ عُمَرُ :" لَقَدْ فَطِنْتَ لِأَمْرٍ مَا فَطِنَّا لَهُ " . وَقَدْ [أَخْرَجَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْحَاكِمُ ]، وَإِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ ذُكِرَ مِنْهَا فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ".
وينتشر مقطع فيديو عن الشيخ محمد متولي الشعراوي يروى ما حدث معه إثناء تواجده في الملكية السعودية زمن كان مدرساً للشريعة هناك مع أحد السادة المشايخ وهو إسحاق عزوز ويَحرِصُ البعض على إقامةِ الدَّلائلِ والبراهينِ على ذلك. فقد أرسل لي أحد السادة رسالة مفادها أن عدد كلمات سورة القدر (30) كلمة وبعملية حسابية بين أن الرقم (27) هو ما يوافق ليلة القدر .
ويُلاقي هذا القولَ فَرحةٌ عارِمةٌ عند كثيرٍ من الناس؛ فما أهوَنَ عليهم أنْ يَحصُروا هِمَّتَهم وشِرَّتَهم في ليلةٍ واحدةٍ في العُمرِ الرَّمضانيِّ! ويَخلُدون إلى الرَّاحةِ والدَّعَة والعادةِ مُغترِّين بليلةِ 27 أو ليلةِ 29 (ليلة الخَتْم).
تبيان المسألة :
وردتْ أقوالٌ كثيرةٌ لأهْلِ العِلْمِ في تَحديدِ ليلةِ القَدْر:
1 . ] أوصَلَها الحافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ العراقيُّ إلى خَمسةٍ وعِشْرينَ قولًا[(1)].
2 . ] وأوصَلَها الإمامُ ابنُ حَجَرٍ إلى سِتَّةٍ وأربعينَ قولًا[(2)].
3 . ] وأوصَلَها الإمامُ السُّيوطيُّ إلى خمسين قولًا[(3)].
وأقربُ الأقوالِ في ذلك:
4 . ] أنَّها تَنتقِلُ في العَشرِ الأواخِرِ من رَمضانَ، وفيما يَلي كلامُ بَعضِ المحقِّقينَ عن ذلك:
4. 1. ] قال النَّوويُّ: "وهذا هو الظَّاهِرُ المُختارُ؛ لتَعارُضِ الأحاديثِ الصَّحيحة في ذلك، ولا طَرِيقَ إلى الجَمْعِ بين الأحاديث إلَّا بانتقالِها".[(4)].
4 . 2 . ]وقال ابنُ تيميَّةَ: "وبعضُهم يُعيِّنُ لها ليلةً من العشْرِ الأواخرِ. والصَّحيحُ: أنها في العَشْرِ الأواخرِ تَنتقِلُ".[(5)]
4 . 3. ] وقال العِراقيُّ: "وذهَبَ جَماعةٌ من العُلماءِ إلى أنَّها تَنتقِلُ؛ فتكُونُ سَنةً في ليلةٍ، وسَنةً في ليلةٍ أُخْرى، وهكذا. ورواهُ ابنُ أبي شَيبَةَ في مُصنَّفِه عن أبي قِلابةَ، وهوَ قَولُ مَالكٍ، وسُفيانَ الثَّوريِّ، وأحمدَ بنِ حَنْبلٍ، وإسحاقَ بنِ رَاهويْهِ، وأبي ثَورٍ، وغيرِهم، وعزَاهُ ابنُ عبدِالبَرِّ للشَّافعيِّ، ولا نَعرِفُه عنه، ولكنْ قال به مِن أصحابِه المُزَنيُّ وابنُ خُزيمةَ، وهو المُختارُ عندَ النَّوويِّ وغيرِه، واسْتحسَنَهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ للجَمْع بين الأحاديثِ الواردةِ في ذلك؛ فإنَّها اختلَفَت اختِلافًا لا يُمكِن معه الجَمْعُ بينها إلَّا بذلك"[(6)].
4 . 4 . ] وقال ابنُ حَجَرٍ: "وأرجَحُها كلُّها: أنَّها في وِتْرٍ من العَشرِ الأخير، وأنَّها تَنتقِلُ كما يُفْهَمُ من أحاديثِ هذا الباب".[(7)]
4 . 5 . ] وقال ابنُ بازٍ: "وهذا هو الصَّوابُ؛ أنَّها تَنتقِلُ في العشْرِ".[(8)]
4 . 6 . ] وهو ما رجَّحَه ابنُ عُثيمينَ. [(9)]. [رحِمَ اللهُ سَادَتنا علمائنا].
تحديد ليلتها :
تبايَنَتْ في تَحديدِها الأحاديثُ الصحيحةُ كثيرًا عن المُبلِّغِ عن اللهِ محمَّدِ بنِ عبدِاللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فمنها:
- حديثٌ أنَّها في العَشرِ الأواخِر.[الغوابر]
- وحديثٌ أنَّها في التِّسع الأواخِر.
- وحديثٌ أنَّها في السَّبع الأواخِر.[الغوابر]
- وحديثٌ أنها في الوِتْرِ من العَشْرِ الأواخِر.
- وحديثٌ أنَّها في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى.
- وحديثٌ أنَّها في تِسعٍ يَمضِينَ، أو في سَبْعٍ يَبقَينَ.
- وحديثٌ أنَّها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ.
- وحديثٌ أنَّها ليلةُ إحدى وعِشرين.
- وحديثٌ أنها لَيلةُ ثِنْتين وعِشرين.
- وحديثٌ أنَّها ليلةُ ثلاثٍ وعِشرين.
- وحديثٌ أنَّها ليلةُ أربعٍ وعِشرين.
- وحديثٌ أنها ليلة سَبع وعِشرين.
- وحديثٌ أنها آخِرُ ليلةٍ من رَمضانَ.
وهناك أحاديثُ مُقارِبةٌ ومُشابِهةٌ.
كلُّ هذه الرِّواياتِ ثابِتةٌ عنه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا ناسِخَ فيها ولا مَنسوخَ؛ فبأيِّها نأْخُذُ؟؟
إنَّ طَريقَ الجَمْعِ بين هذه الأحاديث يَقْتضي العمَلَ بجميعِها، وإعمالُ الكلامِ أولى مِن إهْمالِه، ولا مَصيرَ إلى ذلك إلَّا بالقولِ بتَنقُّلِها مِن سَنةٍ إلى أُخرى؛ فكان أعدَلُ الأقوالِ وأعقَلُها وأقرَبُها: أنَّ ليلةَ القَدْر مُتنقِّلَةٌ، لكنَّها لا تَبرَحُ العَشْرَ الأواخرَ من رمضانَ.
وقد نُقِلَ إجماعُ الصَّحابةِ على هذا القَدْرِ [وهو كَونُها في العَشرِ الأواخِرِ من رَمضانَ [(25)]]؛ فقد روَى عبْدُالرَّزَّاقِ في مُصنَّفِه عن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: «دعا عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه أصحابَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسأَلَهم عن ليلةِ القَدْرِ؟ فأجْمَعوا أنَّها في العشْرِ الأواخرِ...» [(26)].
ما سبَبُ رَفْعِ تَعيينِ لَيلةِ القدْرِ؟
قال عُبادةُ بنُ الصامِتِ رضي الله عنه: خرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخبِرَنا بليلةِ القَدْرِ، فتَلاحى(*)رجُلانِ من المُسلمينَ فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خرَجْتُ لِأُخْبِرَكم بليلةِ القَدْرِ، فتلاحى فُلانٌ وفلانٌ فَرُفِعَتْ، وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتَمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعة والخامسةِ». [(27)]رواه البُخارِيُّ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) التَّلاحي : المُنازَعةُ والمُشاتَمَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا السبب الأول ... أما الثاني:"
وورَدَ سببٌ آخَرُ في رَفْعِ تَعيينِها؛ قال أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ، ثمَّ أيقَظَني بعضُ أهْلي، فنُسِّيتُها، فالْتَمِسوها في العشْرِ الغَوابِرِ». [(28)]رواه مُسلِمٌ. والعشْرُ الغوابِرُ، أي: العشْرُ البواقي.
ويُمكِنُ الجَمْعُ بين الحَديثَينِ بأنْ يُقالَ: إنَّ المعنى في سبَبِ رَفْعِها: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَعلَمُها، فلمَّا أيقَظَهُ بعْضُ أهْلِه، فسَمِعَ تَلاحِيَ الرَّجُلينِ، فاشتغَلَ بالحَجْزِ بينهما، فنَسِيَها .
فيا لَلَّهِ كُمْ حُرِمَتْ هذه الأُمَّةُ من الأجْرِ والنَّصرِ والخيرِ بسبَبِ الشَّحناءِ والبَغْضاءِ، والنِّزاعِ والشِّقاق! [(29)]
أرأيتمُ الحِكْمةَ من إخفاءِ ليلةِ القدْرِ؟
أُخْفِيَت ليلةُ القَدْر في ليالي رَمضانَ، وفي العَشْرِ الأواخرِ بالأخصِّ؛ لِتُقامَ لَيَالِيه كلُّها.
وظَلَّ المُصطفى -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى توفَّاهُ اللهِ يَعتكِفُ كلَّ العشْرِ الأواخرِ؛ طَلبًا لها .
ورُفِعَ العِلْمُ بها عنده -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وأُخْفِيَ عنه عِلْمُها بسبَبِ تلاحي رَجُلينِ .
فهل مِن الخيرِ لنا أنْ نُعَيِّنَها الآن؟ !
هل مِن الخيرِ أنْ يُصابَ الناسُ بغُرورِ الطَّاعةِ والاغترارِ بقِيامِ ليلةٍ واحدةٍ؛ عِوَضًا عن التَّحفُّزِ في اقتناصِها كلَّ ليالي العشْرِ؟ !
أليس من الخَيرِ أنْ يُوجَّهَ المُسلِمون إلى العَيشِ في احتفاءٍ مُفْعَمٍ بالعُبوديَّةِ للهِ عَزَّ وجَلَّ في العشْرِ الأواخِرِ كلِّها، حتى إذا ما قَصَّرَ أحَدُهم في ليلةٍ ما تَحسَّرَ على التَّفريطِ، وسَعى حَثيثًا إلى التَّدارُكِ؛ لِيَستشعِرَ بَرْدَ اليقينِ.
وما شُغِلَ المُسلِمون بتَعيينِ ما لم يُطْلَبْ منهم تَعيينُه إلَّا بقَدْر ما قَصَّروا فيما هو واضِحٌ مُتعيَّنٌ عليهم.
فيا سُبحانَ اللهِ !! يُخْفِي اللهُ عنهم ليلةَ القَدْر؛ لِيَجتهِدوا وتَزدادَ أُجورُهم، ثمَّ يَطلُبون تَعيينَها في ليلةٍ مُحدَّدةٍ؛ ليُقصِّروا بالاقتِصارِ على قِيامِها!!
أَوَ يَظنُّونَ استواءَ مَن اجتهَدَ في العشْرِ كلِّها بمَن قام ليلةً يَظنُّها ليلةَ القَدْر، ثمَّ يُفرِّطُ في سائرِ العشْرِ؟ !
لا يَستوونَ!!!
رَمضانُ كلُّه، كما قال اللهُ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184].
وهذه العَشْرُ إنما هي ثُلُثُ الأيَّامِ المَعدوداتِ؛ فعجَبًا لمَن يَتطاوَلُها ويَتكاسَلُ فيها ويَستثقِلُها !!
وخلاصةُ الرَّدِّ العِلْميِّ على مَنْ يَكِدُّ ويَجِدُّ، ويَكدَحُ ويَصدَحُ في تَعيينِ ليلةِ القَدْر:
هو الرَّدُّ الشَّرعيُّ النَّبوِيُّ: «تَحَرَّوا ليلةَ القَدْرِ في العشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ». مُتَّفقٌ عليه.
إذا كان الأمْرُ كذلك: فإنَّ العبْدَ المُسدَّدَ لا يَقْصُرُ نشاطَهُ على الأوتارِ من العَشرِ، بل يَجتهِدُ في العَشْرِ كلِّها؛ مُؤتَسِيًا في ذلك برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والسَّلَفِ الصالحِ، وعِبادِ اللهِ الصَّالحينَ .
وما عَهِدنا الصَّالحينَ إلَّا مُشمِّرينَ مُحسِنين؛ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} * {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17- 18].
اللَّهُمَّ وَفِّقْنا لقِيامِ ليلةِ القَدْر إيمانًا واحتسابًا، وارزُقْنا خَيرَها وبرَكَتَها، واشْغَلْنا بما يُرضِيك عنَّا، وجنِّبْنا الفِتَنَ ما ظهَرَ منها وما بطَنَ . وصَلَّىٰ اللهُ على محمَّدٍ وعلىٰ آلِهِ وصَحْبِه وسلَّمَ. [(30)]
ملف من إعداد:
محمد الرمادي
ليلة الخامس والعشرون من رمضان 1440هـ

《 „الذكاء” „السياسي” 》
《 „الدهاء” „الإجتماعي” 》

تمهيد:
* . ] كل إنسان منا يحمل قدراً هائلاً مِن الخلايا الدماغية التي تعينه في حياته اليومية على فهم مجريات الأمور وكيفية التعامل معها بما يجلب له المنفعة ؛ ويبعد عن المضرة ؛ ويحقق مصالحه الدنيوية والآخروية وتساعده تلك الخلايا على النجاح المستمر وأحيانا الباهر في سنوات عمره سواء الدراسية أو العملية وفي كافة النواحي الإجتماعية والاقتصادية أو السياسية كي يتحصل على مكاسب سواء مادية أو معنوية أو يُذكر بحسن السمعة وفضائل الأخلاق ، وهذا الكم الهائل من الخلايا الدماغية يستطيع من خلالها أن يتحصل على ما يتمنى بجد وعمل وسهر ؛ وبها يصل إلى ما يرغب فلكل منا مشروع مستقبل يريد أن يحققه ؛ فيحقق ما يُطلق عليه أحلامه(!)... لحظة إعمال هذه الخلايا الدماغية بما تحمله من كم هائل من معلومات سابقة تعلمها أو تلقاها أو تلقنها لحظة التفاعل مع واقع جديد وربطها به وهي ما تسمى بعملية « التفكير » وهي تتفاوت من إنسان إلى آخر ؛ وقد يكون عند البعض ما يسمى بـ « سرعة البديهة » ... كما تلعب بجوار الموروثات تربيةُ المرأة الأولى في حياة الرضيع وكيفية تلقينه ؛ فالأم في حياة الطفل وكيفية تأديبه ؛ فالأب وكيفية تعليمه ؛ فالأسرة في حياة النشأ وكيفية تواجده بين افرادها ؛ فالبيئة المحيطة به وكيفية التعامل معها...وهذا أولاً ؛ فينشأ صبيــ(ــة) على قدر معقول من ترسخ أفكار ومفاهيم في ذهنه ومقاييس وقيم يقيس بها علاقته مع الآخرين سواء ابناء جلدته أو الغريب من خلال سلوك...ثم يأتي دور الرجال اصحاب الكريزما أو ما يسمى بـ «المثل الأعلى» أو «القدوة» أو «الأسوة الحسنة» آحدهم أو جلهم الذين يلتف حولهم هذا الصبي وأيضاً النساء ذوات الهمم العالية ثم المناخ العام الذي يعيش فيه إنسان ويتعايش معه سواء مِن رجال التعليم والفكر أو السادة الأئمة رجال الدعوة أو أهل السياسة ورجال الأعمال أو نجوم السينما والمسرح والتلفزيون أو الكرة...إلخ...؛ وليس سراً بل يعلمه الجميع أن منطقة ما بعينها لها اسلوب خاص وطريقة شبة دائمة في تربية النشأ -الإنسان- ؛ وبالتالي يحمل نعتا ما يلازم ذلك الإنسان الذي آتى من تلك المنطقة أو تلك المحافظة أينما سار وإينما قَدِمَ... فيصير هذا الوصف ملازم له أينما حل وأينما ارتحل وسافر...فتسمع من العامة أوصاف خاصة تحولت إلى أمثالٍ في الذاكرة الشعبية الجمعية متداولة عند الجميع...بل صارت حكما قاطعا على هذا الإنسان ؛ وتُسْتَحْضَر عند موقف ما أو جريان حدث ما فيطلق -مثلاً- على شعب الإسكندرانية باللغة العامية الدارجة أنهم «وشوش كالحة...وميّه مالحة(*)»... وكما ترى صارت كأنها سجع ليسهل استخدامها أو يطلق على المنوفي أو الرشيدي أو الصعيدي...وهكذا...واستحضر كلمةً قالها لي د. "محمد الأزرق" إثناء رحلة عمرة إلى الحجاز إذ قالها لي بحضور د. "محمد خميس" - أطالَ اللهُ تعالى عمرَهما ومتعهما وأكرمهما بالصحة والعافية - قال "الأزرق" مفتخرا:" الفاشل فينا بقى رئيس جمهورية؛ إنتم الفالح فيكم طلع آيه!" أو ما يطلق - في الغرب- على سكان ولاية بوجنلاند أو ولاية فورأربرج بجمهورية النمسا...أو وصف الرجل البريطاني بأنه بارد لا يغير على حريمه...وهكذا صار اسلوب التربية ونمطية الحياة وشكل التعامل مع الآخر يغلب على الشخص بحكم التلقي والتعليم والتربية...ولا يقف الأمرعند هذا الحد بل يصل إلى أتباع ديانات بعينها...وهكذا تأصل في ضمير أمة ما مفاهيم بعينها عن الآخر ومقاييس بذاتها عن سواها توارثتها أجيال عن سلفها وصارت كأنها قاعدة تُثبتها التجربة عند المعاملة...
الحاصل أننا جميعاً كبشر لدينا قدر يقترب عند الجميع من نفس الدرجة في أستخدام القوى العاقلة عند الإنسان ؛ ولن أتحدث عن الثلاثة في المائة في أي مجتمع وهم عباقرة الزمان وهم اصحاب مهارات ذهنية أو جسمية أو فنية عالية فائقة...وقد تلعب بجوار التربية وتنمية القدرات الذهنية عند البعض الأحداث أو الظروف أو أخطاء البعض في وصول أحدهم أسرع من الآخر...
مدخل :
* . ] الإنسان بتركيبته الأصلية يصر على الحصول على ما يريد ؛ ويرغب في تملك ما يرغب...فإذا لم يتمكن بالطرق المشروعة اضطر إلى ركوب الصعب ؛ وكما يقولون « يتحالف مع الشيطان » أو يستخدم مبادئ ميكيافِلي في كتابه الشهير « الأمير » أو يعتمد على أن « الغاية تبرر الوسيلة »... ونأتي بمثال يوضح المسألة المبحوثة : فـ نسمع حالات التحرش الجنسي في الميادين والأسواق العامة - سواء في الغرب أو الشرق وحتى الملكية السعودية - لمن يرغبها ولا يتمكن...أو نسمع حالات الإغتصاب لبرعم زهرة برية بريئة ليثبت لنفسه ذكوريته...أو لشابة تسير بمفردها في غابة خضراء تغرد فيها عصافير ليثبت لنفسه قوة عضلاته أو يذهب إلى بيت وضعت أمامه شارة حمراء ليقضي بعض وطره لنفس الإثبات السابق لكنه مدفوع الثمن دون إرتكاب حماقة تجره للمساءلة فالمحاكمة فالسجن مع التشهير فالبعض يذهب إلى اسطنبول سائحاً أو تايلاند للسياحة الجنسية...
* . ] 《 „الذكاء” „السياسي” 》و 《 „الدهاء” „الإجتماعي” 》يمتلكهما أناس... يتمكنون من حسن الخطاب فيملكون أذن السامع واللافت للإنتباه أن البعض منهم لم يتحصل على تعليمٍ عالٍ أو منخفض ؛ ولم أعنِ مبدئيا بالشائع المقصود عند البعض فيجعل هذا الذكاء وتلك الدهاء حصراً على أهل السياسة ورجال بلاط الدولة وأعضاء الحكومة...ورؤساء الدول...لكن بمفهومه العام والشامل...فالتجار الكبار جميعاً مِن يملك منهم تجارةً رائجة وربحا وفيرا جميعهم يمتلكون 《 „الذكاء” „السياسي” 》بمعنى كيفية رعاية شؤون تجاراتهم مع الغير...و 《 „الدهاء” „الإجتماعي” 》أو ما نسميها إصطلاحا بـ «شعرة معاوية» إذا أرخاها الناس شَدّها وإذا أرخاها هو شدوها...
والمثال عندي : آحدهم صاحب محلات « نور الفجر » -مثلاً- لم يكن يحسن القراءة والكتابة...ومن تحت الصفر كعامل في ورشة وصل إلى أعلى مركز في التجارة في مدينته الإسكندرية...فتملك أكبر معرض تجاري وهو كان يملك ما اسميه بالإضافة 《 „الذكاء” „السياسي” 》كان يملك 《 „الذكاء” „الإجتماعي” 》... وآخر جاء بجلبابه من قريته وبعد سنوات صار تاجراً يُسمع به...إذاً نحن أمام عدة مصطلحات تحتاج إلى إعادة درس ومدارسة خاصة لمن يعيش في الغرب من ابناء التجمعات فنرتفع درجة نسميها تجمعات إسلامية أو نتوسط درجة فنطلق عليها تجمعات قومية أو ذات ولاء لجهة حكومية أو مالية وتحمل أجندة خارجية تنفذ عند موضع قدميه...أعني التجمعات القومية أو الوطنية ذات جذور من بلاد الشرق الأدنى أو الأقصى... وكاتب هذه السطورلا يعترض على ما هو بالفعل موجود على خريطة القارة الأوروبية وخاصة دول الإتحاد الأوروبي وبجوار تلك الدول بريطانيا وعمدتها أو الأمريكتين أو نيوزيلندا واستراليا سواء أكان تجمع وطني ما زال يحتفظ بدشداشته فكراً وإن خلعها لباساً أو قومي يتحدث بلغة أهل الغرب أو الولاء لمن يدفع أكثر أو الإنتماء إلى هوية بعينها فليس عندي ادنى أعتراض فالناس في أذواقهم صنوف
* . ] إذاً لدينا الأن ما نسميه بـ《 „الدهاء” „الإجتماعي” 》 أو ما نسميه بـ《 „الذكاء” „السياسي” 》وتقديري الشخصي أن مَن يملك《 „الذكاء” „السياسي” 》يحسن أن يملك بقية أنواع الذكاء والدهاء لكن لا ينبغي أن نغفل «الموهبة» و «القدرات» التي توفرا جهداً كثيرا لمن يريد الوصول !!؟. أما 《 „الدهاء” „الإجتماعي” 》فهذه «موهبة» تجدها عند البعض خاصة من تجدهم في التجمعات الشعبية وينظر إليهم في تيسير الأمور.
* . ] وهنا نقف... لنحدد ما هو المقصود من هذه المقدمة الطويلة وهذا التمهيد !!؟...وإلى أي نقطة إنطلاق أو ارتكاز وصلت التجمعات الإسلامية أو القومية أو العربية بعد مرور ما يقرب من نصف قرن من التواجد فوق الأراضي الأوربية!!؟...وما هي نقطة الوصول والتي منها يمكننا العبور إلى نقطة تليها في مشوار التواجد المؤثر والحي والفاعل داخل القارة الأوربية!!؟....خاصة مَن يحملون جنسية تلك الدول الأوربية خاصة والغربية عموماً!!؟.
الأمر الأول الذي أثار عندي هذا التساؤل هو كيفية تربية الأم العربية ابنها أو ابنتها...ففي قطار الأنفاق جلس الأب أمامي وابنه بجواره ولم يتكلم الصبي بكلمة لولا أن والده نبهه إلى أن يُسلم عليَّ فقد كان مشغولا بمحموله الذكي...وكم تمنيت أن يحمل كإنسان ذكاء المحمول (الهاتف النقال)!! ... مثال آخر: وفي زيارة رمضانية لعائلة كان الولد الصغير طوال فترة الزيارة -من قبل وقت المغرب إلى ما بعد الإفطار إلى صلاة العشاء- والغلام يتعامل مع محموله (الهاتف النقال) ولم يكد ينطق بكلمة وهو لا يحسن القراءة ولا الكتابة فمعنى هذا أنه يلعب فقط بجهازه...
وأما الأمر الثاني الذي استرعى انتباهي فهي:
* . ] الفضيحة المدوية والتي ضربت التحالف الحكومي بجمهورية النمسا في عمود بنيانه وأساسه فأطاحت برئيس حزب يميني نمساوي متطرف وأرغمته على الإستقالة المسببة والمخزية من مركز نائب المستشار النمساوي والذي منذ سنوات عمل على الوصول إليه ... وقدم رسالة اعتذار لزوجته وما سبقها من هزات أرضية متتالية كتعبير « Rattengedicht » أو « Indentitaeren-Affaere » مع مرعاة توقيت هذه الفضيحة بعد سويعات من إستصدار قانون يمنع الحجاب في المدارس!!.
الحالة الأولى (الصبي الأول والصبي الثاني) والحالة الثانية (الفضيحة لحزب يميني متطرف) تحتاجا بالفعل إلى إعادة نظر ؛ وجدولة أعمال وتصرفات!!؟.
وارجو من أصحاب التجمعات الإسلامية أو القومية -التركية بالذات- أو العربية...أرجو منهم عدم الشماتة والفرح والسرور (فقط)... فهذه الحالة تحتاج إلى أكثر من ذلك إذ هي تحتاج إلى دراسة الواقع الحالي الغربي والأمريكي عموما ؛ والنمساوي خصوصاً مع تقدير قدراتنا التي نملكها بالفعل والمواهب السياسية والإجتماعية والخطابية والتحليلية السياسية والفكرية والإجتماعية والإقتصادية والقوة الشرائية لعقارات وشركات ومصانع على الأرض الأوربية وأيضا المناصب والوظائف التي تَحصل عليها ابناء الجيل الأول (طبيب/صيدلي/مهندس...) أو الجيل الثاني أما الثالث مازال يجلس على مقاعد الدراسة...نحن مَن يعيش في الغرب الأوروبي صار عددنا أكثر من 56 مليونا من المسلمين!!.
ينبغي - نحن البشر - أن نعترف بأن «عدالة السماء» تسبق «عدالة القاضي» على الأرض ؛ وأن «المشيئة الإلهية» تعلو فوق «المشيئة البشرية» وأنه هو «القادر فوق عباده(كلهم)» بيد أن الحديث عند المؤمنين عن «مشيئة الإنسان» و «قدرة الإنسان» و «امكانيات الإنسان» يجب أن تسبق الحديث عن «مشيئته» -سبحانه- فالمسائل الغيبية تترك لصاحب الغيب ومالك الأمر والنهي فلا يتم الخلط بين مسألتين «مشيئة الرب» «مشيئة العبد» إذ لا يصح الحديث عن ما سماه البعض«خطأً» بـ «القدرية الغيبية» أي تترك المسائل كما هي تسير وننتظر ماذا سيفعل القدر بنا... أو ماذا سيفعل الآخرين بنا ... كريشة في مهب الريح...فليس للحديث موضع في السياسة خاصةً مع الأحزاب العلمانية أو أحزاب تسمي نفسها بــ العدالة والتنمية أو العدالة والحرية كمسميات حزبية تلحفت بوشاح إسلامي لإرضاء جمهور الناخبين كمن يضع خلفه صورة مؤسس الدولة التركية العلمانية الحديثة الذي اسقط الدولة العثمانية ثم يتغنى رغبا بعودة أمجاد العصر العثمانلي...
الواقع كما قال الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - بأن «السماء لا تمطر ذهبا أو فضة» !.
إذاً علينا بالعمل... والعمل الجاد المدروس المثمر ذات خطوات معلومة... ففارق بين من يجلس تحت ظل شجرة ينتظر سقوط الثمرة...وبين من يفلح ويزرع ويحصد تلك الثمرة..
واتساءل:
ما هي الأعمال ذات وزن منظور على المستوى الداخلي الشعبي ؛ أي بين افراد الشعب النمساوي ذي الأصول المسيحية أو المستوى الفردي أو في الصحافة أو الإعلام قامت به التجمعات الإسلامية...
فضيحة نائب المستشار النمساوي ولا أحد من افراد التجمعات العربية أو القومية أو الإسلامية له دخل بها في ترتيبها (عام: 217) أولا أو في كشفها للعلن ونشرها(!)...
* . ] لم نستطع خلال الثلاثين عاما الماضية وضع حجرا في اساس كيان يرعى شؤون مواطن نمساوي مسلم وفق الدستور والقوانين المعمول بها في الدولة؛ مع مراعاة أحكام الدين الحنيف... لا أقصد (فقط) السماح بفتح مصليات أو محلات كُتب عليها حلال...أو اعطاء شهادة تثبت أن حاملها لا يأكل لحم الخنزير في الجيش النمساوي وشهادة زواج...
إذ ينظر إلى البعض منا على أننا «أقلية» تتغذى على خيرات البلاد دون تقديم شئ نافع أو مفيد للمجتمع ، فعلى أقل تقدير ينظر للبعض منا - وإن كانوا نسبة ضيئلة - على أنهم مَن «يستهلك» الخدمات «الإجتماعية» و«الصحية» ويتحصل على «معاش» مبكر دون أن يكون قد قدم شيئا لهذه الدولة وتسوء الحالة كما نسمع (جميعا) في أوساط أهل البلد وعلى كافة المستويات الفكرية أو العلمية أن المنافع والخدمات التي يحصلها «اللاجئ» لا يحصلها أهل البلد أنفسهم ؛ قرأتُ أن ميزانية الدولة تزيد عن مليار € تصرف على خدمات اللاجئين(!)... وأخيراً ميزانية الخدمات الصحية المقدمة لمن يسكن النمسا شعبا أصيلا ومتجنس ولاجئ أنزلقت إلى السالب...
هذه لقطة أو جانب من الصورة في الإطار العام لدولة صعد فيها التيار السياسي اليميني المتطرف فوصل إلى مقعد نائب مستشار الدولة النمساوية وهو – المستشار ؛ أي: الحاكم الفعلي لجمهورية الألب المطلة على الدانوب الأزرق....
*.] الإنسان يحتاج إلى التخلص من فضلاته ؛ فيختلي بنفسه في موضع ما ليتمكن من أخراجها دون أذى للغير... وقد لوحظ أن زبالة البيوت أو بقايا أشياء في محطات مترو الأنفاق في النمسا تقسم إلى أقسام فهذا وعاء للزجاجات وهذا وعاء للصفيح وآخر للورق وفي الشارع العام مثبت بصفيحة الزبالة للمارة أنبوب لمن يدخن ليلقي بقايا سجائره بها وهكذا...ولوحظ أن ربات البيوت تشطف أكياس الحليب الفارغة وبقية الأوعية الزجاجية قبل إلقائها في الوعاء الخاص بها... هذا المشهد اسميه «ثقافة فردية غربية»... أو «اسلوب غربي في تربية»...وقد حازت آحدى قرى ولاية النمسا السفلى على الجائزة الأولى في إحسان وضع كل نوع من مخلفات البيوت سواء الورقية أو الزجاجية أو صفائح المعلبات أو غيرها في موضعها المخصص لها... »ثقافة جماعية غربية»... ننتقل بحضراتكم مع آحدى فتيات التجمع المِصري الإسلامي (هي حالة؛ وليست قاعدة) تلقت تعليمها الإبتدائي بكامله في مدارس الدولة النمساوية الحكومية فذهبت لتكمل في التعليم الثانوي وإثناء رحلتها الصيفية -مع مدرستها النمساوية- لمسقط رأس أبيها وأمها ألقت بورقة الشيكولاته في عاصمة المعز لدين الله الفاطمي فنهرتها المدرسة النمساوية فردت عليها قائلة «دي بلد وسخة» (وفق الترجمة سواء باللغة العامية أو «قذرة» وفق ترجمة)...وهذه «ثقافة فردية» أم «عائلية» أو «ثقافة خاصة» أم «جماعية»...
وهنا أتوقف مرة ثانية ......
أعيد استخدام ما أطلقته في البداية لغياب «الذكاء السياسي» أو «الذكاء/الدهاء» الإجتماعي أو الوعي السياسي «المستنير» وهذا أدنى ما يمكن أن يتصف به شخص يلعب سياسة وجهل وخطأ أن تصف السياسة بــ النجاسة - كما نُقل عن آحدهم - ولكن من الدقة أن تتحدث عن غباء سياسي عند بعض الساسة أو ضحالة فكر عند آخرين أو سوء فهم أو كما كُتب في حالة الحزب اليميني المتطرف :" سوء استخدام أدوات الحكم وأدوات القوة والسيطرة عنده "...مع التأكيد على أن السياسة رعاية شؤون الناس وفق وجهة نظر معينة في الحياة...
. * . ] في المقابل حين حدثت «النكسة» والبعض سماها «الوكسة»... الإطلاقات التعريفية أو التشبيهية هناك مندوحة في استخدامها...خرج الشعب عن بكرة أبيه للمطالبة بعدم تنحي الزعيم والقائد صاحب الكريزما وله مواقفه وبالتالي له عند البعض ما عليه من أخطاء ومثالب وعند الآخر له ما له من حسنات وايدي بيضاء...فالأنبياء لطخت سمعتهم ومن أرسلهم قيل في جنابه ما سُمع...
. * . ] تربينا - جميعاً - في بلاد العرب على أنه هو الرئيس الأوحد والزعيم الخالد والقائد المفدى ؛ وأعلم أنه في بلاد الغرب ما زالوا - العرب - يحتفلون بذكرى مولد الرئيس الذي أمر بكتابة القرآن كاملاً بدمه في مصحف - عندي منه صورة -... ثم أعدم في عيد الأضحى.
* . ] أظن وهو ضرب من التحدث بالغيب لو أن « Jörg Haider » كان ما زال على قيد الحياة ما وقع في مثل هذه الهفوة...هناك رجال لا يقعون في مثل هذه الهفوات...المحافظة على نصاعة الياقة البيضاء والإحتفاظ بذيل الثوب نظيفاً طاهراً شيمة الكبار.
* . ] « إشكالية التجمعات الإسلامية والقومية والعربية أن بوصلة الباخرة عُطلت منذ سنوات القدوم إلى بلاد الغرب . »
و« التجمعات الإسلامية الحالية ومن يتواجد في المصليات قادرة كمؤسسات على إنتاج قيادات بديلة (!!)» وهذا ما انتظره عن قريب(!!!؟).
الظرف مناسب لتخريج شباب وُلِدَ في الغرب يحمل الثقافة الغربية والتي يفتقدها والده كما يحمل قيم سامية ومقاييس جيدة!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) صاحب هذا المقالة ولد بها وتربى فيها وانهى تعليمه للجامعة بها... ولم اسمعها بنفسي؛ ولكنها نقلت إليَّ عن طريق المعارف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الرمادي
20 مايو 2019م

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ[(1)]
﴿ وَأَن تَصُومُواْ „خَيْرٌ لَّكُمْ” ﴾ ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون ﴾[(2)]
 ولمعنى حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ « صوموا تصحوا » [(3)]

[ ١ . ] أحكام وفضائل الصيام وأسرارَه

الوحي الإلهي بشقيه -القرآن الكريم والسنة النبوية- يحمل بين آياته ونصوصه وأحاديثه إعجازا بلاغيا وإعجازا لُغويا، وإعجازا تشريعيا منهجيا سلوكيا تربويا، وفي السابق كان التفسير بيانيا لغويا ثم جاء دور الإعجاز العلمي -كنوع جديد من التفسير والتأويل- في تفسير بعض آيات الذكر الحكيم وتأويل نصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي الكريم-صلى الله عليه وآله وسلم-. إنَّ أحكام وفضائلَ العبادات المنزلة مِن رافع السموات-تعالى في سماه وتقدست اسماه- بواسطة أمين السماء المَلَك جبريل-عليه السلام- على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين والمبعوث رحمة للعالمين-صلى الله عليه وآله وسلم- وأسرارَها بحورٌ نورانية وميادينٌ إيمانية قد تحار فيه الألبابُ الذكية، والعقول والأفهام الإدراكية؛ ويذهب استيعابها كلَّ مذهب؛ لذا كان لا بدَّ لِمَن أراد ولوجَ باب العلم الشرعي والمعرفة المنهجية والكيفية العملية في الحياة الإسلامية اليومية والطريقة المحمدية الرسولية النبوية القرآنية السنية في ذلك أن يتلمَّسَ ما صحَّت به نصوصُ الشريعة الغرَّاء، وما اعتمده السادة العلماء الأجلاء الراسخون في العلم وكاتب هذه السطور - مع علمه بصِفْر اليدين، ومُزْجاة البِضاعة - رغبتُ في بَذْل الوُسْع في ذلك متشبِّهًا بأهلِ هذا الشأن؛ فمن الله-تعالى- الهداية والتوفيق؛ فبعد التوكل عليه والاستعانة به أقول: إنَّ فضائل الصيام وأسرارَه تكاد - بحمد الله - ألاَّ تنحصر، فمِن ذلك أنَّ:
١ . ١.] الصيام ركنٌ عظيم من أركان هذا الدِّين الحنيف، فلا يستقيمُ بناءُ الإسلام إلاَّ به، ولا يثبت إيمانُ امرئٍ حتى يُقِرَّ بفرضيته. قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضان»[(4)].
١ . ٢.] الصيام في رمضان وقيام ليلة - وبخاصَّة ليلة القدر - إيمانًا واحتسابًا، دالٌّ على صِدْق إيمان فاعلِه، وإخلاصِه في عمله؛ لذا فهو مبشَّر بمغفرةِ عموم سابق ذنبِه. قال رسول الله-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»[(5)]. وقال-عليه الصلاة والسلام-: «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»[(6)]. ويقول الصادق المصدوق-صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَن يَقُم ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه»[(7)].
١ . ٣.] الصيام لا يعدِل أجرَه أجرُ شيءٍ من عَمَلِ ابن آدم، ففيه استكنَّ سرُّ الإخلاص، فبزَّ أجرُه بذلك جميعَ الأعمال؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «كلُّ عمل ابن آدمَ يُضاعف، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعْف؛ قال الله-عزَّ وجلَّ-: إلاَّ الصومَ فإنَّه لي، وأنا أجْزي به، يَدَع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي» [(8)].
١ . ٤.] الصيام وقايةٌ لنفس الصائم من اتِّباع الهوى في الدنيا، ومِن عذاب الله في الآخرة، وحِصْن حَصِين للصائم من مكايدِ الشيطان الرجيم؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ»[(9)].
١ . ٥.] الصيام قاطعٌ مُؤقَّت لشهوةِ النكاح، وسبب للعِفَّة والطهارة؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- موصيًا شباب أُمَّتِه، وأكرِمْ به مِن موصٍ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصَّوْم؛ فإنه له وِجاءٌ»[(10)]، و"الباءة": القدرة على مؤنة النكاح، و "وِجاء"؛ أي: قاطع للشهوة.
١ . ٦.] الصيام مُهذِّب لنفْسِ الصائم، ممسكٌ عليه لسانَه وجوارَحه عن قوْل زُور، أو عمل به، مصبِّرٌ له على أذى الناس؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إذا أصبحَ أحدُكم يومًا صائمًا، فلا يرفثْ ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم»[(11)]. وقال-عليه الصلاة والسلام-:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه»[(12)].
١ . ٧.] الصيام فاقَ سائِرَ العبادات، بتحقُّق فضيلة الصبر فيه؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«الصَّوم نِصفُ الصَّبْر»[(13)].
١ . ٨.] الصيام سبيلٌ لدخول الجَنَّة من باب الريَّان (باب من أبواب الجنة الثمانية)، وهو مُخصَّص للصائمين فقط؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إنَّ في الجَنَّة بابًا يُقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِق، فلم يدخلْ منه أحد»[(14)].
١ . ٩.] خُلوف - أو خُلْفة - فم الصائمِ هي أطيبُ عند الله من ريح المسك؛ قال-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«لَخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عندَ الله من رِيح المِسْك»[(15)].
١ . ١٠.] للصائم فرحتان؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «وللصائمِ فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفِطْره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه»[(16)].
١ . ١١.] الصيام من الأحوال المختصَّة بإجابة الدعاء؛ قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[(17)]. تأمَّل كيف ذكر-سبحانه- إجابةَ الدعاء بعد ذِكْره فريضةَ الصيام؛ وقال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إنَّ للصائم عند فِطْره لَدعوةً ما تُرَدُّ»[(18)].
١ . ١٢.] الصيام يدعو المسلِمَ للاقتداء بمزيد جُود النبيِّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في رمضان؛ «كان النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في رمضانَ، حين يلقاه جبريلُ-عليه السَّلام-»[(19)].
١ . ١٣.] ومِن فضائل الصيام كذلك أنَّه قد فُرِض في أفضل الشُّهور؛ شهر رمضان المبارك، الذي تكاد فضائلُه لا تُحصى، ولعلَّ من المناسب في هذا المقام ذِكْرَ بعضٍ من خصائص هذا الشهر، لتسموَ الرُّوح بتذكُّرِها، وتتجدَّد ذكرى الحبيب بها. رمضان: شهر القرآن، ففيه كان ابتداء إنزاله، وقد أُنزِل جملةً واحدة من اللَّوْح المحفوظ إلى بيت العِزَّة من السماء الدنيا في تلك اللَّيْلة، ثم نزل منجَّمًا (مُفرَّقًا) على قلْب النبيِّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في ثلاث وعشرين سنة مدة النبوة[(20)]، كان ابتداء هذا التنزُّل في ليلة القدْر المباركة؛ قال-تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ}[(21)]. وقال-عزَّ وجلَّ-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}[(22)]. وقال-سبحانه-: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}[(23)].
رمضان: شهرٌ فُرِض فيه الصيام؛ قال-تعالى-: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(24)]. وقال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- مُخبِرًا الأعرابيَّ عمَّا افترضه الله عليه من الصيام: ((شهر رمضان، إلاَّ أن تطَّوَّع شيئًا))[(25)]. رمضان: شهر حَوَى ليلةً العبادةُ فيها هي خيرٌ من عبادةٍ في ألف شهر، وهو ما يَزيد عن ثلاث وثمانين سنة؛ (أي: عمر الإنسان جميعه إن لم يزد عليه)، وهي تكون في إحدى ليالي الأيام الوتر (المفرد) من العَشْر الأواخر من رمضان. قال-تعالى-: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[(26)]. وقال-عليه الصلاة والسلام-: ((فالْتَمِسوها في العَشْر الأواخر في كلِّ وتر))[(27)].رمضان: شهر يُقرَّب فيه أهل البِرِّ والخير، ويُقصى فيه أهل الفجور والشر، وتُغلَّق فيه أبوابُ النيران، وتُشرع فيه أبواب الجِنان، وُيعتق فيه من النار عبادٌ لله، وذلك في كلِّ ليلة.
قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقت أبوابُ النيران فلم يُفتحْ منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنَّة فلم يُغلقْ منها باب، ويُنادي منادٍ: يا باغيَ الخير أَقْبِلْ، ويا باغي الشر أَقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة)[(28)].
اللهمَّ أكرمْنا بشُهود هذا الشهر العظيم، وأَفِض علينا من بركاته، وافتح لنا أبوابَ رحمتك فيه، وتفضَّل علينا بالتوفيق لصيامه والمقدرة قيامه إيمانًا واحتسابًا، واختمْ لنا فيه بمغفرةٍ من عندك، ورحمةٍ من لدنك، ومُنَّ علينا بعِتقِ رقابنا من النار في لياليه المباركة، آمين.

ــــــــــــــــــــــــــ
؟؟؟ «المسجد المصري؛ فيينا» ؟؟؟
[صفحة رقم (1) من (11)] الإصدار الأول 4 رمضان 1440هــ~ 9 ماية 2019م
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم والهدي المحمدي الكريم المنزل من السماء ﴾
﴿موسوعة المسائل: القسم الأول: العبادات، الكتاب الثامن:الصيام﴾
[ ١ . ] أحكام وفضائل الصيام وأسرارَه
اعداد : د. محمد الرمادي

صاحبة الجلباب

بصورة مفاجأة وبشكل تلقائي ... هي تسأل مَن يتقدمها في قاعة المحكمة : " والنبي يا سيدنا الأفندي ، آيه مكتوب هنا !؟.
هو مستفسراً : نعم !؟
هي : ربنا ينعم عليك يا خويا ، بـ أَؤل لك ، آيه إللي مكتوب هنا!؟
هو : حاضر ، حاضر ، هاتِ الورقة !
هي : خد يا خويا ، ربنا ياخد عدوك... ربنا يبارك لك!
هو : آيوه ياسيدتي ، مطلوب منك .. يفكر قليلا فذهنه مشغول في آمر آخر .. ثم يكمل .. مطلوب من حضرتك ورقة دخل .
هي : يعني آيه !؟
هو : يعني ، القاضي عاوز يعرف إنت عايشه إزاي ، يعني بتكلي ... بتشربي ، إزاي ، منين يعني !!؟
هي : طيب دي إجيبها له منين!؟
هو : إنتِ موش.... .
يُسمع من الخلف وقع أقدام ويدخل في هذه اللحظة إلى القاعة إمرأة ترتدي قبعة سوداء يتدلى من أسفلها شعرها الذهبي وترتدي تايير أسود كأنها ولدت به، تخطو إلى الصف الأول من مقاعد القاعة بخطى رشيقة وبحذاء يرفعها إلى عنان السماء وبيدها اليسرى حقيبتها السوداء وتجاورها امرأة آخرى تكبرها بأعوام كما تبدو من حركتها ... إستدار ـ هو ـ وكأنه يعرف وقع أقدام القادم، يحلق في وجهها ونظر إليها بتمعن ، إنتبهت السيدة التي تجلس خلفه إلى حدة نظراته .. سارعته بسؤال : إنت تعرف يا خويا الست دِه !؟
لم يهتم بالإجابة .. وسرعان ما قام من مقعده متجه إلى باب القاعة ، فقد دخل على التو رجل ممتلئ الجسم ، وصافحه وتكلما معا وظهر عليه علامات الغضب أو الإرتباك .. ثم عاد إلى مقعده ... فبادرته قبل أن يجلس : مالك يا خويا .. الشر بره وبعيد ، مالك في آيه ، فيه حاجه زعلتك!؟
هو أجاب بهدوء واسترجع أنفاسه مرة ثانية ورد بصورة قاطعة : لأ .. ما فيش حاجه .
***
انتهت جلسة المحاكمة بالتأجيل لعدم توفر بعض المستندات .. وخرج الجميع وعند الباب ... سارعت المرأة التي تجاور الشقراء بتمتمات لم يفهما أحد .. فجذبتها صاحبة الشعر الذهبي من ذراعها وغادرا القاعة .
هي سائلة: هي الْمَرَا الملسوعة دي أم زميلك دهِ إللي كان واقف على الباب بتبرطم بتؤل آيه ، والنبي ومن خلا النبي نبي ، لو فهمت هي أَلت آيه لرديت عليها.
هو لم يرد عليها ولكن ظهر عليه علامات الأسى والحزن .
هي سارت بجانبه كأنها ترافقه ، ثم وجهت إليه السؤال : هو أنت يا خويا رجليك فيها عجل عربيه بيجوو ، ماتستناني شويه يا فندي .
ملتفتاً إليها قائلاً : نعم !!.. إنتِ بتتكلمي معايا !
هي : اسم الله عليك ، والحارس ربك حوليك .. طبعاً أنا بتكلم معاك ولا أنت فاكر أنا بتكلم مع خيالي .
هو : طيب يا سيدتي أنتِ عازوه آيه ، أنا موش ترجمت لك الخطاب .
هي : لأ إنت ما ترجمتهوش كله ، طيب خلاص .. يعني لو أنت موش عاوز تترجمه كله بلاش أروح للمترجم وأدفع له .
هو : " طيب يا سيدتي ، زي ما أنتِ عاوزه ، السلام عليكم .
هي : أستنى شوية ، انا موش ممكن أسيبك كده تمشي متعكر مزاجك .
هو : " لأ . أنا بقيت كويس دلوقت ، متشكر ، أنا لازم أمشي .
ينادي أحد من الخلف : ناديا .. يا ناديا .. إنتي يا بت يا ناديا !!
هي : الله .. مين .. إنتي .. الله فوزية !! ، إنتي كنتي فين يا مضروبة ، دورت عليك طول الوَأت ما شفتكيش !؟
فوزية : ياوليه يا مسطوله ، ده أنا طول الوقت جنبك ، اسم الله عليكي أنت ماشفتنيش ، إللي واخد عقلك يتهنى بوه
ناديا : أنتي بتقولي آيه !؟
فوزية : أنا شفت كل حاجه ، الواد الأفندي ده واخد عقلك... باين عليكي يا بت ... والله أنا شايفه كل حاجه
ناديا : أيّ أفندي !!؟
فوزية : الأفندي ، إللي كان واقف دلوقت معاك !
ناديا : أبداً ما فيش ! ، ده باين عليه غلبان .
فوزية : عرفتي نمرت تليفونه!
ناديا : آآه ، نمرت التليفون!
فوزية : آيوه .
ناديا : أَحْييه .. ده أنا نسيت اسأله ، بس تفتكري يا بت يا فوزية يامنيله على عينيكي راح يرضى يديني نمرت تليفونه ، ده أنتي شايفه طالع في العالي وعامل نفسه حكيم الصحة .
فوزية :" اسأليه !"
ناديا : طيب هو راح فين !"
فوزية :" أهو نزل في الأوبان
ناديا : طيب تعالي بسرعة نشوفه .
نزلا معا على درج المحطة ونظرا فوجداه يجلس على مقعد في إنتظار مترو الأنفاق .
سألت ناديا فوزية :" أهو قاعد هناك ، وبعدين أعمل آيه!"
فوزية : روحي عليه .
مشت ناديا بخطوات بطيئة في إتجاهه ، وهي لا تدري ما الذي جذبها إليه ، ما الذي دعاها أن تهتم به بهذه السرعة ، لعل حالة الحزن التي تعتريه ، لعل اسلوبه في الحديث والإستفسار ، إنه رجل جديد عليها .
.....
ناديا : الكرسي إللي جنبك ده فاضي يا فندي .. ممكن أَعْود عليه!؟.
هو : أهلا وسهلاً ، طبعاً المقعد كله فاضي !"
ناديا : آه ..إن شاء الله مَرْسيه! ، أصدي أنا متشكره .
هو ابتسم قليلاً وعاد إلى سرحانه
ناديا : هوا حضرتك رايح فين دلوأت!؟
هو : نازل على الشغل !.
ناديا : هوا إنت بتشتغل آيه بَأَ!؟ ، لأ إنتِ ما بتردش عليا .. أنا راح اأول أنت باين عليك دكتور .. صح!!
هو : صحيح ؛ أنا درست هنا في النمسا وحصلت على درجة الدكتوراه في ...
ناديا مقاطعة : والست إللي كانت في المحكمة تبأى مراتك .. صح !
هو :" صحيح ! " ،
ناديا : وباين عليها يا حبة عيني مطلعه عينك ! .. صح
هو : " صحيح " ، بس إنت ..
ناديا :" أنا زيك برضه ، الواد النتن ، ابن أُم سماعيل مطلع روحي ، بس مع مين ، والنبي ومن إللي خلا النبي نبي ، راح أطلع ديـــ ....
فوزية مقاطعة : أيوه ياروحي .. إنتِ راح تنزلي فين !
ناديا انتبهت لإسلوبها في الكلام .. وموجه حديثها إلى الإفندي ... إنت نازل فين !
هو : والله أنا عندي شوية صداع والظاهر إني موش قادر أروح الشغل بالفعل اليوم ... راح أتصل باتليفون أقول ...
ناديا مقاطعة أياه : يا نهار أبيض!! .. إنتَ يا روحي عندك صداع ، ده أنا جيبت من الشيخ زكريا أهوه محوجه بس على مزاجك .. ماتيجي تشرب فنجان اهوه عندي .. وفوزية معانا راح تيجي
فوزية مسرعه في الرد : ربنا يخرب بيتك يا فاجره، بتعزمي الراجل وإحنا ما نعرفهوش ... يخرب بيتك !
ناديا : أصل البت بطه في المدرسة والواد كوكي في الحضانه.. نشرب فنجان الأهوه ونروح نجيبهم من المدرسة بعدين ابن أُم سماعيل الدايه يسرق العيال .
هو : لأ .. لأ متشكر .. شكراً أنا عندي كام مشوار وبعدين نعمل ميعاد ...
ناديا : إنتا مكسوف تدخل بيتنا ولا إحنا موش أد المأم
فوزية هامسة في إذنها : يا وليه حتدخلي الراجل البيت وما فيش حد معانا .
ناديا : معانا ربنا ، هو إنتي خايفه من آيه .
هو : والله يا جماعة أنا متشكر !؟ أصلي ..
ناديا : طيب بلاش البيت لو إنتا مكسوف أو خايف ، تعالى نروح لــ عايده !"
هو : عايده ! .. عايده تبقى مين !!؟
فوزية : محل الأهوه إللي عند الكنيسه الكبيره ! إللي في الشارع السياحي ، وتخفض صوتها ، علشان تبقى الفضيحة بجلاجل ، وتطلع صورتنا في الكورونا يوم إلحَد .
ناديا : آه الأهوه أم دورين ! ،
وتهمس في إذن فوزية : " اتخيبي كده ، باين عليه موش عاوز ييجي .. وإنتي كده أرك دكر !"
هو :" أه .. إذا كان كده مافيش مانع ، أهو المسافة قريبة جداً ، طيب ننزل المحطة القادمة ! ، موافقون !.
ينزل الثلاثة ويلاحظ على ناديا الإرتباك .. وفوزية تقدم قدما وتؤخر عشرة اقدام .
ناديا مبادرة بالقول :" على فكرة ، المرة دي الحساب عندي أنا ، ماتحرجنيش يا دكتور ، إنا إلي راح أحاسب !!
هو :" لأ .. لأ .. ابداً . إزاي ما يصحش !"
ناديا : يادكتور أنا إللي عزماك
فوزية : " المرة دي علينا والمرة القادمه عليك ، ماشي كده !؟
هو : والله يا جماعة .. أنا ..!
فوزية :" خلي بالك إحنا اتنين ، وخلاص عندنا الحساب المره دي والجايه عليك .. ماشي !!؟"
ناديا :" اتفقنا ، كده كويس المره دي علينا والجايه اعليك
هو : اتفضلوا ، وصلنا .. تحبوا تقعدوا فوق ولا تحت !!؟..
ناديا : لا يا خويا طلعنا فوأ أحسن !
هو يفتح الباب منتظراً دخولهما ، ترتبك ناديا لا تدري ما تفعل ، تهمس في إذنها فوزية :" خُشي ، إنتي الأول ، هو فتحلك الباب "
هو : " اتفضلوا نطلع فوق !"
...
جلس الجميع بجوار النافذة الأخيرة التي تطل على الميدان.
دقائق حرجة لا يدري أحد ما يجب أن يقال أو مَن يبدء الحديث أو أي موضوع يفتح ،
تبادر ناديا بالقول .. أنا شفت مسرحية لشويكار مع جوزها فؤاد باين اسمها :" مراتي الجميلة "
تقاطعها فوزية : اسمها "سيدتي الجميله "... ما تفضحيش نفسك أوي كده!
تكمل ناديا : هو أستاذ .. وهي من بيئه واطيه ..
تساعدها فوزية إنتي قلت بيئه متواضعه ..
ترد ناديا : أيوه أقصد هي من اسره متواضعه ، وهو علمها لما ماتلاقيش حاجه تقولها تقول أولا :" إزاي الصحه " ، "الجو جميل النهادره " ، "برافو "..
فضحكت فوزية وناديا ، وبالطبع لم يفهم هو ما المقصود .
دقائق آخرى ثم جاءت النادلة وراعية الزبائن وسألت :" ما تطلبون سيداتي وأيها السيد !؟ "
فقال هو : إنتم تحبوا تشربوا آيه !؟
ناديا : إنتا الأول ، إنتا الراجل
جاءت الطلبات ... وبدء رفيقي ينظر في ساعته كل لحظة .. ثم قال :" لازم أغادر المكان الأن !!؟.
فردت عليه فوزية : بس ناديا نفسها تشوفك دائماً !.
فرد رفيقي: الظاهر أنه حصل سوء فهم.. أعتذر .. لازم أغادر..
وغادر مسرعاً دون أن يمد يده بالسلام .. فقد وجد أنه سوف يقع في مصيدة امرأة عاملها ذكر قبله معاملة سيئة !!!


ورقة من كراسة إسكندريات
صفحة من رواية :"الرجل المشرقي"
29/04/2019
بقلم : الرمادي من الْإِسْكَنْدَرِيَّة

الاتحاد العام للمصريين بالنمسا
المقر الرئيسي: عاصمة جمهورية الألب : فيينا على الدانوب الأزرق
الشارع السياحي ماريا هِلفر سترأسه عمارة رقم (١٠١) بالحي السادس
————————
احتفل بسرور وحبور طالبات مدرسة الأتحاد وطلبته بيوم التخرج للعام الدراسي ٢٠١٨/ ٢٠١٩ بحضور أولياء الأمور ولفيف من السيدات والسادة أهل العطاء وأصحاب العلم وتم توزيع شهادات التقدير وهدايا التبجيل ؛ وخاصة مبادرة المسؤول الإداري/ أحمد الشرقاوي والمسؤول التنفيذي/ ولاء بإهداء الأمهات زهور المحبة وورود التعظيم لدور الأم خاصة في الغرب؛ الأتحاد الأوروبي في تربية الصبايا والأولاد، ثم انتهى الحفل الكريم بتناول وجبة خفيفة من أصابع أمهات التجمع المصري في النمسا.

تهنئة من أعماق القلب لأبناء التجمع المصري في النمسا وتمنيات صادقة بمستقبل باهر لأبنائنا جميعا.

وشكر خاص موصول بدعوات الخير والفلاح والصلاح لكل من:
الأستاذة المربية الفاضلة/ إيمان-زادها الله تعالى إيماناً وتقوى؛
والأستاذة المربية الفاضلة/ صفاء- صفاها مبدعها من المثالب...
وشارك في مهمة تربية النشأ: د. الرمادي

باسم أدارة الإتحاد العام للمصريين بالنمسا ؛ وباسم هيئة التدريس نهنأ الجميع بالنجاح والتوفيق كما نستثمر هذه المناسبة العطرة بتهنئة الجميع بقرب قدوم شهر القرآن وحلول شهر الغفران ومجئ شهر القيام..... فكل عام والجميع بخير وصحة وعافية وأيمان وسلام

وموعدنا القادم شهر سبتمبر بداية العام الدراسي الجديد: ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ .

والسلام وعليكم ورحماته وبركاته!.
محمد الرمادي

استثمار „الفراغ”

- حالةُ الخوار في القوى العاقلة والقدرات الذكية الفاعلة على تغيير الواقع السئ التي انتابت مَن يدعي أنه ينتمي إلىٰ أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)[(١)] ؛ وحالة الضعف التي طرأت علىٰ الذهن في فهم الإسلام لمَن يدعي أنه مِن الأمة الإسلامية ؛ الإثنان معاً- الإحساس بهذا الخوار والشعور بذٰلك الضعف- لازما مَن حلَّ ببلاد الغرب ورافقته أينما ذهب -إلا مَن رحم ربي- ؛ وما يُقدم نزر يسير لا يسمن ولا يغني من جوع من هؤلاء الذين فروا مِن بلاد الفقر والجوع والجهل والملاحقات الأمنية والحروب ؛ وهم ليسوا أفضل حالا مِن مَن بقوا هناك ؛ ذلك أن التركيبة العقلية لادراك الأشياء والتعامل معها -للغالبية التي جاءت من بلاد العجم والعرب إلى بلاد الفرنجة والغرب- والكيفية الفهمية في التصرفات التي يقوم بها الفرد والأفعال التي تمارس -للغالب الذين حضروا منهم- لم تتغيرا -أعني : فهم الأشياء وطريقة التصرفات- بتغيّر المكان ولم تتبدل بتبدل المناخ العام والبيئة الحاضنة والوسط الثقافي أو السياسي ؛ وكيفية نظام الحكم -في الغرب- الذي يُعلي مِن قيم الإنسانية ويسمو بها ؛ ويرتقي بمفاهيم البشرية وحقوقها ؛ والصورة الوردية المرئية المطبقة مِن مبادئ الديموقراطية الأربعة مع الممارسة الحقيقية والمعاشة فعلياً ؛ ويقابلها عند العرب ديموقراطية آخرى اسميّة ورقية وتسمع في نشرات الأخبار دون أدنى درجة من التطبيق لعدم استعداد المواطن وعدم رغبة الراعي ، وغالب الذين يحملون جنسية غربية ما زالوا يتقمصون جلبابا آتوا به ملاصقا لجلدهم من موطنهم الأصلي ويتمنطقون نطاق الأجداد إخبارا ؛ وشدوا العمائم فوق أعينهم فضاقت الأوعية الدموية المحملة بالغذاء والدماء الموصلة لتغذية خلايا المخ والدماء الصافية للخلايا الرمادية القادرة على التفكير والتعليم وحفظ المعلومات المفيدة ، ولا أقصد اسم الوجبات ولا طريقة إعداد الطعام أو كيفية طهيه أو طريقة تناوله وكيفية احتساء الشوربة بصوت مرتفع يسمعه الجيران أو بآداب مائدة الطعام كما علمنا رسول الإسلام ؛ وكذا الشراب المحبب ؛ واستحباب ألوان اللباس واستجلاب شكله وكيفية حياكته أو تطريزه ؛ كما لا أقصد المبيت في سكن توفره الدولة التي يحمل جنسيتها ، بل أقصد الفهم الصحيح لواقع معاش بعد تجاوز بداية الألفية الثالثة مع الوعي المستنير لما جدَّ عليهم مِن مجموعة الأفكار والمفاهيم والقناعات والقيم والعادات والتقاليد أو المناخ العام الذي يعيش فيه مع مراجعتها بقيم الإسلام وقناعاته ومفاهيمه وافكاره ؛ وأقصد التعايش الإيجابي البناء مع المحيط الذي يتواجد فيه سواء الشارع العام ومكان العمل والزملاء والمعارف ومنطقة التنزهة واستخدام المواصلات العامة والتنقل من مكان لآخر والأماكن الخاصة ، فالغالبية احضروا معهم كل شئ مِن أواني الطبخ إلىٰ فرش الغرف وما يتعلق على جدران غرف المعيشة والإستجمام وغرفة النوم؛ أضف غيابهم عن اسثتمار الأموال التي تُحصل من معونات إجتماعية متعددة تقدمها الدولة ؛ إذ قد تم تحويل المدخرات لبلد المنشأ بدلا من اسثمارها في بلد التجنس .
- مسألة التهيئة النفسية والإعداد العقلي والإدراكي والتأهيل الفهمي لتلك النقلة النوعية الحادة مِن مناخ وبيئة وتربية وثقافة وتقاليد وعادات ومجموعة حزم الأفكار وكتل القيم التي تربوا عليها ومجموعة كتل المفاهيم والقناعات التي دُرِست لهم ودرسوها يرافق هذا كله ممارسة حياتية يومية لشخص عاش ربيع حياته تحت ظل نظام[(٢)] بعينه ليكونه مواطنا يوافق النموذج السائد لمواطني مسقط رأسه من آحدى دول العالم الثالث ؛ فيريد ويرغب في الهجرة فيحمل بعد سنوات جنسية العالم الأول[(٣)] ؛ هذه النقلة النوعية لم يرافقها تأهيل نفسي واعداد ذهني للتواجد في منطقة آخرى وتهيئة نفسية من خلال القائمين على التجمعات الإسلامية في بلاد الغرب ، واكتفى من يتشعبط على سلم المنبر ويتسلق جدارية المحراب بسلسلة من المواعظ وحفنة من الأرشادات الأخلاقية واستحلاب تاريخ واسترجاع شخصيات بنت عقليتها وسلوكها على قواعد متينة منها : قاعدة التوحيد وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ؛ أقول : تلك التهيئة لم تتم وذلك الإعداد لم يحدث وهذا التأهيل لم يلاحظ[(٤)]. والسبب يعود لمرتزقة أو هواة(!).
- فتدخلت أجهزة معنية بشأن من يرغب في البقاء والتجنس في نظام دولة مستضيفة حمل جنسيتها حديثاً مَن تنشأ كمواطن مِن العالم الثالث لعلاج مسألة دمجه وقضية إعداده وفكرة أن يوافق حاله الوضع الجديد وتأهيله.
- استسهل النظام الطريق فبدء بالمرأة -الأم- فوجدت برامج(!) لم تأتِ ثمارها المرجوة ، إذ المسألة في حقيقتها هي رجل بجوار امرأة وبينهما ولد ، فحل مسألة المرأة ينبغي أن يمر من خلال حل قضية الرجل ، وحل قضية الرجل يجئ حين يمر بحل مسألة المرأة والفصل بينهما -المرأة والرجل- كانت نتائجه أن لا حل توصل إليه نظام دول قبلت بمَن يحمل جنسيتها واعتمدت فقط علىٰ اللغة كوسيلة ؛ وإن كانت اللغة -بداهةً- هي العتبة الأولىٰ لدخول البيت الغربي ، وهذا بالطبع ينطبق على الجيل الأول ؛ أو مَن جاءوا حديثاً ، والنتيجة أن ابناء المرأة التي حاولت الأجهزة ذات العلاقة دمجها ذهبوا إلىٰ دول الفقر والجهل والحروب وقُتل حتىٰ كتابة هذه المقالة أكثر من (19) ولدا فقط في النمسا ؛ ولدوا في الغرب وتحصلوا علىٰ التعليم الإلزامي في دول الغرب ؛ وعاشروا ابناء الغرب في سنهم .
في ديسمبر 2015 :" قدرت خسائر التنظيم الإرهابي بالأرواح، بما يفوق 20 ألف قتيل(!!!) ". وفي مارس 2018 :" أفادت إذاعة فرنسا الدولية بأن نحو 300 فرنسي ينتمون لتنظيم داعش قتلوا في العراق وسورية منذ عام 2014 . وأضافت أن من بين القتلى 12 امرأة ، فيما تحدثت آخر الاحصاءات عن عودة 256 شخصا إلى فرنسا بعدما قاتلوا مع داعش في مناطق القتال، ويضاف إليهم 78 قاصرا. وكانت الحكومة الفرنسية ذكرت في وقت سابق أن نحو 1700 فرنسي توجهوا إلى مناطق القتال في العراق وسورية منذ من 2014، وأشارت إلى أن نحو 730 شخصا و 500 طفل لا يزالون في المنطقة المذكورة. وتم تقدير أولي بأن عدد الدواعشة الذين يحملون جنسية دولة النمسا يفوق 269(!).
- مازال هناك حوار سياسي برلماني ؛ ونقاش مدني مجتمعي وشاركهم اقلام صحافة حول هل يعود إلىٰ دولته التي يحمل جنسيتها أم يبقىٰ حيث هو ، ويأتي -ثانياً- حوار سياسي وبرلماني ونقاش مدني مجتمعي حول ابناء الداعشية(!) كالحالة البريطانية أو الفرنسية أو النمساوية أو الألمانية ؛ وبعض الجدات ترغب في احضار أولاد ابنتها الداعشية(!) ؛ أضف وليس سرا فئات معينة من أبناءالغرب الأصليين وارباب السجون ومَن يجمل سجل إجرامي ؛ سواء اغتصاب أو متاجرة في الحشيش شاركوا في بناء كيان هلامي على رمل دولة الخلافة الداعشية المزعومة(!).
- واللافت هنا أن التجمع[(٥)] الإسلامي لم يدلِ بدلوه في المسألة ؛ فلم يناقشها وأخفى وجهه مع أنه المعني أولاً وأخراً بهذه الظاهرة والتي تحولت لقضية رأي عام يشغل الغرب قبل العرب سواء رغب في النقاش أو خاف أن يشارك .
- وقضية ابناء المتجنسين في الغرب وبقية من ذهب من ابناء الغرب إلى مناطق النزاعات[(٦)] قضية لم تحل ولم يبت فيها بصورة صحيحة وواقعية ؛ وهذه معضلة حقيقية تواجه الغرب بأسره وليس فقط تواجه المناطق المنكوبة ، ومن نافلة القول أن تلك الجماعات صناعة غربية عربية(!) ؛ سواء كان الحديث عن القاعدة أو رفيقاتها.
- يفهم من حادثة نيوزيلندا أن " جرائم القتل «العقائدي» باسم الدين أو باسم الهوية واحدة في الحقيقة . ومع ذلك فإنّ الإدراكات لها شديدة الاختلاف ، وكذلك تكون ردود الفعل . الطرفان اللذان كانا الأكثر ارتياعاً في مقتلة المسجدين ومذبحة الجامعين بــ „كرايستشيرش” هما: رئيسة وزراء نيوزيلندا وشعبها، والمسلمون في أصقاع الأرض. ثم اتسعت الدائرة فشملت الأحزاب اليمينية فاحرجتها أمام مواطنيها ؛ وكلا الطرفين -الغربي يرافقه الإسلامي/العربي- فوجئ من دون حدود : فالنيوزيلنديون : لأنّ بلادهم لم تتعود علىٰ هذا الإجرام الجماعي ، وقد سارعوا للقول إنه أسترالي -الجنسية- ليس اعتذارا أو تبريرا ، بل للإهانة التي شعروا بها لهول الجريمة وفظاعتها ، التي تنال من شرف أمتهم وإنسانيتها - وأيضا المسلمون لأنها مذبحة ضد مصلّين عديمي الحيلة . ورغم اعترافهم بأنّ رد فعل السلطات النيوزيلندية كان لائقاً ورفيع المستوىٰ ؛ فإنّ كثيرين منهم ظلُّوا يعتبرون أنّ قتل المسلم في نظر الغربيين ، أهونُ وقْعاً من قتل الآخرين . فــ القاتل من عقائديي اليمين المتطرف الجديد، كــ القتلة الداعشيين من عقائديي التطرف الإسلامي ؛ ونتساءل : فلماذا عندما يَقْتُل غربي سبق أن صرَّح أنه يقتل باسم المسيحية، لا يُعتبر من أهل الإرهاب المسيحي ، ويقالُ غالباً إنه مختلٌّ أو مجنون ؛ بينما عندما يقتُل شابٌّ مسلمٌ يقال إنه يفعل ذلك بدوافع جهادية ، فنصدّقه، ونقول إنه إرهاب إسلامي(؟!) .
نعود لمِصر فــ كيف يقتل إرهابيون ثلاثمائة [٣٠٠] من المصلين بمسجد الروضة بسيناء ويظلُّ الإرهاب إسلامياً ، بينما يمارس المتعصبون الدينيون أو الإثنيون في ميانمار عمليات قتل جماعي ضد المسلمين القاطنين معهم ، ويشارك في ذلك الجيش وبعض رجالات السلطة ، ثم لا يقال إن هذا إرهاب ديني بوذي ، ولا تجد المذبحة نهاية حتى الآن؟ . وبدلاً من إعلان الأُمم المتحدة حكومةَ ذلك البلد إرهابية أو فاشلة على الأقلّ ، يظلُّ الأمل لدى المؤسسات الدولية الإنسانية قائماً في أنّ تتدخل الحكومة أخيراً لأمر الجيش بإيقاف المذبحة؟! .
تقول جهات المعرفة والخبرة إنّ الصينيين يحمون حكومة ميانمار ، ويمارسون التصرفات نفسها ضد الأويغور المسلمين في سينكيانغ .
لا يزال «ضمير» العالم الحديث في عُهْدة الأوروبيين والأميركيين وحلفائهم . وهو في العادة ضميرٌ برع في مراقبة حقوق الإنسان والحريات الدينية لدى الآخر وعند الغير. والغير -هنا- بالطبع قد يكون روسياً أو صينياً ، لكنه في الأغلب الأعمّ مسلم .
صمويل هنتنغتون قدم أطروحته الشهيرة في صراع الحضارات ، ويمكن احصاء ارتكاباتٍ هائلة كانت تجري في العالم [2005 – 2006] ويقوم بمعظمها أُناسٌ غير مسلمين ؛ فلماذا ينفرد المسلمون من وجهة نظره بأنهم يملكون تجاه الآخرين تخوماً دموية ، أو أنّ العنف يميز علاقاتهم بالآخرين(؟).
فرد صاحب الاطروحة قائلاً: „ لأنّ العنيفين مِن المسلمين يعلِّلون لجوءهم للقوة بأنّ دينهم يقتضي ذلك ، وهو ما لا يذهب إليه معظم المرتكبين الآخرين”.
وحين يجئ الرد بأن „ معظم المسلمين أو كثرتهم الساحقة تبرأوا من هؤلاء ، ولا تعتبرهم مسلمين صالحين ”.
فأجاب متردداً: „ سيؤثر هذا الإنكار للعنف من جانب الأكثرية على الرأي العام العالمي في المدى الطويل ، أما الآن فيكون - هذا كلام هنتنغتون- عليكم أن ترغموا شبانكم المتطرفين على الانضباط وعدم استسهال العنف باسم الغضب أو الظلم ، وقد نصحكم بذلك المستشرق برنارد لويس وآخرون كثيرون" . ثم يردف :" لا يمكنكم تعليل ذلك بالاستعمار وبإساءات الغرب ، فقد عانى الصينيون والهنود مثلما عانيتم وأكثر ، لكنّ أحداً منهم لم يفكر في مهاجمة برج التجارة العالمي! أما استئثار الغرب بدعوى الضمير والديمقراطية وحقوق الإنسان فمبرره أنّ الغربيين استطاعوا جعل هذه الاعتبارات قيماً إنسانية عالمية . وقد يتسلم الصينيون زمام السيطرة في العالم قريباً ، لكنّ هذه القيم ستظل هي السائدة حتى لديهم أو أنهم سيظلون يدعون حراستها . وذلك - كما سبق القول - لأنّ تلك القيم والمبادئ صارت قيماً عالمية إنسانية وإلى أجلٍ غير مسمى! ” [انتهى حديث صاحب الأطروحة] .
فلنذهب إلى الجهة الأُخرى. في أواسط العام 2018 صدر كتابٌ لفرنسيس فوكوياما اسمه: «الهوية». وفوكوياما هو صاحب أُطروحة «الإنسان الأخير» في كتابه مثل مقالة هنتنغتون من العام 1993. وقد قال فيه (فلسفياً وليس استراتيجياً مثل هنتنغتون) إنّ قيم الديمقراطية سجلت انتصاراً نهائياً بسقوط الاتحاد السوفياتي ، والذين لم يلتحقوا بها (مثل المسلمين أو الصينيين) لن يستطيعوا إيقاف تقدمها . لكنه -فرنسيس- وبعكس هنتنغتون تراجع عن ذلك الاعتبار (الفلسفي) بعد غزو أميركا للعراق عام 2003 وتدميره . ما سمّى فوكوياما في كتابه الجديد متطرفي «الهوية» يمينيين جدداً، بل ذهب إلى أنّ «الهوية» لها عدة منافذ ومداخل ومصادر ، ولها جانب ديني ولكنه ليس قوياً ولا غالباً ، بل يلتحق بــ«الإثنية» و«القومية» و«المحليات» ويتمثل بمثالاتها . و«الهوية» بعكس القومية ليس امتداداً أو سيطرة ، بل هي تقوقُعٌ وتطلُّبٌ للــ«طهورية» . وفي هذا المنزع فقط تشبه الدين الذي تظهر فيه من حينٍ لآخر اتجاهات وتيارات تطهرية ، واضحة الآن لدى الإحيائيين المسلمين والإحيائيين الإنجيليين . ومع أنّ ظواهرها ليست واحدة ، فهي تتشارك في الخوف والتطيُّر من الآخَر الذي يهدد صفاءها الإثني أو «الجهوي» أو الديني . وقد اختارت حتى الآن وسط ظواهر العولمة الشاسعة ، أن تصل للسلطة أو تحاول من طريق الانقياد لقادة كاريزماتيين ، وإجراء تحالفات مؤقتة ، وهي تعلم أنها لن تصبح أكثرية إلاّ في ظروف استثنائية مثل الأزمات الاقتصادية . ولذا فإنّ كثيرين من أهل هذه النزعة يلجأون للعنف (الذي يكون شعائرياً أحياناً عند اشتداد الأزمة) لنفاد الصبر ، وتفاقم الإحساس بالتلوث من الغير أو من الكثرة الداخلية وأحزابها الكبيرة . وهم يعادون الآخرين من المهاجرين وغيرهم للتطهر من التلوث ، لكنهم يظلون شديدي العداء للآخر الداخلي (الذي يخالفهم في منزعهم) ، ويظل في نظرهم العدوّ الرئيسي ، كما حدث في النرويج قبل سنوات.
ستتكرر أحداث العنف الأعمى الكاره وفي الواجهة الآن الغرباء والمهاجرون . لكنّ المراقبين مختلفون بشأن تطورات هذا النزوع «الطهوري» الإجرامي .
هناك من يقول إنه لا حاجة لهذا العنف المفرط ما دام هؤلاء يتقدمون في الانتخابات ويصلون للسلطة ، كما حدث ويحدث في عدة بلدانٍ أوروبية منها النمسا .
وهناك مَن يرى أنّ هذا الخوف المعولم سيدفع دائماً للعنف ، وليس في أوروبا فقط ؛ بل وفي آسيا وأفريقيا أيضاً ، وتارة للتخويف (= إدارة التوحش) ، وطوراً لأنّ «الطهورية» الشديدة مرضٌ ينتشر بالعدوى ، وحبّ المغامرة لدى الشباب ، وإلاّ فكيف يمكن تعليل ظاهرة شبان «داعش» وفتياته؟!
لقد جامل الغربيون التطرف «الهوياتي» كثيراً بحجة حرية التنظيم السياسي ، وحرية التعبير . وما لوحق إلاّ الذين يقولون إنهم نازيون أو فاشيون أو يُعتبرون معادين للسامية . والمهدَّد الآن ليس الأمن المعيشي أو الحريات فقط ؛ بل والمهدَّد أيضاً مقولة: الضمير أو التفوق الأخلاقي." [(٧)]
- وعلى ما سبق يرىٰ كاتب هذه السطور ومن يراقب الشارع النمساوي : أن استطلاعات لرأي المواطن الغربي تدل بوضوح على هبوط شعبوية أحزاب اليمين المتطرف:
- 57% مِن مَن تم استطلاع رأيهم[(٨)] يرغبون في حل تجمع نمساوي تحت مسمى „الهوية‟ .
- وإذا ادعىٰ البعض في بلاد العرب أن السياسة „نجاسة‟ ... وهي كلمة فارغة المضمون والمحتوى قالها جهلة السياسة على مسمع مِن عيون مَن تحدق علىٰ كرسي الرئاسة ويريدون التمجلس على كراسي الحكم والبرلمان وبقية أجهزة الدولة السيادية[(٩)] فيكمل بقية الجهلة ان الدين „قداسة‟ فعليهم أن يعودوا إلى قواميس اللغة ومعاجمها لمعرفة كيف وضع لفظ „سائس .. يسوس .. سياسة‟ ما غاب عند البعض أنه من خلال الأحزاب العاملة في الحقل السياسي وتخاطب مجموع أفراد الشعب يمكنها أن تصل إلى مقاعد البرلمان وبدوره يقوم بعرض القوانين وبعد المناقشة يتم سنها ؛ وغياب مَن يصلح للتمجلس على مقعد البرلمان لرعاية شؤون الناس فيمكنه بفهم صحيح ووعي مستنير أن يحقق رغبات مَن أوصله إلى هذا المقعد .
ما غاب : أن التجمع الإسلامي في الغرب لم يتمكن من استثمار «فراغ» المكتسبات نتيجة تحرك الأحداث وتحرك الشارع معها ، فاستثمرها غيره ، كما أنه لم يتمكن -التجمع الإسلامي- من رفع درجة الوعي المستنير والفهم الصحيح لمواطن عاش زهرة شبابه في دول تعاني اقتصاديا وسياسيًا ثم انتقل إلى دولة تقدم خدمات للإنسان بصفته الآدمية على أدنى تقدير.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[(١)] ذٰلك الرسول الخليل والنبي النبيل ؛ الذي هو آخر الأنبياء ومتمم المبتعثين بما يحمل من وجهة نظر في الحياة ، أو ما كانت تسمىٰ في السابق أمة الإسلام ؛ هذا الذي يدعي منذ سنوات أنه مسلم ، وهي الدرجة الأدنى في سلم الترقي في الإسلام ؛ انتابته حالة من خوار شديد في قواه الإيمانية ؛ وإن ظل مسلماً وبقي في حظيرة الإسلام ؛ وطرأت عليه حالة من الضعف الشديد في فهمه لحزمة الأفكار التي جاء بها الرسول الأعظم وكتلة المفاهيم التي أرساها صاحب الرسالة وضعف في حمل حزمة من القيم في الحياة اليومية والقناعات انتابته الرغبة في العيش بغضالنظر عن الوسيلة والكيفية.
[(٢)] أُقدم مثالاً [فليكن مِصر] وليس للحصر : فالجيل الأول مِن الذي آتوا للغرب في بداية السبعينات من القرن الماضي:
- ولدوا في نهاية عهد حكم ملكي وعاشوا زهرة شبابهم تحت نظام حكم „ناصري” ؛ (نسبة للزعيم خالد الذكر ؛ صاحب الكريزما جمال عبدالناصر). أو
- مَن ولدوا في نهاية العهد الناصري وعاشوا زهرة شبابهم في نظام حكم „ساداتي” ؛ (نسبة لرجل الحرب والسلام ودولة العلم والإيمان ؛ الذي قُتل بأيدي أبنائه). أو
- ولد في نهاية عصر الإنفتاح وعاش زهرة شبابه في عهدة مبارك ؛
وترافق مع تلك التربية :
- مَن تربى بين أحضان جماعة (جماعات) توشحت بوشاح الإسلام (اسماً) وتلحفت برداءه (رسماً)؛ سواء مَن اتخذت مِن أفكار الإسلام شعارا دون القدرة على إنزاله على أرض الواقع المعاش ، أو ما أطلق عليه تقسيما غربياً بجماعات الإسلام السياسي أو ايضا من باب التقسيم والتجزئة بمَن تسربل بما هو غريب عنه فكرا ونشأة مِثل طرقية المقابر وصوفية الموالد.
وما يفيد كاتب المقال هذا : أن التراث الشعبي يقدم لنا مجموعة رائعة من الأمثال الشعبية كأنها حقائق إجتماعية كوصف أهل منطقة بعينها بصفة أو عدة صفات كـ وصف:
أ.] أهل مدينة الإسكندرية القديمة الأصليين قبل التوسعة ، أو
ب.] أهل منطقة رشيد ،
ج.] أهل منطقة المنوفية ،
د.] الفلاحين ،
هـ.] الصعايدة.
وهذه الأمثال الشعبية تساعد بقدر معقول على رسم شخصية مَن نتحدث عنه.
[(٣)] تقسيم سكان الأرض إلىٰ عالم ثالث يقابله عالم أول... بذرة الفكرة طرحت قديما بتقسيمه إلى ثلاثة عوالم، عالم أوّل وعالم ثاني وعالم ثالث ، لأسبابٍ سياسيّةٍ واقتصاديّة ، بمفهومٍ يختلف بعض الشّيء عن مفهومنا الحالي لدول العالم ، فقد كانت دول العالم الأوّل هي الدّول الرّأسماليّة ، وهي دولٌ تتبّع أنظمةً تسمح للأشخاص بتملّك ثرواتها الخاصّة والتّمتّع بها ، يقبلها دول العالم الثّاني وكانت الدّول الشّيوعيّة ، والّتي تتّبع أنظمةً بعكس أنظمة الرأسماليّة ، والّتي لا تسمح ولا تشجّع مواطنيها بكسب وتملّك ثرواتها الخاصّة ، ودول العالم الثّالث كانت الدّول الباقية ، والّتي لا تنتمي إلى معسكر الرّأسماليّة أو الشّيوعيّة. ثم اختلف تقسيم العوالم ، وظهر مفهومها بعد الحرب العالميّة الثّانية، حيث انقسمت لأسبابٍ سيّاسيّة أيضاً إلى ثلاثة عوالم، العالم الأوّل والّتي هي دول حلف النّاتو (كندا، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، والولايات المتّحدة، إلخ)، والعالم الثّاني هي دول اتّفاقيّة وارسو (روسيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبولندا، إلخ)، والعالم الثّالث هي الدّول الّتي لا تنتمي إلى العالم الأوّل أو الثّاني، كما وأشير إلى العالم الأوّل والثّاني، بالدّول الشّرقيّة والغربيّة، أو الكتلة الشّرقيّة والغربيّة. وأخيراً دول العالم الثّالث، أو الدّول النّامية، هو مصطلح أُطلق أوّل مرّةٍ عام 1952، عن طريق الفرنسي „ألفريد سوفيه”، في مقالٍ أصدره، مشيراً إلى الدّول الّتي لا تنتمي إلى الدّول الغربيّة (أمريكا الشّماليّة، وأوروبا الغربيّة، وأستراليا، واليابان، وجنوب إفريقيا)، أو إلى الدّول الشّيوعيّة (الاتحاد السّوفييتي سابقاً، والصّين، وأوروبا الشّرقيّة)، وفي وقتنا هذا لا نسمع سوى مصطلحي دول العالم الأوّل والثّالث، بسبب انهيار الاتّحاد السّوفييتي. ومن الأمثلة على بعض دول العالم الثّالث:
* دول الشّرق الأوسط ، ما عدا إسرائيل ؛
* وباكستان، وأفغانستان، وزمبابوي، ومالي، والنّيجر، وتشاد، والكونجو، وهايتي، وكينيا، وجزر سليمان، والصّومال، وأثيوبيا، والصّين، وتانزينيا، وباقي الدّول الإفريقيّة، وغيرها. وخصائصها أنها تتميّز أغلبيّتها والمكوّنة من أكثر من مئة دولةٍ، بخصائص مشتركة، تمثّل في تخلّفها :
* اقتصاديّاً و
* اجتماعيّاً و
* سياسيّاً عن باقي دول العالم المتقدّم، ومنها:
* مستوى معيشي منخفض.
* نسبة أمّيّة مرتفعة.
* نسبة بطالة مرتفعة.
* إقبال كبير على الهجرة.
* ارتفاع في النّمو السّكاني.
* قلّة الإمكانات الطّبّيّة، وبالتّالي قصر أمد الحياة.
* تخلّف اقتصادي.
* تبعيّة اقتصاديّة للدّول المستعمرة.
* تصدير المواد الأوّليّة... دون تصنيعها.
سبب تخلّف دول العالم الثّالث: عانت دول العالم الثّالث على مرّ العصور من ظلمٍ واستعمارٍ واستبداد، ونهكٍ لأراضيها ونهب لثرواتها، لمدّة تجاوزت في بعض الأحيان الأربعمئة عام، ممّا أدّى إلى انهيار تطوّرها وتخلّفها عن الدّول المتقدّمة، بسبب استغلالها، فدول العالم الأوّل على الأغلب، بنت حضارتها ونموّها وتقدّمها على حساب دول العالم الثّالث. ومن الأسباب الأخرى لتخلّف دول العالم الثّالث هو منعها وحرمانها من تولّي حكمها وإدارة شؤون بلادها بنفسها إبّان فترة الاستعمار الأجنبي عليها، ممّا أدّى إلى إعاقة المجتمعات عن باقيها.
[(٤)] في رحلتي الأولى للهند رأيت بأم عيني السياح من النمسا كل منهم يحمل في يده „كتابا” للإرشاد السياحي يوصف المنطقة التي سوف يزورها ويبدء في القراءة دون وجود ما يسمى مرشد سياحي.
[(٥)] كاتب هذه السطور ينئ بنفسه عن استخدام مصطلح سيئ السمعة „الأقلية” المسلمة ؛ أو „الجالية” إذ هو يسلخها من محيطها ويجردها من مكان وجودها ؛ وأفراد هذه الأقلية غالبيتهم يحملون جنسية بلاد الغرب بما فيها من قوانين ونظم وأحكام ، الأصل فيها أن يلتزم من يحمل جنسية هذه الدولة أو تلك بهذا القوانين والنظم والأحكام وفق الأطر العامة والحقوق التي تعطى لأفراد وفق ما نص عليه الدستور الأساسي للبلاد ؛ فحين يكون الممثل الشرعي أمام الدولة والحكومة هيئة بعينها تصبح هذه الهيئة وفق الدستور والنظام هي صاحبة اليد العليا فيما أجازه الدستور وسمح به القانون ؛ وعليه -مثلا- في حالة الزواج الشرعي وفق الشريعة الإسلامية تكون الجهة المخولة عقد قرآن لشخصين هي الهيئة الرسمية المعتمدة من قِبل الدولة والحكومة وليس تحت سقف مصلى أو مركز ؛ إذ أن هذه ليس من صلاحياتهما -مصلى أو مركز- وما يحصل مَن اتمام عقد القران الشرعي ليس موثق وغير معمول به في أنحاء البلاد ، وتلك الإزدواجية في ذهنية الناس يأتى عنها ضرر ويرسخ الغياب الوجودي في عقلية ونفسية الناس .
[(٦)] مازال الغموض إلىٰ حد ما يلتف حول الأرقام الصحيحة والنهائية عن مَن شارك مِن أكثر من 130 دولة في العالم وانضموا تحت لواء دولة الخلافة المزعومة(!) ؛ وتجمعات السجون والمادة الترفيهية التي تقدم من الأفلام الأمريكية ومِن خلال القنوات الفضائية مثل مسلسلات القتل والتدمير يجوار هذا وذاك الألعاب الإلكترونية كانت-وغيرها مناخ خصب وبيئة حاضنة لإخراج امثال هولاء من الشباب المشوة نفسيا وفكرا.
[(٧)] مختصر من مقال رضوان السيد؛ كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية.
[(٨)] المصدر : „ Unique Research ” عدد من جرى استطلاع رأيهم (500) ؛ نسبة الصحة والخطأ (4,4%+/-) ... والنتائج :
ما ينتمي لحزب الشعب من قال بحل هذه المجموعة 61% و
من قال ببقاءهم ضمن المظلة الديموقراطية للدولة : (28%)
(12% ) لا يدري أو لا يريد أن يدلي بصوته
حزب الحرية المشارك في الحكومة الإئتلافية :
(44%) قالوا بحله ؛
(36%) يبقى
(20%) لا إجابة.
الحزب الإشتراكي(74%) قالوا بحله
(13%) يبقى ضمن الإطار الديموقراطي للدولة
(12%) لا إجابة.
[(٩)] „ذات يوم قال كمال الشاذلي :" السياسة نجاسة خليكو انتوا في الطهارة وسيبولنا النجاسة ". تلك الكلمات نقلها الرئيس المِصري الأسبق محمد مرسي ـ المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، قال أنها وُجهت له على لسان عضو مجلس الشعب الأسبق كمال الشاذلي ـ المنتمي للحزب الوطني آنذاك.
https://www.youtube.com/watch?v=_ZbKnZ9yzQk

الحديث عن الإسراء والمعراج !

الضعفُ الشديد الذي طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام ومنذ سنوات طوال ، أصاب علماء الأمة الإسلامية في مقتلٍ فصاروا ينهلون من غير مَعين راق ويشربون من غير بئر صاف ، وتراجعوا عن دورهم الرائد بين أفراد الأمة وخاصةً مع عوامها ، فاصبح العلماء يقولون ما يعجب العامة سماعه دون دليل ، ويواكبون الأحداث دون أدنى تعديل أو تغيير بل يشوب ما يقال التكرار ، فالواقع السئ الذي نراه جميعاً ويراه الضرير قبل البصير وينظره الأعمىٰ والكفيف لا يعمل -إلا من رحم ربي- في تغيره أحد ذو شأن أو يملك القدرة علىٰ التبيان والتصريح فتبدء خطوة الإصلاح... وصار المتعارف عليه تقليد الآخر بنفسية انهزامية رجعية دون أدنىٰ إدراك مَن ولما نقلد.
قلتُ سابقاً ما تبقىٰ من الإسلام -اليوم- إلا حزمة من المناسبات علىٰ مدار العام الهجري نعيدها كل سنة في زمنها فصارات العبارات هي ذاتها تقال في وقتها بصورة مملة وكلمات مخترقة ؛ وتبقىٰ مجموعة من الذكريات تمضع تحت ضروس العجائز إما تأسفا علىٰ ماض يراد عودته أو تمنيات العاجز الكسيح علىٰ خوض سباق الماراثون في فيينا الشهر القادم... أو حزمة من شعائر جوفاء خالية من المضمون الفقهي الصحيح أو الوعي التشريعي المنهجي لسلوك يومي موافق لحياة رسول بعث رحمة للعالمين وأرسل هاديا مبلغا... فتكسر سن قلم الإبداع علىٰ صخرة الجمود وحجر القديم وصدأت عقول لمرور نوءات الأزمان من اجترار الموروث القديم البالي... دون تحقيق فيه أو تدقيق بما يحويه ودون نظر لجوهر النص لتفعيله في الحياة اليومية مع نظرة علمية فهمية لبداية القرن الواحد والعشرين واقترابنا من إنتهاء منتصف القرن الهجري العشرين.
سجّل التاريخ البشري معجزتين مزدوجتين للنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وهي حادثة الإسراء والمعراج، وتعدّ هذه المعجزة التي ميّزت السيّد الجليل والنبي النبيل والرسول الخليل محمد عن غيره بأنّها معجزة روحيّة وجسدية معاً في آنٍ واحد[(1)]، وكاتب هذه السطور-يرجو من القارئ الكريم- أن لا يفهم مِن مقالته أنه يشكك ولو للحيظة أو مرتاب... في مسألة البحث... إذ البحث يدور حول تحقيق زمن حادثة الإسراء وتاريخ ليلة المعراج ؛ وهذا أولاً و
ثانياً : يجب علينا أن نتساءل... هل قام الرسول الكريم والمبلغ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم بتخصيصها بشئ من عبادة ؛ فكل العبادات توقيفية من قبل خالق الإنسان ؛ فـلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، أن ليلة السابع والعشرين من رجب ، هي ليلة الإسراء والمعراج ، فلماذا يسارع البعض خاصة في الشهر بالحديث عنها!!؟..
ما جاء فيها من بعض الأحاديث غير صحيح عند أهل العلم ولو ثبت أنها ليلة المعراج ، لم يجز الاحتفال بها ، حتى لو ثبتت لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتفل بها[(2)] ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً ، لبادر إليه سيد ولد آدم قولاً وفعلاً ، وهو أفضل خلق الله ، وخاتم رسل الله -عليه الصلاة والسلام- ، ولشرعه لأمته وعلمهم إياه ، لأنه أنصح الناس ، وهو الناصح الأمين -عليه الصلاة والسلام- ، ما ترك من خير إلا دل عليه ، وما ترك من شرِّ إلا نبه عليه ، وحذر منه كما ثبت في الصحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»[(3)]، ونبينا أكملهم وأفضلهم وخاتمهم[(4)] ليس بعده نبي ، فهو أولى بهذا الوصف ، فما ترك من خير إلا دلنا عليه ، وما ترك من شر إلا حذرنا منه ،
وثالثا : ونتساءل : هل قام صحابته -رضوان الله عليهم جميعاً- بتخصيص هذه الليلة بشئ !؟.. والله سبحانه يقول : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[(5)] . يعني في الفعل والترك ، فما ترك نترك ، وإذا فعل فعلنا -عليه الصلاة والسلام-[(6)] ولو فعل لنقله الصحابة- رضي الله عنهم- عنه ، فإنهم الأمناء وهم خير الناس بعد الأنبياء وهم الذين نقلوا لنا القرآن ، ونقلوا لنا السنة الصحيحة عنه -عليه الصلاة والسلام- فهم الأئمة والقدوة بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، فلا يجوز أن نخالفهم ونحدث شيئاً لم يفعلوه من القربات والطاعات[(7)] ، و
رابعاً : نتساءل : هل جاء من بعدهم التابعون لهم بإحسان فخصوا تلك الليلة بشئ تذكره كتب المراجع وسيرهم ؛ فهم لم يفعلوا ذلك فلو كان الصحابة فعلوا لفعله التابعون ، ثم أتباع التابعين فلما لم يفعلوا ذلك ومرت القرون الثلاثة المفضلة ، لم يقع فيها احتفال بمولد ، ولا ليلة النصف من شعبان ، ولا في ليلة السابع والعشرين من رجب ، عُلم أن ذلك من البدع التي أحدثها الناس ، ثم لو أحدث بعض الناس شيئاً من البدع في القرن الثاني أو الثالث ، لم يكن حجة لأن الحجة فيما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه[(8)]. و
خامساً :نتساءل : متى بدأت فكرة الإحتفال بها وتخصيصها بشئ... !؟.
يبدو لي : أن حالة الضعف التي عليها مسلم موديل 2019 تلجئه لإشباع مظهر من مظاهر التدين فيكتفي بما نراه!!. فـتعَوّد المسلمون الاحتفال بها ليلة السابع والعشرين من رجب ، من كل عام وعمل الأكلات الدسمة... فقد تحول الإسلام من دين يحدد سلوكيات المسلم اينما كان إلى بضع مناسبات سنوية وحفنة قليلة من الشعائر المشاعرية لا تتعدي صلوات يتيمات إذا تيسر الحال .. وعمرة رجبية وآخرى في الربيع .. وحج..
* . ] " تَوَاتَرَت الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ "
لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة علىٰ صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلىٰ عظم منزلته عند الله -عز وجل- ، كما أنها من الدلائل علىٰ قدرة الله الباهرة ، وعلىٰ علوه -سبحانه وتعالىٰ- على جميع خلقه ، فقد اثبت النص القرآني -وهو جميعه قطعي الثبوت عن الله -سبحانه في علاه وتعالىٰ وعلا في سماه وتقدست اسماه- اثبت حادثة الإسراء فنسمع الله -تعالى ذكره- يقول : {سُبْحَانَ الَّذِي «أَسْرَى» بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[(9)]
ونتساءل :" لماذا ذكر النص القرآني في الآية التي تليها «كتاب موسىٰ» -عليه السلام- بعد ذكر الإسراء!!؟
فنطق الذكر الحكيم يقول : {وَآتَيْنَا مُوسَى «الْكِتَابَ» وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلا}[(10)]
ونتساءل : وما علاقة الآية الثانية بالاولى؟ .
الجواب بوضوح : لأن حادثة الإسراء موجودة وذكرها الكتاب المقدس... راجع معي:
*.] سفر التثنية (29) الآية (22)
*.] سفر الملوك الاول (8) الآيات (41-43)
*.] سفر اخبار الأيام الثاني 6 الآية (32-33)
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلىٰ السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها بدايةً خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتىٰ جعلها خمساً ، فهي خمسٌ في الفرض ، وخمسون في الأجر ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر علىٰ جميع نعمه[(11)] .
فحادثة المعراج ثبتت بالأحاديث المتواترة المبثوثة في الصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم ودواوين السنة عن جملة من الصحابة يزيد عددهم عن العشرين، قال الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان [وكتابه ضمن كتب التفسير المعتبرة واتخذ طريقة تفسير القرآن بما ورد في القرآن نفسه]: قال :" فقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه أنه أسري به من المسجد الحرام إلىٰ المسجد الأقصىٰ وأنه عرج به من المسجد الأقصىٰ حتىٰ جاوز السماوات السبع". [(12)].
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في الجواب الصحيح [وكتابه عمدة في بحوث مقارنة الأديان]: "وكذلك صعوده ليلة المعراج إلىٰ ما فوق السماوات وهذا مما تواترت به الأحاديث..." [(13)]
وقال ابن القيم-رحمه الله- في اجتماع الجيوش الإسلامية[وكتابه ضمن كتب العقيدة]:".... فمنها قصة المعراج وهي متواترة. [(14)]
ومن تلك الأحاديث المتواترة حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه -وهو حديث طويل- وفيه:" .... فانطلقتُ مع جبريل حتىٰ أتينا السماء الدنيا... "... وذكر أنه رأى في السماء الدنيا آدم -عليه السلام- وفي الثانية عيسى ويحيى -عليهما السلام- وهكذا.... والحديث نراجعه في صحيحي الإمام البخاري والإمام مسلم[(15)].
وكذلك حديث أبي ذر عند البخاري في كتاب الأنبياء وفيه:" ... فعرج بي إلى السماء.... ".. وحديث أنس أيضاً وفيه:" ثم عرج بي إلىٰ السماء الدنيا.. ".. نراجعه عند البخاري ومسلم. [(16)]
أما حادثة المعراج: فتجدها معي في الكتاب المقدس :
*.] سفر باروخ (3) الآية (29)... الآية (37) ؛ (38)
*.] يوحنا (3) الآية (13)
*. ] يوحنا (3) الآية (31).
هذا ما ستقرأه في الكتاب المقدس اليوم.
وقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ» التَّنْوِيرُ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ« وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ... ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ؛ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَعبدالله ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي ذَرٍّ ، وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَعبدالله ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ ، وَأَبِي حَبَّةَ ؛ وَأَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَجَابِرٍ ، وَحُذَيْفَةَ ، وَبُرَيْدَةَ ، وَأَبِي أَيُّوبَ ، وَأَبِي أُمَامَةَ ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، وَأَبِي الْحَمْرَاءِ ، وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ ، وَأُمِّ هَانِئٍ بنت أبي طالب، وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَىٰ مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَىٰ شَرْطِ الصِّحَّةِ ، فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَاعْتَرَضَ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُلْحِدُونَ { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [(17)] [(18)]
.* . ] زمنه:
ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَحَادِيثَ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ ، وَ
أَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ . وَ
رَوَىٰ البيهقيُ مِنْ طَرِيقِ موسى بن عُقبةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : أُسَرِي بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.
ثُمَّ رَوَىٰ عَنِ الحاكم عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِالْجَبَّارِ عَنْ يُونس بن بُكيرٍ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ : فُرِضَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَمْسُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ ، قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ [١٦] شَهْرًا . فَعَلَىٰ قَوْلِ السُّدّيِّ يَكُونُ الْإِسْرَاءُ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ ، وَعَلَىٰ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ . [(19)]
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَنْ سعيد بن مينا عَنْ جَابِرٍ وابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ [١٢] مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَفِيهِ بُعِثَ ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ[(20)] . وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُالْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي»سِيرَتِهِ« ، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ ، ذَكَرْهُ ابن كثير الدمشقي فِي »فَضَائِلِ شَهْرِ رَجَبٍ« ، قيل: «أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ . «وَاللَّهُ أَعْلَمُ . [(21)]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ ، وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[(22)]وَ
يَنْشُدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ * لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ [(23)]
وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ .
ومن السادة الشيعة نقرأ السؤال التالي :" متى كان الإسراء و المعراج؟.
فيجيب السيد جعفر مرتضى العاملي بالقول :" الإسراء والمعراج ، فقد كان في شهر رمضان المبارك . وقد روي أيضاً : أنه كان في شهر ربيع الأول ، وكلا التاريخين صحيح ، فإن إسراءات النبي -صلىٰ الله عليه وآله- ، قد تعددت... ثم يعقب بالقول :"... ويزعم أهل السنة أنه كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب . وهو غير صحيح "[(24)] ثم يقول:" إن المشهور هو: أن الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدة وجيزة [(25)].
أكمل فأقول :" فبعضهم قال: ستة أشهر".
وبعضهم قال: في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة أو في العاشرة.
وقيل: بعد الهجرة. [(26)]
وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنه كان في السنة الثانية من البعثة، [(27)] و
قيل: في الخامسة، و
قيل في الثالثة ـ وهو الأرجح عند السادة الشيعة ـ و
لذا يؤكد العاملي القول :" لعل ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا، حيث إنه ذكر الإسراء في أول البعثة كما ذكره عنه ابن كثير. [(28)]
وقال مغلطاي، بعد أن ذكر بعض الأقوال: (وقيل: كان بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: بعام ونصف عام. وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً). [(29)]
وقال ملا علي القاري: (وذكر النووي: أن معظم السلف، وجمهور المحدثين والفقهاء على أن الإسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهراً). [(30)]
وقال ابن شهر آشوب: (ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه في السنة التاسعة من نبوته). [(31)]
فإن قوله: (في السنة التاسعة) راجع إلى فرض الصلوات، وقد ظهر من كلامه: أن فرضهما كان بعد الإسراء والمعراج، ولكنه لم يبين لنا تاريخه بالسنة ولا باليوم والشهر.
وقال الديار بكري: (فأما سنة الإسراء، فقال الزهري: كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين. حكاه القاضي عياض، ورجحه القرطبي، والنووي.
وقيل: قبل الهجرة بسنة ..[(32)]."
محصلة البحث:
اهرق بين جنبتي صفحات البحث والتقصي مداد أقلام علماء.. والبحث يستحق أكثر مما قيل... بيد أن اختلاف العلماء في حادثة الإسراء والمعراج متى كانت مازال قائماً؟
فاختلفوا في أي سنة كانت!!؟ ؛ كما اختلفوا في الشهر!!؟..
فقيل: قبل الهجرة بسنة، وجرى عليه الإمام النووي ، وادعى ابن حزم الإجماع على ذلك، وقال القاضي: قبل الهجرة بخمس سنين.
كما اختلفوا في أي الشهور كانت، فجزم ابن الأثير وجمع منهم النووي بأنها كانت في ربيع الأول، قال النووي: ليلة سبع وعشرين، وعلى هذا جمع من العلماء، و
قيل: كانت في رجب. وقيل: رمضان. وقيل: شوال، وراجع سبل الهدى والرشاد للصالحي.[(33)]
أقول (الرمادي):" قال ابن القيم في (زاد المعاد) في شأن ليلة الإسراء نقلاً عن شيخه ابن تيمية:- (لا يُعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة علىٰ غيرها، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يُعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ). وقال: (لم يقم دليل معلوم علىٰ شهرها، ولا على عشرها- أي في العشرة أيام التي وقعت فيها -، ولا علىٰ عينها، بل النقول(*) في ذلك متقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة بقيام ولا غيره) [(34). على أن ليلة السابع والعشرين من رجب وإن اشتهر بين الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج لم يصح دليل علىٰ أنها هي.".
وعليه :" انقسم الناس في ليلة المعراج، في أي ليلة هي، وفي أي شهر هي، وأقرب الأقوال إلىٰ أنها كانت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأنها كانت في ربيع الأول وليست في رجب، ثم ابتدع الناس في هذه الليلة بدعاً لم تكن معروفة عند السلف، فصاروا يقيمون ليلة السابع والعشرين من رجب احتفالاً بهذه المناسبة، ولكن لم يصح أنها، أعني ليلة المعراج، أعني ليلة الإسراء والمعراج أنها كانت في رجب، ولا أنها في ليلة سبع وعشرين منه، فهذه البدعة صارت خطئاً علىٰ خطأ، خطئاً من الناحية التاريخية؛ لأنها لم تصح أنها في سبع وعشرين رجب، وخطأ من الناحية الدينية؛ لأنها بدعة، فإن الرسول -صلى الله عليه وعلىٰ آله وسلم- لم يحتفل بها ولا الخلفاء الراشدون من بعده ، ولا الصحابة ولا أئمة المسلمين من بعدهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلسلة : „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
د. محمد الرمادي
الخميس 28 رجب 1440هـ ~4 أبريل 2019م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) اقوال أهل العلم في المسألة المبحوثة:
[1. ] أبو الخطاب الأندلسي المالكي الشهير بـ:"ابن دحية الكلبي" -رحمه الله- [المولود سنة (546هـ)] في كتابه:"أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب”؛ (ص:110) حيث قال: " وذكر بعض القُصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.". و
[ 1 . 1. ] قال في كتابه“الابتهاج في أحاديث المعراج”؛ (ص:9): و:" قيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجال معروفون بالكذب. وقد
[ 2. ] نقل شهاب الدين أبوشامة المقدسي الشافعي -رحمه الله- [المولود سنة (599هـ)] في كتابه :“الباعث علىٰ إنكار البدع والحوادث” ؛ (ص: 232) ونقل ايضاً:
[ 3 . ] ابن حجر العسقلاني الشافعي-رحمه الله- [المولود سنة (773هـ)ي في كتابه: “تبيين العجب بما ورد في شهر رجب”؛ (ص:23).. اقول (الرمادي) :" نقلا كلام أبي الخطاب ابن دحية المتقدم ولم يتعقبانه بشيء.
[ 4 . ] علي بن إبراهيم بن العطار الشافعي الدمشقي -رحمه الله- [المولود سنة (654هـ)] في كتابه : “حكم صوم رجب وشعبان .... وما الصواب فيه عند أهل العلم والعرفان ... وما أحدث فيهما ... وما يلزمه من البدع التي يتعين إزالتها علىٰ أهل الإيمان”؛ (ص:34) حيث قال:" وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه، ولم يثبت ذلك.".
[ 5 . ] أبوالفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي -رحمه الله- [المولود سنة (701هـ)] في كتابه : “البداية والنهاية”؛ (ج: 3/ص: 108) حيث قال:" وقد أورد حديثاً لا يصح سنده، ذكرناه (أي ابن كثير) في ”فضائل شهر رجب” أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب، والله أعلم. " ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهى ليلة الرغائب التي أُحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك.اهـ
6 . ] .] أبوالفرج زين الدين عبدالرحمن ابن رجب الحنبلي البغدادي -رحمه الله- [المولود سنة (737هـ)] في كتابه:"لطائف المعارف”؛ (ص:177) حيث قال:" ورُوي بإسنادٍ لا يصح عن القاسم بن محمد :" أن الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره." ـ
[ 7. ] عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- [المولود سنة (1330هـ)] كما في : “مجموع فتاويه” (ج: 4/ص: 282) حيث قال:" أما ليلة الإسراء والمعراج فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تُعرف، وما ورد في تعيينها من الأحاديث فكلها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن قال: إنها ليلة سبع وعشرين من رجب فقد غلط، لأنه ليس معه حُجَّة شرعية تؤيد ذلك.". و
[ 7. 1. ] قال أيضاً (1 /192) :" الصحيح من أقوال العلماء أنها لا تُعرف " وقول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب، قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة."ـ و
[ 7. 2. ] قال أيضاً (1 /183) و:" هذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها.".
[ 8 . ] محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- [المولود سنة (1347هـ)] كما في “مجموع فتاويه ورسائله” (ج: 22/ ص : 280) حيث قال: " يظن بعض الناس أن الإسراء والمعراج كان في رجب، في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصح فيه أثر عن السلف أبداً، حتى إن ابن حزم -رحمه الله- حكى الإجماع على أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ولكن الخلاف موجود، فلا إجماع، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشرة أقوال، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:" كلُّ الأحاديث في ذلك ضعيفة منقطعة مختلفة لا يعوَّل عليها”. .. يكمل الشيخ -رحمه الله-:" إذًا... ليس المعراج في رجب، وأقرب ما يكون أنه في ربيع. ". و
[ 8. 1. ] قال أيضاً (20 /69):" يظنون أنها ليلة الإسراء والمعراج، والواقع أن ذلك لم يثبت من الناحية التاريخية، فلم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسري به في تلك الليلة، بل إن الذي يظهر أن المعراج كان في ربيع الأول." . و
[ 8. 2. ] قال أيضاً (22 /274):" وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب، وفي ليلة السابع والعشرين منه، فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأحسن وأظهر الأقوال أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول." و
[ 8. 3. ] وقال أيضاً كما في فتاوى “نور على الدرب” (ج: 1/ص: 576):" ثم إننا نقول [أي : الشيخ ابن العثيمين ] أيضاً: إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي، بل إن أقرب الأقوال في ذلك -على ما في هذا من النظر- أنها في ربيع الأول، وليست في رجب، كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذاً لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج، وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لم تصح تاريخياً كما أنها لم تصح شرعاً.".

 《..صفيحة..》سردينه(*)!

ما أن أوشك اليوم العالمي الدولي للمرأة أن أُسدلت ستارته على المشهد العام المخزي المخجل لما وصلت إليه حال المرأة... ووضعها حتى قرأ الجميع تقاريرا عن أحوالهن في كافة اصقاع العالم مروراً بالغربية... -صاحبة الفكرة- وهي التي ما زالت تتجرع مرارة التحرش الجنسي في أماكن العمل مما جعل البرلمان النمساوي [مثالاً] يصدر قانونا منذ سنتين بتجريم ومعاقبة الذكر السافل الذي يتجرأ فيقترب من مؤخرة ما ترتديه ليمنع حرية تحركاتها سواء في أماكن العمل ومكاتبه أو المواصلات والشارع العام إذ أنها راغبة أن تلبس ما تريد وبالكيفية التي تعجبها... دون مراعاة لذئب تحركه هرموناته فيغتصبها... أو قانون برلماني آخر تدفع -هي- فاتورته بتغريمها [150 €] إذا غطت وجهها ببرقع.. والمشرع الغربي يحاول الحفاظ على الأولى منعا للتحرش بها [والتحرش بالأنثى؛ بغض النظر عن طيفيته أو درجته: ثقافة ذكر] ويسعى لسد الفجوة العميقة بين الجنسين ومحاولة يائسة تلو آخرى للمساواة بينهما... ويحاول تقييد الثانية [كــ صاحبة "رمز " ديني... مما دعا نساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى الخروج للشارع تعبيرا عن رفضهن ارتداء "الشادور"]... كأن مشكلة المرأة في الغرب والشرق قطعة قماش وليست قضية إنسان صاحب أهلية له حقوق وعليه واجبات ويجب أن يحترم... فعند التعرية يدفع الذكر الغرامة لتحرشه وعند التستر تدفع المرأة الغرامة سواء المالية أو من حريتها الشخصية لتغطيتها... والقانونان جُعلا لحماية المرأة أو حماية المجتمع...
وتزداد درجة الخجل للرجل والخزي للمرأة حين أتكلم عن نموذج -طفح على السطح أعلامياً- المرأة "الداعشية"... سواء الغربية التي سافرت عن طريق تركيا أو العربية... اثنتان -مِن مجموع مَن انتظمن في دولة الخلافة المزعومة(!) وكلهن يحملن أطفال- اثنتان من فيينا عاصمة جمهورية الألب وثالثة بريطانية.. الأخيرة سُحبت منها جنسية الدولة التي ولدن فيها بأمر من وزير خارجيتها ووافقت عائلتها ذات الأصول البنجلاديشية على قرار الوزير؛ فالعائلة مازالت في انجلترا... وحين مات وليدها -في آحدى المخيمات- ذو العشرة أيام هاجت منظمات حقوق الإنسان [الغربية(!)] وماجت وسُمع صوت يعلو في سماء لندن ذي الغيوم الداكنة يقول:"أبناء الغرب (المتحضر) يموتون في بلاد الشرق (المتخلف)!!!".. والثلاثة تركن بيت العائلة في الخامسة عشر من عمرهن.. منذ ما يقرب من خمس سنوات مضت.. وبقية النساء الدواعشة كُنَّ فأصبحن مرتع خصب لماء ذكور داعش فعوملن كأنهن في سوق النخاسة لإمتاع الذكر الداعشي بعد وجبة قام بها من القتل والتخريب.. أو الترويج لأفكاره الفاسدة.. ومن مِصر سَمع المرء عن نكاح الجهاد.. ومن دول الخليج نسمع عن نكاح المسيار ونكاح المُصيّف ونكاح المُشتي... وفي إيران نسمع عن نكاح المتعة... أُنهي -كاتب هذه السطور-.. المشهد المخزي بالمرأة الأيزيدية والتي كانت تباع من ذكر حقير إلى ذكر ذليل فيعلوها ثالث خلال أقل من ثلاث سنوات... فلا علم لهؤلاء عن قضية حفظ الأنساب أو مسألة براءة الأرحام وطهارتها من ماء ذكر مر فوقها منذ قليل... فحشرت المرأة الإنسان في «„ صفيحة ‟» «„ سردين ‟» معلب فصارت الأنثى إما تفترش فتعلق كمشهد مكمل للإعلان عن سيارة [موديل] أو تقعد فـ تفترش للمتعة الحرام بغض النظر عن مسماها... وفي ألمانيا محاولة لـ«„ تفسير أنثوي ‟» للقرآن... هكذا يرى المراقب المتتبع للمشهد الأنثوي في عام 2019 الميلادي الموافق 1440 الهجري... وضع الأنثى وليس حال المرأة...
وما جعل الصورة بالفعل قاتمة أن قبله -اليوم الدولي العالمي للمرأة- يسبقه يوم آخر اطلق عليه زورا وبهتانا يوم الحب.. فتنمو قبله بأيام صناعة الحلوى والشيكولاته وتزدهر محلات الورود والأزهار بالزبائن...
ويتألم الرجل العادي لما يحدث إذ يظن العاقل أن يوم الحب يعتبر تمهيداً ليوم المرأة.. لكن الحقيقة المخجلة أن الأول تعبيرا -كهنوتياً- عن ضعف الشعور بها كامرأة وليس كـ أنثى فتصنع -منظمة الأمم المتحدة- لها يوما في العام تعويضا عما تعانيه الأنثى -الجندر- وليس كامرأة خلال عام كامل... فاخترع اليوم الثاني -يوم المرأة- تفاديا لضعف الإحساس بها في يومها الأول..
والحقيقة أن المرأة تعيش أياما في كل حياتها... لا تخرج من يومٍ حتى يأتيها اليومَ التالي؛ ثم أرهقت بيوم النسيان سمي بعيد الأم... فكلف غيرها بيوم المرأة... ثم كلفت مرة ثانية بيوم الطفل ... ثم كلف غيرها بيوم الحب.. وغاب النموذج الصالح الذي ينبغي بل يجب أن يقدم فيتحذى به ... وهي التي أُرهقتْ طوال حياتها الدنيا [والحمد لله أنه فقط في الدنيا... وليس في الجنة لمَن ستسكنها رحمةً بها من خالقها؛ ولما فعلته طاعةً له سبحانه] أُرهقتْ طوال حياتها الدنيا بأيامها الخاصة بها في كل شهر قمري... ففي استطلاع لرأي صاحبات الحيض أظهر أن ما يقترب من 74% من النساء يعانين من آلام في منطقة الحوض والظهر وعدم اعتدال في المزاج اليومي العام... مع ما يصاحب ذلك كله من حالة نفسية متدنية وضعف ملحوظ في العمليات الحسابية ودراسية في مادة الكيمياء والفيزياء؛ فتتكبل في أيامها... وهذا طوال فترة خصوبتها.. وزمن انتقالها من مرحلة الطفولة لطور البلوغ الكامل والأنوثة المرغوب فيها... ثم تتكبل في حملها ما يقترب من 260 يوما... ثم مباشرة تعيش ما يقترب من 40 يوما... أيام نفاس... ثم تتكبل برضيعٍ نظافةً وإطعاما وتربية ولعباً وسهراً... ثم تنتظر أياما بعد تلك الأيام كل شهر فتعاد أيامها كرةً آخرى... وهكذا دواليك... أيامها تتلوها أيام لها إلى أن تصل لأيام اليأس... والإنتقال إلى سن المعاش البيولوجي والتقاعد الأنثوي فتشعر أن زهرتها زبلت وبريق وردتها انطفأ... وشمعتها ذابت... فتتعاطى هرمونات الأنوثة لعل تبقي على ما تبقى(!)... وهذه المراحل الحياتية تعود لتركيبتها الأصلية منذ نشأتها... وهذا بحث آخر جديد يحتاج مراجعة من المجتمع ومن المُشرع والأهل...
... لكن مَن تدري -منهنَّ- فهي تعلم أن التركيبة الأصلية لها هكذا... فيؤكد صاحب الهدي بأن هذا «„ أمر كتبه الله على بنات آدم ‟» واللافت هنا أنه -عليه السلام -قال : «„ آدم ‟» ولم يقل : " أمرٌ كُتب على بنات: «„ حواء ‟»... رفعةً لشأنهن... كي لا يحصر الأمر بينهن... ولكن يعارض هذا القول ما قد :" قَالَه بَعْضُهُمْ كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ "... ومن هنا علم مِن أين جاءت النظرة الدونية لها !؟...
ثم تأتي سلسلة من الأحكام الشرعية العملية اليومية في كيفية المعالجة وطريقة الحياة معها فيخبرنا -صاحب الهدي- نحن رجال أمته وليس ذكورها بقوله :«„ رفقاً بالقوارير ‟»... وهذه تحتاج ترجمة سلوكية... ولعله ابلغ تعبير عن وصف كائن يملك كتلاً من المشاعر ومحيطاتٍ من العواطف وأنهارا من الأحاسيس... ثم يأتي القول الفصل في المسألة منبهاً ثم أمراً :«„ استوصوا بالنساء خيراً ‟»... ويقرب المثال فيقول :" خيركم لأهله... "..
وما لفتَ انتباهي -حقا وصدقاً- وسبقتني إليه السيدة «وسام... أم آدم» فكتبت فيه عدة مقالات في الموضوع على موقع «„استروعرب نيوز‟»... لفت انتباهي أنه في كل كتب أصحاب المذاهب وفي كل كتب فروع الفقه تجد بابا يتحدث عن «„ عشرة النساء ‟»... وهذا أولاً... ثم بابا يتحدث عن حق المرأة على الزوج وهما بابان اثنان... يقابله باب واحد فقط يتكلم عن حق الزوج على المرأة... ثم تتبعت الأمر فلم أجد بابا يتكلم عن عشرة الرجال... مما يمكني من القول بأنهنَّ في أيامهن يحتجنَّ رعاية خاصة؛ ومَن يقترب من عروشهن لابد أن يحسن معاملتهن معالجة خاصة؛ ويحتجن من أصحاب العقول وأهل الألباب فهم خاص...
أما الرجل فهو تربية امرأة منذ زمن الحمل به مرورا برضاعته فتربيته ونظافته فمرحلة تعليمه وحتى تطبيبه أو علاجه في المستشفيات العامة أو الخاصة... ماعدا بعض الحالات... تجد ملآئكة الرحمة «„نساء‟»...
وكما قالت جدتي لأبي لحديثة عهد بزواج ناصحة لها : «„ ابنِك على ما ربتيه ... والشاهد من قولها :" وزوجِك على ما عودتيه ‟»..
فقلت لها -جدتي... وليس الفتاة حديثة العهد بالزواج - مازحاً :" يوجد رجل يخالف قاعدتكم تلك «„ الذهبية ‟» يا جدتي !!؟؟...
فنظرتْ إليَّ غاضبة مغضبة... تشذرت؛ وكأنها : تريد أن تشذرني وقالت :"الرجاله كلهم زي بعض!!"...
فسكتُ لقوة شخصيتها من زاوية السلامة؛ وأغلقتُ من أمامها نافذة الندامة وبلعتُ لساني من باب الخوف من أن لا أحصل طبق العشاء "اللذيذ" من يدها الكريمة وهي طاهية جيدة بل ممتازة.. أو طبق الفطور.. وكلاهما -الفطور والعشاء - طقس مقدس عندها طالما اسكن بجوارها...
... السيد الجليل والنبي الكريم الرسول الخليل جاء ليغيّر مفاهيم مجتمع؛ ويبدل قناعات أمة؛ ويحول أفكار جاهلية إلى أفكار إسلامية نورانية ربانية... بيد أن جاهلية العرب أو جاهلية الأمم قبل الرسالة تجدها في كتب التاريخ يعرق لها الجبين خجلاً ... والذي يزيد العرق تصبباً جاهلية من أبتعد عن رسالته بعد تبليغ كامل الرسالة....!!!
د. محمد الرمادي
11 مارس 2019م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) النظرة الدونية للمرأة لا تقتصر فقط على مَن يسكن في دول العالم الثالث -وفق التقسيم الديجولي؛ المارشال الفرنسي-. ولكن تجد تلك النظرة الدونية تحتاج العالم أجمع خاصة في الدول الغربية فمرتب المرأة الغربية اليوم -2019- يقل عن مرتب الرجل.. وهي التي حصلت على نفس المستوى العلمي والأكاديمي وتقوم بنفس المهنة أو الوظيفة بما يقترب من 20%.

 《يومها...》

مدخل للموضوع :
يزدادُ شهرُ مارس احتفاءً كبيرا - عاماً بعد عامِ -، ومردُّ ذلك إلى أنه غدا في عُرف الناس(!) شهراً للمرأة، ومِن ثم تتضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ومنصات التواصل الإجتماعي في العالم استعداداً للاحتفال باليوم العالمي الدولي للمرأة، وتتعبّـأ كل المؤسسات العاملة من وسائل إعلام وغيرها، وكلُّها تترقب حلول الثامن من هذا الشهر، الذي يظن الناس أنه فرصة لِلَفْت النظر إلى معاناة المرأة، وما يستتبع ذلك من مطالبة بحقوقها “المُهْدَرَة” ولذلك تحتاج المرأة إلى يوم عالمي، وهنا تُطرح أسئلة كبرى :
* . ) لماذا أصبحت المرأة قضية العالم؟ و
* . ) لماذا تعاني المرأة في المجتمعات الإنسانية ؟ و
* . ) هل قضية المرأة قضية يوم واحد، أم قضية الحياة ؟ و
* . ) أين موضع الخلاف والاتفاق في قضية المرأة ؟ و
* . ) هل ظُلمت المرأة المعاصرة بسبب الدين والعادات والأعراف والتقاليد ، أم بسبب الإنسان... الذكر؟ و
إذا كان الله تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه مُنْزِلَ الدين... نظام حياة.. طريقة معينة في العيش طراز خاص من المعاملات...
* . ) فهل يُعقل، بل هل يُشرَع أن تُـظلم المرأة في رحاب دين الله.
....《 المرأة النموذج (!!!؟.) ..》
حين أريد أن أكتب عن المرأة... اتوقف هنيةً... فإذا مَضَى هِنْوٌ من الليل... أرتب افكاري كي أحسن التفكير ومن ثم أحسن التعبير فافصح في الكتابة... فاكتب عنها... إلا هذا العام فأجد نفسي محبطاً في الحديث عنها... وهذا يعود إلى ما ( تنبأ به المؤتمر الاقتصادي العالمي (دافوس) بأن الفجوة الواقعة بين النساء والرجال لن تغلق تماما إلا بحلول عام 2186م[(1)].)...-أي بعد ما يقرب من سبعين عاماً من الأن والفجوة المقصودة... مرجعها (واقعيا (تلك الــ ( مساحة الفاصلة بين الرجال والنساء في الكثير من الأمور، بما في ذلك الدول المتقدمة الغربية.. وهي دول العالم الأول؛ رغم التطور الكبير في الحضارة الإنسانية وامتلاك الإنسان مدنية حديثة عالية[(1)]).
.... هذا كما يشغلني أيضاً المرأة النموذج الذي سيقدم(!)...
وأبرز القضايا المُلحّة : حق المرأة في العمل وعليه اجرها مقابلة بالرجل؛ والتصدي للعنف بشتى أنواعه ضد النساء، ووضعية النساء والأطفال في الحروب... التي تجوب العالم، وحقها السياسي... وغيرها من المسائل المطلوبة للتقريب بينها والرجل. [(1)])
أو ما يطلق عليه الأن المقاربة النوعية!.. [الجندر]
ولعل قضية المرأة صارت كــ من يحرث في البحر.. أو يزرع في المحيط!!
* : «الخبز والورد«
كان العام 1856م قد شهد خروج آلاف [ 000 ,15 ] النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كنَّ يُجبرنَّ على العمل تحتها، وقد عملت الشرطة بطريقة وحشية على تفريق المظاهرات، برغم ذلك فقد نجحت المسيرة في دفع المسؤولين وارغمت السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية، لتبرز كقضية ملحة لابد من النظر فيها[(1)].
وتكرر هذا المشهد في 8 مارس 1908 حيث عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع نيويورك، وهذه المرة تظاهرنَّ وهنَّ يحملنَّ «الخبز» اليابس وباقات «الورد»، في إطار رمزي لحركتهنَّ الاحتجاجية كــ «شعار» ؛ وكانت تلك المسيرة قد طالبت بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع[(1)].
فكانت حركة «الخبز والورد» قد اشعلت شرارة البداية كـ حركة نسوية داخل الولايات المتحدة تطالب بكافة الحقوق الأساسية للمرأة بما في ذلك الحق السياسي والمساواة في ظروف العمل. وفيما ترمز «الوردة» إلى الحب والتعاطف والمساواة.. فإن «الخبز» يرمز إلى حق العمل والمساواة فيه[(1)].
أول احتفالية في 1909
بعد مرور عام من اليوم -8 مارس 1908 - نفسه، كان الاحتفال الأول بالمناسبة تخليدا لتلك الاحتجاجات-النسوية وذلك في 8 مارس 1909، في أميركا وكان يعرف باليوم القومي للمرأة في الولايات المتحدة الأميركية؛ بعد أن عيّن الحزب الاشتراكي الأميركي هذا اليوم للاحتفال بالمرأة تذكيرا بإضراب عاملات صناعة الملابس في نيويورك، حيث تظاهرت النساء تنديدا بظروف العمل القاسية.
ومن ثم ساهمت النساء الأمريكيات[(3)] فـ اندفعت الحركة نفسها إلى الدول الأوربية إلى أن تم تبني اليوم على الصعيد العالمي بعد أن وجدت التجربة صدى داخل أميركا[(1)] .
فبدايات هذا اليوم وتطوره كانت في الأعوام :
ففي 28 فبراير 1909 جرى الاحتفال في الولايات المتحدة لأول مرة باليوم الوطني للمرأة تكريما لإضراب عاملات صناعة الملابس في نيويورك عام 1908 اللائي تظاهرنَّ تنديدا بظروف العمل.، وظل هذا الاحتفال قائما كل آخر أحد من شهر فبراير حتى عام 1913.
في 1910 اقترح مؤتمر الاجتماع الاشتراكي الدولي الذي عقد في كوبنهاغن إقامة يوم للمرأة يأخذ طابعا دوليا للتأكيد على حقوق المرأة ودعم حقها في الاقتراع فيما عرف باسم «مبادرة كوبنهاغن»، ولقي هذا المقترح ترحيبا كبيرا من المؤتمر الذي حضرته أكثر من 100 امرأة من 17 دولة، من بينهن أول ثلاث سيدات فنلنديات انتخبن في برلمان بلادهن[(3)].
ويعود أصل هذا اليوم العالمي للمرأة لعام 1911م عندما كانت النساء تناضل من أجل حق التصويت[(4)] ففي 1911، جرى الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة في 19 مارس فتم عقد أول يوم عالمي للمرأة في النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا، وشارك في الاحتفالات أكثر من مليون رجل وامرأة، في مسيرات للمطالبة بحق المرأة في التصويت وشغل المناصب العامة والعمل والتدريب المهني ووقف التمييز ضدها في العمل[(3)].
في 1913، أصبح اليوم العالمي للمرأة آلية للتظاهر ضد الحرب العالمية الأولى، وجاء احتفال الروسيات بأول يوم عالمي للمرأة في آخر يوم أحد من شهر فبراير[(3)].
بعد ذلك تم اختيار يوم 8 مارس للاحتفال بالمناسبة، وبالفعل نظمت نساء كثيرات في أوروبا في مثل هذا اليوم من عام 1914 تظاهرات للتنديد بالحرب وللتأكيد على حقوق المرأة. [(3)]
في نهاية فبراير [(2)]1917 خرجت نساء روسيات في تظاهرات تحت شعار "من أجل «الخير» و«السلام»"، فـ احتججنَّ النساء في روسيا تحت شعار «الخبز» ... «السلام»[(4)] وانتهت هذه التظاهرات بمنح المرأة الروسية حق التصويت[(3)]. ...
لم تكتسب فكرة «كلارا زيتكين» الأولية زخما.. فـ في عام 1910، اقترحت سيدة تدعى «كلارا زيتكين» في مؤتمر دولي للنساء العاملات في كوبنهاغن بأن يصبح 8 مارس يوماً عالمياً. وحضر المؤتمر 100 امرأة من 17 دولة وافقوا جميعاً بالإجماع على المقترح.؛ ووافق المؤتمر الدولي الاشتراكي في عام 1910م على تشجيع الناشطة الألمانية «كلارا زيتكن»، والتي قررت جعله عطلة رسمية في الولايات المتحدة.[(5)] فلم يصبح يوما للمرأة عالميا بصفة رسمية إلا عندما طالبت النساء الروسيات المضربات بـ «الخبز» و«السلام» خلال الحرب العالمية الاولى عام 1917، وبعد أربعة أيام من اضرابهن، أجبر القيصر الروسي على التنازل عن العرش، ومنحت الحكومة المؤقتة حق التصويت للنساء. وكانت روسيا تستخدم تقويم جوليان حيث كان الاحتفال بهذا اليوم يصادف في روسيا يوم 23 فبراير، المصادف للثامن من مارس حسب تقويم غريغوري.
وفي عام 1921م تم تغيير تاريخ يوم المرأة رسمياً للثامن من مارس[(5)]. [(2)]. .
في 1975، أقرت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس.
وصدر «إعلان ومنهاج عمل بكين» الذي انعقد في سبتمبر من عام 1995 وكان بمثابة خارطة طريق وقعتها 189 دولة، إن الدول الموقعة عقدت العزم على "التقدم في تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء... نعترف بأصوات جميع النساء في كل مكان".
قدمت الوثيقة تصورا للعالم تحظى فيه المرأة بحقها في ممارسة اختياراتها، مثل المشاركة السياسية والحصول على التعليم والحصول على أجر والعيش في مجتمع خال من العنف والتمييز.
منذ 1996 تختار الأمم المتحدة شعارا لهذا اليوم، واختير لعام 2018 شعار "الضغط من أجل التقدم[(3)]".
إذاً جاءت فكرته نتيجة النمو السكاني، والتوسع الكبير والاضطرابات التي شهدها العالم الصناعي، وظهور أيديولوجيات راديكالية ساهمت في إبراز دور المرأة في المجتمعات[(9)]
الاعتماد الأممي في 1977
غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة، لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة إلا عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للإحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن[(3)]
تم توقيع أول اتفاق دولي يؤكد على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من قبل الأمم المتحدة في عام 1945م، فـ ساعد على وضع تأطير تاريخي للخطط العامة، والبرامج والأهداف المتفق عليها دولياً لتحسين وضع المرأة في كل أنحاء العالم، وبمرور الزمن، قامت الأمم المتحدة ووكالاتها الفنية بتعزيز مشاركة المرأة في تحقيق التنمية المستدامة، والسلام والأمن، واحترام حقوق الإنسان، لكونها شريك مساو للرجل في كل ذلك[(9)]؛ ومن ثم احتفلت الأمم المتحدة بأول تاريخ رسمي للمرأة الدولية في 8 مارس عام 1975م[(8)]، وبعد عامين تبنت الجمعية العامة قراراً يدعو للاحتفال بيوم الأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام الدولي في 1977م وفي أي يوم من قبل الدول الأعضاء وفقاً لتقاليدها التاريخية والوطنية[(4)]، فـعلى المستوى الرسمي وعلى الصعيد العالمي فإن منظمة الأمم المتحدة اعتمدت اليوم العالمي للمرأة لأول مرة سنة 1977 ليتحول هذا التاريخ إلى رمز لنضال المرأة وحقوقها يحتفل به سنويا[(1)]. ويصبح :" اليوم الدولي للمرأة[(2)] ".
واليوم الدولي »لها« يقام للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية. وفي بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم. ووزيرة الشئوون الخارجية النمساوية أعطت لزميلاتها-فقط- عطلة مدفوعة الأجر هذا اليوم في العام الماضي المنصرم[2018م] فـ الاحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945م. ومن المعروف أن اتحاد النساء الديمقراطي العالمي يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، وكان أول احتفال عالمي بيوم المرأة العالمي رغم أن بعض الباحثين يرجح أن اليوم العالمي للمرأة كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة. في بعض الأماكن يتم التغاضي عن السمة السياسية التي تصحب يوم المرأة فيكون الإحتفال أشبه بخليط بيوم الأم، ويوم الحب. ولكن في أماكن أخرى غالباً ما يصحب الاحتفال سمة سياسية قوية وشعارات إنسانية معينة من قبل الأمم المتحدة، للتوعية الاجتماعية بمناضلة المرأة عالمياً. بعض الأشخاص يحتفلون بهذا اليوم بلباس أشرطة وردية.
:" أهمية يوم المرأة العالمي
يعد يوم المرأة العالمي الدولي مناسبة يتم بها الاحتفال بالتقدم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين والسعي لذلك في جميع انجاء العالم، بالإضافة إلى تمكين المرأة، إلى جانب الاعتراف بـأعمال وإنجازات النساء، ولهذا تعمل المنظمات العالمية بما في ذلك الأمم المتحدة واليونسكو في تعزيز جميع مجالاتها لتحقيق المساواة بين الجنسين[(10)] حيث تمّ إصدار ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م وهو أول اتفاق دولي يؤكد على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وقد ساهمت الأمم المتحدة بخلق إرث تاريخي من الاستراتيجيات والمعايير والأهداف المتفق عليها دولياً من أجل النهوض بوضع المرأة في جميع أنحاء العالم[(11)].
بعبارة آخرى:" يوم المرأة العالمي هو يوم للاحتفال الدولي، ودعوة لتحقيق التكافؤ بين الجنسين، من جهة أو منظمة حكومية أو غير حكومية، أو مؤسسة خيرية، أو جمعية نسائية، أو مؤسسة أكاديمية، أو مركز إعلامي مسؤول عنه، أنه يوم تعلن فيه العديد من المنظمات عن رغبتها في تنظيم احتفالية تخصه، ويدعم جدول أعماله، ويقدم أبرز إنجازات النساء في العالم ككل، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو الطائفة، أو اللون، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة، والناشطة الاجتماعية والسياسية الشهيرة عالمياً غلوريا ستاينم: "إن قصة نضال المرأة من أجل المساواة لا ينتمي إلى نسوية واحدة ولا إلى منظمة واحدة وإنما إلى الجهود الجماعية لكل من يهتم بحقوق الإنسان[(12)].
أهداف يوم المرأة
يعتبر الهدف العام من اليوم العالمي للمرأة في تخصيص وقت للتأمل في الوقت المحرز والدعوة للتغيير والاحتفال بأفعال الشجاعة والعزيمة من قبل النساء العاديات اللواتي لعبن دوراً استثنائياً في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن، كما وتعتبر فرصة للنظر في كيفية تسريع خطة عام 2030م والتي تهدف لتنفيذ فعال لأهداف التنمية المستدامة، وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء وضمان التعليم الشامل والجيد للجميع، بالإضافة إلى تعزيز التعلم مدى الحياة.[(6)]
وحاليا فإن 50% فقط من النساء في سن العمل يجدن الفرص في مقابل 76 بالمئة للرجال من هم في سن العمل؛ بالإضافة إلى المشاكل الأخرى مثل ضعف الأجور وغياب العديد من الحقوق[(1)].".
**.]:" من ناحية مبدئية فإن هذه الاحتفالية السنوية تهدف إلى تشجيع المساواة بين الجنسين ودفع المرأة إلى العمل وعموما جعل العالم مكانا أفضل لعيش النساء[(1)]. و للاحتفاء بإنجازات المرأة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وكفاحها الطويل لنيل حقوقها؛ وهو أيضا مناسبة تتخللها مسيرات وتظاهرات وأنشطة للتأكيد على المساواة بين الجنسين. [(3)].
وهو يومٌ أصله علماني؛ اشتراكي ثم عالمي؛ ومتعلق به كل مِن : يوم الأم، يوم الطفل، يوم الرجال الدولي ، يوم الأب[(2)].
في بعض المناطق تتلقى النساء الأزهار والهدايا الأخرى، وفي بلدان أخرى يتم ترتيب محادثات وعروض وغيرها من الأنشطة في هذا اليوم[(5)]. وهو عطلة وطنية في العديد من البلدان[(7)]
فعاليات يوم المرأة العالمي
من أبرز الفعاليات التي تقام في يوم المرأة العالمي مايلي[(13)]:
* عمل برامج تليفزيونية تدعى فيها العديد من النساء، والقادة السياسيين، ورجال الأعمال، وكبار الأساتذة، والمخترعين، والشخصيات المشهورة والمؤثرة في المجتمع للتحدث حول أهمية هذه المناسبة وأثرها على المجتمع.
*عمل مؤتمرات، وندوات، ومآدب الغداء والعشاء أو وجبات الإفطار احتفالاً بهذه المناسبة.
*تركيز الحوار في هذه البرامج والمؤتمرات على دور المرأة وما حققته في المجتمع من ابتكارات، وريادة في العديد من المجالات، والمطالبة بمعرفة أهمية منحها للتعليم، وتكافؤ فرص العمل مع الرجل.
*مشاركة الطلاب في بعض المدارس، والمراكز التعليمية، والجامعات في دروس أو نقاشات تدور حول أهمية المرأة في المجتمع وتأثيرها والقضايا التي تؤثر عليها.
*يقدم أطفال المدارس في بعض البلدان الهدايا إلى معلماتهم ،وتتلقى النساء هدايا صغيرة من الأصدقاء أو أفراد الأسرة.
*الاحتفال بذكرى يوم المرأة العالمي إعلامياً من خلال النشرات الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
-*-*-*
ملف من إعداد :
د. محمد الرمادي
الأربعاء 06 مارس 2019/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(1)] المصدر: عماد البليك ؛ تعرّف على قصة يوم المرأة العالمي " 8 مارس" الخميس12 جمادي الثاني 1438 هـ ~ 09 مارس 2017م
[(2)] اليوم العالمي للمرأة؛ من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
[(3)] حقائق عن اليوم العالمي للمرأة؛ 07 مارس، 2018.
[(4)] بحث حول اليوم العالمي للمرأة؛ براء الدويكات، ١٧ يوليو ٢٠١٨.
[(5)] "International Women's Day"، www.kids.britannica.com, Retrieved 14-7-2018. Edited.
[(6)] ["International Women's Day "، www.un.org, Retrieved 14-7-2018. Edited.].
[(7)] مقالة عن يوم المرأة العالمي؛ بواسطة: عائشة فهد، ٣ يناير.
[(8)] "International Women's Day"؛ www.britannica.com, Retrieved 31-12-2018. Edited.
[(9)] ما هو يوم المرأة العالمي؛ محمد مروان، ١٥ مايو ٢٠١٨.
[(10)] "International Women's Day 2018", www.en.unesco.org, Retrieved 31-12-2018. Edited.
[(11)] "International Women's Day ", www.un.org, Retrieved 31-12-2018. Edited.
[(12)] " About International Women's Day (8 March)", www.internationalwomensday.com, Retrieved 13/5/2018. Edited..
[(13)] "International Women's Day", www.timeanddate.com, Retrieved 13/5/2018. Edited..

 موسم
سلسلة
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾

﴿„ 1 ‟﴾ „ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
ما جاء في شهر „ رجب ‟
يوافق أول رجب للعام 1440 من السنة الهجرية يوم الجمعة 08 مارس 2019م...
ولي وقفة شرعية!!....
... إذ ان الأصل في الأفعال التقييد بالحكم الشرعي والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم ونأتي بالحكم الشرعي من الوحي الذي نزل به أمين السماء الملك جبريل عليه السلام على قلب النبي الخاتم والرسول المتمم أمين السماء والأرض .. أي من مصدريه الصحيحين:
1 . . ] كتاب رب العالمين ... الذكر الحكيم ... القرآن المجيد ؛ وهذا أولاً
و ثانياً:
2 . . ] السنة النبوية الشريفة الصحيحة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل التبريكات وعظيم الرحمات...
واستعين بعد الله تعالى في سماه وتقدست أسماه بالسادة النجباء العلماء النبهاء ..
كما أن الأصل معرفة ما جاء في كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- وسنة نبيه عليه السلام قبل الإقدام على الفعل .. وليس إثناءه أو بعده... أيا كان هذا الفعل صغر أم كبر ... وهذا يتطلب قراءة تشريعية منهجية للكتاب الكريم وبالطبع قراءة تعبدية ... ثم قراءة فهمية إدراكية لسنة المصطفى وهدي المجتبى وطريقة المحتبى المرتضى ..
وبهما : كتاب كريم :{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }... وسنة نبوية محمدية .. ومنهما جميع الآيات الكريمات الشريفات والأحاديث النبوية المتعلقة بمسألة البحث.. كي يتسنى استخراج .. استنباط الحكم الشرعي...
وارجو من السميع العليم الخبير البصير أن يوفقني لما فيه صلاح ديني وصالح معاشي ... فالتوفيق منه تعالى ذكره وجل قدره .. والهداية بأمره ... والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ......... فلنبدء معاً بإذنه تعالى ومشيئته...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يغلب على ظن المتابع للشأن العربي؛ أو المراقب لحال التجمعات الإسلامية ؛ إذ لا يصح استعمال مصطلح الأمة الإسلامية ؛ بمفهوم الأمة المتعارف عليه فهي في حقيقتها تجمعات شتى مختلفة في كل شئ.. فلا يربطها أي رابط ولا تجمعها أي وشيجة.. وإن كان الظاهر أن افرادها يتجهون إلى قبلة واحدة وقت صلاتهم .. ويصومون معا في شهر واحد في العام مع اختلاف مطالعهم .. ويحجون معاً إذ البقعة في مكان واحد محدد وإن البعض ينحر بخلاف ما مَن يكون في منى .. و لا يصح استخدام مصطلح الأمة المحمدية باعتبارها تتبع سبل خاتم الأنبياء وهدي آخر الأنبياء وشريعة ومنهاج متمم المبتعثين وتسير خلف الكتاب الذي نزل بواسطة أمين السماء الملك جبريل على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله .. إذ أن الواقع المعاش اليوم يختلف عن واقع الكتاب الكريم وآياته خاصة آيات الأحكام وأيضاً يختلف عن السنة المحمدية.. خاصة أحاديث الأحكام ...
أقول : يغلب على ظن المتابع أو المراقب أن العرب غائبون عن المشهد الحالي في الساحة العلمية أو الثقافية أو السياسية.. فلا تأثير لهم ملحوظ على تلك الساحات ولا تجد كلمة لهم مسموعة في تلك المؤتمرات أو المنتديات العالمية أو الإقليمية.. راجع المؤتمرات الآخيرة التي عقدت .. وشاركوا فيها .. كمؤتمر وارسو في بولندا .. أو ميونخ بألمانيا .. ما عدا منتجع سوتشي في روسيا.. فالعرب غائبون تماما عن المشهد أو التفاعل الإيجابي أو الحي مع ما يجري ويحدث سواء في أحوالهم التي تخصهم .. إذ قد اجتمع التركي والروسي بجوار الإيراني لبحث مسألة سوريا مع غياب الطرف الأصيل في مسألة الحرب الأهلية في سوريا سواء مَن يمثل النظام أو المعارضة وكذلك في ميونخ : المؤتمر الأمني أو في بولندا.. هذا جانب .. أما الجانب الثاني وهو الأكثر إلاماً وهو غياب المسلمين أو مَن يمثلهم عن المشهد الحالي.. وضياع البوصلة مِن مَن كان يتحدث منذ سنوات عن أن الإسلام هو الحل.. تجدهم جميعاً تورطوا في مسائل فرعية وصرفت الجهود والأوقات في مسائل تافهة وصرفت الأموال الطائلة بلا نفع يعود على أحد.. .. وصار المَنْفذ الوحيد أو المهرب وسائل الإتصال الإجتماعي للتنفيس عن ما هو مكبوت في الأعماق من مشاعر غضب أو أحاسيس ذل .. أو تصرفات طائشة من جرذان يختبئون خلف تلال المخلفات ليفاجئوا الأمنين بتفجير هنا وآخر هناك أو دهش بسيارة هنا وآخرى هناك .. واكتفوا بهذا بل ورضوا به ...
بدايةً من مارس القادم ستهل مناسبات موسمية.. إذ سيبدء شهر رجب فيليه شعبان والجميع سينتظر رمضان وهي مواسم من الدرجة الأولى سواء للتجارة وتنشيطها أو لمن يعلو منبر مسجد أو رحلات العمرة ثم يأتي موسم الحج ..
وتنشط الرسائل عبر المحمول كمن يرسل بالألوان والزهور ما كتب بزخرفة : « رجبٌ شَهرُ اللَّهِ ... »(1).
وبما أن المتوقع فلكياً أن أول يوم من رجب لهذا العام الهجري سيكون جمعة فسوف ينشط جهلة الأمة سواء العربية أو الإسلامية بإرسال رسالة نصية تخبر عن :" « فضيلة ليلة أول جمعة من رجب المسماة صلاة الرغائب»(2)؛ أو يؤكد على أن :" « صلاةَ الرَّغائبِ ليلةَ أوَّلِ جمعةٍ من رجبَ »(3) ؛ وسيأتي مَن ينبهنا بالقول : « لا تغفلوا عن أوَّلِ جمعةٍ من رجبَ فإنَّها ليلةٌ تسمِّيها الملائكةُ الرَّغائبَ »(4) .. ويزيد آخر كلمة "ليلة" « لا تغفلوا عن أوَّلِ " ليلةِ " جمعةٍ في رجبَ فإنَّها ليلةٌ تسمِّيها الملائكةُ الرَّغائبَ»، وذلك أنَّه إذا مضَى ثلثُ اللَّيلِ لا يبقَى ملكٌ في جميعِ السَّماواتِ والأرضِ إلَّا ويجتمعون في الكعبةِ وحوالَيْها ، ويطَّلعُ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهم اطَّلاعةً فيقولُ : " ملائكتي سلوني ما شئتم !!"، فيقولون : " يا ربَّنا حاجتُنا إليك أن تغفرَ لصُوَّامِ رجبَ " ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : " قد فعلتُ ذلك "... ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :" وما من أحدٍ يصومُ يومَ الخميسِ -أوَّلَ خميسٍ في رجبَ- ، ثمَّ يصلِّي فيما بين العشاءِ والعتمةِ -يعني ليلةَ الجمعةِ- اثنتَيْ عشرةَ ركعةٍ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ فاتحةَ الكتابِ مرَّةً، و { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } ثلاثَ مرَّاتٍ ، و { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } اثنتَيْ عشرةَ مرَّةً ، يفصِلُ بين كلِّ ركعتَيْن بتسليمةٍ ، فإذا فرغ من صلاتِه صلَّى عليَّ سبعين مرَّةً يقولُ : " اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آلِه "، ثمَّ يسجدُ فيقولُ في سجودِه : " سُبُّوحٌ قدُّوسٌ ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ " سبعين مرَّةً ، ثمَّ يرفعُ رأسَه فيقولُ : " ربِّ اغفرْ وارحمْ وتجاوزْ عمَّا تعلمُ إنَّك أنت العزيزُ الأعظمُ " سبعين مرَّةً ، ثمَّ يسجدُ الثَّانيةَ فيقولُ مثلَ ما قال في السَّجدةِ الأولَى ، ثمَّ يسألُ اللهَ تعالَى حاجتَه فإنَّها تُقضَى . قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : " والَّذي نفسي بيدِه ما من عبدٍ ولا أمةٍ صلَّى هذه الصَّلاةَ إلَّا غفر اللهُ له جميعَ ذنوبِه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ ، وعددِ ورقِ الأشجارِ ، وشُفِّع يومَ القيامةِ في سبعِمائةٍ من أهلِ بيتِه " ، فإذا كان في أوَّلِ ليلةٍ في قبرِه جاء ثوابُ هذه الصَّلواتِ فيجيبُه بوجهٍ طلقٍ ولسانٍ ذلقٍ ، يقولُ له : " حبيبي أبشِرْ ، فقد نجوتَ من كلِّ شدَّةٍ " . فيقولُ : " من أنت ؟ فو اللهِ ما رأيتُ وجهًا أحسنَ من وجهِك ولا سمِعتُ كلامًا أحلَى من كلامِك ، ولا شممتُ رائحةً أطيبَ من رائحتِك ! ".. فيقولُ له : " ياحبيبي أنا ثوابُ الصَّلاةِ الَّتي صلَّيتَها في ليلةِ كذا في شهرِ كذا ، جئتُ اللَّيلةَ لأقضيَ حقَّك ، وأُونِسُ وحدتَك ، وأرفعُ عنك وحشتَك "، فــ" إذا نُفِخ في الصُّورِ أظْلَلْتُ في عرَصةِ القيامةِ على رأسِك فأبشِرْ فلن تعدمَ الخيرَ من مولاك أبدًا " ».(5)... وينبه ثالث بأن « صلاة الرغائب ثنتا عشرة ركعة في ليلة أول جمعة من رجب »(6)...
د. محمد الرمادي
السبت 18 جماد آخر 1440هـ ~23 فبراير 2019م.
يتبع بإذنه تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث موضوع.. انظر الحافظ الذهبي؛ في كتابه تاريخِ الإسلام .
(2) قال الصغاني في كتابه : الموضوعات : 75 ؛ الحديث: موضوع".
(3) قال ابن القيم في: المنار المنيف : 76؛ الحديث: كذب.
(4) قال ابن القيم في : المنار المنيف : 76؛ الحديث: موضوع.
(5) قال ابن الجوزي في كتابه الموضوعات: 2 /437 ؛ الحديث: موضوع.
(6) قال: النووي ؛ في الخلاصة 1 / 615؛ الحديث: باطل ، شديد الضعف أو موضوع

 

《... رزقتُ .. حبها..》...
كلمات محمديّة أحمديّة نورانيّة ملآئكيّة علويّة سماويّة ربانيّة
 جزء من حديث نبوي شريف رواه الإمام مسلم في صحيحه

-*-*-*

-« لقد أصبح يوم القديس „ Valentinus ‟ عطلة قومية في البلاد على الرغم من أنه لم يكن كذلك في الماضي.»(1)
«.. ما ابأس مسيحيتنا عندما ننتظر يوما واحدا في السنه لنحتفل بـ„عيد الحب‟، ونقول بعضنا لبعض "احبك" او الزوج يقول لزوجته "احبك" وبالعكس.. او الخطيبة تنتظر هذا اليوم لتهدي حبيبها ورده حمراء... » .(2)
«..فقرٌ في العواطف وشح في المشاعر.. وجدب في الأحاسيس.. أن نحتفل بمشاعرنا ونتحدث عن حبنا تجاه الآخر في يوم واحد في العام.. » (3)
محاور البحث
1 . ] :" ما أصل هذا العيد؟
2 . ] كيف بدأ؟
3 . ] ما هو تاريخه؟
4 . ] مَن أول من احتفل به؟
5 . ] ما صلة الذئاب به؟(4)
6 . ] ما هي نظرة الأديان لهذا العيد؟(5)
7 . ] ما هي نظرة الكنيسة النصرانية بهذا العيد؟(6)
8 . ] ومتى تحتفل الكنيسة الشرقية بهذا العيد !؟.
9 . ] متى تحتفل الكنيسة الغربية به !!؟.
مدخل للمسألة :
[ أ . ] يحتاج المرءُ في اثناء حياته اليومية وخلال معاشه النهاري لجرعات متتالية متناسبة لحد ما بين ما هو مادي ملموس محسوس وبين ما هو روحي علوي سماوي تعبدي وبين ما هو معنوي... كـــ عمل يدر عليه ربحا ليقتات منه؛ ثم لوجبة من طعام مع شربة ماء .. ثم لنصيب من الهدوء النفسي والطمأنينة القلبية من خلال عبادةٍ ما .. إما أن يضعها -العبادة- بنفسه وبمزاجه ويبدلها ويعدلها متى شاء وكيف شاء وتغير من زمن لزمن ... أو يكلفه بها خالقه.. ثم جرعة من الترفية والتسلية والفرح والسرور.. ثم لقدر من الراحة والإستجمام ثم نعاس فنوم.... وقد تختلط عليه الأمور .. فتجد في قاع المجتمعات -تكاد تكون كلها- ترى أنثىٰ تثير الذكر بعطر ٍ فواح.. ثم بعد ثوان يتصبب عرق منتن يزكم الأنوف يحتاج إلى نظافة موضعية -عند البعض- لجسد اتسخ.. وعند البعض الآخر -الأعلى سلوكاً- يحتاج إلى طهارة كاملة لـ بدن فـ ثوب ومكان والروح .. وتلك الأنثىٰ تُنشط هرمونات ذكورية برعشةِ رمشٍ جراح تنزف القلوب بسببه فتتهاوى في بئر الرذيلة ثم يتساقط شعرها كما تتكسر أسنان مشطها.. أو بهمسة حائرة في فضاء إلكتروني غير منضبط كملمس حرير تهبط فوق الأسماع.. ثم ينصرف -الذكر- عنها فقد أنتهىٰ وطره بملامستها فتنقضي شهوته.. وتخمد عافيته فيسقط جسده ملقياً به في حظيرة الندم أو خيمة خيبة أمل.. ثم يأتيها ذكر آخر
... وهناك -فوق قمة المجتمعات- امرأةٌ - هي في كينونتها الأصلية؛ وجبلتها الخُلقية أنثىٰ؛ ولكنها حرة.. فليست عبدة لرغبتها أو أسيرة لشهوتها؛ طاهرة الذيل عفيفة الجوارح محصنة - امرأةٌ تستقطع لكَ -فأنتَ رجلها الوحيد؛ وفارسها الأوحد الذي يحميها فيصونها- تستقطع لكَ بستاناً من جنتها .. وتملكك حديقةً من فردوسها وتبسط لكَ فراش العفة الطاهر.. فتدخِلُكَ بمفردِكَ - شرعاً وبإذن وليها- وأنت ممتطيا جوادك الأشهب إلى عُشِها المبطن بحرير العفة وتسكنك بمفردِكَ بجوار فؤادها الذي سكن بطاعة ربها وهدأ بأوامر مَن خلقها.. والتزمت هدي نبيها وسارت على طريقته المثلى - إذ هو وحي يوحى- فتسكن نفسك بقربها وتسمو روحك بعلوها فتعلو همتك بجوار همتها الباثقة ... فيتولد من مزيج شهدِها بعد الفطور اللذيذ مودة ربانية وينبثق من حنان قلبها رحمة ملآئكية علوية بعد وجبة غذاء ...
-كاتب هذه السطور- لا يستطيع أن يعارض؛ إذ ليس لديه ما يعارض به.. أو يخفي مظاهر جمال الأنثىٰ؛ وإن كان صوت؛ مجرد صوت ... فصدق مَن قال :"والاذن تعشق قبل العين أحياناً".. ولعل هذا في عصر الزمن الجميل..
فهناك قاعدة تتحدث عن : «مبدأ الإظهار في خلق القادر الوهاب القهار» ... كـأجنحة الفراشة -مثلا- بألوانهاالزاهية وجناح البعوضة دونها في الإظهار ... والإثنان -الفراشة وزميلتها في الخلق البعوضة- يستخدمان الجناحان للطيران فلم يساعد الجناح الملون برونقه الجذاب على حسن الطيران.. والآخر على فقدانه..
والأنثىٰ خلقت كما نراها بعيون .. الفارق يكمن في :" أنراها بعيون ذكر يتفحصها خلال نشاط هرموني وضيع من أخمص القدم إلى مفرق شعرها .. ويشتهيها وإن غطت واكتست وتلحفت.. دون ضابط إنساني أو تعقل آدمي أو وفق قانون او موافق لتنظيم..
.... أم تُرى بعين رجل.. يسترها برمش .. ويغطيها برمش.. ويناضل من أجلها فمن مات دون عرضه فهو شهيد(*)..
والفارقُ كبيرٌ بين عيون ذئبٍ يسعى في ليل بهيم ويبحث عن فريسة ... وبين عين تقي يخشى ربه في ليل أو نهار خفية أو سراً أو جهراً .. وقد جاءنا في نظامه -صلى الله عليه وآله وسلم- ووفق منهجه وطبقاً لشريعته بأن المرأة تنكح لأربع .. وزادنا صاحب الهدي خامسة.. ولأنه يخاطب بشرا .. فهو يعالج بني آدم .. ويعامل إنسانا .. وضع جمالــ-الأنثىٰ-ــها في بداية الخطاب التشريعي؛ وفي مقدمة المنهج النبوي(7) .. قبل دينها وخُلقها.. مع التنبية مَن تصلح .. ثم جاء ما يوضح أن ترى منها ما يدعوكَ(8) للزواج منها..وهنا يراجع ما قاله السادة أهل العلم في هذه المسألة ...
ولعلها -مايدعوك لنكاحها- لفظة تشريعية آخرى واسعة تحوي الكثير من المفردات... كـــ الثقافة أو الفقه أو العلم أو الذكاء أو الفطنة .. أو درجتها الأكاديمية أو موقعها في مجال التجارة وقوتها الشرائية في السوق المحلية أو العالمية أو منصبها في مؤسسة علمية أو إجتماعية أو تربوية أو سياسية أو حزبية أو وزارية ..
[ ب . ] اخفقت منظومة كهنوتية تقليدية.. والتي تتخذ اسلوب الوعظ والارشاد والوعد والوعيد والترهيب والألم الشديد في تحريم الإحتفالية بعيد الحب الـ „ڤۤلانتيني‟ .. بدليل أن أهل الخليج -مع أنه مجتمع يدعي أنه محافظ ويظهر عليه أنه مغلق- يحتفلون به أكثر من أهل الغرب.. تابع احتفالات رأس السنة الميلادية واحتفالات الكريسماس.. والمبالغ التي تدفع في تلك المناسبات .... وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
[ ج . ] مِن مفارقات أهل الوعظ والإرشاد -أصحاب المنظومة التقليدية الكهنوتية- أن يتحدث آحدهم عن مصطلح «الكفر» و «الكفار» ويتكلم عن ذمهم .. وهو يعيش على فتات موائدهم ، ويتداوي ببواقي دواءهم ، ويتعافى -بعد إذنه تعالى- من مستشفياتهم .. فيشد الرحال لبلاد العم سام والقارة الأوروبيةالعجوز ، وبيده اليسرى ساعة سويسرية الصنع ؛ وفوق أرنبة أنفه نظارة كانت أمريكية [usaac ] ثم بيعت لشركة إيطالية ؛ وعباءته قماشها إنجليزي .. ودشداشته يابانية وغطرته .. ويبتعث دارساً لعلومهم فيفضل المكوث بين أحضانهم ... ويتسلح بأسلحتهم فيقتل بعضهم بعضاً.... وأفقرهم ساعته صناعة صينية ... وسجادته صناعة تايوانية ...
[ د . ] ومِن غرائب الأعياد في العالم أعياد الوثنيين وأهل الكتاب التي تنسب إلى آلهتهم وأحبارهم ورهبانهم كعيد القديس: „براث لميوا‟، وعيد القديس: „ميكائيل‟، وعيد القديس: „آندروس‟، وعيد القديس: „ڤَلانتين‟(4) إلى بقية القائمة... وقد تطول.
[ هـ . ] يحتفل معظم العالم سنوياً(9) أو قل كلُّه تقريباً(10) في الرابع عشر من شباط/فبراير بما يعرف بـ : « عيدالحب »، أو ما يسمى أيضاً بـ «القديس ڤَلانتينوس»، فعيده أصبح من بين أشهر وأكبر الأعياد(9) ومن أهم المناسبات التي يحتفل بها الجميع(!!) وخاصةً العشاق، الذين يستغلون هذا اليوم للتعبير عن حبهم ومشاعرهم تجاه الآخر، فيقومون بإرسال الهدايا من باقات ورود أو حلويات مميزة لمن يحبون(11)... فهو يبدأ: من (14 شباط /فبراير) وينتهي في (15) منه.. وهذا وفق تقويم «الكنيسة الغربية»؛ أما «الكنيسة الشرقية» فيحتفلون به في (6 يوليو).. لذا فقد يحتفل به البعض والذين يتبعون الكنيسة الشرقية في الغرب وفق كنيستهم.
[ و . ] الرمزيّة :
الحديث عن „يوم الحب‟: « Der Valentinstag» أو ما يسمّى بـ "يوم القدّيس ڤَلانتينوس" أو „عيد العشاق‟ يعتبر مناسبة يحتفل بها العالم من كل عام. وفي الأخصّ داخل البلدان النّاطقة باللغة الإنجليزيّة ، وتبعهم مَن يقلدهم ويتشبه بهم من المنهزمين فكريا والمضبوعين عقائدياً والمتأثرين سلوكياً.. فهو من ضمن ما يتم استيراده من بضائع مِن بلاد الغرب.. ويعدّ هذا اليوم أحد الأيّام الرمزيّة الّتي يعبّر من خلالها العشّاق عن حبّهم عن طريق تقديم الورد الأحمر بالإضافة إلى تقديم الحلوى وبطاقات الأعياد(12).
تهيئة ... كمدخل للمسألة:
يجب التنبيه قبل البدء في بحث المسألة أن أوكد على حقيقة هذا العيد وأن يدرك -القار(ـــــــئـــــ)ــــــة أن هذا العيد الذي يسمى عيد الحب له ارتباط وثيق بــ
[ أ . ] وثنية الرومان .. كما أن له ارتباط بــ
[ ب . ] عقيدة النصارى القدامى في عهد الشهداء... واللافت للنظر أنهم متخبطون في نسبته... وفي بدايته...
فهل هو من إرثهم!!؟...
وهنا يقبل الباحث هذه الافتراضية.. -مع ضعفها؛ والتي لا يقوم بها قائم- إذا كان بالفعل مِن إرث القوم..!!! .. فلا يمكن لأحد أن يعترض... ولكن بتفحص المراجع لا يثبت شيئا يعتمد عليه!!.. ما يملكه الباحث أنه :" تمّ الاحتفال به منذ القرن الرابع عشر الميلادي ".!!؟.
والإفتراضية الآخرى -وهي القوى؛ وفق المصادر والمراجع التي تحت أيدينا- أنه من إرث الرومان الذين كان لهم من الاله ما يشتهون ؛ فالرومان قد جعلوا بزعمهم للحب إله... وللحرب إله ... وللنور إله... وللظلام إله... وللنبات إله... وللمطر إله... وللبحار إله... وللنهار إله.... (4).
أصل المناسبة :
وبالعودة إلى جذور هذه المناسبة والتي صارت عالمية .. نجد أن : سبب التسمية يعود إلى :
١ . ] : الحقبة «الرومانية» :
١ . ١. ] : بداية الفكرة:
الرومان الوثنيّون احتفلوا بهذا اليوم وهو يصادف عندهم عطلة الرّبيع ؛ والّتي تعبّر عن مفهوم الحب الإلهي من خلال تقديم القربان إلى الآلهة في تاريخ 14 فبراير داخل روما... في القرن الثّالث الميلادي. (12) .
١ . ٢. ] : " Lupercalien " لوبركايليا (الروماني)
أصل هذه المناسبة يعود لمهرجان „لوبركايليا‟ الروماني، الذي يقام في منتصف شهر شباط/فبراير، ويحتفل به بسبب قدوم الربيع، ويتضمن الاحتفال تقدير الخصوبة بين النساء والرجال.
ثمّ تمّ تبديل هذا الاحتفال باحتفال عيد الحب من قبل البابا جيلاسيوس(13). (14) .
وعلى الرغم من وجود مصادر حديثة شائعة تربط بين عطلات شهر فبراير غير المحددة في العصر الإغريقي الروماني - والتي يزعم عنها الارتباط بالخصوبة والحب - وبين الاحتفال بيوم القديس „ڤۤلانتينوس‟، فإن البروفيسور "Jack B. Oruch " من جامعة كانساس ذكر في دراسته التي أجراها حول هذا الموضوع؛ وتحت عنوان
["St. Valentine, Chaucer, and Spring in February]
أنه قبل عصر تشوسر (الشاعر.. الذي كتب قصيدة احتفالا بزواج الملك الإنجليزي رتشارد الثاني بــ آن البوهيمية") لم تكن هناك أية صلة بين القديسين الذين كانوا يحملون اسم „ڤۤلانتينوس‟ وبين الحب الرومانسي.
وفي التقويم الأثيني القديم، كان يطلق على الفترة ما بين منتصف يناير ومنتصف فبراير اسم شهر «جامليون» نسبةً إلى «الزواج المقدس» الذي تم بين «زوس» و «هيرا» في روما القديمة، فقد كان «لوبركايليا» من الطقوس الدينية التي ترتبط بالخصوبة، وكان الاحتفال بمراسمه يبدأ في اليوم الثالث عشر من شهر فبراير ويمتد حتى اليوم الخامس عشر من نفس الشهر. ويعتبر «لوبركايليا» أحد المهرجانات المحلية الخاصة التي كان يُحتفل بها في مدينة روما.
أما الاحتفال الأكثر عمومية والذي كان يطلق عليه اسم "«جونو فيبروا»" والذي يعني «جونو المطهر»" أو «جونو العفيف»"، فقد كان يتم الاحتفال به يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر فبراير.
وقد قام البابا "جيلاسيوس I" - تولى السلطة البابوية بين عامي 492 و 496- بإلغاء احتفال لوبركايليا.
ومن الآراء الشائعة أن قرار الكنيسة المسيحية بالاحتفال بالعيد الديني للقديس „ڤۤلانتينوس‟ في منتصف شهر فبراير قد يعبر عن محاولتها تنصير احتفالات لوبركايليا الوثنية. إذ لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية أن تمحو احتفال لوبركايليا شديد الرسوخ في وجدان الناس فقررت أن تخصص يومًا لتكريم السيدة مريم العذراء(15).
________________________________________
١ . ٣ . ] : طقوس يوم الحب
يمتاز عيد الـ„ڤۤلانتينوس‟ قديماً بكونه يمتلك العديد من الطقوس، ومنها ما يأتي: (14)(16)
تمّ الاحتفال المبكر بهذا العيد على شرف „ڤۤلانتينوس‟ في وقت قريب من مهرجان وثني روماني قديم يعرف باسم لوبريكاليا (بالإنجليزية: Lupercalia)، والذي يقوم على اختيار الرجال لاسم فتاة من صندوق، والفتاة التي يقع عليها الاختيار يقوم بالاحتفال معها بهذا العيد، ويترتب على هؤلاء النساء والرجال أن يختاروا الإلهام من حياة القديسين.
يرى الباحث أن لكل أمة أو شعب أو قبيلة أو منطقة عادات وتقاليد وأعراف تتوارثها جيلا عن جيل وتبقى في الذاكرة الجمعية لتلك الأمة أو القبيلة.. ولا يرى كاتب هذه السطور أي إشكالية أو شيئا ما يعاب.. المسألة هي إنتقال عادة أو عرف من منطقة لها خصوصيتها وذاتيتها إلى آخرى تملك خصوصيات معارضة أو خصوصية آخرى.. فمثلا عند بعض رجال العرب التحية تكون بالعناق .. بيد أنها -نفس التحية- بين نساء ورجال الغرب لا غضاضة عليها.. او مراقصة غربي لامرأة في حفل عام وبالتالي يوجد في الغرب مدارس لتعليم الرقص؛ الذي يطلق عليه أفرنجي.. وهو مستهجن أو مرفوض في مجتمعات عربية آخرى.. أو تناول كأس من النبيذ الأبيض مع وجبة سمك أو نبيذ أحمر مع وجبة لحم الخنزير لا إشكال فيها عند الغربيين أو نصف ليتر من البيرة مع الغذاء مشهورة في بلاد الغرب وشيء معتاد عليه ...
إذاً المسألة هي قضية عادات وتقاليد وأعراف تم وراثتها منذ عقود من الزمان.. المشكلة حين ينتقل العربي بعاداته وتقاليده وأعرافه من منطقة -الخليج أو العراق أو مصر مثلاً- بعائلته إلى منطقة آخرى-أوروبا مثلا-
والمسائل تتعقد حين نستورد عادات مجتمعات آخرى وتقاليدها وأعرافها لا تحمل ما نحمل من عقائد وما تركز في قلوبنا من مبادئ ... فعندنا حكم شرعي :" يجعل من أمور .. أفعال ,.. اقوال تصرفات أنها حرام ".وعندنا حكم شرعي:" يجعل من اقوال.. وأفعال.. وتصرفات.. أمور ... أنها حلال "...
١ . ٤. ] : أساطير حول هذا العيد:
قالوا إن يوم 14 فبراير يوم مقدس لأحدى الأرباب المزعومة والتي يعتقد فيها الرومان وهي الآلة المدعوة: „يونو‟، ويقولون أنها ملكة الآلة والأرباب الرومانية وختصوها عندهم بالنساء والزواج، وقالوا فناسب إن يكون يوم إحتفال يتعلق بالزواج والحب.(4)
. ] :" كان عند الرومان إحدى الآلهات المقدسات تدعى: „ليسيوس‟: وهي : „ذِئْبَةٌ‟ وقد قدسوها.. ولكن لماذا يقدسون أنثى هذا الحيوان الــ „ذِئْبَةٌ‟ !!؟... يقولون إن „ليسيوس‟ ارضعت مؤسسي مدينة روما في طفولتهما، ولهذا جعلوا هذا التاريخ عيد يحتفلون به، وحددوا مكان للإحتفال وهو معبد "الحب" وسموه بهذا الإسم لأن „ذِئْبَة‟ „ليسيوس‟ رحمت هذين الطفلين واحبتهما (4).
________________________________________
٢ . ] : في المسيحية
بدايةً حمل عدد من "الشهداء" المسيحيين الأوائل اسم „ڤۤلانتينوس‟.
٢ . ١ . ] أما القديسان المسيحيان... واللذان عاشا في بدايات العصور الوسطى، ( 12) ". و اللذان يجري تكريمهما في الرابع عشر من شهر فبراير فهما:
٢ . ١ . ١ . ] الأول منهما كان كاهناً ( 14) وكان يعيش في روما (قس روماني من القرن الثالث الميلادي ثم صار قديساً)
(Valentinus presb. m.Romae)،
وكان قسيسًا لتلك المدينة، وقد قتل حوالي عام 269 بعد الميلاد وتم دفنه قرب طريق "فيا فلامينا". ودفنت رفاته في كنيسة سانت براكسيد في روما...
أمّا قصّة القدّيس „ڤۤلانتينوس‟ الّذي عاش في روما والذي قتل عام 269م، فقد تمّ اضطهاده بسبب اعتناقه للمسيحيّة؛ حيث استدعى الإمبراطور الروماني „كلوديس الثاني‟ الكاهن „ڤۤلانتينوس‟، وتناقشا معاً؛ حيث إنّ الامبراطور أعجب به وحاول أن يقنعه بأن يتخلّى عن المسيحيّة، ويدخل الديانة الوثنيّة إلّا أنّه رفض، وحاول أن يقنع الإمبراطور بالدّخول إلى الدّيانة المسيحيّة لذلك تمّ تنفيذ حكم الإعدام فيه. (12) فهذه رواية ...
النصارى يروون في سبب ابتداعهم لهذا العيد... "عيد الحب" الذي جعلوه محدداً بيوم الرابع عشر من فبراير من كل عام.. فهم يروون عدداً من الأساطير وقد ذكرت هذه عنهم عدداً من المراجع الأجنبية مثل:
أ . ] دائرة المعارف الكاثوليكية و
ب . ] دائرة معارف كولمبيا وأيضاً ذكره أحد المؤلفين في كتابه
ج . ] الأعياد الأمريكية: لـ :"جورج" و
د . ] قصة „ڤۤلانتينوس‟ لمؤلفه: "بارت" و
هـ . ] قصص الأعياد العالمية لــ "هنفري"، وقد ذكرت هذه المراجع وترجمة عنها
و . ] كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى ضمن كتابها الذي أصدرته حول حقيقة عيد الحب. (4).
ما ذكره النصارى من أساطير حول هذا العيد: (4). إذ يوجد الكثير من الروايات التي تتحدث عن أصل عيد الحب(11)، فهم
[ أ . ] يقولون منذ 1700 سنة عندما كانت الوثنية هي السائدة عند الرومان قام أحد قساوستهم وهو المدعو „ڤۤلانتينوس‟ بالتحول من الوثنية إلى النصرانية فما كانت من دولة الرومان إلا أن أعدمته
...
ولما دار الزمان واعتنق الرومان النصرانية جعلوا يوم أعدم „ڤۤلانتينوس‟ مناسبة للإحتفال وبذلك تخليداً لذكره وندماً على قتله. (4) .
الرواية آخرى :
وهي أكثر هذه الروايات شهرةً وأقدمها، وظهرت خلال العصر الروماني أثناء حكم الإمبراطور „ II Claudius ‟ في قرب نهاية القرن الثالث للميلاد( 11) إذ يقولون إن الإمبراطور الروماني „ II Claudius ‟ وجد صعوبة في تجنيد جميع رجال روما للحرب، فقد كانت روما تخوض حروباً طاحنة في ذلك الوقت( 11)، فلما بحث عن سبب عدم مطاوعة الناس له للتجنيد تبين له(4) ان معظم الجنود المتزوجين يتكاسلون عن التوجه للمشاركة في القتال( 11)، لعدم رغبتهم في ذلك فهم -الرجال المتزوجين كانوا يكرهون إن يتركوا أهليهم ويخرجوا للحرب- فرأى آنذاك إن يضيق على الزواج(4) فقرر الإمبراطور منع الزواج بشكل نهائي( 11)، حيث إصدار قرارا يمنع الشّباب من الزّواج، إلّا أنّ الروايات العديدة افترضت أنه قد قام بإصدار هذا القانون لزيادة عدد أفراد جيشه؛ لأنّه كان يعتقد أنّ الرجال المتزوّجين لا يمكن أن يكونوا جنودًا أكفاء، ولكي لا ينشغل الجنود عن الخوض في الحروب. فعلم الامبراطور برفض القسيس „ڤۤلانتينوس‟ فأمر بإلقاء القبض عليه، وأودعه في السجن(12) وبالفعل فقد اعترض على هذا القرار الكثير من أفراد الشعب وبالطبع من ضمنهم قس يسمى بـ„ Valentinus ‟( 11) فرفض القسّيس „ Valentinus ‟قانوناً لم يكن تمّ التصديق عليه رسميّاً(12)] فكان القس „ Valentinus ‟ يخالف أمر الإمبراطور فيزوج الناس في الكنيسة سراً(4) وفي الخفاء( 11)، فعندما علم الملك بذلك( 11)، اعتقله الإمبراطور فقتله في الرابع عشر من فبراير 269 (11)].. وهناك رواية تقول بأن أمر إعدامه كان في عام 270 (وهذا مستبعد قليلاً؛ إذ أن نهاية حكمه كانت في يناير 270م)، وأصبح يوم إعدامه يوماً لتخليد جهود القس وتضحيته بحياته في سبيل الحب"( 11) ..
.... هكذا قالوا في أساطيرهم، وبعد إن مضت السنون الكثيرة نأتي إلى زماننا اليوم حيث تراجعت الكنيسة عن ربط عيد الحب باسطورة „الذئبة‟ „ليسيوس‟ وجعلت العيد مرتبطأً بذكرى القس „ Valentinus ‟ ولتأثر النصارى بهذا العيد فإنهم قد نحتوا ونصبوا تماثيل في أنحاء متفرقة من دول أوروبا، والكنيسة تراجعت مرة أخرى عن عيد „ Valentinus ‟ وتركت الإحتفال به رسمياً عام 1969م(4)....
... ويعتقد معظم العلماء أنّ „ Valentinus ‟ كان كاهناً جذب استياء الإمبراطور الروماني „ Claudius II ‟ ، حيث تشير الأسطورة إلى أنّ الملك منع زواج الجنود، لاعتقاده بأنّ العزاب يكونون جنوداً أفضل، وكان „ Valentinus ‟يؤدي طقوس الزواج بالسر، ولكن تمّ القبض عليه في نهاية المطاف وأعدم.(17) .
و الثاني ...
٢ . ١ . ٢ . ] القديس „ڤۤلانتينوس‟ الذي كان يعيش في مدينة تورني Valentinus ep.Interamnensis m. ‘‘Romae .... وقد أصبح أسقفًا لمدينة انترامنا (الاسم الحديث لمدينة تورني) تقريبًا في عام 197 بعد الميلاد، ويُقال إنه قد قُتل فترة الاضطهاد التي تعرض له المسيحيون أثناء عهد الإمبراطور أوريليان(12.). وجرى دفنه أيضًا قرب "فيا فلامينا"، ولكن في مكان مختلف عن المكان الذي تم فيه دفن القديس „ Valentinus ‟ الذي كان يعيش في روما. أما رفاته، فقد تم دفنها في باسيليكا (كنيسة) القديس „ Valentinus ‟ في تورني.
________________________________________
أما الموسوعة التي تحمل اسم كاثوليك إنسايكلوبيديا فتتحدث أيضًا عن :
٢ . ١ . ٣. ] قديس ثالث يحمل نفس الاسم وقد ورد ذكره في :"سجل الشهداء والقديسين الخاص بالكنيسة الكاثوليكية " في الرابع عشر من شهر فبراير. وقد قتل في أفريقيا مع عدد من رفاقه، ولكن لا توجد أية معلومات أخرى معروفة عنه. (!!!)
... وقد قيل بأنّ القديسين الثلاثة قتلوا في ذات التاريخ : (14 فبراير/شباط).(17) .....
ولا يوجد أي مجال للحديث عن الرومانسية في السيرة الذاتية الأصلية لهذين القديسين (أقصد الأول والثاني) الذين عاشا في بدايات العصور الوسطى(12).....
بيد أنه توجد عدة روايات في السبب المباشر في قتله (اعدامه) ... ولعل الخيال والتوهم جعل البعض يضيف جمل من عنده ... ولكن يجب على الباحث اعتبار كافة الروايات وخطأ فادح أن تهمل رواية أو تعتمد فقط على رواية واحدة ...
وبحلول الوقت الذي أصبح فيه اسم القديس „ڤۤلانتينوس‟مرتبطًا بالرومانسية في القرن الرابع عشر الميلادي، كانت الاختلافات التي تميّز بين القديس „ Valentinus ‟ الذي كان يعيش في روما والقديس „ڤۤلانتينوس‟ الذي كان يعيش في تورني قد زالت تمامًا.
وفي عام 1969م، عندما تمت مراجعة التقويم الكاثوليكي الروماني للقديسين تم حذف يوم الاحتفال بعيد القديس „ڤۤلانتينوس‟ في الرابع عشر من شهر فبراير من التقويم الروماني العام، وإضافته إلى تقويمات أخرى (محلية أو قومية) لأنه: "على الرغم من أن يوم الاحتفال بذكرى القديس „ڤۤلانتينوس‟ يعود إلى عهد بعيد، فقد تم اعتماده ضمن تقويمات معينة فقط لأنه بخلاف اسم القديس „ڤۤلانتينوس‟ الذي تحمله هذه الذكرى، لا توجد أية معلومات أخرى معروفة عن هذا القديس سوى دفنه بالقرب من طريق "فيا فلامينا" في الرابع عشر من شهر فبراير...."ولا يزال يتم الاحتفال بهذا العيد الديني في قرية بالتسان في جزيرة مالطا، وهو المكان الذي يُقال إن رفات القديس قد وُجدت فيه.
ويشاركهم في ذلك الكاثوليكيون المحافظون من جميع أنحاء العالم ممن يتبعون تقويمًا أقدم من ذلك التقويم الذي وضعه مجلس الفاتيكان الثاني.
وقد قام "بيد" باقتباس أجزاء من السجلات التاريخية التي أرّخت لحياة كلا القديسين الذين كانا يحملان اسم „ڤۤلانتينوس‟ وتعرّض لذلك بالشرح الموجز في كتاب:" Legenda Aurea " "الأسطورة الذهبية".
ووفقًا لرؤية "بيد"، فقد تم اضطهاد القديس „ڤۤلانتينوس‟ بسبب إيمانه بالمسيحية وقام الامبراطور الروماني "كلوديس II" باستجوابه بنفسه. ونال القديس „ڤۤلانتينوس‟ إعجاب "كلوديس" الذي دخل معه في مناقشة حاول فيها أن يقنعه بالتحول إلى الوثنية التي كان يؤمن بها الرومان لينجو بحياته....
فهذه رواية تتحدث عن عصر شهداء المسيحية نتيجة الاضطهاد!!
لكن توجد نهاية لهذه الرواية يجب أن لا تغفل:
" ولكن القديس „ڤۤلانتينوس‟ رفض، وحاول بدلاً من ذلك أن يقنع كلوديس الثاني باعتناق المسيحية. ولهذا السبب، تم تنفيذ حكم الإعدام فيه. وقبل تنفيذ حكم الإعدام، قيل إنه قد قام بمعجزة شفاء ابنة سجانه الكفيفة .... فقد ساعدها في استعادة بصرها وقد وقعت في حبه (14) .....
وتقول الرّوايات إنّ القدّيس „ڤۤلانتينوس‟ كتب أوّل "بطاقة عيد(!!!) حب" بنفسه لتنفيذ حكم الإعدام فيه،
وتقول رواية أخرى: -على الأغلب- أنّه أحبّ ابنة السجّان التي كانت كفيفةً، وعمل على شفائها، وأرسل لها رسالةً قصيرةً ووقّعها قائلاً لها: "من المخلص لك „ڤۤلانتينوس‟". بمعنى أنّه قد وقع في حب ابنة سجانه، ثمّ أرسل لها رسالةً كتب بها (من حبيبك „ڤۤلانتينوس‟) (13)؛ كما توجد رواية ثالثة :"
هناك رواية أخرى تشير إلى أن القديس „ڤۤلانتينوس‟كان أول من أرسل رسالة تحتوي على كلمات حب ورومانسية وشغف إلى زوجته وابنه، وأصبح رمزاً للحب من وقتها.(11) ".
وأطلق عليه لقب "قدّيس" إذ قد تم تنفيذ حكم إعدامه في 14 فبراير عام 269 ميلادي... ومن يومها أصبح هذا اليوم مرتبطًا بمفهوم الحبّ والغرام والوفاء للقدّيس „ڤۤلانتينوس‟ الذي فدى دينه بروحه، وأصبح من الطّقوس المعتادة تبادل الورود الحمراء، والبطاقات الّتي تحوي صور (كيوبيد) ، ويكون على هيئة طفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً. وكان كيوبيد يعتبر إله الحب عند الرّومان، فكانوا يعبدونه من دون الله! (12).
ـــــــــــــــــــــ
[الجزء الأول]
ملف من إعداد:
محمد الرمادي
7 جماد آخر 1440 هـ ~ 12 فبراير 2019م
..يتبع بإذنه تعالى..

المِصريَّة !》

المرأة المِصرية : «أرق نساء الدنيا طبعاً؛ وأحلاهن صورةً ومنطقاً؛ وأحسنهن شمائلاً؛ وأجملهن ذاتاً... »(1)
«مَن لم يتزوج مِصرية فهو ليس بمحصن».(2)
يكفي المصريات فخراً ان : « أم موسى الكليم مِصرية.. آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون مِصر : مِصرية.. هاجر والدة إسماعيل الذبيح ابن إبراهيم الخليل.،(3) هاجر مِصرية؛ مريم ابنت شمعون؛ أم إبراهيم ابن خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين: مريم مِصرية؛ وسارة زوجة إبراهيم الخليل مرت بمِصر؛ ومريم أم السيد المسيح مرت بمِصر. »(4)
تحت عنوان :« مدخل لمعرفة الوضع الإجتماعي الراهن.. التجمع المصري بفيينا (مثالاً) ». سلسلة بحوث :« الإعجاز الإجتماعي في القرآن الكريم؛ والسنة المحمدية العطرة؛ على صاحبها أفصل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات» عُقد لقاء السبت -26 يناير 2019م.
مر على تواجد التجمع(5) المِصري في فيينا/النمسا في العصر الحديث ما يقرب من 70 عاما؛ خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبياً حدث تغير درماتيكي سريع لم تستطع الجمعيات الأهلية أو المنتديات أو المصليات أن تتواكب معه؛ كما أن الهيئة الرسمية لم تلقِ بال لما يجري واهتمت بالجانب المعلوماتي في أضيق حدوده واكتفت بتقديم خدمات إدارية وما زالت تراقب المشهد عن بعد؛ أضف العامل الأقوى في تفتت القوى ألا وهو عامل عدم وجود شخصية قيادية -ذات كريزما تحمل افكار بين كتفيها قادرة على تفعيلها- تجمع فتلتف حولها أفراد من هذا التجمع الذي انشطر بدوره بين أتباع حركات تحمل الشارة الإسلامية وآخرى تحمل العلمانية في أحط صورها -وعندهما- يعود هذا لغياب الوعي الثقافي والفهم القيمي.. ونضيف بخجل غياب الهدف.. فليس في سماء فيينا أكثر من ترديد شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.
**
في أمسية باردة من شتاء أوروبا وتحت درجة حرارة تقترب من الصفر.. وبالحي الأول الفيّناوي وبجوار البرلمان النمساوي ومقابل مسرح الفولكستِأتر وعلى بعد خطوات من مقر عمدة مقاطعة فيينا؛ وليس ببعيد عن جامعة فيينا العريقة.. تجمعت صبايا وصبيان وشباب وشبابات.. أبناء الجيل الثاني والثالث من أبناء مصريي المقاطعة.. مع أمهاتهن.. والملاحظ كما قال دكتور مترجم محلف بالمحاكم النمساوية «„أنظر خلفك تجد بقايا طعام من الأطفال في كل زاوية‟» فرد آحدهم«„أظن هكذا في بيوتهم‟».
شعرتُ -كاتب هذه السطور- بدفء الموسيقى الشرقية؛ وإن لم أر الراقصة.. وسمعت زغاريد المِصرية -لا أدري أمن شريط مسجل أم نقل حي مباشر من حنجرة أم تفرح بعيد ميلاد أبنها/ابنتها أو مشاركة من آخرى في حفل عيد الميلاد كـ"نقطة" ومجاملة- كأنه حفل زفاف أو من البلكونة تطل نساء تشاهد حنظور يسير في طرقات مدينة الإسكندرية يحمل العريس بجواره عروسه لعش الزوجية.. يكتمل المشهد بدخولك إلى الممر الذي يقسم النادي المصري(6) إلى قاعة للتدخين ولعب الطاولة وتناول طبق الفول وبجواره قطع متجاورات من الفلافل والمخلل ويحبس الطاعم بكوب من الشاي الأسود الثقيل؛ سواء أكان فتله أو كشري.. حسب الطلب. ثم لحظات وتجد نفسك في غرفه كأن أهلها هجروها.. جلس إثنان في هدوءهما يتحدثان فجلستُ بجوارهما.. بعد السلام والتحية.. ومقابل الداخل -من الباب الرئيسي- يرى القاعة الكبرى لأحتفالات أعضاء النادي المِصري سواء في أفراحهم أو أتراحهم أو استقبال ضيوفهم في سماع المحاضرات أو إقامة شعيرة صلاة الجمعة... علا في الغرفة والتي لم أدخلها أصوات وتفتح الأبواب فتزيد درجة ارتفاعها فلا تسمع ما يقوله مَن يجاورك على مائدة متواضعة للغاية..
ثم يزداد المشهد كمالا ورونقا وتذوقاً بتقديم طبق من الكوارع مع شربتها بالفتة.. وأظن لم يكن عليها التقلية.. إذ لم اشم رائحتها.. ويؤكد أحد السادة من الجيل الأول بقوله «„ أنا جيت علشان أكل كوارع!! ‟» فردتُ عليه بالقول بالهناء والشفاء...
في النادي المِصري العريق تجد ما يحتاجه المِصري خاصة ابناء الجيل الأول..
كعادة العرب ومنهم المِصريين-خاصةً- لا يحسنون تقسيم الوقت بين عدة فعاليات.. فقد أُعلن عن محاضرة تتعلق بالجانب الإجتماعي تُعقد في الثامنة مساءً فتأخرت إلى التاسعة والنصف وكما قيل «„ خليهم يفرحوا ‟» .
**
عرض المتحدث في أختصار شديد تاريخ التواجد المِصري على أرض النمسا في العصر الحديث(!) منذ بداية الخمسينات من القرن الفائت؛ مبيناً أن –وقتذاك- كان القادم من مصر للتعليم على نفقته.. وليس لديَّ (الأن) ما يثبت أنه كان وقتها مكتب للبعثة الرسمية التعليمية المِصرية(!؟)؛ ومكتبها خلف الجامعة الفيينناوية.. ونقلا من مقابلة مع الحاج حمدي بدوي-أطال الله تعالى في عمره ومتعه بالصحة والعافية-يخبرنا أن جاء إلى النمسا في عام 1957م.. وهو يعتبر شيخ المِصريين وعمدتهم.. ثم ننتقل سريعاً إلى بداية السبعينات وبدء تزايد أعداد الوافدين وهم غالبا مِن مَن قام ببيع الجرائد وبعدها توزيع الإعلانات.. فتتحدث د. هدى زكريا عن تلك الفترة الزمنية بـ «„أنها أحدثت خلالاً في المجتمع المِصري برمته لشبة غياب الطبقة الوسطى‟» وتكمل حديثها «„إذ ترك العامل مصنعه.. ورحل المزارع عن أرضه‟»
ثم جاءت حقبة الثمانينات وهنا بدأت مرحلة جديدة وهي مرحلة تكوين/انشاء «„العائلة زوج وزوجة وأولاد‟». وإن أدعى الجميع أنهم سيبقون مدة زمنية قصيرة والشنطة جاهزة للعودة إلى مِصر.. وغالبيتهم تم دفنهم في مقابر المسلمين بالنمسا..
لم تستطع الجمعيات والمصليات من إدراك تام لهذه المرحلة.. فلم تقدم ما يجب أن تقدمه!؟.
نظرة عامة :
يعود جذور التواجد المِصري في النمسا إلى وسط الخمسينات من القرن الماضي (طلاب الدراسات العليا)، ثم زادت وتيرة الهجرة المنظمة وغير المنظمة في أوائل السبعينات (التجار، مجال الخدمات الدونيَّة)، قسم من هذه الشريحة يغلب عليها تدني المستوى الثقافي والعلمي، ومحدودية الإهتمامات، كما يغلب عليها الطابع المادي فالغرض من التواجد في النمسا جمع الأموال بغض النظر عن مصدرها مع التمحك في تساؤل دائم: بمدى شرعية العيش في بلاد "الكفر(!!؟)"، وشرعية العمل في محلات بيع الخمور ولحم الخنزير، ثم أضيف مع مرور الوقت والزمن عامل مهم للغاية إلا وهو "المكتسبات الإجتماعية" أي المساعدات المالية وفق منظومة التأمين الإجتماعي المعمول بها في نظام حكومة النمسا وخاصة لمن يحصلون على جنسية الدولة، ونتيجة لخلط أوراق الحِل والحرمة والتأرجح بينهما تغاضى الكثير عن مبدأ الحِل واغمضت العين عن مبدأ الحرمة لتوفر أسباب المعيشة بأي كيفية كانت واي طريقة استخدمت، أضف إختلاف نمطية العيش بين الوطن الأم "بمشاكله" والوطن "البديل" بخدماته الإجتماعية ومنظومة القيم والثقافة الغربية السائدة عن الآخر، فانتاب البعض فوضى فكرية وحالة من عدم الإتزان الشعوري مصدرها أفكار العولمة وموجة التشكيك في الثوابت والمقاييس والمفاهيم وغياب القناعات وما لدى الفرد (الطبقة الوسطى والتي تسبقها) من موروثات ثقافية وإجتماعية ودينية مشاعرية وشعائرية، مع حزمة العادات والتقاليد وتحكم الأعراف في سلوك الفرد.. فتولد من السابق حالة صراع نفسي وعقلي ظهرت نتيجته بإنتصار الأول (أفكار الحرية والتحرر والمساواة ونمطية الغرب في العيش)، مع إرتفاع نسبة المخزون من المشاعر المعادية للآخر- نتيجة أحباطات متعددة - للأفراد والمؤسسات وتعثر مشروع الإندماج من قِبل الدولة هنا ومحاولة إحتواء الدولة -هناك- للأفراد بمؤسسات وهمية أو مشاريع غير واضحة المعالم..
حالة الصراع هذه يعبر عنها الفرد في حديث عابر أو تعليقات على أحداث، أو مظاهرات الشوارع، فتواجد شرخ عميق في النفس وصراع داخلي فظهرت على السطح حالة التفكك الأسري، وصراع الأجيال، وصراع غير معلن بين منظومتين ولم تبحث مسألة الإنتماء مع ما يصاحبها من مسائل الهوية والولاء وانتابهما ضبابية رؤية ستزول بعد عدة أجيال .
التجمع المِصري في النمسا يتكون من خليط غير متجانس.. متباعد.. منقسم.. مهلل.. ليس له مرجعية، فقدت الهوية المشتركة الجامعة.. وبعض الدراسات تؤكد على تدين الشعب المِصري وبنسبة عالية عن بقية الشعوب فالمقياس ظهور على السطح حالة تدّين "موسمي" وبقوة في مناسبات كصيام شهر رمضان وموسم الحج ومواسم العمرة والعيدين والمولد وصلاة الجمع وموالد اسيادهم، وما يرافقهم من مناسبات آخرى.. ساعد على ذلك وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية والفضائيات (تعدد وسائل التكنولوجيا الحديثة وسرعة تحديثها بما لا يتفق مع تطور شرائح عدة من المجتمع ما قبل الإنمائي ـ أو ما يطلق عليهم شعوب دول العالم الثالث) وعملت في خفاء على تشكيل جانب ما من الشخصية المِصرية، والغالبية من المسلمين، فحدث تعديل ملحوظ في البنية الفكرية واكبها قبول نفسي لبعض المسائل والقضايا وتغيير ظاهر في النسيج الإجتماعي ووجد صراع بين السلطة الأبوية الذكورية وأفكار المجتمع الغربي "المستوردة" والتي تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة (القوامة، تعدد الزوجات) والمناداة بحقوقها المالية (قضية ميراث الأنثى) والحقوق المدنية المتعددة وفق وجهة نظر مبادئ المنظومة الأمريكية، وأيضاً الإنسانية (كمسألة ختان الإناث أو ما سُمي الآن قطع الأعضاء التناسلية للمرأة) فوجدت قائمة طويلة من المطالب يراد تفعيلها أو سنها في صورة قانون، نظر الرجل - سواء الغربي أو المشرقي – على أنه ـ أي القانون ـ إنما صدر ضده - فزاد التصدع بين طرفي الأسرة - الزوج وزوجته ـ فضمحلت مؤسسة الزواج (وهذا ما صرح به الكاردينال الحالي لمقاطعة فيينا، ومن قبله وزيرة التعليم في أغسطس 2005م) يضاف إلى ذلك البون الشاسع بين إسلوب تربية الطفل في الغرب وبين إسلوب التربية التقليدي في الكُتاب (درس السبت) أو المصليات مع أختلاف تواجهاتها الفكرية-إن وجدت- وانتماءاتها الحزبية وولاءاتها وميولها ومصدر التمويل، والتأرجح الواضح بين التشدد الديني كمَن يرى أن "صوت" المرأة عورة وليس فقط وجهها وكفيها وبين الإنفلات التام كمن يترك بناته وزوجته على قارعة الطريق، والمثالان يتواجدان في نفس الموقع والزمان.
يمكننا تقسيم التجمع المِصري من حيث المستوى التعليمي إلى الشرائح التالية :
1. ] الأكاديميين، وهم فئة الجامعيين كاصحاب الدراسات العليا بكالوريوس، ليسانس، ماجستير دكتوراه،
2.] أصحاب التعليم المتوسط : كدبلوم صناعي/ فني / تجاري / زراعي
3.] وفئة محدودة جداً من الأميين.[الشرائح السابقة لايوجد لها مسح دقيق يحدد نسبتها].
ما تتصف به الشريحة الأولى أنها :
1.) نسبة عالية من أصحاب الدراسات العليا (الأكاديميين) لا تعمل في مجال دراستها الأصلية، مما أصابها بحالة احباط وفقدان الإتزان النفسي،
2.) غياب و/أو ضعف القيادة الحكيمة الراشدة فيما بينهم فنقسموا على أنفسهم،
3.) وجود صراع خفي.. إذ أنهم مع وجود شهادة جامعية عالية (دكتوراه) يعملون في مجال الخدمات (مثال : مبتعث من قبل وزارة التعليم العالي يحضر لدرجة الدكتوراه في جامعة فيينا يعمل سائقا للتاكسي، آخر لم يجد عمل في مجال تخصصه يعمل في قطاع المطاعم أو الفنادق، ثالث في مجال التعليم)
4.) شريحة من هؤلاء السادة الأكاديميين يعانون من البطالة لفترة زمنية تطول أحياناً،
5.) يترتب على السابق إحساس بالتهميش في واقع الحياة والمجتمع، فليتجأ البعض منهم إلى الوجاهة الإجتماعية تحت لقبه "دكتور" لتقديم خدمات إجتماعية كرئاسة جمعية أو إتحاد، أو فض المنازعات، فهو يعوض ذلك القصور في مجال آخر،
6.) تتغيب هذه الشريحة عن الوسط الإجتماعي الذي تعيش فيه فتلتجأ إلى الإنغلاق على الذات بالتواجد داخل المجتمع المنعزل الصغير المِصري
تتداخل عوامل آخرى في هذه الإنعزالية
1.) كضعف مستوى المخاطبة بلُغة الدولة التي يعيش فيها،
2.) تزداد اللغة ضعفاً بالإعتماد على القنوات الفضائية العربية، ونشرات أخبار العالم العربي؛ اضف الفيسبوك،
3.) ضعف التواجد في المجتمع الغربي حيث يتابع الشخص هذا، المسلسلات العربية أو المدبلجة، فيعيش في عالم آخر،
4.) ضمور فكرة الإندماج في ذهنه فهذه الشريحة تتواجد في الأماكن التي تستريح لها خاصة لتناول بعض الوجبات المحببة لهم (كأطباق الفول، الطعمية وما اشبه ذلك من سحب دخان الشيشة)، أو سماع النكات والأحاديث باللهجة المحلية التي أعتاد عليها منذ صغره..
[هذه الملاحظات تحتاج لمسح ديموغرافي لنتمكن من معالجة المشكلة الأصلية]
بقية الشرائح المصرية الموجودة على أرض النمسا وهي مستويات التعليم المتوسط (وهي بنسبة عالية ) تتصف بـ
1.) لا تتقن اللغة الألمانية بشكل جيد،
2.) الهدف الوحيد تحصيل المال (في بعض الحالات بأي صورة كانت، الفئة المتدينة -منهم- تبحث عن فتوى التحليل لبعض الأعمال التي لا تتفق مع مبادئ دينهم )
3.) تدني مستوى الإهتمامات فيُحصر في الشؤون الحياتية اليومية الإستهلاكية، كالمشروبات المأكولات، الأوكازين (التصفية الموسمية للبضائع)
4.) يضع قدما في الغرب وآخرى في الشرق، فيجمع المال ليحوله إلى مدخرات في بلده الأصلي، أو شراء قطع من الأرض أو بناء، فلا يباشر أرضه أو مشروعه فيخسر لوجود طامع في أرض الوطن (حالات النصب والإحتيال أو الإعتماد على المساعدة الخارجية عند بعض العائلات نسبتها عالية، مما يسبب الشجار بعض الزوج والزوجة، فطرف منهما يساعد عائلته على حساب فتات خبز أولاده)
5.) تعيش نسبة ما (لم استطيع تحديدها) في إنغلاق تام عن محيطها والبيئة الجديدة التي تعيش فيها لوجود الفارق الكبير بين قيم الوافد(!) وقيم المجتمع الغربي عامة والنمساوي خاصة وحزمة المبادئ والقناعات والمفاهيم والقيم تختلف إختلافا كلياً، وتلاصق العادات والتقاليد بالدين جعلت الحياة تنقسم إلى حياتين مختلفتين على نفس بقعة الأرض التي يعيش عليها إثنان أحدهما مشرقي العقل والمزاج والنفسية والهوية والآخر غربي العقل والمزاج والنفسية ورؤية الحياة.. ترتب على ذلك إنفصام (لم يحدد نسبته) بين الجيل الأول بما يحمله والجيل الثاني وكيف تربى في المجتمع أو المدرسة أو الحياة.
وهذا بحث آخر :" الجيل الثاني والثالث على أرض المهجر وإن حمل الجنسية الغربية "
بعض المشاكل التي تواجهنا :
- إتساع الفضاء الحركي والإصلاحي في الوسط الإجتماعي لم يكن إيجابي، فلا توجد مظلة واحدة تجمعهم أو سقف واحد يتحركون تحته،
- التنسيق فيما بينهم يكاد يكون معدوم، بل عند البعض يصل إلى درجة عدم القبول وإن جاءت صيغة الرفض بحجج واهية،
- ضعف المستوى التعليمي التخصصي في مجال علم النفس والإجتماع؛ بتعبير آخر :"شخص غير متخصص". علمياً أو مؤهل عملياً؛
من النقطتين السابقتين ظهر على السطح:
1.) أن التحرك يتم كرد فعل للأحداث، أو ما يجرى داخل المجتمع المغلق أو المجتمع الذي يعيش فيه الوافد؛
2.) غياب خطة مدروسة (إستراتيجية) من الناحية الإجتماعية/النفسية/القانونية مطروحة إما للنقاش أو للتفعيل،
3.) غياب أحصائيات أو بيانات عن الحالات التي تم علاجها - سواء أكانت دقيقة أو قريبة من الواقع -، لعدم وجود منهجية عمل علمي، ومن المعلوم أن الرغبة في مساعدة أصحاب الإحتياجات تثمن بالذهب وفي ميزان حسنات فاعلها، ومع تقديري الشخصي لمن يملكون نوايا حسنة غير أنها لا تكفي،
4.) جهل البعض ـ ما أصطلح عليه عرفاً بـ"المُصلح" الإجتماعي أو جماعات الإصلاح ـ بالقوانين المعمول بها داخل جمهورية النمسا الإتحادية ـ
5.) الخبرة عنصر هام والمواهب والقدرات عنصر ثان أكثر أهمية بيّد أن صقل الموهبة وتنمية القدرات وإثراء التجربة بالدراسة والإطلاع وتبادل المعلومات تفيد طرفي النزاع (الزوج والزوجة) لإيجاد حل،
6.) غياب دراسات ميدانية عن الوضع الإجتماعي،
7.) غياب المسح الصحي الديموغرافي،
لا يوجد لدينا مسح عام فترتب على ذلك أننا نفتقد إلى الإحصائيات الدقيقة ونحتاج إلى مراجعة الحالات مرة ثانية وقد يتعذر ذلك، ولعدم وجود آليات ميدانية تساعد في البحث نتحدث بشكل غير علمي وغير دقيق وهو ما ظهر على السطح، ويحتاج إلى توثيق....
8.) لا يوجد تناسب بين عدد أفراد التجمع والخدمات التي تقدم من قِبل المؤسسات (غالبيتها مصليات) العاملة في المجال،
9.) تعطيل مبدأ الشورى والتشاور والمشورة،
10.) غياب المرجعية أو ضعفها، أوجد فجوات داخل النسيج المجتمعي،
11.) تعطل القيادة/غيابها، عطَلَ/أجل إتخاذ العديد من القرارات المفيدة،
12.) حالة تجمد/تقوقع النخب، فغابت الشخصيات المؤثرة لقناعةٍ مفادها: "عدم جدوى التحرك"
يترتب على ذلك وإن تم لقاء أو إجتماع أن :
1.) بصفة عامة غياب ثقافة التفويض/التكليف،
2.) ضعف/غياب ثقافة المتابعة، المراجعة والمحاسبة،
ترتب على ذلك :
1.) الإقتراح/القرار لا يُفعل،
2.) أصيب البعض منا بتغلب الـ (أنا) المرضية على العمل الجماعي، والظهور الإجتماعي،
3.) الإهتمام بالتافه من الأمور، و
4.) لم تبحث القضايا بل بحثت أطرافها أو بتعبير آخر أعراض المشكلة، وليس أصل المشكلة،
ويضاف أيضا لما سبق اعتماد سياسة:
1.) الترحيل للمشاكل
2.) التنفيس بدلا من سياسة حل جذور المشكلة (فالإجتماعات واللقاءات تمت على نمط برنامج "الإتجاه المعاكس" الفضائي)
3.) التنظير، والإتيان بأفكار لا يمكن على أرض الواقع تفعيلها، وإن تحرك البعض في آطر هذا التنظير كحركة الذبيح،
4.) التفرد والإستقطاب،
5.) تقوقع كل فريق إصلاحي على ذاته على مقولة "نحن الأفضل، وغيرنا لا يصلح"،
6.) التقسيم إلى فرق واحزاب تُظهر من حين إلى حين علامات الصراع، ونقاط الخلاف،
7.) الفرق الإصلاحية ولجانها ليست طرفا في أي نزاع آسري، والواقع أن مسألة "حشر" أحد أعضائها كطرف في النزاع يفسد قضية الإصلاح برمتها،
8.) عدم وجود مؤسسة نسوية تقوم برعاية المرأة، توجد فقط "المنظمة العربية للمرأة" وبين فريق ما وبينها قطيعة بل أكثر : حالة عداء، مع أنها تعمل بإعتراف الجميع بجدية، وتوجد أيضا : "منظمة هنية" وكما فهمت فإنها استقلت بنفسها ولا تريد التعاون مع أحد، (تصحح هذه المعلومة، إذا جانبها الصواب!!!)،
9.) التشبيك بين الإعلامي (الموجود) والمؤسساتي (المنشود)،
10.) ضبابية العلاقة بين الجهات الرسمية المعنية بالأمر (مثل „MA 17“ und /oder „MA 57“) وفرق الإصلاح، وعدم اعتراف الأول بالطرف الثاني،
12.) الشفافية في النشاط الإجتماعي تعلوها سحابة صيف تريد أن تنقشع..
وكلنا أملٌ في غدٍ وردي جميل فالصباح المشرق يسبقه ليل مظلم، وحين تتجمع السحب الرمادية تأذن بهطول الأمطار لتروي الجنان، إنها لحظات من عمر الزمان ونرى نور الشمس فيضئ أمامنا الطريق فنتحرك بدفء أشعتها، فنحن مازلنا في بداية الطريق.
فإذا تحدثنا عن الأقلية المصرية في الغرب فهي حقيقتها أقليات وجاليات وطوائف ومذاهب وشيع وفرق وحوانيت وعلب ليل، وقد استعذبنا هذه التقسيمات سواء بالإيجاب أو السلب، فهذا سلفي يقابله هذا صوفي، وهذا مسيحي وهاك مسلم، وهذا متدين والآخر علماني.
الخلاصة :
1. ] اهتزاز الصورة المثلى لكثير من الأفراد والشخصيات داخل الأقلية،
2. ] إزدواجية الشخصية بين الفعل والقول،
3. ] غياب قدوة أو مثال بين أفراد الجالية،
4. ] تدني مستوى الوعي العام في عدة مسائل وقضايا،
5. ] تدني مستوى الثقافة في عدة مجالات،
6. ] أسلوب الوعظ والإرشاد على النمط الحالي ثبت عدم جدواه،
7. ] الرادع الخُلقي أو الديني في حالة إنحدار..
**
غنى العندليب الأسمر أغنية ألفها إيلياء أبو ماضي مطلعها «„ جئت.. لا أعلم من أين ولكني أتيت ‟» فبدء أو قبلها حالة من«„الدوخة‟» أو ضبابية الرؤية وقد عالجها -وقتها- فارس المنابر الشيخ عبدالحميد كشك بطريقته الخاصة جداً ولكنها لم تعالج اصل المشكلة.. ثم في 2016م غنى للكل عبدالباسط حمودة «„أنا مش عارفني.. أنا تهت مني‟» فزدادت حالة «„الدوخة‟» وارتفعت درجة «„التيه‟».وصار مجتمعا ما يتعاطى المخدر أو المنوم. إذ أن :"تشظي الهوية وتفككها هما أول المؤشرات للتصدع في البناء الاجتماعي، وعلامة من علامات تآكل فكرة الإحساس بالانتماء داخل المجموعات الصغيرة أو الأوطان، ولكنها تتجلى في صورة مبالغ فيها أو متطرفة، كأن تقول مثلا إن :" الإسكندرانية أجدع ناس "(7) وتزداد أكثر حين تسمع من الإسكندراني أنه هو الذي:"علم السمك العوم".. فيرد عليه قاهري مقهور :"وأحنا إللي دهنا الهواء دوكو".. إحساس متطرف بتفوق المجموع مقابل جماعات أخرى يأتي بدافع تقوية الإحساس بالهوية الشخصية أو الفردية، والعكس صحيح، فمثلا التركيز على ضياع الهوية الشخصية هو نتيجة لإحساس عميق بتفسخ هوية المجموع، سواء أكان العائلة أم القبيلة أم الوطن، ومن هنا يمكن قراءة الأغنية الشعبية المِصرية على أنها نتيجة إحساس بتهديد الهوية في وطن قديم قلما تهددت هويته حتى بالأحداث الكبرى، مثل الاستعمار أو فيضانات النيل. "(7).
أغنية عبدالباسط حمودة التي تجسد الأزمة الإنسانية والأسئلة الوجودية للشخصية المِصرية المعاصرة المهددة بضياع داخلي، ورفض للخارج في حالة كلاسيكية تعبر عنها مجموعة أغان شعبية ظهرت حديثًا يتغلب فيها الغيبي و الحظ على تملك الإنسان من أدواته بشكل عقلاني يحدد مسار حياته، وانعكست تلك الحالة الغيبية الرافضة لقدرة الإنسان على تشكيل مسار حياته والاعتماد على ضربة الحظ. فالثورات المِصرية في 25 يناير 2011م، وكذلك 30 يونيو 2013م كلها توحي بأن الإنسان المِصري قرر أن يحدد مصيره ومصير وطنه من خلال الأخذ بزمام المبادرة بشكل عقلاني، وربما نتيجة لإخفاق هذا العمل العقلاني،
احتفى المجتمع المِصري بأغنية أحمد شيبة «آه.. لو لعبت يازهر»، والتي تبحث عن التغيير، ليس السياسي هذه المرة، ولكن الاقتصادي (دنيا الأموال) عن طريق الحظ وليس العقل. فهل فشل ثورتين في إنجاز التغيير والتحول سياسيا أو اقتصاديا هو الذي أدخل المِصريين في دنيا الحظ وضرب الودع بدلا من الخيارات العقلانية؟ أم أننا نتحدث عن ظاهرة أعمق تمثل اهتزازا أكبر وتصدعا في الهوية التي لا يمثلها عبدالباسط حمودة، الذي «تعب من المفاجأة» وبدأ يشك أن ما يراه في المرآة «دي مش ملامحي» أو ملامح بلدي هو نهاية قصته، بل هي رؤية أكثر اضطرابا في أغنية عمرو سعيد «الدنيا زي المرجيحة يوم تحت وفوق.. في خلق عايشة ومرتاحة وفيها ناس مش فوق». والتي تجسد أيضا التفاوت الطبقي الذي يؤدي إلى أعلى درجات الإحباط. ومع ذلك يبقى دور الإنسان محدودا في التغيير؛ فالدنيا هي التي تعطي وهي التي تأخذ من تحت لفوق والعكس، والنظر إليها بوصفها مرجيحة والاستمتاع بكل لحظاتها، سواء فقر أم غنى هو الحل الوحيد مع إنسان يفتقد الانتماء والهوية إلى أي مجموع صغير أو كبير: «الدنيا لما بتدينا بنفرح ونقول السعد جانا ويا ريته يفضل على طول ولو أخدت منا بنتأثر والفكر يطول والله بتمرجح فيها من تحت لفوق».
إذن، هي لحظات عابرة سواء فقراً كانت أم غنى. والحظ وليس الإنسان هو محرك الأحداث الأول، هذا إذا كان لديك قليل من العقل أو أن ما يحركها هي أمور غامضة وغير مفهومة على مستوى الدولة أو المجموعة الصغيرة التي ننتمي إليها سواء قبيلة أم طائفة.
السؤال الآن هو: هل ما يحدث في مِصر الآن مختلف بشكل لافت عما كان يحدث منذ زمان ومدرسة «أركب الحنطور واتحنطر» عند سعد الصغير، أو من قبله قدرية أحمد عدوية في «زحمه يا دنيا: «أو «على كوبري عباس؟».
فإذا كان كل من عدوية وسعد الصغير هما بداية الاهتزاز الناتج من ارتطام الحداثة بالوطنية الهشة، فإن كلا من عبدالباسط حمودة وأحمد شيبة يأخذاننا إلى عالم ما بعد الحداثة في بدايته المتمثلة في مسرح صامويل بيكيت، وإدوارد آلبي، وهارولد بنتر واللامعقول، إلى ما بعد الحداثة في عالم كل من جاك دريدا وميشيل فوكو، أو في حالة عمرو سعيد إلى عبثية الأقدار، وعدم التأكد في عالم دونالد ترامب و«وما بعد الحقيقة» كما تصورها مدارس ما بعد «الديكونستركشن» (ما بعد التفكيك) في النقد الأدبي، وفي كل هذه الحالات نجد أن الإنسان الشعبي قادر على الانسلاخ من وطنية مصنوعة من فوق، تركب على عالم يسعى إلى حريته السياسية والثقافية والاقتصادية في معادلة مغشوشة، على حد قول عمرو سعيد:« الدنيا سيما بطبيعتها كلها أفلام بنمثل فيها وبنخرج كمان لو عجبك دورك بتكمل وتقول يا سلام ولو خانك حظك تتمنى لو روحك فوق وأنا لسه بتمرجح فيها من تحت لفوق». قد نلوم إنتاج السبكي على ما يمكن تسميته بكارثة ثقافية، ولكن حجم الإقبال على هذه الأغاني التي تبدو من إنتاج القاع يوحي بأننا أمام ظاهرة تحتاج إلى نقاش جاد. فإلى أي مدى ستقودنا «أنا مش عارفني»؟"(7).
**
:"محاضرة السبت 26 يناير؛ وهذا اليوم له ذكرى في تاريخ مِصر الحديثة". فتحت موضوعاً من أعقد الموضوعات وكشفت الغطاء عن ملف من الملفات العديدة الشائكة من ملفات التجمع العربي ومنه المِصري أو الإسلامي؛ إذ أن :" فتح هذا الملف - معاملة المرأة والنظرة الدونية لها - يعني أننا نتحدث عن تاريخ كائن بشري نسميه «المرأة»، وقد لاقت في العديد من الأماكن والشعوب والحضارات القديمة والحديثة وسائل متنوعة من المعاملة التي لا تليق بكائن إنساني صنو للرجل، فستخدمت كآله لهو وأداة ترفيه فوجد لها مهنة «البِغاء» وخاف منها الرجل أو عليها فوأدها. والنظرةُ الدونيّة للـ «مرأة» تظهر الوجهَ الأكثر بشاعةً وقبحاً للتخلف الاجتماعي والثقافي حين يمارس العنف على الصعيد الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو السياسي، ولا يمكن تبريره طالما انطلق من التمييز الذي يفصل بشكل قسري ومتعمد بين المرأة وبين الرجل ويضع النساء في مرتبة أقل من الرجل بفعل الثقافة أو العادات والتقاليد أو الأعراف؛ وعند الجهلة بـ الدعاوى الدينية وغير ذلك من الأسباب.". (8) .
ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية تجاوزت الحدود الجغرافية والفوارق الطبقية والخصوصيات الثقافية والحضارية "(8).
نبه المحاضر إلى حالة من :" - غياب عن المشهد الحالي ".
وللحديث بقية
..........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جمال الدين محمد بن محمد؛ ابن ظهيرة؛ الفضائل الباهرة في محاسن مِصر والقاهرة؛ تحقيق: كامل المهندس؛ ومصطفى السقا؛ وزارة الثقافة؛ 1969م؛ ص: (204) .
(2) مقولة تنسب إلى الإمام : محمد بن إدريس الشافعي؛ المصدر : المجموع - ترجمة :" العلامة حماد الأنصاري".
(3) د. العريفي؛ خطبة جمعة له.
(4) أكمل التعريف كاتب هذه المقالة.
(5) لا يروق لي استخدام مصطلح :"الجالية".وقمت بقراءة وكتابه هذا البحث . فعند موسوعة لسان العرب؛ حرف الجيم؛تقرأ: جَلَا الْقَوْمُ عَنْ أَوْطَانِهِمْ يَجْلُونَ وَأَجْلَوْا إِذَا خَرَجُوا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. أَيْ : يُنْفَوْنَ وَيُطْرَدُونَ، وَالْجَلَاءُ: جَلَا عَنْ وَطَنِهِ. وَيُقَالُ: أَجْلَاهُمُ السُّلْطَانُ فَأَجْلَوْا أَيْ : أَخْرَجَهُمْ فَخَرَجُوا . وَقديماً : قِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْجَالِيَةُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْلَاهُمْ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ فَسُمُّوا جَالِيَةً وَلَزِمَهُمْ هَذَا الِاسْمُ أَيْنَ حَلُّوا،. فَالْجَالِيَةُ : الَّذِينَ جَلَوْا عَنْ أَوْطَانِهِمْ . ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: جَلَاهُ عَنْ وَطَنِهِ فَجَلَا أَيْ : طَرَدَهُ فَهَرَبَ ". انتهى النقل] [المصدر : لسان العرب؛ أبوالفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور)؛ دار صادر؛ 2003م. ]. وهذا هو المصدر الأول.
أما المصدر الثاني فتجد: جَلَوْتُ عَنْ الْبَلَدِ جَلَاءً خَرَجْتُ. أَجْلَوْا مَنْزِلَهُمْ إذَا تَرَكُوهُ مِنْ خَوْفٍ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ خَوْفٍ تَعَدَّى بِالْحَرْفِ وَقِيلَ أَجْلَوْا عَنْ مَنْزِلِهِمْ ". [المصدر:" ؛ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير؛ من كتب : لغة الفقه أحمد بن محمد بن علي الفيومي؛ المكتبة العلمية؛ دون ذكر سنة النشر] وعند صاحب رد المحتار الحنفي؛ تقرأ :" وَتُسَمَّى جَالِيَةٌ مِنْ جَلَوْت عَنْ الْبَلَدِ، وَالْجَالِيَةُ الْجَمَاعَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ جَلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْجَالِيَةُ ثُمَّ نُقِلَتْ الْجَالِيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ". وفي موضع آخر:" وَجَالِيَةٌ يَلِيهَا الْعَامِلُونَا ".. فعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَجْلَاهُمْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا . [المصدر :" ؛ رد المحتار على الدر المختار؛ أحد الكتب من فروع الفقه الحنفي محمد أمين بن عمر (ابن عابدين)؛ دار الكتب العلمية-؛ 1412هـ/1992م].
وفي مصر يوجد: - عيد الجلاء وهو مناسبة تحتفل بها في جمهورية مِصر في يوم 18 يونيو، وهو تاريخ جلاء آخر جندي إنجليزي عن الأراضي المصرية في 18 يونيو 1956 نتيجة اتفاقية الجلاء.
(7) جريدة الشرق الأوسط اللندنية؛ رقم العدد [13887]؛ تحت عنوان: «أنا مش عارفني» الاثنين - 6 شهر ربيع الأول 1438 هـ - 05 ديسمبر 2016 مـ ؛ الكاتب: مأمون فندي
(8) ورقة مبادرة قدمها المنسق العام للهيئة الرسمية والمؤسسات والجمعيات الإسلامية بالنمسا؛ د. محمد الرمادي.. بتاريخ الثلاثاء 26 يناير 2010م.

 《تفتت》 في 《التجمع》!
"تُخْرجُ المِقْدحةُ ما فِي قَعْر البُرْمَةِ"(*)

بدءً من سبعينات القرن المنصرم ظهر تواجد ملحوظ علىٰ أراضي القارة الأوروبية للجماعات والأحزاب الإسلامية؛ والطرق الصوفية؛ ولا يتصور المرء أن الأمن الأوروبي عموماً أو المخابرات العربية خصوصاً كانت غائبة عن مراقبة ما يجري من قِبل جماعات ذات جذور في المنطقة العربية أو مناطق تسكنها أغلبية متدنية؛ ولها -الجماعات- ميول للتغيير؛ أو متابعة ما يحدث علىٰ مساحة ضيقة -آنذاك- من المشهد أو يظن المرء أن العين غافلة عن افراد قلة من تلك الجماعات والأحزاب ولو عن بُعد.. إذ أن ما حدث في عهد الزعيم صاحب الكريزما من رغبةٍ في إنهاء أو إبعاد الوجود الفعلي للجماعة عن الوسط الإجتماعي الخدمي العام وخاصة الرؤوس المحركة للعمل الميداني أو التنظيمي أو الجمعي -مع غياب تام للعمل الفكري أو التخريج النظري؛ ما عدا ما كتبه الشهيد- جعلهم يغادرون البلاد قصرا أو عمدا ويلجأون إما لدول الخليج بعد الإنتعاش المادي بُعيد إنبثاق الذهب الأسود في اراضيها.. أو المغادرة إلىٰ بريطانيا -الحاضنة الأولى لبذرة الجماعة- أولاً ومِن ثم -ثانياً- بقية دول القارة الأوروبية.. وينطبق هذا الحال في عهد مَن أطلق على نفسه أنه رجل الحرب والسلام تجاه حزب إسلامي يعمل على إقامة دولة الخلافة دون وجود تجمع جماهيري حوله؛ وأقصد حزب التحرير.. أضف الهجرة القصرية لفلسطينيين من منظمة فتح وحماس.. وفي بداية الثمانينات من القرن نفسه قام الأزهر الشريف بمبادرة -يظن كاتب هذه السطور أنها لم تأتِ بثمارها المرجوة- بإرسال البعثة الرمضانية [إمام ومقرئ] ولأسباب غير واضحة تماماً؛ ولعلها القدرة علىٰ التمويل المالي -وقتها- تم إرسال إمام مقيم شعائر لعدة سنوات [أربع سنوات؛ ثم فشلت المبادرة؛ وآحدهما ما زال حي انزوى –والآخر يتولى إدارة في وزارة الأوقاف- ومنهما يمكن فهم حيثيات المسألة من خلال اقوالهما] ثم انتشرت المصليات [الأهلية] في ربوع القارة بتبرع مالي خاص أو جاء من خلال منظمات حكومية أو من تمويل خزانة دولة لوضع قدم لأفكارها في القارة العجوز -كما وصفها رامسفِلد؛ وزير دفاع أمريكي- وافسد هذان المصدران -التبرع والحكومي- الماليان النشاط الدعوي -وليس النشاط الوعظي أو الإرشادي- وسبب آخر : فقد أعتلى خشبة المنبر مَن حالهم متواضع في فهم الإسلام كمنهاج وطريقة وكيفية مثل مَن يحملون تعليماً أولياً أزهرياً أو مَن هم ليسوا من أهله.. فالأول يقوم بدور الراعي الكهنوتي؛ والثاني تجرأ لأن الساحة فارغة أمامه.. ثم تحولت بعض المصليات إلىٰ قطاع استثماري أو منفعي أو لوجاهة إجتماعية فغاب مرة ثانية النشاط الدعوي؛ اضف أن عقلية وذهنية مَن يتقدم صفوف المصلين عقلية تقليدية.. هذا جانب.. أما الجانب الثاني فهو تعميم الخطب الموسمية فارغة المضمون ذات الطابع الوعظي العقيم والإرشادي الممل من فوق منابر مصليات أهلية، وجانب ثالث [ولعله أخطرهم فيتمثل في الصراع العلني أو الخفي بين الجماعات وبعضها البعض والحركات وما يماثلها والأحزاب وما يقاربها.. ثم جاءت «„ثورة‟» 2011 فقصمت ظهر البعير كقشة الإنتماء الحزبي والتكتل الجمعي والتوجه الفقهي.. وبدءَ توجيه اصبع الإتهام لمن ليس معهم كما سمع الكثير مِن مَن يطلق عليه خطيب أو واعظ فترسخ مبدأ التفتت وتركز مبدأ التقسيم وصار أعضاء كل حركة أو حزب بما لديهم فرحون.. ثم جاء اثناء عملية التفتيت هذه في بوتقة الإختلافات الظاهرية التي لا تسمن وتغني من جوع.. جاء دور تجنيد شباب وشابات من القارة الأوروبية تحت مسمى الجهاد(!) في مناطق كبلاد الأفغان ضد الخطر الأحمر والبوسنة ضد الصرب فالعراق فسوريا وبالطبع مصر ضد الأنظمة الحاكمة.
والقضية القديمة والتي تتجدد -وهي مسألة لم يتمكن أحد من القضاء عليها أو التقارب فيها- وهي مسألة التجمع تحت سقف واحد؛ ويكفي على مستوى الخطيب أو الواعظ؛ وليس على مستوى القيادة أو الرئاسة بغض النظر عن أنه توجد طريقة صوفية وآخرى جماعة دينية وثالثة حزب إسلامي وبالتالي تم الأنفصال عن بعضهم البعض وحدثت حالة العقم في التفكير في إيجاد أرضية صالحة أو مناخ عام لبحث القضايا المصيرية لتجمع: عربي/تركي/بوسنوي/ ألباني/أفغاني.. ولكنهم جميعاً ينتمون إلى "دين" (!!!) الإسلام بغض الطرف وإغماض العين عن الفهم الصحيح أو المعوج له.. فصار التطاحن فيما بينهم هو المألوف، ويعيب آحدهم على الآخر وهو المسموع وتتبع الأخطاء وتحسس مواضع الخلل؛ ومسألة آخرى زادت التفتيت في التجمع إلا وهي مسألة: الولاءات؛ والانتماءات؛ والتكتلات؛ ومع مَن تكون المصلحة؛ ومِن أين تأتي المنفعة.. وغاب تماماً من الذهن قضية قيم؛ ومفاهيم؛ وأخلاق [تقترب منها كثيراً الكنيسة الغربية ويشاركها المجتمع الغربي] فغاب عن الذهن قضية السعي لإيجاد مناخ صالح لهذا التجمع في القارة ذات الأصول المسيحية لتحقيق التواجد الحي والمؤثر بدلا من الصدام والعنف أو الكراهية، أو لترجمة نظريات واطروحات إسلامية في بيئة نصرانية ووسط غربي يعلوهما مناخ ديموقراطي حر من باب: مبادئ راسخة منذ قرون في الغرب: مثل : حرية الرأي.. وحرية الكلمة.. وحرية التفكير.. وحرية التعبير.. والحرية الشخصية.. والعيش بين وسط سياسي يعطي الحق دستورياً لوجود الآخر ولا يقصيه؛ ويسمح له بالتفاعل ولا يبعده.. بدليل أن الغالبية المسلمة حصلت علىٰ التجنس في العديد من دول القارة الأوروبية.. فهذا طرف من المعادلة؛ وهو الأقوىٰ والأفضل؛ لكن لم يدركه ضعاف العقول وحديثي الحلم والأسنان.. أما الطرف الثاني -الذي أفسد وسد الطريق لمن يَصْلُح أن يقوم بعمل جديّ- أن هناك مرتزقة يحملون الشارة الإسلامية ويرفعون الراية النبوية واللواء الإسلامي بيد أنهم لا يحملون قدراً ولو ضئيلا من الوعي .. سواء الوعي الفقهي أو السياسي أو الوعي القانوني ناهيك عن غياب فكري فهمي إدراكي عن الواقع الجديد؛ بل -أعلىٰ ما عندهم- أنهم يحملون معلومات(!!!) متوارثة عن الأجداد أبعد ما تكون عن انزالها لواقع حالي معاش وإن تشدقوا بها، وهذا يعود للمستوىٰ التعليمي أو القدر الثقافي.. وننحي جانباً الدرجة العلمية الأكاديمية(التخصصية) يرافق هذان -التعليمي والثقافي- اسلوب تربية وطريقة الإعداد النفسي والعقلي والروحي.. في بيئة متواضعة ثقافياً ومناخ ضحل إجتماعياً.. وصدق المثل الشعبي الذي يقول :"حلم القطط كله فئران".. فالجائع لا يفكر كثيراً في طيب الطعام أو نكهته أو رائحته أو جودة مادته وكيفية طبخه وحسن تقديمه وفق آداب المائدة المتعارف عليها في كل مجتمع وفي كل بلد.. بل يريد أن يملأ معدة فارغة.. والفقير المعدم لا يحسن اختيار مهنة تدر عليه ربحاً وفيراً بل عنده الوسيلة تبرر.. ومن ترتفع في دمه جرعات من هرمون الذكورة نتيجة الكبت والجهل معاً أضف ثالثها الإنفتاح غير المنضبط والتحلل الخُلقي لا يحسن اختيار من ترافقه لحظات قضاء الوطر وإنتهاء الشهوة بل يريد الإشباع -الأن- وبغض النظر عن الطرف الثاني: طفلٍ كان أو طفلةٍ .. صبي.. صبية .. ذكر مثله أو أنثى مثلها.. ويغيب تماماً مبدأ الحلال والحرام أو مبادئ الأخلاق الحميدة والفكر الرشيد.. ومبدأ بشاعة الزنا وأنه ر يرضاه المرء لذويه.. بل تحريمه.. وأن المرء يأباه لأمه ويرفضه لأبنته ويستقذره لجارته.. المهم -في تلك اللحظة- الإشباع سواء أكان خاطئا أو شاذا. ومن لديه قدرا من التجربة ونظر لمن حوله قد يقلد الآخر.. المهم أن يكون علىٰ أعلىٰ سلم الاستفادة ويجلس متربعا علىٰ قمة تحصيل المنفعة المادية ويحارب بل يصارع لمصالحه الشخصية ولو علىٰ جماجم الآخرين ويقوم بيده لا بيد غيره إهالة التراب علىٰ رؤوس الآخرين وفي عيونهم.
التجمع القائم علىٰ ذوات أشخاص بعينهم وليس علىٰ فكر أساسي وقيم اصيلة صحيحة أو نظرية محكمة البنيان ومتينة الجوانب وصالحة للتطبيق.. هذا -التجمع- ينتهي بانتهاء تلك الأشخاص أو يستمر التجمع لوجود شخص آخر يحل محل الأول.. وهذا أيضا ما جعل لا يوجد تجمع صالح.
ولعل تجربة إخوان مصر تثبت هذه القاعدة؛ فقد غاب فكر أساسي يعني مبدأ صالح للبقاء في الساحة سواء الخدمية أو الإجتماعية أو السياسية ووجد فقط أشخاص يحملون كريزمة ما أو يبحثون عن منافع لتحقيق مصالح يلتف حولها اشخاص أو تقديم خدمات تجذب آخرين.. لذا فقد نفر كثير من أصحاب الفكر وأهل الرأي من التنظيم فصار تجمعاً من أجل التجمع وليس تجمعا من أجل تحقيق مبدأ.. فشلت التجربة الأولى في مصر مِن تحقيق شعارات رفعت علىٰ رؤوس الناس ولحقتها فشل ثان في تونس.. وحزب التحرير ليس -عن هذا- ببعيد فلم يتمكن من الإقتراب من كرسي الرئاسة أو مقعد الوزارة.. وإن حاول مرة فيالعراق وآخرى في الأردن -الملكية الهاشمية- فالتجمع الأول لديه قاعدة شعبية هشة لا تأثير لها في الشارع السياسي.. وانتهى بإنتهاء الخدمات التي تقدم.. والثاني خذلته القاعدة الشعبية إذ لم تلتف حوله.. ومن علىٰ شاكلة الأول نرىٰ التخبط واضحاً سواء علىٰ الساحة العربية أو الغربية والثاني له وجود ملحوظ فقط علىٰ الشبكة العنقودية العالمية.
ما يراه المتابع للمشهد في القارة الأوروبية خاصة 《النمسا》كمثال أنه علىٰ كافة المستويات هناك تفتت في التجمع.. قد يصل عدد المسلمين في الجمهورية إلىٰ ما يزيد عن مليون وعليك أن تقارب (تقارن) بينهم وبين عدد سكان الدولة؛ والذي تجاوز تسعة ملايين.. فسواء علىٰ المستوىٰ الرسمي والذي يمثل كافة المسلمين تجد هناك تفتت داخل التجمع، وعلىٰ مستوى المؤسسات لا تجد له وجود مؤثر.. غير قلة تستفيد.. وعلىٰ المستوىٰ المذهبي أو الطائفي هناك تفتت.. بل حالة من الكراهية والبغض فيما بينهم.. وعلىٰ مستوىٰ الأفراد تجد المرء منهم -فقط- يريد آداء عبادة سواء تجمع يوم الجمعة أو تجمع لآداء عمرة أو حج أو احتفال بعِيدِ فطر أو اضحىٰ.. وعلىٰ مستوىٰ التمثيل الدبلوماسي هناك تفتت.. وكأن حال التجمع في الغرب يعكس بصورة صادقة لحالة المناطق الذي جاء منها افراد هذا التجمع أو ذاك.
ولعله -واعترف- أنه حكم ناقص التقييم الصحيح من حيث البحث الميداني الموضوعي لصعوبة إعطاء درجة تقييم حقيقي صحيح [لكنه الملاحظ]؛ أضف صعوبة اعطاء درجة تقييم لموضوع خطبة الجمعة علىٰ مستوىٰ كافة أراضي الجمهورية أو تقييم لدرس لغة العربية في المصليات أو تقيم المستوىٰ الحقيقي لصحة نطق القرآن الكريم ومخارجه وحدث ولا حرج عن تقييم فهم أو تفسير أو تأويل ما حفظ من آيات قرآنية كريمات بغض النظر عن الطائفة أو الإنتماء أو الهوية أو المذهب. ويظن كاتب هذه السطور أن هناك أجهزة مراجعة(!!!) ترسل افرادها وعناصرها لتقصي مستوىٰ الخطيب ودرجة تفاعل الحضور مع كلماته وقدرته البلاغية أو الجماهيرية في التأثير علىٰ السامع وتفاعل مَن يصلي مع مفردات الخطبة.
أما وسائل الإعلام[!!؟] ومنصات التواصل الإجتماعي[!!؟] فهي غائبة تماماً عن كامل المشهد -مع وجودها- فهي كخطبة الجمعة لا تخاطب جميع أفراد وطبقات التجمع ولكنها تخاطب طبقة بعينها دون آخرى وفئة بعينها دون سواها وفصيل دون فصيل أو فريق؛ واللافت للنظر أنها -منصات التواصل الإجماعي؛ ووسائل الإعلام- كثيرة ومتنوعة في فضاء إلكتروني مفتوح ولكنها كغثاءالسيل.. تحمل كدرا لا ينفع في الأرض الخصبة بل يبورها؛ وتلقي في الغرب علىٰ رؤوس مَن يحمل جنسية الإتحاد الأوروبي من العرب وغيرهم مخلفات مجتمع آخر بعيد عنهم.. قد نتواجد فيه بأعتبارنا من السياح الأجانب لفترة وجيزة لا تتعدىٰ ثلاثة اسابيع في العام.. إلا من رحم ربي.. مما جعل آحدهم ناصحاً بأن مَن يحمل جنسية غربية ومن أصول دولة من الدول النامية كتركيا أو مِصر أن يحصل علىٰ فيزا -تأشيرة دخول- لأراضي دولة المنشأ خوفا من معاكسة أجهزة أمنية لدولة الجنسية التي تحصل عليها أخيراً.
وعلىٰ المستوىٰ الإجتماعي والترابط الأسري فـ"التفتت" قد اصابها في صميم اساسها وفي قلب قاعدتها وفي مقتل ذبحها فنسبة الزوجات الغاضبات في ارتفاع ملحوظ، أو مَن تتصل بالبوليس -لسوء معاملة الزوج أو لضربها- ففي دور رعاية النساء المعنفات عددهن قد ارتفع.. ومَن تترك بيت الزوجية وتذهب لبيوت النساء المعنفات أو الغاضبات وتحت رعاية إدارية ازداد اعدادهن [وسيدة أخت كريمة فشلت وكاتب هذه السطور فشلا ذريعاً في إصلاح ما يمكن إصلاحه؛ مع ملاحظة يجب أن تثبت هنا أنهما حصلا علىٰ دعم معنوي كامل من الهيئة المتولية رعاية شؤون المسلمين بالجمهورية حيث شكك الناس في النوايا] .. وكذا الصبيان والصبايا الذين يتعامل معهم أولياء أمورهم بطريقة غير إنسانية أو بطريقة خاطئة أو تربية فاسدة ارتفع ايضاً أعدادهم.. اضف قضية الطلاق والأنفصال والخلع بين الأزواج وسوء تطبيق الحكم الصادر من محكمة مدنية حيث أن البعض يعتبر تلك المحكمة القاضية بالطلاق غير شرعية وبالتوازي وجدت ما أطلق عليه "لجنة مصالحة" بين الأزواج.. وكاتب هذه السطور لا يدري ما درجة صلاحيتهم ومدى قدرتهم العلمية والفنية والمادية في معالجة المشاكل الأسرية.
ثم نأتي لمسألة الميراث الشرعي -والغالب أن الأموال سربت لبلد المنشأ- ولدينا إشكال فيما تسمىٰ بالوصية واعتمادها من محلف لتصير نافذة.
المؤسسات الجمعية والمجالس التنسيقية بين الجمعيات والهيئات والمؤسسات ذات الصلة بدأت بشكل ما نشطة ثم تراجعت بل أنتهت فلا تحس لها وجودا ولا تسمع لها صوتاً أو ترى لها ضوءا في نفق مظلم.. ولعل أهم مسألة في قضية التجمع: تفتت تجمع الشباب والشابات؛ وحالات زواج أبناء وبنات الجيل الثاني الذين ولدوا في الغرب عموماً أو النمسا خصوصاً؛ فلا توجد لهم رعاية فقهية أو ادراكية فهمية فقهية؛ كما وأحضار زوج مغلف بالـ سيلوفان- من بلاد العرب زاد الطين بلة.. فالطرف الأول يحمل عقلية غربية وذهنية أوروبية وإن كانت محجبة؛ والطرف الثاني ما زال يعيش في الشرق بما فيه وعليه -وهذا ليس تقليلا أو تنقيصاً من شأن الشرق- إذ الجيل الثاني والثالث ليس كجيل الأباء أو الأمهات؛ والثاني وعلىٰ وجه الخصوص لا يحسن لغة البلد التي يعيش فيها كما لا يحسن لغته الأم -سواء الفصحى أو العامية الدارجة التي يتكلم بها الأهل في البيت- وما أَزْمَ المسألة أن غالبيتهم لا يعملون بمهن ثابتة وغالبيتهم يعملون في مهن مكملة كمستلزمات الهاتف المحمول مثلاً أو تصليح الكمبيوتر الخرب أو تبديل قطع منه.. أو مهن خاصة يحتاجها أفراد التجمع.. كمحضر البيتسا.. لذا فالحديث عن المستقبل يحتاج بالفعل لأهل الفكر ورجال العلم وأهل الرأي لــ 《إعادة النظر》فليست الحياة شقفة خبز غمست عليها قطعة جبن وفرش وسقف أو قطع من "الهلاهيل" تغطي السوءة... وليس تحويل مال لبلد المنشأ يعتبر ضماناً للمستقبل .
وازداد المشهد تعقيدا بوصول دفعات من دول يحرقها بارود المدفع وترغم علىٰ المغادرة من نظام حكم.. إذاً لدينا العديد من الملفات المشتعلة والساخنة التي لا يسعىٰ أحد من اصحابها ووفقا للمنظور وتتبعا للمحسوس في فتحها أو معالجتها أو الإقتراب منها.. والمشهد معقد يحتاج إلىٰ سرعة إيجاد حلول ولو علىٰ الأقل يبدء من رعاية سن الرضيع إلىٰ رعاية سن اصحاب المعاشات بمعنىٰ آخر-إن تيسر- كل المستويات والفئات العمرية.
ولعل بداية سنة ميلادية جديدة؛ وإنتهاء الربع الأول من السنة الهجرية يفتح عيوناً لترىٰ المشهد علىٰ حقيقته وليس فقط مشاهدة ما يريد المرء رؤيته أو ما يحلو له النظر إليه فيفرح به أو يرى جانبا ضيقا مظلما فيصبح ساخطاً.. لذا ينبغي رؤية شاملة لشرائح متعددة داخل التجمع -نبدء بتجمع تلو آخر؛ فالتجمع التركي يختلف عن التجمع العربي لكن ينبغي أن تكون هناك نقاط تواصل ومحطات إلتقاء- إذ أن هذه الشرائح تشكل البناء الجسدي والعمود الفقري والدعامة العصبية لهذا التجمع الغريب(!) في الغرب أو هكذا ينظر إليه من أهل القارة الأصليين.. فالحلول التقليدية المعتادة وملأ الفراغ بالإسلوب القديم ينبغي تغيره لأنه اثبت فشله علىٰ مدار السنوات الطوال السابقة.. وهذا يحتاج إلىٰ عقلية مستقبلية تنظر بعين إلىٰ تجارب الآخرين والماضي القريب والتاريخ وبعين الغد لمستقبل تجمع يريد أن يبقىٰ في الغرب وغالبيتهم -يريد أو- يحمل جنسية الإتحاد الأوروبي؛ والمهم كيف سيكون هذا المستقبل!!؟.
كما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن ولا يصح حين يريد المرء تحليل المشهد الإسلامي ومنه العربي في الغرب أن يهمل أو يغض الطرف بأن هناك تراجعاً حاداً وهبوطاً وتخاذلاً في مناطق العرب وبلاد المسلمين الأصلية ومنذ بداية الستينات.. إذ لا خطوات إلى الأمام أو خطوات إصلاح حقيقي أو ما يطلق عليه مشروع تنمية أو إحسان استثمار موارد بلاد حباها خالقها بكل ما يحتاجه الإنسان من قوة شبابية ومناخ معتدل وخيرات الأرض وخيرات من السماء.. وما تم في بعض البلدان الإسلامية من تحسن ملحوظ في البناء الإقتصادي وانتعاش مالي في بعض المناطق ولكنهما -البناء والانتعاش- مرتبط بالسوق الخارجي أو عملية التصدير؛ والقلق يأتي من ربط عملات الدول العربية أو الإسلامية بما يطلق عليه العملة العالمية المعتمدة في البورصة وهي تدخل ضمن دائرة رأس المال العالمي والنظام العالمي والرأسمالية العالمية المتحكمة في العالم سواء دولا أو أفراد أو تجمعات استثمارية.. أو الإعتماد علىٰ السياحة من الخارج.. كمصدر دخل.. فالوضع الاقتصادي في مجمله والحال المالي والاستقرار السياسي والأمني سئ يضاف لهذا كله تردي مستوىٰ التعليم وسوء التربية والوضع الصحي للمواطن العادي والفقر وانتشار البطالة والرغبة العامة في التغيير مع عدم القدرة عليه فيلجأ الكثير منهم: إما إلىٰ هجرة غير شرعية لدول الشمال الغنية ذات الاستقرار النسبي وصورة ما من الديموقراطية وحسن معاملة الإنسان بصفته الأصلية أنه إنسان.. ويقابل هذا حالة عدم الرضا ثم الإنخراط في حالة عداء مفتوح ضد الآخر.. والجيل الثاني الذي ولد في الغرب ولمسألة تهميشه وسوء تربيته مع تدني مستوى التعليم واضطراب في التحصيل الثقافي [كابن بائع الجبن؛ وابنة السائق] فيلتجأ إلى إثبات ذاته بصورة أو بأخرى.. ولعل فتح باب الجهاد.. وفي مناطق بعينها ترفع الراية السوداء ذات شعار براق (الخلافة علىٰ الطريقة الداعشية) أو شعارات مثل (الإسلام هو الحل) علىٰ طريقة تجمع فشل في إنزال الشعار النظري علىٰ ارض الواقع المعاش.. أدى هذان المثالان إلىٰ التخبط الشديد عند الكثير من الشابات والشباب.
وما سبق -في هذا المقال- لا يرتقي إلىٰ تحليل دقيق لتجمع مشتت بين جنسيات: تركية.. أفغانية.. ألبانية.. بوسنية وعربية وعلىٰ اختلاف مشاربهم وهوياتهم.. وهي ورقة أولية أو قراءة سطحية لما يطفو علىٰ سطح التجمع المنفصل عن المجتمع الذي (نـ)ـعيش فيه جميعاً.. إذ أن البيئة والمناخ والوسط الإجتماعي والمستوى الثقافي والقدر التعليمي والمهني لغالبية أفراد التجمع لا ترتقي لوجودهم في بيئة غربية تملك أدوات العلم ومفاتيح الحضارة وسبل تقدم المدنية.!!...
يتبع بإذنه تعالى..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انظر : (أ) العلامة المحقق / أحمد تيمور باشا؛ الأمثالُ العَامّية؛ من قول العرب في أمثالها؛ والمثل العامي يقول :"إللّي في الدِّسْتْ تِطَلَّعُهْ المَغْرَفَةْ". ص: (59)؛ دون ذكر سنة النشر؛ أو اسم المطبعة؛ لجنة نشر المؤلفات التيمورية . كما توجد طبعة آخرى أولى لـ دار الشروق لعام 2010 وانظر أيضاً : (ب) رأفت علام؛ معجم الأمثال العربية : فصحى وعامية؛ مكتبة الشروق؛ مصر؛ ديسمبر 2018م. (ج) اللي في الجدر يطلعه الملاس، مقولة إماراتية. انظر أيضا: (د) احمد إبراهيم الزعبي؛ الأمثال الشعبية ومناسبتها؛ 2015م؛ خرجا؛ الأردن.
اصل الكلمة كانت تحت عنوان عريض : "المرءُ ابن بيئتِهِ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرمادي
المدينة المنورة؛ على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات.. في يوم الأثنين : 31 ديسمبر 2018م

 ذات الجدائل

« إذا أردت أن تعرف النساء جميعاً.. فيكفي أن تعرف امرأة واحدة »

أوقدَ -رفيقي- شمعةً فوق حاملٍ أحضره من مكان لم يفصح لي عنه ومنذ سنوات طوال.. وكأن حامل الشموع -هذا- له عنده ذكرىٰ مؤلمة جداً.. أو مفرحة جداً.. فرفيقي يعتني به فيلمسه بشكل خاص كأنه يخشىٰ عليه من أن الغبار يعتليه.. أو كأنه يخاف عليه من مرور الزمان فيصدأ.. فهو يريد أن يكون الحامل في حالة جيدة -دائماً- كمثل يوم أن اشتراه أو أُهدي له.. يكون كما كان.. حامل رفيقي من النحاس اللامع.. إذ أنه دائماً يعتني به؛ فقد أحضر أفضل أنواع تلميع المعادن.. لينظفه.. ويضعه في ركن من الغرفة يكون ناظره له.. كأنه يريد دائماً أن يراقبه.. وإن جلس أمام مكتبه ليقوم بكتابة تقرير ما ليقدمه في موعده بالمصلحة التي يعمل بها أو بحث له يرسله لجهة بعينها في وقته.. وكأن العناية بحامل الشمعة طقس من طقوسه الكثيرة والغريبة أحياناً.. والتي اعتدنا عليها دون معرفة أسبابها؛ وصرنا لا نسأله.. لكن اللافت لي هو الشمع الذي يضعه فوق الحامل.. فدائماً نوع معين لم يتغير منذ سنوات.. تحمل الشمعة ثلاثة الوان هي ايضا لم تتغير.. فرفيقي له طقوس أحيانا لا يخبرني عنها!! ولا يفصح عن سببها!!.. ولا لماذا يفعلها!!.. وهي ليست طقوس ذات طابع ديني أو تحمل مغزى تعبدي أو كهنوتي.. ويضحك وهو يحكي لنا أنها عادة ترجع لعدة آلافٍ من السنين: ففي مصر القديمة، كان تاريخ تتويج الفرعون حدثاً جللاً، حيث كانوا يؤمنون بأن هذا الحدث هو وقت تحول "الفرعون" إلى إله. ويذكر الإنجيل الاحتفال بعيد ميلاد "الفرعون" -حيث يعتقد عالم المصريات د. "جيمس هوفمير" بأنه أشار لتاريخ التتويج بالفعل أو “ميلاده” كإله- ويعود تاريخه إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ووضع اليونانيون الشموع على الكعكات لسببٍ مختلف، فـ "آرتيميس" ابنة "زيوس" والأخت التوءَم لــ"أبولو"، كانت إلهة الصيد والقمر، ولتكريمها كان اليونانيون يخبزون كعكات العسل المستديرة أو تلك التي على شكل القمر لتقديمها وتزيينها بالشموع المضاءة لتماثل توهج القمر المكتمل. وللشموع تفسيرٌ أبعد من الرمزية، فبعض الحضارات القديمة آمَنت أن بإمكان الدخان أن يساعد في رفع الدعوات للآلهة. بالطبع رفيقي لا يؤمن بهذا لكنه يريد أن يوضح لي أنه يفعل ذلك دون ارتباط وثيق بما موجود في بطن التراث القديم .. ويضحك عالياً ليكمل القول :" بأن أول شعبٍ بشكلٍ شبه مؤكدٍ أنه استخدم الكعك للاحتفال بأعياد ميلاد الأشخاص القدامى العاديين هو الشعب الروماني، فقد خبزوا الكعك بدقيق القمح وزيت الزيتون والعسل والجبن المبشور للاحتفال بأعياد ميلاد الأصدقاء والعائلة. ويضحك ويقول :"اطمئن فإني لا ابدل الكعكة بالحامل النحاسي.. ".. ولأنه دائم الزيارة للشقيقة الكبرى للنمسا فيكمل القول :" إذ تعود كعكة عيد الميلاد الحالية إلى احتفالية الطفل الألماني في أواخر القرن الثامن عشر، فقد تم الاحتفال بالأطفال بكعكاتٍ تحمل الشموع، شمعةٌ لكل عام عاشه الطفل إضافةً لواحدةٍ تمثل أملهم بأن يعيش عاماً آخر، وتتضمن أيضاً إطفاء الشموع وتمني أمنية، وذلك للعودة إلى الوراء إلى أولى العادات الدينية".. وبما أنه يتعامل في مصلحته مع زملاء فبدءً من ديسمبر من كل عام توجد شموع توقد قبل أعياد الميلاد وهو الذي عاشر بنات معابد الروم الكاثوليك ونساء الكنائس اللائي يوقدن شموع عند دخولهن كنيسة للصلاة تضئ على أرواح موتاهم.. ورفيقي له رأي غريب بل شاذ فهو يرى -وارجو أن يكون صحيحاً أو يوضحه لي ذات مرة- إذ أن رفيقي يرى أن المرأة النصرانية تحمل قدراً من الحب والعطف والحنان على الرجل أكثر من المرأة المسلمة.. ثم يشير بشكل رمزي بقوله:" أدخل الكنائس وسوف ترى بأم عينيك(!!!)..
شموع رفيقي توقد عنده ليست في وقت بعينه ولا يقدم له منسك أو طقس يرى الناظر ما يفهم منه حالة تعبدية أو كهنوتية.. ولعل ضوء الشمعة يكمل المشهد بحجرته.. فهناك ايضاً بخور خاص -يحترق فوق جمرة- أحضره أيضا من مكان بعينة حيث أن العلبة هي هي لم تتغير إلا في زخرفة لها في طبعة جديدة لكن محتواها هو هو كما نشمه منذ المرة الأولى.. فهمت أنها مكملة لديكور الغرفة والذي يعتني بها كثيراً.. ويقول أن جدته لأبيه كان في غرفتها نفس الألوان ونفس الأشياء.. لون الستائر والسجاد والكراسي.. فهو تراه كلاسيكي للغاية في مثل هذه الأشياء.. وهو أيضا في الطعام فلا يتناول وجبة جديدة.. فقد اعتاد على طعام جدته كيفما طبخت ومطبخ أمه كيفما حضرت.. ولكنه غالبا ما يروي قصةً متعلقة بهذا الطقس أو ذاك المنسك وعليَّ أن افهم أو عليَّ أن استوعب أو أدرك ما يقصده..
ورفيقي حين يريد أن يخبرني يتكلم بعد مقدمةٍ طويلة عن موضوع بعينه إما يقلقه فيفكر في حَله إثناء العرض أو موضوع يسعده فيتكلم عنه ليؤكد قدرته.. فهو اعتاد أن يبدء بمقدمة قصة أو واقعة حدثت له.. ويرتب افكاره حين العرض كما يرتب ما عنده في حجرته التي تعتبر مقدسة لما بها من أشياء مربوطة بذكرياته..
رفيقي يجلب لنفسه أو لنا أطيب أنواع البخور أو لنقل توليفة خاصة يحضرها بنفسه إثناء شراءه ما يريد من عطار ما في مدينة ما -كما يقول دائماً- يضعها في مبخرته الفخار ذات الطابع المتميز وأخبرني أنه أحضرها من "جايبور" من شمال "الهند".. ويمزح معنا -حيث أنه ليس لديه دليل مقبول- فهو يقول امتازت الهند بزهورها ذات العطر المنعش والشذى الجذاب.. ويؤكد أن آدم حين هبط من جنته أخذ معه زهور الجنة وغرسها في موضع قدمه الأول بـ"الهند" كي يتذكر ايام تواجده في الجنة.. ونكمل الضحك معاً.
رفيقي يحمل بين ثنايا قلبه وبين طيات جوانحه.. يحمل المتناقضات التي لا يعلمها إلا خالقه.. وشهر ديسمبر وفق التقويم الميلادي المعتمد في غالب الدول بالنسبة إليه -عنده من أكبر شهور المتناقضات- تماما كشهر الربيع اعتماداً على التاريخ الهجري يعتبر شهر له طقوس خاصة..
رفيقي بحكم علاقاته المتنوعة مع الكثيرين من الناس سواء من خلال عمله أو ما يقوم به من أنشطة إجتماعية أو ثقافية وتواجده الدائم بين المنتديات.. يعترف فيقول.. :« تعتبر هذه الواقعة نادرة بالنسبة لي.. فمن خلال آحدى المنتديات الخليجية.. »
ويكمل القول : « يغلب على ظني أنها تصدر من لندن عاصمة الضباب.. شاركتُ في عدة مداخلات.. فلفت انتباهي أن آحداهن -خليجية- أرادت التواصل معي من خلال بريده الإلكتروني.. مع التحفظ الشديد والتكتم الأشد.. فلم تصرح باسم لها أعلمه ولا وصف لها أحكيه ولا نعت لها أدرك لها.. ".. ويتوقف عن الحديث وكأنه يتألم أو يتوجع.. فلا يدري لها شكلا ولم يسمع لها صوتا ولم تقترب أنفه من هندامها فيشم عطرا يتصاعد بحذر من تحت عبايتها.. فكما أن لندن مدينة الضباب صارت هذه المرأة أنثىٰ في ضباب يعلوها سر ويخفيها سر.. وكأنها في سرداب لأسرة فرعونية.. ثم يكمل القول :"كل ما هنالك.. أنها تريد أن .„ تفضفض ”: معي قليلاً.. »..".
ثم يضحك كثيراً بشكل هستيري..
رفيقي لا يفهم ولا يعترف بالصداقة البريئة بين ذكر وأنثىٰ.. إذ الحقيقة عنده لا تصلح الصداقة بينهما.. ولا يفهم أو يعترف أن تتم محادثة في أمور عدة سواء في السياسة أو الطبخ مع امرأة.. إلا إثناء تجمع في مؤتمر أو ما أشبه وليس بمفردهما.. والجديد هذه المرة أن التي تريد محادثته من خلال الفضاء الإلكتروني والشبكة العنكبوتية.„ امرأة خليجية ”: والمعروف عنهن بحكم التربية والعادات والتقاليد والأعراف المعمول بها هناك في شبة جزيرة محبوسة بين بحار ومعيار ومقياس وجهة نظر خاصة في الحياة ويعلو الجميع أراء أهل الفقه كأنهم مازالوا يعيشون كبدو.. وتسلط افراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً.. ولكن ما لفت انتباهه إثناء زيارته الأخيرة تطور سريع مفاجئ ملحوظ فالمرأة منذ مايو 2018 تستطيع قيادة السيارة بمفردها.. وفي نهاية نفس العام صارت المرأة بائعة في المحلات التجارية وفي سوق المطارات.. والمعروف أن هناك رأي فقهي يقول أن :"صوت المرأة عورة".. فكيف ستحل هذه المعضلة .. وهو يرى أن المجتمع الخليجي برمته لا يقوم رجال الساسة والمجتمع ووعاظ المساجد بإعداده إعداد نفسية وعقلية قبل الإقدام على خطوة من هذا القبيل.
وهن لا يتحدثن مع غريب.. لدرجة أن الإدارة الأمريكية زمن حرب الخليج كانت توزع على جنودها بيانات تخبرهم فيها أنه لو أعجب -الجندي- بفتاة؛ مع انها متلحفة لا يرى منها سوى السواد.. أو امرأة ما في السوق مثلا فلا يصح أن يتحدث معها حتى وإن كان يريد -فقط- معرفة مكان شراء شيئ ما.. فالفتاة الغربية تختلف مليار درجة عن الخليجية؛ وما قامت به الإدارة الأمريكية زمن حرب الخليج حماية لحسن العلاقات بين الدولة العظمى ودول العالم الثالث أو الدولة المحتلة.. ذات الدخل العالي..
ورفيقي يذكر تلك الواقعة في هيلتون "مكةط المكرمة وأمام السلم الكهربائي الصاعد إلى المطعم والمقهى أراد أن يقوم بدور الرجل الجنتلمان فافسح الطريق لفتاة خليجية لم ير منها طرف عين أو خط كحل.. فما كان منها إلا أنها تراجعت بإنكسار وخوف وانزوت بانكماش وإنحناء علىٰ أحشائها كأنها تريد حماية نفسها ولم ترد برفض أو قبول لعرض رجل غريب أن تتقدمه فوق السلم الكهربائي ووضعت وجهها في الأرض.. فعرف أنه في الخليج وليس في باريس أو لندن أو برلين.. فما كان منه ومنذ وقتها إلا ويعاملهن كما اعتدن أن يعاملهن الذكر الخليجي.. وكان هذا يؤلمه.. وفي ديسمبر 2018 اراد أن يوقف باب المصعد لامرأة مع طفلها الراقد في عربته وقال تفضلي سأمسك لكِ الباب .. فلم ترد عليه بشكر أو تعنيف.. مما يؤكد أنهن ما زلن يتبنون الرأي الفقهي بأن :" صوت المرأة عورة".. ومع ذلك فهي صارت بائعة في السوق الدولي بالمطارات العالمية..
هما الأن.. -رفيقي وخليجيته الجديدة فوق سحاب الفضاء الإلكتروني.. لم ير لها صورة ولم يشم لها عطرا ولم ينظر لها جسما أو يعلم لها شكلاً أو يلمس نعومة هندام أو عباءة.. لا يعلم عنها شيئا سوى أرسال رقمي من خلال الحاسوب.. ولكنه تعلق بها.. بذكاء الأنثىٰ -وإن كانت خليجية تقليدية- جعلته يكتب لها باستمرار ما يدور بخاطره عنها.. لم يقل أنه كتب شعراً بل خواطر ذات وزن وقافية وسجع.. وهي كانت جريئة حسب قوله في الحديث معه وفي الأسئلة التي تطرحها وتسألها.. لتعرف أكثر وأكثر عنه.. وكان عنوانها البريدي يحمل رمز.„ SChoScho ” ثم رقم أو أكثر..
وكان يسأل نفسه : « هل هذا اسم دلع لها!!؟. »
أو « مختصر لاسم حقيقي!!؟. »
أو « اختارته هكذا دون ادنىٰ تفكير!!.. »
لكنه -بعد وقت قصير- لاحظ دخول ثانية -خليجية أيضاً- على الخط.. تخبره منبهة له وناصحة أن يبتعد عن الأولى.. وحتى هذه اللحظة هو لا يعلم إلا اسماء وهمية أو اسم يحمل رمز وليس بالحقيقة كما أن العنوان الإلكتروني عنوان يحمل حروف مجهولة أكثر من أن يحمل معنى..
الثانية نبهته أنها تعرف جيدا الأولى وهي فتاة فاسدة وعليه ان يحترس منها.. ثم بدء الكلام بينهما يأخذ منحى ذكر وأنثىٰ.. رجل وامرأة.. وهو بالطبع يحسن هذا جيداً.. والظاهر أن الثانية دون الأولىٰ كانت متعطشة لسماع -أقصد- قراءة حروف رسائله وجمل خواطره وتركيبة الخطاب من بدايته لنهايته..
رفيقي اعتبرها تسلية لكنها مكلفة للوقت وهو لا يحسن الحديث في فضاء أفتراضي.. يحتاج -حين يريد أن يتحدث- يحتاج إلى شئ ملموس أمامه ليتمكن من الحديث.. والتعبير والإنشاء.
المهم الأن أن الثانية خلعت الأولىٰ بدون حكم قضائي(!!) ولكن لأنه -كما أخبرني- وجد فيها صدق تعبير وصحة بيان.. أما الأولىٰ فكانت من المتنزهات في الفضاء الإكتروني.. وكأنها عابثة.. وعرف بعد ذلك أنهما يدرسان في الجامعة.. لكن أي جامعة!!. أو في أي مدينة جامعية !!. وهو يريد مَن يرقد عندها قليلا ولو ساعة القيلولة.. أن يراها ويعرفها !!.
بدء الحديث؛ اقصد المراسلة مع الثانية فانتقل من „ SChoScho ” مجهولة الهوية إلىٰ آخرىٰ مثلها تماماً ايضاً مجهولة الهوية.. لكن صدق تعبير حروفها.. جعلته يتمسك بها.. ويداوم علىٰ الكتابة لها أو الرد علىٰ اسئلتها.. ثم أنه قد بدء في الكتابة بصورة اقرب إلىٰ الشعر عنها من النثر.. وأخذ ينشر ما يحس به تجاهها خيالا علىٰ صفحات المنتدى الذي يراه الكثير فيقرأه من يدخل فيه زائراً كان أو عضواً.. وكأن ما يفصح به عن مكنون قلبه افتراضيا فهمه البعض لمن وجهه ولمن يكتب !!.. فأخذت الثانية تنبهه بصورة واضحة من خلال مراسلتها البريدية الإكترونية.. وكأن هناك ملتقىٰ ما آخر يجمع الجميع ويتكلمون عنه فقد صار أو هكذا فهم هو أنه صار مادة للحديث عن ما يكتبه للثانية من خواطر.. فقالت له بوضوح عبارة : « لا تكتب عني هكذا !".. »
فقال لها متسائلاً : « .. عنك أنتِ أكتب !!؟".. »
فقالت: « نعم !"... »
ثم اردفت شارحةً: « كل معارفي صاروا ينتظرون ما تكتب عني في صفحة المنتدىٰ عند باب خواطر.. ويقولون هذا التشبيه أو هذه اللفظة منكَ تخبر عني أنا.. »
ثم أكملت أقوالهم : « إن هذا المَصري يتكلم عنكِ.. يحكي عنكِ.. كلامه وإن كان مشفرا غير أنه يفضح حبه لكِ مع أنه لم يراكِ!.. »
تحولت المراسلات إلىٰ حالة بث شجون.. اعتراف بشكل خفي عن مكنون قلب ودواخل فؤاد فتاة مقهورة تحت حكم أب أو أخ ..
المتابع للحال هناك أن :" .. أب أسرة -بصفة عامة- يقترب من مرقد الفتاة الفليبينية -الخادمة- أثناء وقت النعاس للكل.. ويطلب منها احضار كوب من الماء من الثلاجة لأنه عطشان.. عطشان قوي.. والإبن يمارس في النهار نفس الدور مع الخادمة الفليبينية.. خرب المجتمع الخليجي.. وما زاد الطين بلة.. الخادمة الهندية والتي هي تعبد البقر.. وهما -الفليبينية والهندية- لا يحسنا اللغة العربية -لغة الطفل الذي ترعاه- ولا تحسن اللغة الإنجليزية.. وفضائح الخادمات المستجلبات من القارة الأسيوية الفقيرة لا تعد ولا تحصى.. وأظن أن المجتمع المِصري رُمي بنفس الداء الذي أصيب به المجتمع الخليجي.. بل زاد عليه أكثر أن البائعات للبضائع الصينية غزون السوق المحلي بالتردد علىٰ البيوت.. في الشقق يحملن ما تحتاجه ربة البيت..
رفيقي ولأسباب أظنها تعود لتنشئته وفق مبادئ الزعيم الخالد عبدالناصر لا يعطي وزنا للهنود كما لا يعطي وزناً لأبناء القارة الأسيوية.. وينظر بعين من علوٍ لأفراد المجتمع الخليجي.. إذ أن عامل البناء وعامل الكهرباء وعامل الأدوات الصحية والممرضة المتخصصة يرافقهم جميعاً المدرس والمهندس والطبيب هم مَن بنوا اساس الخليج الحالي.. بل نزيد ودولة ليبيا والجزائر.. ولعل البعض منهم يشعر بهذا الفارق.. فيعامل المَصري من علو درجة صرف البترودولار..
رفيقي يشعر بداخله بدرجة عالية من الإعتزاز بإنسانيته؛ ومِن ثم برجولته.. ففحولته.. فيرتقي إلىٰ أعالي قمم المجد لـ تربيته علىٰ ايدي رجال قادوا أمم.. وليس فقط رجال أحسنوا ركوب الجمال.
نعود إلىٰ خليجياته الثلاث.. إنهن ثلاث خليجيات -وليس فقط اثنتين- لعبن دوراً يكاد يكون ثانويا.. فقط سطَّر بقلمه على صفحات منتدىٰ خواطر تجربة عاشق فاشل.. وإن أعجب ما طرحه من خواطر الكثير من القراء أو المترددين علىٰ صفحته.. وقد اعترضت آحداهن ويظهر أنه من بر الشام لوضوح اسمها.. أو لقبها أو كنيتها.. أذكر أنه قال لي أن اسمها "تمر الشام" أو "عطر الشام".. رفضت أن يكتب هكذا بحوث في مواقع آخرىٰ.. ثم وهكذا يكتب خواطر علىٰ صفحات هذا المنتدىٰ..
لقد أرادت تلك الشامية أن تلغي إنسانيته وتجمد مشاعره وتضعه فقط في خانة الكاتب أو المفكر أو الأستاذ أو المتخصص في مادته.. وهو يريد كــ جيله أن يكون متميزا مرموقا يحسن الكلام ولا يستطيع أحد أن يقترب من بلاغته أو اسلوبه.. أو تخصصه.. ويحسن آداء عمله بل متفوق في مجتمع غربي على اقرانه من الغربيين في مجال تخصصهم وتخصصه.. سمّها ما شئت : عقدة النجاح أو مشكلة نفس عالية أو متعالية!!..
الثانية سماها نوال وصرح بسبب الاسم أنه بحث عن الخليجيات المشهورات فأعجبته „ قيثارة الخليج : نوال الكويتية ”: اعجب بها... فهي تملك مساحات عريضة في صوتها من الطرب العربي الأصيل في الغناء كما تمتلك مساحات انثوية آخرىٰ..
قلتُ عن رفيقي أنه ينظر بعين الرجل للأنثى كما أنه ينظر بعين الرجل -ايضاً- لمن يقترب منه مِن ذكور فإما يضعه في مركز الرجل الفحل أو يهبطه إلى مقام المخنث أو شبه رجل.. أو يضعه في غرف الحريم.
أما الثالثة فقد بقيت زمن تراسله وحين ألحت في السؤال هل هو متزوج أم لا !!؟.. وحين تهرب من الإجابة .. أهملته.. وكان يتسأل كيف يرتبط بزوجة لم ير منها إلا حرفها إلكتروني!..
والثالثة بقيت تتأرجح علىٰ خيط من حرير يربطهما فتواصل من حين إلى حين مراسلته ولو بكلمة.. كما أنها تذكر تاريخ ميلاده فتهنئه..!!!
لكن .. الذي أعجبه -بصدق- في الخليجية : « مخرجها للحرف العربي »..
أعجبه « طريقة نطقها للكلمة ».. -أعجبه- « تركيبة جملتها ».. فهذا ما قدر علىٰ امتلاكه منها.. وهي -بالطبع- كضوء قمر في منتصف الليل.. تختلف عن آخرى كضوء شمس في رابعة النهار..
« الخليجية » عندها صوتٌ ينبعث من خلف جلبيتها أو ثوبها كـثوب "النغدة" المطرز بالخوص الذهبي أو الفضي فيبهرك لما فيه من النقوش، وهي تبدو بصورة تغطيها عبايتها فقط دون النظر إلىٰ وجهها.. أو معرفة ملامح وجهها.. فتخوص في أوهام اليقظة أو أحلام الشاب تحت شباك مراهقة في الرابعة عشر من عمرها.. كما أن ثوب « النشل النجدي » يستهويه كثيراً.. وعباءة « الرفع » الحريرة المشغولة بـ « الشك والكريستال »؛ وتعجبه العباءة الإماراتية، إذ تمتاز بالقصات الفضفاضة التي تحدد معالم الأنوثة في جسم المرأة بشكل مموه، وتكثر فيها الحواشي الملفوفة والقصات غير المنتظمة، وتعتبر العباءة الكويتية الأكثر تميزاً بين العباءات الخليجية، إذ تحمل تفاصيل وملامح تراثية وتقليدية من خلال قصاتها المختلفة ولا تتمسك بطابع محدد، ما يجعلها محط أنظار الخليجيات، التي تفضل الكثيرات منهن اقتناء عدد منها، كما عرف عن العباءة الكويتية أيضاً تأثرها بالأزياء الأخرى كالهاشمية الأردنية والثياب الهندية والإيرانية؛ ثم أعجبه كثيراً رداءها الساتر من مفرق رأسها إلى أخمص قدمها وذاك اللون الأسود الغامض المبهم كمن يسير في نهار يعلوه ضباب.. والمطرز بالذهبي كــ ليل بهيم يتمكن العاشق أن يؤلف قصة تستغرق ألف ليلة وليلة في روايتها وسردها.. ولا تنتهي.. ولعل صندوق ملابس جدته العتيق وما يحمل من عطر يملأ خياشيمه ذكّره أو أعاد لذاكرته طيبها.. كما قالت له ذات مرة: « أحضرته من الحجاز ».. أعاد لأنفه الرغبة في استنشاق عطر الخليج.. من امرأة ذات لحم يحمله عظم وليس فقط مجرد وهم وخيال..
يقف من مجلسه معي ويمشي خطوات قليلة ثم أجده وقف متسمراً أمام المرآة.. كي يضع فوق شعرات معينة إثناء تصفيف شعر رأسه عطرا يحضّره بنفسه.. مستنشقاً إياه ثم يلتفت إليَّ قائلاً: « الخليجية عطر نادر ».. « طيب فواح ».. « مخلوط من مسك وعنبر ».. ولكنه ابتعد عن المرآة وقال : « .. وهن وجدنَّ فيَّ أنا الرجل الغريب.. شعرنَّ معي بمغامرة غير محمودة العواقب.. طريقة حديثي وكيفية عرضي لفكرة ما بذهني غريبه عنهنَّ.. جعلهن في حالة ارتباك فخوف.. فـ كر وفر.. وهذا يعجبني كثيرا كصائد الغزلان »..
وهذا غريب عن مجتمع مغلق.. أو الذي فُتح دون تمهيد جيد من أجهزة عدة لاستقبال الجديد الوافد.. كالمهاجر من دول تنتمي لعالم ما وراء البحار إلى دول من العالم الأول.
الرجل الغريب يجعل المرأة ترتبك.. ومَن لم تحسن فهم العبارات أو امرأة تحمل شخصية تابع للأب أو الأخ.. لا تملك إلا الهرب.. هكذا قالت له مديرته في المصلحة التي يعمل بها.. : « أنتَ رجل تربك المرأة التي تقف أمامك إذا كانت لا تعرفك من الوهلة الأولى!!.. ثم تسأل نفسها ماذا يريد مني.. تحيرها تركيبة جملك.. يا زميلي.. لا تقدر المرأة التي أمامكَ إلا الهرب أو الخضوع لما تريد أو ترغب.. والمرأة عموماً لا تريد ذلك بل تريد برغبتها.. وكامل رغبتها.. كامل إرادتها تفعل ما تريد بالفعل فعله.. وليس مجرد أنثى زائدة في سوق النخاسة المستعار عند الرجل أو زائدة في الحرملك.. فحكمُ كونكَ -تكمل مديرته- من أهل الإسكندرية فقد اعتدت على ركوب القوارب ذات الأشرعة أو المراكب ذات المجداف أو السفن ذات المحركات تحت الماء والمرأة العادية والتي لا تحسن السباحة أو لم تحسن ركوب البحر سيصيبها دوار البحر -حتماً- بمجرد أن تبدء بالفعل في سماع كلماتكَ..
مديرته منذ اللحظة الأولى فهمته أنه رجل لذا استعانت به جيداً في الوظيفة والعمل وتركت له حيزا كبيراً بأن يقوم بدور المتحدث اللبق مع زميلات ترىٰ هي بعين الأنثىٰ أنهن يعجبنه فلا ضرر سيأتي منه.. إنها هكذا طريقته وإن كان شرقياً.. وهذا في دول الغرب أما في دول الشرق فهذا ما اطلق عليه: « الأولى لكَ يا علي » (*).. أما في بلاد الإنجليز فمؤخراً اراد الأمير هاري ابن من قتلتها علاقة حب بالشاب الإسكندراني الوسيم الغني .. أراد الأمير حفيد لملكة بريطانيا إليزابث أنه أراد أن يحيّ امرأة محجبة في معرض للطبخ على طريق الإنجليز فترددت وتراجعت وتكعبلت في عباءتها وقام بتقبيل الهواء ثلاث مرات..
والعامةُ من الشعب المِصري يتذكرون الأزمة الشعبية لشعب له تقاليده وعاداته -وإن كانت تحت الحصيرة- وعُرفه ومنهاجه في الحياة وفي المقابل تقاليد وعادات وأعراف شعوب آخرى.. كما نشر عن رقصة الرئيس فورد الأمريكي مع السيدة الأولى لمِصر.. أو القبلة الدبلوماسية من الرئيس كارتر لنفس السيدة الأولى.. فقبلة بـيجن الإسرائيلي.. فتقاليد الأمريكان وتقاليد الإنجليز وبعموم القول تقاليد الغرب.. او حتى آداب المائدة في الغرب وكيفية وضع المعالق والشوك والسكاكين علىٰ يمين أو يسار الجالس لتناول طعامه.. إذا تحدثنا عن الدبلوماسية وكيفية اللقاءات.. فهناك بروتوكول معلوم قبل الزيارة ومن لا يعلمه سيقف في موقف حرج ليس فقط له بل أيضا لعموم الشعب
ويجب أن نعترف أن المسلم من اصول عربية أولا ثم زميله من اصول أعجمية اللسان يجد نفسه دائماً في مأزق أو موقف حرج بين ما يوجد في بطون التراث وبين ما هو موجود في الواقع المعاش بعد تبعيته الكاملة للغرب.. وما يحسن القول أنه ليس فقط تقاليد عربية اصيلة بل تصل إلى أحكام شرعية تقترب حيناً من المكروه تنزيهاً وتصل أحيانا إلى المكروه فنقف في حيرة فقهية مع المكروه تحريماً فنحن نتذكر قبلة الدبلوماسية الأمريكية على وجنة حرم رئيس زعيم مِصر.. ولنا أن نراجع بهدوء وضع المرأة في منطقة الخليج بدءً من وجود مقياس البترودولار إلى ليبرالية مملكة تعيش على أعتاب قرن جديد .
اعقد ما لا يمكن تصوره أو فهمه للمواطن العادي العربي يكمن في تصرفات رجال السياسة ومراعاة الدبلوماسية
أكمل خواطر رفيقي التي لم تر النور بل مجرد أوهام شاب يتقلب بين منطقة وآخرىٰ ولا يمكنه أن يرسو كقارب بدون شراع بين أمواج متلاطمة.. مع أنه أخيراً ومنذ سنوات استطاعت آحداهن أن تضعه في القفص الذهبي فلا يتمكن من الخروج منه إلا بإذن.. وأخيراً أدرك القول المشهور الصحيح « إذا أردت أن تعرف النساء جميعاً فيكفي أن تعرف امرأة واحدة » وإن كان مازال يمارس طريقته في الحديث حتىٰ أمامها مع امرأة تعجبه أن تفتح له فقط مجرد شراعة واحدة من نافذة الحديث ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة من رواية الرجل المشرقي
محفوظة في :
دفتر إسكندريات..
صاحب الدفتر:
محمد الرمادي
18 ديسمبر 2018م
(*) تخريج حديث:" الأولى لك يا علي".فـ.عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِعَلِيٍّ:» يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ »
[رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالدَّارِمِيُّ وقال صاحب المستدرك على الصحيحين "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .

 ما اروع ما سطرته ﴿استرو عرب نيوز﴾ !

رائعٌ جداً أن يثبت الموقع الإلكتروني لعرب النمسا أن التاريخ هو : ﴿ [ ( ١١٩ ) ] ﴾ وقد اثبت الموقع واصر على أن العام المنصرم كان ﴿ [ „ ١١٨ “ ] ﴾ وكم كنتُ اتمنى بالفعل أن أعيش في العام ﴿ [ ( ١١٩ ) ] ﴾ بعد الميلاد .. وكان الأفضل أنه قبل الميلاد العجيب...
عشت أحلاماً كثيرة وأروعها هذا الحلم الجميل.. مما دفعني بالأمس أن أحلم أنني ذهبتُ لصبية جميلة بيضاء ناصعة البياض وجهها كفجر جديد أطلب خطبتها .. فتحول حلم اليقظة إلى حلم في المنام ... وانتبهتُ من نومي فوجدتني أعيش معها وقد صارت تلك الصبية الجميلة الحسناء زوجة بالفعل فأماً فجدة ..
لذا وجب التنبيه بأنني أعيش في العام الميلادي ﴿ [ ( ٢٠١٩ ) ] ﴾ ..
سامحك الله يا أبا سارة أيقظتني من حلم جميل لعدة أياماً .. فوجدتُ حالي كما قال السيد الجليل والنبي النبيل زكريا عليه السلام وعلى رسولنا الصلاة والسلام :«قد بلغني الكبر » ثم يؤكد المعني :« وقد بلغتُ من الكبر عِتيا » ثم يوضح الحالة المستعصية بأنه :« وهن العظم مني » ثم يبين بالأشعة الكاشفة بأن :« اشتعل الرأس شيباً ». فأخبرتني معتمرة معي بـ:„ أن الشباب .. شباب القلب‟.. وهي لا تعلم بأن القلب الذي تقصده قد توقف لعدة ثوان منذ سنوات في حالة إغماء...
فنرجو من حضراتكم من وقت لآخر أعطانا جرعة من الأمل . كي نشعر بأننا شباب في سن الشيخوخة(!!)...
مع خالص أحترامي لشخصكم النبيل وأشكركم لتلك الدفعة القوية والبرشام المنعش بأعتبارنا من شباب عواجيز التجمع الإسكندراني بالنمسا..
الشاب:
محمد الرمادي
مواليد الإسكندرية(*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) داعب موظف الجوازات المحترم النمساوي.. عند دخولي أراضي الجمهورية .. داعبني وفقا لما في جواز سفري بقوله : ﴿ مكان الميلاد ( الإسكندرية ) ] ﴾ .. فقلت له مباشرة :« ليَّ الفخر أن الإسكندر الأكبر قد بنى لي مدينة .. وسامحته وأذنت له ان يطلق عليها اسمه !!؟..»..
ثم قلت له :« أنها بنيت قبل الميلاد المجيد العجيب السعيد وذكرت له تاريخ السنة »..
فما كان من زميلٍ بجواره أنه سمع الحوار فــ صحح لي التاريخ فقال :« أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية عام 331 ق. م. كمدينة يونانية. وهي أكبر مدينة في حوض البحر الأبيض المتوسط.»..
الشعب النمساوي يحسن الدعابة على طريقته ... مما جعل زوجتي «الصبية في الحلم» أن تقول لي «„ إنتَ طولت الكلام معاه ليه .. أنا خفت عليك إنه يقبضوا عليك !!.‟ ».. فتمنيت ما لا استطيع أن أقول علناً على صفحتكم خوفا على نفسي وحياتي ومستقبلي وايضاً حرصا على الموقع من أغلاقه!!. وربنا يستر ماحدش يفهم ما اقول ويترجم ما بين السطور من معنى قد أضمرته في نفسي !!
ملحوظة :
إذا لم يصل الموقع مقال جديد خلال الــ 24 ساعة القادمة .. فإما إحضار جبنة وحلاوة.. والسابقون يعرفون المكان .. أسألهم (!!).. أو أحضار باقة زهور في مستشفى العظام او الآخر (!!).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التائب من الذنب في المنام واليقظة :
الرمادي.


شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا