السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 20
20

« „ ... علينا أن نفكر فيما هو في الرأس.‟ »

„ يجب أن نفكر فيما هو في الرأس.. وليس فيما هو علىٰ الرأس ‟
الرئيس النمساوي „ Alexander Van der Bellen ‟
دولة القانون
انتصرتْ قيمُ „.الجمهورية النمساويّة الثانية.‟، وانتصرَ دستور „ الدولة الشرقية(*).‟ نسبةً لجارتها إلمانيا.. وانتصرتْ مبادئ دولة تحترم مَن يقيم علىٰ أراضيها بغض الطرف عن لون بشرته؛ وغض النظر عن عرقه وديانته؛ ورفع لشأن دولة القانون.. وتحصيل أصيل دستوري لمواطن يفتخر بحمل اسمها فوق جواز سفره للعالم أجمع؛ وحق متجذر في القانون الأساسي لدولة القانون.. وليس دولة أحزاب أو أهواء أو دولة الرجل الواحد والزعيم الخالد..
يترتب علىٰ الدستور والقانون والقيّم والمبادئ حقوق يتحصل عليها مَن يعيش علىٰ أرض النمسا : سواء مواطن أصيل.. أو مَن أكتسبَ بالتجنس بعد تنازله عن جنسيته الأصلية.. وإلقاؤها خلف ظهره لينعم بحياة جديدة ضمن دولة هي عضو الاتحاد الأوروبي.. أو مَن يحمل أوراق ثبوتية رسمية سواء أكان عاملاً أو مهاجراً أو لاجئاً.. ويقابل هذه الحقوق الأصلية أو المكتسبة للمواطنة واجبات ينبغي بل يجب أن يلتزم بها مَن يريد البقاء علىٰ أراضيها؛ وكنتُ -لحظة مزاح- أُخبرُ مديري بأنني أحسن عملي مرتين : الأولىٰ لأنني أتقاضىٰ أجراً مقابله؛ والثانية : ليقال أن الفاعل مَن آتىٰ -عذراً مِن الآخرين- مِن ثغر المدينة العريقة المطلة علىٰ شواطئ البحيرة التي جنوبها أفريقي وشمالها أوروبي.. وعروس البحر الأبيض المتوسط: « „ الإسكندرية ‟ »؛ مولداً؛ فــ مِصري التنشئة.. فعربي التربية.. فأفريقي المنبع.. فلون بشرتي مغاير للبشرة الأوروبية؛ وملامح وجهي تخبر عني.. ونطقي لــ الألمانية إذا أغمض السامع -وهي لغته الأم- عينيه يُفَطِنه بلكنتي الأجنبية؛ وكنت أكمل مزحتي بأن : « „ أرنولد شفاتسنيجّر ‟ » : « „ Arnold Schwarzenegger ‟ » حين يتحدث الألمانية -لغته الأم- وهو الذي وُلدَ في جراتس ينطقها بلكنة أمريكية.. ثم أقول: والأهم مِن هذا أسمي.. فأنا مسلم.. بحكم الميلاد والاسم؛ وهذه لا تكفي.. ثم بحكم التربية والتنشأة وهذه ايضا لا تكفي.. بل مسلم بحكم الدراسة والتعليم ومعرفة تاريخي وتاريخ الآخر.. فكان يبتسم؛ وكنتُ اشعر بامتنان لهذا السرد الطويل إثناء احتساء فنجان مِن القهوة في فسحة الوقت لتناول الفطور والتي لا تتجاوز ربع ساعة.. وكان هو الذي يحضرها لي وللزملاء.. ثم ينادينا بــ„ أطفاله ‟؛ ولعل أذكىٰ مَن تعرفتُ عليهم؛ وهو صاحب تخصص أعلى مني أنه سألني في بداية التعارف؛ وليس كبقيتهم ومباشرة : مِن أين أتيت!؟.. بل يسألني: « „ أين ولدتُ!؟ ‟ ».. والإجابة تخبره بأنني من أهل : « „ مِصر أم الدنيا ‟ »..
.. اقول : انتصرتْ قيم „ الجمهورية النمساوية الثانية.‟ وانتصرَ دستور دولة „.ostern بمعنىٰ الشرقية.‟ في آحدىٰ مسائل بنوده.. فنزل قرار المحكمة الدستورية كــ صاعقة دستورية.. وصفعة قانونية لأربع جهات : الحزبين المؤتلفين -وقتذاك: الشعب والحرية-.. والمجلس الوطني النمساويösterreichischen Nationalrat.. ووزيرة دولة مِن الحزب الإشتراكي.. فقد رفعت المحكمةُ الدستورية العليا:
‟ Der österreichische
Verfassungsgerichtshof (Abkürzung )VfGH) „
رفعت الدستورية ظهر يوم الجمعة الماضي [11 ديسمبر 2020م]؛ والغت الحظرَ المفروض علىٰ ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية (ما يسمىٰ بحظر الحجاب) باعتباره مخالفاً للدستور..أي باعتباره غير دستوري وتمييزي ، وقد برر القضاة الدستوريون قرارهم بأن اللائحة تخص ديناً معيناً، وهو الإسلام؛ دون ذكر مبرر آخر. وكان المجلس الوطني النمساوي قد أقر القانون المثير للجدل في منتصف [الأربعاء: 15] مايو 2019م أثناء حكومة حزب الشعب المحافظ المسيحي (ÖVP) مع حزب الحرية مِن اقصىٰ اليمين الشعبوي (FPÖ).
وقد فرضَ القانون في خريف 2019م، وتتضمن منع الأطفال في المدارس ارتداء "الملابس المتأثرة إيديولوجيا أو دينياً، والتي تتمثل بغطاء الرأس". وأوضح رئيس المحكمة، كريستوف غرابنوارتر، أنّ "الملابس التي كانت مستهدفة في القانون هي الحجاب"، معتبراً أنّ ذلك "ينتهك مبدأ المساواة والتزام الدولة بمبدأ الحياد الديني، فضلاً عن أنه قرار تميزي".
واعتبر غرابنوارتر أنّ "القانون يقتصر علىٰ فئة معينة من الطلاب الذين يعتقدون الديانة الإسلامية"، محذراً مِن مخاطر القانون علىٰ "منع أو عرقلة وصول الفتيات المسلمات إلىٰ التعليم، وبشكل أكثر دقة عزلهن عن المجتمع".
ويأتي قرار المحكمة بعد طعن تقّدمت به أسرة مسلمة في النمسا، متمسكة بأنّ الحظر ينطبق فقط علىٰ غطاء الرأس الكامل، أي الحجاب، ولا يشمل الأغطية الصغيرة التي يرتديها الطلاب السيخ أو اليهود".
وأدلت الأسرة أمام المحكمة بأنّ الحظر ينتهك الحرية الدينية، الحق بالتنشئة الدينية للأطفال، ومبدأ المساواة.
وهذا الحكم للدستورية نافذ علىٰ الفور مما يُلزم الجهاز التنفيذي؛ وعلىٰ رأسه : المستشار النمساوي بتعميمه علىٰ الوزارات المعنية وذات الصلة؛ ويطبق بمجرد صدوره؛ فيسمح للفتيات المسلمات بإرداء غطاء الرأس!..
فحين رأى -آنذاك في منتصف عام 2019- العديد مِن مسلمي النمسا قرارَ تحالف حزب الشعب مع الحرية غير متناسب مع الحرية والتنشئة الدينية، وانتهاك لمبدأ المساواة لأن غطاء الرأس كان ممنوعاً للمسلمين فقط. دون غطاء الرأس لطوائف عدة تعيش علىٰ أرض النمسا مما دعا المسلمون بالاختصام أمام المحكمة الدستورية لتناقض هذا الحظر مع دستور البلاد وقوانينها..
وعلىٰ الجانب الآخر مِن مجرىٰ الدانوب الأزرق ووفقًا لاستطلاع الرأي الذي قام به "مركز الدراسات الاجتماعية" كانت نتيجته أنه يرفض 64% من المجتمع -النمساوي- الحجاب، أما مَن يعتقدون أن الإسلام هو سبب رفضهم للحجاب فنسبتهم 31%. وطبقًا لاستطلاع الرأي [جرى في عام 2011م] يوجد 42% من النمساويين لا يشكلون عائقًا في سبيل تَقَبُّل المجتمع للمسلمين بشكل حقيقي، أما 20% ممن أجروا هذا الاستطلاع فيرون أن الحجاب لا يشكل أية مشكلة، أما نسبة مَن يرون أن الإسلاميين "الراديكاليين"(!) يشكلون خطرًا علىٰ الدولة فزادت بنسبة 16 نقطة عن العام 2010م، لتصل إلىٰ 40%" ... وبعد مرور ما يقرب مِن 10 سنوات.. وفي يوم الإثنين الأسود قبل الإغلاق العام الأول في نوفمبر مِن هذا العام بسبب جائحة كورونا [15/11/2020م] اعتدىٰ متطرف جاهل يحمل كراهية بين ضلوعه وعداء للاخر وعنف وإرهاب.. اعتدىٰ علىٰ أبرياء -لا يعرفهم ولا يعرفونه- فأزهق أربعة ارواح مسالمة تحتفل علىٰ طريقتها بقرب أعيادهم.. فقتل (4) وأصاب (21) شخصاً..
ويوم الثلاثاء: 17 نوفمبر الماضي قامت قوات الأمن تجاورها وتساندها فرق أمنية آخرىٰ بالقبض علىٰ منظمات راديكالية ويجرى التحقيق معهم.. ثم في بداية هذا الاسبوع تقدمت سيدة من اصول تركية فبعثرت بحر شموع الحزن.. باقدامها.. ثم أعلن أول أمس وزير الأمن النمساوي -الداخلية- أن المجتمع النمساوي يرزح تحت تطرف أناس ينتمون لما يطلق عليه بــ"الإسلام السياسي"(!) – وهو مصطلح ابتدعه الغرب فبلعه وهضمه وصدقه بعض المسلمين- ويرزح ايضاً تحت تطرف آخر مسلح يطلق عليه :" ويسمىٰ Neonazismus النازية الجديدة (القومية الجديدة) "..
وفي مايو 2019م النائبة النمساوية « „ Martha Bißmann ‟ » « „ مارتا بيسمان.‟ » ترتدي الحجاب خلال جلسة برلمانية! وقالت:" إن منهنَّ طبيبات.. وعالمات.. وعاملات وبإمكاننا التعلم الكثير من النساء المسلمات".
.. إذاً صدر الحكم.. فــ أوضح رئيس المحكمة الدستورية العليا في النمسا: "كريستوف غرابنوارتر"؛ في بيانه يوم الجمعة الماضي [11/12/2020م]: أن “مبدأ المساواة فيما يتعلق بالحق في حرية الفكر والاعتقاد والدين يجب أن يترافق مع حياد الدولة الديني والأيديولوجي”.
-**-
الجدير بالذكر والتنبيه لترتيب الأوراق:
أنه في مطلع عام 2017م:" قال سباستيان كورتس وقت أن كان وزيراً لخارجية بلاده، ومسئولاً عن ملف الاندماج إنه يريد منع الموظفات في المؤسسات المدنية بمَن في ذلك المُدَرِسات مِن ارتداء الحجاب.
ويعمل كورتس -الذي ينتمي لحزب الشعب النمساوي المسيحي المحافظ - علىٰ إعداد مشروع قانون بهذا الشأن تسانده منى دزدار وهي وزيرة دولة -وقتذاك- مِن الحزب الديمقراطي الاجتماعي النمساوي شريك حزب كورتس في الائتلاف وهي مسلمة(!) ذات أصول فلسطينية.
وآتي للتنبيه الثاني: كلُ من ينتمي لحزب ما يعتقد في صحة مبادئه وافكاره؛ ويؤمن بالأساس الأيديولوجي لهذا الحزب والذي قام عليه ويعمل بمقتضاه في الحياة السياسية ويمثل مَن خلفه من ناخبيه في برلمان الدولة والمجلس التشريعي والجهاز التنفيذي؛ ينضم إليه وينشط مِن خلاله.. ومن السذاجة السياسية عند البعض أن يظن أن مَن ينضم لحزب ما أنه يحمل وجهتين نظر متعارضتين في رعاية شؤون؛ لذا فإطلاق أن فلان مِن اصول عربية يمثل العرب في حزب في بلاد الغرب تحتاج لإعادة نظر.. نعم قد تُقدم بعض الخدمات.. التي يقرها القانون العام والدستور الأساسي مثل مقابر خاصة لطائفة ما.. وهذا يستلزم مِن قنوات أعلامية بعينها غير محسوبة علىٰ تيار سياسي أو تلزم نفسها بأن تكون سياستها موافقة لتجمع عربي(ما)/إسلامي(ما) كموقع „ آستروعرب نيوز ‟ أن تقوم بعملية التوعية السياسية وترقية الفهم السياسي والثقافي والعلمي..
أعود وأكمل التنبيه الأول : ونسترجع ما قبل مايو 2019م .. إذ أن قادم الأيام حُبلىٰ.. ففي حالة موافقة البرلمان علىٰ هذا القانون [وتمت بالفعل الموافقة يوم الأربعاء 15 مايو 2019م؛ ثم توقف العمل به في ديسمبر 2020م] سيكون الحظر في النمسا أكثر تشدداً مِن القوانين السارية في فرنسا التي لا تحظر إلا النقاب، ثم جرى هذا الاسبوع في باريس عرض مسودة قانون مِن 54 بنداً ينظم تحرك المسلمون في أماكن عبادتهم ومجال انشطتهم.. كـ مدارسهم الإسلامية(!). وألمانيا قيدت أعلىٰ محكمة فيها من مساحة التحرك المتاحة للمشرعين لحظر ارتداء المدرسات للحجاب.. ولعل في قابل الأيام نجد خطيب المنبر يقرأ من ورقة جاءته من وزارة الاندماج أو الداخلية كما يحدث في دولة خليجية مع فارق عمل الوزارت وطبيعة وظائفها!
ونقل متحدث عن كورتس [2019م] قوله "لأن هناك (في المدارس) الأمر يتعلق بتأثير القدوة علىٰ الصغار، النمسا دولة متسامحة مع الأديان لكنها أيضا دولة علمانية."
وقال كورتس إن ارتداء الصليب -وهو أمر شائع في النمسا المتمسكة بالكاثوليكية- يجب أن يسمح به في الفصول معللا ذلك "بالثقافة الراسخة تاريخياً" في البلاد.
وكان مستشار لمحكمة العدل الأوروبية قد قال في مارس 2016م إن الشركات يجب أن يسمح لها بمنع الموظفات من ارتداء الحجاب، لكن فقط في إطار حظر عام على الرموز الدينية والسياسية.
وقالت متحدثة باسم الهيئة الإسلامية في النمسا، وهي مؤسسة -الأصل فيها- رعاية شئوون المسلمين [تعدى مجموعهم أكثر مِن : (800,000 مِن بقاع شتىٰ ودول عدة وثقافات متباينة؛ بل ومذاهب متعددة)]؛ وليس فقط إصدار بيانات.. قالت المتحدثة؛ وهي من اصول المانية:" إن التفرقة في أماكن العمل علىٰ أسس دينية مخالفة للقانون النمساوي".
وقالت دزدار- من اصول فلسطينية- لرويترز إنه يجب ألا يكون المرء عرضة للتمييز في مكان العمل على أساس ديانته، وإنها تريد انتظار الحكم النهائي من محكمة العدل الأوروبية قبل إرسال مشروع القانون للبرلمان.
وقبل ذلك وفي بداية عام 2008م أكد كبير أساقفة النمسا „ Christoph Maria Graf von Schönborn ‟(**). أكدَ حقَ المسلمين في بناء مساجد لهم لأداء شعائرهم الدينية، منتقدًا بشدة الدعوات التي اطلقتها بعض الأحزاب المتطرفة لاعتماد تشريع يحظر بناء المساجد في عموم النمسا.
.. وهذا هو الخط العريض الموجود في الغرب : مناداة بــ حرية الإيمان والعقيدة وبحرية التدين والعبادة والسماح بــ إقامة الشعائر الدينية والاحتفالات الموسمية بشرط أن لا يكون هناك تأثير علىٰ الحياة العامة أو المجتمع!
ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوي عن الكاردينال „ Schönborn ‟ الذي كان مِن بين المرشحين لمنصب البابوية قوله: "إن السماح بأداء الشعائر الدينية الإسلامية يجب ألا يقتصر على الممارسات الشخصية المحدودة وإنما يجب أن يسمح لأداء الشعائر في الأماكن العامة "، مشددًا على أن بناء المساجد هو أمر يجب ألا يشكِّل أية مشكلة ".
كما أكد الكاردينال „ Schönborn ‟ على ضرورة الاحترام الكامل لحق المسلمة في تغطية رأسها، أو ارتداء الحجاب، سواء طبقًا للتقاليد الإسلامية علىٰ النطاق الشخصي أو في الأماكن العامة، باستثناء الدوائر الرسمية.. وهذا الاستثناء هو بعينه ما ذهب إليه وزير خارجية البلاد والمستشار الحالي.
يُذكر أن حزب الاحرار اليميني المتطرف مازال يشن حملة مُركَّزة ضد الاسلام والمسلمين، وطالب الحكومة بمنع بناء المساجد، ووضع حد لما أطلقوا عليه "أسلمة النمسا".
ومسألة „ أسلمة النمسا ‟ إذا قصد بها المظهر العام في الشارع النمساوي من حيث الأزياء والملابس؛ وما يظهر بوضوح مِن مطاعم ومحلات البقالة واللحوم والخضروات بيع المصوغات من ذهب وفضة وقطع غيار أجهزة النقال والكمبيوتر.. وهما -المظهر والمحلات- يأخذان طابع تركي/سوري أو غيرهما.. فهذا أمر ميسور.. إذ أن الدستور الأساسي والقانون المعمول به يسمح بذلك.. لكن حقيقة الإشكال يكمن في ارتفاع نسبة المواليد مِن اصول غير أوروبية تؤثر فيما بعد علىٰ التركيبة السكانية.. بعد فتح الباب والشباك لموجات مِن المهاجرين مِن اصول أفريقية وأسيوية؛ ويقابل ذلك قلة بل ندرة أو عزوف عن التوالد مِن المرأة الغربية.. وهذه مسألة تحتاج بالفعل إلى إعادة نظر ورسم خريطة(!)
وفي يناير لهذا العام 2020م صرح الرئيس النمساوي بأن الضجة حول حجاب„ الأطفال ‟ (***) مفتعلة؛ فقد دافع الرئيس النمساوي „ Alexander Van der Bellen ‟ عن حق ارتداء الحجاب للمسلمات في المجتمع النمساوي، مشيراً الىٰ أن الخلافات الحالية حول حظر الحجاب بين الأحزاب السياسية مبالغ فيها.
وقال الرئيس النمساوي، في تصريح له „ يجب أن نفكر فيما هو في الرأس وليس فيما هو علىٰ الرأس ‟.
وهنا أبدءُ الحديث ...
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ 2 ] محاولة لفهم واقع التجمع العربي/الإسلامي في الغرب؛ النمسا مثالاً! ورقة بحثية أولية؛ مِن باب الدراسة حسب ما توفر عندي مِن معلومات!
« „ محاولة إعادة بناء الخارطة الفكرية؛ يلازمها القيام بعملية نقد للذات جذرية ‟ » .
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
13 ديسمبر 2020م
(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)Die Bezeichnung Österreich ist in ihrer althochdeutschen Form Ostarrichi erstmals aus dem Jahr 996 überliefert. Zudem war die lateinische Form Austria in Verwendung.
- في اللغة الألمانية تسمىٰ "Österreich" وتعني الأراضي الشرقية نسبة لموقعها شرق ألمانيا. ومنها اشتق اسم البلاد في باقي اللغات مثل اللغة الإنجليزية وتسمى "Austria"، وقد سألَ فكري أباظة عملاقَ الفكر العربي عباس العقاد عن أصل تسمية "النمسا" فأجاب العقاد في مجلة الأخبار بتاريخ 12/9/1962: " إن البلاد التي نسميها الآن "النمسا" لم تشتهر باسم "اوستريا" قبل أوائل القرن العاشر، وهو الزمن الذي استقلت فيه بحكم نفسها علىٰ عهد أمراء يابنبرج (سنة 976). ويرجح أن الاسم مأخوذ مِن كلمة ألمانية "ostern" بمعنى "الشرقية"..
(**) كريستوف ماريا مايكل هوغو دايمان بيتر أدلبرت غراف فون شونبورن
) Christoph Maria Michael Hugo Damian Peter Adalbert Graf von Schönborn (
وهو راهب دومينيكاني؛ ولاهوتي نمساوي؛ وكاردينال في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؛ وهو مطران فيينا؛ ورئيس مطارنة النمسا، ولد كريستوف في يوم 22 يناير 1945م في بلدة ليميرتز في السوديت في ألمانيا النازية في بوهيميا.
(***) لا يعتبر الشخص مكلفاً إلا بعد البلوغ، أما قبل البلوغ فلا تكليف عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « „ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ :
- عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّىٰ يَبْلُغَ، وَ
- عَنْ النَّائِمِ حَتَّىٰ يَسْتَيْقِظَ، وَ
- عَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّىٰ يَبْرَأَ.‟ »
[رواه أبو داود (4402)]، و
علىٰ هذا فيجب علىٰ الفتاة أن ترتدي الحجاب الكامل إذا بلغت، وللبلوغ ثلاث علامات مشتركة بين الذكر والأنثىٰ :
1.] الاحتلام .
2.] نبات الشعر الخشن حول العانة .
3.] بلوغ خمس عشرة سنة(!) .
وتزيد الأنثىٰ بأمرٍ رابع وهو :
4.] الحيض .
فإذا حصل للفتاة إحدىٰ علامات البلوغ هذه وجب عليها الإتيان بجميع الواجبات واجتناب جميع المحرمات، ومن الواجبات ارتداء الحجاب .
وقد تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالًا [ديسمبر 2018م] حول متىٰ ترتدي ابنتي الحجاب؟ .. وحكم الشرع في ارتداء البنت الحجاب قبل البلوغ؟.
قال الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوىٰ، في فتواه:" وجوب الحجاب مرتبط بالبلوغ، فقبل البلوغ الفتاة غير مكلفة، فالله -عز وجل- لا يحاسبها علىٰ صيام أو صلاة أو حجاب، فوقت البلوغ ليس له سن معين، فقد تأتي [مبلغ النساء وأحكامهن] وهي تبلغ مِن العمر 9 سنوات في بعض الدول الحارة، وقد لا تأتي إلا في وقت متأخر، فلو تمت 15 سنة هجري ولم تأتِ لها الدورة الشهرية [الحيض] تصبح بالغة ويكون لديها خلل عضوي أو هرموني".
وأضاف:" البلوغ يكون بالحيض أو السن، فالحيض أقله 9 سنوات، وأكثره 15 سنة"، مؤكدًا يجب علىٰ أولياء الأمور حث الأبناء علىٰ طاعة الله مِن السن المبكر، وألا ينتظر سن المراهقة حتىٰ يكون قادر علىٰ تطويعهم. ". انتهى.
:" ولكن ينبغي لولي أمر الفتاة أن يُعوِّدها علىٰ الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات قبل البلوغ، حتىٰ تنشأ علىٰ ذلك، فلا يشق عليها الالتزام بها بعد البلوغ، وهذا مِن الأصول التربوية المقررة في الشريعة .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« „ مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم(!) عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع.‟ »
[رواه أبو داود (495) وأحمد (2/187) مِن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
وجاء هذا المعنىٰ من حديث سبرة بن معبد عند أبي داود (494) والترمذي (407) وقال : حسن صحيح. والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (247) .
وروىٰ البخاري (1960) ومسلم (1136) في " صحيحيهما " من حديث الرُّبيع بنت معوذ في ذكر صيام عاشوراء عندما فرض صيامه على المسلمين، وفيه : فكنا بعد ذلك نصومه - يعني عاشوراء - ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب إلىٰ المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن - وهو الصوف -، فإذا بكىٰ أحدهم علىٰ الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار .
وفي رواية لمسلم : فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتىٰ يتموا صومهم .
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/14) : „ في هذا الحديث تمرين الصبيان علىٰ الطاعات وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين.‟ ا. هـ
وقال ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص :162) : „ والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف، لا يحل له تمكينه من المحرم، فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه.‟ ا. هـ
وإذا قاربت الفتاة البلوغ فإنه يُخشىٰ أن يكون عدم ارتدائها الحجاب سبباً لفتنة الشباب بها، وفتنتها بهم .
ولذلك ينبغي لوليها في هذه الحال أن يلزمها بالحجاب، سداً للذريعة ومنعاً للمفسدة.

والله تعالى أعلم.".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

الفجوة(*)
« „ الجهل+الكراهية+العداء = التطرف+الارهاب ” »
« „ الناس أعداء لما جهلوا ” » .
معادلتان لم نحسن بعد فك شفرتهما !

التَّمْهِيدُ:
ينبغي أن نعلم جيداً أن مَن يَتَبِع الإسلام كدين؛ وملة، ونظام حياة؛ وطراز خاص مِن العيش؛ وكيفية عملية معينة في التواجد المعاش في بيئته الأصلية أو معايشة الآخرين في محيطه الغريب والعالمي يعاني اليوم ومنذ ردح من الزمان ويعايش إشكالية توافق كافة أحكام الإسلام العملية المستنبطة من الكتاب الكريم؛ كما يعاني هذا المسلم فيرافقه إشكالية انسجام معاملاته الحياتية المنبثقة مِن السنة الرسولية النبوية مع واقعه اليومي المعاش.. أو بتعبير آخر أكثر دقة: فَقَدَ مسلمُ اليوم إحسان إنزال النصوص المُحْكَمة مِن آيات الأحكام؛ وقد عدّها السيوطي المِصري ما يقترب من 500 آية.. وتجدها عن ابن العربي..
وفَقَدَ مسلم اليوم إحسان إنزال أحاديث الأحكام العملية علىٰ أرض صالحة للتطبيق كخطوة أولية؛ وأحاديث الأحكام هذه مبثوثة في عدة كتبٍ ومصادر على سبيل المثال :
- نيل الأوطار للشوكاني اليمني
- المصنف لأبي شيبة
- التلخيص الحبير للعسقلاني
- عمدة الأحكام للمقدسي
- عمدة الفقه لابن تيمية الحراني
- نصب الراية للزيلعي
ثم تليهما -آيات الأحكام وأحاديث الأحكام- خطوات مكملة لإتمام عملية استئناف الحياة الإسلامية.. وهذا الاستئناف يصلح في الغرب كما يصلح في الشرق؛ وفقاً لدساتير الدول الديموقراطية؛ بيد أنه في الشرق تربة الإنبات للإستئناف صالحة وموجودة؛ أما في الغرب فتحتاج لمن يحسن عرض الفكرة فيبلورها ويجتهد في إخرجها صالحة للتطبيق؛ خاصةً وتحت غطاء الاتحاد الأوروبي ما يقترب من 19 مليون مسلم(!).. وتوجد دراسات من معاهد ذات سمعة طيبة ترفع النسبة إلى ما يزيد عن الضعف [40 مليون] خلال الثلاثين عاما القادمة؛ وخاصة في النمسا مثلا منذ عدة سنوات قلائل توجد النسبة واحد مسلم إلى 10 غير مسلمين [1 : 10]؛ وفي عام 2050م وفق دراسة حديثة سيصل أمام كل مسلم آخر غير مسلم[1:1].. وهذه الدراسات والبحوث الميدانية والديموغرافية(**) تبحث من طرف واحد فقط؛ والغائب هنا الطرف الذي يتولى رعاية شؤون مسلمي أوروبا أم النمسا أو ألمانيا؛ ويحزنني أن المصليات بحالها اليوم غائبة تماماً عن المشهد السياسي والإجتماعي والثقافي!
فينبغي أن نعترف -أولاً- نحن أهل الإسلام أننا نعيش على هامشه وخارج إطاره.. فنقرأ القرآن العظيم دون فهمه؛ قراءة تعبدية [الحرف بعشرة أمثاله في الثواب الآخروي؛ وتهدئة النفس وصفاؤها في الدنيا] دون القراءة الفهمية الفقهية التطبيقية العملية؛ كما يجب علي أن أذكر بتجرية مكتبة بفاريا/إلمانيا في ترجمة معاني القرآن الكريم تلتها تجرية الماجستير : أمير زيدان؛ فيينا النمسا.. والترجمتان تحتاجان إلى مترجم/شارح لناطق اللغة الألمانية؛ وهذه معضلة آخرى لم تبحث بعد!..
كما نقرأ ونأخذ مِن السنة النبوية مظاهر شكلية وقشور سواء أكان الكلام عن المُتَبِع (المسلم) هذا فرداً أو جماعة.. تكتلاً أو حزباً؛ وما زاد إشكالية المسألة عُسراً على الفهم الصحيح وتعسيراً للخروج من هذا المأزق وضيقاً مع سعة الإسلام ورحابته وسوء فهم لما يطرح على مسامعنا.. تلك المسميات الفضفاضة والإدعاءات الجوفاء الخالية مِن مضمون حقيقي يناسب مسماها ويوافق محتواها.. مثل:
- [داعية(***)] إسلامي.. أو
- كاتب إسلامي.. و
- مفكر إسلامي.. في بلاد يسكنها الكثرة من المسلمين، أو
- سياسي إسلامي في بلاد الغرب؛ فيقدم نفسه من خلال حزب إشتراكي أو ليبرالي فيصل على أكتافهم إلى برلمان، فغالب هؤلاء لم يقدموا رؤية مستقبلية واضحة بل ما جاء من طرفهم ورقات بحثية نظرية حُبست بين افكار مَن تكلم بها ولم تجد المناخ أو البيئة لتفعيلها أو إيجادها.. و
نترك الأفراد ونعلو قليلاً لمسمى آخر فضفاض واسع مثل:
- جماعة إسلامية..
- حزب إسلامي..
- كتلة إسلامية برلمانية.. وغالب هؤلاء شربوا للثمالة وغَرِفُوا مِن نفس المورد السائد في مطبخ العالم السياسي؛ فسابقاً نادوا بــ الإشتراكية وهي ليست إسلامية بل معالجة خاصة مِن النظام الشيوعي.. أو ديموقراطية وهي نظام حكم مستقل بذاته؛ وقد تصلح بعض مفردات/أعمدة هذا النظام للتطبيق في البيئة الإسلامية.. أو رأسمالية فهي نظام اقتصادي مستقل بذاته.. و
نترك تلك التكتلات والحزم البرلمانية (مثل ما يحدث في تونس؛ تركيا) ذات الوشاح الإسلامي ونعلو قليلا لمسمى آخر فضفاض واسع مثل تجمع عالمي كــ :
- مجلس التعاون الإسلامي (يقترب من ثلث دول العالم إذ يضم 57 دولة!؛ وثاني منظمة عالمية بعد الأمم المتحدة).. وهذا المجلس ولد كسيحاً؛ فكما يقول د. العثيمين -أمينه العام المنتهية عن قريب أمانته- بأنه ليس مجلس دعوي وليس مجلس سياسي؛ بل أعلى ما يوصف به انه تنسيقي(!)؛ وقراراته غير ملزمة لأعضاءه ولا قيمة لها في الأسرة/المجتمع الدولي.. وهو أشبه بشقيقته من أب إنجليزي: جامعة الدول العربية.. و
نترك ذلك التجمع ذو العباءة الإسلامية الفضفاضة.. ونعلو قليلا لمسمى فضفاض آخر مثل:
- حكومة إسلامية..
- دولة إسلامية.. و
تتلاحق المزحات وتتوالى المبكيات منذ نهاية السبعينات مِن القرن المنصرم؛ فغالب مَن يعيش اليوم في نهاية عام 2020م عاش هذه المرحلة التعسة من إنشاء كيان يحمل اسم إسلامي وهو خال من مضمونه حين إنشأت : الجمهورية الإسلامية الإيرانية (بالفارسية: جمهورى اسلامى ايران)؛ والدولة الإسلامية في زمن جعفر النميري (كسر زجاجات الخمور في الساحات العامة)؛ ثم التغني بها على أوتار مقطوعة من قيثارة خربة زمن د. حسن الترابي؛ ثم زمن حكم الرئيس المخلوع الذي هز اردافه راقصاً بالعصا؛ والمفارقة أنه رقص بالخشب وليس بالسيف.. ودولة رجل العلم والإيمان المِصري.. فسَنة د. محمد العياط.. يرافقه حكم غزة الجريحة المحتلة من حماس الإسلامية.. ثم الــ(د)ولة (ا)لإسلامية في الــ(عــ)ــراق والــ(ــشــ)ــام (إعلامياً: داعش)؛ ثم وضع لفظ :"الله أكبر" على علم آحدى دول الجامعة العربية.. فإذا تركنا الشرق وغربنا فتونس الخضراء وترى تخبط نهضة الغنوشي؛ الذي عاش أكثر مِن عشرين عاماً في فرنسا؛ ولا نبتعد كثيراً فــ :" قد استعمل قادة المَغرب في فترات استقلاله عن خلافة المشرق لقب "أمير المسلمين" حينا، ولقب "أمير المؤمنين" في أغلب الأحيان ".
نترك العرب ونذهب إلى العجم (التعبير التقليدي القديم) تحدثتُ عن إيران ونذهب لجارتها تركيا.. وهذان المثالان يحتاجان لدراسة تفصيلية؛ خاصةً أن الدولة العلمانية الأتاتوركية تحولت مروراً بنجم الدين أربكان يرافقه غالبية سكانية مسلمة بالوارثة أو الميلاد إلى الرئيس الحالي لــ دولة إسلامية وفق المسمى -فقط- في الخطاب الجماهيري الداخلي والخارجي مع بقاء الدستور العلماني..
.. هذه الأمثلة -مع الأسف المؤلم والقلب المكلوم- تُظهر بوضوح ما ذهبتُ إليه بأنها مسميات؛ ولا تحمل مِن مسماها أي مضمون؛ وليس لها واقع فعلي لما تدعيه أو تنادي به.. وتستغل سذاجة العامة وبلاهة الدهماء وجميعها -إلا مَن رحم ربي- أوقعت شباب طري العود أخضر الشارب؛ أو فتيات لم يُحْسِنَّ بعد وضع فوطة صحية في أيامهنَّ المعلومة.. أوقع الجميع في حيص بيص(****). مما حعل سماسرة الجهاد الإسلامي يستثمر جهل الجميع لمنافع خاصة ومصالح..
وعلى هذا الوصف المقتضب لوضع استمر سنوات طوال وجدت فجوة بل فجوات بين الخطاب الجماهيري السائد والخطاب الدعوي للخاصة وبين من يسمعه ليتمكن من إيجاده.. ثم
اضف فساد حليب المرضعة مِن عام 1928م -يصلح هنا اعتماد هذا التأريخ- وفساد بيئة ووسط الحاضنة أفسدَ مَن رضع فتربى على صدرها؛ مما جعل ضيق النفق وظلمته جرَّأ أولادها الرضع على القيام بأخطاء قاتلة؛ وإن توافرت النوايا الحسنة؛ ثم جعل مَن هو خارج المنظومة الإسلامية -على سبيل المثال لا الحصر- إيمانويل ماكرون يخلط -عمدا- أو يفسر -لجهل مستشاريه- فيضع الإسلام في نفس سلة المسلم الفاسدة؛ فحين يريد أن يتكلم عن الإسلام يرى تصرفات المسلم فيختلط عليه الأمر فيصف تصرفات مسلم موديل التسعين عاما الآخيرة أنها الإسلام .. وهذا خلط شنيع!.. وخطأ فظيع؛ حين يوضع الإسلام بعقيدته وأفكاره وطريقته الخاصة في إيجاد هذه الحزمة من الأفكار والكتلة من المفاهيم والقيم والمقاييس وأحكامه الشرعية العملية في نفس السلة مع مسلم يجهلها؛ أو لا يحسن إنزالها جميعا أو بمفراداتها على الواقع اليومي؛ فتصرفات مسلم اليوم بالقطع لا تمت بصلة وثيقة للمفهوم العام الحقيقي للإسلام.. قد يكون فقها إسلاميا مبتوراً أو رأيا إسلاميا مشوشاً أو رؤية إسلامية ناقصة ولكنه بالقطع ليس إسلام النبي والرسول محمد -عليه السلام-.. و
هذا النتاج الفكري الحديث أو الفقهي الناقص هو فهم أو فقه رجال عن الإسلام وليس هو الإسلام نفسه.. وهذه الجزئية بالذات تحتاج إلى إعادة نظر وإعادة ترتيب فكري ليسهل على القارئ إدراكها..
وهنا يلاحظ عمق مع اتساع هذه الفجوة؛ وهي بدأت بالقطع قبل عام 1928م إذ أن ما ظهر على السطح نستطيع أن نلخصه في مقولة للقاضي الأزهري الجليل -رحمه الله تعالى- الذي وصف حال المسلمين في بداية الخمسينات من القرن الماضي.. فقال أنه يعود لــ « „ الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام ” »
وعمق هذه الفجوة واتساعها منبعها الأساسي ومصدرها الوحيد هو ضعف الفهم الذي بني عليه ضعف الفقه؛ أو كما أسلفت ترقيع قماش ثوب الفقيه بأنسجة غريبة عنه.. سواء من حيث الزمان أو من حيث دقة وصحة إنزال النص على الواقع بمعنى إدخال ما يشوش على ذهنه من مداخل افكار غريبة عن البيئة القرآنية والوسط الحديثي النبوي الرسولي.. فحين تجمد فهم المسلم لإسلامه وتوقف عند إعادة التراث دون غربلته والتدقيق والتحقيق فيه.. حين حاول أن يوفق ما بين تراث الأجداد وما بين مستجدات عصره الحالي..
إذاً مشكلتنا -مسلمون وغيرهم- اليوم -ديسمبر2020م- تعود لهذا الضعف الطارئ على الفهمية أو العقلية لمسلم داخل الإطار أو سوء فهم لمَن لا يؤمن بالإسلام خارج الاطار في الحديث عن إسلام النبي الرسول محمد.. فعند الآخرين -منهم ماكرون الرئيس الفرنسي- يعتمد الشابلونه أو النمطية الموروثة عن أجداده من بعض أهل الاستشراق..
.. واذا كان التعرف علىٰ أية مشكلة بتفاصيلها وبدقة سليمة ووصف صحيح هو بداية طريق فهمها ومن ثم حلها، فانه ينبغي ان نقوم بدراسة المشكلة الحالية -المسلمون في نهاية عام 2020م وأقدامهم على التراب الغربي الحديث/الأوروبي؛ ومشاعرهم وبطونهم تهفو للشرق القديم- علينا أن ندرس المشكلة الحالية بهدوء وموضوعية. و
لكي نقوم بهذه العملية علينا أولاً أن نضع النقاط فوق/تحت الحروف في مسائل الخلاف، ونميز بين العناصر الجوهرية والقشرية، والبائدة والمعاصرة، والأصولية والفرعية، والموضوعية والخارجية، والحقيقية والمفتعلة والمضخمة. (انظر: السنة والشيعة.. وحـــدة الــــدين.. خلاف التاريخ والسياسة؛ أحمد الكاتب)
-***-
أضيف لهذا كله مقدمة ضرورية لفهم الآخر :
الطبيعة البشرية -كل فرد منها- تملك بداخلها من خلال القوى العاقلة بها مقومات الخير.. كما تملك بداخلها في نفس الحين واللحظة ومن خلال تغيب القوى العاقلة بذور الشر.. و
من السذاجة تعليق الفعل السئ على أكتاف الشيطان وأعوانه؛ كما أنه من النادر أن نعلق الفعل الطيب أو الحسن في أعناق الملآئكة.. وإلا ما كان هناك عقوبة رادعة لفعل الزنا؛ وإن بلغنا بدايةً أن الشيطان ثالث ثلاثة.. وأحد الثلاثة أنثىٰ.. وما كان للسرقة عقاب؛ وإن استحوذ الشيطان على تصرفات الفاعل..
إذاً العقوبات والحدود والتعزير في الإسلام والعقوبات في الأنظمة الوضعية البشرية.. لسقطت لو عُلق الفعل السئ على أكتاف الشيطان.. إذ أنه المحرض بل البعض يصفه أنه الفاعل.. بالطبع وبالقطع لا ننكر وسوسته وتزينه للباطل لكنها لا تلغي الحساب الدنيوي-كان عند المسلمين؛ وما زال عند غيرهم- أو العقوبة الآخروية أو الشفاعة-عند المسلمين-؛ أو المخلص -عند النصارى-..
وخطأ شاسع في التربية وإثناء التعليم عند أمهاتٍ(!) تعليق الأمر على الشيطان؛ مما يفهم أن الفاعل مخلوق غيبي وليس الطفل..
-***-
الحقيقةُ التي تَكشف تصرفات خاطئة؛ وأقوال زائفة؛ وأفعال مضرة مفسدة؛ أو تفضح أشخاص، ثم المواجهة والمصارحة والتفنيد؛ والاتيان بالأدلة الدامغة والحجج الكاشفة والبراهين الساطعة.. يتولد منها وعنها إما :
- قدرات دفاعية أو
- إمكانيات هجومية أو
- الإنحناء كي تمر العاصفة.. و
بعد حين قد ينسى الناس تلك الحقائق؛ وهاتيك الفضائح والمكاشفات، ويستمر الوضع لما عليه؛ وأحياناً يحسن آحدهم -إلى حين- تزيف الحقيقة إلى أن تتم جمع الأدلة بتتبع خطواته؛ وغالباً ما يحدث خطأ منه فيقدم للمحاكمة..
في بدايات الثمانيات أدعى آحدهم أنه من عائلة كبيرة وأحكم قصته أن والده قامت قوات من الجيش والشرطة لمداهمة المنزل لنشاطه السياسي المزعوم؛ وحين حضرت أمه لزيارته في فيينا أنكشف الغطاء وسقط القناع.. وبعد حين أتهم في قضية استحضار مخدرات إلى النمسا وحكم عليه بالسجن.. وبعد خروجه اتفق المقربون حوله أن يتعايش مع الكثير خاصة أصحاب الياقات البيضاء؛ والقمصان الزاهية فرفض البعض وتواجد مع البعض لأنه كان تحت عين المراقبة الشرطية(!)..
هذا أسوء الأمثلة: تجارة مخدرات.. و
بكثرت الناس كُثرت الأمثلة الفاسدة السيئة من التزوير وسرقة(!) أموال الدولة العمومية؛ وذلك في مجال التجارة كبائع اللحوم في الضاحية الثانية الفييناوية؛ وبائع الخضروات في الضاحية السادسة؛ وطبيب الأسنان بالضاحية نفسها؛ والطبيب العام بالضاحية العاشرة؛ وأيضا في بعض المصليات تمت حالات فساد أو سرقة.. والإشكال يكون هنا أعظم.. خاصة أنهم يتولون إدارة أو خطابة في مكان يسمى دار للعبادة.. وليس بآخرها مَن تولىٰ إدارة هيئة عليا تعليمية تم التنسيق بين إدارة التعليم الأزهري وبين الإدارة التعليمية لآحدى مقاطعات النمسا.. وبسؤالي الشخصي لمن كان يتولى الهيئة الإسلامية -آنذاك- عن أحوال هذا الشخص الذي جُرم.. فرد عليَّ بالقول:" لم أكن أعلم عن تاريخه السابق شيئاً ما".. ولعله صادق.. والحبل على الجرار؛ و
المبكي المضحك أن آحدهم كان يعترض عليه ثم هو نفسه في الثلاثاء الأسود تم القبض عليه وحاله كحال سابقه.. و
هذا لا يخص ما أُطلق عليه خطاً الأقلية العربية أو التجمع الإسلامي لكن الحديث على العموم.. فمن ابناء القارة الأوروبية الأصلين من سرقوا الحكومة والمال العام؛ أو قاموا بالتزوير في أوراق رسمية هرباً من دفع الضرائب المستحقة عليه.. و
ينبغي أن أذكر أن المدينة الفاضلة لا توجد إلا في خيال الفلاسفة وعمل على إيجادها رسل السماء إلى الأرض وأنبياء رب الأرض والسماء للبشر؛ سواء في زمنهم وإثناء حياتهم أو من بعد مماتهم لمن تولى الأمر من بعدهم..
فجوةٌ بين الشخص وموقعه أو بين الشخص وتصرفه!
-**-
« „ الفجوة ومحاولات ردمها ” » :
ما يعنيني ليس مجال التجارة والتزوير في أوراق عمومية؛ بل ما يعنيني في المقام الأول حال ما يطلق عليه المصلىٰ، فــتسعى الأديان السماوية والنحل والملل الوضعية إلى ردم الفجوة وتضيق سعتها وتقليل الفُرجة بين أبناء آدم منذ مهبطه على الأرض للعيش فيها؛ إذ أن المراد من خلقه التواجد على الأرض ليعم الأمان ويزيد الاطمئنان فينعم الإنسان وتزدهر الحضارة وتعلو المدنية؛ ثم سعت الأعراف والتقاليد ومن بعدها الدساتير القوانين إلى تضيق عمقها هذه الفجوة.. لكن الواقع الفعلي المعاش اليوم ونحن في الشهر الأخير من العام 2020م أن الفجوة اتسعت وأن الفُرجة كبرت بل وزادت عمقاً ثم اتسخت بافكار فاسدة ومفاهيم مغلوطة وقيم منحطة ومقاييس بالية وعلاها فاصابها لون الدم الأحمر القاني بتطرف وعنف ضد الأبرياء.. نتيجة:
- الجهل السائد؛ والذي يتولد في بيئته:
- كراهية الآخر؛ فيبنى عليها -الجهل والكراهية-:
- العداء.. فيأخذ أشكال الإزدراء.. التهكم.. فيزيد إلى عنف لفظي.. فعنف جسدي.. فتصفية الآخر لفساد ما عنده..
أو :" وجود بيئة مناسبة ونسبة عالية من الجهل والتعصب والطمع والاستبداد والتفكك الاجتماعي والانحطاط الخلقي والديني، وانعدام المؤسسات الدستورية والأجواء النقية التي تنظم عملية الصراع على السلطة بشكل سلمي وتحول دون انفجار المشكلة.".
ما حدث في الغرب:
[ 1 ] الفجوة اتسعت بين أتباع الكنيسة -وليس رجالها- واتباع المسجد -وليس علماؤه-.. ثم ازدات اتساعاً وبعدا من خلال وسائل إعلام تقليدية بين العامة من خلال الطرفين؛ وساعد على هذا كثير منصات التواصل الإجتماعي..
[ 2 . ] الفجوة اتسعت بين الشيعة والسنة لدرجة سفك الدماء.. ثم بين أهل السنة وأمثالهم..
من الضرورة الحياتية إعادة النظر وبشكل جدي عقلي فكري منهجي لما يطلق عليه الاتباع أو المحب لهذه الفرقة وتلك الجماعة.. لذا :
[3.] يجب أن يتنحى عن المشهد هؤلاء الذين يريدون أن تشعل النفوس حقدا وكرهاً.. وخاصة مَن يعلو بجهله وعدم تخصصه ودراسته منابر المصليات..
بالقطع وحتماً كانت هناك محاولات لردم هذه الفجوة ؛ أقصد الفجوة بين الموديلات التي ذكرتها دون تفصيل في المقال السابق؛ ولعل :
1.] الهيئة الإسلامية المعتمدة من الحكومة النمساوية والمعترف بها حاولت بصوّر خجولة في ردم هذه الفجوة؛ وما فهمته أنها لم تستطع؛ ويصلح أيضاً :
2.] المجلس التنسيقي للهيئات والمؤسسات الإسلامية:
ما يمكن قوله -مع الاحتياط- أنه نجح في عمله خلال منسقه الأول والثاني؛ ثم أخفق خلال منسقه الثالث والرابع.. ثم تم إغتياله(!) والقضاء عليه
3.] الهيئة العربية الإسلامية(!)؛ وهي من غرائب التجمعات؛ فكما يقولون تجمع الفاسد والطالح مع الطيب والصالح..
4.] ثم جاء كل من هب ودب وأوجد له أو لعائلته تنظيم أو منسقية..
من السابق يفهم أنه تبعثرت الجهود.. هذا في الجانب الإسلامي؛ لكن لا نغفل أن من سبقنا كذلك تم انقسامات حادة في بقية الديانات والملل واختلافات إذ:" تنقسم المسيحية الى ثلاثة طوائف رئيسية كبرى، مع ما لا يحصى من الطوائف الصغيرة الفرعية، خصوصا في داخل الكنائس البروتستانية. وثمة خلافات تاريخية وعقائدية وسياسية كثيرة، ولكن يظل الفرق العقائدي الاساسي الاول يتمحور حول (ماهية السيد المسيح)، هل هو :
- اله
ام
- ابن الله
ام
- روح الله، مع تنظيرات تفصيلية معقدة جدا ومملة وحتى ....(!) احيانا، وهذه القضية لا يفهمها حتى المؤمنين بها، ولكنها بالحقيقة خلافات شكلية مصطنعة تخفي خلافات تاريخية وسياسية ووطنية عميقة.( انظر : الطوائف المسيحية وتاريخها الدامي!؛ اعداد: عشتار جرجيس/ ميسان)
تحدثتُ في المقال السابق عن تسعة « „ Modelle ” » فتجد الـ « „Modell ” » الثاني والثالث والسادس يهاجم بشدة الــ « „Modell ” » الأول؛ كما تجد أن الــ « „Modell ” » الثالث يتفق مع الــ « „Modell ” » السادس ضد الــ « „Modell ” » الرابع والثامن والتاسع؛ وبتحفظ ضد الــ « „Modell ” » السابع؛ ويقترب قليلا من بعضهما البعض في أمور بعينها كل من الــ « „Modell ” » الثالث والخامس والسادس؛ كما تجد علوا بالكعب أمام الجميع من قبل الــ « „Modell ” » الثالث والسادس؛ وتجد تراجعا ملحوظاً من الـــ « „Modell ” » السابع كحالة إنهزامية؛ ومحاولة للإنتشار والتواجد من الــ « „Modell ” » الثامن.. مع غياب اي تنسيق أو تقارب فيما بينهم.
والحال هكذا فيجب تدخل مدروس ملحوظ مِن الهيئة؛ يعاونها بعد إحياء المجلس التنسيق؛ وإن صار رميماً..

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ 2 ] محاولة للفهم ! ورقة بحثية أولية؛ مِن باب الدراسة حسب ما توفر عندي من معلومات!« „ محاولة إعادة بناء الخارطة الفكرية؛ يلازمها القيام بعملية نقد للذات جذرية” » .
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
04 ديسمبر 2020م
(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ( الْفَجْوَةُ ) الْفُرْجَةُ وَالْمُتَّسَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ..
(**) الديموغرافيا هي علم السكان "Demographie" وتعرف بأنها مجموعة من الدراسات والإحصائيات التي من خلالها يتم إحصاء المعلومات عن :
- نسبة الدخل، و
- نسبة المواليد، و
- نسبة الوفيات في أي دولة من الدول.. حيث أنها تعتبر علم إحصائي حيوي يعمل على تسجيل التغيرات البشرية التي تحدث في المجتمعات، ويعتمد علم الديموغرافيا على رصد التغيرات التي تحيط بكل أفراد المجتمع.
(***) كاتب هذه السطور يرىٰ أنه مخالف للحقيقة القرآنية أن يدعي آحدهم أو يُطلق عليه مريديه لفظ :"داعية"؛ إذ أنه مصطلح لا يطلق إلا علىٰ صاحب الدعوة؛ أي النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ وخاتم الأنبياء المرتضىٰ ومتمم المبتعثين المحتبىٰ : « „ محمد بن عبدالله النبي الرسول ” »؛ بدليل خطابه -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- حين نطق القرآن يقول متحدثاً معه -عليه السلام-: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... } فأثبت هنا له النبوة.. { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } وأثبت هنا له الرسالة؛ ثم وصفه ونعته بــ أنه { ... شَاهِدًا ... وَمُبَشِّرًا ... وَنَذِيرًا } [الأحزاب:45] وهنا موضع الشاهد؛ { وَ « „ دَاعِيًا ” » : إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ } فأثبت -سبحانه- هنا أنه -عليه الصلاة والسلام- الداعي؛ ثم يكمل وصفاً { وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } [الأحزاب:46] : فمن جاء من بعده -عليه السلام- يحمل دعوته كما أنزلت؛ ولا يحمل دعوة جديدة؛ وهنا يأتي مفهوم تصحيح المصطلحات .
(****) "حيص" "بيص" تعني باللغة : الضِيق والشدّة، في الحيرة، وفي الاختلاط من الأمر الذي يصعب الخروج منه، ومصدرها من كلمة حاص وتعني المهرب، وذكرت بالقرآن الكريم لأكثر من مرة، قال تعالى { وضلَّ عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص}.

” » Lebensmodell « „
قيَّم الجمهورية الفرنسية؛

الـــ« „ لائكية ” » كما يرغب „ ماكرون ” في تفعيلها؛ ومِن بعده تكلم „ كورتس” عن
” »Lebens-Modelleـ« „

الـــ« „ علمانية ” » كما يود في تطبيقها!
Planung und Gestaltung des eigenen Lebens nach bestimmten Vorstellungen, "das persönliche, das europäische Lebensmodell"
أو ما يطلق عليه الفصل التام بين الدين وبين الحياة؛ أو بأدق تعبير الفصل بين الدين وما ينبثق منه من عقيدة وإيمان وأحكام عملية وتشريع وبين الدولة وما ينبثق منها من أجهزة ومؤسسات ودستور..
يوافقهما :
1 . ] الــ « „ Modell ” » العام الأول -وهو المحبب والمرغوب فيه عند الساسة والحكام؛ وهو الذي يسعى إليه مرتزقة الدين والدجال؛ وهذا الموديل يستلزم قطيعاً يلغي عقله وفكره مِن الأتباع والمريدين- الــ « „ Modell ” » الأول عمله ونشاطه وتحركاته داخل دار العبادة فقط بالمفهوم الكهنوتي: أي الإيمان بـــ „ المخلص ” عند فريق.. أو المنتظر الغائب عند فرقة؛ أو نبي آخر الزمان عند جماعة؛ فتسود علاقة روحية غامضة بين الفرد -وليس العبد- وبين الآب -وليس الرب/الخالق الرازق-.. أو بتعبير آخر علاقة نفسية بين الفرد وذاته والدائرة الضيقة التي تحيطه؛ يرافق هذه العلاقة مجموعة مِن الأخلاق يضعها الفرد لنفسه أو يسعىٰ إلىٰ غيجادها ومِن ثم تحقيقها..
2 . ] الــ « „ Modell ” » الكنائسي: الاكتفاء بــ الوعظ والإرشاد والنصح والتوجيه؛ وعند اللزوم كرسي لمن أخطأ ويريد الاعتراف؛ التعميد؛ والحديث عن وراثة مقعد/مكان في السماء..
ويقترب منهما دون مخالفتهما:
3 . ] الـــ « „ Modell ” » الثالث : النمط الخليجي/السعودي : مكارم الأخلاق؛ ومحاسن التصرفات؛ وطيب مع سطحية الأفعال؛ وسياسة الترغيب في الجنة والترهيب من النار؛ و
4 . ] الـــ « „ Modell ” » الصوفي : ايقاد الشموع في الحضرة والتواجد والتمايل والاستغراق في الــ ـ « „ هُوَ ” » الله؛ ثم توزيع النفحة علىٰ المريدين.. والوحدة والتوحد مع الكون والمخلوقات.. و
5 . ] الـــ « „ Modell ” » الخامس : السُني : الطهارة والنظافة والهندام والتطيب والبخور؛ وجزء يسير من/عن العبادات؛ كــ علاقة روحية بين الفرد وذاته؛ مع ملاحظة وجود الرب -الإله دون البحث عن اسماءه وصفاته وخواصه؛ أو بتعبير أدق أوامره ونواهيه؛ وتفعيل آيات الأحكام في الحياة المعاشة وتطبيق أحاديث الأحكام-.. و
6 . ] الـــ « „ Modell ” » السلفي : الغيبيات؛ وقصص مَن خلف واستجرار التراث؛ وتفصيل علاقة الإنسان بالجان؛ وتسلط الشيطان؛ التدواي بالرقى الشرعية؛ وزيت الزيتون؛ وعسل النحل وحبة البركة.. وتوزيع صيدلية للشفاء مِن كل شئ وضد كل شئ..
7 . ] الـــ « „ Modell ” » السابع : الأزهري العام : الإجتماعيات؛ و علاقة الذكر بالأنثى.. وما يأتي حسب المواسم والأعياد والاحتفالات..
8 . ] الـــ « „ Modell ” » الشيعي : إنتظار الغائب؛ والتقيد بولاية الفقيه؛ التمسح بالعتبات المقدسة؛ وإيذاء الذات(*)..
9 . ] الـــ « „ Modell ” » المذهبي؛ وهذا تجده عند جميع مَن ينتمي لدين!
يجب أن اثبت أن هناك العديد مِن المحاولات للتوفيق والإقتراب مِن تلك الفرق بعضها ببعض؛ وجمعها تحت سقف واحد منعاً للفرقة والتناحر!.. أو تبيان الفرق الضالة والفرقة الناجية..
-**-
- مثال توضيحي لــ Lebensmodel :
إذا تصفحت ورقة الإعلان الذي يوزع على ابواب البيوت هذا الإسبوع عن شركة „ هوفر ” مع الـــ „ تبيان ” على صفحته الرسمية على الشبكة العنكبوتية؛ بدءً مِن العرض القادم:
Angebote & Aktionen ab Montag, 30.11.2020
وفي آحدى مسائل الحياة الضرورية : « „ الشرب/الشراب ” » تجد الإعلان الآتي لمن يريد الشراء او الإهداء :
[. 1Wasserglas: klassisch-elegante Becherglas für Mineralwasser, Leitungswasser oder Säfte..
لتناول شرب الماء من الصنبور أو ماء معدني أو العصائر؛ كما يجد المرء نوعاً خاصاً من الكوؤس لاحتساء النبيذ الأبيض :
.[. 2 Weißweinglas
ونوعاً آخراً من الكوؤس من حيث الشكل والحجم؛ إذ أنه لا يصلح للأول.. لاحتساء النبيذ الأحمر :
[. 3 Rotweinglas
ونوعا ثالثاً من الكوؤس إذا كان الشراب شَمبانيا:
[. 4 Sektglas
ثم هناك
5.] Glas لشرب الويسكي و Glas آخر لشرب
6 .] البيرة
أضف ما يُحتسىٰ في الحانات الشعبية.. والبارات.. وهذا نمط خاص يوضع على موائد الطعام أو في المناسبات.. وقد كان جيمس بوند في أفلامه الشهيرة يريد أن يتناول مشروبه في Glas مرجوجاً وليس مخلوطاً.. يتبين مما سبق شكل وحجم وعاء Glas تناول المشروب فقط.. وهذه طريقة خاصة من العيش وطراز خاص في الحياة؛ أو ما يسمى بــ « „ Modell ” »
وقد قيل:
تخذتُ هواهُ دونَ قومي مذهبي * وَلِلناسِ فيما يَعشَقونَ مَذاهِبُ
[ورد في كتاب المُرادي (سِلك الدُّرر في أعيان القرن الثاني عشر) مادة عن أحمد شاكر الجكواتي (الحموي) ]
وكان حمدون بن الحاج - (المعروف بابن الحاج- فاس، ت. 1336م): يقول:
وَلِلناسِ فيما يَعشَقونَ مَذاهِبُ * وحكمةُ ربي في اختلافِ المذاهبِ
وقال عيسىٰ بن شجاع النجفي (النجف، 1673 م):
كذاك عشقت العلمَ والجُودَ والتُقىٰ * وَلِلناسِ فيما يَعشَقونَ مَذاهِبُ
(ورد البيت في ترجمة الشاعر، وذلك في كتاب المحبّي - "نفحة الريحانة ورشحة طِلاء الحانة" مادة 2124).
المحبّي نفسه هو الذي كتب كتاب (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)، وقد ذكر عالمًا علاّمة أصله من طور كرم هو مرعي بن يوسف الكرمي، عاش في مصر وتوفي فيها سنة 1033 للهجرة- مادة 5197).

ويوجد « „ Modell ” » آخر مِن بلاد الشرق:
أما رفيقي فكانت جدته لأبيه تضع « „.قلة.” » قناوي علىٰ الشباك؛ ويشرب مِن فمها مباشرة.. -قبل اختراع الثلاجة- إذ لا توجد أكواب؛ في الطبقة المتوسطة ودونها.. وكان حين يزور عمة أمه علىٰ البر الثاني في نهاية خط محرم بك وبعد أن يعدي الكوبري كان عندها « „ زيرا ” » وغالب ظني أن أمه كانت ترفض أن يتناول الماء منه؛ مع علمها السابق أنه في المنزل الريفي لا يوجد بديلا له؛ وفي بعض أحياء الإسكندرية القديمة زمن الملايّه اللف والبرقع "أبو قصبة" ذهب خالص على أنف مَن ترتديه كان يأتي من يحمل قربة الميّة علىٰ ظهره إلى دخل البيت..
الحال تغير كثيراً من حقبة زمنية إلى آخرى وبالتالي من زمن إلى آخر.. وكذلك الأدوات المستخدمة.. وتغير نمط وطريقة عيش وطراز خاص مِن الحياة إلى آخر..
ونترك أشكال وأحجام الكوؤس كما نترك عدد وحجم أطباق الشوربة والسلطة والطعام الأساسي (خضار باللحم) والحلويات؛ ونترك ايضاً جانباً أطقم المعالق والشوك والسكاكين لكل صنف من المُقبلات والوجبات.. سواء وجبة إفطار أو وجبة غذاء أو عشاء.. ونترك المستوىٰ الإجتماعي.. ولعل المستوىٰ التعليمي أيضاً.. والثقافي.. والمالي.. والبيئة..
وقد نعلو قليلا عن مستوىٰ المعدة؛ وطحن الطعام؛ ومن ثم كيفية إخراج فضلاته والتخلص مِن بقاياه..
مع إعادة التنبيه فــ يثبت لنا البروتوكول أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حين زار النمسا أحضر معه لفافة ورق المراحيض الخاصة به..
كما يذكر رفيقي أنه ذهبَ في صيف عام ما إلىٰ بحيرة « „ Wolfgangsee ” » وهيGemeinde Sankt Gilgen am Wolfgangsee.. وكانت مُدَرِسة التعليم الثانوي -شقراء الشعر.. زرقاء العينين.. هيفاء القوام.. وفي رشاقة الغزلان؛ أبنة صاحب الهوتيل تعيش فوق جبل هناك لا يوجد به أضواء ولا أنوار سوى شعاع الشمس من مطلعها لمغربها.. وضوء القمر إذا غابت.ز ولا يوجد مياه صالحة للشرب وكانت تستخدم ورق الجرائد لتنظيف مكان ما يخرج منها بعد تناول الطعام والشراب وأخبرتُ أنها تبقىٰ شهريّ عطلتها-يوليو وأغسطس- فوق الجبل.. ووالدها يحضر لها الطعام والشراب؛ وحولها كانت ترعىٰ بقر الجبل وتشرب حليبها طازجاً..
أضف نمطا جديدا للمشرقي : فلم يتعلم رفيقي أن يأخذ معه جريدة لقراءتها إثناء تواجده في بيت الراحة إلا وهو في الغرب؛ فهي بالقطع موديل للقراءة موجود فقط في الغرب لطبيعة الوضع؛ وشكل الجلسة..
يخبرني رفيقي أن زميل دراسة له مِن أهل شبة جزيرة العرب كان يعلق على باب بيت الراحة في منزله من الداخل صور توضيحية لمواد دراسية سيمتحن فيها لمراجعتها!
نرتفع قليلاً عن المعدة وما يخرج منها.. فنذهب إلىٰ خلايا المخ الرمادية وقدرتها الفائقة في حفظ واسترجاع ملايين الأفكار والمعلومات والاستفادة منها..
أخبرني رفيقي أن الإنسان يستطيع تعلم أكثر مِن 40 لغة؛ وكان يستشهد بالأمين الأسبق للأمم المتحدة القبطي المِصري المَسيحي فكان -قدس الإله روحه- يقرأ ويتحدث ويكتب 7 لغات مختلفة..
في مدينة „ جايبور ” بشمال الهند كان يشرب رفيقي نوعاً مِن الزبادي حلو المذاق في Glas مِن الفخار والعُرف -هناك- أن يكسره بعد الإنتهاء مِن شربه..
الخلايا الدماغية عند جميع بني البشر واحدة؛ لكن طريقة التعليم.. وتلقي مع حفظ المعلومات.. واسترجاعها مع الاستفادة منها تختلف من بقعة على الأرض لغيرها..
يفتخر البعض أن كبار العلماء في الغرب من اصول عربية -نكتفي بالعرب في هذا المقال- .. وما غاب عن المتحدث صاحب هذا الفخر الزائف أنهم جميعاً صناعة غربية وليس تصنيع عربي؛ ولو لم يغادروا بلدانهم لم يسمع عنهم أحد..
إشكالية العالم اليوم ومنذ قرون أن البعض يريد أن يسيطر علىٰ الآخرين فيلزم الكل بنمط معين مِن العيش وطريقة معينة في الحياة وطراز خاص من العيش.. بل وزاد بعضهم : بــ عقيدة واحدة وبإيمان واحد وبدين واحد -راجع معي الحروب التي اندلعت هنا وهناك- وهذا -جمع البشر على دين واحد أو مبدأ- مستحيل ولن يتحقق ولم يتحقق.. ولنقرأ التاريخ جيداً؛ ونتفحص سير الأنبياء والمرسلين بالتفصيل!..
وأضحوكة الزمان -العصر- الحديث ما أُطلق عليه „ العولمة ” وهنا يجب إثبات أن التجارة لكبار الشركات والاقتصاد الأمريكي يراد له أن يسود العالم؛ وليس أفكار الديموقراطية ومبادئها أو الرأسمالية والحرية والاستقلال وحقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل- والتي يرفضهما الكثير -؛ ولعل هذه هي الأبواب الخلفية التي تنفذ منها البضاعة.. فالمسألة : إما تجارة؛ وإما سياحة.. أو كيف يدخل خزانة الدولة أموال!
أذكر أن أمريكا أرادت أن تغزو سور الصين العظيم دون حرب تذكر.. ودون إراقة دماء أو إرسال حاملات طائرات.. فاستخدمت شيئين إثنين فقط :
- الأول مشروب „ الكولا ” و
- الثاني „ حاملة صدر المرأة [ BH ] ” وبهذا الغزو الثقافي التجاري تمكنت أمريكا مِن جني ملايين الدولارات؛ ثم فاقت الصين مِن غفوتها فصارت تصدر لأمريكا ما تحتاجه وجنت بالتالي الصين ملايين الدولارات من الأمريكان.. وما زال العرب -بمجموعهم- حالهم كما يُرى على ظهر الكف!.. فالساعة التي في يد إمام المسجد أو المعلقة على حائطه لمعرفة أوقات الصلاة والسجادة والدشداشة صناعة صينية؛ ومن لديه مال يحضر عقاله وحطة رأسه من سويسرا.. صناعة غربية!
وما اثار غضبي أن مدير مجلس التعاون الإسلامي د. العثيمين -اليوم: 28/11/2020- يتمنى أن دولة(!) من الدول التي يترأسها مجلسها تصنع دواءاً لفيروس كورونا؛ وفي نفس الوقت يعترف بــ إغداق المال على شركات أجنبية غربية لتصنيع اللقاح!!
لفت إنتباهي رفيقي إلى مسألة الرقص الغربي؛ وهو كذلك نمط من الحياة وشكل من اشكال العيش:
„Dancing Stars“ ؛
وقال لي أن الجديد الغريب كان في شتوتجارت
]The 2019 WDSF Open U21 Latin final, DanceSportTotal
which took place in Stuttgart, Germany[

أن شاركت الصين براقصين لها في العام الماضي 2019 والحبل على الجرار.. الطريف أن المركز الأول حصلت عليه الصين وليس أيطاليا مثلا أو النمسا أو ألمانيا المضيفة .. فهل في الأعوام القادمة سنرى راقصين من العرب:
27.11.2020 20:41 |
Adabei
Nach Corona-Aufreger
: Eberhartinger meldet sich in Show

ولا ننسى تجربة أم مِصرية؛ زوج طبيب.. أعلنت في هيئة الثقافة العربية بفتح الباب للرقص تدخله الفتيات فقط؛ ولا أدري ما قصدها : أرقص شرقي أم التانجو والشات شات شات وبقية أنواع الرقص المعروفة كما يقدم في مدراس الرقص في الغرب؛ والتي تقدم عرضا مغريا للطلبة في مستوى التعليم الثانوي بالمدارس الحكومية.. ثم توقف نشاط السيدة.. ولا أدري لماذا.. ولم أسأل؛ ولا أدري : أتحرجاً أم خجلاً!
فهل نعتبر أن العالم بقاراته صار بالفعل قرية صغيرة!!
سنرى!!!.
وتتبقىٰ مسألة آخرىٰ إذ هنا يجب التفرقة بين الفرد الواحد أو افراد قلائل وقماش مِن نسيج واحد مِن مجموع الناس أو مجتمع واحد بعينه.. وبين مجتمع مكون مِن أقمشة عدة ومُشَكَل من (نُسُجٍ و أَنْسِجَةٍ المؤنث : نَسِيجةٍ و نَسَائج).. وهنا يأتي الذكاء السياسي في مسألة التوافق بين تلك الأقمشة والأنسجة.. والدهاء في الحكم والسياسة من خلال وزارة الإندماج؛ ومَن هو/هي [مسلم] عضو في الأحزاب في الغرب!
بمعنىٰ : أي إسلام هم -أقصد : الساسة وصانعو السياسة ومن وقف خلفهم- يريدون؛ وما يقدم على الساحة معلوم ومراقب!
فهل العقلية البشرية تستطيع التوفيق بين عدة أقمشة والعديد من الأنسجة.. !
إشكال الغرب اليوم :
1.] التطرف من أحزاب إصيلة ومجموعات من اصول غربية وأجنبية..
2.] الارهاب.. من أحزاب أصيلة في الغرب ومجموعات..
وهاتان -التطرف والارهاب- صارا من ابناء جلدتهم ومن آخرين.. وأضف:
3.] الاسلاموفوبيا

إذاً هناك „.نموذج حياة.” . لكل أمة.. وشعب؛ ولكل منطقة.. وحي!..
وفرض هذا النموذج على ما أطلق عليه أقلية في الغرب أو الشرق يعارض مباشرة وقطعا وجزماً مبادئ الديموقراطية من حيث أعمدتها الأساسية :
- والأولىٰ منها : حرية العقيدة والتدين..
- وثانيها : حرية التعبير والرأي..
- وثالثها : الحرية الشخصية!
إذاً فالقضية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر!

-**-
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ورقة بحثية أولية؛ ليس من باب النقد بل من باب الدراسة!
[ 1 ] محاولة للفهم !
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
27 نوفمبر 2020م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

التجمع

في الأممِ ذات مظهر حضاري بُنيت علىٰ مبدأ صالح للإنسان يُصبح التنوع نوعاً مِن الثراء الفكري والرقي في الحياة العامة؛ سواء في مجال الثقافة والفن أو السياسة والتدين.. ثم تقوم أجهزة بحماية هذه الأمة مِن الدخيل أو تعديل البديل.. أو إدماج الغريب؛ وتنشأ حزب/أحزاب شعبوية ليست مبدئية لإثارة أعتراض فئة/فئات مِن تلك الأمة ضد هذا الدخيل أو ذاك البديل أو الغريب.. وقد نتفق علىٰ هذا المبدأ أو نخالفه؛ وقد يستفيد البعض بعض الثغرات.. ولكن العبرة بوجود ما يصلح للإنسان.. بصفاته البشرية وبنعوته الآدمية.. بناءً علىٰ وجهة نظر الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المبدأ.. فــ
المبدأ.. إذاً هو مجموع الأفكار الأساسية التي تشكل وجهة النظر في الحياة وطريقة العيش وطراز الحياة.. فــ تنبثق مِن هذه الأفكار كتلة المفاهيم الحياتية الأصيلة وحزمة المقاييس لعمال والتصرفات والأقوال الراسخة والقناعات الوجودية والتواجدية الملزمة والقيم العليا المستمدة والمنبثقة من الأصول والتي ارتضاها قوم علىٰ أرض ما.. ثم يحيطها جميعاً نظام عام يطبق كقانون خاص في الحياة ودستور لطريقة معينة مِن العيش..
كــ مبدأ الديموقراطية الرأسمالية في بلاد الغرب.. أو الشيوعية والتي أنتهت ثم سقطت.. أو الإسلام الذي تبقىٰ منه اسمه؛ ومِن الأصول -الكتاب والسنة- تبقىٰ رسمها..
أما في البلدان المنهزمة نفسياً والتي تُقلد مَن انتصر عليها في العديد مِن المعارك.. العسكرية واحدة منها.. والمتراجعة فهماً لاساليب متعارضة في الحياة أو تعارض طريقة العيش مع الأفكار الأساسية فتختلط المفاهيم وتتعدد المقاييس وتتغاير القناعات وتتراجع القيم عند المجموع وليس افراد تلك البلدان.. فيحرم شئ مِن قِبل المفتي وتفعله العامة.. فيغيب المبدأ وتظهر فوق سطح بعض التجمعات قشوره.. فــ يكون الإختلاف نقمة.. إذ لم يبنَ علىٰ اساس مبدئي.. إذ أن تلك المجموعة مِن الأفكار وكتلة المفاهيم وحزمة القيم والقناعات والمقاييس والتي تسود تلك البلدان ليست متحدة؛ أو متوافقة.. بمعنىٰ أنها غير صادرة مِن نفس المبدأ.. كــ ترقيع ثوب حرير بنسيج قماس مسح الصحون؛ فليس مِن صنفه؛ فتجد أُناس يتكلمون عن الإسلام ويفعلون غير أوامره.. وينادون بافكاره ويتبجحون بقيمه ويتحدثون عن مقاييسه وقناعاته ثم يقومون بما نَهىٰ عنه؛ بمعنى خليط غير متجانس مِن تلك المجموعة مِن الأفكار والمفاهيم والقيم والقناعات والمقاييس.. وعليه تقام دويلة داخل دولة أو كيان/كيانات تعزل نفسها عن محيطها وتفصل نفسها عن بيئتها.. فــ
نسمع عن جماعة تصفها وسائل الإعلام بــ: „ تكفير ” الناس والمجتمع و „ الهجرة ” منه أو رفع راية: „ الجهاد ” بقتل عشوائي لأبرياء.. تنفيس عن مشاعر غضب لم تلاحظ علىٰ أشخاص.. فيتواجد تجمع/تجمعات رافضة لحال أو أحوال ولا تلتزم بالمبدأ الذي تتحدث عنه أو تنادي به وما أنبثق عنه تريد إيجاده داخل كيان ترفضه.. ما جعل في السبعينات مِن القرن الماضي أن يصدر عدة مفكرين بيانات تبين هذه المسألة: أعني: „الإختلاف”.مع غياب توضيح حدوده وكيفية بناءه وطريقة علاجه...
حين تضيق السُبل علىٰ تلك التجمعات وتُرفض وتُلفظ مِن مكان منبتها تسعىٰ للــتواجد في : „ملاذ أمن” يمكنها مِن استمرارية وجودها ونشر افكارها. وهذا ما حدث في ستينات وسبعينات القرن المنصرم.. ملاذ أمن إلىٰ مناطق في الخليج أو القارة الأوربية!
الحاضر في كتب التراث أن الفكرة يجب أن تكون لها طريقة مِن جنسها لإخراجها.. وكيفية عملية مِن نوعها لوجودها.. والواقع العملي والمعاش مِن ستينات القرن الماضي هو خلط الأفكار في ذهن مَن ليس له خلفية ثقافية بعينها يرافق ذلك استحضار طرق شتىٰ وأساليب متعددة مما أفسد المناخ العام في بلدان عدة سواء في الشرق أو الغرب!
-***-
التجمع؛ كــ كتلة بشرية غير أصيلة والمتواجد علىٰ أرض القارة الأوروبية.. يصعب للمتابع دون التدقيق في جذوره وأصوله أن يراقبه.. فــ بإنتهاء الحرب العالمية الثانية وُجد تجمع للأتراك العمال ينقسم بذاته لما هو تحت رداء الدولة العلمانية مِن حيث التنشأة علىٰ يد مصطفى كمال بعد سقوط الخلافة العثمانية.. وكانت تسمىٰ في أدبيات السياسة بالرجل المريض.. وإسالة الكثير مِن الدموع لإنتهاءها؛ وإسالة الكثير من الحبر والمداد لسقوطها.. ومحاولة إيجاد بديل لها كحركة أو مناداة مِن قِبل بعض الحكام.. سواء في القارة الهندية أو في المَلكية المِصرية السودانية؛ مما جعل أحمد شوقي؛ المتوج أميراً للشعراء ومعارضة عباس محمود العقاد لذلك؛ أن تسيل دموعه شعراً بليغاً.. ثم بتغير الحاكم التركي لوجود غالبية متدينة ضعيفة الفهم لأصول إسلامها -ويعود هذا لــ سذاجة اللُغة التركية وبساطتها.. ورقي اللغة العربية وقدرتها علىٰ التوسع والتاثير والإنتشار- صارت الحكومة ذات وشاح ديني بدءً مِن نجم الدين اربكان.. وبالتوازي مع هذا المثال التركي تجد الخط الصوفي الواضح في زاوية مِن هذا التجمع التركي علىٰ أرض النمسا -أقصد السُلمانية- كما تجد افراد غير منظورين لجماعة الذئاب الرمادية ويرفعون إشارتهم المخبرة عن رأس الذئب؛ ومن الطريف غير المفهوم أن تعلن حكومة فرنسا في نوفمبر 2020 تفكيك هذه الجماعة..
إذاً النسيج التركي تحت عباءة التجمع غير أصيل في النمسا منقسم ومتشرذم وهذا تجمع غير عربي.. ولكنه تجمع تحت الرداء الإسلامي.. وقس عليه بقية التجمعات!
التجمع؛ كــ كتلة بشرية غير أصيلة والمتواجد علىٰ أرض القارة الأوروبية.. وأخص التجمع الإسلامي؛ إذ هو المَعْني في هذه المقالة وهو حديث الساعة.. هذا التجمع بدوره يتفرق إلىٰ قسمين اساسيين كبيرين: تجمع سُني وآخر شيعي؛ والتجمع الإسلامي تحت الفسطاط السُني يتفتت إلىٰ مَن يعطي لنفسه الحق المطلق في أحقيته بالصواب؛ وتخطئه غيره.. فتجد أتباع السلفية؛ بيد أن المرء يحتار في وصفهم: أهم سلفية دعوية؛ أم سلفية علمية؛ أم سلفية جهادية؛ فإذا كانوا مِن الفريق الأول فمَن يدعون(!؟)..
أيدعون سكان القارة الأوروبية ذات الجذور المسيحية؛ وبعض الدول الغربية هنَّ البنات البكر للكنيسة الكاثوليكية.. ثم يتفرق في بلد ما وآخرى يهود.. والملاحظ أنهم -السلفية الدعوية- لم تقم بدورها الدعوي.. ولعل هذا يعود أولاً للضعف الشديد في التحدث بلغة القوم -النمسا؛ فيينا مثالاً- ولعلي لا ابالغ إذا قلت أن 99% مِن القائمين علىٰ المصليات -ولا استخدم كلمة مسجد أو جامع لم يقوموا بدور دعوي؛ إلا تقليدا للكنيسة تحت مسمىٰ الباب المفتوح؛ مرة في العام؛ مع توزيع مطبوعات جاءت مِن خارج القارة.
أما السلفية العلمية فلا تجد له وجود مؤثر؛ مع العلم أن دروس المصليات لا تنقطع.. ولعل هذه الجزئية إشكال آخر.. إذ الجانب العلمي.. واقصد هنا درس تفسير وتأويل القرآن الكريم أو درس متعلق بآيات الأحكام.. أو دراسة السيرة النبوية؛ أو تدريس أحاديث الأحكام.. أو تدريس الصحابيات والصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وما يتم القليل دون الدراسة المنهجية العلمية ذات أسس..
ثم ما يتبقىٰ !؟..
تبقىٰ السلفية الجهادية؛ وهي التي تروق للكثير منهم؛ لدرجة أن آحدهم مما لا يصلح أن يعتلي منبراً قام بالتعرض بشكل عابر في الحديث عن الجهاد في الإسلام فما كان مِن الجهات الأمنية إلا أنها طلبت منه توضيح موقفه؛ ليس اعتقالا ولكن استفساراً !
.. تتبقىٰ أماكن تجمع مَن ينتمي إلى جماعة أو حزب.. أو طرق صوفية أو أماكن تنتمي إلىٰ دولة خارج القارة الأوربية.. إما بالولاء أو الإنتماء أو التمويل المالي.. فتجد النسيج التجمعي غير متجانس؛ بل يرفض بعضه بعضاً؛ ويجاهد بعضه بعضاً؛ بل يعادي بعضه بعضاً!
.. نعود إلىٰ بداية السبعينات [ما يقرب مِن خمسين عاماً]..
أعطت إدارة بيت للطلبة -آفروآسيوي- والقريب مِن مبنىٰ الجامعة في الحي التاسع غرفةً لا تتجاوز 20 مترا مربعاً بجوارها مكان للوضوء في الدور الثاني للطلبة المسلمين؛ والأصل أن يتناوب علىٰ إلقاء خطبة الجمعة الطلبة المسلمين من اصقاع شتىٰ من العالم؛ ويقوم بإمامة صلوات الجمع مَن يسكن في البيت.. بيد أن الحال لم يكن هكذا تماماً.. والمهم هي صلاة الجمعة بخطبتيها.. فكان يتناوب شاب مِن جماعة حزب التحرير والجمعة التي تليها آخر مِن جماعة الإخوان.. واللافت للمشاهدة أنه بعد إنتهاء الخطيب [جميعهم هواة] مِن خطبته بغض الطرف عن محتواها ومناسبتها يبدء صراع(!) وليس نقاش فكري أو فقهي بين الفريقين حول ما استدل به الخطيب الهاوي مِن الجماعة ويفند شاب الحزب خطأه.. والملاحظة أن شاب الحزب كان دائماً متمكناً مِن حسن الرد وتوضيح الحجة؛ ولعل هذا يعود أن أغلب شباب الحزب تعلموا في مدارسهم تعليماً دينياً جيدا مع إحسان استحضار الدليل والحجة.. ثم هناك إضافة إدارية تنظيمية ان شاب الحزب يدرس في حلقات إسبوعية ذات منهاج.. وآخرىٰ شهرية مبادئ الإسلام وعلومه.. وهذه غائبة عند الآخرين..
وهنا يأتي تساءل:
أجهزة الأمن النمساوية.. هل كانت تعلم بوجود هؤلاء!؟..
أم فقط أجهزة أمن دولة أجنبية تهتم بتحرك أمثال هؤلاء على أرضي دولة آخرى.. إذ أن في زمن وتاريخ هذه الأحداث لم يظهر علىٰ السطح أي تحرك أو تنظيم سواهما: أعني حزب التحرير والإخوان!
وهنا البداية التي يجب أن يعاد النظر فيها؛ اقصد تاريخ التواجد الحركي التنظيمي التكتلي لجماعة أو حزب..
«الإخوان» جماعة قديمة، منذ 1928، ورغم تاريخها الطويل لم تحقق حضوراً شعبياً إلا بعد الثورة الإيرانية. فقد كانت الخمينية أول جماعة دينية تصل للحكم في المنطقة في السبعينات. كانت تلك الشرارة التي أطلقت الحركة الخاملة إلىٰ الشارع. قبل ذلك عاشت الإخوانية ضمن أطياف الحياة السياسية في المجتمعات العربية وبقيت، مثل الشيوعية، نخبوية لعقود بلا قاعدة شعبية.
فــ حين غضب نظام عبدالناصر علىٰ الجماعة تفرقوا إما في الخليج أو أوروبا؛ وجهاز الأمن المِصري بعناصره „والواد بليه؛ وصبي العلمه ومطبلاتيه”(*) يراقب عن كثب.. إن لم يكن اخترقها!.. الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وضمن مشروعه التخلص مِن التركة الناصرية الاشتراكية في مِصر، والانفتاح، أطلق سراح المعتقلين بمن فيهم «الإخوان» واليسار. لا أظن(**) أن هدفه بالضرورة كان لضرب الناصرية فقد كانت شبه ميتة، وانحسرت مع نهاية الستينات نتيجة هزيمة 1967. ظنَّ السادات أنه قادر على استئناس الجماعة سياسياً، وسمح لهم بطباعة صحيفتهم ونشاطاتهم. وافق علىٰ عودتهم تحت مسمىٰ الجماعة الإسلامية. وسريعاً ما حاولوا الانقلاب عليه عام 1974، وقتل في هجومهم 17 شخصاً. زعم «الإخوان» أن المنفذين جماعة منفصلة، وتزايدت نشاطاتهم المعادية ضده في الشارع المصري. وفي عام 1981 وصل إلى قناعته الأخيرة، حيث قال السادات: «ليس هناك جماعة إخوان مسلمين وجماعات إسلامية. كلهم واحد». جاء استنتاجه واكتشافه الحقيقة متأخراً، حيث اُغتيل بعدها بفترة قصيرة. خلفه الرئيس حسني مبارك الذي اختار التعايش معهم، ومنحهم هامشاً أكبر، ولم يكن تعاملهم معه بأفضل مِن السادات، وكان يبدو في أعينهم أنه يخشاهم. حاولوا اغتياله مرات. إثيوبيا كانت أبرزها. في عهده أصبحوا أخطر، وتسللوا إلىٰ النظام البيروقراطي مِن داخله، كالبرلمان والتعليم والإعلام والخدمات الاجتماعية والنقابات والاستثمار والبنوك الإسلامية والأعمال الخيرية... الخ. ولم يكن سقوط مبارك في ثورة «الربيع العربي» عام 2011، إلا السطر الأخير فقط من القصة. كانوا قد شوهوا سمعته وحرضوا الرأي العام عليه.. مِصر كانت الساحة الكبرى لـ«الإخوان» في العالم، وتوالدوا مثل الفِطر في كل مكان كتنظيم تحت مسميات مختلفة. انقلبوا علىٰ حكومة الصادق المهدي في السودان، وعلىٰ السلطة الفلسطينية في غزة، وتغلغلوا في الأردن والكويت والسعودية والجزائر وتونس واليمن.
السعودية التي كانت منيعة عليهم، استطاعوا القفز مستخدمين تكتيكاً مختلفاً، جاءوا في ثياب الواعظين، وغيروا المظهر والاسم والرموز. السلفية التقليدية كانت وحيدة في المملكة، مبدأها الدين عبادة، والسياسة للدولة، وولي الأمر مسؤول أمام الله. في السعودية خلعوا البدلة والكرافة، وقدموا أنفسهم بثياب قصيرة ولحى طويلة واسم مختلف، السرورية، ونشطوا في عمق الأرياف السعودية. نجح طروادة السروري أخيراً في الدخول إلىٰ القلعة، تلتها أحداث العنف. لعبة تقسيم الأدوار، ذراع سياسية فكرية وأخرىٰ مسلحة، الحقيقة كلهم الجماعة نفسها كما قال السادات. الجماعة نفسها في النمسا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، حيثما وجدت أرضاً رخوة دخلوها وسيطروا عليها كحركة فاشية تكفر الآخرين، مستخدمة الإسلام والمصحف والنبوة في عزل المسلمين المعتدلين وإلغائهم. «الإخوان» فكرة. الدين والقرآن وسيلة لغاية الوصول إلى السلطة بكل السبل. الإسلام السياسي جماعات دينية متشابهة، وكثيراً ما تكون مترابطة: الخمينية و«القاعدة» و«حزب الله» و«حماس» و«القسام» و«القومية الإسلامية السودانية» و«النهضة» التونسية وغيرها، انتشرت من جاكرتا حتى فيينا. أوروبا هي الحاضنة الكبيرة لهذه الجماعات. الأوروبيون متناقضون يشتكون من الإرهاب «الإسلامي» وفي الوقت نفسه يتركون الجماعات الإسلامية المتطرفة تدرس وتجمع الأموال وتدير الجاليات(!)، وتحصل على الدعم الحكومي في جمعياتها المسماة الخيرية.
النتيجة : التطرف يولد الإرهاب.
بعد اربعين عاما مِن تواجد عناصر للجماعة علىٰ أرض الملكية السعودية قامت هيئة كبار العلماء باستصدار بيان(***) قاس اللهجة ويكاد ينسفها؛ بيد أن التوغل الإخواني في أجهزة الحكم السعودي وصل إلىٰ النخاع؛ وكما نلاحظ ترحيل الكويت لعناصر آخرىٰ إلىٰ مِصر.. والمؤلم حقاً وصدقاً وعدلاً ما آلت إليه حال الجماعة اليوم؛ والمحزن أيضاً توالي الصفعات والضربات لجماعة تخبر عن نفسها أنها دعوية..
نعود لفيينا..
ارادت عناصر الجماعة الابتعاد عن الأفروآسيوي ووجع رأسه مِن شباب حزب التحرير فذهبوا مِن الحي التاسع إلىٰ شقة بالحي السابع ولكن تحت مسمىٰ: „اتحاد الطلبة المسلمين” ؛ واغدق رجال مِن الخليج الأموال عليهم لمساعدة طلبة مسلمين في النمسا لإكمال الدراسة؛ وهذه مسألة مشكوك فيها حيث أن الأموال كان تصرف علىٰ المقربين؛ وآحدهم أخذ مالاً لشراء صفقة خشب مِن أموال „اتحاد الطلبة” وفي نيته ردها -والعهدة على الراوي منهم- وزميل دراسة أخذ شقة من شققهم للسكنى ووزجته.. وهذا الظاهر.. وما تم هذا الإسبوع يخبر عن أمور آخرىٰ خفية مشبوهة.. ثم بعد حين قُرر غلق مصلىٰ الحي السابع؛ حيث تمكن طرف مِن الجماعة -سوري المنشأ- مِن استئجار مصلىٰ أكبر بالحي الثاني؛ وقد تقرر إغلاق مصلى الحي السابع.. فتقدم مجهول الهوية لعرض فكرة الإبقاء على فتح المسجد وكانت كلمته: «مِن بيع الجبن والزيتون نتمكن من دفع إيجار مصلى الحي السابع»؛ وهذا المجهول ادعىٰ أنه من جماعة جهادية؛ وكان لها رونق بين السامعين؛ خاصة جهاد العدو الأحمر في افغانستان برضا خليجي/مِصري - سوري بتمويل مالي وبشري؛ وكانت تقلع طائرات من مطارات خليجية لإنزال المجاهدين في أفغانستان.. وهذا مجهول الهوية كان يطبع مطبوعة تحت مسمى:„الكلمة الطيبة” في أفغانستان وتأتيه بالبريد إلىٰ النمسا؛ وتجرأ في نقد الجماعة وكذلك نسف أفكار الحزب في سلسلة مقالات.. ولا أدري أمن أجتهاده -وهذا مشكوك فيه- أم من جهة آخرى يتبعها؛ تموله وتساعده وتكتب له؛ ولعل الإجابة تجدها عند المخابرات المِصرية؛ والأصل أن تلك الملفات تظهر للعلن بعد مرور تلك السنين.. واللافت للإنتباه في نهاية الثمانيات جرت تمثيلية لإنتخاب مجلس إدارة واستحضر من إيطاليا أتباع له ليصوتوا لصالح الفريق الذي يريده أن يتولىٰ الإدارة!
الثابت : استغلال بسطاء جهلة للقيام بأمور تنظيمية؛ ولكن هذا لا يعفيهم من المحاسبة القانونية.. إن أجرموا!
هنا نثبت طرف زائد بجوار الإخوان والحزب والصوفية؛ وهو مَن يمثل التيار الجهادي(!)؛ وبدأت يعلو صوت السلفية.. سواء بشكل رسمي-مسجد سعودي- أو بشكل أهلي -مصلىٰ تابع-وهذا ليس من باب التنوع بل من باب التعارض!
وابن هذا المجهول هو مَن أحرق جوازه النمساوي في تركيا!.. ولا عقوبة على ذلك؛ كما صرح متحدث باسم الخارجية!
ويظهر لي أن جهات بعينها خلف هذا التقسيم أو التجيش أو تفتيت عضد الناس؛ وليس فقط تشتيت الأمة!
الوباء الذي عانت منه بلدان عربية إنتقل كالعدوي إلى بلاد الغرب!
فهل هذا كان اسلوب لتفريغ الشحن الغضبية(!) داخل نفوس شباب تربىٰ علىٰ افكار ابن تيمية فعبدالوهاب فالمودودي فقطب؛ دون النظر إلى ما بعد إنتهاء تلك الغزوة المباركة للقضاء علىٰ الشيوعية.. أم أنها طريقة مرحلية.. بمعنىٰ يوجد مخطط عام -وليس مؤامرة- لتفريغ شحنات بشكل متتالٍ..
تظل هذه المسألة تحتاج إلى إعادة نظر.. وبحث وليس مجرد مقال!. وكنت قد طالبتُ بكتابة تاريخ التواجد المِصري داخل النمسا-مثالا- وأوربا عموماً؛ وكنتُ اتمنى أن يتم التعاون مع الجهات الرسمية بهذا الصدد.(!!؟)
إذاً فُتح مصلىٰ جديد في الحي الثاني؛ فاصبح لدىٰ الغريب المقيم المهاجر -مسلمي مدينة فيينا- في بداية الثمانينات:
1.] غرفة الآفروآسيوي بالحي التاسع؛ وأصبحت خالصة لشباب حزب التحرير؛ ثم بعد ذلك جرى إبعاده عنها!
2.] مصلىٰ الهداية بالحي الثاني: إدارة الإخوان؛ ثم حدث خلاف وتضاد ففتح مصلىٰ الشورىٰ
3.] مصلىٰ الحي السابع تحت مسمى جديد :" مسجد الصحابة" إدارة مَن أدعى أنه من جماعة الجهاد..
لا ننسى:
4.] غرفة رئيسة -القاعة الكبرى- بالنادي المصري؛ وهذا المكان يتولىٰ الصرف المالي عليه الحكومة المِصرية..
جدير بالذكر أن الدكتور الوالد محمد فريد سليمان -رحمة الله تعالىٰ عليه وأغمده برضوانه واسكنه جنانه- استضاف د. عمرعبدالعزيز؛ وكان موضوع الدكتوراة متعلق بالصوفية -كما أُخبرت-؛ فتمت مناقشة حادة علمية بالأدلة بينه وبين مَن ينتمي للتيار الصوفي وغُلب الأخير فطرد مِن قاعة صلاة الجمعة بالنادي وافتتح مصلىٰ أمام المستشفىٰ العام الفييناوي ...
5.] يقترب منه -النادي المصري- قاعة بالبعثة التعليمية المِصرية والتي تتولىٰ الإشراف علىٰ المبتعثين المِصريين ومَن هم تحت الإشراف العلمي.
ثم بعد قليل لم يتفق بائع الجبن والزيتون مع آحدهم؛ واختلف معه ففارقه وأفتتح :
6.] "مسجد ابن تيمية".. وهذا اتجاه سلفي؛ وفق التقسيم الجديد القديم للحركة التنظيمية التكتلية؛ وقيل(!) أنه يتلقىٰ دعماً مالياً لدفع الإيجار من الملكية السعودية -الرابطة-(!)
مع وجود الشكل التقليدي والصورة النمطية لمسجد:
7.] المسجد السعودي؛ والمعروف أن ارضه هدية مِن الحكومة النمساوية زمن المستشار د. برونو كرايسكي؛ اعترافاً بجميل دول الخليج في بناء مبان الأمم المتحدة كمقر لها..
« „ فوضىٰ فتح المصليات ” » :
غابت الهيئة الإسلاميةIGGÖ - Islamische Glaubensgemeinschaft in Österreich- عن تنظيم حركة المسلمين في النمسا؛ وهم الذين يجب أن تتولىٰ رعاية كافة مصالحهم.. الشعائرية [ليس فقط المصليات بل أيضا الحج والعمرة؛ وقد طالبتُ بنفسي هذا مِن أستاذي بروفيسور أنس الشقفة؛ ولعل يتم التنسيق إثناء وبعد وباء كورونا بين وزارة الحج والهيئة ومن سُمح لهم بتنظيم الحج والعمرة].. وكذا تنظيم المصالح الإجتماعية.. الاقتصادية.. الثقافية.. التعليمية.. وهي هيئة رسمية معتمدة مِن قِبل الحكومة النمساوية.. بل أخفقت عن القيام بدورها؛ واكتفت -تفاخراً- بأن تحت يدها ما يقترب من 500 مدرس لتعليم مادة الدين الإسلامي في المدارس الحكومية الرسمية.. وتخاذلها عن دورها هذا يعود لتعارض القوانين واللوائح الرسمية المعمول بها داخل الدولة النمساوية؛ وعدم حبك النشاط الإسلامي.. فمِن بابٍ : الدولة تبيح إنشاء إتحاد أو جماعة تحت أي مسمىٰ كان؛ ويحق له -الاتحاد- مزاولة نشاطه؛ سواء ثقافي أو رياضي أو ما يشابه ذلك؛ ولعل هذا كان الباب الخلفي الذي نشأ علىٰ اساسه القانوني العديد مِن الإتحادات علىٰ أرض النمسا؛ فاليافطة العريضة - Verein ~ اتحاد- ثقافي/لُغوي أو قومي-وطني.. ومن هنا بدأت الفوضى.. تقدم الصفوف مَن هو محب للدين؛ أو بتعبير أدق مسلم بحكم المولد؛ وشهادة ميلاده؛ وليس مسلم بناءً علىٰ التربية والتعليم والثقافة؛ فظهر على السطح: „هواة المنابر” .. هنا حاولت مشيخة الأزهر وتدخلت في سد فجوة في البناء دون دراسة الظاهرة؛ فكانت ترسل بعثة رمضان الأزهرية شهر هجري في العام مقرئ وواعظ.. ثم أرسلت آحد خريجي الأزهر -الثانوية الأزهرية- الشيخ/محمد الأباصيري؛ وتلقىٰ قبولا طيباً وسط المتدينين؛ خاصةً؛ وانتهت مدته وجاء آخر وخرج عن بيت الطاعة والجميع يعلمونه..
ثم أنشأت مصليات مِن أناس محبين للتدين دون علم أو وعي.. والقانون في النمسا يحمي الجميع..
يتبقى إعادة النظر؛ وهذه الإعادة لا تصح أن تكون من طرف واحد؛ أعني الحكومة.. بل لابد من مشاورة أهل العلم الشرعي وأصحاب الخبرة العملية؛ ويشترك عدم إيجاد بقعة حبر أسود على دشداشته(!)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مصطلحات وتعبيرات استخدمت في أماكن تواجد تلك العناصر.. وهي مستخدمة في الشارع المِصري بالأحياء الشعبية؛ وباللهجة العامية!
(**) الحياة بلا «إخوان»؛ الأربعاء - 2 شهر ربيع الثاني 1442 هـ - 18 نوفمبر 2020 مـ رقم العدد [15331] ؛ عبدالرحمن الراشد؛ جريدة الشرق الأوسط.
(***) „ ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلىٰ الحكم.. ”، مقطع من بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الصادر بتاريخ الثلاثاء: 10 نوفمبر 2020م.
وجاء في نص بيان هيئة كبار العلماء في السعودية ما يلي: « „ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين... أما بعد: فإن الله تعالى أمر بالاجتماع على الحق ونهى عن التفرق والاختلاف قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)، وأمر العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن السبل التي تصرف عن الحق، فقال سبحانه: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). وإنما يكون اتباع صراط الله المستقيم بالاعتصام بكتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنّ مِن السبل التي نهى الله –تعالى- عن اتباعها المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، فقد ثبت من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً بيده ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [رواه الإمام أحمد]. قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- في قوله –تعالى-: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله: (أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ونحو هذا في القرآن: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله. والاعتصام بكتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو سبيل إرضاء الله وأساس اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والوقاية من الشرور والفتن، قال -تعالى-: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون). فعُلم من هذا، أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة، وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئا بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادا مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم. ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها، والله نسأل أن يحفظنا جميعا من كل شر وفتنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ” » . ولم توضح الهيئة السعودية سبب إصدار هذا البيان. :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
18 نوفمبر 2020م
الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

الغريب(*) المقيم.. لكنه مهاجر(**)
-**-

الجيل الأول(***) الذي حضر إلىٰ أوروبا لتحسين أحواله المعيشية؛ هرباً مِن فقر بلادٍ غنية؛ لكن مَن يسكنها يشعر الفاقة والعوز.. فيغادرها غير مأسوف علىٰ رحيله منها؛ وفي أول فرصة يتنازل عن جنسية ألصقت به كلون جلده ويلقيها خلف ظهره؛ ليحمل جنسية آخرىٰ يحوطها بعض العثرات..
هذا الجيل -أقصد الجيل الأول الذي حضر إلىٰ بلاد الغرب- يعلن رفضه لما يَحدث في بلاد المنشأ ومزمجراً لما يجري في موضع مسقط رأسه.. وهو يعيش في ملاذٍ أمن في بلاد الإستضافة.. ويقوم بالتنديد ويرتفع صوته بالشجب وتنقطع أحبال صوته بالاعتراض ويُجيش مَن هو قريب منه بالتحريض؛ وفي نفس اللحظة وفي الوطن البديل يعلن رضوخه للأوامر العليا(!)؛ وقبوله بمبادئ الديموقراطية - ولو ظاهرياً -؛ بما فيها مِن حقه الأصيل في حرية التعبير؛ وحقه المكتسب مِن النظام القائم في الغرب في حرية الرأي؛ وينادي بالحرية الشخصية.. وهذه الثلاثة مُنع منها في بلد المنشأ؛ وأرض مسقط رأسه.. هذه الحريات الثلاث بالذات لفئة ما بعينها يرفضها فيعترض علىٰ حرية تعبير ابن له؛ وحرية الرأي عند جاره؛ والحرية الشخصية [مثلا: لباس المرأة] إذا مست ما عنده وفق منظومة مِن الأفكار ومجموعة مِن القيم وكتلة مِن المقاييس وحزمة مِن القناعات.. وفي جانب مِن حياته يمارس أعماله وفق الرأسمالية الغربية المعمول بها في طول القارة وعرضها.. ويُحصّل معونات إجتماعية وبدل بطالة عن العمل مِن دافعي الضرائب؛ ضمن غطاء الضمان الأمني الإجتماعي؛ وإن كان مَن يدفع المال له محل لبيع الخمور؛ أو بائعات الهوى.. وهذا الرضوخ وهذا الاستسلام نتيجة حتمية: أما لطريقة تربيته في تربة غير ديموقراطية لسنوات زهرة شبابه؛ وترعرع في بيئة سلطوية؛ وعاش في مناخ عام ذكوري قمعي؛ والمثل الشعبي مِن جنوب مِصر الصعيد يُعلنها صراحةً: „ إللي يأكل لقمتي .. يسمع كلمتي ” .. أو مجاراة لما هو سائد في المجتمع الغربي مِن تحصيل منافع يقرها القانون العام للبلاد (إلا مَن رحم)..
وعليه.. فلا تجد أي أحد مِن أفراد الجيل الأول الذي حَضرَ إلىٰ أوروبا؛ خاصةً في وسط السبعينات مِن القرن المنصرم؛ يقوم بعمليات إرهابية أو إنتحارية أو تخريبية؛ أو عنف.. إلا مع ذويه المقربيين.. كالزوجة أو الإبنة المتحررة أو الولد العاق.. بل يكتفي بالشجب والرفض والتنديد والاعتراض؛ وإظهار الكراهية.. يصاحب هذا علو الصوت في المنتديات أو التجمعات أو منصات التواصل الإجتماعي.. مع إستخدام اقذر اللفاظ وأوسخ(!) التعبيرات؛ أو يعبر بعمليات انتقامية غير منظورة الآثار.. ومَن يتمكن مِن التسرب إلىٰ إعتلاء منبر مصلىٰ يُخرج ما في باطنه مِن قهر تربىٰ عليه ويتقئ رغاوي ومظاهر تسلط أُرغم تحت ظلاله علىٰ العيش فيه؛ وهذا يعود لشدة القبضة الأمنية في بلاد المنشأ؛ والتي يحكمها فرد.. ويساق المعترض إلىٰ حظيرة التعذيب؛ ومن يُخشىٰ منه يصفىٰ جسدياً والمثل السائد -عندهم- يقول: „اضرب المربوط يخاف السائب”.. لذا وجدت الكراهية لــ بلاد المنشأ وهو يعيش في ملاذ آمن؛ ووجدت كراهية الجيش والشرطة؛ ومَن يُحسب علىٰ النظام(!) القائم أو يؤيده..
مَن تربىٰ في هذه التربة القمعية.. وهذا المناخ التسلطي.. وتلك البيئة التي لا تعرف للإنسان حقوقاً.. يرغب في لعب نفس الدور الذكوري -انتقاماً- الذي مُرِس عليه في طفولته.. وتسيّد علىٰ عدة جوانب مفصلية في مرحلة طفولته وبناء الشخصية زمن صباه وبناء العقلية أيام شبابه.. وهنا يجب استحضار اسلوب تربية: „ الأغا ” وقد تمت بالفعل لشريحة عريضة مِن التجمع الريفي.. لمن تحت يديه مِن عمال السُخرة وعمال التراحيل..
يكفي مثالاً :
الأم التي تضرب وحيدتها ضرب الإبل لخطأ بسيط؛ أو الأب الذي يضربها لأنها ولدت منه أنثىٰ.. هذا الأب وتلك الأم تربا في تربتهما الأصلية الذكورية والتي ضُرب الإثنان -الأب والأم- بــ رِجل كرسي.. وتعودا في بيئتهما ومناخهما علىٰ الضرب والإهانة والشتم والسب.. مما جعل طفلة -ولدت في أوروبا- تطلب أن تبدل والديها وتذهب إلىٰ بيت رعايا الأطفال ثم تعامل معاملة غير حسنة فترغب في العودة مرة ثانية لتربتها الأولىٰ.. أو ضرب الزوجة.. وإن كانت حامل في شهرها الأخير.. وأهانتها وسبها ولعنها..
وهذه ليست حالة فردية بل تعددت .. وقد قَدِمَ الجيل الأول مِن العديد من المناطق.. كمِصر.. العراق. سوريا..
في المقابل تجد ثلة آخرىٰ أو قلة أخذت محاسن تلك التربة التي غُرس فيها منذ تشكيله في رحم أمه وأخذ محاسن البيئة التي تربىٰ عليها في طفولته فصباه فشبابه؛ وأخذ محاسن المناخ العام الذي سيطر علىٰ عواطف طفولته ومشاعر صباه فشبابه.. فصار يملك نفسية مغايرة للأول وأيضاً عقلية.. وحين جاء إلىٰ أوروبا -كعادته- أخذ محاسن ما عندهم مِن تلك التربة والبيئة والمناخ؛ بيد أن هناك شراذم انحرفت عن المحاسن وعاشت علىٰ المنافع التي تقدم من خلال النظام العام الإجتماعي؛ الثلة الأولىٰ قدمت خدمات في مجالها العلمي أو العملي؛ أما الشراذم انتفعت مِن الخدمات الإجتماعية دون تقديم خدمات..
فحدث فجوة عميقة بين شارعين في نفس التجمع السكاني.. يلاحظ في الحي الثاني عشر الفييناوي.
إشكال البحث عندي: أنها حالات فردية(!)؛ بيد أنها تعطي انطباعاً عاماً عن منطقة بعينها؛ أو طريقة تربية معينة!.. أو تنقل حال بيئة وواقع مَن تربىٰ في تربة ومناخ بعينه..
أوضح هذه الجزئية :
الجيل الأول -في الغرب- في حالات تشبه ندرة الكبريت الأحمر قام بأعمال تصفية جسدية أو إبعاد روح عن جسد؛ ظناً أن -التصفيةأو الإبعاد- الوسيلة -الطريقة- لتطهير ذلك جسد؛ وأيضاً الشرف الذي تلوث بعلاقة خارج تقاليد أو شرع أو ما تفاهم عليه أو ما اتفق عليه الجيل الأول في تربته الأصلية ومناخه العام وبيئته الأصلية الذي عاش فيهم -التربة والمناخ والبيئة- طوال سنوات طفولته وأيام صباه وسنين شبابه..
وهنا أعود مرة ثانية إلىٰ ما يسمىٰ بالحرية الشخصية أو حرية الرأي أو حرية التعبير.. فينهي حياة ابنته دفاعاً عن الشرف إذ أنها خلعت ملابسها الداخلية أمام ذكر -لا يُعتبر في نظر الجيل الأول رجلا- حتىٰ وإن تم شرعاً وفق ما تعارف عندهم.. وهذه معضلة من معضلات قضية الاندماج؛ وهي لن تحل!.. للفارق بين الثرىٰ والثريا عند نفس المجموعة التي تحمل الحرية الشخصية وحرية التعبير والرأي من الجيل الأول وعند السكان الأصليين في الغرب..
لا يُفهم مِن كلام كاتب هذه السطور أنه يبيح حرية شخصية ما أو يحرمها.. فالبحث هنا ليس العثور علىٰ فتوىٰ شرعية بل بحث إجتماعي لتجمعٍ ما آتىٰ مِن بلد ما أقدام هذا التجمع في مكان ما في بلاد الغرب.. وما زال بؤرة الشعور ومركز الإحساس في بلد المنشأ..
آتي بمثالٍ خارج حدود القارة الأوربية: الشابة الأردنية التي تزوجت شرعاً -وفق الكتاب والسنة.. ولكن خارج رغبة الأسرة والتقاليد والأعراف- بشاب مِصري -غريب.. مهاجر يعمل : „Gastarbeiter” في نفس المصلحة التي تعمل فيها الشابة- دون موافقة الأسرة؛ وحملت منه شرعاً وأرادت وفق التقاليد السائدة في تلك التربة وأعراف تلك البيئة والمناخ العام أن تضع مولودها الأول في بيت أمها؛ فاتفق الأب مع الأخ الأكبر علىٰ تصفيتها؛ وتطهير الجسد مِن تلك الواقعة.. وإزهاق روح الجنين الذي سوف يولد علىٰ تلك التربة.. وسوف يتربىٰ في تلك البيئة وسوف يترعرع في ذلك المناخ.. وليس وفقاً لتعاليم تلك البيئة والتربة والمناخ؛ وهذا الجنين ليس له ذنب سوىٰ أنه تم تخصيب بيوضة أمه -شرعاً- مِن مني رجل لم يتم الموافقة علىٰ تلك الزيجة الشرعية وفق هذه التربة وذلك المناخ وتلك البيئة والعادات والتقاليد والأعراف.. فصُفيَّ الجنين في رحم أمه؛ كما صُفيت الأم -الإبنة- الزوجة -شرعاً- علىٰ يد إخيها.. وهو ما يطلق عليه : „جريمة شرف” .. وحدث مثل هذا في ألمانيا.. والكاتب هنا لا يبرر أو يُجرم ولكن ينقل واقعاً .. ويسعى إلى تلمس مخرجاً..
اقول: هنا تكمن المشكلة.. وتستعصي المعضلة علىٰ الحل!.
وحين ننتقل إلىٰ القارة الأوربية تستفحل المشكلة .. وتتضخم المعضلة!
فما زال الجيل الأول الذي أقترب مِن الإنقراض علىٰ الساحة الأوروبية يبث تلك الأفكار وينشر تلك القيم ويؤسس لتلك المقاييس ويحاول حماية تلك القناعات.. والتي تربى عليها في زهرة شبابه..
يقول قائل لي : بل هي مقاييس وقناعات وقيم إسلامية..!
وأعود لأركز على أنني لا أبحث هنا مسألة عقدية إيمانية.. بل البحث يدور حول قناعات غربية ومقاييس أوروبية وقيم ديموقراطية في بلاد غير إسلامية!.. ووجود وعيش آحدهم في تلك البلاد.. وإختلاف الواقع من مكان لآخر وحيثيات المسألة يستلزم إعادة الإجتهاد لإستصدار فتوىٰ.. وهذا ليس دوري الأن!
وآتي بأبسط مثال داخل القارة الأوربية؛ وتحديداً فيينا:
في آحدىٰ مدارس التعليم الإلزامي بعاصمة جمهورية النمسا؛ عضو الاتحاد الأوربي؛ ذهبت التلميذة إلىٰ أمها بعد انتهاء الدوام الدراسي لتخبرها أن تعلمت اليوم في مادة العلوم(!) - Sachunterricht - الأعضاء الحيوية داخل جسد الإنسان؛ ومنها أعضاء تناسل كل مِن الذكر والأنثىٰ؛ دون تفصيل.. فارادت الأم أن تَرىٰ الكتاب المدرسي المعتمد مِن وزارة التربية والتعليم النمساوية؛ فرأت صورة مرسومة باليد لأنثىٰ عارية وذكر عار -غير واضحة المعالم- فما كان منها إلا أنها غطت الصورة الأولىٰ في ثلاثة مواضع -موضعان عند الصدر.. وموضع بين الفخذين- والصورة الثانية في موضع واحد.. حمايةً لأبنتها!.. الحدث لم ينتهِ.. ذهبت الطالبة في غَدها إلىٰ مدرستها.. وعلمت المُدرسة بما جرىٰ في البيت -المحافظ- فما كان مِن المُدَرِسة النمساوية إلا أنها اعطت الطالبة صورة بالألوان حقيقية عارية لأنثىٰ مكتملة ولذكر مكتمل.
هذا المثال.. مثال تربوي.. تعليمي.. تثقيفي معتمد مِن وزارة تعليمية تربوية وليس مكان لبائعات الهوى.. لكن التربة والبيئة والمناخ الذي تربت فيه الأم؛ وحماية لأبنتها رفضت هذا الإسلوب التربوي التعليمي التثقيفي.. وإن كان مادة علمية..
يقاربه مثال آخر: في المرحلة الإلزامية وقبيل سن بلوغ الطفلة مبلغ النساء والطفل مبلغ الرجال.. تم داخل الصف الدراسي تعليم كيفية إخصاب بيوضة أنثىٰ..
فكانت الإجابة مِن آحداهن تبين أنه يتم بمجرد لمس يد أنثىٰ مِن ذكر!.. الإجابة جاءت مِن فتاة صربية.. فتجرأت فتاة مِصرية وتشجعت علىٰ تأكيد هذه الواقعة.. كما أخبرتهما أم كلا الفتاتين..
وعلى الصعيد الشخصي ومع افراد عائلتي -الدرجة الثانية-؛ وإثناء زيارة رمضانية قبل وباء كورونا.. نبهتني أم البنات قُبيل التحية والسلام وأنا مازلت واقفاً على بالباب.. وموجهـة حديثها ومصوبة نظراتها لــ بناتها قائلة:"أحنا ماعندناش : „ بوس ”.. ".. وتقبيل الصغار.. هو اسلوب في ترحاب كبير العائلة بصغيرها .. ولم أتمكن مِن تبرئة ساحتي بأنني لست كما وصفت سيدة مِن مدينة جراتس اتهمت نبي الإسلام حين تزوج بإبنة صديقه وهي في التاسعة(!) مِن عمرها -Sexueller Kindesmissbrauch - - Pädophilie - وحُكِمت بسجن مع وقف التنفيذ وغرامة.. أو ما يوجد في الحياة العامة مِن استغلال الأطفال جنسيا مِن خلال الكهنة أو أصحاب الأمراض النفسية..
وفي قاع المجتمع سبَّ مَن أحرق جواز السفر النمساوي في تركيا -المولود في النمسا- معلمَتَه داخل الصف الدراسي مما أضحك بقية زملائه؛ إذ شتم أمها بعضوها التناسلي؛ وفي التجمعات الدنيئة الوضيعة يوصف بلون أحمر؛ فكان مِن مديرةٍ أن طلبت مني -شخصياً- ترجمة هذه السُبة؛ وأحسستُ أنها خرجت مِن مِصري ولأني مِن أصول مِصرية رفضتُ الترجمة معللاً أن تربيتي وثقافتي ودرجتي العلمية تمنعني مِن ترجمة هذه الشتمة؛ كي أظهر لها مستوىٰ إجتماعي معين عن مستوىٰ آخر.. ولعل المديرة قد أُحرجت إذ أنها نطقتها بالعامية المِصرية؛ كما ينطقها سفلة المجتمع.. وإني أعلم العامية والفصحىٰ..
وهنا تظهر الهويات الثقافية التي يتشكل منها المحيط المشترك.. وينبغي بل يجب أولاً التعريف بهذه الهويات، وسياق نشأتها التاريخي، والإسهام المشترك في صياغة هويتها الثقافية، وصولاً للبحث عن المشترك بين الهويات. وإن كانت تظهر أنها مختلفة حين وأحياناً متعارضة...
ونتساءل : هل يمكن مِن رسم صورة حقيقية لمجتمع متعدد متنوع في الهويات والأصول والأعراق تحت ظل قانون واحد ودستور واحد!؟..
إذاً هنا وهناك بحكم التربة التي زرع فيها النشأ والبيئة والمناخ العام تصدر اقوال أو تصرفات وأفعال..
وهنا تطفو علىٰ السطح هوية تتصادم مع هوية آخرىٰ.. أو هويات.. في المجتمع الواحد قد يوجد عدة هويات؛ هوية تنتمي إلى الدين بشكله التقليدي الوراثي؛ أو هوية تنتمي إلىٰ دين بصورته التعبدية الموسمية؛ أو هوية تنتمي إلىٰ الدين وفق عقلية تنويرية.. تفهم النص وتتعامل مع الواقع الجديد برؤية صحيحة..
فيجب القيام بدراسات ميدانية مِن كلا الطرفين تتقصىٰ المجموعات السكانية التي هاجرت مِن الجنوب -بما فيه- إلى الشمال -أيضا بما فيه-.. وتقابلنا قضية :" الهجرة والاستيطان "... ودور الهجرات في صياغة التحولات بشأن الهوية واللغة والدين... بل والحياة العامة وما يظهر علىٰ سطح المجتمع مِن أطعمة وألبسة وحتىٰ صور الاحتفال بعرس أو مأتم..
والسؤال: الجيل الأول تربىٰ فـي:
1.] التربة
2.] البيئة
3.] المناخ؛ والتي تخالف ما هو موجود عند موضع قدميه!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مازال في الذاكرة الجمعية مصطلح: „ الضيف العامل ”. : „Gastarbeiter” إذ أن جيل الحرب العالمية الثانية ما زال علىٰ قيد الحياة؛ والمصطلح نادرا ما يستخدم في وسائل الإعلام؛ بيد أنه له ظلال سلبية علىٰ المجتمع الأوروبي عامةً ومجتمع ألمانيا.. النمسا.. فرنسا خاصةً؛ مع ملاحظة أن تم استقبال العامل التركي الذي لا يحسن القراءة والكتابة -شرط في العقد- في محطة قطار فرانكفورت بالزهور من سيدات المانيا؛ وبالورود من نساء فرانكفورت... وهنا هل يمكننا الحديث عن :" ذاكرة مشتركة مع الآخر".. فالبحث «عن ذاكرة مشتركة مع الآخر؛ ذاكرة تؤسس لفهم أوسع، واشتباك أعمق، وانزياح نحو (الأنا) في ذاتها وذوبانها، مذهبها ودينها، إيمانها وكفرها، حقها وحقوقها، ما لها وما عليها». وهذه الصورة الزاهية قد لا تصمد إذا تعرضت لامتحان انفجار الهويات، إذ: «لا يوجد شيء يصمد أمام انفجار الهويات، ويكفي النظر إلى كتب التاريخ لتبيان حجم القتل والاضطهاد بداعي اختلاف الهويات، والمفاضلة بينها علىٰ كل المستويات». و: «منذ اشتغال التخيّل عند الإنسان، وضمن صراعه للبقاء، أضحىٰ الآخر المختلف عن الجماعة شخصاً خارجاً عنها يجب إخضاعه لها، وإلا يُطرد أو يُقتل. وهكذا، سارت الحضارات القديمة في بناء ذاتها، فهي إما ثمرة النزعة العدمية والميتافيزيقية، أو ثمرة مصالح المجتمع الزراعي الأول. وهكذا، سارت بأممها نحو مسارات لفهم ذاتها وفهم محيطها. وهذا أدىٰ إلىٰ حروب بشعة وتمثيل بالآخر المختلِف». [حديث مع «الشرق الأوسط» لفريد رمضان؛ بحريني]".
(**) محاولة لإعادة قراءة المشهد منذ ما يقرب من أربعين عاماً.. بحيادية تامة مع الخروج من الإطار وليس من داخل الإطار؛ وإن كان هذا صعباً لحد ما؛ وهي محاولة لنقد الذات؛ وليس من باب جلد الذات أو هدم الذات؛ واعادة النظرٰ ولست مَن يدعي إني وضَّبتُ حال أو واقع برمته؛ وإن كنتُ قد كلفت ذات مرة..!
(***) „الجيل الأول”: تعبير أو مصطلح غير منضبط؛ إذ الأفراد الذين جاءوا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية لإعادة تعمير وإنشاء وبناء أوروبا وفق خطة مارشال -الجنرال؛ ووزير خارجية أمريكي- يصدق عليهم هذا الوصف: „الجيل الأول” : لكن هناك موجات مِن الهجرة وبأعداد إلىٰ أوروبا خاصة بعد اجتياج العراق/صدام للكويت.. وهم طبقة العمال غير مدربين والفلاحين!.. اضف من جاء من مناطق متنازع عليها وبها حروب: كــ : فلسطين؛ أفغانستان؛ باكستان؛ العراق؛ اليمن؛ سوريا.. ومن يريد الهجرة إلىٰ الشمال لتحسين حياته المعيشية..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ؛ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ؛ بِـمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-
08 نوفمبر 2020م)

المصطلح :
« „المجاهد” » : « „المهاجر” » :

بناءً علىٰ الضعف الشديد الذي طرأ علىٰ الأذهان عند المسلمين في فهم الإسلام.. وبناءً علىٰ الاخفاق في إنزال أحكام الإسلام علىٰ الواقع الحالي المعاش.. وبناءً علىٰ صعوبة البعض في التعايش مع الأنظمة السائدة.. وبناءً علىٰ التزاوج الفاسد بين مفاهيم بعينها ومفاهيم آخرىٰ تخالفها.. وبناءً علىٰ غياب كيان نموذجي صالح وفق نظرية البعض للحياة يعيش فيه أُناس فقدوا الأمل في غدٍ مشرق وفق مجموعتهم الخاصة مِن الأفكار وحزمة المفاهيم وكتلة القناعات والقيم؛ وكلها -حالياً- نظريات واقوال سُطرت في بطون الكتب؛ ودفنت في تراث الأجداد؛ وبناءً علىٰ الإخفاق المروع في إيجاد ما تصور في الذهن مِن قِبل فرق وجماعات علىٰ ارض الواقع المعاش دون الفهم الفقهي الصحيح والوعي السليم بسيرة القدوة الحسنة -عليه السلام- والقفز السريع فوق مراحل ومفاصل العهد المكي مِن السيرة العطرة.. وإسقاط عن قصد فكرة طلب النصرة مِن أهل المنعة والقوة.. يرافق هذا كله ضعف في استيعاب الحياة السياسية اليومية الحالية والقوىٰ الفاعلة علىٰ الساحة الدولية وحسن قياس ميزان القوىٰ والمسيطرة والمهيمنة علىٰ الساحة العالمية -أو مايسمى بالمبدأ المسيطر والفاعل في السياسة العالمية- ووقوع الكثير مِن تلك الفرق والأفراد في تنفيذ مخطط الغير دون إدراك.. -كما أظهرت وثائق- أو التعاون والعمل معهم.. وبناءً علىٰ الفصل بين المؤسسة الدينية الرسمية -الكهنوتية(!)- وبين قضايا الناس المصيرية ومسائل المجتمع الحياتية..
بناءً علىٰ هذه العوامل.. -وهناك غيرها- تأكلت مصطلحات إسلامية كانت تؤثر في الحياة اليومية زمن وجود كيان إسلامي نافذ وفاعل يحمي تلك المصطلحات؛ بعد تأصيلها وبنائها علىٰ قواعد متينة.. إذ كانت تلك المصطلحات نتيجة مفاهيم تؤثر علىٰ السلوك الإنساني الظاهر للعيان في منطقة جغرافية لهذا الكيان؛ وهنا لا أتكلم عن البحث عن النية أو ما خفي.. وكانت تلك المصطلحات تنبثق مِن قيم تراعي الناحية البشرية إثناء المعاملات وفق وجهة نظر بعينها في الحياة؛ وكانت تلك المصطلحات تبنىٰ علىٰ قناعة عقلية توافق عقيدة صالحة للإنسان تُجيب علىٰ جميع أسئلته.. فتقنع العقل وتطمئن القلب فترتاح النفس.. هذه القناعة تحث صاحبها علىٰ اتخاذ خطواط عملية إيجابية بعينها إثناء نهاره مع الآخر؛ فحين غابت تلك المصطلحات عن الحياة لمن يعيشون داخل دائرة التدين الإسلامي(!) ولم يعد لها وجود حقيقي في ذهن المسلم ولا وجود مؤثر علىٰ ارض الواقع المعاش؛ وتلاشت مِن الاستخدام اليومي وغاب عنها معناها الفقهي الفهمي الاستيعابي التعاملي وبقي عند البعض استخدامها لفظياً؛ فما زال البعض هناك يعيشــون علىٰ أمجاد الماضي وما زال البعض يسترضع مِن التراث؛ ويتغنىٰ بأمجاد مَن سلف؛ دون النظر لحاله.. يقابل ذلك عند البعض الآخر ما اطلق علىٰ هذا التراث مسمىٰ الكُتب الصفراء لقدمها.. وتسفيه المطلع عليها..
وقيام كيان وانحدار آخر لعل هذا مِن سنن الحياة الآدمية: اي التغيير المستمر والدائم والتحول مِن شكل مدني إلىٰ آخر؛ وسقوط دولة وضياع إمبراطورية.. والإنتقال مِن وسيلة عفىٰ عليها الزمان (الجمل.. الحصان) لوسيلة آخرىٰ حديثة (طائرة)..
مثال المصطلحات في :

1.] المجال العقدي:
صارت قضية تقسيم الناس إلىٰ أهل إيمان وأهل كفر.. وتقسيم الدار إلى دار إسلام.. ودار حرب صارت هذه التقسيمات لا تستخدم؛ فخرج مِن داخل الآزهر مَن يقول بأن :" كل مَن يؤمن بإله فهو مؤمن"؛ وخرج مِن تحت عباءة الأزهر آحدهم يدمر فكرة دولة الخلافة ودار أمير المؤمنين؛ ويقابله مَن يرفع شعار السيف والقرآن.. في زمن استخدام الصارخ والطائرة النفاثة..
ثم صارت مصطلحات: مشرك.. كافر.. منافق.. زنديق.. عابد وثن.. مَن يقدس صنم.. مَن يقدس حيوان.. شمس.. قمر.. نار.. تلك المصطلحات غابت عن الحضور في إثناء الحديث اليومي.. بل طُلب أن تغير المناهج التعليمية لإلغاء تلك اللفاظ!.. وزاد أن آحد ائمة الحرم توقف عن الدعاء في ختم الصلوات علىٰ آحدى الفرق بعينها.. نتيجة وساطة أمريكية!
وسقط مِن المعاملة فقه أحكام: أهل كتاب.. أهل ذمة.. الجزية.. فتكلم آحدهم مِن الأزهر حديثاً عن "المواطن" و"المواطنة" بدلا من تلك المصطلحات والتي ليس لها وجود في قاموس الحياة العملية اليومية؛ ومع ذلك ما زال البعض هناك يتحدث عن كيفية معاملة الإماء والجواري وكيفية تقسيم أو بيع سبايا الحرب..
ثم طفح علىٰ السطح تقسيم مَن تحت خيمة الإسلام إلى : أهل سنة وأهل شيعة..
ثم تقسم أهل السنة إلىٰ : فرق وطوائف ومذاهب؛ وكذا أهل الشيعة.. ثم جرت محاولات لتقريب المذاهب أو تقريب الفرق..
ثم ظهر تعبير فسطاط الإسلام وفسطاط الكفر.. ثم اريد إعادة جزئيات مِن الكل إلىٰ الظهور علىٰ الساحة الكلامية؛ كقتل المخالف في العقيدة أو الرأي تحت جزئية الجهاد دون إعداد القوة؛ سواء قوة المنطلق (الكيان التنفيذي) والقوة الرادعة (الأجهزة) والقصد والهدف؛ والمفارقة هنا شراء ذخيرة حية مِن دولة أوروبية لقتل رعايا دولة أوربية مجاروة للأولىٰ.. وهذه الجزئية المنفصلة عن حيثياتها يتلقفها مَن يجهل حيثياتها وتسلسل مراحل وجودها وإحسان ربط مفاصلها.. سواء في الوطن الواحد فتكفير الحاكم ومَن يسانده مِن الجيش والشرطة وحل دمه أو المنطقة الإقليمية كحال: سوريا والعراق وليبيا واليمن وكراباخ أو العالمية كما يحدث في أمهات المدن الغربية؛
مثال على ذلك.:.
- قتل مَن يؤمن بالمسيحية وسَلب ماله لتمويل عمليات إرهابية.. كغنيمة؛ و
- ضُربت السياحة وقُتل السياح -وإن جاءوا بعهد (فيزا) مضمون من دول تعيش بعض افرادها تقدر بالملايين علىٰ مدخول السياحة (مصر.. تونس .. تركيا)-؛ و
- قتل عدة مئات مِن افراد طريقة صوفية علىٰ آيدي السلفية الجهادية في مسجد الروضة بمرسىٰ مطروح.. مِصر؛ لإختلاف العقيدة؛ بل وكيفية آداء الصلاة بين السلفي وبين الصوفي(!)..
وهكذا تحول المشهد العام إلىٰ مشهد عنف وكراهية لتفريغ الطاقة المحبوسة والتي شحنت مِن خلال قراءات مبتورة مِن كتب التراث؛ إذ أن علماء ذاك الزمان عاشوا في كيان ومناخ وبيئة وحال يختلف عن كيان الدولة اليوم ودستورها والقانون الأساسي فيها ونظامها والمناخ العام والبيئة..
2

2.] المجال التعبدي:
صارت قضية تارك الصلاة.. وعدم دفع الزكاة مسألة شخصية..
ففي المسألة الأولىٰ: تارك الصلاة.. جاحد الصلاة.. مَن تكاسل عن آداء الصلاة.. مَن ينكر الصلاة.. لا تبحث إلا في دروس ما بين العصر والمغرب في المصليات ( وهو ما يسمىٰ: فصل الفكرة عن طريقتها)؛ كما لا يعاب عليه؛ وليس له تعزير.. وغاب بيت المال؛ وتحولت بعض المؤسسات الأهلية الرعوية إلىٰ دويلة داخل الدولة؛ ولذر الرماد في العيون تقدمت مؤسسات أهلية أخذت الطابع الديني الكهنوتي تدعي تطبيق مصارف الزكاة الثمانية؛ والحقيقة لم يتبق منها سوى مصرف "الفقير.. " .. في آحدىٰ الدول الغربية كانت تؤخذ الزكاة وتصرف علىٰ تصليح دورة مياه المصلىٰ وتنظيف مكان الوضوء؛ والتبرعات التي تأتيها مِن دول الخليج تصرف علىٰ المقربيين وليس علىٰ الطلبة كما أُعلن [تحت مسمىٰ: اتحاد الطلبة المسلمين]؛ وما كان يؤخذ لصرفها علىٰ أرامل وايتام منطقة ما.. يقوم القائم علىٰ تلك المؤسسة الرعوية الأهلية فيأخذ نصيبه مِن تلك الزكاة ومَن يعمل في تلك المؤسسة مِن باب ".. والعاملين عليها.."؛ ولهذه الحادثة مُنع مقال لكاتب هذه السطور في موقع ما بتلك الدولة..
ثم اصبحنا نسمع عن الحج السياحي والحج الممتاز؛ والحج السريع.. ناهيك عن مَن يقوم بتنظيم رحلة الحاج: أهو مرتزق؛ أم أنه يقدم خدمة مقابل آجر.

3.] المجال الإجتماعي :
أو ما يسمىٰ علاقة الذكر بالأنثىٰ (وليس الرجل بالمرأة) وكيفية الإشباع خارج مؤسسة الأسرة؛ واستحدثت علاقات كزواج(!) المسيار والمصطاف؛ ونكاح الجهاد.. مع وجود علاقة قديمة سميت بــ"المتعة"(!)؛ وتفشي حالات الطلاق دون مسوغ وإفساد تقسيم الميراث!.. وعدم الدقة الفقهية في تحديد عورة الأنثىٰ البالغة..
أما مع الآخر فقد تبنت فرق بعينها إزدراء الآخر والإساءة إليه.. في الغرب تحت باب حرية الرأي والتعبير؛ وفي الشرق من منطلق فاسد ديني!

4.] المجال الاقتصادي :
غاب عن الساحة الاقتصادية المعاملات الشرعية ولذر الرماد في العيون اطلق علىٰ مصرف ما مسمىٰ أنه إسلامي؛ مع أن النظام القائم رأسمالي.. وتبرعت بعض المؤسسات الاهلية بمجهودها الخاص في سد هذه الثغرة مع أن النظام الاقتصادي في الإسلام ليس فقط معاملة الربا

5.] مجال الزجر لحماية المجتمع :
توقفت وتعلقت الكثير مِن أحكام الزجر أو ما يسمىٰ في الفقه بــ : الحد.. العقوبة.. التعزير؛ فبناء علىٰ حرية المعتقد تعلقت عقوبة حد الردة؛ وبناء علىٰ الحرية الشخصية تعلقت عقوبة حد شارب الخمر؛ وتعلقت عقوبة حد الزنا إذا تم بالتراضي والموافقة.. وتعلقت عقوبة السارق.. ففي بلد الأزهر والكنيسة أنشأ آحدهم حساباً علىٰ الشبكة العنكبوتية يروج لتبادل الزوجات.. بشرط تقديم عقد زواج صحيح.. وحُكم عليه بخمسة عشرة سنة سجناً؛ وزوجته جامعية مدرسة بالثانوي.. وشارك في المبادلة زوج وزوجته مِن الخليج.. وبالتالي تعلقت عقوبة التعزير لتارك الصلاة أو مانع الزكاة..

الحصاد المر؛ والمحصلة :
نتيجة ذلك الضعف في تلك القوىٰ العاقلة.. وتلك الكميات الهائلة مِن التعليق والتوقيف والتعطيل؛ مع تواجد الكثير وتعايشهم في زمن الماضي واسترضاع التاريخ واستجلابه؛ والتباعد الكبير بين تراث الأجداد وفهم حال اليوم وإدراك واقعه.. وفهمه بوعي وعدم قدرتهم -افرادا أو فرق؛ وتدخل هنا كيانات أو دولة وأكثر- مِن إيجاد ما هو متصور في الذهن- والتناقض الظاهر في لعب الأدوار نشأ فكرٌ متطرفٌ عن الأصول الثابتة.. وانعزالي عن الواقع المعاش؛ فزرعت فكرة الجهاد في عقول أفراد في أفغانستان؛ والأصل أن تكون مِن خلال كيان قائم.. وبإنتهاء الحدث كان يجب إيجاد أرضية آخرىٰ جديدة موافقة ينطلق منها المجاهدون الجدد؛ لتبقىٰ الفكرة؛ وتعيش.. وساعد علىٰ ذلك الخطاب التحريضي والخطاب الشعبوي المقابل له داخل أماكن العبادة سواء المغلقة أو المفتوحة؛ أو الخطاب الجماهيري.. وتم هذا علىٰ أعين بصيرة مِن الجهاز الأمني والمخابرات المحلية والأجنبية؛ ولكن لأن جسم تلك الفرق هلامي واستعجال افراد غير مؤهلين لقطف ثمار لم تنضج بعد .. واحباط في حياتهم الدنيا وليس لديهم العلم الأصولي الكاف ووجود خلل في الحصول علىٰ المعلومات الموثقة؛ يرافق هذا حالة إنتقام وتفريغ شحن سلبية.. فقد أوجد بديل كهدف لاستهدافه والقضاء عليه؛ سواء في الداخل كما حدث في مِصر والملكية السعودية أو تونس.. ليبيا.. اليمن.. أو ساحة بأكملها كــ سوريا والعراق؛ أو المحاولة الفاشلة في أقامة كيان منعزل عن العالم في شبة جزيرة سيناء المِصرية.. أو في الخارج كــــ "غزوة"(!) نيويورك أو ما حدث في بلجيكا: بروكسيل؛ فرنسا: باريس.. نيس.. أفينيون؛ ألمانيا؛ وأخيرا وليس آخراً النمسا: فيينا.

والفاعل.. الإرهابي.. المجرم.. الجاني.. المتأسلم كان معلوماً طوال الوقت لدىٰ الجهاز الأمني.. ولكن مسألة تتبعه في نهاره ومنامه إثناء أحلامه صعبة للغاية بل تكاد تكون مستحيلة؛ وهو ما أطلق بــ "الذئب" المنفرد.. وأسميه المقاتل.. (المجاهد).. المهاجر؛ فهو طفا علىٰ نفسه صفات قدسية ويتسربل بنعوت دينية.. فشل في دنيا فتأمل في حياة الآخرة..
ينبغي أن لا نغفل البيئة الحاضنة والمناخ المرضع؛ وغلق بعض المصليات وترحيل بعض أصحاب صوت الكراهية والقتل لبلدانهم لا يكفي.. فعلى سبيل المثال نشرت مجلة بروفيل من خمس سنوات تقريباً لصحفية نمساوية مقالاً عن آحدهم يتحدث عن الآخر بعتباره "كافر" وأنهم "كافرون".. وموسم أعياد الميلاد في الغرب قادم.. علىٰ الأبواب.. وأظن أن أصحاب فكرة عدم مجاملة النصارى في أعيادهم سوف تخبو هذا العام!!
واتساءل :
فهل يعقل أن صحفية تعمل بجريدة لديها علم بهذا المصلىٰ وما قيل فيه ثم ذهبت إليه لزيارته والتحدث مع المتكلم في صلاة جمعة سابقة -وهو مازال حي يرزق- يأخذ راتباً مِن دافعي الضرائب.. وما تتحرك جهات حفظ الأمن للإنسان العادي الذي يسير في الطريق ليس له ذنب سوى أنه مر بطريق الإرهابي.. وصار سفك دمه هدفاً أمام طلقات نارية استراها من متجر في دولة مجاورة!؟..
الواقع الحالي.. وما كُتب في بطون التراث.. أمران مختلفان.. صاحب العلم هو المخول لتوضيح هذه المسألة! .. ومشاركة فاعلة من الجميع!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ؛ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ؛ بِـمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-
08 نوفمبر 2020م

 «„ القاتل المهاجر ‟»
 

تحتفظ كل مجموعة بشرية علىٰ مستوىٰ العَالَم؛ وبغض الطرف عن مكان تواجدِها؛ ودرجة تحضرها؛ وشكل مدنيتها.. تحتفظ بمجموعة مِن القيَّم؛ وبكتلة مِن المفاهيم؛ وحزمة مِن القناعات؛ وتسعىٰ كل مجموعة بتثبيتها مع حمايتها بين افرادها؛ وكي تبقىٰ هذه المجموعة مِن القيم.. وتلك الكتلة من المفاهيم وحزمة القناعات تُوضع مجموعة مِن الأعراف وتُسن حزمة مِن القوانين؛ وعليه فوجود كتلةٍ بشرية تحمل نفس الأفكار وتحمي تلك المفاهيم وترسخ مجموعة مِن القيم وحزمة من القناعات ويطبق عليهم جميعاً قانون واحد ينشأ مجتمع؛ فمَن يرحلون علىٰ متن سفينة لعدة أشهر لا يشكلون مجتمعاً؛ وإن طالت بهم الرحلة.. هم فقط تجمع بشري؛ كما ومَن يسافرون في قطار لعدة ايام لا يشكلون مجتمعاً؛ بل هم تجمع بشري.. ومَن هنا جاء الفارق بين تجمع بشري وبين مجتمع.
فالمجتمع يتكون إذاً مِن : (1) ناس يحملون نفس (2) الأفكار وتجمعهم نفس (3) القيم ويلتفون حول نفس (4) المفاهيم و(5) القناعات.. وبالتالي تجمعهم نفس (6) مشاعر السرور والفرح وتجمع بينهم نفس مشاعر الغضب والحزن ويطبق عليهم (7) قانون واحد.
وبالمجمل يتفاوت المجتمع الغربي عن المجتمع الشرقي؛ لتلك المكونات التي تنشأه وتشكله..
وبالتفصيل يتفاوت المجتمع الريفي عن المجتمع المدني؛ ويتفاوت المجتمع البدوي عن المجتمع الحضري.
وتتدخل عوامل رئيسة أو فرعية ثانوية في تشكيل المناخ العام لكل مجتمع مِن تلك المجتمعات السابقة.
فنوع الدين وحالة التدين ودرجته؛ واسلوب التنشئة والتكوين؛ والثقافة العامة المنبثقة مِن الدين والأعراف والتقاليد والعادات ونوعها؛ والاحتكاك المباشر بثقافة الغير والتعايش معها أو رفضها؛ والانفتاح علىٰ حضارة بقية الشعوب؛ والاستفادة مِن مدنيتهم؛ أو الإنغلاق والتقوقع؛ واستخدام التكنولوجيا عن وعي؛ أو مجرد نقلها؛ دون الاطلاع عليها أو تطويرها والاطلاع علىٰ مبادئ العلم الحديث؛ وتواجد في بيئته الأصلية؛ ودراسته دراسة أكاديمية؛ وطريقة التعليم وكيفيتها؛ والبيئة الحاضنة؛ واستحضار التاريخ والإستفادة منه أو الوقوف عند الحدث الماضي واجتراره؛ أو استرجاع التراث ومضغه ومِن ثم إعادته دون إضافة تنويرية في اليوم الحاضر؛ والخوف والرهبة من تحديث الخطاب الديني؛ وتثبيت الصورة النمطية عن الآخر.. هذه وغيرها عوامل تشكل مجتمعا ما.. وتثبت الصورة الذهنية عن الآخر.
فالحلال والحرام كــ «„ قيمةٍ ‟» إجتماعية قد تكون متجذرة في مجتمع ما؛ فيعلو علىٰ السطح تحريم تناول الخمور -مثلاً-؛ بكافة أنواعها؛ وإن شربها بعض افراد ذلك المجتمع؛ وفي مجتمعٍ آخر يعتبر كوب مِن البيرة المثلجة أو كأس مِن النبيذ أو الويسكي يعتبر حُسن ضيافة؛ بل ومِن آداب الطعام عند البعض أن يقدم النبيذ الأحمر مع تناول لحم مشوي؛ ويقدم النبيذ الأبيض مع وجبة سمك..
ففي الحالة الأولىٰ -تعاطي الخمور- يوجد رفض وزجر فعقوبة.. وإن غابت منذ زمن..
وفي الحالة الثانية إذا وصل المتعاطي لحد الإدمان كان هناك مصحة يذهب إليها لمعالجته وليس تحريمه؛ وعلىٰ الطرق وفي الشوارع يُسمح لضابط الشرطة بقياس درجة الإسكار للسائق منعاً لحدوث حادث؛ ولكن لا يُحرم الخمر ولا يُجرم.. وهذا بالنسبة للمشروبات..
وقِس علىٰ ذلك المطعومات؛ فهناك مجتمع يُحرم تناول لحم الخنزير؛ وآخر يبيحه..
وهناك مجتمع ينظر إلىٰ صوت المرأة علىٰ أنه عورة؛ وبالتالي كل ما هو متعلق بالأنثىٰ البالغة مبلغ النساء فهو عورة.. يجب بل تُلزم تغطيته.. والبعض يربي الطفلة باعتبارها أنها ستكون أنثىٰ بالغة في يوم ما..
ومجتمع آخر يصح عنده إظهار مفاتنها؛ فنسمع عن نوع مِن الملابس يطلق عليه «„ بيكيني ‟» وآخر «„ بوركيني ‟» وقد تكون آحداهن في المجتمع الذي يسمح بإرتداء النوع الأول مَن ترفض ارتداءه وتكتفي بقطعة واحدة كاملة بدلا مِن قطعتين.
وقِس علىٰ ذلك العلاقة غير الشرعية بين ذكر وأنثىٰ.. فهناك مجتمع يحرمها؛ إذ أنها زنا.. فتراق الدماء في قضايا حماية الشرف..
ومجتمع آخر يبيحها؛ بل يتعدىٰ الأمر إلىٰ مسألة الإشباع الشاذ بين نفس الفصيل مِن البشر..
هذا بالنسبة للمجتمع..
أما بالنسبة لدولة ما فهناك دول تتبنىٰ مبدأ «„ الديموقراطية ‟»
والديموقراطية أعمدتها هي : حرية المعتقد؛ وحرية التملك؛ وحرية التعبير والرأي؛ وحرية الشخصية..
فمَن يؤمن بإله.. له حرية العقيدة؛ ومَن يُلحد.. فله أيضا حرية المعتقد؛ ومَن ينتقل مِن عقيدة إلىٰ آخرىٰ فله الحق؛ والقانون يحمي الجميع.. وقضية الفصل بين الدين وبين الحياة العامة؛ أو بين الدين وبين الدولة أو بين الدين وبين السياسة قضية أساسية..
وكذا حرية التملك.. فلا توجد قيود علىٰ ما يملكه الفرد أو يتملكه طالما تمت بطريقة شرعية؛
وأيضا حرية التعبير والرأي؛ فالقانون يحمي أصحاب القلم.. ويسمح لأهل الفكر في التعبير عن ما يدور في خلدهم؛ وحرية الرأي مصونة؛ فنقض الذات الإلهية يسمح به.. وتصوير شخصيات الأنبياء يُسمح به؛ والحديث عنهم بل والوصول إلىٰ عدم الاعتراف بهم مسموح به..
ولكن التلفظ بكلمة تجاه إنسان يجرم قائلها من باب حقوق الإنسان!
والحرية الشخصية لمن تعدىٰ سن الطفولة مكفولة بالقانون..
وهذا كله في الأنظمة الديموقراطية..
أما ماعداها فلا يسمح بل لا يعتبر أو يعترف بتلك الحريات الأربع.. إذ أنه هناك أعمدة آخرىٰ.. وباستقراء حال العالم اليوم -2020م~1442هــ- نجد أن السائد مبدأ «„ الديموقراطية * الرأسمالية ‟» وله دول تطبقه.. ويقابله مبدأ «„ الإسلام ‟» وليس له دول/دولة تطبقه.. بل هناك افراد/شعوب تؤمن به.. فهما الأن مبدأن لا ثالث لهما.. لذا كان مِن الخبل في الفهم أن يتحدث البعض عن مصطلح «„ الشورَقراطية ‟» أي يخلط بين نظام له مبدأه؛ وبأعمدته القائم عليها.. وآخر له مبدأه بأعمدته المخالفة للأول.. وهما لا يتفقان مِن حيث المبدأ -القانون الأساسي- ولا من حيث كيفية التطبيق.. فــ «„ الديموقراطية * الرأسمالية ‟» طريقة معينة في العيش؛ وكيفية خاصة في الحياة وطراز خاص مِن العيش؛ وكذا «„ الإسلام ‟» طريقة معينة في العيش؛ وكيفية خاصة في الحياة؛ وطراز خاص من العيش؛ ولكل منهما افكاره ومفاهيمه الخاصة به وقناعاته وقيمه.. وأعمدته التي يقوم عليها.
وييرز الإشكال علىٰ سطح الأحداث؛ أو تظهر الازدواجية حين ينتقل مِن يؤمن بمبدأٍ بعينه للعيش في مناخ وبيئة ومنطقة مبدأ آخر.. ومِن هنا جاءت فكرة الإندماج؛ أي يتوافق صاحب مبدأ -وإن لم يفهمه فهماً صحيحاً؛ ولم يستوعب الأحكام العملية المتعلقة بكيفية العيش في مناخ جديد وبيئة مغايرة ومنطقة غير منطقته- يعيش مع آخر يحمل مبدأ مخالف له؛ ويأتي إشكال آخر إذ يُطلب الإندماج مِن طرف واحد دون الطرف الثاني؛ أعني اندماج الضيف علىٰ صاحب الأرض؛ فالمرأة الغربية والتي عاشت في مناخ ديموقراطي بمجرد أن يعلن قبطان الطائرة قرب وصولها إلى المطار الدولي لدولة خليجية ترفع يدها لحقيبتها لتخرج ملابس تناسب الدولة التي تعمل بها.. وبالعكس مَن تسافر من بلدها إلى بلد غربية.. كما وأنَّ الجيل الأول؛ بدءاً من العمال الأتراك وفقاً لتنفيذ مشروع مارشال الأمريكي في إعادة بناء القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.. فبائعي الصحف والجرائد في الميادين وتحت إشارات المرور.. في بداية السبعينات من القرن الماضي.. فهذان الصنفان الأخيران لم يتعرضا لإشكال ما ولعل القصد مِن القدوم للقارة الأوروبية العمل وجمع المال الذي غلب على أذهانهم؛ فهؤلاء يريدون تحصيل أكبر قدر مِن المال لإرساله إلىٰ بلدانهم؛ وهذا الجيل تحرك بحرية محدودة.. فليس لديه الوقت للتفكير في مسائل ذات قيمة بعينها؛ إذ الاهتمام أنصب على مسائل معيشية كــ المأكل والمشرب؛ مع تأدية واجب ديني كــ صلاة الجمعة؛ فبعد أن كان هناك مصلا واحداً بالحي التاسع في بيت الطلبة -افروآسيوي- برعاية الكنيسة الكاثوليكية تستطيع اليوم -2020م~1442 هــ- أن تجد أكثر مِن تسعة عشر مصلا.. وهذا فقط للتجمع العربي؛ والاستخبارات العربية والأجنبية تعلم أفضل من كاتب هذه السطور انتماءات تلك المصليات..
الإشكال الذي يواجه القارة الأوروبية يكمن في بعض افراد الجيل الثاني / الثالث؛ أو ما يسمىٰ بــ «„ الذئب المنفرد ‟» ويمكنني تسميته بــ «„ المجاهد المهاجر ‟» أو «„ القاتل المهاجر ‟» كــ الشاب الشيشاني في فرنسا والشاب المِصري من اصول مِصرية وحرق جواز سفره على أرض الأناضول؛ أضف.. وهذا تغيير واضح في استراتيجية تلك الجماعات الإرهابية.. وأوضح مثال عندي ذلك الشاب ذو السنوات العشرين مِن عمره والذي ترك تونس متوجها إلىٰ جنوب إيطاليا مهاجرا إلى جنوب فرنسا.. لم يتحصل تعليماً جيداً؛ كالشابين الآخرين.. فقد ترك تعليمه الإلزامي ليعول عائلته؛ ورفاقه يخبروننا أنه لم تظهر عليه أي إمارات عدوانية أو نزعات إيمانية جهادية..
ونتساءل:
كيف تحول مِن بائع متجول يبيع بنزين علىٰ قارعة الطريق إلىٰ «„ قاتل ‟» يذبح من هم بداخل كنيسة.. !؟
كيف تم إعداده!؟.. !؟
كيف تم تغيير مسار حياته!؟..
مَن الجهة/الجماعة/الحزب التي استطاعت تغير طريقة تفكيره!؟؟..
مَن استقبله في جنوب إيطاليا.. !؟
ومِن ثم مَن استقبله في نيس موقع الحادثة؛ وأخيراً وليس أخراً : مَن مدَّه بالسكين!؟..
اتمنى أن يعيش(!).. كي نتمكن من فك رموز هذه المسألة!
ينبغي الوقوف علىٰ الدوافع غير المباشرة(!) والآخرىٰ المباشرة(!)..
لا يجب إغفال ذلك «„ الاحباط ‟» المدوي للحركات الإسلامية وتفريعاتها في الدول العربية علىٰ مدار الخمسين عام الآخيرة؛ احباط في إقامة كيان لها مع قدرتهم علىٰ السيطرة علىٰ مفصل أو آخر في دولهم أو ما يسمى التسلل أو أختراق بعض مؤسسات الدولة.. ثم كشفهم في وقت مبكر نسبياً؛ وهروب فاستقبال الدول الغربية -كملاذ آمن- لرموز تلك الحركات.. يرافق ذلك الخطاب السياسي العام المحرض بعد سقوط ما سماه الغرب بـ «„ الإسلام السياسي ‟» هنا ينبغي إثبات أن الحركات الجهادية في أفغانستان صناعة غربية كما اثبت أن الإسلام السياسي تلقى دعماً غربياً.. ثم تصنيف بعضهم كمنظمة إرهابية؛ فتتبنى دول ذات أجندة توسعية لفرق منهم.. هذا هيئ المناخ العام لمثل تلك الإفرازات.
خطاب التجيش.. وخطاب كراهية الآخر.. وخطاب الإستعلاء.. وخطاب الاستهزاء.. والخطاب الشعبوي.. أوجد في الغرب وعند العرب الرغبة في تصفية حسابات.. كما حدث في نيوزلاندا أو حرق تجمعات لاجئين في المانيا وما جرى في نيس أو محاولة قتل راعي لكنيسة.. أو قتل لمصلين لجماعة صوفية في مرسى مطروح..
هنا يكمن الإشكال: «„ الآخر ‟» وكيفية المعاملة معه.. الطريق السهل تصفيته!
لذا نداءات التنديد وعلو الصوت بالرفض والشجب.. وسيلة لا تفلح.. يجب البحث عن جذور القضية!! وما عدا ذلك سيوقع الكثير في هذا الخبط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
02 نوفمبر 2020م

: " مسائل شائكة " !؟..

في أي مجتمع إنساني... أو تجمع بشري وجدت „ آداب “ و „ تقاليد “.. إما متعلقة بكيفية تناول الطعام وكيفية الجلوس حول مائدته .. أو كيفية ارتداء الهندام والتناسق بين مكونات اللباس .. أو كيفية إلقاء الكلام على إذن السامع مع شد انتباهه وكيفية التعبير عن الأفكار من خلال الحديث.. كما وجد بروتوكول للعديد مِن المناسبات والأعياد والاحتفالات.. هذا كله يختلف حسب الثقافة والمستوى التعليمي والمهني.. وبالطبع مقبول ومعترف به عند الجميع..
كما واعطاء حكم علىٰ شئٍ ما أو مسألة مِن مسائل الحياة مرتبط بالمعلومات المسبقة -وُرِثت عن الأجداد أو اُستحدثت في جديد الزمان- عن هذا الشئ أو تلك المسألة؛ وهذه المعلومات تأتي عن طريق مؤسسات داخل كل مجتمع إنساني بعينه أو من خلال تجمع بشري بذاته؛ سواء أكانا -المجتمع/التجمع- يملكان حضارة راقية ومدنية عالية.. أو بسيط وبدائي (وهذه اللفظة الأخيرة غير دقيقة علمياً؛ لكنها حكم صدر مِن صاحب حضارة أو مدنية لمن يخالفه في حيثيات حضارته أو ينخفض عن درجة مدنيته؛ كــ حكم أصحاب الحضارة الغربية على غيرها؛ أو تقسيم العالم وفق المارشال شارل دي جول لعالم أول وثالث دون المرور بعالم ثانٍ).. أقصد تأتي هذه المعلومات من خلال مؤسسات كــ :
- الأسرة وما يحيط بها أو
- المؤسسة التعليمية (التربوية) أو
- الوعظ الكنسي/إرشاد المسجد؛ أو
- المؤسسة الإعلامية؛ وأخيراً :
- مؤسسات رعاية شؤون الأفراد الحكومية أو الأهلية.. و
قد تكون أحياناً كثيرة أحكام مسبقة عن الشئ أو المسألة؛ مرت هذه الأحكام سريعاً وتعدت منطقة المعلومات؛ وأحياناً كثيراً دون التفكير بصورة جدية عن/في دقة المعلومات أو مدى صحة الحكم؛ فمثلاً :
يتلقى الوليد من حاضنته -الأم.. الجدة.. الأخت الكبرى.. الخالة.. العمة- لفظةً كــ معلومة عن الشئ كلفظة „ كَخْ كَخْ “.. لـزجر الصبيّ عن تناول شيءٍ ما لا يُراد أن يتناوله، كما تقال عند التقذّر مِن شيء.. واللفظة تقال أما وفق معتقد معين أو لفساد هذا الشئ .. فإذا كان هذا الطفل مِن ابناء المسلمين ويعيش في دولة غربية تبيح المعتقدات لدى شعبها أو العُرف السائد تناول لحم محرم عند معتقد الطفل المسلم؛ ثم وجد علىٰ مائدة الغذاء في الروضة أو المدرسة ذات النهار الدراسي الكامل هذا اللحم فوق طبق الغذاء؛ وكان جاره يُسمح له بتناول هذا اللحم.. ثم تفوه الطفل المسلم بلفظة „ FUI ” وفق معتقده الذي تربى عليه على مائدة الغذاء في محيط أسرته فبالقطع ستحدث مشكلة بين الطفل المسلم وبين جاره.. وبين الطفل وبين معلمته؛ إذ أن الجار والمعلمة يُباح لهما تناول هذا الطعام..
وهذا مثال علىٰ أدنىٰ وأبسط علاقة في التواجد الجمعي داخل المجتمع الغربي..
إذاً فالمعلومات السابقة -وهي يتم تلقيها وتعليمها بشكل عفوي- ينبغي أن تتوفر لأعطاء حكم سواء بالقيام بالفعل أو الابتعاد عنه؛ أو يتأرجح المرء بين إتيان الفعل والإحجام عنه؛ وهذا يحدث علىٰ مستوىٰ العالم أجمع وفي كل أصقاع الأرض.. وفي أمهات المدن كما يحدث لمَن يسكن القرى ويعيش في الصحاري والنجوع..
وهنا لا يوجد أدنىٰ إشكال؛ إذ أن هذا التجمع البشري والمجتمع الإنساني نسيج واحد!.. لا يوجد فيه دخيل.
ولكن الإشكال هنا -في الغرب-؛ والحديث عن التجمعات -وليس المجتمع- ذات جذور غريبة وليست غربية.. واقصد التجمع الموازي لمجتمع يُضَيف تلك التجمعات أو يحتضن أمثال هؤلاء الأفراد مِن مجتمع آخر بما يحملون مِن أفكار ومفاهيم وقناعات وقيم ومبادئ مغايرة أو مختلفة تماماً.. والحديث هنا لا ينبغي أن ينحصر عن التجمع العربي/الإسلامي.. وإن كان هو الذي يتصدر المشهد الإعلامي الغربي بالنمطية السلبية بل ويتعداه إلى الخطاب الحزبي .
بيد أن هناك معلومة آخرى مهمة وغالباً مغيبة لا تراع مِن قبل الأم أو الحاضنة ذات الجذور الغريبة عن المجتمع الغربي إذ أنه يجب التنبيه بأن بجوار الطفل المسلم جار له غير مسلم بكل ما عنده من معتقدات أو سلوكيات أو آداب وتقاليد مغايرة أو مخالفة.. ينبغي بل يجب مراعاتها وتقبلها والتعايش معها!
وهذه العملية.. أي التربية والتعليم وفق آداب بعينها والرضا بآداب أو تقاليد آخرى مغايرة تماماً.. نسميها:
- تسامح أو
- توعية أو
- إندماج..
- فهم صحيح لواقع جديد!
وهذه العملية لا تحدث.. ونتساءل مَن المسؤول عن هذه العملية.. إذ بغيابها تتولد مشكلة
يضاف إلىٰ مثل هذه العلاقة وهي على أدنى وأبسط ما يمكن رصده داخل المجتمع النمساوي -مثلاً- ما طالعتنا وسائل الإعلام هذا الإسبوع بما هزّ ما بداخل العامة من الناس:
- المسألة الأولىٰ ما يعانيه حفيد [من طرف الأم] مؤسس آحدىٰ الجماعات ذات الوشاح الإسلامي منذ عدة سنوات والمتهم باغتصاب خمس نساء [ أوتيل:Crowne Plaza]؛ و
- المسألة الثانية ما صرح به بابا الفاتيكان بما يُعرف بـ حقوق „ المثلية” المدنية!..
والحكم علىٰ تلك المسألتين يبنىٰ -من باب القبول أو الرفض؛ الموافقة أو الممانعة؛ أو اتخاذ إجراء بعينه- الحكم على ما توفر منذ سنوات طوال عند المرء -سواء غربي أو شرقي؛ ملحد أم متدين- من معلومات تجاه المسألة الأولىٰ أو الثانية.
وحدث مع كاتب هذه السطور زمن تحضير الدراسات التكميلية للحصول على الشهادة العليا؛ وكنتُ أكتب عن “ الألوان وأثرها في مختلف الأديان “ وأبحث في العديد من المصادر والمراجع؛ فوجدتُ أن قام رسام كاريكاتور مشهور نمساوي : “ مانفريد دَيكس “ . “ DEIX “ وهو الذي أظهر المستشار النمساوي القدير “ د. برونو كرايسكي “ والرئيس “ د. هانس فيشر “ ؛ وكذا رجال المستشارية وأعضاء الحكومة والأحزاب والكنيسة؛ بل و “ ابن الإله “ بصورة لا تليق عند المتدين؛ وكانت المفاجأة عند أمثالي عدم تعرض الرسام لأي مضايقات أمنية تذكر.
وهنا يأتي الحكم علىٰ المسألة بقبولها واعتبارها طبيعية داخل المجتمع وفقاً لما ترسخ من مفاهيم حرية الرأي والتعبير والنشر!
أما بالنسبة للمسألة الأولىٰ فالقانون في الغرب لا يُجرم أو يُعاقب علىٰ علاقة جنسية بين ذكر وأنثىٰ بالغين خارج الأطر المدنية (Standesamt) ثم مِن بعده الشرعية (الكنيسة).. فالقانون لا يُعاقب الفاعِلَين إذا تم بالتراضي بينهما والموافقة دون الإكراه والإجبار؛ وهذا المادة القانونية اعتمد عليه الحفيد في تبرئة ساحته؛ بيد أن الطرف الثاني -وهنا أنثىٰ- أثبت أنه تم فعل اغتصاب؛ وليس علاقة جنسية بالتراضي أو الموافقة؛ بل تم-حسب الروايات- بصورة غير آدمية.. لذا تم إيقافه حبساً ومِن ثم سجنه [9 شهور].. وتكرر الاغتصاب مع عدة نساء؛ وأخيراً جاءت الأنثىٰ الخامسة بأدلة قاطعة علىٰ فعلة الاغتصاب وليس المتعة بالتراضي بين الطرفين والموافقة.. وفي عام 2019 :" أصدر الحفيد، المتهم بقضايا اغتصاب، كتاباً بعنوان "واجب الحقيقة" يتحدث فيه عن التهم الموجهة إليه ويعترف بارتكابها(*) ". ومن جانب آخر بدأت كتب أخرىٰ تصدر ضده من ضحاياه. وذكرت مواقع إخبارية أن الصحفية الفرنسية "برناديت سوفاجيه" جمعت شهادة أول ضحية لــ حفيد مؤسس الجماعة، فى كتاب جديد بعنوان "قضية [فلان.. اسم الحفيد]: الجنس والأكاذيب.. سقوط الأيقونة". وروت الكاتبة الفرنسية خلال مقابلة مع إذاعة "يورُب 1" الفرنسية، تفاصيل شهادة الضحية الأولىٰ للحفيد، مشيرة إلى أن الحياة المزدوجة والصاخبة له معروفة فى بعض الدوائر المحيطة به. وقالت الإذاعة الفرنسية، إن الكتاب بمثابة جزء جديد فى قضيته، بعد إصدار كتابه الذى تحدث فيه عن علاقته بالنساء الخمس اللاتى تقدمن بالفعل بشكوىٰ ضده، متهمات إياه بالاغتصاب والاعتداء الجنسي والتهديد بالقتل، وأشارت "يورُب 1" إلى أن الضحية المذكورة فى الكتاب، تعد الضحية الأولى من حيث الفترة الزمنية لكونها تروي وقائع تعود إلىٰ 2008. وفى كتاب „ الجنس والأكاذيب، وسقوط أيقونة “ تتهم الشابة التى تحمل لقب „ بريجيت “ -ولا تزال هويتها سرية- الحفيدَ باغتصابها واختطافها فى نهاية أكتوبر 2008.
وتقدمت السيدة الملقبة بـ „ بريجيت “ بشكوىٰ ضده بعد عشر سنوات مِن الواقعة لتكون المشتكية الرابعة، فى حين أنها الضحية الأولىٰ له. وقالت الكاتبة الفرنسية: „ التقيت بريجيت فى يوليو 2017، لكن فى الوقت نفسه، بدأ محامو الحفيد إجراءات لإسكات الضحية، لذا لم تستطع علناً التحدث عن القضية “، وتقدم الكاتبة الفرنسية فى كتابها، رواية مرعبة للقضية، وتفاصيل مهينة للضحية حيث روت بريجيت مشهد اغتصابها: „ كنت خائفة من الموت، شعرت بالرعب والشلل “، مضيفة „ أنها أدركت أنها قد فقدت تماماً.. وعانت كثيراً بعد الواقعة من مشاكل نفسية بسبب العنف الذى تعرضت له “. وأشارت „ سوفاجيه “، إلى أن „ الدوائر المحيطة بالحفيد كانت على علم بالحياة المزدوجة التى يعيشها ومدى زيفه “..
كما وأن الغرب يُجرم اكراه الزوجة (زواج مدني؛ معترف به أمام الدولة) علىٰ معاشرة حميمية مع زوجها -في زواج مدني؛ معترف به من الجهات الحكومية الرسمية- على فراش الزوجية رغماً عنها؛ ويعتبر قانوناً اغتصاب زوج لزوجته علىٰ فراش الزوجية(!). والرأي الفقهي الإسلامي الشرعي يُبحث في غير هذا الموضع.(!)
الإشباع الجسدي إما أن يتم بصورة :
- سوية صحيحة أو بــ
- شكل خاطئ أو
- شاذ؛ وتلك ثلاث حالات للإشباع
وهذه الاشباعات الثلاثة تعود للمعلومات المسبقة عنه؛ وتعليم جيد وتربية صحيحة فيعطى له الحكم..
والحال مع الحفيد؛ وإن استند في رد التهمة عنه للقانون الغربي الذي يبيح المعاشرة الجسدية بالتراضي والموافقة دون الصورة الشرعية (سواء المدنية أو وفق الشريعة)؛ والإشكال أن الحفيد متزوج.. مع أن هذا يسمى عند فقهاء المسلمين بالـ „ الفاحشة “ وثبت أنه له عقوبة دنيوية إذا أعلن -أُوقفت الأن في عدة مناطق-؛ إما إذا ستر فله عقوبة آخروية إن شاء غفر الله وأن شاء عذب؛ ويشار إلى أنه بعد تسعة أشهر من الاعتقال والإنكار، اعترف الحفيد بأنه مارس الجماع الجنسي مع أول متهمتين له، وتم إطلاق سراحه فى 16 نوفمبر 2018، بعدما دفع غرامة مالية قدرها 300 ألف يورو وتسليم جواز سفره السويسرى. ويخضع للتحقيق منذ 2 فبراير 2018 بتهمة „ الاغتصاب “ و „ اغتصاب شخص ضعيف “،
وفي أول ظهور له.. يعترف: " نعم كذبت"!
في أول ظهور له منذ سنتين، للرّد على الاتهامات التي تلاحقه بالتحرش والاغتصاب، اعترف حفيد مؤسس حركة إسلامية؛ وهو أكاديمي إسلامي، بإقامة علاقة جنسية مع المشتكيات اللواتي اتهمنه بالاغتصاب. كما وأقرّ خلال مقابلة تلفزيونية، على قناة "بي آف آم تي في" الفرنسية، بثت عبر القناة وعبر إذاعة محلية، بإقامة "علاقات حميمية لكن بالتراضي مع المدعيتين الرئيسيتين ضده، هندة عياري .. وكريستيل".
وأضاف قائلا :" كل ما مارسته سابقا مع أي امرأة كان برضى الطرفين، لم أكن يوما عنيفاً ".
" نعم كذبت ".. إلا أنه " المسالم" كما وصف نفسه، والمتزوج، أقر بأنه كذب في البداية أمام قضاة التحقيق، عندما نفى إقامته أي علاقة جنسية غير شرعية مع المشتكيتين، " لحماية نفسه وأسرته"، معتبراً أنه تعرّض إلى " مكيدة نساء "، اتهمنه باغتصابهن ظلما، من أجل الزج به في السجن.
كما أعرب عن أسفه حيال ما اقترفه من أخطاء (في إشارة إلى الاغتصاب أو الزنا) تتعارض مع " مبادئ الأخلاق الإسلامية "، حسب تعبيره.
وهو يطلب الصفح بعد أن اتهمته 5 نساء باغتصابهن إلى ذلك، وبعد أن تقدمت 5 نساء بشكاوى تفيد باغتصابهن من قبله، تقدم بالاعتذار لكل من وثق به من المسلمين الذين خُذلوا جراء أفعاله، قائلا : " أطلب من الجالية(!) المسلمة وجميع من خيبت أملهم الصفح، لأنني تصرفت عكس مبادئي، وأنا الآن أحاول تجاوز ذلك".
يذكر أنه يخضع للتحقيق منذ 2 فبراير 2018 بسبب تهمتي اغتصاب، وقد أطلق سراحه، مع إخضاعه للمراقبة القضائية، بعد أن قضى 9 أشهر في الحبس الاحتياطي.
ويواجه تهما جديدة بالاغتصاب قد تؤدي إلى إلغاء السراح المشروط وإعادته إلى السجن، إذ رفعت امرأة تبلغ من العمر 50 سنة، شكوى ضدّه في فرنسا، تتهمّه فيها باغتصابها في مدينة ليون الفرنسية سنة 2014.
ثم واجهنا إشكال أن أتباع تلك الجماعة برأوا ساحة حفيد مؤسس جماعتهم مِن فعلة الاغتصاب والزنا ؛ أو نفس الفعلة برضا الطرف الآخر.. وإن اقرها القضاء وفق ما تحت يديه مِن أدلة..
وهنا تأتي الإزدواجية !.
وما لفت انتباه المتتبع للقضية في حادثة الحفيد هو تكرار فعلة الاغتصاب مع عدة نساء؛ وصل عددهن إلىٰ خمس!
وثانياً ما أثار لغطاً كثيرا هو ما هبت رياح مفاجأة لموقف الكنيسة الكاثوليكية تجاه مسألة „ زواج المثليين“ بما تحدث به بابا الفاتيكان ونشر يوم الأربعاء 21 أكتوبر2020 من خلال فيلم وثائقي للمخرج „ Jewgeni Afinejewski “ بأنه يسمح للزواج لهم؛ مؤكدا بحقهم في هذا كجزء من عائلة باعتبارهم :" ابناء الرب " ولهم الحق في ذلك؛ مطالباً بحقوق مدنية لهم(***)، و
كما حدث في المثال الأول السابق سارع موقع „ الأزمنة المريمية “ بنشر التبرئة؛ مع أنها سقطة لا تصح من الراعي الأول في العالم لأتباع كنيسته فنشر الموقع :
" كشف الحقيقة الكاملة وراء التلاعبات العديدة في تصريحه المثير للجدل!
البابا فرنسيس لم يغيّر تعاليم الكنيسة حول زواج المثليين!
أوردت العناوين الرئيسية العالمية أن البابا فرنسيس يؤيد الزيجات المدنية للمثليين. معلّقة بأن تصريح الأب الأقدس هو تحوّل كبير في تعاليم الكنيسة الكاثوليكية حول العلاقات المثلية.
وبدأ الرد لتوضيح اللبس!:
ما لم يفعله البابا فرنسيس!
لم يغيّر الأب الأقدس تعاليم الكنيسة حول طبيعة الزواج، ولم يقترح أي ترتيبات أخرى يمكن أن تجعل العلاقات المثلية معادلة للزواج. بل إنها تتحدث، بالأحرى، عن نهج رعوي لهذه القضايا.
إنّ الإرشاد الرسولي „ Amoris Laetitia “ يدعو إلى التعاطف مع المثليين وعائلاتهم.
هذه الوثيقة نفسها تعلّم أيضًا أنه „ فيما يتعلق بمشاريع مساواة الزواج بتلك الاتحادات المرتبطة بأشخاص مِثليين، لا يوجد أي أساس على الاطلاق لاستيعاب او توفير أي نوع من التشابه، ولا حتى من بعيد، بين ارتباط المثليين وتدبير الله حول الزواج والعائلة “. ومن غير المقبول “ ان تعاني الكنائس المحلية من ضغوط في هذا الموضوع، أو أن تشترط هيئات دولية تقديم مساعدات مالية إلى الدول الفقيرة بإدخال قوانين تسمح بـ «الزواج» بين أشخاص من نفس الجنس“
بالقول إن „ الأشخاص المثليين “ لهم “الحق“ في أن يكونوا „ داخل أسرة “ أو „ جزء من الاسرة “ ( يعتمد على الترجمة)، لا يتحدّث البابا فرنسيس عن مسائل قانونية معقّدة مثل التلقيح الاصطناعي أو التبني. بل يشير إلى العائلات الأصلية وأنه لا ينبغي طرد المثليين أو حرمانهم من حب والديهم وإخوتهم وأقاربهم. لو كان الأب الأقدس يفكر في أكثر من ذلك، لكان قاله بوضوح؛ إنه يردد هنا ما علّمه في„ Amoris Laetitia “ .
هل “صادق” البابا على الزواج المدني؟
تناول الجزء الثاني من تعليق الأب الأقدس الترتيبات القانونية للأزواج من نفس الجنس:
„ ما يتعين علينا إنشاؤه هو قانون تعايش مدني؛ بهذه الطريقة يتم تغطيتهم قانونًا “.
إن قول الأب الأقدس „ علينا إنشاؤه “ قد فسره البعض على أنه نوع من التفويض البابوي، لكن هذا خطأ ولا يمكن إعطاء هكذا تفويض على تعليق عابر.
كما تم توثيقه جيدًا في السيرة الذاتية للبابا فرنسيس، في عام 2010 ، بصفته رئيس أساقفة بوينس آيرس، حارب “زواج “ المثليين. صرّح بوضوح بأنّ „ الزواج هو فقط زواج الرجل والمرأة، ولكن الأفراد في العلاقات الأخرى (المثليين) يمكن أن يُمنحوا الحماية القانونية“.
وفي مناسبات عديدة موَثّقة، حذر الأب الأقدس من التهديدات لمؤسسة الزواج، وقال إن قبول المثليين وسط أسرتهم أو قبول اتّحاد مثلي في القانون المدني، „ لا يعني الموافقة على الأفعال المثلية “ .
إساءة ترجمة كلمات البابا!
إنّ الترجمة الإنكليزية، والتي كانت الترجمة التي استخدمها جميع الصحفيين الناطقين باللغة الإنكليزية في تقاريرهم - ومنها تُرجمت إلى لغات عديدة - لم تكن أمينة لما قاله البابا فرنسيس في المقطع. يرجع التناقض إلى إشارة البابا فرنسيس إلى قانون „ التعايش المدني convivencia civil “، وهو يختلف عن “ الاتحاد المدني أو الزواج المدني“ الذي استُخدِم في الترجمة.
في مقابلة عام 2014 مع كورييري ديلا سيرا الإيطالية، سُئل البابا فرنسيس عما إذا كانت الكنيسة يمكن أن تقبل إضفاء الشرعية على الاتحادات المدنية. رد البابا فرنسيس بالقول : “ الزواج هو بين رجل وامرأة “ ، مميّزًا بين الزواج والاقتران المدني. وأضاف: إنّ الدول تريد تبرير الاتحادات المدنية لتنظيم أوضاع مختلفة من التعايش، مدفوعة بضرورة تنظيم الجوانب الاقتصادية بين الناس، مثل ضمان الرعاية الصحية.
كشف التلاعب!
أثيرت أسئلة حول ما إذا كانت المقابلة التي تضمنت لقطات للبابا فرنسيس يقول إنه يدعم الزواج المدني كانت جزءًا من محادثة مع مخرج الفيلم الوثائقي الجديد „ يفغيني أفينيفسكي “ ، أم أنها جاءت من جزء من مقابلة أجرتها مع البابا „ فالنتينا ألازراكي “ من قناة Televisa.
أخبر السيد أفينيفسكي عدة صحفيين أن الاقتباس عن التعايش المدني جاء من مقابلة أجراها مع البابا بواسطة مترجم، على الرغم من أنه لم يحدد متى أُجريت المقابلة.
أفاد أنطونيو سبادارو، أحد أكثر مستشاري الاتصالات الموثوق بهم للبابا ومحرر المجلة اليسوعية La Civiltà Cattolica، بأن المقطع كان من مقابلة السيدة ألازراكي، صحفية مكسيكية أجرتها قبل عام.
قارن السيد McElwee من National Catholic Reporter المقاطع من المقابلتين جنبًا إلى جنب ووجد أن اقتباس البابا حول “حق المثليين في أن يكونوا جزءًا من الأسرة “ تم تضمينه في الفيلم الوثائقي للسيد أفينيفسكي من المقابلة مع السيدة ألازراكي، لكن جملة البابا التي تلتها مباشرة “ هذا لا يعني الموافقة على الأفعال الجنسية المثلية “، قد تم حذفه!
يبدو الإعداد في المقابلة مطابقًا للمقطع المستخدم في الفيلم الوثائقي الجديد. المشهد في كليهما مطابق تمامًا، يجلس البابا فرنسيس في غرفة في كازا سانتا مارتا على كرسي مزين بالذهب وخلف كتفه الأيمن كرسي قماشه عبارة عن نمط خلايا العسل، وميكروفون صغير في نفس المكان على ثوبه، وزاوية التصوير مطابقة في كليهما.
لذلك، لا! لم يغيّر البابا تعاليم الكنيسة، لكنه غيّر بالتأكيد اللهجة الرعوية التي تقترب بها الكنيسة من المثليين وزادها تعاطفًا مع احتياجاتهم الاجتماعية والقانونية.(****)". انتهى النقل من الموقع الكنائسي..
أقول : ومن هنا يأتي اللبس والفهم الغامض عند العامة من الناس.. إذ أن رموز أديان يقعون في خطأ.. والجميع بشر!..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع:
(*)https://https://
(**) تارخ النشر: السبت 7 محرم 1441 هـ - 07 سبتمبر 2019 KSA 06:28 - GMT 03:28.
آخر تحديث: الأربعاء 27 رمضان 1441 هـ - 20 مايو 2020 KSA 11:12 - GMT 08:12

المصدر: العربية.نت – الكاتبة: منية غانمي
مصدر :

Der Schweizer Akademiker Tariq Ramadan, Professor für Islamwissenschaft, gab am Montag zu, dass er sexuelle Beziehungen zu zwei Frauen in Frankreich hatte, die ihn der Vergewaltigung beschuldigten, sagte jedoch, die Beziehungen seien einvernehmlich .
Dies ist das erste Mal in dem fast einjärigen Fall, dass Ramadan, Professor an der Universität Oxford in Grossbritannien, zugab, sexuelle Beziehungen zu den beiden Klägern zu haben . Und Ramadan ist derzeit von der Universität beurlaubt .
Sein Anwalt Emmanuel Marcigny sagte gegenüber Reportern, nachdem die Ermittler in Paris die Geständnisse des Ramadan, des Enkels von Hassan Al : "Erkann endlich frei sprechen und sich wohl fühlen ."
Am 18 Septemberwar es zwischen ihm begegnet und ein von Almdeitin genannt Telle dauerte 10 Stunden .
Sagt die Frau, die umgewandelt zu Islam und hat eine Behinderung als Folge eines Autounfalls, sagte , dass Ramadan sie im Oktober vergewaltigt / Oktober 2009 in einem Hotel in Lyon , Südosten Frankreich .
Ramadan sagte, er habe sexuelle Beziehungen, aber es sei immer " einvernehmlich ".
Fordern Sie die Freilassung von saudischen Frauen und Häftlingen aus den Emiraten
Die Jonas Haddad, ein Anwalt undanderer Anwalt Henda Ayari sagten : Verteidiger drehen von Ramadan fast einem Gebrauch Trick vor Jahr zu seinem Fall zu retten . Aber dieTatsache , dass er von log den Anfang von diesem Fall verbannt sexuelle Beziehungen, und es dauerte etwa ein Jahr zu erkennen .
Er fügte hinzu : " Wird es ein weiteres Jahr dauern, um den Rest zu erkennen? "
Ramadans Anwalt sagte, dass einige Textnachrichten auf den beiden Telefonen der Frauen zeigten, dass die Beziehungen einvernehmlich waren .
Er sagte , dass er vorgelegt hatte einen Antrag für die Freilassung von Ramadan, da gemeldeten Untersuchungen von Frankreich im Februar durchgeführt verhaftet / Februar . Ramadan ist verheiratet und hat vier Kinder .
) Reuters (
(***)Heute, Do.,22.10.2020, Nr. 4016, Siete: (2).
(****) Krone Zeitung; Do.,22/10/2020, Ausgabe Nr. 21.738, Seite: (6).
.(**)National Catholic Register
Catholic News

زلزال سياسي واجتماعي في فرنسا !
صدمة شعبية!

لا يروق لي البكاء علىٰ الحليب المسكوب؛ خاصةً إذا سكب علىٰ تراب الإهمال أو أنسكب علىٰ أرفف ترحيل ملفات لوقت قادم غير معلوم.. بل ومِن الخطأ التوقف عند حدث ما؛ والاستغراق في تداعياته؛ والغرق في تفاصيله؛ والنواح السياسي في محراب الفعلة وعويل تصفية حسابات تكفيراً لذنبٍ تتضافرت علىٰ إيجاده عدة جهات.. إما متعاونة فيما بينها أو كل منها يعمل لمصلحته.. فخطأ التوقف عند حدث ما يعود لإشكالية عدم التفكير بعمق واستنارة في أسبابه والبحث الجدي في وجوده وما آدىٰ لحدوثه مع اتخاذ اجراءات صحيحة وكافية لعدم تكراره؛ ووضع خطة مستقبلية احترازية استباقية؛ وليس كم يحدث غالباً إنتظاراً لحدث آخر جديد؛ يصاحبه رد فعل فوضوي جزئي تنفيسي، فــ
ملف كراهية الآخر سواء لمعتقداته أو لسلوكه أو لدينه أو لون بشرته؛ وتسخين مشاعر غضب فريق ضد آخر وما يبنىٰ عليهما -الكراهية وتسخين مشاعر الغضب- مِن رد فعل أحمق لفظي وقتي ؛ ثم لا يتعدىٰ الألفاظ الفعل الخشن من ضرب أو سحق أو قتل.. يعتبر هذا الملف مِن الملفات القديمة والتي لم نتمكن بعد مِن معالجتها بإسلوب ناجع أو طريقة فاعلة؛ و
الحب والود والكُره والبغض مفاهيم بنيت علىٰ افكار نتلقاه منذ الصغر ومنذ نعومة الأظافر، وطريقة التربية والتنشأة والتهيئة والاعداد والتعليم تلعب الدور الأساسي في تحويلها إلىٰ قيم مترسخة في بعض فئات المجتمع، يصعب تغيرها أو تحويلها و
الواقع المعاش أنه توجد العديد مِن الملفات في مناطق بعينها؛ وهذه الملفات إما أنها مشتعلة أو ساخنة.. أو قابلة للتأجج، ومن ثم الإنفجار.. وتوجيه كلمات عبر منصات التواصل الإجتماعي -وما أسهله اليوم- خطأ يضاف إلىٰ الأول لعدم توفر رجال التخصص؛ وأهل العلم وأصحاب المسؤولية.. أو لتراجع تلك المؤسسات عن دورها المنوط بها.. بمعنىٰ المؤسسة الرسمية الراعية لتجمع ما والمكلفة بتوعية الكبار أو حسن تنشأة الصغار..
مثل:
- رئاسة الدولة؛ و
- المستشارية؛ و
- الحكومة؛ و
- عمداء المقاطعات و
- الأجهزة المعنية والتي تشارك في حفظ أمن وأمان ناس يعيشون فوق ترابها ورعاية كافة شؤونهم..
فــ
- الهيئة الإسلامية و
- الكنيسة.. المعتمدتان من قِبل الدستور الأساسي والمعترف بهما مِن قِبل الدولة.. ولخطورة الوضع وتأزمه يجب التواجد داخل كل بيت ومخاطبة كل صاحب عقل وإدراك وفهم.. وليس حصة وعظ ساعة في إسبوع ودرس إرشاد إثناء القداس أو بعد آداء الصلوات.. هذا مِن جانب؛ ومِن جانب آخر :
- وزارة التربية والتعليم و
- المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلامية.. و
هذا أعلىٰ سلم كيان دولة رئاسي تنفيذي وإداري.. ثم
ننزل الدرج.. ويأتي الحديث عن التجمعات الفاعلة داخل المجتمع؛ والمتفاعلة مع الجمهور مثل :
- أحزاب المعارضة خارج الحكم و
- التنسيقيات و
- الجمعيات و
- الإتحادات.. وتلك هم القاعدة التي تبنىٰ عليها أراء وافكار الناس : ونضيف :
- النوادي و
- المصليات..
هذا بصورة مختصرة للبناء الهرمي لكيان دولة.. حفظاً للأمن المجتمعي وتوفير الأمان الجمعي.
أما ما يواجهنا جميعاً فهو حالة التعارض أو التناقض أو الإختلاف بين تلك المؤسسات السابق ذكرها.. وهذا طبيعة بشرية؛ فلو أتفق الجميع على فكرة ما مثل : حب العدل.. وكراهية الظلم؛ فحين يأتي التفصيل نعود لنختلف مِن جديد في التعريف والوصف؛ ولو أن الكل اتفق علىٰ وجهة نظر بعينها نتعارض في كيفية بلورتها وإخراجها للناس..
بيد أنه تجب المحاولة بعد إحسان التشخيص للداء أو أدواء.. إذا تعددت؛ إذ على صحة التشخيص نحسن إيجاد الدواء!
الواقع الفعلي لأوروبا -الإتحاد الأوروبي- يحمل كل المتناقضات -مع صحة الفكرة- والمتعارضات -مع وضوح الهدف- والمبهمات -مع نفس المشكلة-؛ وإن كانوا -دول الإتحاد- تحت سقف تجمع واحد؛ و
إما إشكالية النمسا أنها تقف في وسط نماذج ثلاثية الأبعاد مثلثة الأطراف؛ تتأرحج أحياناً وتقترب مِن نموذج دون آخر أحياناً.. أقصد النموذج الألماني؛ فالنموذج البريطاني؛ ثم النموذج الفرنسي -اليعقوبي-، وهي -النمسا- لم تحدد بعد في أي اتجاه تذهب!، واي نموذج تتبنى؛ وإن كانت حقيقةً تقوم بأعمال وتصرفات لصالح شعبها.. وهذا يعود أن لكل منهم -الدول الأربع تحت غطاء الإتحادية؛ عدا بريطانيا- ثقافته الخاصة به والتي تختلف عن الآخرىٰ وتاريخه؛ ثم
يواجه الأربعة ثقافة شباب وُلد علىٰ أراضيها -الجيل الثاني أو الثالث؛ ونقف على ابواب الجيل الرابع- لكنه تغذىٰ علىٰ صدر حاضنة آخرىٰ؛ ونصيب منه كبير تربى فصهر في بوتقة جذورها خارج القارة الأوروبية؛ فضعف حصاد فكرة الإندماج حتى كتابة هذه السطور.. مع ارتباط وثيق للجيل الأول فكريا أو ماليا أو ولائيا لكل مِن : تركيا.. قطر.. إيران..
الصحوة الأوروبية؛ وهي حديثة الولادة في القارة ستلجؤها إلى إتخاذ تدابير صارمة لن تروق لمن ظن أن ملجأه مِن دول الإستبداد والقمع كان دول حرية التعبير وحماية الرأي؛ مع عدم إغفال أنهم -اللاجئين كانوا أحيانا كثيرة ورقة ضغط على أنظمة دولهم التي آتوا منها- وكان التساهل المظنون في السابق تم تحت أعين أستخباراتية يقظة سواء الغربية أو العربية؛
الجيل الأول الذي شد رحاله صفر اليدين خال الوفاض تربى على افكار ومفاهيم محاربة الشيوعية الملحدة في كل من أفغانستان أو الشيشان؛ ومكافحة النظم التي وُلدوا بديارها.. ولما أنتهت الحرب والتي خرج مَن اشعلها مِن بلاد عربية كالخليج ومصر وتونس؛ وتم مساعدتهم أو إيجادهم تحت رعاية غربية؛ ثم جاء -هذا الجيل- لأوروبا للحماية.. فقد سقط الملحد الأحمر -الإتحاد السوفيتي- وصعد بدلا منه بغيابه الكافر الغربي.. لذا
وجب لمَن يريد أن يعالج المعضلة تسمية الأشياء بمسمياتها..
سقط العدو الأحمر فخُلق بفناءه العدو الأخضر.. فــ
مناخ حرية التعبير.. وبيئة حرية الرأي.. ووسط الحرية الشخصية تصلح لأهلها -فقط- لمَن نادوا -اصلاً- بهذه المفاهيم؛ والقيم الفرنسية -وعموماً الغربية-؛ والخوف عليها يأتي مِن اصحابها؛ وحقوق الإنسان الغربي وأمن الغربيين لساكن القارة الأصلي وليس الزائر-Der Begriff Gastarbeiter -.. وهنا تولد إشكالية العامل الزائر بعد عدة سنوات طوال مِن تطبيق مشروع مارشال وزير خارجية الولايات المتحدة والإنتهاء منه؛ إذ سعى الزائر "الإسلامي" إلىٰ الحصول علىٰ مناخ حرية التعبير.. والتعايش في بيئة حرية الرأي.. والتواجد الفاعل في وسط الحرية الشخصية.. كما سعى للحصوب على الجنسية الغربية؛ فحدث تصادم دموي بين الوالد وفتاته -ابنته- وحدث تصادم خفي بين مكونات الأسرة داخل جدران شقة لا تسع إلا لفرد واحد وبين الــ "لا" جدران تجمعات المجتمع الذي تعيش فيه هذه الأسرة سواء -مِن تحت الصفر- الروضة أو المدرسة أو حديقة التنزة..
الصحوة الرسمية في الغرب ضد العنف والإرهاب ويتم عن عمد إغفال أو إهمال تربية متوازنة وسلوك سليم بين قيم غربية وآخرىٰ غريبة؛ ولعله مِن الأفضل -عند كاتب هذه السطور- أن استخدم مصطلح : "عادات" و"تقاليد" بدلا مِن استخدام "قيم" إسلامية.. فالاندماج يجب أن يتم من طرفين: الساكن الأصلي والزائر,, وأعود للتأكيد علىٰ وجود اجندات خارجية لزيادة إحراق وإشعال فحم الكراهية تنفذ داخل التجمع العربي/التركي/الشيشاني/الأفغاني/الإيراني.. وفي المقابل التغني مِن قِبل مرتزقة نظام ما بضبط النفس وتهدئة المشاعر..
أدوار تُلعب لكل من هذا الفريق وذاك.. و
تسريب معلومات بعينها كخدمات استخباراتية مع مراقبة الجماعات والحركات؛ ولا أميل إلى القول بوجود سوء تقدير رسمي أو أمني لوضعهم داخل بلاد الغرب وتوضح الصورة لما تم في السابق مِن ما أطلق عليه "مهادنة" بعض الجماعات الإسلامية وإغماض عين دون آخرى لآحداها واستضافة بعض المتطرفين على أراضي الدول الغربية؛ وكان هذا رياءاً مفضوحاً؛ ويرافق هذا تمجيد العمليات الإرهابية أو الإنتحارية مِن شيوخ(!)؛ والدعاء بالثبور والبوار والفناء لأهل الكفر مما حدى بكثير مِن خطباء الجمع والمظاهرات في تغيير خطابه فوق منبره الخاص وفق تعليمات إدارة بلاده أو مَن يموله أو لمن ولاءه؛ وترك البعض يقول ما يريد من باب التنفيس عن المشاعر المكبوتة وتخفيف من حدة الإخفاقات المتتالية .. و
تسريبات السيدة هيلاري كلينتون وفحواها من تمكين المتأسلمين من الحكم في كل من مصر وتونس وسوريا؛ ونضيف ليبيا.. مع معرفة مسبقة لعدم قدرتهم الذاتية في فهم السياسة العالمية أو فهم فقه الواقع الجديد الإسلامي فهما صحيحا.. دليل على وجود ازدواجية في المعايير ، لذا وقد
تغيرت الخريطة تماماً عن الماضي القريب فوجب تعديل الأيديولوجية الفكرية مع تجديد الخطاب الديني والدفاع عن المقدسات مِن كلا الطرفين -الغربي والعربي (ولا أقول الإسلامي)- كل وفق المعطيات المتاحة.. ففي الغرب قَتل وذبح الأبرياء وعند العرب قلاقل وفتن وخطب منبرية؛ والتعامل بإزدواجية مثل :" حادث طعن امرأتين مسلمتين في باريس، الذي وقع الأحد الماضي " وحادث ذبح مدرس التاريخ.. وفي الحالتين لا اقر ولا أوافق على الفعل وردة الفعل.
وعرّفت السفارة الروسية في باريس المهاجم على أنه "عبدالله أنزوروف"، الذي وصلت عائلته إلى فرنسا عندما كان في السادسة [6] من عمره وطلبت اللجوء.
ما يعني أنه مكث فوق التراب الفرنسي اثنتى عشر عاماً؛ بتعبير آخر أنه حصَّل تعليماً إلزامياً في مرحلة الإبتدائي وما يعادل الإعدادي.. وهو يشبه -من حيث التعليم الإلزامي- ابن بائع الجبن والزيتون في فيينا.. ثم رحل لتركيا ثم انضم للدواعشة.. وقُتل.. ثم ذكرت السفارة أن المهاجم البالغ 18 عاما حصل على الإقامة هذا العام ولا صلة له بروسيا.
يضاف لما سبق:
فوضى الفتوى:
ليس من الدقة اللفظية أو الدقة الإخبارية أو الرسمية أن نسمع وفق ما أعلنه وزير الداخلية جيرار دارمانانن، مشيرا إلى أن "فتوى"(!) كانت صدرت في حق أستاذ التاريخ صامويل باتي الذي قتل بقطع رأسه الجمعة. و
هذه ليست صياغة رجل دولة؛ قد تصدر من آحدهم فوق منصته الإجتماعية ولكن ليس رجل دولة مسؤول عن أمنها .. وقال الوزير لإذاعة "أوروبا1" الفرنسية، في إشارة علىٰ ما يبدو(!) إلىٰ مشتبه بهم تمّ توقيفهم "من الواضح(!) أنهم أصدروا فتوىٰ ضد الأستاذ". وأوضح الوزير أن والد إحدىٰ الطالبات وأحد المتشددين الإسلاميين المعروفين أصدرا فتوىٰ عقب عرض المدرس الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل في الفصل.
ونتساءل من الجهة المعنية في فرنسا بإصدار الفتوى ...
فالأحكام المسبقة لا تصلح وكذا تهدئة المشاعر وترطيب النفوس حين اشتعال الأحداث علىٰ جمر الإساءة باسلوب الوعظ والارشاد أثبت فشله عدة مرات؛ بل يجب معالجة جذور المشكلة
وعليه يجب إعادة النظر لما يقدم وكيفية تربية النشأ في كل مِن :
1.] رياض الأطفال؛
2.] النظام التعليمي الإلزامي؛
*.] الأسرة
3.] المصليات
وإشراك الجميع في وصف الواقع ومعالجته!

الرمادي
22 أكتوبر2020م

حالة غيبوبة أم انتحار وطن

.. رفيقي.. أظنه ومنذ نعومة اظافره نظيف اليد؛ طاهر الجيب.. لم يبحث عن منافعه الشخصية أو طموحاته الذاتية ولم يفكر في الوصول لأغراضه الخاصة علىٰ أكتاف الآخرين أو فوق جماجمهم.. ولعل نقطة الضعف الوحيدة عنده - لو أعتبرت نقطة ضعف - كــ « ذكرٍ » ميله الواضح للنساء؛ وهذا ميلٌ طبيعي مِن حيث الخِلقه البشرية؛ والتركيبة الأصلية الآدمية؛ ومن هنا لا تصلح اعتبارها نقطة ضعف يجوز للبعض مهاجمتها؛ عند مَن يريدون هدم آحدىٰ معالجات مفاهيم الإسلام بمعول الحداثة باعتبار مسألة التعدد..
وهو - رفيقي - يقسم لي أنه ما فك رباطة جديلة شعر امرأة إلا وملكها.. ومِن سليقته أنه كان كريماً يُغدق هدايا ذات قيمة لمن تروق له بمقدمة ذات عطور وزهور وورود؛ كما يُسكب سيلاً رقيقاً مِن كلماتٍ الغزل الساحرات بالقرب مِن أذن مَن تعجبه مِن النساء.. حتىٰ تفك بنفسها رباطة جديلتها أو تلقي جدائلها فوق وجهه ليدخل في ليلين شعرها وخياله.. لا يفيق منهما.. حتىٰ يقترب من آخرىٰ؛ ولعل هذا الإغداق بالهدايا أو الكلمات المختارة نتيجة تربيته الخاصة تحت رعاية جدته لأبيه أو أمه.. فقد ربياهُ علىٰ عادات أسرتيهما وكانتا موسرين الحال؛ فجدته تاجرة تعلمت كيف تتعامل مع عمالها وتكسب ولائهم وأيضا زبائنها وتكسب استمرار الاتيان لبضاعتها؛ وأمه تلقت تعليماً جيداً في عهد الملكية المِصرية..
 
ومسألة مغادرة وطن المنشأ مع التألم والبقاء لسنوات في وطن الغربة لها قصة معه..
 
رفيقي وأنا.. نتذكر معاً عام التخريج مِن الجامعة.. فمنا مَن سيذهب لآداء الخدمة العسكرية الإجبارية بمؤهله العالي.. ومنا مَن هو له تأجيل الخدمة لظروف عائلية خاصة به.. وبعد قليل ينتظر خطاب التعيين مِن القوىٰ العاملة!
.. رفيقي تحدث مع والده أنه ينتظر تعيين القوىٰ العاملة له والمنطقة التي يتبع لها وهذه قد تستغرق وقتاً لا يعلمه إلا الله؛ وترجاه أنه مِن خلال معارفه ذوي النفوذ بمحافظة الإسكندرية أن يسارعوا في تعينه موظفاً.. فقد كان يتمنىٰ أن يتعين في وزارةٍ بعينها.. كي يستقر ويفتح بيتاً ويتزوج..
.. أخبره والده أنه سيحاول دون وعد قاطع منه.. مرت أيام لا يدري عددها.. وفوجئ بأنه في مساء يوم جمعة قال الولد له :" غداً السبت تذهب لمكتب الأستاذ « حسن أبو هيف » المحامي في الثامنة صباحاً؛ وسوف تتقابل مع الكابتن « عبداللطيف أبو هيف ».. تمساح النيل العالمي.. وعابر المانش.. القناة الفرنسية ~ البريطانية وكانت ترافقه في قارب العبور لمدة ثمان ساعات سباحة زوجته السيدة المصونة « منار أبو هيف » رائعة الأوبرا المِصرية..
يكمل والده فيقول:" وتخبره أنك أبني وأنك تريد أن تتعين موظفاً في المصلحة الحكومية التي تريدها.. وسوف يتم تعينك.. إذ أنني - يكمل والده الحديث - قدمت خدمات كثيرة لتلك العائلة وكل مِن تخرج من كلية الحقوق قمتُ - الحديث لوالده - بتدريبهم في مجال المحاماة والمرافعة مثل الأستاذ « عبدالحي أبو هيف » والأستاذ « مصطفى النقيب » ابن خالتهم .. وأذكر أنه قال لي أن والدته من اصول تركية وكانت امرأة جميلة فخرج ابنها وسيماً..
.. فرحت أم رفيقي بالخبر فقد كانت واقفة تتصنت.. إذ لاحظت حالة الملل التي أصابة أبنها لإنتظاره خطاب تعيين القوىٰ العاملة.. والله أعلم متىٰ سيأتي به موظف مصلحة البريد..
... نام - رفيقي - وهو يحلم بتلك الوزارة التي كان يتمنىٰ التوظف بها لأسباب شرحها لي.. وبنىٰ قصوراً في خياله بأنه سيفعل كذا.. وأعد أوهاماً بأنه سيفعل كذا.. فهو مازال في مخيلته زعيم الكريزما القوية صاحب الحضور القوي الجماهيري والتاثير الشعبي إلىٰ أعماق قلب الأمة المِصرية ومن ثم الأمة العربية.. ناصر مِصر وجمال العروبة..
.. استيقظ مبكراً وتناول إفطاراً سريعاً ظناً منه أن اليوم سوف يطول.. ذهب إلىٰ مكتب المحاماة بالمنشية.. وصبَّح علىٰ ابن عم عباس « فراش » المكتب فقد مات عم عباس وتولىٰ فراشة المكتب أبنه أحمد وأخبره بأنه قادم لمقابلة الكابتن..
فرد عليه قائلا :" لا علم لي.. ولكن انتظر حتىٰ يأتي مَن تنتظره " . !
ثوان قليلة حتىٰ جاء شباب آخر تقريباً في سنه أو أسن منه قليلاً أو أصغر وتجمعوا في قاعة الانتظار بمكتب المحاماة.. ومرت الدقائق كأنها سنوات لا يتكلم أحد منهم مع الآخر في انتظار الكابتن..
.. ثم جاء الكابتن « عبداللطيف » وكان رجلاً مهاباً طويلَ القامة عريضَ المنكبين واسع الصدر كبير محيط البطن صوته عال أجش وقبضة يده يختفي تحتها شاب مثل رفيقي.. وإن كان رفيقي رياضياً أيضاً..
تحدث معنا وقال ما طلباتكم!؟..
فتكلم كل منا بما عنده ولكن رفيقي أخبره أنه ابن فلان.. فحين علم بذلك قال له :" أنت تجلس بجواري ومسألتك خليها آخرهم ".
ركبنا جميعاً سيارة الأستاذ « حسن » الشيفروليه وكنت بجوار مقعده.. استمتع برائحة بحر الإسكندرية ونحن نسير على الكورنيش.. كأنني أغوص بين أصداف البحيرة المتوسطية ولؤلؤ ومرجان البحر..
أول محطة ذهبنا إليها جميعاً وهي قريبة من مكتب المحاماة الواقع في المنشية كانت وحدة عسكرية بحرية في الميناء.. ودخلنا جميعاً بملابسنا المدنية مع تعظيم السلام دون تفتيش أو سؤال وبقينا في السيارة..
أنتهت المأمورية الأولىٰ بنجاح.. وظن رفيقي أنها تغيير موقع الخدمة العسكرية مِن وحدة إلىٰ آخرىٰ..
.. المحطة الثانية كانت شركة في منطقة محرم بك؛ والثالثة كانت مصلحة ما لا يذكرها رفيقي.. وكما سمع كل المأموريات اتحلت.. ودعاء من الأعماق للكابتن..
وفرح رفيقي مِن داخله بأنه سوف بالفعل سيتم تعينه في الوزارة التي يتمنىٰ العمل بها.. الكل نزل مِن السيارة عند اقرب وسيلة مواصلات وتبقىٰ رفيقي ينتظر دوره في المقابلة.. وأمام سينما «ريو» كان مكتب الوزارة.. ترجل الكابتن من السيارة الفارعة وأنا على يمينه مؤكداً أن رفيقي بالفعل تم تعينه.. دخلنا علىٰ المدير.. ورحب بالكابتن وبي وقال :"تحبوا تشربوا آيه !؟". وتم ضيافتنا وطلب الكابتن مِن مدير فرع الوزارة بتعيني عندهم بالإسكندرية.. فرد سريعاً مسرعاً دون تردد:" بالطبع يا كابتن.. تم التعيين خلاص ".. وذهب رفيقي مع سكرتير المدير إلىٰ غرفته وطلب منه بياناته الشخصية والمؤهل ودرجة التخرج.. وسجلها..
.. ثم يبتسم رفيقي ابتسامة مُلئت بمرارة الهزيمة الأولىٰ في حياته العملية قائلاً :" حتىٰ هذه اللحظة لم يتم إرسال خطاب التعيين مِن الوزارة التي كنت اتمنىٰ العمل بها ".
مرت عدة أسابيع ولم يظهر في الأفق خطاب التعيين الموعود به من وزارة أحلامه.. فذهب رفيقي مرة ثانية لوالده يخبره.. فرد الوالد:" لن يصلك خطاب ولا يحزنون.. نشوف مصلحة آخرىٰ !.
.. لعل « كوسه » دولة رجل العلم والإيمان لم تعرف طريقها إليه.. وهو ما يؤكده ليَّ وخرجت من بين شفتيه كلمة لعله قال :"وكان هذا خير !".
.. فتكلم والده مع زميل له فرد عليه قائلاً :" ممكن !".
ثم بعد أيام أخبره والده أن يذهب إلىٰ مكتب في شارع سعد زغلول؛ عمارة رقم كذا لا يذكر رقمها تحديداً.. أو تعمد عدم ذكرها كي لا يفتضح الأمر!
ذهب رفيقي وتقابل مع السيد مدير المصلحة الجديدة؛ والظاهر أن المدير لم ينم جيدا.. وكان أمامه زجاجة « Johnnie Walker » نصف ممتلئة.. فوافق مباشرة علىٰ تعينه.. وقال له :" ستذهب إلىٰ الفرع الفلاني "؛ ولكن قبل تحركه قال له :" انتبه أنهم يسرقون الحكومة وإنت تم تعينك لضبط واردات الشباك الذي يتعامل مع الجمهور ! ".
الحالة الثانية في بداية حياة رفيقي العملية وإثناء حكم رجل دولة العلم والإيمان!
.. رفيقي فرح بمنصبه الجديد إذ أنه فوق أعلىٰ سلطة تنفيذية داخل المصلحة التي تم تعينه فيها..
ذهب مباشرة إلىٰ المصلحة الجديدة وقابل فراش المصلحة وعرفه بنفسه ثم ذهب به إلى المدير.. فقال المدير متسائلاً :" إنتَ جاي من عند المدير الفلاني!؟".
فرد رفيقي :". نعم ".
فابتسم المدير وقال:" آه .. تفضل".
وبعد أقل من نصف ساعة اكتشف أول سرقة في شباك الواردات.. فأُخبر مدير الفرع بأن الموظف المتعين الجديد منذ دقائق ضبط حالة تلبس بسرقة؛ فذهب إليه وشتمه وأهانه وطرده؛ ثم سلط عليه آحد العمال مِن الذين يحملون شهادة طبية أنه مختل عقلياً ولا يحاسب على ما يفعله.. أمره بضربه بمطواة ولكنه - رفيقي - غاب بين رواد المصلحة الحكومية فلم يدر هذا العامل مَن الذي يجب عليه ضربه من الخلف.. وعلم رفيقي بهذه القصة من زميل لوالده وقال له :" آحمد ربنا أنك لم تُقتل علىٰ يد مختل عقليا ".
عاد مرة ثانية للمدير الفعلي التنفيذي لتلك المصلحة وأخبره بالخبر؛ فالغىٰ الفرع الأول وأرسله إلىٰ فرع آخر؛ وقال له :" هذا الفرع أهدىٰ!".
ذهب إلى الفرع الثاني وتم استقباله بترحاب؛ وأُفهم بشكل غير مباشر أن المدير يهمه - فقط - تناول طعام الغذاء مِن واردات المصلحة وأجرة التاكسي للذهاب إلى البيت؛ كما أُفهم أن هذا الفرع أقل الفروع فساداً في المحافظة.. وأفُهم أن هذا أقل الضررين وأهون الشرين؛ فإما يقبل ويحصل مرتباً شهرياً مجزياً مع العلوات؛ وإما يجلس في البيت بجوار أمه يقشر لها بصل ويقطع بطاطس.. فقبل علىٰ مضض؛ ثم كلف بالذهاب إلىٰ فرع ثالث.. وحين ذهب لمقابلة المدير صباحاً وجدته غير موجود وحين حضر متأخراً رأه كأنه غائب عن الوعي.. وقابله مقابلة جافة؛ فقيل له ان « المعلوم » لم يحصله بعد؛ فاستفسر عن « « المعلوم » » هذا.. فقيل له قطعة من الأفيون.
وكأنه أسقط في يده.. كل مَن حوله - وهي التجربة الأولىٰ في حياته العملية - هم هكذا: عاقر خمر.. متعاط حشيش.. فساد مالي.. قيل له :" أصبر قليلاً.. ليس بيدك تغير الكون !".
ولعل ما كان ينهي نهار وجوده في تلك المصلحة بسرعة فائقة احتكاكه بجمهور المصلحة وإنهاء إجراءات لمصلحة الشعب.. وكانت الغالبية من الفقراء أو ضعاف الحال ومعدومي الدخل.. حتىٰ جاءت حاملة « قفاز » حريري مشغول بالدانتيل « Fausthandschuh ».ترتدي فستاناً أبيضاً.. وهذه الشابة أقرب ما تكون شبهاً بالــ « الزهراء » « فاطمة » بيد أنها أطول منها قامة.. رشيقة القوام.. شعرها كستنائي.. وأهم مِن ذلك كله أنه سمع صوتها.. وكلمها فسألها وردت عليه.. وهي لها قصة ستروىٰ!..
.. حياة فارغة.. مملة..
-*/*/-
.. بعد عدة شهور جاءه خطاب التعيين مِن القوىٰ العاملة فإذ به تم تعينه في « دمنهور » !.
فرح كثيراً إذ أنه سوف يُنتشل مِن هذا المستنقع الفاسد!
.. ذهب بالقطار صباحاً إلىٰ دمنهور وكان مكتب المصلحة قريباً من محطة القطار العمومية..
.. سأل فراش المصلحة :" فين مكتب المدير.. لو سمحت! "..
سأله :"وعاوزه ليه.. إنت مين !؟".
فقد كان هندام رفيقي وملابسه وحذاءه يظهرون شيئاً ما يلاحظه مَن يسير بجواره !
.. فرد عليه رفيقي :" يا عم.. قول.. فين مكتب المدير.. خلصنا! ".
فقال له :" في الدور الأول علىٰ إيدك اليمين أول أوده !"
صعد الدرج بسرعة فائقة.. وبدلاً من الدخول إلىٰ يمين الصاعد علىٰ السلالم دخل يساراً.. وأخذ يقرأ اليافطة الصغيرة بجوار كل باب.. وأخيراً وجد يافطة مكتوب عليها « المدير العام »..
تفاءل كثيراً وأخذ يهندم من هندامه ويهندس ملابسه وينظر إلى لمعان حذاءه ويرتب الكلمات التي سيبدأ بها الحديث مع مديره الفعلي في الوزارة..
الباب كان مفتوحا.. فنحن في الصباح الباكر ولم تفتح المصلحة بعد أبوابها.. فكانت مفاجأة هزت كيانه..
.. فقد جلس أمام مكتب المدير العام فوق أحد كرسي الضيوف رجلٌ يرتدي قفطان رصاصي يضع قدماً حافية فوق آخرىٰ.. ويعبث باصابع يده اليمنىٰ بين اصابع قدمه.. وبيده اليسرىٰ « مبسم » شيشة مجهزة للتو يشدها بقوة وكأنه يرغب في مزاج عالٍ.. فيخرج منها صوت فلترة مِن ماء النيل الأزرق الذي تعكر.. فيتصاعد إلىٰ سماء الغرفة دخان النرجيلة فيعبأ المكان في حالة ضباب معتم لا تحسن الرؤية..
.. صُدمَ رفيقي.. وكاد يغشىٰ عليه مِن شدة وقع بداية المقابلة.. أندهش؛ كأنه وقع مِن أعلىٰ قمة الهمالايا بأحلامه وأوهامه في التعيين الجديد فوق الصخور المدببة لواقع ضبابي.. تحطمت أحلامه لم يحسن إخراج حرف واحد.. نظر إليه هذا الشخص الجالس أمام شيشته وكأن الشاب الداخل عكر مزاجه على الصبح وسأله بعد أن اخرج من فمه كميات هائلة من دخان الشيشة :" عاوز آيه ع الصبح؛ مين المغفل إللي دخلك هنا!؟."
تلعثم رفيقي في الرد عليه ثم استرد انفاسه الضائعة بين دخان الشيشة وصوت النرجيلة الصاعد مِن بطنها الذي يكرر ذاك المعسل الفاخر؛ ولعله معسل بنكهة التفاحتين مخلوط بالنعناع أو الليمون الحامض؛ وكما أُخبرنا عن أهل المزاج وأصحاب الكيف العالي؛ فقد كشفت السيدة :" رقية السادات في كتابها « أبنته » أن الرئيس الراحل السادات كان مِن الصعب عليه أن يقلع عن السجائر حيث كان يرىٰ أن الإنسان بدون مزاج لا يمكن أن يعيش علىٰ الإطلاق، وكان يرىٰ مزاجه فى السجائر ".
وكتبت الوفد(*) تقول:" وكان الرئيس أنور السادات مكباً علىٰ كافة أنواع المزاج نتيجة تغلغله وانغماسه فى الحياة الشعبية خلال سنوات ما قبل الثورة. وقد ذكر الاستاذ محمد حسنين هيكل أن السادات كان يشرب يومياً كأسًا مِن الفودكا علىٰ سبيل الاستشفاء، لكن معارضيه من الاسلاميين اعتبروه سكيرًا معتاد السكر، بينما وصفه معارضوه مِن اليساريين بالحشاش مُدعين بذلك تدخينه للحشيش، وقد غنىٰ الشيخ إمام مِن كلمات أحمد فؤاد نجم ما يفيد ذلك. أما فيما يخص التدخين فقد كان السادات كثيرا ما يظهر بالبايب ليُدخن أجود أنواع التبغ الأمريكى".
.. إذاً اختلطت الأمور في ذهن رفيقي؛ ولكن الثابت أن أهل البيتين - بيته وبيتي - لم يكن أحدٌ منهم مِن أهل التدخين أو أصحاب المزاج الراق المسموح أو المنحط الممنوع..
رفيقي أخبر الجالس على آحد مقاعد الضيوف في مكتب المدير أنه يريد مقابلة المدير العام لهذه المصلحة الحكومية!
فأخبره الجالس بــ « قفطان أهل الأقاليم » أنه هو المدير بلحمه وشحمه!..
فلتعثم أكثر رفيقي.. ثم قال له :" معايا خطاب التعيين مِن القوىٰ العاملة بجمهورية مِصر العربية بتعيني موظف هنا بهذه المصلحة!.
فرد عليه:" ما عنديش لك شغل.. أحنا كاملين العدد "!.
فقال رفيقي بهدوء وبرود:" لكن أنا معايا خطاب تعيين؛ ولازم مِن تنفيذ قرار التعيين".
فقال له مديره.. صاحب الشيشة المعمرة :" طيب .. طيب .. روح للوكيل .. هو بعدي علىٰ الأوضه إللي جنبي.. ياله روح له".
تراجع رفيقي قليلا؛ وقال بصوت غير مسموع :"نهارك سعيد بنكهة التفاحتين مع مخلوط الليمون!".
ولعل مديره الجديد لم يسمع غير نهارك سعيد".
فرد عليه :"سعيد مبارك.. أتفضل روح"!.
خطوات ليست بالبعيدة عن غرفة المدير.. خبط علىٰ باب الغرفة المجاورة.. وبصوت كأن صاحبه لم يبلع ريقه بعد سمع مَن يقول من داخلها :" مين علىٰ الباب ".. :"إنت جيت يا دمرداش!".
فرد رفيقي :" لأ أنا موش دمرداش".
فسمع سريعاً :" إمال إنت مين! ".
فقال رفيقي :" انا الموظف الجديد؛ إللي متعين من القوىٰ العاملة؛ وأنا....".
وقبل أن يكمل قال له :" أدخل .. أدخل!".
دخل رفيقي فوجد صفحة من جرنال الأهرام مفروشة علىٰ المكتب ويتناول الوكيل طعام الفطور.. فول وفلافل وعيش بلدي وفحل بصل وكوب من الشاي الأسود الثقيل يحتاج لحمله إثنين من الرجاله..
قال الوكيل :" يا بني إنت جاي بدري شويه عن مواعيد فتح المصلحة !".
فقال له :" أنا جاي مِن الإسكندرية.. وده الأطر إللي يجبني في وقت مبكر ؛ الثاني راح يجيبني متأخراً!؟.
رد الوكيل:" طيب .. أقعد افطر معايا !".
قال رفيقي:" شكرا أنا فطرت في البيت والحمد لله" .
قال الوكيل:" طيب سانيه واحدة وأفضىٰ لك .. تحب تشرب شاي!.. ما أنت بقيت زميل خلاص.. وواجب الضيافة..
فرد رفيقي:" شكرا شكرا.. اصل أنا باشرب الشاي بالحليب!"..
طيب وماله نطلب لك واحد شاي بالحليب من الواد الفراش!
.. تمت إفطار السيد الوكيل؛ وأخذ منه خطاب التعيين وقام بإجراءات تثبيت الموظف الجديد!
لم تساغرق هذه الإجراءات غير توان معدودات.. وقال له الوكيل :"روح دلوقت للسيد المدير وعرفه بنفسك !؟.
فقال رفيقي :" رحت خلاص!".
قال الوكيل :" طيب رَوّح على بيتكم علشان مالكش عندنا مكتب ولا غرفة وتعال بكره!.
وقبل أن يغادر رفيقي فرع الوزارة بدمنهور قرر تقديم استقالته أو تقديم طلب أجازة مفتوحة غير مدفوعة الأجر..
عاد إلىٰ بيته وتحدث مع والده قائلا:" لن اتمكن من التعامل مع الناس دول.. أنا قررت السفر إلىٰ الخارج!
وبعد سنوات طوال وإثناء زيارة له إلى الإسكندرية تحدثنا معاً وكانت أول كلمة قالها لي بعد عودته:" عند مغادرتي الإسكندرية تمت محاولة إنتحار مواطن - قصد نفسه - أم تم بالفعل إنتحار وطن بأكمله؛ أم أنها حالة غيبوبة(!)".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عدد : الجمعة:15 أبريل  2016م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجلد الخامس مِن رواية: « الرَّجُلُ الْمَشْرِقِيُّ «
ورقاتٌ مِنْ كُراسةِ إِسْكَنْدَرِيَّات
[4 . ] 》انتحار» وطن «  《
٢٧ مِن شهر صفر للعام الهجري ١٤٤٢ ~ ١٤ أكتوبر 2020م
الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

 « كما فعلت »
أوهام صبي

مدرسة الحياة .. باهظة التكاليف

لم استطع حتىٰ كتابة هذه السطور أن افهم : لماذا رفيقي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بخيال امرأة ظهرت أمامه لعدة ايام .. ولم يكن لها وجود حقيقي في حياته .. وتعلق بوهمٍ عن شابة لم تبادله أي احساس من اي نوع .. بل ولم تعطه أي اهتمام يُذكر.. ولعل وقت تلك الأحداث التي جرت في باكورة عمره تمت في صيف السنة الأولىٰ من النظام الإعدادي القديم المِصري .. ولم يحدث بالفعل اي شيئ ما ذي أهمية .. لعلها - وقتها - كانت طفلة في حقيقتها كأنثىٰ صغيرة لاهية في واقعها أو ساذجة في كينونتها كامرأة في مقتبل عمرها .. أو قد تكون - علىٰ أفضل تقدير - اقتربت مِن مبلغ النساء بعدد قليل مِن سنوات عمرها ..
اللافت للإنتباه أنه - رفيقي - بعد عدة أعوام طويلة مرت دون حدث يذكر مازال يتذكرها .. ويتغنىٰ بها .. ويردد اسمها مأخوذاً بجمالها الساحر .. وبعيونها التي قتلته مِن أول نظرةٍ .. ويتغزل في خصلةٍ مِن شعرها نظر إليها .. والتي سقطت عمداً أو سهواً من: «„ مدورة ”» رأسها على جبينها .. ثم جدائلها .. لفائف شعرها خلف ظهرها والتي كانت تظهرها بعد العصر حين تقف في بلكونة جيرانِهِ حين يعتدل الطقس الصيفي .. وكيف كانت تضع يداً علىٰ خدها وتنظر في اللافضاء أمامها .. وتسرح بعيداً محاولة أن تغيب عن واقعها .. وكأنها تسعىٰ لقراءة مستقبل لها في مدينة الإسكندرية والتي حلت بها منذ عدة ايام معدودات ..
ورفيقي كان يتصور أنها تسرح في خيالها حباً فيه وهياماً به وعشقاً له .. وكأنها تقول بلسان الحال وليس المقال : „ أيها الفتىٰ الصغير حالي كحالك فمتى اللقاء!!؟ ” ..
أوهام الصبي الطائش!
وهي في تقديري الشخصي وفق روايته لي عنها .. لم تكن قد لاحظته في البداية أبداً حتىٰ أخذ في مراسلتها عبر : «„ مشبك ”» الغسيل .. وكان رد فعلها أنها شتمته .. وأهانته .. ثم بصقت في وجهه .. ولعل تم ذلك أمام عيون فتيان الشارع الذي يسكنه وفتياته .. وبالطبع ضحكوا عليه استهزاءاً به .. فهي لم تعرِ اهتماماً بأحد منهم وهو كذلك آحدهم !!.. ثم استدارت معطية ظهرها له ودخلت إلىٰ غرفتها ..
وكما جاءت وطلت علىٰ حافة حياته .. وهو فتى في بداية التعليم الإعدادي يرغب أن يكون له كما كان يرى على الشاشة الفضية ... جاءت وطلت .. و كسحابة صيف تظلل مَن يجلس علىٰ شاطئ الإسكندرية في يوم قائظ .. فكما جاءت .. غادرت دنياه كلها بلا وداع وبلا كلمة ترطب قلبه الذي جف فأكتوىٰ في صحراء الحب .. فظمأ دون أن يرتوي ولو بلحظة حنان أو كلمة عطف .. ثم جف حلقه دون قطرة ماء من ينبوع حبها الذي يتغنىٰ به وفق أغاني الزمن الجميل لكل مَن يسمعهم في الإذاعة المِصرية وقتذاك .. وتصبب عرق الجبين خجلاً من صدها له يتساقط علىٰ وجهه الجريح مِن صفعة كلمة لم يتبين ألفاظها أو حروفها .. فقد شتمته .. فامتلأ الجسد جروح الإهانة .. ولعل بصقتها في وجه المكلوم مِن بلكونتها إلىٰ شباكه عبر الشارع وأمام عيون الجميع - وإن لم تصله - هذه البصقة اعتبرها مشهدا مؤلما في نهاية لقطة سينمائية من أفلام الستينات الكلاسيكية المِصرية لبنت الجيران .. ومشهدا أُتقن بإحكام أراده المخرج لنفس الفيلم الذي لم يكتمل وفي الحقيقة هو لم يبدء ..
بصقتها في وجهه تقبلها - رفيقي - كبلسم يضمد الجروح ويشفي الأوجاع!
لم استطع أن افهم ؛ كيف أعتبرها - رفيقي - تجربة أولىٰ في عالم معاملته مع النساء في حياته والتي امتلئت بالطول والعرض بنساء كثيرات .. وبالقطع أجمل منها .. وبالقطع أرق منها .. وبالقطع كنَّ نساءً بالغاتٍ عاقلات يفهمنَّ كيف يتعاملنَّ مع رجلٍ « مشرقي » .. ويعرفن كيفية الرد على عاشق يحسن تركيب الحروف في كلمات يردن أن يسمعن الكثير منها .. وكيف كان يحسن الانحناء ليضع قبلة التحية عند المقابلة على يدٍ آحداهن وهي ممتدة بشوق إليه عند اللقاء وهو يخفي خلف ظهره مجموعة وردات يفرحن بواحدة منها .. فما بالك بـ بوكيه زهور .. وكان يغدق عليهن هدايا نفيسة .. وكان يحسن ربط أدمغتهن سواء بالحديث أو بالهدايا أو برحلات أو قضاء عطلات في أماكن غالية وممتعة ... ولم يحدث هذا ابداً مع الزهراء فاطمة ..
وهو - رفيقي - أخذ منهنَّ ما أراد! .. مقابل ما تم استثماره معهن !
«„ الزهراء ”» : «„ فاطمة ”» .. طفلة في زمن مرحلة تعليمه الإعدادي .. قطعاً وصدقا وعدلاً لا تعتبر تجربة نسائية أولىٰ له - في تقديري الشخصي - بكل المقاييس أو بأي المقاييس.. وأن كان - رفيقي - يخبرني أن قلبه كان ينبض باسمها .. ويخبرني أنه كان يقوم بتصرفات صبيانية كثيرة كي يجتذب اهتمامها .. ويخبرني أنه كان ينتظرها ساعات كي تطل من بلكونة زوجة خالها فتظهر له بطلعتها البهية ليراها ولو لمجرد لحيظات .. ويخبرني أنه أحبها من صميم قلبه وأراد أن يتواعد معها .. فيقابلها .. فيتكلم معها ليسمع صوتها الرقيق .. فتبادله حروف عشق بحروف غرام .. وتبادله كلمات غزل بكلمات حب .. وإن سمع صوتها - بالفعل - لمرةٍ واحدةٍ وهي تشتمه .. ولمرات عديدة وهي تتحدث بصوت خفيض لا يصل إليه مع بنت خالها والتي تصغرها بأعوام وهما يضحكان .. وإثناء اللقاء الوهمي في خياله يريد أن يلمس أطراف اصابعها ويقترب بخجل يصحبه خوف تعلوه رهبة .. يرغب أن يقترب مِن جديلتها ليلمس جدائلها .. ويخبرني أن شعرها لم يكن أسود فاحم كــ ليل عاشه يحلم بها .. بل كان يميل إلىٰ لون الشمس عند الغروب في سماء صافية في نهار طال إنتظاره .. ويخبرني بأنها إذا ابتسمت ضحكت الدنيا كلها أمامه .. فتظهر كــ لؤلؤٍ منضود - أسنانها - في فمها الجميل .. فحين تبتسم تشفيه وهو العليل .. وحين تبتسم تفرحه وهو المأزوم ..
وهي كانت تميل إلىٰ النحافة أكثر ما كانت تميل إلىٰ أنها ممتلئة في مناطق بعينِها لم يراها .. فهي كانت تقف خلف جدار بلكونة .. ولعله يتذكر ذات صباح أنها ذهبت مع زوجة خالها في الإتجاه المعاكس لشباكه لشراء شيئا ما وحاول التدقيق في مقاطعها من الخلف فلم يتمكن إذ سرعان ما غابت وأخذت معها ضوء الشمس وانتهىٰ ضوء النهار الطويل في لحظة غيابها عن عينه ..
رفيقي يتحدث عنها كأنه قابلها وجالسها وكلمها .. ثم قبلها .. ومكث ساعات طوال بجوارها بالقرب من جديلتها علىٰ شاطئ البحيرة المتوسطية التي تطل علىٰ القارة الأوربية ويحكي لها وتسمع منه .. وحين يطول الحديث يضع رأسه المتعب علىٰ صدرها الحنون ليخبرها أنه يسمع دقة قلبها تنادي باسمه ..
أحلام الطفولة الساذجة .. أو أوهام المراهقة البائسة !.
ولعل انتاج السينما المِصرية الكلاسيكية والأفلام الأجنبية قد صورت له الدنيا كما يراها علىٰ الشاشة الفضية دون حقيقة الحياة في الواقع المعاش!
ما يقلقه أنها لم تعطه : «„ مشبك ”» الغسيل .. والذي يخص والدته .. ولكن ما اراح قلبه أنه ظن أنها احتفظت به حتىٰ الأن .. احتفظت به تذكارا من ذٰلك الفتى .. الذي أحبها من صميم قلبه .. وما زال يتحدث عنها حتى الأن !.
ما تعلمه في مستقبل أيامه من تجربةٍ لم تكتمل أنه ينبغي عليه أن يترك المرأة التي أحبته قبيل أن يشعر بالملل مِن وجودها بجواره .. وكان هذا ديدنه وطريقة عيشة .. يترك امرأةً .. وإن كلفه الكثير من المال المدفوع والكثير من الإحساس المؤلم والموجوع .. ليبدء مِن جديد مع آخرىٰ ..
وما يفعله إما أنه يريد أن ينتقم لكرامته التي أهانتها صبية جاءت من الريف لتتزوج ابن عمها .. فهي تعد نفسها للزفاف لمن جاءت مِن أجله .. أو أنه يتحرز من أن تتركه امرأة أخرىٰ « كما فعلت » : „ الزهراء ” : „ فاطمة ” .
ولعلها جاءت ذات مرة زيارة لزوجة خالها بعد فترة طويلة جداً وظهرت عليها ملامح آخرى ولعلها صاحبت في يدها وليدها الصغير .. لكنه لم يهتم بتلك الزيارة ! .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
ورقاتٌ مِنْ كُراسةِ إِسْكَنْدَرِيَّات
المجلد الخامس مِن رواية: « الرَّجُلُ الْمَشْرِقِيُّ «
[3 . ] 》 « كما فعلت » … 《
٤ مِن شهر صفر للعام الهجري ١٤٤٢ ~ ٢١ سبتمبر 2020م

 الزهراء .. فاطمة!

أنتبــــــهتُ عدة مرات ؛ وفي مناسبات كُثر واحتفالات متعددة ؛ عندما نقابل أو تصادفنا طفلة أو فتاة ؛ شابة أو امرأة اسمها [ فاطمة ] تتغير ملامح وجه رفيقي .. وتنبسط اساريره وتنفرج ملامحه .. وتتسع حدقة عينه .. ويبتسم ابتسامةً عريضةً تسع السماء وإن أرتفعت وعلت ؛ وتعم الأرض المعمورة وإن امتدت وانبسطت .. فتملأ - ابتسامته - الكون فرحةً عارمة ؛ وترى بوضوح علامات الحبور مرتسمة على محياه ؛ وامارات السرور تشع سعادة حولنا جميعاً في المكان إذ تغيرت تصرفاته وأقواله فجأةً معنا ..
فينظر إليها بتمعن ويتفحصها بثاقب نظر .. وكأنه يسعى لفك رموز مخلوق جديد جاء تواً من كوكب آخر ؛ ويفك شفرة التركيبة الخُلقية وكأنها ليست مِن بنات آدم ؛ وكأنها ليست من سلالة حواء ونسلها والتي نعرف أوصافهن وملامحهن وعيونهن وشعرهن .. وكيف يتحركن بدلال غزال إذا تقدمت في السير .. ويمشين بخطوات كبيرات هوانم قصور الأمراء والملوك ، وإذا سمع أصواتهن فعزف قيثارة سماوية لا ينقطع ...
حين يسمع أَن اسمها [ فاطمة ] فرفيقي يتحول إلى إنسان آخر .. وكأننا لا نعرفه ولا يعرفنا .. فيحسن التعبير باستخدام ألفاظ راقية مهذبة رقيقة .. برقةٍ - حسب مَن قابلها – فيكون الأب الحنون إذا كانت طفلة صغيرة .. فيدللها ويداعبها ويضاحكها ويلاعبها .. وفي آحدى حفلات عُرس صديق لنا راقصها على أنغام التانجو .. أو برقة الحارس الأمين إذا كانت فتاة أو شابة .. فيرافقها طوال الحفل ويصاحبها إلى مائدة الطعام المعدة سلفاً فيحضر لها طبقاً شهياً ويخبرها بفوائد ما فوق الطبق من أصناف ويملأ كوبا من عصير المانجو أو يطلب عصيراً طازجاً من حبات البرتقال .. أو برقة العاشق الولهان إذا كانت امرأةً مِن مَن تروق له وتعجبه .. وهو لا يبدء بالمغازلة - فهذه السلوك عنده قلة أدب - ولكنه يبدء بفتح حوار هادئ بالحديث عن أمرٍ ما يظن مِن الوهلة الأولى حين رأها أنه يعجبها الكلام فيه فينقلها من جو الحفلة التي قابلها فيه إلى جوه فيعلو بها إلى سماءه .. فيطرح العديد من الأسئلة المباشرة وبسرعة تفوق سرعة الصوت والوضوء كي لا تجد وقتا للرد أو الإجابة .. فيُظهر لها اهتمامات بأمور آخرى غير أنثوتها أو حسنها .. كي يجلب إلى أذنه سماع صوتها حين تبدء في الرد بحياءٍ أو يلجئها إلى الإجابة فقد سألها على كل حال منذ قليل فيزول منها الخوف منه إن غشيها ؛ وترتفع عنها الرهبة وإن أحاطت بها.. فتحدثه كأنها تعرفه منذ زمان بعيد .. ثم يبدء في تقديم ما أمامه مِن مشروبات أو قطع حلوى أو يسعى لتقديم خدمات بصورة أو آخرى - وفق المكان والحال - لتلك الشابة أو المرأة التي راقت له .. واسمها قدراً [ فاطمة ] ..
وغالباً ما تنظر إليه الأنثىٰ البالغة - إذا كانت بالفعل لا تعرفه - بريبة في قصده ؛ ويساورها الشك فيما وراء نيته ؛ وماذا يريد هذا الرجل!؟ ؛ وإلى ماذا يسعى!؟ .. خاصةً إذا كان برفقتها في نفس الحفل أهلها أو أخوة لها وعادة هناك في الصالة التي يقفا عليها من يرمقهما أو يتابعهما.. أو يتندرا عليهما !
... لم تكن عندي مِن المعلومات الكافية ما يساعدني على تفسير هذا الإهتمام الزائد وتلك الحفاوة البالغة ؛ وما يزيد دهشتي واستغرب لتصرفه غير المبرر . إذ أنه بمجرد أن يسمع أنها تنادىٰ بـ [ فاطمة ] أو مشتقات الاسم من مترادفات الدلع .. فكل منطقة تختصر الاسم الأصلي لصغيرته لسهولة نطقه فتبدء قدماه في التحرك تجاهها دون تفكير ويفتعل موقف ما أو تصرف ليبدء الحوار ثم يزداد الأمر تعقيدا بملاحقتها .. خاصةً إذا كانت حفلة عُرس أو عيد ميلاد بدء منذ قليل ..
... ورفيقي ينسى الدنيا وينسى بقية الحضور ومن كان رفاقه ومَن كانوا ضمن المعازيم .. وكيف أنهم يتوجسون ريبة من تصرفه!؟ ..
... ولكن لموقعه العلمي ووجاهته الإجتماعية يكاد الكثير يعرفونه فلا يشكون في سوء نواياه .. أو فساد قصده ؛ لكن المرأة بطبيعتها الأصلية خجولة ؛ ويمكنها من مسافات بعيدة معرفة نظرات القادم إليها أتنم عن ذئب مفترس!؟ .. أو جنتلمان يريد أبداء اعجابه وتبادل كلمات التحية وألفاظ السلام أو تقديم مساعدة ، وبالطبع المجتمعات - بالذات العربية - تختلف قليلا أو كثيرا حسب التربية وتلك النظرة الذكورية الدونية لها وبالطبع وآكيد كيفية معاملتها في البيت والعائلة والشارع والمدرسة - أقصد الأنثى - أتربىٰ على أنها صاحبة شخصية لها عقل وروح ؛ وتملك كيان إنسان : لها إدراك وفهم ومشاعر وأحاسيس أم أنها من بقية المتاع المنزل الذي يرافق الذكر! ..
رفيقي يحسن فتح الأبواب المغلقة .. ويملك عدة مفاتيح تكاد تكون سرية لفتح تلك الأبواب المؤصدة ؛ وهو كفاتح الخزائن ذات الأرقام السرية وعسرة الفتح ..
ورفيقي يملك قفازاً حريريَّ الملمسِ حين يقترب منها - إذا كانت المرة الأولى في التعارف عليها - ويملك مجساً حساسَ الحرارة في التعاطي مع موضوعات التي قد ترغب المرأة في سماعها أو يروق لها الإخبار عنها ؛ وهو - رفيقي - يذكرني بــ بائع المجوهرات [ Edelsteine ] ذات الأحجار الكريمة النفيسة النادرة .. يملك قفازا ناصعَ البياض وأمامه ميزان حساس يزن الذرة وليس الجرام ؛ وهو - بائع المجوهرات - يحسن .. أولاً : كيف يتعامل مع الحجر الكريم الواحد لنفاسته وندرته وإذا كانت لؤلؤة فَلِيُتْمِها ؛ واليُتْم هنا لإنفرادها وتفردها بخواص وصفات ليس لها مثيل أو نظير .. ثم كيف يقدم الحَجر الكريم الغالي النفيس للزبونة .. وهو ما يسمى طريقة العرض ؛ وكيفية التسويق .. وثانياً : كيف يتعامل مع مَن يظن أنها ترغب في شراء هذا الخاتم المرصع باللؤلؤ أو الياقوت والمرجان .. أو الحجر الكريم الذي يناسب فستان سهرتها أو ما يرصع غطاء رأسها أو ما ستضعه فوق صدرها ؛ ويراقبها بطرف عين كيف تنظر إلى ما عُرض عليها من أحجار كريمة .. وهذه الصنعة تحتاج لمواصفات خاصة ومميزات في مَن يريد مزاولتها ومهارات بعينها وطول الصبر وحسن معاملة .
.. رفيقي في صفِهِ الأول الإعدادي وفق نظام التعليم في عهد صاحب الكريزما المؤثرة في نفوس الناس فمَلكَ القلوب إذا خاطبهم فهو يحسن الحديث فيستحوذ على الأفئدة قبل الأذان ووقبل الأسماع ؛ ولعلها موهبة قد صقلتها الأحداث واتقنتها الأيام ؛ ولم يأتِ بعده مثيل له ولم تشهد مِصر هبة النيل أو مِصر هبة المِصريين له وصيف أو شبيه في العصر الحديث ..
.. رفيقي معجب بشخصية « ناصر » العروبة و« جمال » العرب .. ولعل ذاك الزمن الذهبي الجميل آثر في شخصيته - بشقيها سواء : العقلية أو النفسية - وهو بحق زمن مَن ولدت فيه فخلقت فوجدت العمالقة سواء في السياسة أو الصحافة أو الأدب أو الغناء والفن .. والمناخ العام يلعب دورا رئيسيا في تشكيل وتكوين مَن عاشوا ذلك الزمان .. والمرءُ صنيع بيئته ..
... رفيقي في صفه الأول الإعدادي هبطت عليه من السماء جارةٌ له .. فتاةٌ ما شاهد حسنها مِن قبل .. ما رأى جمالها لم تصادفه في طريقه فتاة مثلها .. لا يوجد في مدينة الثغر .. الإسكندرية المطلة على البحيرة المتوسطية شمالا وجنوبا ترعة المحمودية ما رأي من قبل - بعينه - في الشارع الذي يقطن فيه كفتاة مثلها .. فلا يوجد مثلها أو قريبة في الحسن منها أو شبية في جمالها ؛ وهو الذي لم يرَ سوى وجهها و« مدورة » بــ « الترتر » أو بشغل تريكو بألوان الطيف كله وضعتها فوق رأسها وأرسلت قصة من شعرها الذهبي فوق جبينها المرمر الأبيض .منسدلة فوق حاجبها .. رفيقي لم ير مثلها .. رأها خلف جدار بلكونة جارتهم .. وحتى الجارة كانت اسمها [ فاطمة ] .. إذاً الفتاة اسمها [ فاطمة ] والجارة صاحبة البيت اسمها [ فاطمة ] .
.. يروي لي رفيقي أنه لم يحسن النطق لحظة أن رأها ولم يتمكن من الكلام حين أبصرها .. تَسمر على حافة كنبةٍ وضعتها أمه بجوار شباك يطل على بلكونة الجارة .. كل ما فعله النظر إليها وهي تبتسم ابتسامة خفيفة كأنها تستطلع المكان لتتعرف على ما حولها .. مخلوق جديد جاء من كوكب بعيد .. لم يهتم بأي جارة آخرى في شارعه الذي يسكنه وكأن لا يوجد سكان في هذه المنطقة ولا يوجد جيران ولا يوجد فتيات ..
صار شغله الشاغل إذا عاد إلى بيته أن يقترب من الشباك الذي يطل على بلكونة جارته وينتظر حتى تخرج لتقوم بأي فعل ما .. يتذكر رفيقي أنها كانت صغيرة السن وأنها ليست من بنات جارته فهو يعرفهن منذ زمن بعيد ..
فمن يا ترى هذه الشمس المشرقة التي أشرقت على حياته والتي بزغت فجأةً في سماء شارعه!؟..
ومن يا ترى هذا القمر الذي ينير شارعه كل ليلة !؟..
... لا مفر - إذاً - إلا من استخدام لغة الإشارة .. وحركات التنبيه بأنه يقف في الشباك المقابل لبلكونتهم ..
في البداية لم تهتم به ولم تعره أي قدر من الاهتمام ..
حتى ظهر أنه يتقصدها بحركاته ويتفحصها بنظراته وهنَّ ينتبهن تماما لمن يلاحقهن ! ..
إنه - رفيقي - يريد أن يبلغها رسائل بإشارته .. لكنه يريد معلومات عنها .. مَن هي!!.. وما الذي أحضرها لتلك الشقة المقابلة لمسكنه .. أهي ضيفة ستذهب بعد حين فلن تعود ابداً .. خاصةً وأن الجارة الأصلية السيدة [ فاطمة ] تعمل في الحياكة ويقولون عنها أنها خياطة شاطرة ! .. فهي زبونة ولن تأت بعد ذلك ..
مئات الأسئلة وآلاف علامات الاستفهام وملايين الردود ..
مَن هذا الطائر البديع الذي هبط فجأة فغيّر حياة رفيقي والزمه بالبقاء طويلا أمام بلكونة الجيران.
لا إجابات .. لا معلومات !..
وفجأةً بدأت أمه تتحدث مع جارتها السيدة [ فاطمة ] الخياطة .. وبدأت تأتي الإجابات فرادى وزرافات!
إنها .. الفتاة [ فاطمة ] بنت أخت زوجها جاءت من الفلاحين لأنها ستتزوج ابن عمها وهو « صول » في الجيش ؛ وهي الفتاة [ فاطمة ] ستمكث اسابيع عندها لأن الخياطة السيدة [ فاطمة ] تجهز لها الجهاز وتخيط لها فساتين البيت وتشتري لها فساتين الخروج!
.. صاعقة حارقة مشتعلة ملتهبة هبطت من السماء فوق رأسه ... ستتزوج ابن عمها ..
فأرعدت السماء وزمجرت فقرعت طبول هطول أعاصير أمطار السماء .. ستتزوج ابن عمها ..
أبرقت فأنارت بشرارتها الخاطفة للبصر لتخيف مَن يسير في الطرقات أو يجلس بالقرب من شباك بنات الجيران .. ثم أظلمت فأحلكت فسودت ليزداد الخوف في قلب صاحبه رهباً .. ستتزوج ابن عمها المصيبة ستتزوج « الواد الفلاح »
صدمةٌ موجعةٌ مؤلمةٌ لقلبه الصغير الخافق فأوقفته عن النبض .. أولُ دقةٍ تنبض بشعور لفتاة .. رفيقي وقتها لم يكن يدر معنى الأنثى!.. أو طول الحديث في نظرة واحدة لــ عين دون أن تتحرك الشفاة بحرف ؛ أو معنى دفء حرارة يد حين تلمس عفوا دون قصد أطراف يدها .. أو تنهيدة قلب انتظر ساعات لحظة لقاء ؛ أو ما مذاق أول قبلة خاطفة رسمت بداية طريق في قصة حب.
تاهت النظرات .. وتعطلت الكلمات .. وتوقفت النبضات .. ولم يعد رفيقي قادرا على ابتلاع ريقه ..
كان يرتعش كلما طلت مِن البلكونة لتفعل أي شئ .. يظن رفيقي أنها انتبهت له .. وكانت في البداية تبتسم ولا تزيد ..
ولكن ابناء « الجِيهَ » إللي ساكن فيها لاحظوا شيئا ما .. لعل حركاته !
سعى بكل ما يملك من قدرات محدودة ودون سابق خبرة أو معرفة في الاستحواذ على اهتمامها.. فوضع في مشبك الغسيل لفيفة ورقية كتب فيها « أحبك » ورسم « قلباً » وألقى المشبك من شباكه فوق بلكونتها إثناء وقوفها .. وهو لا يدري ماذا فعلت بهذا المشبك ..
هل قرأت كلمته عن مشاعره لها!؟.
هل ستبادله الشعور نفسه فتكتب له رداً!؟ .
أم لعلها لا تحسن القراءة والكتابة .. لصغر سنها !؟.
ولكن القلب باللون الأحمر يعبر عما بداخله !؟..
أم أنها لا تعرف شيئا عن ما يصنع ويكتب ويرسم!؟.
تصادمت الأفكار !؟.. هاجت المشاعر !؟..
حاول مرة ثانية .. وثالثة ... وبعد محاولات عدة يائسة انكشف سره أمام عيون الآخرين .. وأُعلن بين الجيران أمره .. وانفضح الذي كان يظنه مستوراً ..
في محاولة أخيرة .. سمعها تقول كلمة بغضب ولعلها شتمت أو أهانته بعد أن فضحها وليس بينهما ما يوصف بأنه علاقة !
بل وزاد الطين بلة فقد بصقت في وجهه !.
توقف نبض قلبه عن الخفقان!
توقفت الدنيا عن الدوران!
أمسكت الشمس في فلكها لا تتحرك فلا يوجد لها شعاع أو حرارة .. فلا نهار ولا ليل ولا أفق ولا غيم أنكسفت الشمس فلا يدري رفيقي أهي- الشمس - انتحرت في بحيرته المتوسطية غرقا أم غابت كي لا تفضح سره وإن ذاع السر!.. أم انزوت خلف ترعة المحمودية !
أنخسف القمر أم انفجر فتبعثر في طرقات المجرات .. لا يوجد سوى حجارة تتساقط فوق رأسه !
فشل في أول محاولة للحب!
لكنها ظلت عالقة في ذهنه طوال حياته صورة [ فاطمة ] ! وهي ترتدي فوق رأسها الــ « مدورة » بــ « الترتر » أو بشغل تريكو بألوان الطيف وضعتها فوق رأسها وأرسلت قَصة شعرها الذهبي فوق جبينها الأبيض ..!
كان يبحث عنها في كل امرأة يراها أمامه وإن كانت [ فاطمة ] من خير ريف مصر .. كان يراها في عيون بنات الغرب..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
ورقاتٌ مِنْ كُراسةِ إِسْكَنْدَرِيَّات
المجلد الخامس من رواية: « الرجل المشرقي
[ ٢ . ]» 》. الزهراء ... فاطمة《«
١٢ مِن شهر الله المحرم للعام الهجري ١٤٤٢ ~ ٣١ أغسطس 2020م

 العام الهجري 1442

واجباتي في مستهل عام هجري جديد(*) ١٤٤٢ :

الواجب الأول: تهنئة أساتذتي وأصحاب العلم والفضل عليَّ ؛ وكل مَن علمني حرفا وأسدىٰ لي معروفا ؛ وهم مازالوا يقدموا لي النصح ويتوٰلىٰ علىٰ مسمعي وأمام ناظري منهم التبيان والشرح ، وأترحم على مَن أنتقل منهم إلىٰ مسكنه الأخير ومرقده المنير .. وأخص بالذكر أبويَّ ، اللذين أحسنا تربيتي وتعليمي .
أما
الواجب الثاني: فتهنئة الأمة الإسلامية ؛ عامة ؛ بعامها الخجري الجديد السعيد ؛
و
الواجب الثالث: تهنئة التجمع الإسلامي بالغرب وأخص بالذكر مَن يتواجد منهم في جمهورية الدانوب الأزرق - النمسا - .
و
بعد التهنئة.. وجب الشكر :
فواجب الشكر الأول: أرفعه لــ إدارة موقع عرب نيوز ؛ لتفضلها بتنسيق وإحسان إخراج ونشر سلسلة السيرة النبوية الشريفة - بقلمي - .
و
واجب الشكر الثاني: ارسله مع باقة من الزهور والرياحين من أعطر البساتين لــ السيدات والسادة قراء الموقع ؛ وخاصةً مَن يتفضل منهم بقراءة السيرة النبوية الشريفة ، ويزيد فضله بإهدائي وبتوجيه النصح وتبيان الخطأ -إن وقع دون قصد - .
**
ومن مطالع الخير ومقدمات التوفيق وموافقات الإحسان وعلامات البشارات أن أبدء في تحرير - بعد إذنه وفضله وتكرمه وإحسانه - سبحانه وتعالى - ... أبدءُ تحرير بحث الهجرة ؛ وهو المجلد السابع مِن منشورات موقع آستروعرب نيور والذي يصدر من العاصمة النمساوية - فيينا- في [( يوم الأربعاء : ٢٥ من شهر شوال ١٤٤١ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١٧ من شهر يونيو عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.)] .. ولم أقصد عمداً التأريخ ؛ ولم تكن نيتي - لحظة البحث والتوثيق -التوفيق بين سلسلة البحوث ونشرها ؛ وبين التواريخ والمناسبات ؛ ولكنها بشارة خير - في تقديري ؛ وارجو أن تكون كذلك - وعلامة رضا وإشارة توفيق تطمئن القلب فيتيقن الفؤاد بصحة الخطوات في السير بدراسة السيرة المحمدية الطاهرة ؛ وإشاعة أضواء المنارات بتسليط الإنارات في طريق البحث العلمي في سيرته - عليه السلام - تُصقل ذهني - أولاً - وتقوي فكري - ثانياً - فتثير مكامِن القوىٰ العاقلة لديَّ كي استمر بفهم صحيح ووعي مستنير وأكمل ما قد بدأته ... وادعوه - سبحانه ؛ الذي رفع السموات بغير عمد نراها وأرسل أنبياءه جميعا برسالة التوحيد وختمهم بنبيه صاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود والمكان المشهود الموصوف بالكرم والجود الذي هو في السماء محمود وفِي الارض محمد - صلى الله عليهم وسلم وبارك وكرم وأنعم على مبعوثه - ادعوه - سبحانه وتعالىٰ - أن يوفقني لما يحبه ويرضاه وارجوه الصحة والقبول لما تخطه يدي وما يسال من مداد قلمي حول ابحاث السيرة النبوية العطرة .. فهو - تعالى ذكره - علىٰ كل شئ قدير وللإجابة جدير
**.
الْمُقَدِّمَة :
المتتبع بدراسة عميقة واستنارة فكرية ووعي علىٰ أحداث سيرة المصطفىٰ يتبين له وجود عدة خروجات مِن مكة المكرمة بعد أن ضيق كفار قريش وعبدة الأوثان في مكة علىٰ المسلمين الأُوَل ؛ فارادوا فتنتهم في دينهم وتعذيبهم فكانت الخروجات التالية :
١ . ) الخروج الأول من مكة إلىٰ شعب أبي طالب ،
٢ . ) الثاني : عزم عبدالله بن أبي قحافة - أبي بكر الصديق- الهجرة إلىٰ الحبشة وعودته بدخوله مكة في جوار ابن الدغنة ؛
٣ . ) الثالث : الهجرة الأولىٰ إلىٰ الحبشة ؛
٤ . ) الرابع : الهجرة الثانية إلىٰ الحبشة ؛
٥ . ) الخروج الخامس: ذهابه - عليه السلام - إلىٰ الطائف ؛ ثم دخوله إلىٰ مكة في جوار المطعم بن عديّ ؛
ثم
٦ . ) الهجرة النبوية إلىٰ - يثرب - مدينة المصطفىٰ التي نوّرت بوجوده - عليه السلام - بها ثم بمرقده وبجواره صاحبيه فطيَب الله - تعالىٰ - ثراها .
والهجرة النبوية الميمونة- علىٰ صاحبها الصلاة والسلام - لا يصح أن تقصر في بحثها ومن ثم عرضها علىٰ ما أصاب المسلمون الأوائل من فرج بعد ضيق .. ومن يسر بعد عسر .. ومن أمان بعد خوف .. ومن طمأنينة بعد فزع .. وتجمعهم بعد تفرقهم .. بعد قيام الكيان الإسلامي الأول .. بل حقيقة الهجرة النبوية الشريفة أنها زلزلت الكيان القرشي فاسقطته بعد أن هزته ببعثته ورسالته - عليه السلام - كما زلزلت مكة وما حولها .. وهزت الكيان القائم في يثرب .. بل وهزت الإمبراطورية الرومانية وجارتها الفارسية .. وهذا بنور التوحيد الساطع وشمس أحكام الإسلام والتي اضاءت القلوب الناس كافة وعقولهم .. وهناك ما زالت هزات في أعماق نفوس بعض الناس من عودة الإسلام علىٰ منهاج النبوة ..
ومن هنا أبدء - من بعد إذنه تعالىٰ - في التبيان...
(يُتْبَعُ بإذنه تعالىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الحمدُ الكثير لله - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه وسما في علاه - ؛ والشكر المتواصل لكرمه وفضله أن كُرمت بمواصلة الكتابة في السيرة النبوية العطرة - علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وكامل السلامات وعظيم البركات - فالحمد لله وحده والشكر له وحده فقد بدأتُ في نشر سلسلة السيرة النبوية على موقع آستروعرب نيوز في [( يوم الإثنين ٢١ صفر ١٤٣٨ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٢١ من شهر نوفمبر عام ٢٠١٦ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام)].. وارجوه - تعالى ذكره - أن يوفقني في إتمام ما قد قصده؛ فاللهَ أسأل أن يتقبله مني وأن يجعل له القبول في الأرض وأن ينفع به كاتبه وناشره وقارئه والدال عليه، إنه سبحانه خير مسؤول وأكرم مأمول، وصلى الله وسلم وبارك علىٰ النبي محمد وعلىٰ آله وصحبه؛ ومن تمسك بهديه وسار على طريقته والتزم سنته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛" الْهِجْرَةُ ؛ واجب التهنئة والشكر،
٤ من شهر الله المحرم للعام ١٤٤٢ الهجري ~ 23 / أغسطس / 2020 من الميلاد العجيب.

« قميص العيد »

رفيقي لا يتذكر هذا القميص الذي أخبرته عنه أمه ؛ وتقمصه في فجر يوم عيد يخص السادة أهل القبلة المكيّة ؛ وكما يقول الجلال السيوطي :" أن مِن خصائص أهل هذه القبلة عن مَن عداهم :" صلاة العيدين ؛ والاستسقاء ، وصلاة الكسوفين: الشمس والقمر ؛ من باب تسمية الأغلب ".. خصائص تخصهم عن بقية الناس والأمم والشعوب والملل فلا يشاركهم أحد في مثل هذه الخصائص وما أكثرها عند أتباع أمة محمد - عليه السلام ؛ والصلوات الزكيات والتحيات الطيبات على كافة السادة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى حضرة عيسى ابن مريم - ..
وقد حَسنتْ له ارتداءه قَبل أمه جدتُه لأبيه ؛ ولعله حياكة بيتي وخياطة منزلية ؛ وليس بجاهز من محلات بيع الملابس لخصوصية المناسبة .. كما لا يتذكر نوع قماشته ؛ أو لونه ؛ كما لا يتذكر في أي أعوام من عمره لبسه ؛ بل ولا يتذكر أكان القميص هدية عيد الفطر المبارك أم هدية عيد الأضحى السعيد ؛ وتخبره أمه أنه كان يُسعد كثيراً عند ارتداءه ؛ ويتفاخر أمام اقرانه ويتباهى به؛ خاصة حين يذهب لجمع العيديّة به من أخواله وخالته أو من أعمامه أمام أبنائهم ..
لكن الظاهر أنه قميص لا يحتاج للبس فوقه „جاكت” أو „بلوفر” يعني ينبغي أن يكون الوقت حارا ؛ والظاهر ايضا أنه لم يتذكر - فلم يروي لي - البنطلون المناسب لهذا القميص .. ما يجمعه - روايةً لي- من خلال ثنايا ذاكرته أنه قميص حرير ناعم الملمس فضفاض من حيث الأكمام والصدر والبطن ؛ وطويل أكثر من اللازم كي يناسب الأعوام القادمة .. وهي عادة تقوم بها كثير من الأمهات ؛ وخاصة الطبقة المتوسطة من المجتمع المِصري ..
يسرح بخياله قليلاً فيؤكد أنه لم يكن باللون الأبيض ولا الأزرق- وهما اللونان اللذان يعجبه ارتداءهما تحت بدلته إثناء عمله وتواجده الرسمي في مصلحته الحكومية.. أو لونا ثوبه العربي حين زيارته لمكة المكرمة أو المدينة المنورة ؛ ثم أنه - رفيقي- تخيّر خيّاطا رجاليا- عمداً - فكانت المرة الأولى بالقرب من قصر الحسن بشارع إبراهيم الخليل ولا يبعد كثيرا عن الحرم المكي ؛ وحين أغلق لأسباب لا يعرفها أختار في مدينة الرسول الأعظم حائكا آخر .. والإثنان من بنجلاديش وهما ممتازان من حيث الصنعة .. كي يفصل له تلك الأثواب التي يختار قماشتها بنفسه والنقوش الزخرفية على أكمامها أو ياقتها فصدرها .. ولعلها المرة الوحيدة التي ارتدى ثوبه الأبيض ذي الياقة العالية والزراير الفضية المرصعة بالكرستال ووضع فوق كتفيه بردته السوداء ذات الخط الطويل الذهبي من ياقتها إلى ذيلها في يوم دفن زميلته في العمل: 》. « اندريا » 《 وإن تمت مراسم الدفن في مقابر عائلتها :
" Friedhof Hütteldorf النمسا "
وهي التي ساعدته كثيرا إثناء تحضيره كتابة المادة العلمية لرسالة الدكتوراه ومراجعة النص الآخير المعتمد ... وقد استحسن مدراء المصلحة ما ارتداه في هذه المناسبة واثنوا عليه خيراً ..
يغلب على ظنه أن عيد هذا القميص كان وقت صيف مع أن 》 « الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ » 《 :« مسقط رأسه ؛ والجميلة التي رافقته في طفولته المبكرة ورافقها في صباه فشبابه » طوال العام تنعم بشمس هادئة الأشعة ساحرة المطلع خلابة المغرب ..
الغريب العجيب بخصوص هذا الوصف له أنه كتب قصيدة غزل أثناء زيارته لقرطاج في زيارة علمية له وقت زيارته لآحدى جامعاتها كتب قصيدة - من شوقه لمدينته كما وصفها يتغزل في مدينة الثغر المطلة على البحيرة المتوسطية الإسكندرية بأعتبارها فتاة جميلة فوصفها كأنها فتاة أحلامه ولعل ما اثار شجونه أنها - 》 « الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ » 《 على مرمى حجر من تونس الخضراء - .
خيال رفيقي يسرح كثيرا في مقولة أمه له ، ومن قبلها جدته لأبيه ؛ ولعلها قالت له ذات مرة على وجبة عشاء معا عن لونه أو نوع قماشته وأنه قميص ذو أكمام .. لكن ما يهمه كثيرا وهو النصف الثاني من مقولتها عن 》. « قميص العيد » 《 : إذ كان السؤال الموجه له: « لماذا تلبس هذا القميص !؟ » : فيأتي الرد بعفوية الأطفال وبراءتهم ؛ وأضيف هنا كما يتلقنون من الأمهات أو الجدات أو المربيات أو ما يسمعون من الأباء أو يلقى على مسامعهم دون قصد في محيط الأسرة أو في الشارع أو من مصدر الإذاعة أو التلفاز ... فيرد - رفيقي - بعفوية لا يدرك معان خلف الكلمات - وقتها - فيقول : « علشان أعجب الستات الحلوين !!! »
علقَ في ذهن رفيقي منذ صغره - تلقيناً - من نساء أسرته ؛ وكما يحدث في كثير من العائلات بل يكاد يتم في جميعها طالما أن الأم تقوم بعملية التربية ، ويقوم الأب بعملية التعليم... علقَ في ذهنه مجموعة من المفاهيم ؛ إذ أن المفهوم - أصطلاحاً -عبارة عن فكرة عن شئ ما - كلمة أو جملة - ترتبط بالسلوك اليومي أو الحياتي ؛ أي أنها ترتبط بتصرف يومي ملازم لهذا الإنسان ثم ينتهي في مرحلة ما من العمر ، أو بتصرف حياتي يلازمه طوال مشوار حياته ولا ينقطع عن تصرفاته .
.. رفيقي في جميع محطات حياته صار ينفذ بالحرف ما يردده - تلقيناً - من جدته لأبيه أو من أمه أو من خالته: « علشان أعجب الستات الحلوين !!! » وصار مهتماً بلا وعي.بملابسه وهندامه بل تميز في مصلحته الحكومية العلمية بعطره النفاذ بل زاد وجعل لخصلات شعره تركيبة عطره الخاص به وسماه : « عطر الشباب و الرجولة !!! » ؛ وهو مجموعة من العطور المجلوبة من أرض الهند بناء على مقوله تاريخية لم يتحقق منها بعد أن أباه الأول : « آدم » اختلس بعض الزهرات من الجنة التي سكنها إلا قليلاً وزرعها في مهبطه ارضاءاً لــ :" حواء " وكان منزله - وفق تلك الرواية - بأرض الهند ولم يمكث بها كثيراً لذا تجد أن افضل أنواع عطور الزهور مصدرها الهند .. ولعله: « آدم » استحضر بعض الزهرات بعطرهن النفاذ حين ألتقى بصاحبته فوق جبل عرفات كي يبخر أحجار البيت العتيق .. الكعبة المشرفة ولعل مثل هذه الروايات جعلت رفيقي مواظب على السفر لزيارة البيت العتيق ثم المسجد النبوي فزيارة قبر الرسول الأعظم .. فيريد أن يعبأ صدره من عطر القبر بعد أن ملأ الصدر بعطر بيت الرب .. لذا تجده - رفيقي - يضع بعد الإستحمام اليومي وقبل ارتداء قميصه عطرا خاصا فوق صدره ورقبته:
» NIGHTFLIGHT «
باعتباره يسكن في الغرب منذ زمن ؛ بالإضافة إلى تركيبة عطره الخاص الذي تتساقط فوق بصيلات شعره فتمتزج بعرقه فيُشم من على بُعد أن رفيقي قد جاء .
وهي تلك النظرية والتي تبناها منذ قديم الزمان أقصد أن - رفيقي - تبنىٰ نظرية 》. « الإظهار » 《 وخلاصتها أنه كــ . 》. « مشرقي » 《 في بلاد الغرب لابد أن يُظهر بوضوح تام ما يملكه مِن خصائص جيدة وأخلاق طيبة وصفات حميدة ودرجات علمية وفهم علمي صحيح وقدرة هائلة على الإقناع بعد لطيف المحاورة ..
وعليه صار مولعاً بالمرأة الجميلة وفقاً لمقولة أمه له ؛ فهو لا يتذكر شيئاً سوى : 》. « القميص الجديد الجميل علشان .. يعجب الستات الحلوين » 《 والمفارقة هنا تعبير: 》. « الستات » 《 وليس: 》. « البنات » 《 والظاهر عندي أنها أملوحة نسائية ؛ فــ - رفيقي - كان وقتها طفلا لا يعي تماما ما وراء الكلمات من معانٍ؛ ومثل تلك الكلمات حفرت في ذاكرته فهي تهيئة مبكرة جداً لتحديد اتجاه الصبي حين يكبر فيتجه نحو ما يوافق الفطرة البشرية الطبيعية الذكورية أي يتجه نحو النساء ؛ كما تتكلم الأم مع أبنتها الصغيرة لتحدد لها أنها تتجه نحو الفطرة الطبيعية البشرية اي تجاه الذكور .. ولعل هذه التهيئة المبكرة نوع ما من التعليم البدائي خشية الوقوع في ما لا تحمد عقباه خاصة وأن الشذوذ يمارس منذ أجيال وأجيال .. وأزمنة وأحقاب ..
وعليه صار عنده تذوق خاص للنساء ؛ وخاصة الجميلات منهن .. لجذبهن إليه ، وصار عنده تركيبة معقدة في المعاملة مع جنسه - خاصة الذكور فقط منهم - ما عدا من هم بالفعل رجال .. فهناك صراع دائم .. وبناءاً عليه إما غالب أو مغلوب ؛ وهناك عنف يمارس وخشونة لذا فهمتُ منه - رفيقي - لماذا ترك تلك المدورة البلاستيكية كـ كرة القدم أو السلة كممارسة رياضية إلى إجادة رياضة الجودو أو السباحة .. وتلكما الرياضتان تثبتا عندي نظرية: 》. « الإظهار » 《 وصار مهتماً كثيرا ببنيته الجسدية ورشاقة قوامه البدنية ؛ وينزعج لــ أي زيادة ميلِمتر من دهون أو شحوم حول خاصرته أو اردافه وصار دائماً رشيقا .. كي : « يعجب الستات الحلوين !!! ». وصار عنده مقياس في الجمال حين يريد الاقتراب من امرأة ما تروق له وتعجبه.. كما أكتملت عنده مجموعة من تراكيب الجمل والتعابير والمصطلحات والروايات والحكايات وافتعال الأحداث عند الحديث مع امرأة لأول مرة يقابلها وفق مقياسه .. وكيف ينسج خيوطه حولها كي يتمكن من الإمساك بها بكلمات متتالية لاعبا على وتر نبرة الصوت انخفاضا وعلوا كي يحسن السيطرة عليها ... ولعل سلسلة أفلام جيمس بوند - خاصة ممثلها الشهير:Sean Connery - وخاصة الأولى قد أثرت في شخصيته بشكل واضح .
حين أقوم كزميل دراسة له بتحليل شخصيته حين بلغنا معاً مبلغ الرجال فهناك فارق كبير بيننا كالفارق بين الثرى والثريا في المعاملة مع الإنسان الآخر .. رفيقي خليط من رجالات وبطولات العرب القدماء أصحاب المجد التليد يرافقهم أصحاب المعلقات على جدارية الكعبة المكرمة والمذهبيات فوق كسوتها ؛ ثم رجالات الإسلام خاصة منهم الأوائل ثم جاء من بعدهم رجالات مَن عاصرهم كأمثال صاحب الكريزما المتميزة الــ :" « ناصر » ويعلن كراهيته لذاك الممثل الذي جاء مِن بعده؛ ويغفل تماما فلا يراه أو يسمع شيئا لمن تلاهُ وحكمها أكثر من ثلاثين عاما ..
وهو يتساءل دائماً في نفسه هَلْ دَخَلَ فِي قَوْلِابْنِ عَبَّاسٍ: « خَيْرُ هَذِهِ الْأَمَةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً ؟ » ..
وهو - رفيقي - قارئٌ جيد للتاريخ ؛ وهو يحسن الاستشهاد بأحداث ومواقف : فيذكر لي :
- وهذا: « خليل الله إبراهيم » كان عنده « سارة » أجمل نساء العالمين ، وأحب « هاجر » وتسرى بها .
- وهذا « داود »- عليه السلام- كان عنده تسعة وتسعون امرأة ، فأحب تلك المرأة وتزوجها فكمل المائة .
-وهذا « سليمان » ابنه - عليه السلام - كان يطوف في الليلة على تسعين امرأة .
- وسئل 》 « رسول الله » 《 - صلى الله عليه وسلم - عن أحب الناس إليه ، فقال « عائشة » - رضي الله عنها -
- وقال عن « خديجة » : 》 « إني رزقت حبها » 《.
فمحبة النساء من كمال الإنسان السوي..
ثم يعود - رفيقي - ليستشهد بمقوله ترجمان القرآن ؛ فقد قال ابن عباس: « خير هذه الأمة أكثرها نساء »
وهناك رواية ذكرها الإمام أحمد بن حنبل عن عبدالله بن عمر حين وقع في سهمه: « يوم جلولاء » جارية كأن عنقها إبريق من فضة ؛ لم يرد - رفيقي - أن يخبرني بها كاملة متعللاً بعدم قدرتي الفهمية على استيعاب الجانب الفقهي من أحداث ومواقف هذا الصحابي الجليل ... فسكتُ مستغرباً ..
وحين لاحظ استغرابي قال لي بنيرة تحدي علوية :" المشكلة أننا لا نقرأ جيداً النصوص ؛ وبالتالي لا نفهم فقهياً الأحداث ..
ثم نصحني قائلا : " عطلة هذا الصيف وخاصة مع وباء كورونا طويلة .. واشار عليَّ أن أتصفح أولاً كتاباً ذكره لي .. ثم أعيد قراءته بعمق وفهم واستنارة .. فسألته مرة ثانية ما اسم الكتاب فقال مبتسماً متفاخراً إنه : موسوعة عن : الآداب والرقائق ؛ لــ أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ؛ واُختصر اسم الكتاب بــ ( الجواب الكافي ) ولكن تمام اسمه : ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ؛ لــ ابن القيم ) .. ثم نبهني بعلو أنفه مستعلياً قائلا :" على فكره ابن القيم تلميذ بارع لأبن تيمية .. أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني ".
فقلتُ له :" يا أخي أنتَ تتكلم أحياناً بإستعلاء وتكبر .. خاصة إذا لاحظتَ أن المعلومة التي تقولها .. السامع لكَ لا يعرفها!!؟.
فقال بهدوء شديد وقد اغْرَوْرَقَتِ عيناه بدموع الفخر :" لقد تربيتُ في مؤسسة علمية غربية سنوات طوال .. وقد تخرجت من تحت أيدي رجال علم يشار لهم بالبنان .. ولقد ترأسني نخبة ذات قدرات علمية عالية من المدراء ؛ ثم تأتينا وفود من أنحاء العالم ليسألونا ويتعلموا منا .. فمن يجهل منهم علمناه .. ومن يريد العلم أعطيناه .. ومن يظن أنه عارف وهو جاهل سحقناه .. ومن يملك مالاً يريد شراءنا به نسفناه .. وتعلمتُ من أستاذي أن اختبر سامعي.. أهو يريد علماً أم يريد شهادة يتخرج بها ليصطف بين رجال أهل العلم.. .. ولأنه لا توجد رفاهية الوقت فلا نسمح بالعبث مِن مَن يدعي علماً لا يملكه أو يحاول إظهار جهله مغلفاً بألفاظ توحي أنه يعرف!؟..
ثم توقف - رفيقي - قليلاً عن الحديث.. ثم بادر بالإعتذار ، ينبهني أنه لم يقصد إستعلاءاً .. لكن مَن يجهل سواء في العلوم التطبيقية العملية أو العلوم الشرعية ؛ خاصة ومنذ افتتاح الفضاء الإلكتروني = الشبكة العنكبويتة = أو ما يطلق عليها « النت » فقد تجرأ الكثير على القول أو الكتابة ..
.. ثم تبسم وغابت عيناه في خيال بعيد ثم اردف قائلاً :" أتعلم أن نبي الرحمة ورسول الإنسانية - صلى الله عليه وسلم -قد شفع لعاشق أن تواصله معشوقته بأن تتزوج به فأبت ، فقال لعمه : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرةَ ، ومن بغضها له ، ولم ينكر عليه حبها ، وإن كانت قد بانت منه .. وذلك في قصة مغيث وبريرة لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي خلفها ودموعه تجري على خديه ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لو راجعتيه ؟ » ، فــ
قالت :" أتأمرني يا رسول الله "،
قال : « لا ، إنما أشفع » ، فــ
قالت : " لا حاجة لي به "..
وانظر لقول بريرة للنبي - عليه السلام - في المرة الأولى ثم تأمل قوله لها ؛ ثم افهم قولها الثاني.
ثم عاد إليه تبسمه .. وقال سأروي لكَ ما قد يغيب عن الكثيرين : " إذ لم يزل الخلفاء الراشدون والرحماء من الناس يشفعون للعشاق إلى معشوقهم الجائز وصلهن ، كما فعل أبو بكر وعثمان ، وكذلك علي- رضي الله عنهم - فقد أُتي بغلام من العرب وُجد في دار قوم بالليل ، فــ
قال له : ما قصتك ؟
قال : لست بسارق ، ولكني أصدقك ؛ فإنشد يقول :
تعلقت في دار الرياحي خودة * يذل لها من حسن منظرها البدر
لها في بنات الروم حسن ومنظر * إذا افتخرت بالحسن خافتها الفخر
فلما طرقت الدار من حر مهجتي * أبيت وفيها من توقدها الجمر
تبادر أهل الدار بي ثم صيحوا * هو اللص محتوما له القتل والأسر
فلما سمع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - شعره ، رق له ، وقال للمهلب بن رباح: اسمح له بها ، فــ
قال : يا أمير المؤمنين ، سله من هو ؟ فــ
قال :النهاس بن عيينة ، فــ
قال : خذها فهي لك .
ثم قال رفيقي لي :" وأزيدكَ من هذا العنقود قطفاً ".
يروى أن معاوية اشترى جارية فأعجب بها إعجابا شديدا ، فسمعها يوما تنشد أبياتا منها :
وفارقته كالغصن يهتز في الثرى *طريرا وسيما بعد ما طر شاربه
فسألها ، فأخبرته أنها تحب سيدها ، فردها إليه وفي قلبه منها .
ومن ملح الروايات ما ذكره الزمخشري في ربيعة أن زبيدة قرأت في طريق مكة على حائط :
أما في عباد الله أو في إمائه * كريم يجلي الهم عن ذاهب العقل
له مقلة أما الأماقي قريحة * وأما الحشا فالنار منه على رجل
فنذرت أن تحتال لقائلها إن عرفته حتى تجمع بينه وبين من يحبه ، فبينا هي بالمزدلفة ، إذ سمعت من ينشدهما ، فطلبته ، فزعم أنه قالهما في ابنة عم له نذر أهلها أن لا يزوجوها منه ، فوجهت إلى الحي ، وما زالت تبذل لهم المال حتى زوجوها منه ، وإذا المرأة أعشق له منه لها ، فكانت تعده من أعظم حسناتها ، وتقول : ما أنا بشيء أسر مني من جمعي بين ذلك الفتى والفتاة .
وقد روت لنا كتب الآداب ما قاله الخرائطي: أنه كان لسليمان بن عبدالملك غلام وجارية يتحابان ، فكتب الغلام إليها يوما :
ولقد رأيتك في المنام كأنما * عاطيتني من ريق فيك البارد
وكأن كفك في يدي وكأننا * بتنا جميعا في فراش واحد
فطفقت يومي كله متراقدا * لأراك في نومي ولست براقد
فأجابته الجارية :
خيرا رأيت وكل ما أبصرته * ستناله مني برغم الحاسد
إني لأرجو أن تكون معانقي * فتبيت مني فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي * وأراك فوق ترائبي ومجاسدي
فبلغ سليمان ذلك فأنكحها الغلام وأحسن حالهما على فرط غيرته .
وقال جامع بن برخية: سألت سعيد بن المسيب مفتي المدينة: هل في حب دهمنا (فَجَأه؛ دونَ سابِقِ إِنْذارٍ ) من وزر ؟
فقال سعيد: إنما تلام على ما تستطيع من الأمر ، فقال سعيد: والله ما سألني أحد عن هذا ، ولو سألني ما كنت أجيب إلا به ".
ورفيقي يتذكر الدكتور : إبراهيم ناجي وأمثاله كثيرين جمعوا بين العلم التطبيقي العملي والمشاعر الجياشة الفضفاضة .
وهذا ما يتميز به الإنسان بفطرته وفق مقاييس شرعية دون هذا الإنفلات الفج في يومنا المعاصر .. وتعود إليه ابتسامته فيقول كأنه يرتل قرآناً يسمعه البعيد ويتذوقه القريب : و " كما في الصحيح عن أنس بن مالك ؛ الذي تميز فعلا كعبه بين اقرانه فكان خادم النبي - صلى الله عليه وسلم يروي عنه: حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة هذا لفظ الحديث ، لا ما يرويه بعضهم :حبب إلي من دنياكم ثلاث ".
. ـــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
المجلد الخامس من رواية الرجل المشرقي
[ ١ ] :" 》. « قميص العيد » 《 :
١٢ مِن ذي الحجة للعام الهجري ١٤٤١ ~ 2 أغسطس 2020م
ورقاتٌ مِنْ كُراسةِ إِسْكَنْدَرِيَّات
رواية : « الرجل المشرقي «
الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

عروس النيل  .. أميرة الدانوب

منىٰ بدير.. عروس النيل الفضي .. أميرة الدانوب الأزرق.. آحدىٰ الحور العين في جنة النعيم!
.. لا أذكر أني قابلتها في عمري .. ولم تسعفني الذاكرة بمشهد أرافقها كتلميذة تحت ضوء قمر العلم عند اكتماله ليضئ ليل الدراسة إذ أنه في الصباح الباكر ستبدأ سلسلة إمتحانات .. وإن كانت الذاكرة مازلت تحمل موسيقىٰ لإنشودة " ليالي الأنس في فيينا " بصوت طالبات انتهين من آحدىٰ مراحل التعليم وفق النظام النمساوي .. أو بمشهد قضبت الشمس ؛ فامدت شعاع النهار الساطع في الأفق لمستقبل التجمع الإسلامي إذ أن الجيل الأول مازال ينتظر أن تسعد عيناه فتفرح بثمار الأجيال اللاحقة ومراكزهم المرموقة في التجمع الأوروبي.
معها « منىٰ حاتم » .. لم ألتقِ بها في حياتي إثناء وجودي في عاصمة الدانوب الأزرق .. كل ما ربطني بها خبر حزين .. فتحركت مشاعر دفينة في نفسٍ تألمت بعد أن ذاقت مرارة الفراق المفاجئ دون أن تكتحل العين الناظرة فتحدد ملامح وجه .. سواء في طفولتها الطاهرة المبكرة وهي زهرة ندية طرية تحتاج لرعايةِ .. أو في صباها حين أشرقت من ثغرها شمس صباح زاهر .. أو حين بلغت مبلغ النساء وتهيئت لحملل التكاليف الشرعية بفهم وعلم واستيعاب وإدراك .. فتحجبت طاعةً لخالقها وسجدت وركعت وصامت وصلت .. ولم تر -بعد- عيني الباصرة وتشهد قطف ثمار سهر الليالي في دراسة أو تعليم أو ظهور نتيجة اختبارات في نهار ..
فلا أرى سواء عينين ..
عيناها « منىٰ حاتم » معبرتان تحكيان .. وتروي لي عن مستقبلها .. !
لا أدري !...
أقصدت - ونحن ما زلنا - فوق المعمورة بعد تخرجها فتصير نافعة لمجتمعها في تخصصها .. أو بعد زواجها – أصفه تفاؤلاً بــ : " الميمون " - فتصبح أماً ترعي فلذات كبدها وزهرات فؤادها وريحانات أنفاسها .. أم رواية عينيها كانت عند الإنتقال للحياة الأبدية مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً ..
ولعل الخطأ عندي إذ لم أحسن فهم رواية عينين « منىٰ حاتم »..
رواية منىٰ عن هذا المستقبل نقلتها صورة فوتوغرافية لمشاهد ومواقف يعمل الخيال الخصب علىٰ أخراجها كفيلم تسجيلي موثق ..
فالشاب الإسكندراني الذي إذا نظر تحت قدميه وجد أمامه شاطئاً إن عبره وصل للقارة الأوربية .. وإذا قادته قدماه خطوات فوق رمال ثغر المتوسط وصل لوصلة النيل الجنوبية ... فإن جدَف وصل إلىٰ أعماق القارة الأفريقية .. فيغتسل في بحيرته ناصعة البياض .. ويتوضأ في نهره الخالد يوم وفاء النيل الفضي حين يلتقي النيل الأبيض بالأزرق فيتحرك هودجه من فسطاط القاهرة لمعز دين الله بالمحمل المِصري ؛ وهو منذ زمن الوزير الثاني « الفاروق: صاحب الموافقات القرآنية : أمير المؤمنين عمر بن الخطاب » .. والخليفة الثاني لسيد الخلق وحبيب الحق خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتم المبتعثين .. منذ ذلك الزمن تكسىٰ الكعبة المشرفة بالقباطي .. فيكون بمكة المكرمة لقاء آخر مع « منىٰ حاتم » ومن ثم تلتقي الأرواح على أرض طيبة الطيبة بعد أن عُطرت بمرقده -صلى الله عليه وآله وسلم -بجوار صاحبيه - رضي الله تعالىٰ عنهما- في غرفة أم المؤمنين [ أم عبدالله ] عائشة الصديقة بنت أبي بكر - رضي الله تعالىٰ عنها وارضاها-.
.. عرفتها « منىٰ حاتم » دون أن تطرب الأذن بسماع صوتها الشجي الرقيق فلم تتم درشة كما يقولون « علىٰ الماشي .. أو علىٰ الواقف » كل ما ربطني بها خبر حزين فتحركت - لعل - أحاسيس « أب » فقد وحيدته وهما يتنزهان في البحيرة المتوسطية ذات الأمواج الهادئة أحيانا ,,, وأحيانا ذات الأمواج الغادرة في قارب صغير يبحر بين قمر ليل اضاءه وبين شمس نهار ساطعة ..
أُحسنُ العوم والغوص بحكم المولد والتنشأة والتربية وهي تحسن التجديف والإمساك بمحرك إتجاه القارب .. وفي لحظة غفلتُ عنها سحبها الموج الشديد لعرض البحر وغابت عن عيني .. فهتز حبر القصبة في إداوته وكتبتُ ما سطره الألم قبل الحروف التي تنسال من القلم ..
وهي ما كانت لي مجرد ذكرىٰ ؛ إذ لا يجوز - بل - لا يصح تعبير ذكرىٰ أن يستخدم مع مثلها؛ ومثلها قليل بل نادر الوجود .. فهي « منىٰ » قد حفرت بنظرات عينيها داخل الفؤاد المكلوم فصلاً من كتاب رحلة عمر لم يرد القدر أن نكملها ..
لا توجد ذكرىٰ مع شخصيات بعينها .. فنحن لا يصح أن نتذكر - فقط - في العام يوم مولد صاحب الهدىٰ .. فهو - عليه السلام - معنا في كل لحظة .. كما لا يصح أن نتذكر مَن حملتنا تسعة اشهر في رحمها .. ثم أرضعتنا سنوات التمام ثم سهرت لتكبرنا أعوام وايام .. ثم ذهبت لربها وخالقها .. أو نتذكر أبا ربى وعلم في يوم مولده أو يوم وفاتها ..
ثم ربطني بها لقاء ؛ إذ هو موعدٌ رتبته السماء علىٰ أرض مطار جدة ؛ مطار الملك عبدالعزيز الدولي - دون سابق ترتيب من طرفي أو إنذار مِن منظم الرحلة المقدسة أو تنبيه من السيدات والسادة الرفاق - فقُبيل مغادرة صالة الخروج - ونحن مازلنا في المطار الدولي ؛ نتأهب لركوب الباصات لنغادر في اتجاه مكة المكرمة - تقدمت آحدىٰ سيدات المجتمع الراقي بحياء أهل الإيمان وبرفقتها مرافقة لها ونحن جميعاً بملابس الإحرام لآداء عمرة الربيع - ديسمبر2018م - وبصوتٍ شعرت أنه يخرج مِن الأعماق ولا أعلم مَن هي .. قامت بتقديم الامتنان لما قلته ذات مرة أو كتبته .. وحين لاحظتْ أنني لم افهم العبارة المقتضبة .. سارعت صاحبتي - أم أولادي - إخباري أن السيدة المتحدثة معي هي أم « منىٰ حاتم » ؛ فتوقفتُ عن إكمال الترحاب والحديث والتسليم والتمنيات بعمرة مقبولة وسفرة ميسورة ودعاء مستجاب وإقامة محمودة .. وانزويت كطفل يتيم وتراجعتُ للخلف خطوات وبدأت في البكاء(*) - فلم ارد أن تراني -أمها - وأنا ابكي .. فقد أخبرتُ منذ نعومة أظافري أن الرجال (بعد!) لم يتعلموا فن البكاء - فقد تذكرت القارب الذي غاب عن ناظري في البحيرة المتوسطية وهو يستقل عروس النيل الفضي وحورية البحر الأبيض المتوسط وحسناء الدانوب الأزرق ... واستقلت أنا أمواج الخيال في إتجاهي إلى الشاطئ..
أم « منىٰ حاتم » ارادت أن تهب لفقيدتها ثواب عمرة ربيعية ؛ والمناسبة بالنسبة لي تكاد تكون مؤلمة نفسيا .. وجارحة روحيا .. وفي ذات اللحظة نفسها تملأ نفسي أملاً وتقوي روحي المثقلة بهموم واثقال الأرض فمنذ أن اقتربت من السنين الأربعين على أنفصالي من رحم أمي الطاهر فإني ارافقها - أمي - في عمرة في شهر مولدي ..
أقتربتْ المسافات الروحية لحد التلاصق النوراني .. الذي لا يدركه إلا من تشبع فؤاده بنور إلٰهي خالص من شوائب الدنيا .
أم « منىٰ حاتم » تهدي عمرة ربيع المولد المصطفوي لمن انتقلت روحها إلىٰ بارئها في ربيع عمرها الحياتي علىٰ الأرض.
ألتقيتُ بروحك - منىٰ - مراراً .. وتبقىٰ هناك لقاء خالد - مِن بعد كرمه ومِن مزيد فضله وعظيم عفوه - سيكون في جنة الخلد .. جنة الرحمن!... فحتىٰ هذا اللقاء - إن شاء الله - لكِ مني ومن محبيكِ السلام والدعوات الخالصات بالرحمة والمغفرة ؛ فوسع الله - تعالىٰ - في قبركِ الرحب وأناره بنور الإيمان والتقىٰ وطمأنك بالنظر إلىٰ موضعك بجنة الخلد فعليكِ السلام وأنتِ سابقة !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) : " جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : « إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ » .
وقال أهل العلم: " إن هذا إذا كان الميت قد أوصاهم بالنياحة عليه ، فإنه يعذب بسبب وصيته ".
قلتُ [الرمادي] ولْنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا دَفَنَ وَلَدَهُ إبراهيم وَقَفَ عَلَىٰ قَبْرِهِ فَقَالَ : « يَا بُنَيَّ ، الْقَلْبُ يَحْزَنُ ، وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، يَا بُنَيَّ قُلِ اللَّهُ رَبِّي ، وَالْإِسْلَامُ دِينِي ، وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي » .
فَبَكَتِ الصَّحَابَةُ ، وَبَكَىٰ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بُكَاءً ارْتَفَعَ لَهُ صَوْتُهُ ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عمر يَبْكِي وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ ، فَقَالَ : « يَا عمر ، مَا يُبْكِيكَ ؟ » .
فَقَالَ : „ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا وَلَدُكَ ، وَمَا بَلَغَ الْحُلُمَ ، وَلَا جَرَىٰ عَلَيْهِ الْقَلَمُ ، وَيَحْتَاجُ إِلَىٰ مُلَقِّنٍ مِثْلِكَ يُلَقِّنُهُ التَّوْحِيدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ ! فَمَا حَالُ عمر وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَىٰ عَلَيْهِ الْقَلَمُ ، وَلَيْسَ لَهُ مُلَقِّنٌ مِثْلُكَ ، أَيُّ شَيْءٍ تَكُونُ صُورَتُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ ؟ ” .
فَبَكَىٰ النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَكَتِ الصَّحَابَةُ مَعَهُ ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبَبِ بُكَائِهِمْ !!! ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَهُ عمر ، وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَصَعِدَ جِبْرِيلُ وَنَزَلَ وَقَالَ : „ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ : { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (سورة إبراهيم ؛ وترتيبها وفق المصحف الشريف [14] ؛ آية رقم [27] ... يُرِيدُ بِذَلِكَ وَقْتَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ ، فَتَلَا النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمُ الْآيَةَ ، فَطَابَتِ الْأَنْفُسُ ، وَسَكَنَتِ الْقُلُوبُ ، وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى .
[المصدر: الحاوي للفتاوي للإمام جلال الدين السيوطي؛ (ص: 214- 215 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدين بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ .
٦ مِن ذي الحجة للعام الهجري ١٤٤١ ~ 26 يوليو 2020م

تكريم المتفوقين

من أبناء وبنات التجمع الإسلامي ؛ طلبة المدارس " والماتورا " للعام الدراسي : ٢٠١٩ / ٢٠٢٠م ؛ في المسجد المِصري بالحي العشرين ( فيينا) .
—————————
في حفل بهيج وبحضور أولياء أمور التلاميذ والطلبة بالمدارس الفييناوية تم أمس ؛ السبت : ٢٠ من ذي القعدة ١٤٤١ الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٠ تكريم التلاميذ والطلبة بهدايا للمتفوقين بمراحل التعليم المختلفة بالمسجد المِصري بالحي العشرين ( فيينا) .
وألقى خادم المسجد: د. الرمادي كلمة ترحيب وتشجيع ، وتكلم عن نماذج رائعة : د. طه حسين - البصير- خريج السوربون - فرنسا و عملاق الأدب العربي : عباس العقاد و توماس إديسون الهولندي الأمريكي: وأكملت الكلمة الاستاذة / إيمان.
وأسرة المسجد المصري تتقدم بخالص التهنئة للطلبة المسلمين لتفوقهم وتتمنى مزيدا من التوفيق والنجاح والرقي العلمي والأخلاقي ؛ كما تتقدم أسرة المسجد المصري بخالص الشكر والثناء لأمهات الطلبة إذ أحضرن ما طاب ولذ من الحلويات.
وموعدنا القادم مع شهادة نصف العام الدراسي القادم: ٢٠٢٠ / ٢٠٢١.
بارك الله تعالى في الجميع وحفظكم !
ونتمنى لكم راحة صيفية ممتعة وأوقات سعيدة وصحة جيدة!
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

يا خسارته .. مَنْ جعلهنَّ بضاعته !

أدركَ رفيقي - تماماً - مغزىٰ كلمة أمه له حين وقفتْ في وسط غرفة المعيشة؛ ووجهُهَا بملامحٍ حادة لوجهِه ... وهو يسعى أن يهرب من نظراتها فلا أحد معهما في الحجرة ... وهي واضعة يديها في خصرها كأنها متحدية له على فعلته الشنيعة في نظر كل نساء الأرض ماعد أمنا - زوجة آدم - إذ لم يكن أمامه سواها فما ولدت بعد تلك الفكرة ...
علَّت صوتها وهي غاضبة منه متنرفزة ومتعصبة؛ وهي حالات - أحياناً - عايشها معها من قبل، ومواقف - قليلة - تعايشها أمامها طوال فترة طفولته ومراهقته، وزمن صباه وهو ابنها الوحيد... - وهو يسعى أن يتذكر تلك الحالات وهاتيك المواقف ليتمكن من مراجعة تصرفاته مع أمه - فهو يذكر هذه الملامح جيداً وهذا الصوت فلم يتغير شئ ما من شخصيتها طوال سنين عمرها معه وإن كان هو وحيدها المدلل الذي لا يقدر علىٰ غضبها ولا يتحمل زعلها؛ وهي تعلم ذلك تماماً، وهو حاول دائماً أن يرضيها؛ سواء في بداية تعليمه وأنها أختارت له القسم العلمي عن الأدبي في التعليم الثانوي؛ وهي التي رشحت له الكلية العملية التي درس فيها بل والقسم الذي تخرج منه... وهي التي أختارت له بنت الحلال من قريباتها المقربات جدا من عائلتها هي دون عائلة أبيه ... حتى عطلته السنوية كان يبحث دائما عن ما يدخل السرور والترفية والسعادة على قلبها ... وإن كان في الحقيقة يقضي عطلته بجوارها بما كان يرغب هو نفسه أن يستجم في هذه البقعة أو يستريح في تلك المنطقة ... واعتاد معها في قضاء عمرة رمضانية أو في ربيع الأول أو عمرة في شهر مولده فهو من شهر مواليد ديسمبر يفعل ذلك كي تعبد ربها بجوار بيته الحرام بمكة المكرمة وبالقرب من مرقد النبي المصطفى في مدينته المنورة التي طيَّب الله تعالى ثراها بجوار صاحبيه ... وعلى كل حال فمن طرفه هو الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة أو قدرات لإرضاءها وإدخال السرور إلى قلبها ... وهي كذلك تريد إسعاده وإدخال الفرحة إلى قلبه ...
ولكن ... وبنرفزة نادرة عهدها منها بقلة منذ نعومة أظفاره حين يستعصي عليها أن ينفذ ما ترغبه هي أو أن يأبى أن يفعل ما تريده ... قالت له وبنظرات حادة كأنها البرق الحارق الهابط من السماء الخاطف للبصر - لعلو قدر أمه عنده -؛ وهي تعلم جيداً ... كيف تخاطبه؛ وبأي نبرة صوت تُسمعه ما يجب أو ينبغي أن ينفذه مع رقة قلبها عليه ... فهو صناعتها - بمزاجها الهادئ ونفسيتها الحنونة ومشاعرها الدافئة وكافة أحوالها إثناء حملها به؛ وإن لم تكن تعلم أنه سيأتي ذكرا - هو صناعتها طوال فترة حملها به - فهو سكن أعلى قلبها ووسط فؤادها وجثم فوق رئتيها؛ فكانت تعلم أنه يتنفس بنفسها ويأخذ قدرا هائلا من الأوكسجين من خلال هواء الإسكندرية النقي فامتزج دمه بدمها - ثم عُجِنَ وخُمِّرَ وفُرِدَ كــ كعة عيد الفطر زمن رضاعته ما بين جدته لأبيه وأمه فاستحوذت جدته على قدر من العناية به... فإما تحمله وتنظفه وتراقصه وتهدهده فترجحه في مهده... وإما أمه فالطبع والقطع ترضعه فأكملت تمام رضاعته فتغذيه وتسمنه وتسعى لتكبره ... ثم صبته في قالب الرجولة على الطريقة المِصرية؛ فهي عاشت زمن نهاية الملكية العَلوية؛ بما فيها من مظاهر السمو والعلو ... ثم زمن الجمهورية المِصرية وبالذات الحُقبة النَّاصرية بما فيها من شموخ وكبرياء فشكلته على ترابيزة المطبخ الإسكندراني بنمط وتوليفة خاصة... إذ أنه معلوم أن المناخ والبيئة والوسط الإجتماعي والثقافي والتربوي والتعليمي والسياسي يلعبون دورا جوهرياً مهماً في تكوين النفسية والعقلية لمن يعيش وسط الأحداث وفي قلب أمهات المدن العريقة، وليس على هامش المجتمع أو أطراف الدولة العميقة ... وهذه النفسية الإسكندرانية وتلك العقلية المِصرية ذات التمدن والحضارة وهاتيك التركيبة المزاجية المَلكية ثم النَّاصرية مِن أم تريد أن يكون وحيدها رجلها الأول الذي يحميها في شبابها ويؤمنها في كهولتها ويرعاها في شيخوختها وكبرها وعجزها... وهذا التحضير لمستقبله أو مستقبلها تم منذ وقت صباه المبكر وفترة مراهقته وأوائل شبابه بإعداد وتحضير جيد بل أكثر من ممتاز؛ كي يكون رجلَ المستقبل... أو كما كانت تقول : „ ينفع نفسه ” ...
هي - أمه - تفهمه جيداً ... فهو على كل الأحوال صناعتها الوحيدة التي أحسنتها وهو تربيتها كدور أم في حياته وهو كان ينفذ ما ترغبه برمشةٍ من عينها إذا لمحها وكان يعلم ما يسعدها ويفرحها قبل إخراج لفظة من فمها ... فيُحْضِر لها ما تحتاجه أو ينفعها ....
ومع ذلك كان عنيداً جداً - كما أخبرني رفيقي - فليس كل ما ترغبه كان ينفذه بسهولة لها ويسر بل كان يحسن التمرد لما لا يعجبه أو يشعر أن مما ترغبه يقلل من درجة رجولته على الأقل في عينها أو في عينه وهذا في مقتبل بلوغه سن الرجال وزمن تكوين شخصيته الحقيقية ...
ورفيقي يروي لي... فهو يَذْكُر جيداً تلك البدلة الراقية من محلات „ شيكوريل ” والتي كان يجب أن يرتديها في بداية سنوات تعليمه الإعدادي؛ وفق نظام التعليم في مدرسته الخاصة، وعيب البدلة الوحيد أنها بدلة ذات بنطالونين : آحدها صيفي وهو بنطلون قصير - يسمى عند من لا يعرف شورت - وآخر شتوي وهو بنطلون طويل وفي فصل الربيع والصيف كان ينبغي أن يرتدي البنطلون القصير وكان يرفضه تماماً؛ إذ أن رفاقه يستهزؤون منه لإرتداءه بنطلون „ شورت ”؛ وإن كان من طقم البدلة؛ ونفس قماشها ونسيجها ... بل ويعاند ويتمرد وفي الأخير بعد علقة ساخنة في الصيف الحار يرتديه لأنه سيذهب زيارةً لخالته...
حين علمت بزواجه من المرأة الثانية؛ وكانت غربية؛ „ خواجايه ” وهي كانت تعترض منذ بداية زمن سفره إلى الغرب أن يقترن بأمرأة غربية وهي لم تكن تبدي سببَ أو اسباب أعتراضها ولكنها معروفة... على عكس والده فلم يظهر له أي ممانعة .
... أمه قالت له : „ يا خسارته ... مَنْ جعلهم بضاعته ” - بلهجة مصرية شعبية... فهو مثلٌ شعبي - ... ولعل تجربتها مع أخيها الأكبر منها تسترجعها من حين أو آخر كما أن شريط أحداث قصة جده لأبيه مع تلك الفاتنة والتي تصغر جدته بكثير يتسلسل أمامها ...
„ يا خسارته... مَن جعلهنَّ بضاعته ” سمعه ... وابتسم ابتسامة بلهاء لقولها ونظر إليها بتمعن ... فماذا تريد أمه من وراء هذه المقولة الشعبية ... وهو لا يدري من ابدعها
... أهي الزوجة الأولى التي جُرحت في أنوثتها متحدثة عن الغاصبة الثانية التي خطفت منها زوجها أو الثالثة... أَمْ آحدهم - الخاسر بالطبع- والذي جرب التنقل بين منازل النساء والتجول بين خيم الغانيات والتردد على صاحبات الخدور يسكن هنا تارة ويترك هناك تارة؛ ولعل ثلاثية صاحب نوبل للأدب قد اشعلت فتيل غرائز بعض الرجال فتكلم الخاسر فوجدها خسارة فادحة التكاليف ... فنصح غيره بما حصله من تجاربه ... ولكن ... وقبل أن يفيق مِن رنات ألفاظ المَثل الشعبي كجرس الكنائس ينبه الغافل أو رفع أذان المنابر ليوقظ الناعس لحقته بالمثل الثاني كي تكتمل فوق رأسه دائرة التأثير النفسي عليه... فيرضخ لما تريد ... وينفذ ما ترغب وبالقطع أمه عاشت ساعات ألم زوجته الأولى في النهار وسويعات الأرق لأنه ليس بجوارها في الليل...
إذاً نقاوتها... واختيارها... تتألم أمام عينها فقالت له بصوت خفيض هذه المرة : „ ده عيش . . وده عيش . . والدناوه ليش ” ... وتقصد به أن ما عند المرأة - الزوجة - الأولى مثل ما عند الثانية فلما تلك الدناءة ...
المثل الثاني جعله ينفجر مِن داخله ولكنه لا يستطيع أن يعلي من نبرة صوته مع أمه ... سعى بكل قدراته البلاغية في إفهام أمه أنه يحتاج إلى الثانية؛ وإن المسألة لا هي عيش ولا خبز؛ ولا بطاطس؛ المسألة أكبر من ذلك وليس بتلك البساطة واراد أن يقرب المثال بأن مذاق الفراولة يختلف عن طعم المانجو وأن البطيخ ليس كالشمام كما أن
„ Wiener Schnitzel mit Petersilienkartoffeln ” (*)
الأصلي من لحم :" Kalb". „ العجل ” يختلف من حيث المذاق عن طعم : "Schwein"oder "Pute" وأنتَ جالس تتناوله في مطعم برج الدانوب أو تفتح علبة سردين من سوبرماركت هوفر على رصيف في الحي العاشر... لم تدرك أمه الفوارق اللُغوية بين ثلاثة أنواع مختلفة من اللحوم... أو من هذا المثال ... وسعى أن يخرج من هذا المأزق الذي حشر نفسه فيه وأخذ يعدد في أوصاف الزوجة الثانية ومزاياها وامكانياتها وجمالها وسحرها وأنها تفهمه سريعا وتدرك بسرعة فائقة افكاره وتقف خلفه لإنجاحه في عمله وإكمال دراسته التخصصية ... و ... و... و...
وأمه تسمع منه... وحين يظن أنه اقترب من رضاها أو قبولها يبدء في وصف جديد للثانية أو نعت مهم لها وعنها وهو لم يجرح بحرف واحد زوجته الأولى...
ولعله لاحظ أنها - أمه - تقوم بدور ما؛ بمعنى أن يجب عليها أن تقف بجوار الأولى لأنها تعرفها عن قرب وتقف خلفها لأن الثانية جرحت مشاعرها وفي نفس اللحظة تريد أن يكون وحيدها سعيدا في حياته... وكما يقولون وقفت أمه بين نارين غضب الزوجة الأولى وسعادة ابنها .
هدأت قليلاً عاصفة أمه في مسألة تجارته الكاسدة الجديدة(!)
ورددت :„ النسوان إما : هَدِيَّات أو رَزِيَّات”
رفيقي يؤكد لي أنه لاحظ هذا التوتر النفسي عند أمه أكثر من أي وقت مضى ... فهي تعلم جيدا هذه القضية الشائكة سواء في تاريخ عائلتها أو عائلة أبيه؛ وآثارها الجانبية أو المباشرة وما سطر في التأريخ المكتوب أو المسموع، وتعلم حكايات كثيرة طويلة والمشكلة عندها أنها تعلم - يقيناً - تشتته بين بيت عربي مسلم تقليدي وبين بيت غربي مسيحي متحرر... وهي تعلم أنه ليس الرجل الوحيد الذي يرغب في الثانية بغض النظر عن الأسباب والمقدمات؛ فهناك ذكور كــ „ فردة قبقاب في رجلها الشمال ”يعني „ Beutel” لا يملك مجرد التفوه بلفظة قريبة أو بعيدة تغضب الأولى والوحيدة ... وهناك رجال ورثوا هرمونات وجينات ذكورية عالية ويحملون كريزما طاغية فائقة تلاحظ بمجرد دخوله من الباب ... لكن وجهة نظرها أن فتح بيت لزوجة هنا وبيت آخر لزوجة هناك مكلفا ماليا وجسديا وذهنيا ونفسياً وإن كان هناك ملحظ أنه وجد من حين إلى آخر أي أنه شعر برضاها إلى حد ما لما يقوم به فهو وحيدها الذي تريد أن تسعده ... .
**

يتبع بإذنه تعالى
ـــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(*) Woher das Wiener Schnitzel wirklich stammt, darüber streiten Kulinarhistoriker in jüngster Zeit wieder heftiger. Eines steht jedoch sicher fest: Das Wiener Schnitzel ist ein echter Kosmopolit. Die ältesten Spuren führen nach Spanien, wo Mauren bereits im Mittelalter Fleisch mit Bröseln panierten. Auch die jüdische Gemeinde in Konstantinopel soll im 12. Jh. ein dem Wiener Schnitzel ähnliches Gericht gekannt haben. Ob da nun die Legende rund um das von Feldmarschall Radetzky von Italien nach Österreich importierte „Costoletta Milanese“ wahr oder nur eine nette Geschichte ist, macht da keinen großen Unterschied. Hauptsache, es ist zart und knusprig!
ورقاتٌ مِنْ كُراسةِ إِسْكَنْدَرِيَّات
رواية : « الرجل المشرقي «
السبت : 13 . شوال 1441 هـ ~ 06 . يونيو 2020 م
الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

 Frau » Hassan «!
السيدة « آيڤا »

رفيقي لم يغادر منزله كعادته خلال فترة الإجراء الاحترازي الصحي وقت نازلة الفيروس الغامض: وزمن التباعد الجسدي بسب وباء كُورونا... فبعد الإنتهاء من آداء عمله في مكتبه يمكث في منزله ؛ ويكتفي بمكالمات هاتفية ضرورية إما من باب الواجب وإما من باب المعايدة على الرغم مِن أننا جميعا في شهر رمضان المعظم؛ شهر الإفطار الجماعي؛ وصلاة التراويح بعد آداء صلاة العشاء جماعة في المساجد والجوامع؛ وموسم العزومات مع الأصدقاء والموائد الرسمية والزيارات واللقاءات مع الإخوان والأحباب؛ والسهرات إلى صلاة الفجر؛ يرافق هذا كله مع ما لذَّ وطاب وتنوع مِن الطعام الشهي والمشروبات الغنية فالفيتامينات والعصائر الطازجة من فواكه الموسم الزراعي الحالي؛ يتبضعون ويشترون ويخزنون ويأكلون وكأن القوم خرجوا من عام مجاعة عامة أتلفت الزرع وجف الضرع فيحتاجون إلى تعويض ما فقدوه في زمن القحط وعدم نزول الغيث؛ فيضيع مع أمثال هؤلاء مغزى الصيام الراقي؛ وهدف الطاعة للرب الذي كان الامتناع عن الطعام والشراب وملامسة النساء له وحده ويجازي به، ويتحطم جزء من آية {وأن تصوموا خير لكم} ... على مائدة الإفطار إذ أن بقيتها :{ إن كنتم تعلمون } ... وهو شهر القيام في الثلث الآخير مِن الليل في عرف البعض؛ كما توقف الاعتكاف في المساجد خاصةً العشر الأواخر منه؛ فمَن يريد أن يفعل ويستمتع بمناخ الصيام الإسلامي وليس الإلزامي(!)؛ إذ لا يطلع عليه إلا عالم السر وأخفى... بمعنى أن الصحيح المقيم وليس من أهل الأعذار وجب عليه الصيام؛ والامتناع عن الطعام والشراب وملامسة النساء والقول الفاحش: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}... أما مَن كان مريضا - على إطلاقه بغض النظر عن شدة المرض أو خفته أو مجرد صداع خفيف - أو على سفر - أيضا على إطلاقه بغض النظر عن مشقته أو صعوبته أو سفر للعمل أو الدراسة أو السياحة - أو مَن {لا يطيقونه} أو أصحاب الأعذار أو بعض المهن الشاقة لأن الجميع تم ربطهم بقوله تعالى : {يريد الله بكم اليسر}؛ ثم يؤكد المعنى: {ولا يريد بكم العسر}... فهؤلاء جميعا لهم رخص واستثناءات...
قلت لرفيقي مسرعاً:" أترك هذه القضية لأهل الفقه ورجال الدين !"...
فسكت على مضض وإن كان - كما لاحظت - أنه يريد أن يكمل الحديث وفق رؤيته أو فهمه للنص....
رفيقي ألتزم الاجراءات الوقائية بحذافيرها .. وكان يقول طالما لا يوجد لقاح - تطعيم - أو دواء فهناك خطر محدق لمن يغامر!
وينتقل سريعاً رفيقي لموضوع آخر؛ إذ أنه يحسن الإنتقال من مسألة إلى آخرى ومن قضية إلى غيرها ثم يعود إلى الأولى إذا قدح في ذهنه فكرة مكملة للمسألة الأولى ولكني كنتُ دائماً له بالمرصاد لإيقاف زحف افكاره ... والتي ليست في مجال تخصصه.
... رفيقي يَذكر تلك السيدة بكل خير وفخر؛ يقصد السيدة « حسن » ... مدام « آيڤا » عقيلة آحد اصدقائنا؛ وهو تاجر في السوق كان شعاره:" أصرف وانفق في الخير يأتي الرزق الوفير"؛ ولعل هذا هو الفارق بين موظف الحكومة ثابت الراتب ومحدد الدخل وبين التاجر الذي كما يقولون على باب الله؛ وهي كانت صاحبة الكرم وتملك قدرا عظيماً من المرؤة وتعطي الفضل وزيادة؛ ورفيقي معجب جداً بطراز تلك السيدات الكاملات في تاريخ البشرية... بدءاً مِن أم البشر وأول امرأة حكت عنها القَصص ودونت سيرتها في كتب سير النبلاء وتراجم العظماء؛ ثم يستدرك فيقول أنها « السيدة الأولى »؛ وهي ينبغي... بل يجب أن تكون سيدة مِن طراز خاص؛ ونوع نادر بين بنات جنسها... إذ يقول رفيقي أنه يوجد نساء فقط للإنجاب؛ وآخريات للطهي وتنظيف المنزل وكي القمصان؛ وثالثات للهو بهن... ثم يتنهد ويسرح في فضاء الغرفة ثم يقول :" وهناك فصيل خاص ذات مواصفات خاصة ومميزات فائقة وخواص وخاصيات لا يقترب منها الكثيرات" ؛ خاصةً - وهنا يدلل – بالمرأة الأولى في البشرية إذ هي مِن « عجينة » الخلق الأول؛ والمكون الأول لكل البشرية؛ خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وعلم الأسماء كلها واصطفاه واجتباه... ومَن سيأتي مِن بعدها من نساء العالمين سيكن مثلها أو فقط عروسة المولد بحكم التربية ونتيجة التنشأة؛ وينبغي بل يجب أن تتميز - المرأة الأولى - بشخصية معينة؛ وتملك عقلية ثاقبة نافذة ونفسية عالية راقية؛ إذ هي البذرة الأولى لبناتها؛ ومَثَلَهُنَّ الأَوْل لتركيبة عقلهن الناضج ويحذون حذوها في نفسيتها السامية فهي كانت السكن الوحيد للرجل الأول فترتب على تلك السكينة الطمأنينة القلبية والهدوء النفسي والراحة العقلية والجسدية فتولدت مودة ونشأت رحمة بعد نهار طويل في التعب والإرهاق؛ بيد أنه توراثنا معلومات مغلوطة عنها؛ إما عن قصد لتصبح الذكورية هي المتفوقة؛ وإما عن جهل؛ فيقال ما يقال دون وعي أو فهم... وصحح الكثير منها القرآن الكريم وسنة خاتم الأنبياء... ويروق لرفيقي العمل مع تلك السيدات الراقيات من حيث العقلية في إدارة المؤسسة التي كان يعمل بها وقد تناوب عليه عدة سيدات من طراز السيدة الأولى في العالم؛ وكان يحسن معاملتهن فكن يعطينه فوق درجته العلمية درجة آخرى من أنه النائب عنها حين تغيب ...
"... معظم الدول التي أحسنت إدارة الصراع ضد فيروس كورونا تحكمها نساء: ألمانيا، ونيوزيلندا، وآيسلندا، والنرويج، والدنمارك، وتايوان، وفنلندا، وفي صمت ومن دون أي جلبة. في عالم الرجال اتهم دونالد ترمب الديمقراطيين بتصنيع الفيروس ضده، ثم اتهم الصين. وقال رئيس البرازيل جايير بولسونارو إن شعبه لديه مناعة ضد الوباء ولن يصاب، ثم حطمت البرازيل الرقم القياسي في الإصابة والوفيات. وأصر بوريس جونسون على مصافحة الناس واحداً واحداً أمام أحد المستشفيات، وفي اليوم التالي كان في العناية الفائقة.
المرأة مخلوق جدي. رئيسة تايوان: تساي إنغ ون دقت ناقوس الخطر أول يناير الماضي، وفي آخره كان بلدها قد صنع مليوني كمامة. وقدمت رئيسة وزراء آيسلندا: كاترين جاكوبسدوتير فحصاً مجانياً لكل مواطن منذ اليوم الأول، ودُفن الوباء في مهده " .
سألت رفيقي:" مَن هي سيدته المفضلة؟ .
وكنتُ تخيّلت أنها جاسيندا أرديرن، بطلة «مسجدي كرايستشيرش».
أجاب رفيقي:" صحيح. لكن هذه المرة، ولمرة واحدة فقط، تقدمتها إرنا سولبرغ في النرويج. فقد عقدت سولبرغ مؤتمرات صحافية عدّة لكي تشرح لشعبها أخطار الوباء وأساليب المواجهة. وعقدت سيدة النرويج مؤتمرين صحافيين للأطفال: لا تخافوا كثيراً. لكن القليل من الخوف يفيد.
واردفت قائلاً:" و... ماذا عن العميدة أنجيلا ميركل؟ "..

أجاب بهدوء واتزان :" العميدة يا مولاي دكتورة في الكيمياء... ولم تكن في حاجة لمن يشرح لها معنى هذا السفّاح اللئيم وطرقه. لذلك، سارعت إلى وضع الألمان في حالة تأهب تام منذ اللحظة الأولى. ولم يكونوا في حاجة إلى ذلك، فهم ألمان أيضاً.
وأراد رفيقي أن يدلل على صحة نظريته فقال مبتسماً :" البُلدان التي تحكمها هذه السيدات لم تثبت نجاحها وشجاعتها فقط في محاربة الوباء؛ إنها بين الأكثر تقدماً واستقراراً وسكينة في العالم. ليس في الذاكرة رجل تعامل مع قضية كما تعاملت جاسيندا أرديرن مع مجزرة المسجدين في نيوزيلندا: قزّمت القاتل وجريمته وعصبيته، وجيَّشت خلفها البلاد، وحوّلته إلى مجرم بلا قضية وبلا أهمية ومعتدٍ على مجتمع البلاد وروابطه....(*)"...
ولعل ما آثر كثيرا في هذه النظرية التي يتبناها منذ زمن هي الدور الفاعل لجدته لأبيه ثم من بعدها أمه ... ولعل السيدة « فوزية » الأنثى الأولى في حياته دون تفاعل ذكوري من طرفه تجاهها لعبن دورا مباشرا في مزاجه الرائق تجاة المرأة عموما سواء أكانت المرأة التاجرة القائدة صاحبة الرأي والشكيمة كجدته؛ أو المرأة الراعية المنظمة كأمه أو المرأة الحاضنة العاشقة كالسيدة « فوزية »....
رفيقي يتذكر السيدة « حسن » ... مدام « آيڤا » بكل خير؛ سواء حين يتم اللقاء العفوي معها في شركة صديقنا السيد « حسن » حين تنتهي من عملها فترافقه للعودة إلى بيتيهما أو لقاء السبت الأول مِن الشهر الفضيل؛ والذي يتم فيه استضافة أصدقاء ومعارف زوجها - صديقنا القديم - على مائدة الإفطار في بيتها العامر وكانت هي بمفردها تحضر وجبة الافطار من أصناف مائدة الامبراطورية النمساوية والملكية المجرية - وتفتخر بذلك - سواء طبق الحساء أو المقبلات أو الوجبة الرئيسية ثم الحلويات مما كان يستحوذ على إعجاب ضيوف زوجها...بالإضافة عصائر رمضان الطازجة المعروفة بالطبع مع التمر المخصوص؛ وكان عنده - جزاه الله خيرا – عادةً... فقُبيل بداية شهر الصيام يكرم أصدقاءه بعلبة - هدية - من التمر غالبا ما تكون استيراد تونس الخضراء وهي المتوفرة في السوق...
ومقارنة السيدة « آيڤأ » بزوجة رفيقي « CHM » فهذا لم يحدث البتة؛ أي عزومة رمضانية أو حتى بعد رمضان ... ولعل المانع أنهما يسكنان في فيلا في ضاحية بالقرب من مدينة سالزبورج؛ فهما في مقاطعة سالزبورج وليس مدينة سالزبورج وكل أصدقاءه يسكنون ويعملون في عاصمة الدانوب الأزرق؛ وشقته في فيّنا صغيرة للغاية لا تصلح للعزومات ولا تسع ضيوفا؛ والعزومات كانت غالبا لأهلها؛ إما في بيت أمها في مناسبات نصرانية أو أعياد مسيحية أو عطلة دراسية أو رسمية أو في بيتها.
السبت الأول من الشهر الفضيل رمضان؛ شهر الخير؛ وهو غالبا بداية العطلة الإسبوعية عند ضيوف السيد « حسن » يجتمعون؛ وكانوا لفيفاً غير متجانس من مشارب شتىٰ وأفكار متعارضة؛ وثقافات عدة فتجد على مائدة الأخ « حسن » وزوجته السيدة « آيڤا » يجلس رجل العلم؛ الذي يفصل الدين عن الحياة، ويدعي أن العلم والدين لا يجتمعان؛ وتحدث مساجلات بين رفيقي وبينه؛ ويؤكد رفيقي أن ما يصلح عند الآخرين ولا يصلح البتة عند الإسلام... يجاور صاحب الفصل هذا بين الدولة والدين مَن حشا عقله بخزعبلات وتراهات وعقائد فاسدة توارثها عن أجداده مِن ساكني بلاد العالم النامي؛ وما أكثر ما عندهم من معتقدات بالية توارثوها عن أجدادهم؛ يجالسهما رجل الإيمان الغيبي؛ الذي يؤمن بالقدرية الغيبية... وأن الإنسان كريشة في مهب الريح؛ ويحدث الجميع مَن يؤمن بالمنامات وبعضها كوابيس أنها تتحق وليس الرؤىٰ الصالحات... ومعهم مَن ولد مسلماً وعاش مسلماً ويعيش الإسلام على مدار العام فقط مناسبات وذكريات(!) معايشة وراثة الأجداد وتقاليد الأباء؛ وأحيانا قبيل لحظة الإفطار حين يحلون ضيوفا يبدء نقاش هادئ أو محادثة عنيفة وهذا يعود لحيثيات الموضوع ولا يتوقف الحديث حتى إثناء تناول الافطار؛ والجميع يتحدثون العربية بيد أن السيدة « حسن » السيدة « آيڤا » تفهم بعض الكلمات لكنها لا تحسن تتبع الحوار؛ خاصة وأن البعض يتحدث العامية الركيكة أو اللكنة الدارجة التي تربى عليها في قريته والبعض يحسن العربية الفصحى بحكم تعليمه ودراسته فتضيع تركيبة الجمل بين العامي البسيط والفصيح المركب ولكن الجميع يفهم بعضهم بعضا؛ والسيدة « حسن » السيدة « آيڤا » أحيانا تتساءل لمن تطمئن إليه من ضيوفها قائلة بصوت هادئ :" لماذا يتعاركون بعد نهار طويل من الإمتناع عن الطعام والشراب !!.."...
فيأتيها الرد :" إنهم فقط يتناقشون ويتحاورون على طريقة العرب "...
فيعلوا في الغرفة ضحكات السيدة « آيڤا » ومحدثها - وغالبا رفيقي - دون أن يدري الآخرين سبب الضحكات العاليات...
السيدة « آيڤا » زارت مِصر عدة مرات في سنوات متتاليات منذ اقترانها بزوجها... بخلاف زوجة رفيقي...
وتعرف السيدة « آيڤا » الكثير من عادات وعلمت الكثير عن تقاليد وأفكار المصريين؛ في أفراحهم وأتراحهم ... لذا كان رفيقي يسعى لمعرفة وجهة نظرها والفارق بين زواج مختلط؛ وزاج من نفس الثقافة أو الدين؛ واقتران اثنان بين ثقافتين تكاد تكونا مختلفتين وبين مجتمعين يكادا أن يكونا متعارضين؛ أو يفصلهمها ديانتان مختلفتان من حيث العقيدة وكيفية العبادات وممارسة الشعائر مع وجود روابط بين الديانتين... وسواء جمع بين الإثنين حب وغرام وهيام ... أو مصلحة مادية أو منفعة البقاء في القارة الأوروبية ؛ ولكنها ما كانت ترد بإجابة وافية كافية شافية ولكن الظاهر أن هناك حالات عدة جمع الحب بين قلبين يعلوهما ذهنية أو نفسية متغايرة؛ والغالب على البشر اختلاف الطباع ...
كان السيد « حسن » يعجبه أحيانا « صالونــ » ـــه الرمضاني، وأحيانا كثيرة كانت يتدخل إما لتحديد وتوجيه مسار النقاش أو لإيقافه؛ وهذا كان لا يعجب بعض الضيوف؛ وهذا « الصالون » الرمضاني كان يبقى مفتوحا حتى صلاة الفجر؛ وقبلها سحور خفيف على النمط النمساوي؛ فيصلي من حضر وبعدها ينصرف الجميع مع تباشير الفجر وزقزقة العصافير...
ولعل هذه العادة الرمضانية ذات الخصوصية النمساوية قد تكون دعت إدارة الحكومة الاتحادية أو عمدة مدينة فيينا إلى عزومة إفطار لمن له علاقة بغض نظر عن نوعها أو صلاحيته إلى الإجتماع لفطور رمضاني؛ وما يلفت النظر أن الطرف الإسلامي قليلا - بل لم يحدث - ما كان يرد التحية بأفضل منها أو مثلها بل أحيانا وفي بعض التجمعات كان هناك صوت ما يحرم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ... وهذه مسألة فقهية تحتاج لدراسة الواقع الجديد وفهم النصوص الشرعية ذات العلاقة الوثيقة وليس مجرد اجترار أحكام فقهية شرعية من مناطق آخرى أو أزمنة غير ذات ارتباط بالواقع الحالي...
... أما هذا العام فقد تغير المعتاد بسبب تلك الاجراءات الاحترازية مع اعتذار رقيق مِن السيدة « آيڤا » والسيد « حسن »...
ولكن اثناء مكالمة تليفونية بين رفيقي والسيد « حسن » في أول سبت من رمضان لهذا العام عرض الأخير أن يتم اشراك أهل العلم في تلك المكالمة وكانت المفاجأة الكبرى وغير متوقعة أن انضم إلى تلك المحادثة عبر نظام اتصال جديد تكنولوجي حديث بالصوت والصورة لثلة من كبار العلماء ضيوف يأتون من حين إلى آخر إلى النمسا.....
... فبدء الشيخ الجليل الوقور مِن المملكة العربية السعودية الحديث بقوله :" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! ... نهنئكم بدخول شهر القرآن العظيم؛ وفضله الجسيم؛ واتمنى لكم جميعاً صياما سهلا ميسورا لطول نهاره وقياما مأجورا مقبولا لصلاتكم وافطارا هنيئاً مريئاً ... وحرمنا بقدر الله تعالى من أفطاركم الصحي..."...
فقاطعه رفيقي بقوله:" فضيلة الشيخ الدكتور الوالد؛ لا اتمكن من الرد على تهنئتكم الرقيقة وتمنياتكم القلبية بمثلها أو أحسن منها فحضرتكم استاذ لنا..." ..
وقبل أن يكمل رفيقي قاطعه الوالد الدكتور بنبرة حادة فقال له موبخاً:" إنتَ... أنا أعرف صوتك من بين مائة ... إنتَ بالذات لكَ معايا حساب عسير حين آتي لزيارتكم ولعلها قريبة... أين العهد الذي أخذته منكَ ... وهناك شهود ... ثم قولك لي أنكَ تريد أن تترك بصمتك الظاهرة على التواجد الإسلامي في أوروبا ... لِما يا بني تقولون ما لا تفعلون... أتق الله - عزوجل -!!..."..
وهنا تدخل وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية :" فضيلة الأخ الدكتور... والله وحشتنا كثير ووحشتنا مداخلاتك القيمة ... أولاً سلام الله تعالى عليكم جميعاً إن شاء الله تكون صحتك كويسه!!"..
فرد عليه الدكتور الوالد :" أهلا وسهلا ومرحبا ... منذ المؤتمر الأخير في الإمارات لم نتقابل ... آيه انتم ماعندكمش افكار تترجموها إلى افعال ولا آيه!؟"...
فرد وكيل أول الوزارة :" طبعا طبعاً استبشر خيرا ... ولي مداخلة .. بخصوص ابننا دكتور النمسا ... خليك حنين شوية على أولادنا في الغرب وخاصة في القارة الأوروبية المسيحية العريقة !".
فتدخل رفيقي :" وعليكم السلام والبركة والرحمات مولانا الشيخ الدكتور!".
فرد الشيخ الدكتور :" عليكم السلام يا ابني يا مصطفىٰ ؛ أبوك الدكتور زعلان منك كده ليه.. يا ابني اشتغل ماتقعدش تتكلم كثير...!"...
" يا فضيلة الشيخ حضرتكم عارفني كويس... ".. رد رفيقي...
فبادره الدكتور الوالد من مكة المكرمة :" ... إنتم بالذات أهل الغرب.. غيرنا أحنا في بلاد المسلمين ... عليكم دور المسلم العادي وأيضاً عليكم دور المسلم الداعية !!!".
"بس يا دكتور..."... قاطعه رفيقي
" اسكت واستمع وأعقل وافهم ما اقوله لك.." بادره الدكتور الوالد...
ثم أكمل:" وجودكم بين ظهراني أهل الكتاب ونسبتهم الحقيقية قليلة حسب الاحصائيات... ومَن لا يؤمن ونسبتهم مرتفعة تتطلب منكَ وأمثالك... يا مَن تسكنون معهم تتطلب تصرفات وأعمال وأقوال ومبادرات عدة ... فلما لا تجتمعون على قلب رجل واحد بدلا من صراعات وهمية... " ...
" اسمع .. أسمع ... إنتم في دولة النمسا عندكم الهيئة الإسلامية المعتمدة من الحكومة؛ وعندكم ...- بعد برهة تفكير - آيش يسمونها ... الأكاديمية الإسلامية لتخريج الأئمة " ..
قاطعة رفيقي :" الأكاديمية لتخريج مدرس دين إسلامي لمستوى ابتدائي وإعدادي..".
"طيب .. طيب .. زين ... زين مغلطناش في البخاري زي أنتم ما بتقولي في مَصر.."
:" سيبني يا ولدي أكمل..."...
وعندكم " كلية في الجامعة النمساوية ... إسلامية ... وهذا من الناحية الرسمية ... الواجهة أمام الدولة ... ثم عندكم الهيئة الإسلامية العربية وعندكم كمان... المجلس التنسيقي للتجمعات الإسلامية وهو الواجهة المجتمعية .. يعني يا بني - الله هداك - واجهة رسمية أمام الدولة .. وآخرى واجهة أهلية.. واحدة معتمدة أمام الجهات الحكومية وآخرى داخل المجتمع المدني ... آيش عاوزين أكثر من كده .. والله العظيم أمركم غريب... نسمع صوت ولا بنشوف طحين... وقبل ما انسى عندكم هيئة آخرى مدعومة لحوار الأديان ... وهذ لها صفة ما دبلوماسية ثم اضف لكل هذا المصليات والمساجد ... والأحزاب والجماعات الإسلامية والحركات الإسلامية في الشرق عندكم منها مَن يمثلها في الغرب ... والله العظيم إنتم حيرتونا..".
فتدخل وكيل أول وزارة الأوقاف؛ ضيف أزهر قاهرة المعز لدين الله الفاطمي بقوله :" لا تنسوا ... أحنا كنا أعطينا ضوء أخضر لوجود مدارس أزهرية في جمهورية النمسا ... ودي كمان مسألة في منتهى الأهمية ".
فقال ضيف مكة المكرمة المكرم إثناء محادثة معنا في فيينا :" طيب والله العظيم إنتم تملكون ما أحنا لا نملكه ... بمعنى إنكم على ارض كاثوليكية عريقة وبجواركم - فركة كعب - الفاتيكان وعندكم هذا القدر من المؤسسات الأهلية والرسمية ... ".
... هدأت قليلاً العاصفة برياح الخماسين محملة بذرات رمال الربع الخالي... وكأنهم يلتقطون أنفاسهم للجولة التالية... وهنا رفع أذان صلاة المغرب... فتمنى الجميع لبعضهم البعض فطورا طيبا هنيئاً...
وقال الدكتور الوالد لوكيل أول وزارة الأوقاف :" يا طويل العمر نتكلم سوا بعد صلاة العشاء والتراويح لأن هناك أمر أريدك أن تعلمه ونرتب أمورنا عليه..!"...
ثم تكلم مع رفيقي بقوله:" يا ولدي .. إنتَ عارف قدر معزتك عندي كبيرة وحبي لكَ ... إنتَ ولدي ... وكنت وضعت في عنقك أمانة وظننت أنك قادر عليها فلا تخيب ظني فيك!!!؟... لأني سأسئل عنك ... زين... زين... أول ما تفتح سماء الرحمن ابوابها للخطوط الجوية راح تلاقيني أمامك .. فوق رأسك ... نجتمع ونعيد حسابتنا... وإنتَ وإن أخطأت أو تراجعت أو قصرت نصلح ما أفسده .... ".
وانقطعت المحادثة ....
فقال السيد « حسن » :" واظن سمعه الجميع :" ومراتي « آيڤا » بتحيكم وبتقول لكم إنتم جميعاً ضيوف عندها... بس لما تيجوا!!! ...

ـــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
ورقاتٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
رواية : « الرجل المشرقي »
السبت : 07 . شوال 1441 هـ ~ 30 . مايو 2020 م
الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

 الصيامُ المُحَمَّدِيُّ & „ CHM ”

قال لي رفيقي أنها... تقبلته علىٰ الرغم من ديانته المُحمَّدِية؛ فهو محمديٌّ في نظر شقيقتها الكبرىٰ؛ وهكذا كانت تصفه؛ ودائما بهذه المصطلح كانت تنعته، بالرغم من توضيحه الدائم لها في مناقشات عدة ولكنها لم تكن ترغب في تصحيح ذلك المفهوم عندها؛ إذ كان يقول أن محمداً لم ينشأ دينا ولم يخترع ديانة؛ بل هو رسول من عند خالق الإنسان ليبلغهم منهاج ربهم؛ ولعل الخطأ عندها يعود إلى القياس على المسيحية وهذا ليس بصحيح؛ هذه الأخت الكبرىٰ والتي عاشت في ألمانيا -الجارة الكبرىٰ- حيث ارتفاع نسبة العمالة التركية والتي على أكتافها بنيت ألمانيا الحديثة وفق مشروع وخطة مارشال الأمريكي؛ وتلك العمالة وجب أن تكون متدنية التعليم والثقافة؛ واشترطوا أن يكون العامل التركي لا يحسن القراءة ولا الكتابة مع ضحالته في لغة الخطاب وضعفه في لغة الحديث، وهذا ينطبق على الجيل الأول منهم؛ بخلاف الجيل الثاني أو الثالث، وهذه إشكالية مازالت موجودة عند بعضهم أو عند من يمثل تلك الثلة قليلة العدد؛ وهذه العمالة تقوم بأعمال يترفع عنها ابن البلد ...
رفيقي يكمل فيقول : وحين تقبلته -„ CHM ”- فلعلها كانت تؤمن بأن «الدين لله والوطن للجميع»؛ مع إشعاره خفيةً باسلوب غير ملفت أن أقدامه تقف فوق القارة المسيحية الكاثولكية المتشددة؛ وأن مقر البابوية -الفاتيكان- تبعد عدة ساعات بالسيارة مِن منزلهما؛ وتذكره أنه ترك بلاده ليكمل تعليمه الأكاديمي في آحدىٰ جامعات بلادها ...
وفي بداية معرفته بها كانت تسعىٰ لوضع حدود ورسم خطوط حمراء ينبغي عليه أن لا يتعداها، وأن يتقبل أنه في مجتمع كاثوليكي متحفظ... ثم تعود لتقول له لكن لكَ من الحقوق الإنسانية والممارسات البشرية ما تكفله الدستور الأساسي للدولة التي استضيفتك... بيد أن الإشكال يظهر في مناسبات ما كقدوم عيد الأضحىٰ والأضحية بذبح كبش أو الإخبار بمسألة ختان الإناث أو قضية الحروب في بعض المناطق وما يتبعها مِن الرغبة عند البعض في الهجرة إلىٰ دول الشمال؛ بدلا مِن الذهاب إلىٰ دول الخليج العربي مثلاً...
والإشكال الأكبر حين يأتي شهر الصيام والإمتناع التام مِن الفجر الساطع إلىٰ مغرب الشمس عن الطعام والشراب ومداعبة الزوجة أو معاشرتها... وكانت في نقاش دائم معه فهي تتقبل الأمر الأول والثالث وتتعارك معه علىٰ الأمر الثاني...
... رفيقي يقول لي أنها تقبلته بالرغم مِن ملامح وجهه القمحية؛ فلعلها كانت تؤمن بأن الحب لا يفرق بين مَن هي بيضاء البشرة نقية... زرقاء العينين كسماء صافية... شقراء الشعر كجدائل الذهب الخالص... وبين مَن جاء مِن شمال أفريقيا بما يحمل من جعودة شعر أسود كليل كالح... وعين عسلية...
وهو يؤكد لي أنها تقبلته بالرغم مِن أن بلسانه لَكْنَة أعجمية حين يتحدث لغتها الأم -الألمانية- مع أنه يحسنها بحكم دراسته الأكاديمية وتواجده في مجتمع علمي يعمل فيه وله، وهو لا يحسن اللغة العامية الدارجة سواء الفييناوية أو السالزبورجية ولا يفهمها، وكان يفتخر بذلك...
ولعل الهام أنها تقبلته بعد أن علمت مِن آحدىٰ رفيقاتها في بداية معرفتها به أنه يحمل درجة علمية فوق التعليم الجامعي بحصوله علىٰ درجة الماجستير؛ وتحضيره لدرجة الدكتوراه إذ كان مَن حوله ينادونه بها...
وأهل الغرب مولعون بالدرجات العلمية والألقاب الإجتماعية وذاك منذ عهد الإمبراطورية النمساوية...
إذاً نشأت منذ اللحظة الأولىٰ علاقة «استلطاف» بينهما و «جاذبية» لعل يعود ذلك إلىٰ أنه يحسن خلق المواقف التي تروق للنساء؛ ويحبك تجسيد المشاهد التي تجذبهن للمتحدث اللبق...
ورفيقي تمرن علىٰ خلق هذه المواقف باحسان وافتعال تلك المشاهد منذ نعومة أظفاره بجدارة... تارة مع جدته لأبيه حين كان يرافقها يوميا في ذهابه معها لمسجد الراوي بالحي الذي يسكنه في طفولته المبكرة وبداية صباه ويجلس مع خالاته -هكذا كان يناديهن؛ وهنَّ قريبات أو زميلات أو معارف جدته- يجلس الجميع في «سندرة» المسجد لسماع درس العصر وحتىٰ صلاة المغرب وتارة آخرىٰ مع أمه في زياراتها لأقاربها ومعارفها وصديقاتها...
بدأت „ CHM ” ترتبط به وترغب أن تراه لتسمع ما يحكيه لها مِن روايات إما حقيقية حدثت بالفعل وإما يخترعها من بنات افكاره ونسج خياله أو ما يرويه مِن قصص في التاريخ أو أخبار السياسة وأحوال الشعوب وعادات القبائل والأمم...
ورفيقي كالصائد الماهر يحسن وضع الشباك ليتمكن مِن الإمساك بفريسته ثم أحكام إمساكها كي لا تفلت منه؛ وهي قد أعجبته منذ اللحظة الأولىٰ فأحسن الإحكام وتفنن في إبداع الإمساك؛ ولعلها خاصية ذكورية منذ عهد الإنسان الأول...
كان يسمع أن «وراء كل عظيم امرأة» ولعل رفيقي كان يبحث عنها... فبعد أمه التي حملته بين قلبها ورئتيها فرضعته فهذبته وربته؛ ثم جدته لأبيه وجعلاه -الجدة والأم- رجلا..
استطيع القول أنه كان يبحث عنها!
بيد أن ما نغص عليه حياته معها كان مصدران؛ الأول أختها الكبرىٰ؛ والتي لا تطيق له رؤية أو سماع صوت، والثاني وسائل الإعلام المرئية والمقرؤة والمسموعة؛ حيت تخبر عن ما يحدث في مناطق بعينها يسكنها غالبية مسلمة أو تصرفات وأعمال مسلم آتىٰ من موطنه راغباً البقاء في القارة الأوروبية، فيفعل ما لا ينبغي أن يفعله؛ وهي كانت محافظة بشكل دائم ودقيق علىٰ تتبع الأخبار وسماع نشراتها... وغالبا ما يتم نقاش أحيانا يكون هادئاً وأحيانا آخرىٰ عنيف في الوصف أو التعليق علىٰ هذه الأخبار أو تلك الأحداث... أو تحتفظ بقصاصة من جريدة ليقراها عند عودته إلى البيت...
وكانت تخبره في نهاية الحديث أو نهاية مطاف النقاش -وهذا يتوقف على مضمون الخبر أو الحدث- :« أنتَ... ياحبيبي... تختلف تماما عن هؤلاء!!!»...
فكان يشعل فتيل المناقشة عمداً بقوله لها :« ولا تنسين أنني مِن هؤلاء؛ وأنني واحد منهم؛ ولا تنسين أنني ولدت في شمال القارة الأفريقية وتربيت هناك!!! ».
فترد عليه مباشرة لاسكاته: « لا تقل هذا... أنتَ حصلت علىٰ الجنسية النمساوية؛ وتفكر بطريقة آخرىٰ غيرهم... وأمك ربتك بطريقة آخرىٰ... وهذا ما جعلني أختارك حبيبا وزوجا لي !!!»...
فيؤكد علىٰ أنه منهم!!!
وهي تريد أن تنهي هذه المقارنة.
رفيقي يخبرني أن أختها الشقيقة التي عاشت مقتبل عمرها في الولايات المتحدة الأمريكية وهناك تعرفت علىٰ زوجها الفيزيائي إثناء دراسته هناك؛ ولا تريد أن تفصح كيف تعرفت عليه!، والإشكال أن شقيقتها فشلت في الحصول علىٰ إنهاء الشهادة الثانوية؛ وبالتالي لم تتحصل علىٰ تعليم عال؛ وأكتفت أن تكون زوجة دكتور بدلا من أن تحمل -هي- الدرجة العلمية ... درجة دكتور؛ وكان هذا كما وضحت اختها الصغرى لرفيقي كثيرا ما يؤلمها...
رفيقي يخبرني أن زوجة الدكتور -شقيقتها الكبرىٰ- كانت لا تطيق له رؤية.. ولا تتحمل سماع صوته ولا ترغب أن تراه جالسا مقابلها -أمامها- علىٰ مائدة الفطور أو العشاء كانت تتعمد دائماً أن تجلس بحذاءه أي بجواره ولكن علىٰ بعد مقعدين أو أكثر فلا تراه ويكفي أن تسمع صوته؛ وتنزعج إذا سمعت مزاحه وضحكاته؛ وأخبرته بذلك أختها الصغرىٰ زوجته مرارا...
رفيقي كان يكتب في رسائلها لها حين يغادر بلادها إلىٰ مؤتمر ما يشارك فيه، أو سفر للأرضي المقدسة الحجازية؛ وكان يوظب علىٰ ذلك في عطلة الكريسماس من كل عام؛ كان رفيقي يكتب في بداية خطابه هذه الحروف الثلاثة: „ (1)CHM ”
والطريف أن أمهما كانت تتقبله بل وتثني عليه كثيراً عند التحدث عنه؛ خاصةً أنه وقف بجوارها في مرضها وكان يحضر لها طبق السلطة علىٰ طريقته وكان يعجبها، ويقدم الحساء -لحم دجاج أو خروف مسلوق مع قطع مِن البطاطس والجزر- ويحضر غذاءها إلىٰ غرفتها... ويجلس ساعات يحدثها؛ والإشكال معها أنها كانت تتحدث بلغتها الدارجة التي تربت عليها في مقاطعتها بغرب النمسا والقريبة من الحدود الألمانية وبطبيعة عمل زوجها -حماه وقد مات منذ أعوام- كانت تتعامل مع زبائن المحل وكان جزء منهم مِن الأتراك الذين يعملون في المصنع القريب من مدينتها.
وكان يحسن اختيار الهدايا لها في مواسم أعيادهم النصرانية... فتفرح بها كثيرا وكانت تثني عليه وتخبر بناتها -زوجته؛ ابنتها الصغرى، وشقيقتها؛ ابنتها الكبرى- وأمام أحفادها افتخارا أن رفيقي هو الرجل الوحيد الذي حضَّر لها طعاما؛ وهو الوحيد الذي كان يحسن تقديم طبق غذائها فيقوم مِن مقعده دون الآخرين ليغرف لها طبق الشوربة وأيضا طبق الغذاء الرئيسي وايضا العشاء أمام الجميع وكأنهم لم يعتادوا علىٰ مثل هذه المواقف... ويحسن خدمة النادل حين يقوم بتقديم الأطباق لأم زوجته...
وكانت „ CHM ” -علىٰ الأقل أمامه- تشاركه الصيام في رمضان مِن كل عام فتمتنع عن تناول أي شئ إثناء وجوده بيد أنها لم تكن تقوم مِن نومها قبل الفجر لتحضر له ما يناسبه مِن طعام السحور؛ وكانت تعتبر الصيام المحمدي نوع من النظام الصحي السنوي وتعتبره مفيدا لتخسيس الوزن الزائد أو التخلص مِن الدهون في الجسم وإزالة الشحوم في بعض مناطق الجسد... وتخبره أنها تكون أكثر نشاطا اثناء أيام الصيام عن ما عداها... ولكنها كانت تشرب عدة أكواب من الماء وفنجان أو أكثر من الشاي الأخضر في الصباح الباكر وفنجان من القهوة عند العصر...
رفيقي لم يصم في زمن عنده اجازة من عمله... وكان هذا يدعو إلىٰ التساؤل كيف يقدر علىٰ هذا..!!!؟.
وذات مساء سمع أختها الشقيقة الكبرىٰ تحدثها وهما في غرفة اعداد الطعام للعشاء ولكن تعداه للجميع في نهاية عطلة إسبوع وكان الجميع ضيوف عندهما أنها قالت عنه أنه « Nachtmaus » . وتساءلت الكبرىٰ كيف يتمكن من تناول الطعام والشراب طوال الليل ومتىٰ يتمكن من ذهابه إلىٰ عمله؛ وكيف يحسنه في النهار!!؟...
انتظر رفيقي ما ستجيب الأخت الصغرىٰ عنه توضيحا لما بالفعل يفعله!!؟.
لكنها لم تتكلم... ولم تتحدث... ولم توضح لها !.
رفيقي يحدثني أن الإشكال مع الآخر مبني علىٰ قلة المعلومات الصحيحة الدقيقة والتي تقال في الوقت المناسب!... وندرة أهل التخصص!
ثم يكمل أن الإشكال يعود أن فئة المثقفين وطبقة العلماء تعلم ما يحدث عند الآخر لكن العامة من الناس لا يعرفون ما يتكلم به أهل العلم... وهذا هو الفارق بين من يعلم ومن لا يعلم... وعند تناول العشاء لضيوفه وتناوله وجبة إفطار رمضان ... اخذ يشرح كيفية صيام المسلم وكان زوج اختها الكبرى ينصت بكامل قدرته الذهنية ... ثم أجاب العالم الفيزيائي بقوله لهم جميعاً وموجها كلامه له :« عجباً لهذا الدين... ما يقوله الدكتور مصطفى اثبتته التجارب العلمية وأكدته المختبرات وتمارسه المستشفيات التخصصية ... وتسميه صيام الثلاثين يوماً...» غضبت الكبرىٰ من حديث زوجها وما كان منها إلا أنها غادرت قاعة الضيافة... ولكن الحياة استمرت ... مع جرح في الوجدان عند شقيقتها الكبرىٰ ... وبالطبع عندي

ــــــــــــ ــــــــــــ ــــــــــــ ــــــــــــ
(1) اسمها كان مركب من CHristina » » Maria » » لذا كان يكتبه : „ CHM ”
ورقاتٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
رواية : الرجل المشرقي
الخميس : 07 . رمضان 1441 هـ ~ 30 . أبريل 2020 م

 

خصائص و فضائل شهر القرآن والغفران ، والصيام والقيام:
"رمضان المعظم "

خص الله -عز وجل- شهر رمضان بفضائل وخصائص عن بقية الشهور ؛ ومن ذلك :
١ . ] أن الله -عز وجل- جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام، كما قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه }
[البقرة / 185 ] ،
و
ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: » بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله ؛ وأن محمدا عبد الله ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت « .
[البخاري ( 8 ) ، ومسلم ( 16 )]
٢ . ] أن الله -عز وجل- أنزل فيه القرآن ، كما قال تعالى في الآية السابقة : { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }
[ البقرة / 184 -185 ]
٣ . ] أن الله -عز وجل- جعل فيه ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، كما قال –تعالى- : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }
[ القدر / 1 ~ 5 ].
٣ . ١ .] وقال -عز وجل- أيضا : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ }
[ الدخان / 3 ].
٤ . ] أن الله -عز وجل- جعل صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا سببا لمغفرة الذنوب ، كما ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال : » من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه «.
[البخاري : ( 2014 ) ، ومسلم : ( 760 ) ] و
وعند البخاري أيضا ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- : » من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه «
[ البخاري: ( 2008 ) ، ومسلم : ( 174 ) ]
٥ . ] أن الله -عز وجل- يفتح فيه أبواب الجنان ، ويُغلق فيه أبواب النيران ، ويُصفِّد فيه الشياطين ، كما ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال: » إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين «
[ البخاري : ( 1898 ) ، ومسلم : ( 1079) ]
٦ . ] أن لله -عز وجل- في كل ليلة منه عتقاء من النار ، روى الإمام أحمد من حديث أبي أُمامة -رضي الله تعالى عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال» لله عند كل فطر عتقاء « .
[ مسند أحمد : (جزء : (5)؛ ص: (256) ]
[قال المنذري: إسناده لا بأس به. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (987)]
وروى البزار من حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - » إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة - يعني في رمضان - ، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة «
[كشف: (962)]
[صححه الألباني في "صحيح الترغيب" ( 1002 ) .]
٧ . ] أن صيامَ رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر ، كما ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال : » الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان : مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر «
[صحيح مسلم : (233)]
٨ . ] مَن صامه ثم صام ستة من شوال [الشهر الذي يلي رمضان مباشرة] كصيام الدهر ؛ أي يعدل صيام عشرة أشهر، كما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:» من صام رمضان ، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر «
[ صحيح مسلم: (1164) ]
٩ . ] أن من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ، لما ثبت عند أبي داود وغيره من حديث أبي ذر -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : » إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة «
[ سنن ابي داوود : (1370)]
[صححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص 15).]
١٠ . ] أن العمرة فيه تعدل حجة ، روى الإمامان في صحيحيهما عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار : " ما منعك أن تحجي معنا ؟ "،
قالت : " لم يكن لنا إلا ناضحان ، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح ، وترك لنا ناضحا ننضح عليه " ،
قال : " فإذا جاء رمضان فاعتمري ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ".
وفي رواية لمسلم : " حجة معي ".
[ البخاري (1782) ، ومسلم (1256)]

ومن الله تعالى الهداية والصلاح والتوفيق
الرمادي
١ رمضان ١٤٤١ هــ~ ٢٤ ابريل ٢٠٢٠م

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ[(1)]
﴿ وَأَن تَصُومُواْ „ خَيْرٌ لَّكُمْ ‟﴾ ﴿ إِن كُنتُمْ „ تَعْلَمُون‟ ﴾ [(2)]

ولمعنى حديث النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « صوموا تصحوا»[(3)]
[ ١ . ] أحكام وفضائل الصيام وأسرارَه :
الوحي الإلهي بشقيه - القرآن الكريم والذكر الحكيم ، والسنة المحمدية النبوية العطرة - هذا الوحي يحمل بين آياته ونصوصه ومتن أحاديثه يحمل :
- إعجازا بلاغيا و
- إعجازا لُغويا، و
- إعجازا تشريعيا منهجيا سلوكيا تعليميا تربويا، و
في السابق كان التفسير بيانيا لغويا ثم جاء دور الإعجاز العلمي -كنوع جديد من التفسير والتأويل- في تفسير بعض آيات الذكر الحكيم وتأويل نصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم-.
إنَّ أحكام وفضائلَ العبادات المنزلة مِن رافع السموات -تعالى في سماه وتقدست اسماه- بواسطة أمين السماء المَلَٰك جبريل -عليه السلام- على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله : خاتمِ الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين والمبعوث رحمة للعالمين -صلى الله عليه وآله وسلم- وأسرارَها... أقول : هذه الأحكام وتلك الفضائل والأسرار : بحورٌ نورانية وميادينٌ إيمانية قد تحار فيه الألبابُ الذكية، والعقول والأفهام الإدراكية؛ ويذهب استيعابها كلَّ مذهب؛ لذا كان لا بدَّ لِمَن أراد ولوجَ باب العلم الشرعي والمعرفة المنهجية والكيفية العملية في الحياة الإسلامية اليومية والطريقة المحمدية الرسولية النبوية القرآنية السنية - كطراز خاص من العيش وطريقة معينة من الحياة - لا بدَّ لِمَن أراد ولوجَ باب العلم أن يتلمَّسَ أدق التفسير وابهاه وسليم التأويل وأقواه ؛ وما صحَّت به نصوصُ الشريعة الغرَّاء من الهدي النبوي الشريف لخاتم الأنبياء ، مع تدقيق النظر فما اعتمده السادة العلماء الأجلاء الراسخون في العلم ...
وكاتب هذه السطور - مع علمه بصِفْر اليدين، ومُزْجاة البِضاعة - رغبتُ في بَذْل الوُسْع في ذلك متشبِّهًا بأهلِ هذا الشأن؛ فمِن الله -تعالى- الهداية والتوفيق....
وبعد التوكل عليه والاستعانة به أقول:
إنَّ فضائل الصيام وأسرارَه تكاد - بحمد الله - ألاَّ تنحصر، فمِن ذلك أنَّ :
١ . ] الصيام : ركنٌ عظيم من أركان هذا الدِّين الحنيف، فلا يستقيمُ بناءُ الإسلام إلاَّ به، ولا يثبت إيمانُ امرئٍ حتى يُقِرَّ بفرضيته...
ومنكره خرج عن دائرة الإيمان وجاهده يحتاج إلى إعادة النظر في عقيدته!
قال النبيُّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: « بُنِي الإسلامُ علىٰ خمسٍ:
- شهادةِ أن لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، و
- إقامِ الصلاة، و
- إيتاءِ الزكاة، و
- حجِّ البيت، و
- صومِ رمضان»[(4)].
٢ . ] الصيام في رمضان وقيام ليلة - وبخاصَّة ليلة القدر - إيمانًا واحتسابًا، دالٌّ على صِدْق إيمان فاعلِه، وإخلاصِه في عمله؛ لذا فهو مبشَّر بمغفرةِ عموم سابق ذنبِه.
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - : «مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»[(5)].
وقال - عليه الصلاة والسلام - : « مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»[(6)]. و
يقول الصادق المصدوق -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَن يَقُم ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه»[(7)].
٣ . ] الصيام لا يعدِل أجرَه أجرُ شيءٍ من عَمَلِ ابن آدم، ففيه استكنَّ سرُّ الإخلاص، فبزَّ أجرُه بذلك جميعَ الأعمال؛ قال النبيُّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «كلُّ عمل ابن آدمَ يُضاعف، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعْف؛ قال الله-عزَّ وجلَّ-: إلاَّ الصومَ فإنَّه لي، وأنا أجْزي به، يَدَع شهوتَه وطعامَه مِن أجلي»[(8)].
٤ . ] الصيام وقايةٌ لنفس الصائم من اتِّباع الهوىٰ في الدنيا، ومِن عذاب الله في الآخرة، وحِصْن حَصِين للصائم من مكايدِ الشيطان الرجيم؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ»[(9)].
٥ . ] الصيام قاطعٌ مُؤقَّت لشهوةِ النكاح، وسبب للعِفَّة والطهارة؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- موصيًا شباب أُمَّتِه، وأكرِمْ به مِن موصٍ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصَّوْم؛ فإنه له وِجاءٌ»[(10)].
و"الباءة": القدرة علىٰ مؤنة النكاح، و
"وِجاء"؛ أي: قاطع للشهوة.
٦ . ] الصيام مُهذِّب لنفْسِ الصائم، ممسكٌ عليه لسانَه وجوارَحه عن قوْل زُور، أو عمل به، مصبِّرٌ له علىٰ أذىٰ الناس؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إذا أصبحَ أحدُكم يومًا صائمًا، فلا يرفثْ ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم»[(11)]. و
قال -عليه الصلاة والسلام-:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه»[(12)].
٧ . ] الصيام فاقَ سائِرَ العبادات، بتحقُّق فضيلة الصبر فيه؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«الصَّوم نِصفُ الصَّبْر»[(13)].
٨ . ] الصيام سبيلٌ لدخول الجَنَّة من باب الريَّان (باب من أبواب الجنة الثمانية)، وهو مُخصَّص للصائمين فقط؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إنَّ في الجَنَّة بابًا يُقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِق، فلم يدخلْ منه أحد»[(14)].
٩ . ] خُلوف - أو خُلْفة - فم الصائمِ هي أطيبُ عند الله من ريح المسك؛ قال-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-:«لَخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عندَ الله من رِيح المِسْك»[(15)].
١٠ . ] للصائم فرحتان؛ قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «وللصائمِ فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفِطْره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه»[(16)].
١١ . ] الصيام من الأحوال المختصَّة بإجابة الدعاء؛ قال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [(17)].
تأمَّل كيف ذكر -سبحانه وتعالىٰ- إجابةَ الدعاء بعد ذِكْره فريضةَ الصيام؛ وقال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلَّم-:«إنَّ للصائم عند فِطْره لَدعوةً ما تُرَدُّ»[(18)].
١٢ . ] الصيام يدعو المسلِمَ للاقتداء بمزيد جُود النبيِّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في رمضان؛ «كان النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في رمضانَ، حين يلقاه جبريلُ -عليه السَّلام-»[(19)].
١٣ . ] ومِن فضائل الصيام كذلك أنَّه قد فُرِض في أفضل الشُّهور؛ شهر رمضان المبارك، الذي تكاد فضائلُه لا تُحصىٰ، ولعلَّ من المناسب في هذا المقام ذِكْرَ بعضٍ من خصائص هذا الشهر، لتسموَ الرُّوح بتذكُّرِها، وتتجدَّد ذكرىٰ الحبيب بها.
رمضان: شهر القرآن، ففيه كان ابتداء إنزاله، وقد أُنزِل جملةً واحدة من اللَّوْح المحفوظ إلىٰ بيت العِزَّة من السماء الدنيا في تلك اللَّيْلة، ثم نزل منجَّمًا (مُفرَّقًا) علىٰ قلْب النبيِّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في ثلاث وعشرين سنة مدة النبوة[(20)].
وكان ابتداء هذا التنزُّل في ليلة القدْر المباركة؛ قال-تعالى-: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ﴾ [(21)]. وقال-عزَّ وجلَّ-: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [(22)]. وقال-سبحانه-: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ﴾ [(23)].
رمضان: شهرٌ فُرِض فيه الصيام؛ قال-تعالى-: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾[(24)].
وقال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- مُخبِرًا الأعرابيَّ عمَّا افترضه الله عليه من الصيام: « شهر رمضان، إلاَّ أن تطَّوَّع شيئًا»[(25)].
رمضان: شهر حَوَىٰ ليلةً العبادةُ فيها هي خيرٌ من عبادةٍ في ألف شهر، وهو ما يَزيد عن ثلاث وثمانين سنة؛ (أي: عمر الإنسان جميعه إن لم يزد عليه)، وهي تكون في إحدىٰ ليالي الأيام الوتر (المفرد) من العَشْر الأواخر من رمضان. قال-تعالى-: ﴿ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [(26)].
وقال-عليه الصلاة والسلام-: «فالْتَمِسوها في العَشْر الأواخر في كلِّ وتر»[(27)].
رمضان: شهر يُقرَّب فيه أهل البِرِّ والخير، ويُقصىٰ فيه أهل الفجور والشر، وتُغلَّق فيه أبوابُ النيران، وتُشرع فيه أبواب الجِنان، وُيعتق فيه من النار عبادٌ لله، وذلك في كلِّ ليلة.
قال النبيُّ-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: «إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقت أبوابُ النيران فلم يُفتحْ منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنَّة فلم يُغلقْ منها باب، ويُنادي منادٍ: يا باغيَ الخير أَقْبِلْ، ويا باغي الشر أَقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة»[(28)].
اللهمَّ أكرمْنا بشُهود هذا الشهر العظيم، وأَفِض علينا من بركاته، وافتح لنا أبوابَ رحمتك فيه، وتفضَّل علينا بالتوفيق لصيامه والمقدرة علىٰ قيامه إيمانًا واحتسابًا، واختمْ لنا فيه بمغفرةٍ من عندك، ورحمةٍ من لدنك، ومُنَّ علينا بعِتقِ رقابنا من النار في لياليه المباركة، آمين.

Dr. MUHAMMAD ELRAMADY

الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
الأربعاء : ٢٢ شعبان ١٤٤١ هـ ~ 15 ابريل 2020 م .
[الجزء الأول: رمضان 1441 هــ]

[٣] الْعَربُ وما بعد«كورونا»

في الأيام الأولىٰ لجائحة «كورونا»، أصدرت منظمة الصحة العالمية تعليمات حول تلافي الوباء، جاء فيها تعبير في منتهى الرُقيّ؛ هو: «المحافظة علىٰ آداب السعال». والمقصود الحد من انتشار الفيروس في البيوت والمجتمعات. حتىٰ للسعال آدابه، مهما كان عفوياً، خصوصاً في زمن الكوارث

تمهيد ومدخل للموضوع: « الطِّبُّ عندَ الْعَربِ... فقهً »:
مقلقٌ ما صرح به يوم الإثنين - 30 مارس المنصرم- مستشار النمسا بأن الحياة لن تكون طبيعية طالما لا نستطيع أن نوجد لقاح -مصل- أو دواء لفيروس الكُرُونا... رداً علىٰ سؤال متعلق بالتعليم والدراسة في المدارس والجامعات ... وأفادت شركة الخطوط الجوية النمساوية أنه ستبدء رحلاتها يوم الأثنين 04 مايو القادم... وهذا بعينه أو قريب منه ما يقوله أو يفعله رؤساء العالم؛ ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية... الحرم المكي والمدني يعقما بصورة واضحة جلية مما حدى بوزير الحج السعودي دعوة من عنده نية الحج لهذا العام (١٤٤١) للتريث في اتخاذ اجراءات التحضير والسفر... هذا من جانب ... ومن جانب آخر فأنه مفزع -حقاً- أن تصرح الدوائر الطبية المتخصصة في كل مِن الصين وأمريكا وفرنسا وألمانيا بأنه أمامنا ما يقرب مِن ثلاثة شهور واقصاها ثمانية عشر شهراٍ حتىٰ نطمئن لوجود دواء نتمكن به من معالجة حالات الإصابة في المستشفيات... أو يُنْتَج لقاح -مصل؛ تطعيم- ضد الفيروس نستطيع شراءه مِن الصيدلية ... وبناءً علىٰ ما يقوله رجال السياسة في العالم المتحضر(!) وصناع القرار في العالم أجمع وما يتخذونه من تدابير احترازية واجراءات صحية وقائية لشعوبهم ويقف بجوارهم رجال العلم -تنذل- فتنحني البشرية أمام سطوة فيروس-ليس له مخ أو ذراع أو قدم- لا يعرف الحدود ولا ينتبه لوجود ضعفاء مِن كبار السن؛ ولا مَن هم في شرخ الشباب وزهرته يرغبون في مستقبل باهر... ويقف العلم في الغرب بما يملك اليوم مِن أجهزة متقدمة تكنولوجياً -نسبياً؛ مقارنةً لما سبق مِن أوبئة- وما يملك من خبرات مكتسبة وتجارب متراكمة... يقف العالم -إدارات الدولة المعنية ورجال العلم- أجمع مكتوف الأيدي... وبما أن جائحة فيروس كُورنا التاجي لا يفرق بين إنسان شرقي -الصين ومجموعة النمور الأسيوية- متقدمٍ اقتصاديا تكنولوجيا أو بين غربي متقدم علميا تكنولوجيا اقتصاديا؛ وبغض النظر الأن عن منشأة الوباء أو كيفية إنتقاله مِن حيوان لا يؤثر فيه فيمرضه [تبين أن الخفاش -مثلا- يحمل 6 أنواع مِن الفيروسات] إلىٰ إنسان فإذا ضعف جهاز المناعة عنده يفتك به فيقتله... يتبقى أمامهما -الصين وأمريكا- بقية العالم فتقف في منطقة ذات ظلال باهتة : < مجموعات > أو < شعوب > أو < طوائف > أو < فرق >... يتساءل المرء عن دورها في هذه البيئة والمناخ العام الجديد أو ما يجب أن تقوم به إزاء هذه الجائحة لتشارك الآخرين لتقوم بتقديم خدمة للإنسانية على وجه العموم بغض النظر عن الجانب العقائدي عند الآخر أو المبدئي أو كيفية ممارسة الحياة في نهار اليوم لإفاده نفسه أو اسرته أو مجتمعه أو الناس؛ وكيف يقضي ليله سواء أكان عابدا ناسكا مقيم الليل في محرابه أو في حانة رقص ولهو وشراب... هذه المجموعات أو الشعوب أطلق عليها تلطفاً < النامية > سواء قُصد دول تلك الشعوب بحكامها ووزاراتها السيادية أو الخدمية أو شعوبها بعيدا عن المصطلح سئ السمعة < شعوب العالم الثالث > ... هذه المجموعات أو الشعوب هي تستهلك ما تنتجه الصين - حتىٰ ما يحمله المعتمر والحاج من الأراضي المقدسة لذويهم من سجادة صلاة أو مسبحة أو ساعة- أو ما يرسله الغرب مِن مصنوعات موادها الخام من المنطقة العربية؛ مع الوضوح التام لما يوجد لديها وعندها من كنوز في باطن أراضيها وما تملكه من ثروة حيوانية ومقدرة زراعية فائقة باعتبارها سلة العالم الغذائية؛ لكنها لا تقوم بدور فاعل في السياسة العالمية ولا تمارس دورها كبقية الشعوب في إفادة نفسها أو استنفاع غيرها؛ ومِن الدجل السياسي الحديث هنا عن مؤامرة تحاك ضد تلك الدول بأجهزتها ومؤسساتها وشعوبها... ويندرج ضمن هذه المجموعات والشعوب فترى بوضوح المنطقة العربية بكل ما عندها من خيرات مادية في باطن الأرض أو البحار والأنهار وفوق اراضيها الخصوبة العالية للمنتجات الزراعية وارتفاع نسبة الشباب وعدد السكان[(1)]... كما ترى بوضوح المناطق التي يقطنها سكان ينتمون إلى < دين > الإسلام وفق التقسيم العالمي لديانات البشر... والمحصلة ترىٰ بوضوح تام تراجع حاد ومستمر في القدرات الذاتية وأخفاقات متتالية في مجالات عدة مع وجود منظمات إقليمية -جامعة الدول العربية (تضم 22 دولة)؛ منظمة التعاون الخليجي (تضم 6؛ قابلة لزيادة)- أو منظمات عالمية -منظمة التعاون الإسلامي[(2)] (تضم أكثر من 57 دولة)... وقبيل إنتهاء أزمة وباء كورونا ينبغي علىٰ تلك الدول والمنظمات إستعادة دورها الضائع في العالم... ومِن الأن يجب أن يتم دراسة وتحضير دور ريادي محوري في سياسة العالم؛ وإعادة النظر في السياسة العامة والخاصة... في 20 مارس المنصرم نشرت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» مقالاً ليوفال نوح هراري، بعنوان: «العالم بعد فيروس كورونا» ذكر فيه أن عُقدة العُقد تدور حول من يقود التعاون الدولي لمواجهة الأزمة العالمية « ففي الأزمات العالمية السابقة -مثل الأزمة المالية عام 2008، ووباء إيبولا 2014- تولت الولايات المتحدة دور القائد العالمي. لكن الإدارة الأميركية الحالية تخلّت عن منصب القائد. لقد أوضحت أنها تهتم بعظمة أميركا أكثر من اهتمامها بمستقبل البشرية. وإذا لم يتم ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة من قِبل دول أخرى، فلن يكون مِن الأصعب بكثير إيقاف الوباء الحالي فحسب، بل سيستمر إرثه في تسميم العلاقات الدولية لسنوات قادمة ».
المعضلة هنا أنه عندما يكون الحديث عن دول أخرىٰ لقيادة العالم، فإنَّ الذهن يذهب فوراً إلىٰ الصين وتجربتها في مقاومة الوباء والتي لم تقصّر في نشرها علىٰ العالم بتقديم المساعدات والمعرفة والخبرة والاستخدام المتقدم لتكنولوجيات الثورة العلمية الرابعة. ولكن الانتقال مِن قيادة إلىٰ قيادة أخرىٰ في المجتمع الدولي لم يحدث تاريخياً من دون حرب عظمىٰ أو حروب ممتدة؛ والأهم من دون إرادة من الدولة الصاعدة ذاتها لكي تقوم بهذه المهمة. يتوقع أن تكون الصين فالهند فأمريكا على قائمة الدول اقتصاديا وقد تتراجع دول غربية عن مكانتها وتتقدم دول كمصر مثلا في صدارة الدول النافذة...
في العام الماضي أعاد غراهام أليسون - أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد- الذهن إلى ما سماها «عُقدة ثوسيديدس» وهو الفيلسوف الإغريقي الذي كتب عن «حرب البلوبنيز» التي جرت قبل الميلاد بين أثينا وإسبرطة؛ ورغم أن هذه الأخيرة كانت هي التي بدأت الحرب، وانتصرت فيها، فإن ما رآه ثوسيديدس كان أن سبب الحرب ارتفاع قوة أثينا، فلم يكن هناك بُدٌّ من شن الحرب عليها. ترجمة هذا المثال التاريخي علىٰ عالم اليوم هو أن صعود قوة الصين، والآن ترشيحها للقيادة في العالم في زمن «كوفيد - 19» يبدو كما لو كان طريقاً آخر إلىٰ جهنم. وربما كان ذلك أحد عيوب الأمثلة التاريخية، فلا أميركا هي أثينا، ولا الصين هي إسبرطة، ولا الزمن زمن الإغريق، إنه القرن الحادي والعشرون. "[(3)]...
ومن هنا تبدأ الفرصة الذهبية سواء للأمة العربية بما تملك من ثروات مادية وبشرية... أو ما كان يسمىٰ بالأمة الإسلامية ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر؛ والمراجع والحواشي:
[(1)] بلغ مجموع سكان العالم العربي عام 2017م (359) مليون نسمة، بيد أن في المنتدي العربي الخامس لاستخدام الطاقة النووية؛ الذي عقد في القاهرة بتاريخ : 2-4 / ديسمبر / 2019م) :" قال الدكتور سالم الحامدي -رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية- :" أن عدد سكان الدول العربية 400 مليون نسمة يعيشون علىٰ 4% من مساحة الدول العربية مجتمعه.".
[(2)] عدد المسلمين في العالم:" حسْبَ إحصائيّاتِ عام 2011م الذي أحصي من قبل إدارة منتدى < بيو > للدينِ والحياة العامّة يبلغُ عددُ المسلمين في العالم 1,619,314,000 مليار نسمة،؛ وفي عام 2017 قُدر عدد المسلمين في العالم بحوالي (1.8) مليار مسلم، وذلك وفقاً لدراسة أجريت في الواحد والعشرين من شهر يناير لعام 2017م، ". وفقا لما أصدرته :" Huda (18-6-2017), "World's Muslim Population"، www.thoughtco.com, Retrieved 1-8-2018. Edited. " يبلغُ عددُ الدول(!) الإسلاميّة أكثرَ من خمسين دولة، حيث يعيش حوالي 62% من المسلمين في آسيا، ويعيش 20% من المسلمين في الدول العربيّة، ويعيش 3.2% من المسلمين في أوروبا، وحسْب إحصائيّات عام 2007م التي أحصيتْ من قبل مؤسّسة كارنيغي للسلام الدَّوْليّ، كانت الديانة الإسلامية من أكثر الديانات انتشاراً في العالم، حيث بلغت نسبة انتشارها 1.84%، وقد قال المونسنيور فيتوريو فورمينتي لصحيفة الفاتيكان في مقابلة: " لأوّل مرة في التاريخ يتعدّى الإسلام الكاثوليكيّة ويكون أكبر ديانة في العالم". وهم مقسمّون على القارّات الآتية: قارة أوروبا عدد سكّانها حسْبَ إحصائيّات عام 2011م :" 734,602,633 " مليون نسمة؛ عدد السكان المسلمين من مجموع سكانها حسْب إحصائيات عام 2011م:"49,545,462" مليون نسمة... قارة أمريكا الشماليّة وقارة أمريكا الجنوبيّة :" 939,510,388 مليون نسمة ". عدد المسلمين :" 9,704,062 مليون نسمة ".
[(3)] عبدالمنعم سعيد؛ لماذا فشلت المخابرات في اكتشاف «كورونا»؟؛ جريدة الشرق الأوسط؛ الأربعاء - 8 شعبان 1441 هـ - 01 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15100
سلسلة بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة
محمد الرمادي من الإسكندرية

الطِّبُّ عندَ الْعَربِ لُغةً

الملاحظ بشكل واضح أن العربي القُح حين أراد أن يوجد لُغة التخاطب مع الآخر في بيئتها الأصلية وسعىٰ لوضع كلمة لمعنىٰ ما في ذهن العربي الأول تراها قد غطت عدة نواح للفظة الواحدة؛ فتستخدم لعدة معان ويتولد من الجذر العربي العديد من الإستخدامات؛ فــالجذر <كتب> يتولد منها : كِتَاب؛ كُتيب؛ مكتوب، كاتب، مكتب: مكتبة؛ كُتاب ... فصارت لُغة قادرة علىٰ التعبير في شتىٰ مناح الحياة مما اكسبها القدرة على التأثير عند السامع؛ والتوسع في مفراداتها والانتشار في العالم؛ وحين تم اختيارها اللُغة الوحيدة التي نزل كتاب السماء - العهد الحديث - الآخير بألفاظها وصيغها وطريقة تراكيبها واسلوبها ازدادت قوة بجوار قوتها الأصلية وتمكنت مِن البقاء ... فصار طفل السادسة مِن عمره حين ينتهي مِن حفظ كتاب رب العالمين - القرآن الكريم والذكر الحكيم - صار يملك أكثر مِن [ ٥٠٠٠٠ ] مفردة لُغوية؛ ويقابله الطفل الآخر في نفس عمره بغض النظر عن لُغته الأم والذي سيذهب إلىٰ المدرسة لا يملك أكثر مِن [ ٣٠٠٠ ] مفردة لُغوية؛ الطفل المِصري حُرم من كُتّاب تحفيظ القرآن ويذهب للمدرسة في السادسة من عمره ومفردات لغته ضئيلة؛ بل يتحدث لغة عامية ضعيفة لاتؤدي الغرض من التعبير عن ما يدور في ذهنه، والطفل الصيني يذهب إلىٰ المدرسة في الخامسة مِن عمره؛ والطفل النمساوي يذهب في السادسة من عمره والطفل في دولة مجاورة للنمسا يذهب في السابعة من عمره... واللُغة العربية بسبب تجاهل أهلها في بعض المناطق لها خانوها فآثروا عليه اللُغة الدارجة المحلية أو اللغة الأجنبية الوافدة فصار العربي بحكم مولده أعجمي بنطق لسانه؛ بيد أنه هبت رياح التغيير فتجد أن هناك عودة حميدة للُغة القرآن الكريم نطقا وتحدثا وكتابة ومراسلة... ولعل الهم الشاغل منذ مطلع هذا العام هو الحديث عن فيروس <الكورونا> التاجي؛ فقد رأيتُ أن أبحث في بطون كتب التراث العربي عن مسألة الطب والتداوي والعلاج.. فخرج مِن تحت يدي هذا البحث...
فالبحث هنا عن وضع كلمة: « طَبَّ » في لغة العرب الأقحاح؛ وهذا يلفت الانتباه أن التراجع عند العرب أو المسلمين عن صدارة الدول المتقدمة علمياً ليس فقط في مجال التكنولوجيا والمختبرات والتقدم العلمي بل وأيضا تراجع حاد في لُغة القوم الأم...
فلنبدأ البحث:
<الطَّاءُ وَالْبَاءُ> أَصْلَانِ صَحِيحَانِ :
أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَىٰ عِلْمٍ بِالشَّيْءِ وَمَهَارَةٍ فِيهِ . وَ
الْآخَرُ عَلَىٰ امْتِدَادٍ فِي الشَّيْءِ وَاسْتِطَالَةٍ .[(1)]
وما يهمني في هذا البحث الأصل الأول؛ فَــ الطِّبُّ : < هُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ > . يُقَالُ : رَجُلٌ طَبٌّ وَطَبِيبٌ ، أَيْ < عَالِمٌ حَاذِقٌ > [(2)] .
إذاً الطِّبُّ وَالطَّبِيبُ : تعني لغةً < الْحَاذِقُ مِنَ الرِّجَالِ و [النساء] ؛ الْمَاهِرُ بِعِلْمِهِ > [(3)] ... يقَال : فُلاَنٌ طَبٌّ بِكَذَا أَي < عَالِمٌ بِهِ > [(4)]
فَـــ كُلُّ حَاذِقٍ بِعَمَلِهِ : طَبِيبٌ عِنْدَ الْعَرَبِ . وَرَجُلُ طَبٌّ ، بِالْفَتْحِ ، أَيْ عَالِمٌ . [(5)] ".
أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ فِي صِفَةِ غِرَاسَةِ نَخْلٍ :
جَاءَتْ عَلَىٰ غَرْسِ طَبِيبٍ مَاهِرٍ [(6)]
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ اشْتِقَاقَ الطَّبِيبِ مِنْهُ ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ . [(7)] .
*.] : " طبَّب المريضَ: طبّه، أي عالجه وداواه[(8)] ".
*. ] " وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: « بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا ». فــ الطَّبِيبُ فِي الْأَصْلِ : الْحَاذِقُ بِالْأُمُورِ ، الْعَارِفُ بِهَا ، وَبِهِ سُمِّيَ الطَّبِيبُ الَّذِي يُعَالِجُ الْمَرْضَى ، وَكُنِّيَ بِهِ هَاهُنَا عَنِ : « الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ » بَيْنَ الْخُصُومِ ، لِأَنَّ مَنْزِلَةَ الْقَاضِي مِنَ الْخُصُومِ ، بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ مِنْ إِصْلَاحِ الْبَدَنِ . [(9)] ".
وَأَصْلُ الطِّبِّ : الْحِذْقُ بِالْأَشْيَاءِ وَالْمَهَارَةُ بِهَا ؛ يُقَالُ : رَجُلٌ طَبٌّ وَطَبِيبٌ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ عِلَاجِ الْمَرَضِ ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِنْ تُغْدِفِي دُونِي الْقِنَاعَ ، فَإِنَّنِي * طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ
وَقَالَ عَلْقَمَةُ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي * بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
فِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: حين وَصَفَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: « كَانَ كَالْجَمَلِ الطَّبِّ » ، يَعْنِي الْحَاذِقَ بِالضِّرَابِ. وَمعناه هو الذي يَعْرِفُ نَقْصَ الْوَلَدِ فِي الرَّحِمِ ، وَيَكْرُفُ ثُمَّ يَعُودُ وَيَضْرِبُ .
وَيُقَالُ لِلَّذِي يَتَعَهَّدُ مَوْضِعَ خُفِّهِ أَيْنَ يَطَأُ بِهِ طَبٌّ أَيْضًا [(10)] . وَقِيلَ الطَّبُّ مِنَ الْإِبِلِ الَّذِي لَا يَضَعُ خُفَّهُ إِلَّا حَيْثُ يُبْصِرُ ، فَاسْتَعَارَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَفْعَالِهِ وَخِلَالِهِ [(11)] .
* . ] : ومن المجَازِ [(12)] : الطِّبُّ وَالطُّبُّ : بمعنىٰ السِّحْرُ ؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: طُبَّ أَيْ سُحِرَ ؛ قَالَ ابْنُ الْأَسْلَتِ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي ** أَطُبٌّ ، كَانَ دَاؤُكَ ، أَمْ جُنُونُ ؟
وَرَوَاهُ سِيبَوَيْهِ: أَسِحْرٌ كَانَ طِبُّكَ ؟
وهنا معنى جديد... وَقَدْ طُبَّ الرَّجُلُ . وَالْمَطْبُوبُ : الْمَسْحُورُ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا سُمِّيَ السِّحْرُ طِبًّا عَلَىٰ التَّفَاؤُلِ بِالْبُرْءِ [(13)]. كَمَا كَنَوْا عَنِ اللَّدِيغِ ، فَقَالُوا: « سَلِيمٌ » وَعَنِ الْمَفَازَةِ ، وَهِيَ مَهْلَكَةٌ ، فَقَالُوا: « مَفَازَةٌ » ، تَفَاؤُلًا بِالْفَوْزِ وَالسَّلَامَةِ [(14)]. لذا يَرىٰ أَبُو عُبَيْد أَنه إِنَّمَا قِيلَ لَهُ مَطْبُوبٌ ؛ لأَنَّه كَنىٰ بالطّب عن السَّحْر [(15)] ومن هنا جاء المجاز.
وَلِذَلِكَ سُمِّيَ السِّحْرُ طِبًّا ؛ يُقَالُ : مَطْبُوبٌ ، أَيْ مَسْحُورٌ . قَالَ :
فَإِنْ كُنْتَ مَطْبُوبًا فَلَا زِلْتَ هَكَذَا * وَإِنْ كُنْتَ مَسْحُورًا فَلَا بَرَأَ السِّحْرُ[(16)]
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ الْحِذْقُ
***
* . ] المهم عندي > الطِّبُّ < من حيث اللُغة :
فـ " الطِّبُّ : عِلَاجُ الْجِسْمِ وَالنَّفْسِ[(17)] [(18)].
قلتُ: وهذا تعريف لُغوي لكلمة عربية تصلح أن يبنىٰ عليها مباحث علوم الطب والصيدلة؛ وهذا ما كنتُ أقصده .
فقال ابْنُ السِّكِّيتِ: « إِنْ كُنْتَ ذَا طِبٍّ ، فَطِبَّ لِنَفْسِكَ » ... أَيِ ابْدَأْ أَوَّلًا بِإِصْلَاحِ نَفْسِكَ[(19)] .
لذا يقال: « أيها الطبيبُ طَبِّبْ نفسَك »: يُضرب لمن يعظ غيره وينسىٰ نفسه...
ومنه: « ذِكْرٌ يُطبِّب القلوبَ القاسية » [(20)] .
وهنا مبحث عقائدي سلوكي؛ و
*.] :" الْكِلَابِيُّ يَقُولُ: « اعْمَلْ فِي هَذَا عَمَلَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ » . فقال الْأَحْمَرُ: " مِنْ أَمْثَالِهِمْ فِي التَّنَوُّقِ فِي الْحَاجَةِ وَتَحْسِينِهَا: « اصْنَعْهُ صَنْعَةَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ »؛ أَيْ صَنْعَةَ حَاذِقٍ لِمَنْ يُحِبُّهُ . [(21)] .
*.] جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَىٰ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ ، فَقَالَ : ".إِنْ أَذِنْتَ لِي عَالَجْتُهَا فَإِنِّي طَبِيبٌ " ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا » ؛ مَعْنَاهُ : الْعَالِمُ بِهَا خَالِقُهَا الَّذِي خَلَقَهَا لَا أَنْتَ .[(22)]
بيان هذه المسألة :
*. ] :" يوصف الله -عزَّ وجلَّ- بأنه (الطَّبِيب)، وهذا ثابت بالحديث الصحيح.
ودليلنا:
1 . ] حديث أبي رمثة -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: " أرني هذا الذي بظهرك؛ فإني رجل طبيب". قال -ﷺ-: « الله الطَّبِيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها » [(23)] .
2 . ] حــديث عائشة -رضي الله عنها-: قـالت: " ثم مرض رسول الله -صـلى الله عليه وسلم- فوضعتُ يدي علىٰ صدره ... فقلت: " اذهب البأس، رب الناس، أنت الطَّبِيب، وأنت الشافي"، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « الحقني بالرفيق الأعلىٰ... والحقني بالرفيق الأعلىٰ » فالحديث الأول سنة قولية؛ والحديث الثاني سنة تقريرية...[(24)] .
* . ] وقال الأزهري بعد أن أورد حديث أبي رمثة -رضي الله عنه-: « طبيبها الذي خلقها » : معناه: " العالم بها خالقها الذي خلقها لا أنت"[(25)] .
وقـال شمس الدين الحق أبادي: « الله الطَّبِيب، بل أنت رجل رفيق » ؛ أي: " أنت ترفق بالمريض، وتتلطفه، والله هو يبرئه ويعافيه ". [(26)].
واتماماً لبحث المسألة؛ ولكي يطمئن القلب فتهدأ النفس فنكمل القول :" أما تسمية الله -تعالى- باسم الطبيب علىٰ وجه الإطلاق دون تقييد فلا، وعلىٰ هذا درج البيهقي والمناوي وغيرهما. وبناء علىٰ ذلك نقول: الطبيب صفة من صفات الله -سبحانه وتعالى- وليست اسماً، قال البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات): فأما الطبيب فهو العالم بحقيقة الداء والدواء والقادر علىٰ الصحة والشفاء، وليس بهذه الصفة إلا الخالق البارئ المصور، فلا ينبغي أن يُسمىٰ بهذا الاسم أحد سواه، فأما صفة تسمية الله -جل ثناؤه- فهي: أن يذكر ذلك في حال الاستشفاء، مثل أن يقال: " اللهم إنك أنت المُصح والممرض والمداوي والطبيب "... ونحو ذلك، فأما أن يقال: " يا طبيب "... كما يقال: " يا رحيم أو يا حليم أو يا كريم "، فإن ذلك مفارقة لآداب الدعاء. والله أعلم... .
وقال المناوي في (فيض القدير): لكن تسمية الله الطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ، ولا يقال يا طبيب، كما يقال يا حكيم؛ لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف. انتهى.
ويستفاد من كلام المناوي أنه ذكر العلة في عدم إطلاق اسم الطبيب علىٰ الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- لأن أسماء الله -تعالى- توقيفية، فلا يثبت شيء منها لله -تعالى- إلا بالدليل. والله أعلم.
يراجع كتاب (أسماء الله الحسنى) لـ عبدالله بن صالح بن عبدالعزيز الغصن. وكتاب (الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) للقرطبي[(27)]... وهناك كتاب ثالث للدكتور العلوي لا أذكر اسمه الأن... والله أعلم ".
ونتساءل :" هل مِن أسماء الله اسم < الطبيب >؟
أجيب: ثبت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف الله -تعالى- بالطبيب في عدة أحاديث، منها:
*. ] حديث أبي رَمْثة -رضي الله عنه-، وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " أَرِني هذا الذي بظهرك، فإنِّي رجلٌ طبيبٌ "، قال -ﷺ-: « اللهُ الطبيبُ، بل أنت رجلٌ رَفِيقٌ، طبيبُها الذي خلقَها ». [(28)]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واضيف : " كان أبو رمثة طبيبًا... - وكانت عائلته أطباء في الجاهية؛ وقد ورد هذا الحديث في الطبقات الكبرى لابن سعد بالفاظ مختلفة...- فرأىٰ خاتم النبوة ظاهرًا ناتئًا بين كتفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فظنه سلعة تولدت من الفضلات أو مرضًا جلديًّا، فطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعالجه، فرد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كلامه بأن «الله الطبيب» أي: هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء «بل أنت رجل رفيق» ترفق بالمريض وتتلطف به، وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء، والقادر علىٰ الصحة والشفاء، وليس ذلك إلا الله. [(29)]".
يفهم من هذا :"أن :
1 . ] خاتم النبوة كان ظاهرًا بين كتفي النبي -ﷺ-.
2 . ] جواز إطلاق «الطبيب» عليه –سبحانه وتعالىٰ-.
ومن المجاز [(30)] :" الطِّبُّ : بمعنى الرِّفْقُ . وَالطَّبِيبُ : الرَّفِيقُ. [(31)]
وتحقيق هذه المسألة :
" من اسماء الله تعالىٰ الحسنى[(32)]:" - الرِّفق من الصفات الفعلية الخبريَّة الثابتة لله -عزَّ وجلَّ-، و (الرفيق) اسم من أسمائه تعالىٰ.
ودليلنا:
1- حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: « يا عائشة! إنَّ الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله… » [(33)] .
2- حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: « اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئاً، فَشَقَّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به » [(34)].
قال أبو يعلى الفراء: " اعلم أنه غير ممتنع وصفه بالرفق لأنه ليس في ذلك ما يحيل على صفاته، وذلك أنَّ الرفق هو الإحسان والإنعام وهو موصوف بذلك لما فيها من المدح، ولأن ذلك إجماع الأمة" [(35)].
وقال ابن القيم:
(وهُوَ الرَّفِيقُ يُحبُّ أهلَ الرِّفْقِ بَلْ * يُعطيهمُ بالرِّفقِ فَوْق أمَانِي) [(36)]
قال الهرَّاس شارحاً هذا البيت: " ومن أسمائه (الرفيق)، وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال "[(37)] اهـ.
وقال الأزهري: " قال الليث: الرفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق " [(38)] . ".
*. ] :" قيل : ومنه فَحْلٌ طَبٌ أَي رَفِيقٌ بالفَحْلَة لا يَضُرُّ الطَّرُوقَة كَمَا في الأَسَاسِ[(39)]".
وقال صاحب فتح الباري: " نَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الطِّبَّ بِالْكَسْرِ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ لِلْمُدَاوِي وَلِلتَّدَاوِي وَلِلدَّاءِ أَيْضًا فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِلرِّفْقِ وَالسِّحْرِ ، وَيُقَالُ لِلشَّهْوَةِ وَلِطَرَائِقَ تُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ وَلِلْحِذْقِ بِالشَّيْءِ ، وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَخُصَّ بِهِ الْمُعَالِجُ عُرْفًا ، وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ أَطِبَّةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ أَطِبَّاءٌ [(40)]
المُتَطَبِّبُ : مُتَعَاطِي عِلْمِ الطِّبِّ وقَد تَطَبَّبَ [(41)]. فالطَّبِيبُ العالِم بالطب وجمع القلة أطِبَّةٌ والكثرة أطِبَّاءُ تقول منه طَبِبْتَ يا رجل بالكسر طِبّاً أي صرت طبيبا و المُتَطَبِّبُ الذي يتعاطى علم الطب [(42)]:
قَالُوا : تَطَبَّبَ لَهُ : سَأَل لَهُ الأَطِبَّاءَ [(43)] .
هُو يَسْتَطِبُّ لِوَجَعِه أَي يَسْتَوْصِفُ الدَّوَاءَ أَيَّهَا يَصْلُح لِدَائِهِ [(44)] .
والعلم عند الله تعالىٰ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّىٰ الله علىٰ نبيِّنا محمَّدٍ وعلىٰ آله وصحبه وإخوانه إلىٰ يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
ولي كلمة : يتبين من البحث في بطون مراجع اللُغة العربية أن المعاحم التي اعتمدتُ - بعد الله سبحانه وتعالى - عليها ذكرت الكلمة « طَبَّ » في العديد من استخداماتها ولم اذكرها كلها لأنها ليس لها علاقة مباشرة بمسألة البحث؛ كما أن فحول الشعر العربي قبل الإسلام ذكروها في أشعارهم؛ والبداية أتت من واضع اللُغة العربية ابتداءً... وهذه من حيث اللغة فقط عند علماء وشعراء اللغة العربية؛ فما بالنا من حيث الجانب العلمي العملي زمن الحضارة الإسلامية وتربع علماء الإسلام الأفذاذ على عرش العلم !!؟.
وهذا إن شاء الرحمن الرحيم العليم الخبير بحثي القادم...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجزء الأول : كان تحت عنوان عريض " تاج فوق الصدور" [(نشره موقع آستروعرب نيوز)]...
http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_2020.htm
وهو: فيروس «التاج» الترجمة مِن الأصل اللاتيني لفيروس كُرُونا؛ وقصد الكاتب أنه هم فوق الصدور وليس تاج الملك فوق الرأس؛ فهو فيروس «التاج»: هم ثقيل من الناحية الإقتصادية والتعليمية والطبية والصحة وكافة نواحي الحياة سواء للدولة بأجهزتها أو الأفراد والشركات .
[2] الجزء الثاني:
اسم البحث « الطب عند العرب... لغةً »
سلسلة بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة
» سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء «
مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ مِن الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ؛ ثغر البحيرة المتوسطية
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
الأربعاء : 1 . شعبان 1441 هـ ~ 25 . مارس 2020 م

27 من رجب ليلة الإسراء!؟
« تَارِيخِ الْإِسْرَاءِ »

كل مَنْ لديه اطلاع وفهم للسيرة النبوية العطرة وللتاريخ الإسلامي لا يستطع أن يحدد تاريخ الإسراء؛ لا بسنتِه ولا بشهرِه ولا بيومه؛ قولاً واحداً؛ فلم يثبت عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ- أنه احتفل بيوم إسرائه ومعراجه؟!؛ حتى يتسنى لنا معرفة التاريخ؛ كما ولم يحتفل بذلك الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم جميعاً- أو التابعون لهم بإحسان؟!. ونتحدى أن يأتي أحدٌ بشيءٍ في ذلك .
وما دام أنه لم يثبت منها شيء فنحن لا نثبت أي شيء منها.
بل قال بعض المتأخرين كما ذكر ذلك "الشهاب الخفاجي" في "نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض"؛ إذ يقول : قال بعض العلماء المتأخرين : " وأما ما هو منتشر اليوم في بعض الديار المصرية من الاحتفال بـ ليلة سبع وعشرين، ودعوى أنها ليلة الإسراء والمعراج، فذلك بدعة وهذا متأخر ".
ثم نضيف بقولنا :" هل يترتب على معرفة التاريخ بدقة حكم شرعي ؟ "؛ بمعنى أنه وجب أو ندب علينا صيام النهار أو قيام الليل.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رَحِمَهُ اللَّهُ [1] :" الأقوال في ذلك أكثر من عشرة أقوال، حتى أن منها :
أن ذلك قبل البعثة ، ومنها :
بعد الهجرة ،
وقيل : قبلها بخمس ،
وقيل : قبلها بست ،
وقيل : قبلها بسنة وشهرين؛ كما قال ابن عبدالبر .
تأصيل مسألة تحديد تأريخ حادثة الإسراء !
نذكر الأقوال التي قيلت في التاريخ :
قبل الهجرة دون تحديد زمن؛ فـقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ فِي الْقَبَائِلِ".
[1] القول الأول : أُسْرِيَ بِالنبي عليه السلام إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ؛ فقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: " قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامٍ" . وعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : أُسَرِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ . قَالَ : وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ. وعَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ : فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْسُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ ، قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا . فَـ عَلَى قَوْلِ السَّدِّي يَكُونُ الْإِسْرَاءُ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ .
[2] القول الثاني :" فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَالرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا " .
[3] القول الثالث :" قَالَ الْحَرْبِيُّ: أُسْرِيَ بِهِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ ".
[4] القول الرابع :" وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِهِ : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا . وجاء بصيغة آخرى :" وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ الرُّعَيْنِيُّ فِي تَارِيخِهِ : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا " .
تعليق ابوعمر على ما قاله الذهبي : قَالَ أَبُوعُمَرَ :"لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيُّ، وَلَمْ يُسْنِدْ قَوْلَهُ إِلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يُضَافُ إِلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ مِنْهُمْ، وَلَا رَفَعَهُ إِلَى مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ" .
[5] القول الخامس :" قَالَتْ أمنا عَائِشَةُ؛ أم المؤمنين: " بِـ عَامٍ وَنِصْفٍ فِي رَجَبٍ " .
[6] القول السادس : وَرُوِيَ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ قَالَ : أُسْرِيَ بِهِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ .
[7] القول السابع : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَعْوَامٍ .
[8] القول الثامن : في تاريخ حادثة الإسراء : ذكر اثير الدين الأندلسي في تفسيره :" وهو قول ضعيف :" وَوَقَعَ لِشَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ شَرِيكٍ. وَحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ .
[9] القول التاسع : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ ، وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَنْشُدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ :
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ * * لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ
وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ .
وعَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا : وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَفِيهِ بُعِثَ ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ . فِيهِ انْقِطَاعٌ . وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُالْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي " سِيرَتِهِ " ، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ ، وَيُقَالُ : كَانَ فِي رَجَبٍ . أي أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ .
[10] القول العاشر : وَقِيلَ : كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمُتَحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ شَقِّ الصَّحِيفَةِ وَقَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ ، خلاصة البحث : أما ثبوت تعيين تاريخ الإسراء والمعراج فلم يثبت عَلَى الإطلاق أي دليل صحيح صريح في تحديد وقت الإسراء والمعراج .
القول الراجح :
كل ما نعرفه من خلال السيرة هو أن الإسراء والمعراج كَانَ قبل الهجرة، هذا هو القول الراجح، والمشهور والمستفيض أن الإسراء والمعراج كَانَ بعد موت أبي طالب عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد موت أمنا خديجة الكبرى، وبعد أن ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطائف ورده أهلها، وهو العام الذي يسمى عام الحزن، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي فيه الأذى الشديد والألم والتعب، فمنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه بهذه الآيات العظيمة، وهذه المشاهد وهذا المقام الرفيع الذي لم يصل إليه بشر، تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وكانت آيات عظيمة قال الله تعالى : :" لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ " [النجم:18] فأراه الله عَزَّ وَجَلَّ آياتٍ عظيمة ففُرج عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهمَّ وسُرِّي عنه ، وعاد وقد استيقن بربه وبلقائه ، وأن ما يوحى إليه هو الحق أكثر من ذي قبل، وعاد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد شد العزم عَلَى أن يبلغ دعوة ربه ، وأن لا يبالي بالنَّاس مهما صدوه ، بعدما رأى ما رأى من الأَنْبِيَاء ومن الكرامة التي نالها .
و يترجح ويظهر من عموم الأدلة أنه كَانَ قبل الهجرة، وأنه كَانَ بعد أو في عام الحزن .
ولنا قبل أن نختم البحث بــ أن نقول:
1.) ثبتت حادثة الإسراء بنص قرآني قطعي الثبوت قطعي الدلالة بقوله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً " [الاسراء:1]
2.) قال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :" ثَبَتَ الْإِسْرَاءُ فِي جَمِيعِ مُصَنَّفَاتِ الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا.
ثم تتبعتُ المسألة فوجدتُ قَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ [1] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَ [2] عَلِيٍّ، وَ [3] ابْنِ مَسْعُودٍ، وَ [4] أَبِي ذَرٍّ، وَ [5] مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَ [6] أَبِي هُرَيْرَةَ، وَ [7] أَبِي سَعِيدٍ، وَ [8] ابْنِ عَبَّاسٍ، وَ [9] شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَ [10] أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَ [11] عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، وَ [12] أَبِي حَبَّةَ؛ وَ [13] أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ؛ وَ [14] عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَ [15] جَابِرٍ، وَ [16] حُذَيْفَةَ، وَ [17] بُرَيْدَةَ، وَ[18] أَبِي أَيُّوبَ، وَ [19] أَبِي أُمَامَةَ، وَ [20] سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَ [21] أَبِي الْحَمْرَاءِ، وَ [22] صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَ [23] أُمِّ هَانِئٍ؛ هند بنت أبي طالب، وَ [24] عَائِشَةَ، وَ [25] أَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-. مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ " فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ الزَّنَادِقَةُ وَالْمُلْحِدُونَ؛ " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " [آية 8؛ سورة الصف:61].
روايات حديث الإسراء والمعراج جمعها الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى في كتاب التفسير عند أول الآية من سورة الإسراء :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً " [الاسراء:1] حيث جمع الروايات في الإسراء والمعراج من المسند ومن الصحيحين ومن المسانيد الأخرى كـ أبي يعلى وروايات البيهقي و عبدالله بن أحمد بن حنبل كما في زياداته عَلَى مسند آبيه وابن جرير؛ أبوجعفر الطبري رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر روايات كثيرة لكنها بسنده هو، والحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر روايات المسند والصحيحين ثُمَّ ما في السنن والمسانيد الأخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم البحث « تَارِيخِ الْإِسْرَاءِ »
سلسلة بحوث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة
» سنن الأنبياء ؛ و سبل العلماء ؛ و بساتين البلغاء ؛ و الأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء «
مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ من الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
الخميس : 24 . رجب 1441 هـ ~ 19 . مارس 2020 م
ـــــــــــــــــــــــ
المراجع والهوامش:
[1] العسقلاني؛ أحمد بن علي بن حجر؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ الجزء السابع؛ ص:203؛ دارالريان للتراث؛ 1407هـ / 1986م

تاج فوق الصدور

إشكالية أهل العلم والمعرفة والساسة وصناع القرار تقع مع العامة؛ أو تواجه مَن لا يملك القدر الكاف مِن المعلومات الصحيحة الموثقة المتعلقة بأمر ما سواء له ارتباط مباشر بالمجتمع في كافة نواحيه؛ أو بخصوص الفرد في كافة ما هو متعلق به، وهذا هو الإشكال الأول، أما الثاني فكيفية توصيل المعلومة الصحيحة بشكل واضح ومؤثر للعامة؛ فيترتب عليهما فهم الواقع الجديد وممارسة صحيحة لما استجد من تعليمات أو اجراءات احترازية مؤقتة لحين انتهاء حدث ما، وهذا ينطبق على الدول كلها؛ سواء أكانت ذات تقدم علمي مرموق وتكنولوجي راق ومستو عال في الجانب المدني والخدماتي، أو الدول صاحبة التراجعات في التحصيل التعليمي أو العلمي أو النمو البطئ في الجانب الاقتصادي؛ يلازم هذه الدول حالة مِن الأمية سواء أمية قراءة الحرف أو حساب العدد أو أمية التعامل مع الوسائل الحديثة والتي اتفق على تسميتها بالأجهزة الذكية؛ أو سوء استخدامها أو ارتفاع نسبة البطالة فيرافقها حالة فقر وإضاعة الفرص في حياة كريمة لإنسان يريد الحياة؛ هذا جانب ... أما الجانب الثاني - وهو الأهم - فهو متعلق بـ «أهل العلم والمعرفة والساسة وصناع القرار»؛ فأهل العلم والمعرفة ينبغي عليهم إبلاغ أهل السياسة وصناع القرار بما لديهم مِن معلومات موثقة تستلزم إصدار قرار في وقته المناسب وليس متأخراً؛ واللافت للإنتباه قول أحد الصحافيات النمساويات على مائدة مستديرة لرؤساء تحرير الصحف الصادرة في جمهورية النمسا فقد عقدت مقارنة بين دكتاتورية حاكم الصين وما قام به من أفعال وتصرفات تجاه شعبه لاحتواء الأزمة الصحية التي عصفت بدولته شعبا والتصنيع عنده والتجارة الخارجية وبين ديمقراطية البرلمان النمساوي والذي عقد إجتماعا لنوابه يوم الأحد الماضي؛ وهو ما لم يحدث منذ سنوات؛ إذ أن المقارنة ليست في محلها؛ لأن اتخاذ قرار متعلق بشعب في جائحة أو وباء يستلزم أخذ رأي علماء الطب والصيدلة وليس مناقشة برلمانية لأحزاب متعارضة منها ما وصل إلى سدة الحكم وإدارة الدولة وتنظيم شؤونها؛ ومنها ما هو يجلس في صفوف المعارضة؛ وهنا يبرز الرأي الملزم والرأي الآستشاري؛ أو ما يسمى بالمشورة والشورى؛ فالمشورة ملزمة لأنها من أهل العلم وأصحاب الرأي؛ والشورى توافقية بين جموع الناس، إذ أن هناك أحيانا كثيرة لا يوجد ترف في الوقت لبحث وجهات نظر سياسية في مسألة حياة أو موت لفئة من الشعب؛ وهنا يبرز أمر آخر وهو الإبلاغ بشكل ملفت للنظر لكافة فئات الشعب أو الجماعة مع ملاحظة غياب أو ضعف الوعي العام أو الخاص في مسألة بعينها؛ فإصدار بيان أو تعميم -في تقديري- لا يكفي خاصة مع وجود ضبابية في المشهد العام؛ بل لابد من متابعة ومراجعة ومحاسبة على أرض الواقع... هذا في الداخل.
أما صفحات ومواقع التجمعات العربية والإسلامية في الخارج؛ أو البعثات الدبلوماسية المعتمدة والتي تقوم برعاية أو وصاية على تلك التجمعات والهيئات الإسلامية فلم تعتمد على مصدر موثوق به في إصدار ما يوضع على صفحاتها؛ وقام العامة بإصدار ما يتناسب مع قدراتهم الفكرية أو العقدية أو التقليدية؛ فيرسل لك آحدهم فيديو ترى فيه رجل أمن يهرب من سائق سيارة يحمل لافته بداخل مركبته أنه مصاب بفيروس «التاج» الترجمة من الأصل اللاتيني لفيروس كُرُونا ... ثم يرسل لك آخر الدواء هذه المرة بلغة ألمانية باستخدام البصل المقطع والموزع في غرف الشقة... وآخر باستخدام الموز... وآخر يجعل أمام كل حرف من حروف الفيروس آية قرآنية... ثم يتتوج الجميع رجل عجوز يقول لك إنهم يحاربون الإسلام بمنع الصلوات في المساجد ولعله لم يراجع ما صدر من علماء البلاد الإسلامية... وهنا تكمن الخطورة في تلك الأمثلة التي ذكرتها وهي فقدان الوصل التام / الجيد بين أهل العلم والمعرفة والساسة وصناع القرار... ... إلا نادراً..
في بداية شهر مارس، رفعت منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارًا: "WHO") من تقييمها للخطر العالمي لفيروس كورونا المستجد إلى “عال جدًا” ، وهو أعلى مستوى لديها. وهي آحدى منظمات الأمم المتحدة ولكن ليس لها اليد الطولى في إلزام دول/ دولة بقراراتها؛ مما يجعلنا نعيد النظر في مثل تلك المنظمات ذات الصبغة الدولية؛ ومدى فاعليتها ودورها الحقيقي.
وقد هرب الفيروس من محاولات الاحتواء من أربع دول على الأقل. ولكن المنظمة "WHO" ترغب في أن تستمر الدول بتطبيق إجراءات الاحتواء. فهذه الإجراءات بإمكانها إبطاء انتشار الفيروس إلى دول فيها عدد قليل من الحالات. ولكن، ما دام الفيروس ينتشر في مكان ما من العالم، فإن الحالات ستستمر بالظهور في الدول حتى وإن كانت تطبق ممارسات احتواء فاعلة.
اليوم بدأت دول في إغلاق ليس فقط شوارعها بمطاعمها ودور السينما والمباريات والفاعليات الرياضيةومتاحفها بل حدودها مع دول لها جارة ومنذ ايام أوقفت الإدارة الأمريكية رحلات الطيران إلى أوربا ومنها ثم أكملت الحظر لمدة شهر دولة بريطانيا وإيرلندا.
وفي 28 فبراير، قال Mike Ryan من المنظمة "WHO" إن الهدف ليس إيقاف الفيروس من الانتشار، ولكن “إبطاء انتشاره بحيث تستطيع الأنظمة الصحية أن تتجهز له”.
ولكن ماذا سيتطلب ذلك؟
هل يمكن للدول في أرجاء العالم أن تسيطر على الجائحة Pandemie ؟
الإجابة القصيرة هي «لا».
قال Ryanمشددًا: “الأنظمة الصحية، في الشمال والجنوب، غير مستعدة”.
وعندما بدأ الوباء Epidemie في مدينة ووهان بمحافظة هوبي الصينية، طغى التزايد السريع للحالات الشديدة على قدرة العاملين في القطاع الطبي. ولم تكن هناك كميات كافية من المعدات الطبية الواقية، ولم يكن هناك عدد كاف من الأسرّة المجهزة للعناية المكثفة، والمزودة بالأكسجين وأجهزة التنفس التي يحتاج إليها المصابون بالتهاب الرئة Lungenentzündung الحاد لتساعدهم على التنفس، كانت تلك كلها أقل من أن تغطي الحاجة العالية وقتها. كما أنها شكلت ضغطًا على توفير العناية الطبية العادية.
وقال Bruce Aylward، من المنظمة "WHO" والذي قاد حملة عالمية لدراسة استجابة الصين، إن الاحتواء أوقف انتشار الفيروس بشكل عام وأنهك نظم العناية الصحية في كل المحافظات الصينية ما عدا هوبي، كما أن الإجراءات التخفيفية Linderungsmaßnahmen الهادفة إلى منع الاحتكاك بين الأشخاص تساهم بتقليل الحالات في هوبي. ويقول Aylward إن هذا ليس دائمًا؛ فلا تزال الصين تبني المستشفيات، وتزيد من قدرة قطاع الصحة العامة، وتشتري أجهزة تنفس أكثر تحسبا لازدياد الحالات مرة أخرى. وإن تم الإعلان على احتواء الأزمة مع وجود حالات آتية من خارج الصين. ويمكن للدول التي يعاني نظامها الصحي في مواسم الإنفلونزا الشتوية السيئة، أو التي لا يمكنها أن تبني مستشفيات جديدة في أيام، أو أن تغلق مدنًا كاملة، أن تجد صعوبة في تكرار نجاح الصين في إبطاء الفاشية Ausbruch.
نظريًا، كان العالم يتحضر لجائحة منذ الفترة التي برزت فيها مخاوف حول إنفلونزا الطيور في 2006. يقول Tom Inglesby من مركزJohns Hopkins Center for Health Security في ماريلاند: “كان هناك بعض التقدم. فأعدت بعض الحكومات نوعًا من التخطيط للجائحات، وحسنت مختبراتها، وأنشأت مراكز للعمليات الطارئة، وحسنت أنظمة مراقبة الأمراض”.
ومع ذلك، فإن التقدم كان غير منتظم. وفي 2017، أُطلِق ائتلاف ابتكارات التأهب الوبائي من أجل تطوير لقاحات للفيروسات التي يحتمل أن تتسبب بجائحة، ولديها بالفعل بعض اللقاحات المرشحة للوقاية من فيروس COVID-19. ولكنها ستتطلب شهورًا من التطوير والاختبار.

وفي الوقت الحالي نحتاج إلى علاجات لمساعدة أولئك الذين يطورون حالات شديدة من المرض. غير أن جهودا لإنشاء مشروع عالمي كهذا من أجل تطوير أدوية مضادة للفيروسات، باءت بالفشل بسبب نقص التمويل وقد أعلنت الملكية السعودية أنها تبرعت بـ ١٠ ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية؛ وكنتُ اتساءل:" أليس من حق الأمة العربية تجاورها الأمة الإسلامية أن تقوم هي بعلمائها في أنجاز هذا الأمر فتخرج لنا لقاحا أو مصلا بدلا من استخدام المال بايدي الآخرين. ولحسن الحظ، وجد بعض الباحثين عددا من المضادات المحتملة لفيروس كورونا، وهذه المضادات المحتملة هي تحت الاختبار الآن.
وحتى في المجتمعات المتقدمة، فإن فيروس كورونا يضرب في وقت تقع فيه فعليا العديد من الأنظمة الصحية تحت الضغط بسبب ازدياد الشريحة السكانية الكبيرة في العمر، وبسبب التقنيات الصحية المتزايدة في التكلفة. بين عامي 2000 و2017 ازداد الإنفاق العالمي عموما على الصحة بمعدل أسرع قليلًا فقط من القطاع الاقتصادي، وذلك على الرغم من زيادة الطلب.
وبعض الأنظمة الصحية التي قد تعاني الضغط بسبب أي جائحة هي الأنظمة الموجودة في أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك تلك الموجودة في العديد من الاقتصادات النامية. وبحسب تقرير نشر في 2015، هناك 56 دولة، غنية وفقيرة، تقتطع من الإنفاق على الصحة كجزء من التدابير التقشفية بعد الأزمة المالية في 2008. واقتطعت بعض الدول الأفقر من أجور القطاع العام؛ مما أثر في المستشفيات العامة والعاملين في القطاع الصحي.
في الولايات المتحدة خُفَّضت قدرات الطوارئ في عهد الرئيس Donald Trump الذي أغلق وحدة الصحة العالمية التابعة لمجلس الأمن الوطني - أُنشئت بعد أزمة إيبولا 2014، كما حَلَّ الفريق المسؤول عن التنسيق بين الأقسام الحكومية في الاستجابات للجائحات.
من أجل أن نحسن من تحضيراتنا، يذكر إنجليزبي قائمة من الأمور التي يجب على العالَم أن يستثمر نقوده فيها:
- تطوير الأدوية واللقاحات واختبارات التشخيص السريعة، و
- تصنيعها بكميات كبيرة وتوزيعها، و
- مراقبة الأمراض، و
- تخزين كميات من معدات الوقاية، و
- زيادة القدرة بحيث إن الطلب على أجهزة التنفس لا يفوق عدد الأجهزة المتاحة.

هناك جانب غير متوقع يحتاج إلى المزيد من الفهم، ألا وهو الحجر الصحي. من بين 300 شخص حُجر عليهم صحيًا على متن السفينة السياحية Diamond Princess في يوكوهاما باليابان، بعد أن اختلطوا براكب مصاب، أصيب على الأقل 31 شخصًا منذ تركهم السفينة، مع أن فترة الحجر الصحي كانت كافية لظهور المرض على أي شخص تعرض للعدوى بحلول نهاية تلك الفترة.
وهذا يشير إلى أنه، وعلى الرغم من أن أغلب الحالات الـ634 التي اكتشفت خلال وجودها على متن السفينة أو عند النزول من السفينة كانت مصابة بالعدوى قبل الحجر الصحي، إلا أن الفيروس لا بد وأن يكون قد انتشر خلال فترة العزل الصحي، وذلك وفقا لــ Stephan Lauer من جامعةJohns Hopkins University. ولا يجب أن يحدث هذا.
من الواضح أن هناك ما يجب فعله. ويقول إنجليزبي: “نأمل بأن يحفز هذا الوباء المأساوي استجابة فاعلة لمكافحة فيروس الكورونا الذي بين أيدينا، كما نأمل أن يُحدث تغييرات إيجابية في تقدم مستوى استثمارنا والتزامنا بالتخطيط للجائحات”. وحتى حدوث ذلك، سنواجه صعوبات جمة.
هذا وعند شريحة عريضة من المسلمين يوجد خلط ما بين آيات تتعلق بالعقيدة والإيمان وبين التوكل وبين الأخذ بالأسباب؛ فقد نطق القرآن الكريم على لسان السيد الجليل النبي الخليل يقول : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين } [الشعراء:80] ... وهذه آية متعلقة بالعقيدة والإيمان؛ إذ أن سرد الآيات يبحث في مسألة أو قضية الإيمان فالحديث منذ البداية عن : { رَبَّ الْعَالَمِين } [الشعراء:77] ويبدء النص الكريم في بحث مسألة العقيدة والإيمان فيقول عن رب العالمين أنه : { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين } [الشعراء:78] ومسألة / قضية الخلق متعلقة به وحده؛ والقضية الثانية هي الرزق فيقول : { وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين } [الشعراء:79] وتأتي مسألة / قضية القدر فيقول : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين } [الشعراء:80] وقضية انقطاع رزق السماء فيترتب عليها الموت والفناء ثم الإحياء ويوم القيامة فيقول : { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين } [الشعراء:81] وقضية الحساب والثواب والجنة؛ فيقول : { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين } [الشعراء:82]
وهنا تبرز قضية الإتكال وليس التوكل وعدم الأخذ بالأسباب...
وبخصوص آية الشعراء ورقمها ( ٨٠ ) وهي متعلقة ببحث عقائدي قد يتفاجأ الجميع؛ خاصةً مَن لا يؤمن بالإسلام -الذي نزل وأنزل على قلب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين- أنه نظام حياة وطريقة معينة في العيش وكيفية خاصة في التعامل مع كافة مسائل الحياة مما ألزم الإمام البخاري؛ في صحيحه ان يفرد كتابا تحت عنوان كتاب «الطب» بناءً عما ورد من أحاديث نبوية وكذا عند الإمام مسلم والترمذي وبقية أصحاب مصنفات السنن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21 رجب 1441 هــ ئ16 مارس 2020م

الذكر !

إنه هو الذكر الذي يتم تخصيبه في الفضاء الواسع بداخل -امرأة- أُمِهِ... ثم تتعلق بويضته المخصبة - كينونته الأولى؛ نواة حياته المستقبلية؛ إن قدر له الحياة - في سقف رحم اشتق اسمه من الرحمة؛ ثم يتغذى طوال فترة حمله مِن دماء حاملة تلك النواة المخصبة؛ بكل ما تحمل تلك الدماء من غذاء ومواد أساسية لنموه تحوطه مشاعر؛ وتتغلفه أحاسيس ناقلة إليه لغة خاصة مِن قلب فرح ببداية قدومه إلى العالم؛ وموصلة إليه أفكار لم تتبلور بعد مِن عقل استوعب بأن بأحشائها جنين يتكون وإدراك محسوس لأم أحبته قبل أن تراه فنطقت جوارحها قبل لسانها حين ولدَ :«قلبي شافك قبل عيني» ... وطوال فترة الحمل يعتريها ما يعتريها من أعراض حمل؛ تتحملها راضية مرضية سعيدة فرحة... ليس بمرض اصابها ولكنه تخليق كائن جديد بداخل كائن آخر موجود خُلقَ منذ عدة سنوات مضت وأخذ جسدها يتشكل ويتطور من طور إلى طور ليصل إلى طور البلوغ والإكتمال ليتحمل تلك اللحظة التاريخية في عمرها البيولوجي... ويستعد -هذا الكيان البشري- لإستقبال فتشكيل ومن ثم تكوين هذا المخلوق الجديد بين أحشاءها؛ لحظة تشاركها ملآئكة تعجز الكلمات عن التعبير عنها أو تصورها؛ إذ لم يتمكن - حتى الآن - العلم الحديث بقدراته الحالية - والغالب أنه لن يتمكن- أن يسجل لنا ما صححه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري نقلا عن خادم النبي المصطفى « أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:{ وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ :" أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ... أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ... أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ... "... فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ :" أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى... أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ... فَمَا الرِّزْقُ... فَمَا الْأَجَلُ... فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ " »[( )] فقط -هي- المرأة الحامل تعلم جزئياتها بدقة متناهية؛ دون التفصيل العلمي التدقيق الذي ينبغي أن يشاهد بالأجهزة الحديثة فهي- الأم - تتعايش معه... ثم بعد حين يخرج كيفما يخرج من عنق... فــ أصبع صاحبته تخشى على نفسها أن تدخل اصبعها في هذا العنق... هذا المجرى -مجرى خروج الولد- لتنظفه... ثم لا ينتهي دورها بالوضع وأيام النفاس فتبدء مرحلة ثانية من التغذية الخارجية بعد أن كانت داخلية فيلتصق بقلبها قبل أن يلتصق بثديها ويتنفس برئتها قبل أن يستنشق الهواء برئته... فيرضع ما شاء أن يرضع مِن زمن حتى يكتفي... فإذا بدأت أمعاء هذا الذكر في التعامل مع ما تغذى به من أُمِهِ فيخرج فضلات زائدة عن حاجته تقوم هي بتنظيفه مع إبعاد رائحة ذاته عن أنف نفسه؛ ثم تغني له كي ينام شبعان نظيف طاهر ... وهذه العملية تتم خلال سنوات طوال وهو لا ينطق بكلمة شكر أو يعبر عن حالة أمتنان لما يقدم له... وتمر سنتان وتبدء مرحلة جديدة في حياة هذا الذكر... الطفولة المبكرة ثم تأتي مرحلة الطفولة الواعية... ومنذ اللحظة الأولى تسعى المرأة الأولى في أن يبدء في تعلم التعبير عن مشاعره بحركات سواء باليد أو بمقاطع من الوجه ثم تدخل الكلمات والحروف إلى أذنه تتلوها الأفكار ترافقها المفاهيم عن الحياة فتتأكد مجموعة من القيم وتترسخ كتلة من المبادئ والقناعات فيصبح إنساناً يملك بجوار خلايا المخ عقلا وإدراكا واستيعابا...ويبدء تعليم آخر جديد؛ ثم تمر مرحلة تلو مرحلة إلى أن يبلغ أشده فلا يحتاج للمرأة الأولى في حياته بل يرغب أو يريد المرأة الثانية... الأولى أشبعته بطريقتها الخاصة والثانية ستشبعه أيضا بطريقتها الخاصة والمغايرة تماما للأولى... وهذه الثانية يعاملها نتيجة محصلة سنوات عمر الطفولة والتنشأة.. فما يحدث اليوم من اساءة لها أو رقي إنساني في المعاملة... هو محصلة تربية وتلقين وتعليم وممارسة تمت أمام عينيه وتلقتها اذنه ووعتها ذاكرته فيعيد تنشيط الذاكرة بما عاشه وتعايشه زمن الطفولة البريئة ... فالمرأة الأولى تتحمله لأنه تشكل برحمها؛ وتغذى بدمها الطاهر وتنظف بيديها وراعته بقلبها... والمرأة الثانية تتحمله إن سكن في قلبها... فلامس الشَّغَافُ: فتغلغل خارقا غِلاف فؤادها، أَو سويداؤُه وحَبَّته... مع المرأة الأولى يخترق الغشاء المبطن للرحم كي يتمكن أن يعيش... ومع المرأة الثانية يخترق الغلاف المبطن للقلب كي يتحصل على الهدوء النفسي والراحة الداخلية... فيدخلانه -المرأة الأولى [الأم] والمرأة الثانية [الصاحبة] جنة الدنيا مرتين... مرة إثناء عملية التخليق من عدم... ومرة ثانية إثناء السكن والرحمة والمودة!!..
وهنا يتبقى الفارق بين أن يكون مجرد ذكر حامل ميكروب التلقيح وقطرات من سائل تمكن من الإخصاب؛ أو أن يكون بالفعل رجلا قادرا أن ينحني -احتراما- للمرأة الأولى -لأمه- عطفا وبرا وحنانا... ويرفع المرأة الثانية في مصاف الملكات فيجسلها على عرش قلبه ويتوجها إمبراطورة في مملكة الود والرحمة والسكينة
!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب هذه السطور يرى أنه من الظلم الصريح البليغ أن نتذكرها - المرأة الأولى أو الثانية أو النساء- مرة في العام؛ والرجل -وليس الذكر- الذكي يختلق -كل لحظة بجوارها- مناسبة كي يعبر عن مدى امتنانه لمِن تكوَّن بداخلها -تخليقاً- أو الثانية : مَن تعيد له آدميته وتوقظ فيه إنسانيته فتشعره برجولته!
يعتذر الكاتب بالإصالة عن نفسه لكتابة هذه السطور تذكيراً بيوم الثامن من مارس؛ الأحد ؛ 2020م... يوم النساء العالمي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. محمد الرمادي مِن الإسكندرية؛ ثغر البحيرة المتوسطية؛ القابعة على رأس القارة الأفريقية؛ والمطلة والتي ترعى القارة الأورُبية... صرة العالَم قديماً وحديثاً

 

المتناقضات

رفيقي ومنذ اللحظات الأولىٰ حين وعىٰ علىٰ الدنيا وهو يحمل بين جنبات صدره وفؤاده طموحات عالية؛ وتشتاق نفسه لغد مشرق؛ وينظر بعينه لمستقبل باهر؛ ويملؤه الأمل بتغير واقع تعيس لحياة ذات هدف منشود... ولعل يعود هذا لطريقة الخطاب التي كان يتكلم بها الرئيس الثاني لجمهورية مصر العربية؛ صاحب الكريزما؛ والذي لم يمكث في حكم البلاد أكثر من 16 عاما... وايضاً لوجود عدة مشاريع تطرح أحيانا ببلورة كاملة ورؤية مستنيرة.. وهذا القليل النادر كندرة الكبريت الأحمر؛ وأحيانا مجرد أفكار ليس لها واقع في الحياة؛ وهذا هو الغث الكثير والوفير... وهو -رفيقي- ينظر حوله فيجد أن جيله هو المؤهل للقيام بهذا الدور المستقبلي؛ فهو يحمل بين جنبيه طموحات أمة ويسعى لقيادة دولة... فإذا تعدىٰ نظره مدينته المطلة علىٰ البحيرة المتوسطية يجد فقط بشر: يولدون...فيأكلون ويتناسلون ثم يموتون... ولا يتركون بصمات لهم؛ ومَن يترك فهي بصمات تزيلها قطرة مطر؛ أو يمحيها ندى فجر جديد... وقد توقفتُ معه عند هذه النظرة الشمولية الخاطئة والفاسدة كثيراً نقاشاً وتوضيحا وهدما لإعادة بناء نظرة صحيحة لواقع معاش؛ وللأسف فهو يحمل أنفاً متعالية علىٰ الآخرين الذين هم دونه إما في المستوى العلمي الذي وصل إليه ؛ وإما في مستواه الفكري والثقافي؛ فهو يحسن تقسيم الآخر إلىٰ عالم الشمال والجنوب وأيضاً درجات وفئات؛ ويؤكد أن الذين يحسنون التفكير في أي أمة لا يتعدون 3 في المئة والباقي أتباع؛ والتاريخ والواقع-في مقولته؛ كما هو يريد - يثبت ذلك... ثم أن هناك قضية التدين... وهي شوهت تماماً كما يدعي ففي المساجد والزوايا عدة طرق صوفية تحسن الرقص فوق أشعة الشموع تشد الرحال لسيدهم فيقيمون الموالد بعد محصول زراعي يتبعها جماعات دراويش؛ تخدير باسم الدين؛ لا يقدمون لأمتهم شيئا ما نافعا أو لأنفسهم ... يقابلها جماعات تقوم على الإرتزاق باسم الدين وثلة منتفعة خاصة من باب رعاية الشؤون سواء الطبية أو التعليمية أو المعاشية وفريق يحسن فقط قتل الآخر على الهوية؛ ثم هناك صنف من أهل الوعظ والإرشاد وتقديم حكايات عن السابقين فبدلا من استخدام الربابة المصاحبة موسيقيا يستخدم الصوت فقط بإفتعال مصطنع... بالرغم من هذا الكم الهائل من المتناقضات والمختلفات والمتعاكسات في شخصية رفيقي؛ ورغم تلك التربية المتعارضة كطريقة تربية تقليدية متدينة في البيت أو الأسرة أو خارجها بما يسمعه ويراه في الشارع العام أو ما يتعلمه في المدرسة أو ما يصل إليه من وسائل الإعلام المختلفة مِن مسموعة فمرئية فمقرؤة؛ ثم دور السينما العربية بما تقدم من افلام هابطة تحسن الرذيلة أحيانا أو تعالجها في اللحظات الآخيرة من فيم طوله يتعدى الساعتين أو الأجنبية بما تحمل من مفاهيم وأفكار وقيم مخالفة تماما لمجمتعه والتي كان يحرص كل نهاية إسبوع -يوم الجمعة- على رؤية فيلم أجنبي في سينما رويال بشارع فؤاد وثم ثم بعد الثورة تحول إلى طريق جمال عبدالناصر؛ ففي البداية وهو صغير نسبياً كان بمرافقة والده وبعد حين كان يذهب منفردا، ثم يعود لتناول وجبة الغذاء مع العائلة ثم يذهب مع والدته بمرافقة والده والذي كان يسير أمامهما بعدة امتار؛ وإذ رغب أن يساير والده في مسيره كي يتكلم معه لمعرفة أي دار للسينما سوف يذهب إليها يقول له الوالد باقتضاب سينما كذا ثم يقول له عيب تترك أمك بمفردها يجب أن تسير معها وترافقها؛ ولعله من هنا كان يحسن محادثة مَن يرافقه؛ فكان خلاف أبيه يحسن المحادثة منذ نعومة أظافره سواء مع جدته لأبيه؛ إذ أنه ولد وجدته لأمه قد فارقت الحياة... وعليه تجد رفيقي سمع ورأى ما يحدث علىٰ الشاشة الفضية العربية من أفلام لم تكن تروق له وتعايش مع أفلام أجنبية كانت تعجبه؛ لعل لصناعة السينما الغربية -الأمريكية أو الأوروبية- كانت تحكم الرواية وتحسن الإخراج... ويستدل بأنه أستطاع أن يحسن رابطة العنق من خلال الأفلام الأجنبية؛ وكانت لا تعجبه رابطة عنق والده وإن كان الوالد بحكم الوظيفة والمهنة يبدل في اليوم الواحد عدة أطقم من هندامه.. ففي الصباح الباكر بدلة تناسب المحكمة وفي منتصف الظهيرة بدلة آخرىٰ؛ وقبيل الغروب بدلة ثالثة للذهاب إلىٰ مكتبه؛ ولعله فقط في شهرين الصيف -يوليو وأغسطس- يرتدي قمصانا ذات طابع خاص وبتفصيلة خاصة...
كم هائل من المتناقضات والمتعارضات تلاحظ على رفيقي إذا أزال قناع درجته العلمية وتبسط في الكلام وتجاذبت معه أطراف الحديث؛ ثم لكي يكتمل المشهد في محاولة لغلق الدائرة- كما يدعي رفيقي... تأتي شركة „روتانا‟ والتي يملك أمير سعودي قنواتها لتعيد أفلام الأسود والأبيض منذ بداية صناعة السينما في مصر لتؤكد علىٰ الماضي لتظهره بصورة مركزة فتقسم أيام الإسبوع لكل من يريد معرفة القديم لجيل جديد فتلاحقه „روتانا‟ خلال ساعات النهار وسواد الليل لتظهر ما لم يراه جيل ولد منذ قليل؛ فقط سمع عن ابطال ولم يراهم فتعرضه الشاشة التلفزيونية؛ وحتى يوم الجمعة لتجذب أكبر عدد من المشاهدين؛ فمباشرة بعد آداء صلاة الجمعة تعرض مسرحية هزلية كي ينسىٰ ما قد سمعه من واعظ المسجد... واليوم تجد قنوات خاصة لمسرحيات فلان وافلام فلان وفلان ...
رفيقي يحمل المتناقضات في شخصيته ونفسيته ومشاعره وحتىٰ في ألفاظه لكنه يتخبىٰ خلف جدار سميك يحسن بناءه وقت ما يريد ومع من يريد كي لا ينكشف المسطور... فمع أنه يحمل حملة شعواء علىٰ „الكاريوكا‟ بالذات... إلا أنه يعشق الرقص الشرقي؛ وفي جلسة خاصة أظهر لي لما لا تعجبه الكاريوكا!؟.. فكان رده أنها لا تحسن الرقص؛ لكنه معجب كثيرا بــ „السامية‟ ومِن ثم بـ „سهير‟ ثم يقول متباكياً علىٰ الرقص الشرقي:" انتهى الفن الأصيل الشرقي... فجاءتنا الروسية والتركية "... ويعلق فقط بأنها شحوم لا تحسن اي شئ سوى إثارة الغرائز عند ذكور الفئران...
رفيقي روى لي رواية علىٰ ذمته أنه في حفل لآحد وزراء مصر؛ ويغلب علىٰ ظنه أنها حدثت في عهد سادات مصر؛ ورفيقي لا يعجبه إدارته لحكم مصر؛ وهذا بحث آخر اتكلم فيه لاحقاً... الرواية تقول أن „سهير‟ رقصت في وصلة في حفل زواج أحد أبناء وزير؛ وكان مدعوا الشيخ وزير الأوقاف „محمد متولي الشعرواي‟ وبعد الإنتهاء من وصلتها ذهبت للشيخ وقالت له : "إنها تريد أن تبوسه!"..
ابتسم رفيقي وقال : لعلها تريد البركة وليس الهداية ؛ فما كان من الشيخ إلا أنه قال لها :" بس أنا لا استطيع أن ارد الهدية"... وهذه هي قمة الرد الدبلوماسي...
يوجد رجال لعبوا دورا جوهريا إيجابيا... أو ثانويا سلبيا في شخصية رفيقي وتكوين مزاجه ...
فمنذ نعومة أظفاره وفي المجتمع المصري؛ وخاصة الطبقة الوسطىٰ منه كان يشيد صوان „شادر‟لحفل عرس أو صوان آخر لتأبين ميت؛ وكان يحضر للأول راقصة ومغنية؛ وللثاني مقرئ وواعظ...
وهنا توقف كثيراً وذهب بنظره إلىٰ سحاب فقد تكشف له سقف الغرفة وابصر بعيداً بعيداً في سماء ما بعدها سماء... رفيقي أراد أن يبني قاعدة سلوكية أو قل -إن شئت- عدة قواعد سلوكية... ويقول مستدركاً أن صحت هذه الرواية؛ حكاية عدم قدرة رد الشيخ رد الهدية... ويظنها صحيحة؛ يبنى عليها أن المؤسسة الدينية تقبل الأمر ونقيضه؛ وتتواجد في صالة رقص؛ وإن كان حفل زواج بهذه الصالة راقصة مصر الأولىٰ؛ بغض الطرف نظر الشيخ إلىٰ الحائط وانشغل بمحادثة جاره أو أنشغل بتناول كوب من عصير البرتقال المثلج كي يخفف من حرارة المشهد أو كوب من الشاي الصعيدي الثقيل ليعدل المزاج... العبرة هنا ان في مجتمع تربىٰ فيه رفيقي كان الشئ وضده والأمر وعكسه؛ ناهيك عن ما نراه علىٰ شاشة التلفاز؛ وهذا ما حدث بالضبط في النادي المصري التابع لقنصلية مصر العربية في مدينة الأنس وروضة من الجنة كما غنت لها اسمهان؛ فإثناء درس لشيخ الأزهر المبعوث أربع سنوات تباعاً دخلت علينا من حجرة الإدارة „راقصة بطن‟ بملابسها الرسمية لترقص في حفل في الصالة المجاورة للصالة الرئيسية والتي بها الشيخ فتبادر الحضور -وكنا قلة- إلىٰ تخبية العيون وكأن جنيّة خرجت علينا -وهذا لزوم الجلسة الدينية- ... وفي حفل زفاف آخر بالعاصمة أحضر والد العروس راقصة فما كان من بعض المدعوين إلا أنه غادر الصالة... مع العلم بأنهم جميعاً يتفرجون في بيوتهم علىٰ أفلام عربية وبها راقصة بطن ... يرغب رفيقي في تبيان هذا التناقض في السلوك؛ والذي أدى لما نحن فيه اليوم !!.
ولعل إذا جمعت المتناقضات في اسلوب تربية رفيقي يمكن الفهم لما هو عليه من حالة مزاجية... إذ يعجبه راقصات البطن -الرقص الشرقي؛ وإن نظر إليهن المجتمع على أنهن ساقطات من قعر „القفة‟ ولعل ذكورية المرء تتصارع أحياناً مع رجولته وبالتالي تتناقض مع مواقفه بيد أن المجتمع المصري -كنموذج؛ وليس مثال؛ إذ أن بقية المجتمعات لديها أنواع من الرقص بغض النظر عن تسميته؛ وبغض النظر عن فاعله؛ ففي مجتمع الخليج تجد الذكر يتمايل ويتراقص؛ مما يأباه مجتمع مصري؛ وتجد في الصعيد رقصة(!!!) التحطيب؛ وهي لعبة شموخية اصولها فرعونية؛ واليونسكو اعتمدتها كلعبة من التراث الإنساني المعنوي في نهاية عام 2016م لها قواعد واصول وليست قتالية؛ ولها مظهر احتفالي ومجموعة من القيم؛ وسجلت باسم مصر- وفي بعض المجتمعات يقابلن بترحاب في بعض المناسبات؛ ثم بوجود الصحوة الإسلامية رفضهن في بعض شرائح المجتمع؛ فريق دون فريق ؛ وسبب الرفض أو القبول يعود لثقافة بعينها؛ فمن ينظر إلى -المرأة/الأنثى البالغة- بأنها كلها عورة حتى صوتها يُحَرِم ومن ينظر إليها علىٰ أنها كائن بشري له حقوق وعليه واجبات تقترب من حقوق ووجبات الرجل في مواضع وتفترق في مواضع يسمح بقدر ما من ممارسة سلوك
وكانت مفاجأة لم يتوقعها ولم تخطر بباله ابداً؛ فإثناء حياته مع زوجته النمساوية ذات الأصول السالزبورجية؛ قامت بارتداء بدلة رقص شرقي وجاءته -ظناً- منها أن هذا يسعده أو يدخل على قلبه بهجة لتوطين الحياة الزوجية بينهما؛ فما كان منه إلا أنه ابدىٰ انزعاجه بل أظهر غضبه ولم يتمالك أعصابه فقال لها بنيرة حادة :" أنه لا يقبل أن زوجته ترتدي هذه الملابس حتىٰ وإن ذلك في غرفة الراحة(!!؟).
وهذا قمة التناقض كما قال لي فهو من حيث المبدأ معجب بالراقصة الشرقية؛ ويتفرج عليها خاصة المصرية لكنه يرفض الراقصة الغربية أو الروسية؛ يخبرني رفيقي أنه في آحدىٰ المرات قرأ في صحيفة مِصرية أن الراقصة الروسية أخبرت وزارة العمل أنها تعمل علىٰ مكافحة البطالة في مِصر لأن فرقتها تشغل ما يقرب من 21 فردا بين طبال وزمار وماسح عرق الجبين يتولون رعاية اسرهم؛ فغضب غضبا شديدا ولم يتمالك نفسه؛ وقال :" لو كنت وزيرا للعمل أو للداخلية المِصرية لفعلت فيها الأفاعيل ورحلتها لموسكو ناقصة رجل ومحطمة الخصر؛ فكيف تتجرأ راقصة روسية من بلاد الجليد لا تحسن إلا هز بدلة الرقصة دون ما بداخلها أن تتكلم هكذا في دولة مِصر... وتدعي أنها تحارب البطالة وتعمل علىٰ تحسين دخل الفرد المصري" .
رفيقي يملك من التناقضات الكم الهائل والذي لا يستطيع أن يفسره ؛ خاصة هو لا يملك تفسيرا لهذا التناقض بين فرجته على راقصة وبين رفضه أن زوجته ترتدي بدلة الرقص في بيته وأمامه هو فقط؛ ولولا أنه أخبرني بهذا القصة ما صدقتها؛ فهو الذي الشاهد الوحيد الذي شاف؛ وهي -الزوجة النمساوية ذات الأصول السالزبورجية- لم تقص عليَّ هذا الواقعة؛ وإن كنتُ قريبا منهما؛ وغالب يقيني أنها لن تتجرأ أن تحكي لي مثل هذه الحادثة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
[2/2020] يتبع بإذنه تعالىٰ
رواية الرجل المشرقي
ورقة من كراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
۲٥ جمادى الأولى ١٤٤١ ه ~ 20 يناير 2020م
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
مِنَ عَرُوسِ الْبُحَيّرَةِ الْمُتَوَسْطِيَّةِ -ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ- بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَة الْمَحْمِيَّة

د. مراد هوفمان
Dr. Murad Wilfried Hofmann

قرأ « Wilfried » القرآن الكريم وقال عنه : « كل شيء في مكانه، منطقي تماما »

تمهيد:
الأمة الإسلامية -تجاورها: الأمة العربية- علىٰ حالها الراهن البائس بحاجة ملحة لأمثال هؤلاء الرجال؛ الذين يملكون قدراً عالياً من الذكاء الإجتماعي تجاه مَن حولهم أو الأحداث أو المواقف؛ ويمتازون بوعي راق مستنير لقضايا العالم وليس -فقط- لقضايا مَن ينتمون إليهم من أمتهم سواء في مجال العمل أو السياسة أو الجانب الإجتماعي أو الثقافي أو الدعوي؛ ولديهم القدرة الفائقة على تبيان مبدأ الإسلام -ايديولوجياً واستراتيجياً- بلسان فصيح؛ وقلم بليغ عن مستقبل أمتهم ووضع الخطط والمشاريع المستقبلية مع أطروحات عملية لدقائق المبدأ الإيديولوجي الإسلامي مع مراجعة صحيحة وقراءة فاحصة لماضيهم الزاهر بدأ من السيرة المحمدية -على صاحبها افضل السلام وأتم الصلاة وكامل البركات- وحتى عصور النهضة الإسلامية دون التغني -فقط- به؛ فيضعون مبدأ -لم يتبق منه إلا رسمه وبالكاد يظهر منه اسمه- يضعون مبدأَ أمةٍ تتعدى مليار و 700 مليون إنسان أمام أعينهم لإظهاره بشكله الطبيعي الحقيقي أمام العالَم بمثقفيه وأكاديميه وعامته؛ دون مراعاة لومة لائم غريب ودون محاباة قريب خشية غضبه أو عدم رضاه؛ فيبلورون افكار مبدأ الإسلام بلورة عقلية منطقية وأيضاً قيّمه وقناعاته ومفاهيمه بصورة تجديدية وليست إصلاحية تتمشى مع الألفية الثالثة؛ لا تتمشى مع واقع مزري يراد تغيره...
... فبــعد حياة مفعمة بالحيوية والنشاط والعطاء، وعن عمر ناهز التسعين عامًا، رحل إلى رحاب الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- المفكر الألماني المولد والتنشأة والكاتب المسلم والدبلوماسي الذي قضى شطرا من حياته العملية في بعض بلدان العرب ... رحل Dr. «Murad» Wilfried Hofmann صاحب «الإسلام كبديل»..!
Dr. «Murad» Wilfried Hofmann رجل غربي كان من الممكن أن تمضي حياته كأي إنسان آخر، له نصيب من الشهرة والنجاح، بسبب عمله المرموق كسفير، أو بسبب اهتمامه بفن الباليه.. لكنه قرر أن يجعل لحياته معنى فوق هذا!
مولده:
- وُلدَ -كاثوليكياً- يوم 3 يوليو من العام 1931م في اشافنبورج؛ وهي بلدة كبيرة في شمال غرب بافاريا تابعة إدارياً لمنطقة فرنكونيا السفلى بألمانيا.
- كان منتمياً لشبيبة هتلر؛ عندما كان في سن التاسعة من عمره؛ و
- إلى جانب ذلك كان منتمياً إلى عصبة محظورة مناهضة للنازية في ذاك الوقت.
دراسته :
- بدأ بدراسة القانون بعد حصوله على شهادة البكالوريا في ميونخ
- أنهي دراسته الجامعية 1950‏.‏
- أنهى دراسته للقانون الألماني بحصوله على الدكتوراه من جامعة ميونيخ عام 1957،
- حصل على درجة الماجستير في القانون الأمريكي من هارفارد عام 1960.
- كان مولعاً برقص الباليه حتى أنه أعطى دروساً فيه؛
- وتعلم العزف على طبول الجاز.
- أسس رابطة محبي الباليه في ميونخ.
- عمل لسنوات طويلة كناقد لفن الباليه في مجلات متخصصة.
إسلامه :
الدين : مسلم سُني :
في مقتبل عمره [20 عاما] تعرض « Wilfried » لحادث مرور مروّع، فقال له الجرّاح بعد أن أنهى إسعافه : "إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدّخر لك يا عزيزي شيئاً خاصاً جداً(1)".
وصدّق القدر حدس هذا الطبيب إذ اعتنق « Wilfried » ... « مراد » الإسلام بعد دراسة عميقة له، وبعد معاشرته لأخلاق المسلمين الطيبة في المغرب.. ونتيجة ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية وإعجابه بصبر الجزائريين واستيعابهم لما جرى، ولولعه كذلك بالفن الإسلامي، ولما اعتبره تناقضات في العقيدة المسيحية التي كان يعتنقها؛ قرر قراءة القرآن بنفسه، وقال عنه : « كل شيء في مكانه، منطقي تماما ».
« Wilfried » درس في الجامعات التي درّس فيها كانط و هيغل ... رواد العقلانية الحديثة لكنه اختار العقلانية الحديثة والقديمة معا، العقلانية المستقرة.
هناك ملاحظة :
فأنتَ حين تقرأ لمفكرين أوروبيين أو أمريكيين اعتنقوا الإسلام، تجد أنهم جميعهم يرون في الإسلام بديلا عن الحضارة الغربية، وينتقدون الحداثة والعقلانية المادية والليبرالية، ويرون أن الغرب أساء إلى الحضارة أكثر مما خدمها، وأخيرا يرون أن الغرب يحارب الإسلام.
وهؤلاء ليسوا عربا، ولم يولدوا مسلمين، ولا يخالطون العرب بل يخالطون مجتمعهم، وثقافتهم غير ثقافتنا، فمن أين تأتيهم هذه الأفكار؟.
... إنها التجربة.
- « Wilfried » ... « مراد » اعتنق الإسلام عام 1980، و
- أدى العمرة عام 1982،
- ثم الحج في 1992.
- في 1985 كتب (يوميات ألماني مسلم)، الذي توالت طبعاته بلغات مختلفه ثم طبعت بالإنجليزية عام 1987، في كولون، ثم أعيد طبعها بالألمانية 1990 في كولون، والفرنسية 1990 بالجـزائر ثم الفرنسية أيضًا في الرباط 1993 ليصدر بالعربية عام 1993 بالقاهرة.
أثار كتابه (الإسلام كبديل)، الذي نشر بالألمانية عام 1992، اهتمام ألمانياً والعالم.. أعيد طبعه بالألمانية 1993، في ميونخ ثم ترجم إلى الإنجليزية والعربية ترجمة‏:‏ د. غريب؛ مؤسسة بافاريا للنشر عام 1993‏.‏
ويعد هذا الكتاب أكثر الكتب الثقافية تأثيراً في ألمانيا ولا يناظره إلا كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لـ « علي عزت بگوڤيتش» رئيس البوسنة السابق.
- له كتب ومقالات عدة نذكر منها على سبيل المثال‏:‏
1ـ ] الإسلام عام 2000 ترجمة: عادل المعلم ـ مكتبـة الشروق ـ طبعة أولى، القاهرة 1995‏.‏
2ـ ] ندوة بعنوان ‏"‏ الإسلام ينتشر بقوة في الغرب ‏"‏‏.‏
تحت هذا العنوان عرضت مجلة الوعي الإسلامي بـالكويت في عددها 372 بتاريخ 1417 هـ ‏:‏ أن الدكتور « مراد هوفمان» قال‏:‏ ‏"‏ لقد أمضيت 4 سنوات من عمري مديرًا إعلاميا لحلف الأطلنطي، ورأيت كيف يخططون لإبادة الإسلام وتشويه صورته ‏"‏‏.‏
ثم صدر له :
- (رحلة إلى مكة)،
(الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود)،
-(خواء الذات والأدمغة المستعمرة)، إضافة إلى :
- عشرات المقالات واللقاءات والمؤتمرات.
تركز معظم كتبه ومقالاته على مكانة الإسلام في الغرب، وبعد أحداث 11 سبتمبر-بشكل خاص- في الولايات المتحدة. وهو أحد الموقعين على عالم مشترك بين الولايات المتحدة وبينك، وجه رسالة مفتوحة من العلماء المسلمين إلى القادة المسيحيين، تدعو للسلام والتفاهم.
أسلم « Wilfried » بعد رحلة فكرية طويلة وصفها في كتبه، وله العديد من الكتب التي تتناول مستقبل الإسلام في إطار الحضارة الغربية وأوروپا.
أما أسباب إسلامه، أو طرق دخوله عالم الإسلام، فجاءت كما أوضح في (رحلة إلى مكة)، عبر ثلاث حوادث أو تجارب:
- إنسانية، و
- جمالية فنية، و
- فلسفية.
التجربة الإنسانية ( ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية ):
بدأت حين تعرف إلى الإسلام عن قرب أثناء عمله بالجزائر عام 61/ 1962، وعايش فترة حرب استمرت ثماني سنوات بين قوات الاحتلال الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، ورأى كيف يُقتل الجزائريون رميًا بالرصاص على مؤخرة الرأس من مسافة صفر، فقط لكونهم عربًا أو لأنهم مع استقلال الجزائر.. ولاحظ مدى تحمل الجزائرين لآلامهم، والتزامهم الشديد في رمضان، ويقينهم بأنهم سينتصرون، وسلوكهم الإنساني وسط ما يعانون من آلام.. هذا السلوك الذي جعل سائقًا جزائريًّا يعرض على « Wilfried » أن يتبرع بالدم لزوجته، دون سابق معرفة، بمجرد أن سمعهما يتحدثان عن فصيلة دمها (O) ذات (RH) سالب، إثر تعرضها لنزيف الإجهاض تحت تأثير الأحداث آنذاك… “ها هو ذا العربي المسلم يتبرع بدمه، في أتون الحرب، لينقذ أجنبية على غير دينه”!!
وأما التجربة ذات الطبيعة الجمالية:
فهي أنه كان مولعًا بالجمال، وكان منذ صباه معجبًا بالجانب الشكلي للجمال، ويرغب في الغوص في أعماقه. وفي عام 1951 تلقى الدفعة الأولى من منحة التفوق، فدفعها بأكملها ثمنًا لشراء نسخة مطبوعة على قطعة من الجوت من لوحة بول جرجان (الفتاة وثمار المانجو)، ثم أخذ يتأملها ويحللها.. إذ يقول: “ولم ألبث أن اقتنعت بأن الفن الساكن (غير المتحرك)- الرسم، والنحت، والعمارة، والخط، والأعمال الفنية الصغيرة- مدين بالفضل في تأثيره الجمالي للحركة المجمدة؛ ومن ثم، فإنه مشتق من الرقص. ولذلك يزداد إحساسنا بجمال الفن التشكيلي كلما ازدادت قدرته على الإيحاء بالحركة؛ وهو ما يفسر انبهاري الشديد بالرقص الذي دفعني إلى مشاهدة عروض الباليه كافة”.
ثم تخصص في (الباليه) وعشقه حتى عمل محاضرًا لمادتي تاريخ وعلم جمال الباليه بمعهد كولونيا للباليه فيما بين عامي 1971- 1973م.
وعبر هذا الطريق، صار الفن الإسلامي بالنسبة له معبرا بقوله: “تجربة مهمة ومثيرة؛ إذ إن هذا الفن لا يماثل في سكونه تمامًا ما أسعدني في حركات الباليه؛ أي: التجريدية، القدرة على الإنسانية، الحركة الداخلية، الامتداد فيما لا نهاية؛ وذلك كله في إطار من الروحانية التي يتسم بها الإسلام؟!”.
ثم ألهمته أعمال معمارية: مثل
- الحمراء في غرناطة، و
- المسجد الكبير في قرطبة، “اليقين بأنها إفراز حضارة رفيعة راقية”.
إضف إلى ذلك التناقضات التي تواجهه في العقيدة المسيحية المبنية على تعالم بولس الرسول من طرسوس. والذي ساعده على الانتقال للإسلام أنه تزوج في كنيسة توحيدية؛ ورأى اسم محمد -عليه الصلاة والسلام- بجانب اسم عيس وموسى على زخارف الكنيسة فخرج بفكرة أن الدين إذا كان مصدره واحد فالنسخة الأخيرة هي أولى بالاتباع.
أما في التجربة الفلسفية:
فقد دفعته درايته بالديانة الكاثوليكية وبأدق شئونها من الداخل، إلى أنه يعلن أن : “يقيني بإمكانية، بل بضرروة الوحي والدين... ولكن أي دين؟ ... وأي عقيدة؟ ... هل هي اليهودية أو المسيحية، أو الإسلام؟ .... وجاءتني الإجابة من خلال تجربتي الثالثة، التي تتلخص في قراءتي المتكررة للآية 38 من سورة النجم: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}. ولا بد من أن تصيب هذه الآية بصدمة شديدة كل من يأخذ مبدأ حب الآخر الوارد في المسيحية مأخذ الجد؛ لأنه يدعو في ظاهر الأمر إلى النقيض. ولكن هذه الآية لا تعبر عن مبدأ أخلاقي، وإنما تتضمن مقولتين دينيتين تمثلان أساسًا وجوهرًا لفكر ديني، هما:
– أنها تنفي وتنكر وراثة الخطيئة.
– أنها تستبعد، بل وتلغي تمامًا، إمكانية تدخل فرد بين الإنسان وربه، وتحمل الوزر عنه.
والمقولة الثانية هذه تهدد، بل وتنسف، مكانة القساوسة، وتحرمهم من نفوذهم وسلطانهم الذي يرتكز على وساطتهم بين الإنسان وربه وتطهير الناس من ذنوبهم. والمسلم بذلك هو المؤمن المتحرر من جميع قيود وأشكال السلطة الدينية".
يكمل حديثه بالقول : أما نفي وراثة الخطيئة وذنوب البشر، فقد شكّل لي أهمية قصوى؛ لأنه يفرغ التعاليم المسيحية من عدة عناصر جوهرية، مثل:
- ضرورة الخلاص، و
- التجسيد، و
- الثالوث، و
- الموت على سبيل التضحية… لقد وجدت في الإسلام أصفى وأبسط تصور لله”.
ولما أشهر إسلامه [يوم 25 سبتمبر من عام 1980] حاربته الصحافة الألمانية محاربة ضارية ، وحتى أمه لما أرسل إليها رسالة أشاحت عنها وقالت :"ليبق عند العرب !(2) " :
قال لي صاحـبي أراك غريبـــاً * بيــن هــذا الأنام دون خليلِ
قلت : كلا ، بــل الأنـامُ غريبٌ * أنا في عالمي وهذي سـبيلي (3)
ولكن د. هوفمان لم يكترث بكل هذا ، يقول : "عندما تعرضت لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الإعلام بسبب إسلامي ، لم يستطع بعض أصدقائي أن يفهموا عدم اكتراثي بهذه الحملة ، وكان يمكن لهم العثور على التفسير في هذه الآية { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }(4) .
يتحدث د. هوفمان عن التوازن الكامل والدقيق بين المادة والروح في الإسلام فيقول :
"ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدنيا، ومن هنا جاء الاهتمام في الدنيا، فالقرآن يلهم المسلم الدعاء للدنيا، وليس الآخرة فقط { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً }
وحتى آداب الطعام والزيارة تجد لها نصيباً في الشرع الإسلامي"(5).
ويعلل د. «مراد» ظاهرة سرعةانتشار الإسلام في العالم، رغم ضعف الجهود المبذولة في الدعوةإليه بقوله :" إن الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ ، وذلك لأنه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفىٰ "(6).
"الإسلام دين شامل وقادر على المواجهة، وله تميزه في جعل التعليم فريضة، والعلم عبادة … وإن صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث، عُدَّ في جانب كثير من الغربيين خروجاً عن سياق الزمن والتاريخ، بل عدّوه إهانة بالغة للغرب !!(7) ".
ويتعجب د. هوفمان من إنسانية الغربيين المنافقة فيكتب: " في عيد الأضحى ينظر العالم الغربي إلى تضحية المسلمين بحيوان على أنه عمل وحشي، وذلك على الرغم من أن الغربي ما يزال حتى الآن يسمي صلاته «قرباناً» (!!!) وما يزال يتأمل في يوم الجمعة الحزينة لأن الرب (ضَحَّى) بابنه من أجلنا!!"(8).
موعد الإسلام الانتصار:
"لا تستبعد أن يعاود الشرق قيادة العالم حضارياً، فما زالت مقولة "يأتي النور من الشرق " صالحة(9) …
إن الله سيعيننا إذا غيرنا ما بأنفسنا، ليس بإصلاح الإسلام، ولكن بإصلاح موقفنا وأفعالنا تجاه الإسلام(10)…
وكما نصحنا المفكر «محمد أسد» ، يزجي د. هوفمان ويدْفَعَ نصيحةً للمسلمين بِرِفْقٍ ليعاودوا الإمساك بمقود الحضارة بثقة واعتزاز بهذا الدين، إذ يقول : "إذا ما أراد المسلمون حواراً حقيقياً مع الغرب، عليهم أن يثبتوا وجودهم وتأثيرهم، وأن يُحيوا فريضة الاجتهاد، وأن يكفوا عن الأسلوب الاعتذاري والتبريري عند مخاطبة الغرب، فالإسلام هو الحل الوحيد للخروج من الهاوية التي تردّى الغرب فيها، وهو الخيار الوحيد للمجتمعات الغربية في القرن الحادي والعشرين"(11).
"الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبليّ لا يحدّه زمان ولا مكان، فالإسلام ليس موجة فكرية ولا موضة، ويمكنه الانتظار " .
مناصبه: دبلوماسي.. وكاتب.. ومفكر ألماني مسلم
- عمل في الإدارة الخارجية الألمانية من عام 1961 حتى 1994، وكان متخصصا في القضايا المتعلقة بالدفاع النووي؛ فعمل كخبير في مجال الدفاع النووي في وزارة الخارجية الألمانية. وواصل عمله مديرا للمعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي -الناتو- في بروكسل في الفترة من 1983 إلى 1987،
- سفيرا لبلاه لدى الجزائر من 1987 إلى 1990،
- سفيرا في المغرب من 1990 إلى 1994.
الأوسمة :
- وسام الصليب من رتبة استحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية (1984)
- وسام الاستقلال (2010)
- نيشان الاستحقاق للجمهورية الإيطالية من رتبة قائد
وفاته: 12 يناير من العام 2020في مدينة بون؛ عن عمر يناهز 89 عاماً.
عبر الأربعة عقود الأخيرة في حياته التسعينية- أي من لحظة إعلان إسلامه سبتمبر عام 1980م، حتى وفاته ليلة الاثنين 13 يناير 2020م- قرر Dr. «Murad» Wilfried Hofmann بعد أن كان سفيرًا لبلاده بعدة دول، أن يكون أيضًا سفيرًا للإسلام في الغرب، بل وفي العالم أجمع... بما ترك من ثروة فكرية وآراء مهمة، خاصة في قراءة الإسلام بعين غربية، وفي نقد الغرب بذهنية إسلامية؛ مما لخصه بمقولته الجامعة: “ليس الإسلام بديلاً من البدائل، لنظام ما بعد التصنيع الغربي؛ بل هو البديل”.
رحمه الله رحمة واسعة، وتقبله في الصالحين...
أعلن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الإثنين، وفاة Dr. «Murad» Wilfried Hofmann الذي كان يشغل عضويته الشرفية.
وأشار المجلس، على موقعه الإلكتروني، أن د. هوفمان توفي، الأحد، بعد معاناة مع المرض.
ووصف المجلس د. هوفمان بـ"المفكر الرائع... والباحث... وبأنه شخصية عالمية المستوى ومصدر إلهام لكثير من الناس والأجيال".
كما نعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان عبر موقعه الإلكتروني، د. هوفمان.
والراحل كان دبلوماسيًا ألمانيًا ومن أبرز صناع السياسة الخارجية الألمانية، اعتنق الإسلام عام 1980، ثم تحول من دبلوماسي إلى داعية إسلامي برؤية عصرية، وفق قول الاتحاد.
بدوره، نعى الأزهر الشريف، المفكر والسياسي الألماني الكبير Dr. «Murad» Wilfried Hofmann وقال الأزهر، في بيان له:" إن الراحل ساهم في الفكر الإسلامي بعدد كبير من المؤلفات بينها : "الإسلام كبديل" و"الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود" وكتاب "الطريق إلى مكة". وأشار إلى أن تلك المؤلفات أحدثت نقاشات واسعة في الأوساط الثقافية والفكرية داخل ألمانيا وخارجها، حيث تحدث فيها عن عظمة الإسلام وتفرده وقدرته كدين إلهي على قيادة البشرية في المستقبل. وأكد أن كتابات هوفمان "أثرت في كثير من المسلمين وغير المسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(1) (الطريق إلى مكة) مراد هوفمان (55) .
(2) مجلة (المجلة) العدد 366 ، مقال (هل حان الوقت لكي نشهد إسلاماً أوربياً ؟) للمفكر فهمي هويدي .
(3) البيتان للشاعر د. عبدالوهاب عزام (ديوان المثاني) ص(34) .
(4) (الطريق إلى مكة) مراد هوفمان ص (49) .
(5) (الإسلام كبديل) مراد هوفمان ص (55-115) .
(6) (يوميات مسلم ألماني) مراد هوفمان .
(7) (الطريق إلى مكة) ص (148) .
(8) (الطريق إلى مكة) ص (92) .
(9) (الإسلام كبديل) ص (136) .
(10) (الإسلام عام 2000) ص (12) .
(11) مجلة ( الكويت ) العدد (174)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تحدث في خطبة الجمعة السابقة (17 يناير 2020) خطيب المسجد المِصري بالحي العشرين الفييناوي عن هذا الخَطب الجلل وعقد مقارنة بينه وبين محمد أسد... رحمهما الله تعالى واسكنهما فسيح جناته وجزاهما الفردوس الأعلى لما قاما به من أعمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملف من إعداد :
محمد الرمادي

 الرجل المشرقي 2020

« „ و.. أين .. الوطن ‟»

لم يَدُر في خَلَدِ رفيقي أنه يريد أن يكتب مذكراته يوماً ما؛ بقدر ما هو حديث عابر مرسل لم يضع له قواعد أو بداية... ولعل لكثرة ما عنده من أحداث لم يحدد له سقف نهاية ... حديثٌ مِن رفيق دراسة استمرت لعدة سنوات؛ في حديثِه يخبرني عن جانب خاص مِن حياته الخاصة جداً؛ إذ يحلو لكثير مِن الرجال- وهناك فارق كبير كــما بين الثرى والثريا : أي بين ذكر يتحدث عن أنثى لحظة الإشباع... وبين الرجل الذي يتحدث عن المرأة وإن كانت أنثى ساعات المعايشة والود والرحمة – ومعلوم أنه يحلو للكثير التكلم في خصوص هذه المسألة وبإسهاب؛ وهي المسألة المتعلقة بالمرأة... سواء أكانت تلك المرأة حوريّة من جنَّة الرضوان عدن... أو جنيّة طردت من نعيم الجنان فتمرمغت في جحيم العذاب والطغيان فسكنت الأرض لتشقي من يقترب منها... سمع -رفيقي- جدته لأبيه تقول:„ النسوان إما «هدايا» وإما «رزايا» ”... المرأة الأولى وفق تقسيم جدته لأبيه: لمسة يدها بلسم يداوي الجرح الغائر بين جنبات النفس المتعبة والمرهقة فيريح فؤاد العاشق ويشفي قلب الولهان أو يبرء الخدش الظاهر على يد المشتاق... تبسمها في وجهه صباحاً يبزغ فجرا جديدا من بين ثنايا فمها الذي لعابه مزج بعسل مصفى وشهد مربى؛ لفظتها -إذا نطقت- قطعة موسيقية تعزفها عصافير هبطت خصيصا هذا الفجر لتسمعه كيف هي تتلفظ كلمة واحدة فوق أذنه فيستزيدها فتزيده... فيكون سحر اللمسة يعانق سحر الكلمة فينسجم مع سحر الموسيقى التي تعزف له وحده؛ فحين تشتد الشمس في رابعة النهار تسدل شعرها الذهبي فوق عنقه فيشم عطر جلبته له خاصة من مهبط آدم في بلاد السندريب ... أما الثانية فيكفي التعريف السابق لجدته:"رزية".!
رفيقي يسهب في حديثه أمام فنجانين -لي وله- مِن القهوة... لوزم حبس وجبة عشاء فاخرة شهية - بالطبع- على حسابه الخاصة...
وهو -أيضاً- زميل سفر في العديد من البلدان في مختلف القارات زمن الشباب؛ وهو يضيف دائماً مصطلح الرجولة؛ فيجمعهما معاً فيتكلم عن زمن «„الشباب & الرجولة‟»... وهو لم ير ابداً الغزو الأبيض البطئ لشعرات رأسه... ولم يعر له اهتماماً؛ ولم يحاول صبغته...
رفيقي... لم يُرد أن يؤرخ لحقبة تاريخية بعينها عاشها... إذ يقول :„ كتابة المذكرات عمل أدبي بحت!”؛ ورفيقي منذ ثانويته العامة وفق النظام التعليمي المِصري القديم يدرس ثانوي علمي؛ كما أنه لم يرغب في توجيه أصابع الاتهام إلى فئة دون آخرى أو نظرات الاستحسان إلى فريق دون آخر فهو لا يريد أن يكتب تاريخاً ولكنه -رفيقي- محصلة عوامل عدة تاريخية(!) مرت عليه منذ مولده وحتى كتابة هذه السطور اشتركت جميعاً في تشكيل شخصيته؛ وتكوين عقليته وبناء نفسيته، وأظهرت مزاجه الحاد أو الراق؛ وهو لم يتحرج أبداً بأن يصف نفسه -مازحاً- « „فردة قباب في رجل -مُحَدِثَتِه- الشمال‟»... ثم ينتقل فوراً في الحديث موجهاً نظراته الحادة لها قائلاً « „متى تتكرمين وتتعطفين فانتقل لرِجْلِك اليمين‟»... المرأة الذكية الفاهمة لمزحته حتى وإن كانت غربية تسارع في الإجابة بالقول «„bald‟»... وقد أخذ فترة زمنية تكاد تكون طويلة نسبية في ترجمة المعنى لنساءه الكثر...
-رفيقي- محصلة عوامل عدة تاريخية(!) مرت في فترة طفولته فصباه فشبابه المبكر منذ مولده... اضف لتلك العوامل المتعارضة المتناقضة والمتداخلة التربية التقليدية المحافظة في مجتمع يظهر على السطح أنه متدين... فالمآذن تعلو في سماء إسكندريته فتشق السحاب وتجاورها أجراس الكنائس تسمعها وهي تدق بتناغم مع رفع الآذان؛ دون أن يتم تقسيم المعصرات لــ سحابة مسيحية نصرانية؛ وآخرى سحابة مسلمة مؤمنة... وهو -رفيقي- كان دائماً يشير إلى أن هناك جيل بل أجيال كاملة -دون أن تحسنها- تربت على رقصة «„الكاريوكا‟»؛ ومن هنا - حيث التاريخ المشهود - تبدء سلسلة من المتناقضات والمختلفات... ثم زاحمة تحية الـ «„سامية‟» التي كان حين يحضر في زيارة رسمية لوزارة الخارجية المِصرية يطلب رؤيتها في بدلتها الرسمية وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كِسنجر... ومن قبلهما لا ننس „عوالم” شارع محمد علي وعوالم الأفراح وأحتفالات طهور الصبيان ومِن بعد الجميع شارع الهرم بما فيه وعليه والغزو الخليجي الليبي للإمساك بأي حالة هز في أي صالة ثم جاءت حاملات الشهادات العليا فبدلا من سماع رن التليفون والرد على مكاتب الوزارة تسمع رنة الخلخال في الحارة الضيقة السد وتعليق الشهادة العليا في واجهة صالون الضيوف... ثم تجد قبل وإثناء ومن بعد ذلك أمطار غزيرة ساقطة وسخت «„الجلابية‟» الريفية وبهدلت «„بهية‟» وجعلت «„ياسين‟» عبدا للبترودولار؛ ومن ثم للإيرو... ثم سدت سيول السينما المصرية التي غزت العالم العربي كافة المناطق؛ واطلق عليها تلطفاً «„القوى الناعمة‟» فغرد العندليب الأسمر؛ ويوم وفاته قتلت مجموعة (6) فتيات أنفسهن انتحارا حزنا على فراقه؛ وقبله جاءنا من جبل لبنان الأطرش وأخته فأُغرقت في نيل مِصر: إما بوشاية من أم كلثوم وهي رواية كاذبة قطعاً؛ وإما تخلصا منها لدعاية مغرضة أنها كانت عميلة؛ وهي نفس الرواية التي نُسبت لسندريلا السينما المصرية حين اُسقطت من شرفة شقتها بمدينة الضباب البريطانية ومع ذلك لم ينسدل الستار... ثم ظهور الفتى الأول المِصري الأصل ليعبث بقلوب العذارى على الشاشة الفضية وفي الشارع العام وحتى في خدور الصبايا فتترنح البطلة أمام شفطة من حاجة «„اَصْفَرَه‟» سواء شربتها أو شمتها... أو متجنس على الشاشة الفضية ومحاولات دؤبة على تصوير صوت وصورة المرأة الساقطة... ومحاولات يائسة على جعلها ضحية وأن الظروف والأحوال الجأتها إلى بيع ما ليس له ثمن وهو شرفها؛ فيفاجؤنا عميد المسرح العربي بمقولته المشهورة التي سرعان ما تم نسيانها «„شرف البنت كــ... الكبريت يولع مرة واحدة‟» ثم توالى العرض الرخيص لحزم كاملة من العري الأخلاقي والجسدي والفساد السلوكي سواء من بلاد العم سام مع الترجمة أو باللهجة المِصرية العامية وهو ما أطلق عليه بــ «„الواقعية‟» ونقل ما يحدث في الحارة المِصرية وتحت بير السلم إلى الشاشة الفضية فيعلم مَن ليس عنده خبر بالخبر والقصة بالتفصيل المريح صوت وصورة؛ لذا فقد غضب فريق دون أن يقدم بديل يقف في المقابل؛ فاباحوا قتل صاحب جائزة نوبل المِصري؛ لأنه أحسن تصوير قاع المجتمع في ثلاثيته وبقية روايته... وإشكالية العري الجسدي والأخلاقي ان بطلاته حين أنقطع الشباك في تلقي ثمن تذكرة الدخول لقرب الوصول لسن اليأس الفني والتمثيلي تحجبن أو قبلها بقليل.. ثم نجد ثلاث مسائل ليست متقاربة بل مشتركة بل اجتمعن أو تفرقن فآثرن في الذوق العام وسلوك الشارع: خطاب الرئيس جمال عبدالناصر يقابله حفل غناء سيدة الغناء العربي مساء الخميس؛ وحين يخفت الصوت يتقدم ماتش الكورة... فانشغل الجميع بهذه الثلاثية... مع تعطيل كامل مقصود أو عفوي لدور الأزهر وغياب رجالاته وسحق الأوقاف ثم من بعد تعطيل كامل لدور المؤسسة الدينية بعد رفع اسقلاليتها واكتفينا بخريجي الإعدادية أو الثانوية الأزهرية ودمجا -الأزهر والأوقاف- كآحدى شركات القطاع العام... وفي جراءة من رفيقي منقطعة النظير تحدث مع أحد رجال الأزهر إثناء زيارته لمدينة فيينا بالنادي المِصري المطل على البرلمان النمساوي فقال رفيقي لشيخ الثانوية الأزهرية :"عار على المشيخة أن تنضم إلى مؤسسات دولة... آحداها : شركة جانكليس لزراعة العنب ثم تصدير النبيذ الأحمر لدول أوروبا !!"... فسكت الشيخ !!؟.
يقابل كل ذلك وجود ضوء شمعة خافت في الشارع الإسلامي التقليدي من خلال تجمعات تطلق على نفسها جماعة دينية أو حزب سياسي إسلامي أو تكتل سلفي أو تجمع طرقي صوفي... وهذه الحزم المتدينة لم تملك وعي إسلامي صحيح؛ ولم تطرح رؤية ايديولوجية تصاحبها استراتيجية واضحة ولم توضح أهداف مستقبلية معلنة - وما خُفيَّ كان أعظم - تلتف حولها جموع الشعب المِصري؛ الذي نُشر عنه في دراسة غربية أنه من أكثر الشعوب تديناً على وجه البسيطة...
هذا-ما يسمى بالصوت الإسلامي في مجتمع متدين بالسليقة- مقارنةً بخطب عبدالناصر فقد تجمع خلفه العرب من الخليج العربي -الفارسي- إلى المحيط الأطلسي... ومن البحيرة المتوسطية إلى ما بعد أوساط القارة الأقريقية بغض النظر عن صحة مشروعه العروبي؛ أو نضوج افكاره القومية أو إحسان تطبيق إشتراكيته؛ أو كيفية بناء الدولة أو كيفية رعاية المؤسسات شؤون أفراد الشعب... ولعل الواقع الفعلي اليوم يثبت صحة ذلك الفراغ الإسلامي عند جميع الحركات الإسلامية العاملة في الساحة... فالجميع نسخة من الواقع السئ المعاش ...
نكمل المشهد ففي بداية السبعينات من القرن المنصرم طلَّ على زهرة الشباب -فتيات قبل الفتيان- المِصري والعربي من الإذاعة المِصرية ممثل من الدرجة الثالثة -سمير صبري- ببرنامج «„النادي الدولي‟» نقل لنا أحدث الأسطوانات الموسيقية في الغرب؛ وكان الشباب جميعاً ينتظرون موعد البث الإذاعي... ثم تزاحمت الأحداث والمواقف والتراجعات والاخفاقات وفشلت محاولات بائسة لإعادة الثقة في النخب؛ وصار الجميع يعاني من فساد إداري سبقه فساد أخلاقي سبقه فساد قيمي وغياب المبادئ؛ لدرجة أن أحدهم أخذ يشدو فيقول :"خذوا المناصب والمكاسب ... بس سيبوا لي الوطن".
رفيقي... الرجل المشرقي الذي يعيش ومنذ سنوات طوال في المجتمع الغربي يركز على الجانب العاطفي بين الرجل والمرأة ولكن كما قلتُ سلفاً:" أن المرءَ منتوج بيئته" وبغض النظر عن الدرجة العلمية التي تحصلها هذا المرء؛ فهناك لصوص يحملون درجة الدكتوراة أو على درجة وزير وهناك بسطاء شرفاء...
لعل هذا الكم الهائل من التناقضات والمتعارضات والمختلفات المتشابكات أوجدت هذا الجيل وما تبعه! ثم سارعت التكنولوجيا الحديثة من وتيرة الإنزلاق...
ولعل في نهاية النفق المظلم بصيص نور فجر جديد.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
[1/2020] يتبع بإذنه تعالىٰ
رواية الرجل المشرقي
ورقة من كراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
١٢ جمادى الأولى ١٤٤١ ه ~ 07 يناير 2020م
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ

مِنَ عَرُوسِ الْبُحَيّرَةِ الْمُتَوَسْطِيَّةِ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَة الْمَحْمِيَّةِ.


 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا