السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
النمسـا اليـوممفكـــــرةخدمات & طوارئ النمسـا الوطـنإخترنـا لكإعلانــــــاتحـوار صـريحمجتمــــــعهيئة التحـريرمواقع إلكترونيةتواصـــل
 
 

محمد الرمادى
فيينا / 2023

النساء(*)

ارجو .. سيدتي القارئة قبل أن يلمس طرف أصبعك الناعم آخر ورقة من شجرة شهر ديسمبر لعام ٢٠٢٣ الميلادي~ وآواخر أيام جمادىٰ الثانية‏ من السنة الهجرية: ١٤٤٥ أن اقدم لك باقة زهر وبوڪيه ورد.. عليه بطاقة أڪتب عليها : « „ حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ ” » (**) .
أخرج النسائي في سننه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أنّ النبي -- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - قال: « „ حُبِّبَ إلي منَ الدُّنيا(***)، النساءُ، والطِّيبُ، وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاةِ ” »؛ وفي رواية أخرى: « „ حُبِّبَ إليَّ مِن دُنياكم(***) النِّساءُ والطِّيبُ، وجُعِلَت قُرَّةُ عيني في الصَّلاةِ ” ».
ونص الحديث النبوي المعتمد : عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- « „ حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ” »..
هذا الحديثُ معناهُ قلبِـي يَـمِيلُ من حيثُ الطّبعُ وليسَ من حيثُ التَعُلُّقُ إلىٰ النّساءِ.
والمحبة هنا هي ما اقتضته والطبيعة والجبلة، فالنبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يخبر بما اقتضته الطبيعة البشرية والجبلة الإنسانية من ميل الإنسان الطبيعي إلىٰ الطيب، وهي الروائح الذكية الطيبة، وميل الرجل إلىٰ المرأة؛ باعتبار أن الله -الخالق المنشأ المصور- فطر الرجل مائلاً للمرأة، وكذلك المرأة مائلة إلىٰ الرجل، فقوله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « „ حُبب إليَّ من الدنيا ” ».أي: من نعيمها ومتعها.. لكن بالتأكيد أن هذه المحبة مضبوطة بالشرع، ولا يمكن أن ينطلق الإنسان معها علىٰ خلاف الشرع، ولهذا جاءت الشريعة ببيان ما يحل فنفعله.. وما يحرم فنبتعد عنه، وما يجب في حق الرجل علىٰ المرأة، وحق المرأة علىٰ الرجل.
وقال الطيبي: "جيء بالفعل « „ حُبب ” » مجهولًا دلالة على أن ذلك لم يكن من جبلته وطبعه. وإنما هو مجبول على هذا الحب رحمة للعباد ورفقًا بهم"..
ملاحظ:
ولاحظ أن كلا هذين الأمرين : « „ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ” ».مما يوصل إلى خير، إذا صُرف على الوجه الذي يرضي الله -تبارك وتعالى- عنه، فالطيب يقوي النفوس وينشطها، وهو مما يأنس به الإنسان، وينتفع به غيره، ولذلك مثل النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الجليس الطيب بحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، والنساء كذلك هن من متاع الحياة الدنيا، كما قال الله جل وعلا: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾، كل هذا هو من متاع الدنيا ومما حبب للإنسان لكن يجب أن يراعي فيه حقوق الله تعالىٰ، وفي استمتاع الإنسان بالمرأة، كما استمتاع المرأة بالرجل، إذا كان يمنعه من حرام وكان ذلك مما يؤجر عليه، فإنه جاء ناس من الصحابة للنبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم! قال- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟! إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر!».
والمقصود أن الطيب والنساء مما وجد فيه النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- انجذابًا بمقتضىٰ الطبيعة والجبلة، لكن هذا في متع الدنيا، أما في أمور الآخرة فقال - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وقرة العين هي سكون النفس وطمأنينتها وراحتها، وهذا يفوق مجرد المحبة، والله أعلم..
فـ .. حُبُّهُ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للنّساءِ هذا حُبٌّ طبيعيٌّ، كذلكَ الطيبُ فــ قلبُهُ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لا يَتعلَّقُ بهِ لكنْ يَـمِيلُ، وهكذا كلُّ الأنبياءِ صلوات الله تعالى وسلامه وبركاته عليهم أجمعين حتى لو كانَ بعضُ الأنبياءِ عندَهُ نِساءٌ كثيرٌ فغرضُهُم تكثيرُ نَسْلِ المسلمينَ ولِـحِكَمٍ أُخرى، غرضُهُم تكثيرُ نَسْلٍ يقاتِلُ الكفارَ في سبيلِ اللهِ كـ سليمانَ -عليهِ السلامُ-.. فـ سيدُنا سليمانُ كانَ عندَهُ ألفُ بيتٍ من الزّجاجِ وكانَ عندَهُ ألفُ امرأةٍ، ثلاثُـمائةِ مَهْرِيَّةٍ وسبعُمائةٍ مِلكُ يمينٍ، إِنَّـمَا جمعَ هذا العددَ الكثيرَ وكان في شَرْعِهِ مباحًا، وكان شديدَ التَعَلُّقِ بالجهادِ، أرادَ بهذا أن يَطْلُعَ من صُلْبِهِ شبابٌ كثيرون يقاتلونَ في سبيلِ اللهِ وإلّا هو لا يَتَنَعَّمُ وهكذا كلُّ الأنبياءِ.
كانَ سليمانُ -عليه السلامُ- يُطعِمُ الناسَ لُبَّ القمحِ الصافِـي، كلّ يومٍ يُطعِمُ مائةَ ألفِ شخصٍ، وأحيانًا ستينَ ألفًا وكانَ يَذبَحُ كلّ يومٍ مائةَ ألفِ شاةٍ، أمَّا هو لنفسِهِ يأكلُ اللبنَ الحامِضَ مع خبز الشعير اليابس.
سيدُنَا مُـحَمَّدٌ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعدَمَا هاجَرَ عدَّدَ الزوجاتِ، أما قبلَ أن يهاجِرَ ما كانَ تزوّجَ إلّا خديجةَ تزوجَ وعُمُرُهُ خمسةٌ وعِشرون وخديجةُ كانَ عمرُهَا أربعينَ سنةً، كانَتِ امرأةً شريفةً ولبيبةً، هي ذَكَرَتْهُ ورَغِبَتْ بزِواجِهِ ثم بعضُ الناسِ قالَ لَهُ (خديجةُ تَذْكُرُكَ بالزّواجِ) فوافَقَ، ولَـمْ يتزوجْ غيرَهَا إلى أن صارَ عُمُرُهُ خمسينَ، ما تَزوَّجَ غيرَهَا حتى ماتَتْ وكانَ هو أجملَ الناسِ.. ثمّ التعديدُ لأجلِ غرَضٍ دينِـيٍّ وهو أن يُنْشَرَ عِلْمُ الأحكامِ ولا سِيّمَا التي تتعلقُ بالنّساءِ كالحيضِ والنّفاسِ، لأنَّ النّساءَ قد يستحِيْنَ أن يَتَعَلَّمْنَ هذهِ الأحكامَ من الرّجالِ، أمَّا مِنَ النّساءِ فهو سَهْلٌ عليهِنَّ، لأجلِ هذا عَدَّدَ سيدُنَا مُـحَمَّدٌ- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النّساءَ ليسَ لتعلّقِ قلبِهِ بالنّساءِ، فمَنْ قالَ عن الرّسولِ: “نِسونـجِي” فهو ڪافرٌ..
.. ومِـمَّا يدلُّ على أنَّ سيدَنا مُـحَمَّدًا - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- غيرُ مُتَعلِّقِ القلبِ بشهوةِ النساءِ أنَّ عائشةَ كانَتْ أحدثَ نسائِهِ سِنًّا وكانَ في دورِهَا يَـخرُجُ إلى الجَبّانَةِ -المقابر- يدعُو لأهلِهَا، كُلَّمَا كانَ دورُ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنهَا- هكذَا كانَ يفعلُ.
وكذلكَ امرأةٌ عرضَتْ عليهِ بنتَهَا وصفَتْهَا بالحُسنِ حتَّى قالَتْ :" إنَّـها لا تعرفُ المرضَ.. حتى الصُداعَ ".. فقالَ (لا حاجةَ لِي فيهَا) لأنَّ المسلمَ الذي لا تُصِيبُهُ المصائبُ حظُّهُ قليلٌ، أما المسلمُ الذي تَكثُرُ عليهِ المصائبُ هذا أعلى درجةً لذلكَ الأنبياءُ هُم أكثرُ النّاسِ بلاءً.
ءادمُ عليه السلامُ كانَ في الجنّةِ التي لا نَكَدَ فيهَا، ما كانَ يلقَى فيهَا أذًى، لا أذَى حرّ الشّمسِ ولا أذَى البردِ ولا جوعًا ولا عطشًا، ورائحتُهَا طيّبةٌ، ثم أنزلَهُ اللهُ إلى أرضٍ مكشوفةٍ ليسَ فيها بيتٌ لَهُ، ثمّ قاسَى ما قاسَى ثم عَلَّمَهُ اللهُ كيفَ يزرعُ القمْحَ وكيفَ يَـحصُدُ، وعَلَّمَهُ كيفَ يَستَخرِجُ الذهبَ والفضةَ وكيفَ يَعمَلُ منهَا عُملةً، وعَلَّمَهُ أصولَ المعيشةِ.
كذلكَ سيدُنَا نوحٌ عليه السلامُ بَقِيَ تسعَمائةٍ وخمسينَ سنةً يدعُو قومَهُ للإسلامِ وهم يسُبّونَهُ ويشتمونَهُ وأحيانًا يضرِبونَهُ فيقعُ على الأرضِ مغشيًّا عليهِ، صَبَرَ على هذا مئاتِ السنينَ.
كذلكَ سيدُنَا إبراهيمُ عليه السلامُ قاسَى ما قاسَى في حياتِهِ.
كذلكَ سيدُنَا مُـحَمَّدٌ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ماتَ لَهُ ستةُ أولادٍ في حياتِهِ ثلاثةٌ من الذكورِ ماتُوا وهُم صِغارٌ وثلاثُ بناتٍ مِـتْـنَ في حياتِهِ إلا فاطمةَ، فاطمةُ -الزهراء- تأخَّرَتْ عنهُ ستةَ أشهرٍ، ولَقِيَ صَلَّى اللهُ عليهِ وىله وسلَّم منْ قومِهِ ما لَقِيَ حتى أخرجُوهُ من بلدِهِ وكانَ في بلدِهِ يُسَبُّ.. أما قبلَ أنْ يدعُوَهُم إلى الإسلامِ كانُوا يُـحبّونَهُ ويُسَمّونَهُ :" الأمينَ ".. لَـمْ تُـجَرَّبْ عليهِ كـذْبةٌ (بفتح الكافِ وكسرِها) واحدةٌ، ثُم لَمَّا دَعَاهُم إلى الإسلامِ شَق عليهِم أنْ يَسُبّ دينَهُم، صَعُبَ عليهِم، حتى عشيرتُهُ ومنهُم عمُّهُ أبو لَـهبٍ كان يسبُّهُ ويُؤذيهِ لأنَّهُ طَلَبَ منهُم ترْكَ الكفْرِ إلى عبادةِ اللهِ.
..
.. تمهيد :"
:" التوازن في أمور الدنيا
كان النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُرغِب في الاستمتاع بملذات الدنيا بما أباحه ورخّصه المولىٰ - الخالق الرازق سبحانه- في مواطن عديدة؛ كما كان يحثّ على الزهد في الدنيا في مواطن أخرى، فكان - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يجمع بين الأمرين؛ فــ مرة يلبس الصوف والثياب الحسنة، ومرة يلبس الرداء المتواضع ..
.. و .. مرة يأكل الرطب وطيّب الطعام من العسل والحلوى، ومرة يأكل ما تواجد في بيته من مختلف الأصناف المتواضعة؛ فكان - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يجمع بين كل ذلك ليُبين ويرشد أمته من بعده بجواز ورخصة هذه الأمور، مع عدم المبالغة والإسراف فيها.
.. ..
فـ الحديث الذي أتكلم عنه أخرجه الترمذي عن أنس أن النبي - - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - قال : حبب إلي [(من)] [(الدنيا)] [(دنياكم)] النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة.
.. فالواو في الطِيب والنِّساء واو عطف.. ثُمَّ قال : " وجُعِلَت قُرةُ عيني في الصلاة".. الواو في وجُعلت قرة عيني في الصلاة واو استئناف وليست واو عطف ، فيستحيل أن يقول النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وجُعلت قُرةُ عيني في الصلاةِ ويجعلها من شؤون الدُنيا ، جَعلُ قرةُ العينِ في الصلاة من شؤون الدنيا أم من شؤون الآخرة ؟ ".
الجواب :
من شؤون الآخره . يستحيل أن يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حُبب إليَّ من دُنياكُم ثلاث(!) ويجعل الصلاةُ من الدُنيا ، النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال : حُبب إليَّ من دُنياكم الطِيبُ والنِّساء وبَيْنَ الطِيبُ والنِّساء صِلة ، فمَن أرادَ النِّساء فلا بُدَّ أن يَتطيَّب وإشارة إلى أن القُوة الموجودة في البدن في هذه الدُّنيا أشرف ما تُصرف إليه أن يبقى نوْع الإنسان ، أن يبقى الولد ، فالنِّساء حُبِبنَ للنَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، وَقَرَنَ هذا الحُب مع الطُيب إشارة إلى الوقاع، وإشارة إلى أنَّ قُوة العبد أشرف ما يُمكن أن تُصرف إليه في الولد ، فاللَّذة لا تُراد لذاتِها ، ومع هذا النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ما رزقهُ اللهُ تعالى إلا إبراهيم من مارية القِبطية رضي اللهُ تعالى عنها وما كتب اللهُ لهُ البقاء فماتَ . . ..
والمعنى أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حُبب إليه النساء .
واختلف السادة العلماء -أهل العلم- في حكمة تحبيب النساء إليه ..
.. حبّ النساء
أخبر النبي -- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - أنّ حبّ النساء كان مما حُبب إليه؛ أيّ مما أودعه الله -تعالى- في قلبه، ولم يكن ذلك عن اختيار منه - - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - أو تكلّف، ولا شك في أن ما حببه الله -تعالى- لنبيّه فيه خير ونفع وبركة؛ كما فيه من المصالح والمقاصد التي لا يعلمها إلا الله -تعالى- ورسوله؛ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى بيان سبب تحبيب المولىٰ -سبحانه- لنبيّه الكريم -صلوات الله عليه وسلامه وبركاته- بالنساء؛ فقالوا:

[١ ] لــ ينقلن نساءه-رضي الله عنهن- عنه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سائر أحواله التي تخفى على أصحابه، وتكون بين جدران بيته أو مسكنه في غرفته ولا يمكن للرجال أن يطلعوا عليه؛ فيُستحيا من ذكره من غير نسائه.. ومن جملة ذلك: أحكام الغسل والحيض والنفاس والعدة وما شابه ذلك.
[٢ ] إنّ هذا التحبيب فيه زيادة للابتلاء في حقّه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتى لا يكون الانشغال بما حُبب إليه عمّا كُلّف به من أعباء الدعوة وأداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه فيصبح أجره -صلى الله عليه وسلم- أعظم وأكمل..
إنّ تحبيب النساء إليه -صلى الله عليه وسلم- في لطف به، للتخفيف والتهوين عليه.
[٣ ] قيل إنّ في هذا التحبيب ردّاً لمزاعم المشركين واتهاماتهم له بالسحر والجنون؛ فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فتكون خلواته مع نسائه -صلى الله عليه وسلم- خير دليل على بشريّته وكمال طبيعته.. فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به"، وعلى القول الثاني على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة..
.. وقد نقل الجلال السيوطي عند شرحه لهذا الحديث كلاما نفيسا عن السبكي حيث قال: السر في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن الله -تعالى- أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه.. إلى أن قال :.. ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية - معاذ الله - وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة الغراء وأحكام الإسلام السمحاء .
.. [٤] أما النساء فحببت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لما في ذلك من المصلحة العامة فإن ڪل بطن من بطون قريش له به صلة لأنه تزوج منهم فڪثر اتصاله بالخلق، كزواجه من أم المؤمنين صفية بيت حيي أو تسريه بـ مارية بنت شمعون القبطية [المِصرية)] وحصل من العلم ولاسيما العلوم الخفية التي تڪون في البيوت على أيدي هؤلاء النساء أعني زوجاته ما لم يحصل لو لم يڪن عنده إلا واحدة وفوائد تعدد الزوجات في حق الرسول ڪثيرة.. وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري (9 / 115) أن الذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه ثم سردها، وأضاف عليها محمد بن صالح العثيمين فأوصلها إلى خمس عشرة حكمة، فلتراجع في موضعها..
.. ..
.. لطائف أشار إليه الحديث الشريف
أشار هذا الحديث النبوي الشريف إلى عدد من اللطائف التي أوردها بعض أهل العلم في شروحاتهم؛ ومن ذلك:

[١ ] الترغيب في الزواج، والتحصين، ونبذ التبتل.
[٢ ] استخدام لفظ "دنياكم" في دلالة واضحة على التجرّد من الدنيا، والإيذان بأنّ -صلى الله عليه وسلم- غير متمسكٍ بها، راغباً إلى ما عند الله -تعالى-، زاهداً بما فيها.
.. ..
.. أما حبه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للطيب فلكونه يناجي الملائكة وهم يحبون الطيب..
.. قرار العين بالصلاة
عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكره ملذات الدنيا إلى ذكر ما يتمّ به الدين والإيمان، وما تتم به الآخرة؛ فذكر -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، ودفع بذكرها التوهم الذي قد يتخلل إلى عقول بعض الناس؛ أنّ حبّ النساء والطيب أو غيرها من المباحات؛ قد يُشغل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العبادة والمناجاة، وهذا مردود بلا أدنى شك، إذ إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن في كثير من المواطن وكثير من الأحاديث أنّ فرحه وراحته، وتمام معراجه كان في الصلاة.

والقرّة هنا من القرّ؛ أي الثبات والقرار، وهي كناية عن البهجة والسرور، والفوز بالبغية، والوصول للمحبوب؛ وإضافتها للعين كان لبيان أنّ المحب لا يسعد، ولا يستقرّ قلبه، ولا تسكن روحه؛ إلا برؤية محبوبه، وكذلك الصلاة بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وليس أدلّ على ذلك من قوله: (يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها).
..
.. إنَّ أصلَ السّعادةِ :
- معرفةُ اللهِ معرفة يقينية..
و:
- الإيمانُ بنبيهِ إيمانا قطعياً لا يتطرق إليه شك أو ريبة، لا سعادةَ بغيرِ ذلكَ، معرفةُ اللهِ كما يَـجِبُ.. والإيمانُ برسولِهِ.. هذا أصلُ السّعادةِ، بهذا ينجُو الإنْسانُ منَ العذابِ الدّائمِ في الآخرةِ وبِـهذا ينالُ الدرجاتِ العُلى.
ثم إنَّ معرفةَ اللهِ ليسَ بِـمجردِ أنْ يقولَ القائلُ (لا إلهَ إلا اللهُ مُـحَمَّدٌ رسولُ اللهِ)، بل معرفةُ اللهِ يَـجِبُ أن تكونَ كمَا يُفهَمُ من هذهِ الآيةِ ﴿ليسَ كمثلِهِ شىءٌ﴾ فهو تباركَ وتعالى موجودٌ ليسَ لوجودِهِ ابتداءٌ، أمَّا غيرُهُ كلُّ أصنافِ العالـمِ ما كانَ موجودًا أوجدَهُ اللهُ.
واللهُ -سبحانَهُ وتعالى- ليس ذاتًا كثيفًا ولا لطيفًا، لا يُشبِهُ المخلوقاتِ، قالَ تعالى- ﴿ليسَ كمثلِهِ شىءٌ﴾ هذهِ الآيةُ أُمُّ القرءانِ إليهَا تُرَدُ كلُّ الآياتِ المتشابهةِ.
وهذهِ العقيدةُ هيَ التِـي دَعَا إليهَا جميعُ الأنبياءِ والمرسلينَ -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِم أجمعينَ-.
واللهُ سبحانَهُ وتعالى أعلمُ وأحكَمُ...
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
( د. الْفَخْرُ؛ الْإِسْڪَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-) ﴿ نَزِيلُ ڤِيَّنَّا ﴾
حُرِّرَ في العام ١٤٤٥ الهلالي الْهِجْرِيَّ: الأحد 19 جمادى الثانية ~ 31 ديسمبر 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-. ‏01‏/01‏/2024‏ 06:12:46 م
(*) آحدىٰ مقدمات ڪتاب :" الإعجاز الإجتماعي في الإسلام؛ فصل عشرة النساء ".
(**) رواه: أحمد (13079) وصحيح النسائي ( 3939 ) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه.. والبيهقي؛ والطبراني؛ وأبو يعلىٰ؛ وعبدالرزاق؛ وصححه الحاكم (2 / 174) ووافقه الذهبي.. وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (3 / 15) و (11 / 345).. فـ الحديث صحيح .
(**) بيد أن : الحديث ليس فيه ثلاث .. فـ زيادة" ثلاث "غلط من بعض الرواة ".
وحكم المحدث الفيروزآبادي بأن : ثلاث غلط "..
" وليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة زيادة: " حبب إليّ من دنياكم ثلاث".. ولذلك ردها كثير من الأئمة والحفاظ لنكارتها من حيث عدم ورودها ولشذوذها معنىً ".
ـــــــــــــــــ
مراجعات لأقوال العلماء حول فهم مقصد الحديث :
قوله - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : "حُبب" وفي رواية: "إنما حُبب"، وهذا من بلاغة لفظ النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حيث لم يقل (أَحِبُ)؛ لأنه لم يكن ليحبها ابتداءّ، والدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وكان يحذر الناس منها ويزهدهم فيها، قال المناوي في فيض القدير: "ثم إنه لم يضفها لنفسه فما قال: أحب.. تحقيرًا لأمرها؛ لأنه أبغض الناس فيها ".
كان النَّبيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أعبَدَ النَّاسِ وأتْقاهم للهِ -عزَّ وجلَّ-؛ فلم يكُنْ يُحِبُّ مِن الدُّنيا إلَّا الطَّيِّبَ، فأحَبَّ أزواجَه، وأحَبَّ الرَّوائحَ الطَّيِّبةَ؛ مِن مِسْكٍ وغيرِه، وحَثَّ عليه ورغَّبَ فيه، كما يقولُ النَّبيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديثِ: "حُبِّبَ إليَّ مِن الدُّنيا"، أي: نَصيبي منها وما أتحصَّلُ عليه مِن مَتاعِها: "النِّساءُ"، أي: زَوْجاتُه -رَضِي اللهُ عَنهنَّ-، أمهات المؤمنين .. وهنَّ مِن أَوْلىٰ مَن يدخُلُ في قولِه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "خيرُ مَتاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ ".
قال علي القاري في مرقاة المفاتيح:
"مسألة قوله: "حُبب إليً من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" .. لِمَ بدأ بالنساء، وأخر الصلاة؟
الجواب: لما كان المقصود من سياق الحديث ما أصاب النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من متاع الدنيا بدأ به كما قال في الحديث: " ما أصابنا من دنياكم هذه إلا النساء"، ولما كان الذي حبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها وهو النساء بدليل قوله في الحديث الآخر: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" .. ناسب أن يضم إليه بيان أفضل الأمور الدينية، وذلك الصلاة فإنها أفضل العبادات بعد الإيمان، فكان الحديث على أسلوب البلاغة من جمعه بين أفضل أمور الدنيا وأفضل أمور الدين... "
"وجعل قرة عيني في الصلاة"، وهذا بيان لعظيم محبته لها؛ وذلك لما فيها من القرب من المولىٰ -عز وجل-؛ فلا شيء يسعده ويدخل عليه السرور بمثل ما تدخل عليه الصلاة؛ فــ قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان.
وقد يُفهم من الحديث القصد العام من لفظة النساء بشكل عام .. مثل : أمك .. وأختك .. وبنتك .. وزوجتك .. وخالتك .. وعمتك". كما اكرم الشيماء أخته من الرضاعة..
والنبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جاء في مجتمع يكره النساء والبنات ويكرههن ولا يستبشر بولادتهن.. وكان بعض العرب يدفنون البنات وهن أحياء، كما حكى القرآن عن المجتمع الجاهلي بقوله تعالىٰ: ﴿وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (58) ﴿يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (59) [النحل].. وأن كثيرًا من المشركين كانوا يتعجبون لحب النبي- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لابنته فاطمة -أم أبيها- وتدليله لها، وكانوا يقولون له: دعها فإنها بنت، مشيرًا إلى أن النبي كان يتعجب من كلامهم، ويقول: «مالكم ومالي، زهرة أشمها». ".[قلت: بحثت عنه فلم أجده؛ والعهدة على راويه: د. علي جمعة]..
كما أن النبي - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كفن فاطمة بنت أسد -زوج عمه الشقيق أبي طالب بن عبدالمطلب وأم علي بن أبي طلب في قميصه، ومدد في قبرها، قبل أن ينزلها، وقال لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، وتوسل النبي لربنا بالأنبياء من أجلها..
ثم أن هناك فرقًا بين الدنيا والحياة، فـ الأولىٰ مذمومة بشهواتها وتقديمها علىٰ الدين والحياة الآخرة، وأن الحياة ليست كذلك، ولذلك حرم الله علينا الانتحار والفساد في الأرض..
أن قوله تعالىٰ: - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، يعني أن الدار الآخرة هي دار الحياة الحقيقية، وأننا ننظر إلى الحياة الدنيا كمزرعة للآخرة نعبد فيها خالقنا، أي أن من المشروع الدعاء بخير ما في الدنيا كما في قوله تعالىٰ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾(201) ﴿ أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (202)[البقرة]..

تتبقى شبهة :
هناك شبهة يطرحها بعض الملاحدة يتهمون فيها النبي بأنه محب للنساء بما ذكره - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الحديث المذكور، موضحًا أن الرسول أحب النساء زوجة وأمًا وأختًا وبنتًا وليس كما يفهمها هؤلاء.


4 وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين}
[الْآيَةَ: (50)؛ سُورَةُ: الْمُؤْمِنُون: ورقمها (23)]

أثبت القرآن الڪريم في سورة المؤمنون؛ آية رقم (٥٠) إيواء العذراء البتول وابنها إلىٰ ربوةٍ.. ثم وصفها بأنها ذات قرار واضاف وذات معين.. وبما أن القرآن العظيم ڪتاب تشريع وأحڪام شرعية عملية فهو يذڪر من قصص الأنبياء ومَن قد مضىٰ من الأمم حسب الحاجة دون تفصيل.. لأخذ العبر.. فهو ليس بكتاب طب وإن تحدث عن مبادئه وليس كتاب قصص وإن أخبرنا عن أحداث تمت.. وهذا ما دعىٰ أهل العلم من سلف هذه الأمة بعرض أقوالهم وفقاً لما فهموه من حيث اللُغة أو مما نُقل عن أهل الڪتاب.. وڪل حسب علمه.. وأحيانا قد تتعارض أقوال العلماء في المسألة الواحدة ولا يتفقون في القضية الواحدة.. ومن هذا مثال مڪان هذه الربوة التي ذڪرها العليم الخبير فلم يحدد مڪانها بالدقة.. وإن ڪان هناك فائدة شرعية لذڪرت..
نطق القرآن المجيد يقول : ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾
أَيْ: صَيَّرْنَا ابْنَ مَرْيَمَ [المسيح عيسىٰ] وَأُمَّهُ [مريم بنت عمران] آيَةً؛ فهذه: مُعْجِزَةً خَارِقَةً لِلْعَادَةِ؛ ومعنىٰ: ﴿آية﴾ أي: عِبْرَة علىٰ ڪمال القدرة والخلق من عدم ڪما نطق القرآن الڪريم يقول : ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون﴾..
وَعُرِفَ عِيسَىٰ بِأَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ؛ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ؛ وَأَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؛ وَڪَانَ بِذَلِكَ هُوَ وَأُمُّهُ آيَةً خَارِقَةً لِمُجْرَىٰ الْعَادَاتِ؛ ذَلِكَ أَنَّ مُجْرَىٰ الْعَادَاتِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ أَنَّ الْوَلَدَ يَڪُونُ مِنْ نُطْفَةٍ [رجل] تُوضَعُ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ؛ فَيَجِيءُ الْوَلَدُ بِإِذْنِ اللَّهِ (تَعَالَىٰ)؛ ڪَمَا تَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ (تَعَالَىٰ):﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾.. إِلَىٰ آخِرِ الْآيَاتِ الْڪَرِيمَاتِ؛ فَڪَانَتِ الْمُعْجِزَةُ [الخارقة للعادة؛ والتي ليس لها مثال سابق أو لاحق] فِي أَنَّ عِيسَىٰ جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؛ وَذَلِكَ لِإِثْبَاتِ قُدْرَةِ اللَّهِ (تَعَالَىٰ) [علىٰ الخلق من عدم والإيجاد دون مثال سابق يحتذىٰ به].. أَيْ آيَةٍ دَالَّةٍ عَلَىٰ عَظِيمِ قُدْرَتِه (تَعَالَىٰ) بِوِلَادَتِهِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ مَسِيسِ بَشَرٍ.. وَلِإِثْبَاتِ إِرَادَتِهِ [وأنه] فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ؛ وَأَنَّهُ مُخْتَارٌ [يصطفي مِن خلقه ما يشاء ومن عباده من يريد لحكمته]..
قال مقاتل بن سليمان: وقوله - عز وجل-: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾.. يعني: عيسىٰ وأمه مريم ﴿آية﴾ يعني: عِبْرَة لبني إسرائيل؛ لأنّ مريم حَمَلَتْ مِن غير بشر، وخُلِق ابنُها مِن غير أبٍ .. فـ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ هُوَ عِيسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ آيَةً بِأَنْ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ ذَڪَرٍ، وَأَنْطَقَهُ فِي الْمَهْدِ فِي الصِّغَرِ، وَأَجْرَىٰ عَلَىٰ يَدَيْهِ إِبْرَاءَ الْأَڪْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى..
وَأَمَّا مَرْيَمُ فَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ -تَعَالَىٰ- آيَةً؛ لِأَنَّهَا حَمَلَتْهُ مِنْ غَيْرِ ذَڪَرٍ.
قَالَ الْحَسَنُ: تَڪَلَّمَتْ مَرْيَمُ فِي صِغَرِهَا ڪَمَا تَڪَلَّمَ عِيسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ قَوْلُهَا: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ..
.. ولابد من مراعاة البيئة المحيطة بهذا الحدث المعجز في زمنه.. ذَلِكَ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ الْأَيُونِيَّةَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي آسْيَا الصُّغْرَىٰ؛ وَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا الْفَلْسَفَةُ الْيُونَانِيَّةُ؛ ڪَانَتْ تُؤْمِنُ إِيمَانًا عَمِيقًا - وَلَوْ ڪَانَ بَاطِلًا - بِأَنَّ الدُّنْيَا وُجِدَتْ بِالسَّبَبِيَّةِ؛ أَيْ: بِوُجُودِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّةٍ؛ حَتَّىٰ قَالُوا: إِنَّ الْڪَوْنَ ڪُلَّهُ وُجِدَ عَنِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ بِالْعِلَّةِ.. وَبِوِلَادَةِ عِيسَىٰ مِنْ غَيْرِ أَبٍ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ؛ رَزَّاقٌ؛ وَهُوَ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ؛ وَڪَانَ عِيسَىٰ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأُمُّهُ [الصديقة] آيَةً خَارِقَةً لِلْعَادَةِ؛ فَأُمُّهُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - حَمَلَتْ مِنْ غَيْرِ نُطْفَةٍ [أو مسيس رجل]؛ وَهُوَ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؛ فَڪَانَتِ الْمُعْجِزَةُ فِي ڪِلَيْهِمَا؛ وَمُڪَوَّنَةً مِنْهُمَا..
..
أَمَّا قَوْلُهُ -تَعَالَىٰ- : ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾) أَيْ: جَعَلْنَا مَأْوَاهُمَا الرَّبْوَةَ، أَيْ: مَكَانًا مُرْتَفِعًا؛ قَدْ أَوَتْ إِلَيْهِ مَرْيَمُ عِنْدَمَا فَاجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ؛ حَتَّىٰ لَا يَرَاهَا النَّاسُ؛ وَقَدْ قَالَ (تَعَالَى) - فِي ذَلِكَ -:﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾..
وَالْإِيوَاءُ : جَعْلُ الْغَيْرِ آوِيًا ، أَيْ : سَاڪِنًا . مثل عِنْدَ قَوْلِهِ :﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ فِي سُورَةِ هُودٍ.. وَعِنْدَ قَوْلِهِ :﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ فِي سُورَةِ هُودٍ..
وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْإِيوَاءِ وَحْيُ اللَّهِ لِــ مَرْيَمَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِرَبْوَةٍ حِينَ اقْتَرَبَ مَخَاضُهَا لِــ تَلِدَ عِيسَىٰ فِي مُنْعَزَلٍ مِنَ النَّاسِ حِفْظًا لِــ عِيسَىٰ مِنْ أَذَاهُمْ..
قلت(الرَّمَادِيُّ): وهذا قول يخالف ما ذهب إلىٰ البعض من خروجها مع وليدها خوفا عليه من بطش اليهود ومحاولة قتله..
وَالرَّبْوَةُ : هِيَ الْأَرْضُ الْمُرْتَفِعَةُ.. وَالرُّبْوَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ : الْمُرْتَفَعُ مِنَ الْأَرْضِ..
ولعل الدقة في تعريفها بالقول:" الرَّبْوَةُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ ارْتِفَاعًا يَسِيرًا مَعَهُ فِي الْأَغْلَبِ ڪَثَافَةُ التُّرَابِ وَطِيبُهُ وَتَعَمُّقُهُ، وَمَا ڪَانَ ڪَذَلِكَ فَنَبَاتُهُ أَحْسَنُ "..
وَالْمَعْرُوفُ فِي ڪَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّبْوَةَ مَا ارْتَفَعَ عَمَّا جَاوَرَهُ سَوَاءٌ جَرَىٰ فِيهَا مَاءٌ أَوْ لَمْ يَجْرِ..
وَقَالَ الْحَسَنُ: الرَّبْوَةُ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي لَا تَعْلُو فَوْقَ الْمَاءِ، وَهَذَا أَيْضًا أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ڪَالْجَبَلِ وَالظَّرِبِ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الرَّبْوَةُ أَرْضٌ مُرْتَفِعَةٌ طَيِّبَةٌ.
وَخَصَّ اللَّهُ بِالذِّڪْرِ الَّتِي لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ الْعُرْفُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ فَمَثَّلَ لَهُمْ بِمَا يُحِسُّونَهُ ڪَثِيرًا.
.. وَمَعْنَىٰ الْآيَةِ أَنَّهَا مِنَ الْبِقَاعِ الَّتِي ڪَمُلَتْ خِصَالُهَا فَهِيَ أَهْلٌ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَقَدْ يُمْڪِنُ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَىٰ الْڪَمَالِ فِي الْبِقَاعِ الَّتِي مَاؤُهَا آبَارٌ، فَبَيَّنَ بَعْدُ أَنَّ مَاءَ هَذِهِ الرَّبْوَةِ يُرَىٰ مُعَيَّنًا جَارِيًا عَلَىٰ وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَهَذَا ڪَمَالُ الْڪَمَالِ..
..
﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ﴾
اَلرَّبْوَةُ.. مَعَ أَنَّهَا مُرْتَفَعٌ مِنَ الْأَرْضِ؛ ذَاتُ قَرَارٍ وَمَعِينٍ؛ أَيْ: يُمْڪِنُ الْقَرَارُ فَوْقَهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ؛ فِيهَا مِهَادٌ ڪَالْفِرَاشِ..
.. وتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّبْوَةُ، بِالْمَڪَانِ الْمُرْتَفِعِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَارُ، إِنَّمَا يُرِيدُ الْمَذْڪُورَةَ لِقَوْلِهِ: ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ فَدَلَّ عَلَىٰ أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ جَارٍ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ جِنْسَ الرَّبْوَةِ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ، أَلَا تَرَىٰ قَوْلَهُ -تَعَالَىٰ- : ﴿إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ وَخُصَّتْ بِأَنَّ سُقْيَاهَا الْوَابِلُ لَا الْمَاءُ الْجَارِي فِيهَا عَلَىٰ عَادَةِ بِلَادِ الْعَرَبِ بِمَا يُحِسُّونَهُ ڪَثِيرًا..
.. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الرَّبْوَةِ الَّتِي ذَڪَرَ اللَّهُ مِنْ صِفَتِهَا أَنَّهَا ذَاتُ قَرَارٍ وَمَعِينٍ، وَهَذِهِ صِفَةٌ غَرِيبَةُ الشَّڪْلِ..
.. وَهِيَ أَنَّهَا رَبْوَةٌ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ، الَّذِي أَعْلَاهُ مُسْتَوٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَمَعَ ارْتِفَاعِهِ، مُتَّسِعٌ، وَمَعَ عُلُوِّهِ، فِيهِ عَيْنٌ مِنَ الْمَاءِ مَعِينٌ؛ وَهُوَ الْجَارِي السَّارِحُ عَلَىٰ وَجْهِ الْأَرْضِ..
.. فَــ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَوْضِعِ هذه الرَّبْوَةِ
قِيلَ : الْمُرَادُ الْمَڪَانُ الَّذِي وَلَدَتْ فِيهِ الْمَسِيحَ عيسىٰ.. وَهُوَ مَحِلَّةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلِهَذَا ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ السَّلَفِ ..
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، أَنَّهَا أَنْهَارُ دِمَشْقَ.. فَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَشْبِيهَ ذَلِكَ الْمَڪَانِ بِأَنْهَارِ دِمَشْقَ. .
وَقِيلَ : ذَلِكَ بِمِصْرَ.. ڪَمَا زَعَمَهُ مَنْ زَعَمَهُ مِنْ أَهْلِ الْڪِتَابِ وَمَنْ تَلَقَّاهُ عَنْهُمْ.. وَاللَّهُ أَعْلَمُ ..
وَقِيلَ : هِيَ الرَّمْلَةُ..
.. وفِي تَعْيِينِ هَذِهِ الرَّبْوَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا الرَّمْلَةُ؛ وَهِيَ فِلَسْطِينُ؛ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ
.. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هِيَ الرَّمْلَةُ فِي فِلَسْطِينَ، وَأَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ ڪُرَيْبٍ، عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
.. وَ.. يُعَارِضُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ الرَّمَلَةَ لَيْسَ يَجْرِي بِهَا مَاءٌ الْبَتَّةَ، وَذَڪَرُهُ الطَّبَرِيُّ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِهِ..
.. وَأَخْرَجَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الرَّمْلَةُ مِنْ فِلَسْطِينَ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ مَرْدُويَهَ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ مُرَّةَ الْبَهَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرَّبْوَةُ الرَّمَلَةُ..
..
الثَّانِي : قَالَ قَتَادَةُ هِيَ بِــ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إلَىٰ السَّمَاءِ بِـ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا(!!!)..
فـ قِيلَ : هِيَ إِيلِيَا أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنَّهَا مُرْتَفِعَةٌ وَأَنَّهَا ڪَبِدُ الْأَرْضِ وَأَقْرَبُ الْأَرْضِ إِلَىٰ السَّمَاءِ بِـ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَيْلًا عَلَىٰ مَا يُرْوَىٰ عَنْ ڪَعْبٍ .
.. وَقَالَ ڪَعْبُ الْأَحْبَارِ: الرَّبْوَةُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَزَعَمَ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إِلَىٰ السَّمَاءِ، وَأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَىٰ أَعْلَىٰ الْأَرْضِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا..
.. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ :وَيَتَرَجَّحُ أَنَّ الرَّبْوَةَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّ وِلَّادَةَ عِيسَىٰ هُنَالِكَ ڪَانَتْ، وَحِينَئِذٍ ڪَانَ الْإِيوَاءُ..
..
.. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَأَخْرَجَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: ڪُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الرَّبْوَةَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَذَڪَرُوا عَنْ ڪَعْبٍ أَنَّ أَرْضَهُ ڪَبِدُ الْأَرْضِ وَأَقْرَبُهَا إِلَىٰ السَّمَاءِ بِـ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَيْلًا(!)..
.. وَلِذَا ڪَانَ الْمِعْرَاجُ.. وَرَفْعُ عِيسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْفَقُ بِإِطْلَاقِ الرَّبْوَةِ عَلَىٰ مَا سَمِعْتَ مِنْ مَعْنَاهَا..
الثَّالِثُ : أَنَّهَا دِمَشْقُ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ..
فَــ قِيلَ :دِمَشْقٌ وَغُوطَتُهَا..
.. ﴿إِلَى رَبْوَةٍ﴾ هِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَا حَوْلَهُ، دُونَ الْجَبَلِ.. وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ هُنَا فَــ أَخْرَجَ وَڪِيعٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَسَاڪِرَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَى رَبْوَةٍ﴾ أُنْبِئْنَا أَنَّهَا دِمَشْقُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاڪِرَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ الصَّحَابِيِّ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.. :
حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ قَالَ :دِمَشْقُ .
وَعَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الرَّبْوَةُ هِيَ دِمَشْقُ، وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاڪِرَ عَنْ أَبِي أَمَامَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
..
عَنْ أبِي أُمامَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ﴾ قالَ: أتَدْرُونَ أيْنَ هِيَ؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: هي بِالشّامِ بِأرْضٍ يُقالُ لَها: الغُوطَةُ. مَدِينَةٌ يُقالُ لَها: دِمَشْقُ. هي خَيْرُ مَدائِنِ الشّامِ» ..[انظر: سيوطي في الدر المنثور؛ والألباني في: فضائل الشام ودمشق؛ الحديث :ضعيف جداً بل موضوع.
وعن مُرَّة البَهْزِي: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الربوة: الرملة». [الحديث ضعيف]
..
.. قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ سَعِيدُ: هِيَ الْغُوطَةُ بِدِمِشْقَ- وَهَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ صِفَةَ الْغُوطَةِ أَنَّهَا ذَاتُ قَرَارٍ وَمَعِينٍ عَلَىٰ الْڪَمَالِ..
..
الرَّابِعُ : أَنَّهَا مِصْرُ .. قَالَهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَوَهْبٌ..
.. وَلَيْسَ الرُّبَا إلَّا بِمِصْرَ، وَالْمَاءُ يُرْسَلُ فَيَڪُونُ الرُّبَا عَلَيْهَا الْقُرَىٰ، وَلَوْلَا ذَلِكَ غَرِقَتْ ..
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الرَّبْوَةُ بِأَرْضِ مِصْرَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا رُبَى يَجْرِي فَيْضُ النِّيلِ إِلَيْهَا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ وَلَا يَنَالُ تِلْكَ الرُّبَىٰ وَفِيهَا الْقُرَىٰ وَبِهَا نَجَاتُهَا..
.. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَغَيْرُهُ عَنْ وَهَبٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ: الرَّبْوَةَ مِصْرَ..
.. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْإِسْكَنْدِرِيَّةُ، وَذَڪَرُوا أَيَّ قُرَىٰ مِصْرَ ڪُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَىٰ رَبْوَةٍ مُرْتَفِعَةٍ لِعُمُومُ النِّيلِ فِي زِيَادَتِهِ جَمِيعِ أَرْضِهَا فَلَوْ لَمْ تَڪُنِ الْقُرَىٰ عَلَىٰ الرُّبَىٰ لَغَرِقَتْ..
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ :وَيُضَعِّفُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّ عِيسَىٰ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَرْيَمَ ڪَانَا بِأَرْضِ مِصْرَ وَلَا حُفِظَتْ لَهُمَا بِهِمَا قِصَّةٌ..
قلت(الرَّمَادِيُّ): وهذا يخالف ما هو موجود في إنجيل متىٰ؛ حيث أنه الإنجيل الوحيد الذي ذڪر هذه الروايةوبين دفتيه أثبت هذا القصة!..

الْخَامِسُ : أَنَّهُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ ؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ .
السَّادِسُ : أَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
وأزيد القول السابع: فقد أخْرَجَ ابْنُ عَساڪِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ: ﴿وآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ﴾ قالَ: هي الإسْڪَنْدَرِيَّةُ.
بيد أن .. هَذِهِ الْأَقْوَالُ مِنْهَا مَا تُفَسَّرُ لُغَةً ، وَمِنْهَا مَا تُفَسَّرُ نَقْلًا؛ فَأَمَّا الَّتِي تُفَسَّرُ لُغَةً فَڪُلُّ أَحَدٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَڪَةُ الْمَدْرَكِ بَيْنَ الْخَلْقِ .
وَأَمَّا مَا يُفَسَّرُ مِنْهَا نَقْلًا فَمُفْتَقِرٌ إلَىٰ سَنَدٍ صَحِيحٍ يَبْلُغُ إلَىٰ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ تَبْقَىٰ هَاهُنَا نُكْتَةٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَقَلَ النَّاسُ تَوَاتُرًا أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، أَوْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَرَىٰ كَذَا، أَوْ وَقَعَ لَزِمَ قَبُولُهُ، وَالْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِيمَانُ، وَخَبَرَ الْآحَادِ لَا بُدَّ مِنْ ڪَوْنِ الْمُخْبِرِ بِهِ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ..
.. وَاَلَّذِي شَاهَدْت عَلَيْهِ النَّاسَ، وَرَأَيْتهمْ يُعَيِّنُونَهَا تَعْيِينَ تَوَاتُرٍ دِمَشْقَ، فَفِي سَفْحِ الْجَبَلِ فِي غَرْبِيِّ دِمَشْقَ مَائِلًا إلَىٰ جَوْفِهَا مَوْضِعٌ مُرْتَفِعٌ تَتَشَقَّقُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ، وَفِيهَا الْفَوَاڪِهُ الْبَدِيعَةُ مِنْ ڪُلِّ نَوْعٍ، وَقَدْ اُتُّخِذَ بِهَا مَسْجِدٌ يُقْصَدُ إلَيْهِ، وَيُتَعَبَّدُ فِيهِ، أَمَّا أَنَّهُ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَوْلِدَ عِيسَىٰ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ڪَانَ بِبَيْتِ لَحْمٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيهِ الْجِذْعَ..
.. وَلَڪِنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ بِابْنِهَا اخْتَلَفَتْ الرُّوَاةُ :
- هَلْ أَخَذَتْ بِهِ غَرْبًا إلَىٰ مِصْرَ ؟
- أَمْ أَخَذَتْ بِهِ شَرْقًا إلَىٰ دِمَشْقَ ؟..
.. فَــ اَللَّهُ أَعْلَمُ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخميس : 16 جمادى الثانية 1445 هــ ~28 ديسمبر 2023م


12 مليون كلمة

„ وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الڪتاب أحدٌ جَهِل سعة لسان العرب وڪثرة وجوهه وجِماع معانيه وتفرقها. ومن عَلمه انتفت عنه الشبه التي دخلت علىٰ من جهل لسانها “ الشافعي في ڪتابه (الرسالة):
وقال أيضاً„ ما جَهلَ الناسُ، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس”
„ إن قوة اللُغة في أمة ما.. تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين بقية الأمم، لأن غلبة اللغة بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم ”
ابن خلدون
„إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ. فإنّ فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يُفهمُ إلا باللغة العربية، وما لا يتمُّ الواجب إلا به، فهو واجب”. ابن تيمية
المستشرق الايطالي جويدي، يتغزل بها، فيقول:„اللغة العربية الشريفة آية في التعبير عن الأفڪار، فحروفها تميزت بانفرادها بحروف لا توجد في اللغات الأخرى.. ڪـ الضاد والظاء والعين والغين والحاء والطاء والقاف، وبثبات الحروف العربية الأصيلة، وبحرڪة البناء في الحرف الواحد بين المعنيين، وبالعلاقة بين الحرف والمعنىٰ الذي يشير إليه. أما مفرداتها، فتميزت بالمعنىٰ والاتساع والتڪاثر والتوالد، وبمنطقيتها (منطقية في قوالبها)، ودقة تعبيرها من حيث الدقة في الدلالة والإيجاز، ودقة التعبير عن المعاني.“
تَمْهِيدٌ:
ما هي السمات المميزة للُغة العربية؟
تميزت اللغة العربية بڪونها اللغة التي شرفها الله -عز وجل- فتنزل بها آخر ڪتبه علىٰ نبينا محمد -صلي الله عليه وسلم-، فصار لها بذلك مڪانة قدسية خاصة في قلب ڪل من يدين بالإسلام.. وعظمها الله -تبارك وتعالىٰ- ڪذلك حين أقرها لغة واجبة لأداء الڪثير من العبادات ڪالصلاة وقراءة القرآن وتجويده واستخدامها في ترتيله ويجوز ترجمة معانيه إلىٰ لغة أخرىٰ.. ولا يتم فهم مراده سبحانه في الأحكام العملية دون التمڪن من لغة العرب الأقحاح.. فتم تڪريم ڪريم أن ينزل آخر الڪتب السماوية بلغة قوم بعينهم دون سواهم..
مڪانة اللغة العربية ڪما أخبر عنها القرآن الڪريم :
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾﴿{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾﴿ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين﴾﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين﴾﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾
ثم تحدىٰ هؤلاء العرب في لغتهم الأم وهم أصحاب المعلقات علىٰ ستائر الڪعبة وأهل المذهبيات بقوله ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ ثم خفف عليهم صيغة التحدي بقوله ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾.. ولم يتمڪنوا من الإتيان بسورة تتڪون آياتها من ثلاث فقط.. فوقع الإعجاز بشقيه من حيث أنه ڪتاب من عند الله وبأن مَن آتىٰ به رسول من عند الله..
ولقد يسره الله تعالىٰ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾ ثم مازال التحدي قائم حتىٰ اليوم وإلىٰ أن يرث الله تعالىٰ الأرض ومن عليها..
وقد يتساءل المرء لماذا هذا التحدي بلغة العرب..
فـ بحسب معاجم اللُغة العربية والمراجع والمصادر، فإن عدد ڪلمات اللغة العربية يبلغ 12,302,912 ڪلمة دون تڪرار، ومقارنة بــ اللغة الألمانية فـ اللغة الألمانية(*) فقط 160 ألف كلمة.. أما بالنسبة لعدد الڪلمات في اللغات الحية الأخرىٰ ڪـ اللغة الإنجليزية فإن عدد ڪلمات اللغة العربية يعادل 25 ضعفاً لعدد ڪلمات الإنجليزية التي تتڪون من 600 ألف ڪلمة.. أما عدد ڪلمات اللغة الفرنسية لا يتجاوز 150 ألف ڪلمة، والروسية 130 ألف ڪلمة، فيما يبلغ عدد مفردات اللغة الصينية 122,8 ألف ڪلمة، بينما عدد ڪلمات اللغة الترڪية يبلغ 111 ألف كلمة.. وقد ترڪت أثرها في اللغات الأخرىٰ مثل الترڪية والفارسية والأردية. فــعدد الڪلمات العربية في اللغة الترڪية 6.459 كلمة. وبالنظر إلىٰ هذه الاحصائية فإن اللُغة العربية تتفوق علىٰ عديد من مثيلاتها من اللُغات الحية في العالم من حيث عدد المفردات، ما يشير إلىٰ ثرائها وتنوعها وقدرتها علىٰ التعبير وتجسيد المعاني والحالات والمواقف المتنوعة.. وبتعبير آخر تتميز لغة الضاد بالقدرة علىٰ التاثير والتوسع والإنتشار..
لذا فقد قال الرافعي فى „ وحي القلم”: „ ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا ڪان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً علىٰ الأمةِ المستعمَرَة، ويرڪبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها، فيحڪم عليهم أحڪاماً ثلاثةً فى عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً. وأما الثاني: فالحڪمُ علىٰ ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً. وأما الثالثُ: فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التي يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ. ”
ومن العجب أن تتدحرج لغة الإسلام في بعض البلاد العربية لتصبح لغة ثانية، وهذا منذرٌ بفساد ومؤذنٌ بانتڪاسة حضارية ڪبرىٰ.. فـ حينما تزور بعض أمهات المدن في عواصم عربية فتجد اللغة الانجليزية هي السائدة فأنت حينئذ أمام شعب مهزوم نفسياً متأرجح، لا يعرفه هويته ولا يستدل علىٰ شخصيته.. أو تجد اللهجة العامية تسود المشهد بڪامله..وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا قَرَأَ فَلَحَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " أَرْشِدُوا أَخَاكُمْ ".. فقد ضلَّ! .. فما بالك باللهجات المحلية.. والعجب أن :" يحتفل العالم يوم 18 ديسمبر من ڪل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الأمم المتحدة قرارها التاريخي عام 1973م [منذ 50 عاما] بإدخال اللُغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولُغات العمل في الأمم المتحدة ".. تلك اللغة التي يتحدثها بها أڪثر من 456 مليون نسمة، هم سڪان ما يعرف بالوطن العربي، بالإضافة إلىٰ أنها تعد عند المسلمين لغة مقدسة ڪونها لغة القرآن، ولأداء الصلاة لابد من معرفة قدر معين من اللغة العربية بالنسبة لأي مسلم.. وجاء هذا القرار باقتراح قدمته وقتها ڪلًا من المغرب والسعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة "يونيسڪو
أولادنا في الغرب واللغة العربية
ما هي أهمية تعلم اللُغة العربية للأطفال؟
الأطفال هم مستقبل الأمة، فهم رجال المستقبل ونساء الغد الذين يقودون الأمة تجاه مستقبل مشرق، ولذلك فمن بالغ الاهمية أن تبث في نفوسهم اللُغة العربية، فتصبح جزءاً من أرواحهم حتىٰ تنمو وتزهر هويتهم الإسلامية، فيزهر الإسلام في قلوبهم؛ من أجل أن يتعلموا تذوق معاني القرآن الڪريم فتنفذ إلىڪٰ قلوبهم وتسڪن افئدتهم..
اللغة العربية هي الوسيلة والهدف الذي يجب أن يعملون من أجله.
وهذه بعضاً من مقاصد تعلم اللُغة العربية:
- حتىٰ نتذوق معاني القرآن الڪريم ونفهم آياته ونتدبر ڪلماته.
- اللغة العربية هي لغة الإسلام ولا يمڪن أن يفهم المسلم العادي أو يتعامل طالب العلم مع مصادر المعرفة الإسلامية الأصيلة بغير العربية.
- اللُغة تترك بصماتها وأثرها في التفڪير والمشاعر الإنسانية، وما أعذب اللُغة العربية ووفرة المعاني شعراً ونثراً.
- الاتصال بعمق التراث الإسلامي العربي، فمن المهم أن يتمڪن شبابنا في الغرب من التواصل مع المحيط العربي داخل أوروبا وفي الوطن العربي مهد الإسلام ومؤئل العلم ومثابة العلماء.. ولڪي يتمڪن من نقل أفڪار الإسلام الحنيف ومبادئه وقيمه إلىٰ رفقائهم في الدراسة وزملائهم في المجتمع الغربي
تتبقى مسألة الترجمة:
إذ أن الترجمة ستبقىٰ الحاجة لها قائمة لا ريب، وهي لسان ڪل قوم يسڪنون في دول الغرب ڪالناطق بالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية..لڪن أمر الترجمة ليس سهلا.. يقول الجاحظ في ڪتابه ”الحيوان“: ” ولا بد للتَّرجُمان من أن يڪون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يڪون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتىٰ يڪون فيهما سواءً وغاية“.. الأمر الذي يستدعي منا عناية فائقة بتأهيل مترجمين علىٰ مستوىٰ رفيع في إتقان اللغة [(العربية والمترجم لها كــ الألمانية)] وفنون الترجمة وفقهها. ".. ڪما ينبغي الإهتمام البالغ بــ :" مجموعة من النابغين النابهين ليڪونوا علماء وحملة دعوة للمستقبل فيتم تأهليهم عبر الدورات المڪثفة والدراسة المنتظمة لسنوات طويلة في بيئة تنطق بالعربية، مع أتقان لغة القوم الذين يسڪن معهم في الغرب وحُسن الرعاية والمتابعة. ".. ثم ينبغي الترڪيز علىٰ دور الأسرة والمسجد بـ إعادة تفعيل المساجد بوصفها مرڪز علم وعبادة وبـ إيجاد وترڪيز البيئة اللُغوية، التي تدفع المسلمين لاستخدام اللغة الفصحىٰ، ڪطبع وسجية في حياتهم (ما يطلق عليه السليقة)!
ــ ــــــ ــــــــــــــ
(*) هناك مَن أوصل مفرداتها إلىٰ 5,3 مليون كلمة وهذه تحتاج إلى إعادة نظر! .
اليوم العالمي للغة العربية.. 18 ديسمبر.. أطلقت الأمم المتحدة الاحتفالات لهذا العام تحت عنوان: „مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية“.


3 مِصر في سنة رسول الإسلام - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-

تمهيدٌ لبحث:
« „ هجرة العائلة المقدسة إلىٰ بر مِصر ” »
ثالثاً : مِصر في سنة رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
مِن فطنة المرء أن يستثمر الأحداث الجارية ويوظف المواقف الحالية لصالحه.. ومن نباهته أن يستشهد بالنصوص قطعية أو ظنية الثبوت.. أو قطعية أو ظنية الدلالة.. وأيضاً الأقوال سواء أڪانت حكما أو شعراً أو أمثالاً حين عرض قضيته.. ومن الذڪاء الفطري استحضار المناسبات في وقتها.. واستجلاب المواسم في زمنها ليدلل علىٰ صحة مقولته.. هذا لـ ترويج فڪرته.. واستماله أذن السامع.. واستعطاف قلب المتابع.. وڪسب وجدان القارئ.. فـ يتمڪن الڪاتب أو المتڪلم من الاستحواذ علىٰ عقل وإدراك مع وجدان ومشاعر مَن تلقىٰ منه الفڪرة.. فـ يوضح القضية ويڪسب ود أڪبر جمهور من الحضور للوقوف بجانبه لإستعلاء وجهة نظره حين عرض قضيته.. وهي لعبة الساسة ومقدرة الخطباء فوق المنابر.. وميزة ڪل مَن يحمل فڪرة ما يريد استظهارها أو الترويج لها..
-*/*-
فَتح مِصر من قِبل المسلمين الأوائل -صحابة سيد المرسلين وإمام المتقين وهادي البشر لخير السبل.. رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-:
لقد أشار رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ فتح مِصر -وهذه آحدىٰ معجزاته المستقبلية-، وقد ذڪر -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علامة للصحابي الذي روىٰ الحديث، فوقعت ڪما أخبر، لذا خرج من مِصر، ڪما طلب منه رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. وهي مسألة تخص فقط هذا الصحابي دون سواه.. فلا تتعدىٰ بقية الأصحاب بدليل أنهم-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بقوا في مِصر ولم يخرجوا منها..
هذا وقد صح في فضائل مِصر حديث أبي ذرٍّ الغفاريّ -رضي الله تعالىٰ عنه- أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: « „ إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا ” » ؛
„ فَمَرَّ أبو ذرٍّ الغفاريّ -رضي الله تعالىٰ عنه- بِـ رَبِيعَةَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا ” ؛
وفي رواية عنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « „ إنكم ستفتحون مِصرّ، وهي أرضٌ يسمىٰ فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلىٰ أهلها، فإن لهم ذمّةً ورحماً ” »؛
أو قال: « „ ذمّةً وصهراً ” »؛ فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فأخرج منها ” »؛
قال أبو ذرٍّ: فرأيتُ عبدّالرحمن بن شُرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة، يختصمان في موضع لبنة، فخرجت منها .
قال النووي -رحمه الله- : „ قال العلماء : القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وڪان أهل مِصر يڪثرون من استعماله والتڪلم به ” ؛
شرح بعض مفردات الحديث المتعلقة بـ موضوع البحث:
فـ أما : « „ ذمّةً ” » فهي: „ الحرمة والحق، وهي هنا بمعنىٰ الذمام ” ؛
و « „ رَحِماً ” » : بفتحٍ فڪسر : أي قرابة، فـ قال الزُّهْرِيُّ : „ فَالرَّحِمُ أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ ” ؛ لأن هاجر أم إسماعيل -عليه السلام- ابن إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- منهم ".
وأما الصهر: فـ : هو ڪون مارية بنت شمعون - رضي الله عنها- أم إبراهيم ابن النبي الڪريم المصطفى -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- منهم ” ؛
: „ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا ” ؛ قال المناوي -رحمه الله- :" أي : اطلبوا الوصية من أنفسڪم بإتيان أهلها خيراً ؛
أو معناه : اقبلوا وصيتي فيهم، يقال أوصيته فاستوصىٰ أي قبل الوصية، ثم علَّلَه بقوله : « „ فإن لهم ذمة ” » ؛ ذماماً وحرمة وأماناً من جهة إبراهيم بن المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم ، فإن أمه مارية- رضي الله عنها- منهم .
-*/*-
فـ هذه جملة من أحاديث المصطفىٰ الهادي عن مِصر؛ وقد استعرضتُ في الجزئين السابقين ما جاء في الڪتاب المقدس بعهديه :
- العتيق و
- الجديد ثم ما جاء في :
- العهد الحديث.. أي القرآن الڪريم من آيات ذڪرت فيه مِصر..
وينبغي القول -أولاً- أنه ورد في شأن بلاد مِصر أحاديث، بعضها صحيح، وبعضها لا يصح.. وهذا ثانياً..
فــ مما ورد من ذلك :
( ١ ). الحديث الأول:
« „ إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرًا.. فَــ اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَــ إِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ” » .
( ٢ ). الحديث الثاني :
« „ إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا ” » ؛ عن أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعا .
( ٣ ). الحديث الثالث :
« „ اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ ” » ؛ عن أم سلمة -رضي الله عنها- مرفوعا،
( ٤ ). الحديث الرابع ::
« „ إِنَّكُمْ سَتَقْدَمُونَ عَلَىٰ قَوْمٍ، جُعْدٌ رُءُوسُهُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ، وَبَلَاغٌ إِلَىٰ عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ” » ؛ يَعْنِي قبطَ مِصْرَ
( ٥ ). الحديث الخامس :
« „ مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ” » ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- مرفوعا .
قال الخطابي -رحمه الله-: „ المد مڪيال أهل الشام، يقال إنه يسع خمسة عشر، أو أربعة عشر ، مڪوڪا، والإردب مڪيال لأهل مِصر ، ويقال إنه يسع أربعة وعشرين صاعا .
ومعنى الحديث : أن ذلك ڪائن، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين، ويوضع عليها الخراج، شيئا مقدراً بالمڪاييل والأوزان، وأنه سيمنع في آخر الزمان
( ٦ ). الحديث السادس :
« „ سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ : كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ” » ؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا .
هذا ما تيسر لي البحث عنه.. فأثبته -والحمد لله رب العالمين.. الذي بنعمته تتم الصالحات-..
أما الأحاديث والتي نسبت لصاحب السنة الصحيحة العطرة ولم تصح منه.. فـ هي مِن الأحاديث الباطلة والواهية والضعيفة في شأن مِصر..
فـ منها :
( ١ ). الحديث الأول :
„ الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في الأرض ” ؛
" موضوع".
(٢) الحديث الثاني
„ مصر كنانة الله في أرضه ” ؛ قال الجلال السيوطي -رحمه الله- :" هذا الحديث لا أصل له "
والڪنانة هي الجعبة الصغيرة من الجلد لحفظ النبل والسهام، فڪأن هذا الأثر يُشَبه مِصر بڪنانة السهام التي يصيب الله تعالىٰ بها الطغاة والظالمين والمتجبرين، فيرميهم بأهلها الذين هم جند الله، ولذلك جاء في بعض الڪتب تڪملة الأثر السابق بقولهم : « „ ما طلبها عدو إلا أهلڪه الله ” »؛
وقد ورد نحو هذا الأثر في بلاد الشام أيضاً :يقول الملا علي القاري -رحمه الله-: „ وقد ورد لفظ الڪنانة في الشام ” ؛ عن عون بن عبدالله بن عتبة قال : „ قرأتُ فيما أَنزل الله علىٰ بعض الأنبياء أن الله يقول : „ الشام ڪنانتي، فإذا غضبت علىٰ قوم رميتهم منها بسهم ” ؛ موضوع مبناه، وإن ڪان معناه صحيحاً "
وموقع « آستروعرب نيوز » يرجو الله تعالىٰ.. وڪاتب هذه السطور.. أن تڪون مِصر والشام وسائر بلاد المسلمين منطلقاً لجند الله لتحرير أراضي المسلمين المحتلة، وإرجاع العزة المسلوبة لهذه الأمة .
( ٣) الحديث الثالث :
عن عُمر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض ” » ؛
فـ
قال له أبو بڪر : „ ولم ذلك يا رسول الله !؟ ” ؛
قال : « „ لأنهم في رباط إلىٰ يوم القيامة ” » ؛ وهو حديث ضعيف جدا، "توضيح:" هذا الحديث جزء من خطبة طويلة لعَمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، خطبها في أهل مصر، فڪان مما قال لهم : حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « „ ذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض ” » ؛ فقال له أبو بكر : „ ولم ذلك يا رسول الله ؟ ” ؛ قال : « „ لأنهم في رباط إلى يوم القيامة ” » ؛ والحديث ضعيف جدا، فلا يستشكل المعنىٰ بعد ضعف السند .
ومن دقة البحث وتمام العرض فقد (صححت دار الافتاء المِصرية هذا الحديث بالأدلة ترجيحاً).. فـقال المفتي: الأستاذ الدڪتور / شوقي إبراهيم علام بـ:" صحة حديث «جند مِصر خير أجناد الأرض»؛ وتاريخ الفتوىٰ:29 يناير 2014م؛ ورقمها: : 5791 ثم بدء جواب فضيلته بالقول :" هذا الحديث صحيح المعاني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مطعن علىٰ مضامينه بوجهٍ من الوجوه.. ".. ثم دافع عن قاضي مِصر عبدالله بن لهيعة بالقول:" وقد روىٰ هذه الخطبةَ قاضي مِصر الإمامُ الحافظ عبدالله بن لهيعة، ورواها عنه الإمامان الحافظان: أبو نُعيم إسحاق بن الفرات التُّجِيبيُّ، وأبو زڪريا يحيىٰ بن عبدالله بن بُڪَير المخزومي.. ".وبين صحة ما يرويه!.. وفند دعاوي ضعفه بحجج علمية!
وعلىٰ ڪل حال :
فـ أجناد المسلمين فيهم الخير الڪثير، وڪل من قاتل لتڪون ڪلمة الله هي العليا فهو سبيل الله، وفي وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز إطلاق الأحڪام العامة علىٰ أجناد بلاد معينة بغير دليل صحيح، وخسارة بعض المعارك ليس دليلا علىٰ فساد جميع الجند، ڪما أن النصر في المعرڪة ليس دليلا علىٰ صلاح جميع الجند .
( ٤ ). الحديث الرابع :
عن ابن شهاب قال: „ بارك النبي صلى الله عليه وسلم في عسل بنها ” ؛ منكر .. ولفظه : „ وأعجبه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- العسل فدعا في عسل بنها بالبركة ” » ؛ وإسناده مرسل ضعيف
( ٥ ). الحديث الخامس : ( قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ ).
عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال : " لما افتتحت مِصر أتىٰ أهلها عَمرو بن العاص - حين دخل بؤونة من أشهر العجم - فـ
قالوا: „ أيها الأمير، لـ نيلنا هذا سُنة لا يجري إلا بها ” ؛
قال: „ وما ذاك !؟ ” ؛
قالوا: „ إذا ڪانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلىٰ جارية بڪر من أبويها، فـ أرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يڪون ، ثم ألقيناها في هذا النيل ” ؛ فــ
قال لهم عَمرو : „ إن هذا مما لا يڪون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله ” ؛
قال : „ فــ أقاموا بؤونة وأبيب ومسرىٰ والنيل لا يجري قليلا ولا ڪثيرا، حتىٰ هموا بالجلاء، فڪتب عَمرو إلىٰ عُمر بن الخطاب بذلك، فڪتب إليه : „ إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بِطاقة داخل ڪتابي، فـ ألقها في النيل ” ؛
فـ لما قدم ڪتابه أخذ عَمرو البطاقة فإذا فيها : « „ من عبدالله عُمر أمير المؤمنين إلىٰ نيل أهل مِصر : أما بعد ، فإن ڪنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك : فلا تجر، فلا حاجة لنا فيك، وإن ڪنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فـ نسأل الله تعالىٰ أن يجريك ” » ؛
قال : „ فـ ألقىٰ البطاقة في النيل، فـ أصبحوا يوم السبت، وقد أجرىٰ اللهُ النيلَ ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السُنة عن أهل مِصر إلىٰ اليوم!؟” ؛ وهو حديث لا يصح، منكر. .وبنها مدينة من مدن بلاد مِصر..
قلتُ(الرَّمَادِيُّ) : أمر مارية بنت شمعون - رضي الله عنها- القبطية.. اي المِصرية مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أشهر من أن يذڪر، وقد أهداها المقوقس ملك الإسكندرية إلىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم-، غير أن الڪلام عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العسل الذي أهدي إليه، ودعاؤه للقرية المذڪورة؛ فهذا أمر لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ..
قاله ابن ڪثير -رحمه الله-: في "البداية والنهاية" (7 /114-115).. حين ذڪر أحداث سنة عشرين من الهجرة دون ذڪر تعليق منه بــ تصحيح أو تضعيف فقال : „ روينا من طريق ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال : لما افتتحت مِصر أتىٰ أهلها عَمرو بن العاص - حين دخل بؤونة من أشهر العجم - ثم ذكر الراوية السابقة نفسها.. فـ أثبتَ-رحمه الله- في البداية قوله "روينا".. وهذا يوشي أنه قبلها فــ اعتمدها.. وهذا يؤڪد ما ذهب إليه الدڪتور / شوقي علام: مفتي مِصر في بحثه المستفيض.. وإختلاف الرأي لا يفسد للود قضية خاصة إذا تعلق الأمر/المسألة بما قاله رسول الهدى -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والإحتراز واجب!.. فالخبر ضعيف لا يصح . إذ أن آفة الحديث تدور مع عبدالله بن لهيعة هذا.
وهذه القصة :
( زَوَالِ السُّنَةِ السَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي نِيلِ مِصْرَ).
لو ڪانت صحيحة لذاع صيتها، ولانتشر خبرها، ولتوافرت الهمم علىٰ نقلها بالأسانيد الثابتة؛ لأنه حدث عظيم، وأمر جليل، لا يغفل مثله، بل أدنىٰ منه، ذكره المؤرخون والرواة .والله أعلم!
( ٦ ).الحديث السادس :
: « „ مِصْرُ أَطْيَبُ الأَرَضِينَ تُرَابًا، وَعَجَمُهَا أَكْرَمُ الْعَجَمِ أَنْسَابًا ” » ؛ لا أصل له،
( ٧ ).الحديث السابع :„ إن الله سيفتح عليكم مِصر من بعدي فانتجعوها ” ؛
وجاء برواية: „ إن مصرَ ستُفتحُ بعدي فانتجِعوا خيرَها ولا تتَّخذوها دارًا فإنَّهُ يساقُ إليها أقلُ النَّاسِ أعمارًا ” ؛ لم يذڪر -هنا- اسم الراوي؛ ڪما تجد الرواية عند السخاوي؛ في : الأجوبة المرضية: (2 /455)؛ والحديث :ضعيف جداً. وجاء عن طريق رباح اللخمي بن قصير جد موسى بن علي رواية: „ إنَّه ستفتحُ مصرُ بعدي فانتجِعوا خيرَها ولا تتَّخذوها دارًا ؛ يساقُ إليْها أقلُّ النَّاسِ أعمارًا ” » ؛ .
( ٨ ).الحديث الثامن : أوصيكم بأهل البلدة السوداء.
بحثتُ عنه.. فـلم أعثر عليه.
وقريب منه حديث: الله الله في أهل المدرة السوداء. أيضاً لم أعثر عليه.
ولڪن جاء عَنْ طريق عُمَرَ مَوْلَىٰ غُفْرَةَ -رحمها الله- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ :اللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ السُّحْمِ الْجِعَادِ، فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا.. ذڪره ابن هشام في السيرة دون تخريج.. وقال محقق السيرة السقا :
- المدرة (هُنَا) : الْبَلدة، والسحم: السود، واحدهم: أسحم وسحماء. والجعاد: الَّذين فِي شعرهم تكسير.
( ٩ ). الحديث التاسع :: من أعيته المكاسب فعليه بمصر وعليه بالجانب الغربي منها.
( ١٠ ). الحديث العاشر: قسمت البركة.
بعد البحث لم أعثر عليه.
( ١١ ). الحديث الحادي عشر: اتقوا الله في القبط. ورد في فضائل مصر المحروسة، ولم أقف علىٰ تخريج له.
( ١٢ ). الحديث الثاني عشر: تكون فتنةٌ أسلمُ الناس فيها الجند الغربي. يعني في مِصر، أورده الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال: إنه منكر.
( ١٣ ). الحديث الثالث عشر: ذڪرت مصر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السوداء تربتها.. المنتنة أرضها.. الحلفاء نباتها.. القبط أهلها.. من دخل فيها وسڪن فيها وأڪل في آنيتها وغسل رأسه بطينها ألبسه الله الذل والهوان.. وأذهب عنه الغيرة وإن ڪان ولا بد من السڪنىٰ فيها فعليڪم بجبل يقال له المقطم فإنه مقدس أو بقرية يقال لها الإسڪندرية فإنها إحدىٰ العروسين يوم القيامة.: منكر، وظاهر علامات الوضع والتلفيق فيه!
( ١٤ ). الحديث الرابع عشر: : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأتي بثوب من ثياب المعافر.. فقال أبو سفيان: لعن الله هذا الثوب ولعن من يعمل له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنهم فإنهم مني وأنا منهم. ضعف. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
قال السندي: ثياب المعافر: هي برود باليمن منسوبة إلى معافر، وهي قبيلة باليمن.. وقال السيوطي: المعافري - بالفتح وكسر الفاء وراء - : نسبة إلى المعافر بطن من قحطان.. وجاء في اللسان بأن المعافر هي قبيلة باليمن، ومعافر بلد باليمن، وثوب معافري لأنه نسب إلى رجل إسمه معافر، و الملاحظ أن ذكر المعافر إقترن بخاصية كانت بلاد المعافر تمتاز بها قبل وبعد ظهور الإسلام وهي صناعة البرود المعافرية ( نوع من الثياب ) ففي الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله من المعافري وهي تلك البرود المنسوبة إلى المعافر.. ويذكر المؤرخون أن الملك الحميري أسعد الكامل هو أول من كسا البيت الحرام بالخصيف ( الحصير ) ثم كساه بالثياب المعافرية والمعافر في الإسلام تعد أحد أهم مخاليف بلاد اليمن الواسعة . ومن الدقة أن :" يقال: المعافر اسم موضع باليمن تنسب إليها الثياب، فيقال: الثياب المعافرية. وقيل: المعافر اسم محلة بالفسطاط تنسب إليها الثياب، فهناك من ينسبها إلى قوم يعملونها من هذه القبيلة، ومنهم من ينسب المعافر إلى مِصر، والأول أشهر "..
.. قلت(الرَّمَادِيُّ): فإذا نسبت [(ثِيَابُ‏ ‏الْمَعَافِرِ)] إلى اليمن على الأشهر فهناك شبهة أن تنسب ڪذلك إلى مِصر!؟..
ـــــــــــــــــ
ثم إن هناك مقولة
(*) :" يقال بأنها منسوبة لعَمرو بن العاص -رضى الله عنه- عن أهل مصر.. فالرواية المكذوبة .. تقول: أن أن عمرو بن العاص رضي الله عنه بعث إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصف له مصر فقال في رسالته : (أرضها ذهب ونساؤها لعب ورجالها من غلب وأهلها تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا)... فأنها لا تثبتفـ بعد البحث في كتب السير والتاريخ على من نسب هذه المقولة من وجه ثابت إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه. فلن تجد.. وقد ثبت في كتب السير: أن أهل مصر كانوا يحبون عَمرا رضي الله عنه، وقد طلبوا من عثمان أن يرده إليهم .وثبت كذلك أن عَمرا كان يحب مصر، وقد طلب من معاوية رضي الله عنه أن يوليه عليها، وقد ولاه عليها حتى توفي بها ".
هذا ما تيسر جمعه من الأحاديث المذڪورة في شأن مِصر، فبعضها صحيح، وبعضها باطل لا أصل له، أو ضعيف.. ڪما تبين .والله أعلم .
.. ..
.. وأما دخول المسيح عيسىٰ ابن مريم وأمه-عليهما السلام- إلىٰ مِصر، هربا من ملك بيت المقدس من قبل قيصر: هيردوس الڪبير، فقد ذڪره الطبري في تاريخه..
فــ
هذا بحثي القادم -إذا شاء الله.. ومِن بعد إذنه وحسن توفيقه-
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــ
الأحد: 05 جمادى الثانية 1445 هـ ~ 17 ديسمبر 2023م


أُمُّ الدُنْيا

[( واختصَّ العلمُ بالامصار الموفورة الحضارة)].. ولا أوفرَ اليوم في الحضارة من « مِصر ».، فهي أم العالم، وإيوان الإسلام، وينبوع العلم والصنائع(**)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً*كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر*قِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنا*ئي فَشَدّوا إِلىٰ العُلا أَيَّ شَدِّ
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ النا*سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ*وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ
شاعر النيل .. شاعر الشعب(***)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[١. ] „اَلْـجُزْءُ الْأَوَّلُ : بحث هجرة العائلة المقدسة إلى بر مِصر‘‘
بين يدي مقدمة هذا البحث:
لست أهلاً أن أڪتب في هذا الموضوع.. إذ.. :" إنه ليصعب علىٰ الْمَرء -غير المتخصص في التاريخ وجغرافيا البلاد وتضاريس السهول والوديان- أن يڪتب في فضائل مِصر ومزايا أهلها، ذاك أن هذا الموضوع بحر خضم لا يُدرك قعره، وخوفا من الوقوع في الخطأ فـ لا يتمڪن الإنسان من يترك ساحله أو شطه فـ يسقط في بئر الجهل؛ وأمر مهول لا يمڪن لڪاتب يحسن تسطير فتزوَّيق بعض السطور أن يڪتب مقالا ناهيك عن بحث موثق ولا يستطاع، وبحث مرهق لمن لم يتسلح بعلم التأريخ ومعرفة تضاريس البلاد وجغرافيا المناطق.. فڪم لــ مِصر وأهلها من فضائل ومزايا تند عن الحصر، وتتعدىٰ العد.. فـ تخرج عن قدرة العادين، وحسابات الڪاتبين.. وڪم لها من تاريخ في الإسلام عظيم، منذ أن وطئتها أقدام الأنبياء الطاهرين، والمرسلين المڪرمين، وصحابة سيد المرسلين وأتباع خاتم الأنبياء ومتمم المبتعثين.. ثم خاصة حين أرغب في الڪتابة عن رحلة.. هجرة العائلة المقدسة إلىٰ بر مِصر!
.. لڪن يصح لـ مثلي أن يغترف -قطرات- من بحر العلم.. ويجوز لي نقل ڪلمات علم من بحيرات ڪٌتاب التاريخ - وينطبق علىٰ مثلي أن يقال: « ذَكَرَ عُجَرَهُ وبُجَرَهُ »: أي عيوبَه وأمْرَهُ ڪلَّهُ: ما أخفىٰ منه وما أبْدَىٰ.. وقد نُسب في حديث للإمام عليٍّ -ڪرم الله تعالىٰ وجهه- أنه قال : « إلىٰ اللهِ أشڪو عُجَري وبُجَري ».. وتمام القول في ديوانه :
إِلَيكَ أَشڪو عُجَري وَبُجَري * وَمَعشَراً غَشّوا عَلَيَّ بَصَري(1)
فــ إذا ڪان هذا حال باب مدينة العلم.. فما حالي أمثالي.. الذي وقف سنوات خارج المدينة نفسها!؟..
.. ولڪنها محاولة مني.. وتجرؤ.. فـ لعلي آتي بشيء نَزْر، دلالةً للمستدلين، وعوناً للباحثين، وقياماً بحق أهل مِصر فهم.. لهم علائق شتىٰ بالعالم أجمع.. غربه قبل شرقه.. وشماله قبل جنوبه.. وأخيراً وليس آخراً ما يشاهد الغرب في معرض فيينا الفرعوني..
وأعترف من البداية إنني لستُ من رجال التاريخ.. لذا فإني أڪتب عن مِصر بـ عواطفي ومشاعري، وأبثها حبي وأشواقي.. وأتسلق جدران ڪُتب العلماء والمتعلمين!
أقول(« „ ابن الْإِسْكَنْدَرِيَّة (2) ” ».. ):
تميزت مِــــصرُ -أرضاً وسماءً.. شعباً وقوماً.. بحراً ونهراً.. رجالا ونساءً- عن سواها بـ فضائل تڪاد تخصها وحدها..
ولا أغالي إن قلتُ أن خصوصية المڪان لم تذڪر في موضع فوق المعمورة ڪما ذڪر في مِصر..
والصفحات القادم تخبرنا بصدق مقولتي هذه.. وإن ڪانت شهادتي جروحة لأنني من أبناء الثغر وتربيت فوق ترابها الطاهر وعشت بين رجالها الأفاضل وشربت حتىٰ الثُّمالَة(3) من فرع نيلها ترعة المحمودية وتحصلتُ علما من معلميها واساتذتها.. خاصة شيوخ الأزهر الشريف بعلمهم اللُغوي والشرعي والفقهي ويقابلهم رجال العلم المدني.. وهم مَن عَلَّموا ڪل من حول مِصر سواء في جزيرة العرب.. منشأ الإسلام أو شمال ووسط القارة السمراء؛ فڪَرِعتُ مِنْ مَنَاهِلِ العِلْمِ في رياضها فترة الطفولة ومدارسها وقت الصِّبَا وجامعاتها في مقتبل عمري.. فصرتُ من خلالهم متعلماً.. أحسن القراءة والڪتابة والحساب..
أولاً : مِصر في الڪتاب المقدس :
عدد الآيات التي ذُڪر فيها ڪلمة مِصْر Egypt ومشتقاتها مثل :
- مِصري،
- مِصريون،
- المِصري.. هو 697 آية، منهم 670 آية في العهد القديم.. والأسفار القانونية الثانية.. و27 أية في العهد الجديد.. وهو إحصاء عام ڪدراسة عامة، ولڪن توجد مثلًا آيات عن مِصر بدون ذڪر الاسم نفسه.. أو أصحاح يتحدث عن فرعون أو نهر النيل، فـ من المنطقي أنه يتحدث عن مِصر.. أو آية تذڪر ڪلمة مِصر، وباقي الأصحاح تدور أحداثه في نفس المڪان..
أو بمعنىٰ آخر: هذه الآيات فيها ڪلمة مِصر، وليست ڪل الآيات التي تتحدث عن مِصر.. ولأن عدد الآيات يربو علىٰ ٦٩٧ فلن أتمڪن من ذڪرها جميعاً هنا.. وسوف أتخير بعض الآيات من الڪتاب المقدس تتحدث عن مِصر؛
و
مَن يرغب في البحث الڪامل..فـ الرجاء مع الشڪر والتقدير مراجعة إدارة موقع « آستروعرب نيوز »..
وإليك نماذج من تلك الآيات في الڪتاب المقدس:
« وَحَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْجُوعَ فِي الأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا ». (سفر التكوين 12: 10)
« فَصَعِدَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَلُوطٌ مَعَهُ إِلَى الْجَنُوبِ ». (سفر التكوين 13: 1)
« فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ، قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ. حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ ». (سفر التكوين 13: 10)
« فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ ». (سفر التكوين 15: 18)
« وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ ». (سفر التكوين 25: 12)
« وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ ». (سفر التكوين 37: 28)
« ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «انْظُرْ، قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» ». (سفر التكوين 41: 41)
« وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجعَ إِلَى مِصْرَ، انْظُرْ جَمِيعَ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَاصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ ». (سفر الخروج 4: 21)
« وَكَانَ يَوْمَ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي أَرْضِ مِصْرَ ». (سفر الخروج 6: 28)
« وَقَالَ مُوسَى: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِنِّي نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَخْرُجُ فِي وَسَطِ مِصْرَ، ». (سفر الخروج 11: 4)
...الآيات التي ذڪر فيها دوله مِصر في العهد الجديد:
« وبعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وامه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك لان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه ». (مت 2: 13).
« وكان هناك الى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني ». (مت 2: 15) ..
وهذا هو المدخل لبحث « هجرة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر ».. فالله تعالىٰ الموفق لما فيه الخير والصلاح!
.. اقول(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) : واڪتفي بهذا القدر من آيات الڪتاب المقدس وأڪمل البحث في قادم الصفحات-إن شاء الله تعالىٰ ذڪره-..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً : مِصر في القرآن:
- ذڪرَ اللهُ تعالىٰ مِصرَ في أربعةِ مواضع في ڪتابه الڪريم.. العهد الحديث.. القرآن العظيم، وفي ذلك تشريف لها وتڪريم، فقال جَلَّ من قائل:
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ﴾ [يوسف: 21].
وقال سبحانه: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99].
وقال أصدق القائلين: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: 87].
وقال عز وجل قاصًّا قول فرعون:﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].
أزيدُ خامسةً.. وهي موضع خلاف بين السادة العلماء في قوله تعالىٰ : ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾ [البقرة:61]
.. وقد اختلف العلماء في معناه، فذهب بعضهم إلىٰ أن المقصود اهبطوا مصراً من تلك الأمصار، قال القرطبي: قال مجاهد وغيره: فمن صرفها أراد مِصراً من الأمصار غير معين، وروى عڪرمة عن ابن عباس في قوله (اهبطوا مِصراً) قال: مِصراً من الأمصار. انتهى.
إذاً.. ذڪرت مِصر في القرآن في مواضع ڪثيرة منها آيات ورد فيها ذڪر مِصر صريحة وآيات بالإيماء والتعريض.
- وذڪرها سبحانه وجلَّ شأنه- إشارة في مواضع عديدة تبلغ قُرابة الثلاثين: ﴿«„ (.٣٠) ‟»﴾.. وذلك نحو
قوله تعالىٰ: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [يوسف: 30]،
جاءت مِصر في هذه الآية تحت مسمىٰ « المدينة ».
وقوله تعالىٰ:﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].﴾
وڪقوله تعالىٰ قاصًّا قول آل فرعون: ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: 127].
وڪقوله تعالىٰ قاصًّا قول ناصح موسىٰ -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ [القصص: 20]..
..
الخطاب هنا من يوسف عليه السلام للعزيز ملك مصر، فالأرض هنا المقصود بها مصر.
﴿وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾. (سورة يوسف:56)
﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾. (سورة يوسف:80)
:...........
قصة موسى -عليه السلام-
قصة قتل موسىٰ عليه السلام بالخطأ
﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾. (سورة القصص:15)
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾.(سورة القصص:18)
مر موسى -عليه السلام- برجلين يتنازعان أحدهما من بني اسرائيل والآخر مصري، وكانت بني اسرائيل في مصر يومذاك، وعندما تدخل موسى -عليه السلام- ليفرق بينها دفع أحدهما فسقط فمات، ومن بعدها خاف موسى -عليه السلام- على نفسه في المدينة والتي يقصد بها مِصر.
﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾.(سورة القصص:19)
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾.(سورة القصص:20)
ورد في كتب التفسير أن المدينة في الآية السابقة هي منف وكان فرعون بها، ومدينة منف في صعيد مِصر وكان بها قصر فرعون.
قصة موسى -عليه السلام- وفرعون مصر
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾.(سورة القصص:4)
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.(سورة القصص:5)
﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.(سورة القصص:6)
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.(سورة غافر:26)
﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ .(سورة غافر:29)
قصة فرعون وقومه
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.(سورة الأعراف:123)
﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾.(سورة الأعراف:127)
﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.(سورة الأعراف:128)
﴿قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾.(سورة الأعراف:129)
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾.(سورة الأعراف:137)
ورد في ڪتب التفسير أن الأرض في الآيات السابقة المراد بها مِصر، وقالوا ﴿بَارَكْنَا فِيهَا﴾ المقصود بها النيل، فالبرڪة في مِصر جعلها الله تعالىٰ في نهر النيل.
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾.(سورة الشعراء:35)
﴿فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾.(سورة الشعراء:57)
وفي سورة الدخان: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾(28).
قال الإمام الڪندي: لا يوجد بلد في أقطار الأرض أثنىٰ الله تعالىٰ عليه في القرآن الڪريم ڪما أثنىٰ علىٰ مِصر، ولا وصفها بمثل ما وصف به مِصر، ولا شهد له بالڪرم ڪما شهد لـ مِصر.
قصة عيسىٰ ابن العذراء مريم البتول -عليهما السلام-
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾.(سورة المؤمنون:50)
الربوة هي المڪان المرتفع المخضر، وعلماء الجغرافيا أجمعوا علىٰ أن الربىٰ وهي جمع ربوة لا توجد إلا في مِصر فقط.
لذلك قالوا أن عيسىٰ -عليه السلام- لما اضطهدته اليهود وعزموا علىٰ قتله نزلت به أمه مِصر، ومن ثم آواهما الله تعالىٰ إلىٰ ربوة ذات قرار ومعين.
ماذا قال القرآن عن مِصر؟
﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.(سورة يونس:93)
المبوأ يعني المڪان والمقصود به مِصر.
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.(سورة البقرة:256)
وعرفنا سابقاً أن الرُبىٰ لا توجد إلا في مِصر.
﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ﴾.(سورة فصلت:10)
قال عڪرمة: من الأقوات القراطيس.. والقراطيس لا توجد إلا في مِصر.
والقراطيس المراد بها الورق، والورق أصل صنعته مِصر لأنه يصنع من شجر البردي وشجر البردي تمتاز به مِصر من دون أقطار العالم.
﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾.(سورة الفجر:7)
قالوا: إرم هذه تطلق علىٰ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ﴾.(سورة يوسف:100)
قال الإمام الڪندي: جعل الله الشام مع جمالها وبهائها بدوا في حين سمىٰ الله مِصر مِصراً يعني قطر ومدينة.
فيوم أن كانت الشام بدوا ڪانت مصر أم المدائن.
إلىٰ آخر تلك المواضع الڪثيرة..
لذا فقد قال :" د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق.. وعضو هيئة ڪبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله -عز وجل- ذڪر مِصر باسمها فى القرآن الڪريم دون سائر البلاد [(٥)] مرات، وذكرت [(٨٠)] مرة بصفتها، ".
وقد وصف سبحانه وتعالىٰ أرض مِصر أحسن وصف، فقال جل من قائل: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين﴾ [الدخان: 25-28].
- وقد وُصفت مِصر في القرآن بأنها خزائن الأرض، فقال سبحانه قاصًّا قولَ يوسف -عليه الصلاة والسلام-: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ [يوسف: 55]. وما ذلك إلا لڪثرة خيراتها، وعظم غلاّتها، وجودة أرضها.
- ولم يذڪر نهر من الأنهار في القرآن سوىٰ النيل، وذلك في قوله تعالىٰ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: 7].
والمفسرون علىٰ أن المقصود بـ اليم هنا هو نيل مِصر.
وقال الڪندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنىٰ الله تعالىٰ عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالڪرم غير مِصر..
قلتُ(الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) : وهذا يستلزم من أبناء مِصر -رجالا ونساءً .. شبابا وشاباتٍ فتيانا وفتياتٍ- أن يرفعوا من شأنهم لرفعة شأن مِصر.. وغياب معرفة تاريخهم المجيد لا يمڪنهم من بناء مستقبل مِصرهم الزاهر.. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
قَلِّبِ الإِنجيلَ وَاِنظُر في الهُدىٰ*تَلقَ لِلتاريخِ وَزناً وَحِسابا
مَثَلُ القَومِ نَسوا تاريخَهُم كَــ *لَقيطٍ عَيَّ في الناسِ اِنتِسابا
أَو كَمَغلوبٍ عَلى ذاكِرَةٍ*يَشتَكي مِن صِلَةِ الماضي اِنقِضابا
: « „ البحث القادم ” » ؛ من بعد إذنه وبتوفيقه ورعايته :
ثالثاً : مِصر في سنة رسول الله -صلىوسلمر -:
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ
تمهيد لبحث: « „ هجرة العائلة المقدسة إلى بر مِصر ” » ؛
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ
(*) سأتحدثُ -مِن بعد إذنه وبمشيئته- عن بحث كامل عن سب تسمية مِصر بــ « أم الدنيا ». أو « أم البلاد » .
(**) تاريخ ابن خلدون؛ عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي - ج ١ - ص: 545؛ مقدمة العلامة ابن خلدون؛ الطبعة الرابعة؛ وهو
كتاب قد حوىٰ درر المعاني * وبحر فوائد للمقتنيه
فلا تعجب لهاتيك المباني * فان البحر كل الدر فيه
طبعة دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان؛ الجزء الأول من كتاب :" العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر - وهو تاريخ وحيد عصره العلامة عبدالرحمن ابن خلدون المغربي]؛ كما وذكرها صاحب أبجد العلوم؛ صديق حسن خان : الباب الرابع: في فوائد منثورة من أبواب العلم وفيه مناظر وفتوحات المنظر الثاني: في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم؛ ص: 130].
[(***)] حامل لقب « شاعر النيل » لقّبه به صديقه الشاعر أحمد شوقي، وأيضا حمل لقب « شاعر الشعب ». إنه محمد بيك إبراهيم حافظ!. .
[(1)] ذَكَرَ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ: أي ذَكَرَ عُيُوبَهُ ظاهِرَها وَباطِنَها.
أما القول : أشكُو إلَىٰ اللَّهِ عُجَري وَبُجَرِي: بمعنىٰ: أحْزَانِي وَهُمُومِي .
[(2)] قال الإمام الڪبير أبو الزناد الأعرج عبدالرحمن بن هرمز القرشي صاحب أبي هريرة والملازم له، المتوفَّىٰ سنة 117 هـ يقول: « „ خير سواحلڪم رباطًا الإسكندرية ” » ..
وقال سفيان بن عيينة الهلالي المحدث المشهور (ت 198هـ) لـ إمام المِصريين أحمد بن صالح: « „ يا مِصري، أين تسڪن؟! ” »،
قال: « „ الفسطاط ” »،
قال: « „ أتأتي الْإِسْڪَنْدَرِيَّةَ !؟ ” » ،
قال: « „ نعم ” »،
قال: « „ تلك ڪنانة الله يجعل فيها خير سهامه ” »..
[(3) البقيّة في أسفل الإناء من شراب.
[(١)] اَلْـجُزْءُ الْأَوَّلُ: « „ أُمُّ الدُنْيا ” » سلسلة بحوث عن : " هجرة العائلة المقدسة.. مريم العذراء البتول وأبنها المسيح عيسى أبن مريم إلى بر مِصر ".
« وَرَقَةٌ مِنْ ڪُرَاسةِ إِسْڪَنْدَرِيَّاتٍ »..
فيينا Vienne - لحظة إطلالها علىٰ الدانوب الأزرق
(د .الْفَخْرُ؛ الْإِسْــڪــَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ مُحَمَّدُ فَخْرُالدينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ .. الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ).
السبت: ٢٧ جمادى الأولى 1445 هـ ~ 09 ديسمبر 2023 م.


[(2)] " أم البلاد "
تمهيد لـ هجرة العائلة المقدسة لـ بر مِصر!

تاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية حيث أبدع الإنسان المصري وقدًّم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم.. مصر هى أول كلمة فى كتاب التاريخ.. وأهم موقع فى كتاب الجغرافيا(1).
:" لماذا تُسمَّىٰ مِصر «أم الدنيا»؟ ".
-*/*-
:" هذه العبارة (أم الدنيا) لا مانع منها شرعاً -إن شاء الله تعالىٰ- فقد ذڪرها بعض العلماء والمؤرخين في وصف بعض المدن الڪبرى، فذڪرها :
١ .] صاحب (شذرات الذهب) في معرض الحديث عن اسطنبول وعمرانها وعلمائها.. فقال: " فصارت اسطنبول أم الدنيا ومعدن الفخار والعلى واجتمع فيها أهل الڪمال من ڪل فن.. " اهـ.
ڪما ذڪرها :
٢ .] البلاذري في معجم البلدان عن بغداد فقال: " بغداد أم الدنيا وسيدة البلاد. ". اهـ.
وقد ورد مثل هذه العبارة عن:
٣ .] ابن خلدون[(ص: 545)] في مِصر فقال في مقدمته: " واختص العلم بالامصار الموفورة الحضارة.. ولا أوفر اليوم في الحضارة من مِصر، فهي أم العالم، وإيوان الإسلام، وينبوع العلم والصنائع. " اهـ.
٤ .] ونقل صاحب أبجد العلوم؛ صديق حسن خان : مقالة ابن خلدون في الباب الرابع: ص: 130
.. وعليه؛ فإن هذه العبارة لا شيء فيها من الناحية الشرعية. والله أعلم.
بيد أن ينبغي أن نعلم اصل تسمية هذا الإقليم بــ مِصر!..
.. مِصر أو ڪما يطلق عليها : „ أرض الحضارات(1) ‟ في تاريخ الإنسانية ..
فــ مصر هي مهد وأرض الحضارات؛ فـ في مصر ولد التاريخ والحضارة البشرية منذ آلاف السنين..
لذا فيمڪنني القول :" إن مصر والتاريخ توأمان متماثلان في ڪل شيء.. فـ مصر موغلة في القدم قدم الزمن نفسه.. لقد ڪانت مصر أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الڪتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، وڪان المصريون القدماء حريصين علىٰ تدوين وتسجيل تاريخهم والأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية العظيمة انتقلت مصر من عصور ما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مڪتوب، ولها نظم ثابتة ولذلك اعتبرت بڪافة المعايير أُماً للحضارات الإنسانية.
لقد تتابعت علىٰ أرض مصر حضارات متعددة فڪانت مصر :
- مهدا للحضارة الفرعونية، و
- حاضنة للحضارة الإغريقية والرومانية و
- منارة للحضارة القبطية، و
- حامية للحضارة الإسلامية. ..
موقع مصر بين قارات الأرض:
تقع مِصر في الرڪن الشمالي الشرقي من القارة الأفريقية وتمتد في جنوب غرب آسيا من خلال شبه جزيرة سيناء، بوابة مِصر الشرقية والمدخل الرئيس للغزاة إلىٰ الأرض المِصرية عبر التاريخ.
وجعل هذا الموقع الجغرافي المتميز من مِصر ملتقىٰ للحضارات.. وبوتقة لتلاقي الثقافات، وجعل ڪذلك منها مطمعًا للغزاة والطامعين والمحتلين عبر تاريخها الحضاري الطويل..
وينتمي المِصريون إلىٰ الجنسين السامي والحامي..
ما هو أصل تسمية » ﴿ „» مِصْرَ« ‟ ﴾« بهذا الاسم!!؟
يمڪنني أن أجزم بـ أن لفظة : „»مِصْرَ « ‟ التي تطلق علىٰ الإقليم الذي يجري علىٰ أرضه النيل ويصل إلىٰ مصبه.. هذه اللفظة ليست عربية المنشأ؛ وندلل علىٰ ذلك بـ أقوىٰ دليل يمڪننا طرحه.. فــ إن إقليم „»مِصْرَ « ‟ وجد منذ آلاف السنين؛ والمسمىٰ وجد قبل وصول المسلمين الأوائل "العرب" إليه.
وهذه المعلومة – التاريخية – لا جدال فيها فــ سڪان الإقليم الأوائل – سَمِهم إن شئت السڪان الأصليين – هم مَن سموها بذلك الإسم..
تفيد هذه المعلومة الثابتة أن مِصر وجدت قبل التاريخ المڪتوب والمدون؛ فـ هذا الإقليم وجد بـ وجود نهر النيل .
وهذا يؤڪد ما توصل إليه علماء علىٰ أن مصر من أقدم بلدان العالم .
وعندي دليلٌ آخر لڪنه لُغَوي.. فقد قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زڪريا بن حبيب القزويني الهمذاني ( 306- 395هـ) : في موسوعته " معجم مقاييس اللغة:
- مَصَرَ ) : الْمِيمُ؛ وَالصَّادُ؛ وَالرَّاءُ : أَصْلٌ صَحِيحٌ لَهُ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ :
[۱.] الْأَوَّلُ : جِنْسٌ مِنَ الْحَلْبِ ،
وَ
[٢.] الثَّانِي : تَحْدِيدٌ فِي شَيْءٍ [لنا هنا وقفة] ،
وَ
[۳.] الثَّالِثُ : عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع : أبو الحسين؛ أحمد بن فارس بن زكريا؛ معجم مقاييس اللغة؛ حرف ميم؛ دار الجيل؛ 1420هـ / 1999م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقفتُ عند المعنىٰ الثاني من قول ابن زڪريا؛ إذ أن المعنىٰ الأول - عنده – وهو الحلب لا يتعلق بموضوع بحثنا؛ ڪما أن المعنىٰ الثالث والأخير والمتعلق بعضو من الأعضاء ڪذا ليس متعلق بمسألتنا فيبقىٰ شئ نلمحه من المعنىٰ الذي قصده وهو :" [٢.] الثَّانِي تَحْدِيدٌ فِي شَيْءٍ ".. وهذا في حقيقة الأمر ما دفعني إلىٰ إعادة النظر مرة ثانية في قواميس اللغة وڪتبها؛ فوجدتُ الآتي :
مدخل في التسمية؛ ونبدء أولاً بــ اللغة العربية للفظة : " مصر "
يتفق صاحب تاج العروس مع صاحب مقاييس اللغة فيقول :"والمِصر بالكسر : الحاجز والحَدُّ بين الشيئين . ".
ويكمل صاحب تاج العروس :" والمِصْر : الحَدُّ في كلِّ شيءٍ.. وقيل : بينَ الأَرْضَيْنِ خاصَّةً . "..
لذا أورد صاحب التاج القول بأن :" المِصران هما : الكوفةُ والبَصْرَة.
وقال ابن الأَعرابيّ : قيل لهما المِصرانِ لأَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- قال :" لا تجعلوا البحرَ فيما بيني وبينكم.. مَصِّروها.. أَي صَيِّروها مِصراً بين البحر وبيني.. أي حَدّاً "..
وينقل صاحب التاج :" ويقولون :" اشترىٰ الدَّارَ بمُصُورِها".. أي بحدودها.. جمع مِصرٍ.. وهو الحَدّ.. هكذا يكتبون أَهلُ مصرَ في شروطِهم وكذا أَهلُ هَجَر ."..
ويكمل صاحب تاج العروس :" وقال الليث : المِصر في كلام العَرَب : الكورة تقام فيها الحدود ويُقسم فيها الفيءُ والصَّدقاتُ من غير مؤامرة الخليفة .
والمِصر : الطِّينُ الأَحمر .
والمُمَصَّر كمُعَظَّم : الثوب المصبوغ به أو بحُمرةٍ خفيفة .
وفي التهذيب : ثوبٌ ممَصَّر : مصبوغ بالعِشْرِق وهو نباتٌ أَحمرُ طيِّب الرائحة تستعملُه العرائسُ .
وقال أبو عبيد : الثِّياب المُمَصَّرة : التي فيها شيءٌ من صُفرَةٍ ليستْ بالكثيرة .
وقال شَمِرٌ : المُمَصَّر من الثياب : ما كان مصبوغاً فغُسِلَ..
ومنه الحديث : " ينزِلُ عيسىٰ -عليه السّلامُ- بينَ مُمَصَّرتينِ " (*) ..
ومَصَّروا المكانَ تمْصيراً : جعلوه مِصراً فتَمَصَّرَ : صار مِصراً .
وكان عمر -رضي الله عنه- قد مَصَّرَ الأَمصارَ.. منها البصرة والكوفة - كما سبق وقلت –
وقال الجوهريّ فلانٌ مصَّرَ الأَمصارَ كما يقال : مَدَّنَ المُدُنَ..
و
مِصْرُ : الڪَسرُ فيها أَشهر فلا يُتَوَهَّم فيها غيره.
قلتُ : والعامَّة تفتحها؛ فـ مِصرُ هي المدينة [!!!] المعروفة الآن سُمِّيَتْ بذلك لتَمَصُّرها أي تَمَدُّنها.
وهذا هو القول الأول في التسمية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بالمراجعة على قدر الإستطاعة والجهد وجدتُ أن الحديث ذكر في ثمانية مصادر ؛ فلنراجعها معاً :
الرواية الأولى :
[۱.] ﴿ » „ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ - يَعْنِي عِيسَىٰ - وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَىٰ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ.. بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ.. كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّىٰ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ‟ « ﴾ ..
هناك رواية عند الجامع تثبت اسم النبي :" ليس بيني وبينَ عيسى نبيٌّ"؛ كما أضيفت كلمة :" ينزِلُ " بينَ مُمَصَّرَتَيْنِ "
التخريج:" رواه: أبو هريرة؛ انظر: الألباني في تخريجه لــ: صحيح الجامع: 5389؛ الحديث: صحيح ".
وخرجه :" الألباني في : صحيح أبي داود: 4324 ؛ وقال الحديث: صحيح "
قلتُ: انتبه إلىٰ الوصف النبوي لعيسىٰ ابن مريم؛ وأنا أعمل في إكمال كتاب : قصص الأنبياء.
تخريجها : رواه: أبو هريرة؛ تجده عند: أبي داود؛ سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي في : سننه: 4324؛ كتاب الملاحم؛ باب خروج الدجال؛ والحديث: سكت عنه؛ وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح. "
2. ) الرواية الثانية فيها إضافة مهمة عن الرواية الأولىٰ :
" الأنبياءُ إخوةٌ لعَلَّاتٍ، أمهاتُهم شتَّىٰ، ودينُهم واحدٌ، وأنا -النبي الرسول: محمد بن عبدالله- أَولىٰ الناسِ بعيسى ابنِ مريمَ؛ لأنه لم يكنْ بيني وبينَه نبيٌّ، وإنه خليفتي علىٰ أمتي، وإنه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرِفوه، فإنه رجلٌ مربوعُ الخَلْقِ إلىٰ الحُمرةِ والبياضِ، سَبِطُ الشَّعْرِ، كأنَّ شَعْرَه يقطُرُ، وإنْ لم يُصبْه بللٌ، بين ممصرتين، يدُقُّ الصليبَ، ويقتُلُ الخِنزيرَ، ويَفيضُ المالُ، ويقاتلُ الناسَ علىٰ الإسلامِ حتىٰ يُهلكَ اللهُ في زمانِه المِلَلَ كلَّها، ويُهلكَ اللهُ في زمانِه مَسيخَ الضلالةِ الكذَّابَ الدجَّالَ، وتقعُ في الأرضِ الأمَنَةُ حتىٰ ترتَعَ الأسودُ مع الإبلِ، والنُّمُرُ مع البقرِ، والذئابُ مع الغنمِ، وتلعبَ الغِلمانُ بالحياتِ، لا يضرُّ بعضُهم بعضًا، فيثبُتُ في الأرضِ أربعين سنةً، ثم يُتوفَّىٰ ويصلِّي المسلمون عليه ويدفِنوه"
ــــــــــــــــــــــــــ
التخريج :" رواه أيضاً: أبو هريرة؛ تجده عند: ابن جرير الطبري في : تفسيره: 3/1/373 ؛ الحديث: متواتر ".
**
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
[(1)] الدقة في البحث تستلزم القول :" فقد اختلف المؤرخون فى تحديد أقدم حضارة على وجه الأرض عرفها الإنسان، وبدأ منها مرحلة التدوين وكتابة التاريخ، بعدما عاش الإنسان الأول حياة بدائية لم يكن فيها أى من وسائل الحياة التالية سواء مع بداية الحضارات أو عصر التكنولوجيا. فـ تعرف الحضارة في اللغة أنها الإقامة فى الحضر، وهى بذلك عكس البداوة، أما فى الاصطلاح فإن الحضارة هى مجموعة المظاهر المختلفة فى مجتمع ما، أو فى مجتمعات متشابهة، وتشمل هذه المظاهر الفنون، والآداب، والعلوم، وحتى المظاهر الاجتماعية، لذا تطلق كلمة الحضارة على إنتاج العقل مما يتعلق بوجهة النظر في الحياة، لأنها من الحضر مقابل البدو، فإنه يراد منها طريقة الحياة، وأن تُطلق كلمة مدنيّة على الأشكال المادية المحسوسة، فَتُعَرّف الحضارة بأنها مجموعة المفاهيم عن الحياة وفقا لوجهة نظر معينة، وتعرّف المدنية بأنها الأشكال المادية المحسوسة التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية. لكن أول أقدم حضارة على الإطلاق يبدو أمر مختلف عليه حتى الآن وإن كانت أغلب الاعتقادات تذهب إلى أنها الحضارة المصرية القديمة أو الحضارة العراقية.. ويقول عالم الآثار العراقي طه باقر فى إحدى دراساته "بعد أن قضى الإنسان القسم الأعظم من حياته فى أطوار التوحش والهمجية، فيما يسمى بعصور ما قبل التاريخ (التى استغرقت أكثر من 99% من حياة الإنسان والتى تقدر بنحو مليوني عام) دخلت البشرية فى أخطر تجربة وامتحان لا تزال تعانيهما بانتقالها إلى طور الحضارة الناضجة، وقد تحقق ذلك لأول مرة فى تاريخ الإنسان بانتقال وادى الرافدين ووادى النيل فى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى حياة التحضر المدنية". فالحضارة الفرعونية.. يصفها الكاتب البريطانى المتخصص فى علم الآثار المصرية، ليونارد كوتريل، فى كتابه "الحياة الاجتماعية فى عهد الفراعنة" بأن أقدم حضارة عرفها العالم، كانت فى أرض الوادى الضيق، وادى النيل، المحصور وسط الصحراء القاسية، والتى ظهرت قبل أكثر من 3000 عام قبل مجىء يسوع المسيح.. وقال زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، إن عمر الحضارة المصرية يرجع لخمسة آلاف سنة، مشيرا إلى أن أى حضارة فى الدنيا تقاس ببداية الكتابة واللغة الهيروغليفية المصرية القديمة تم اكتشافها منذ 5 آلاف سنة، مشيرا إلى أن المصريين القدماء هم أول من عرفوا الكتابة قبل الحضارة العراقية بـ300 سنة.. ويذكر المؤرخ اللبناني نجيب متري مؤسس دار المعارف المصرية سنة 1890، فى كتابه "ملخص التاريخ القديم" أن الحضارة المصرية هي أطول تاريخ مستمر لدولة حيث يزيد عن 7 ألاف سنة، وهى أقدم حضارة فى التاريخ الإنسانى.
ـ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *.
سلسلة بحوث:
﴿ سنن الأنبياء ؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء ؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
سلسلة " التصفية والتربية " ؛ هجرة العائلة المقدسة إلى بر مِصر!
د. الْفَخْرُ: مُحَمَّدُ فَخْرُ الدينِ الرَّمَادِيُّ بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - ﴿ نَزِيلُ ڤِيَّنَّا ﴾
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم الإثنين 29 جمادى الأول؛ عام ١٤٤٥ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق 11 من شهر ديسمبر عام ٢٠٢٣ من الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-


القضايا الموسمية

[(سبعة أسابيع من حرب مدمرة.. وقتل وتشريد وإجاعة)].
يمرُ -عادةً- على كثير من الأمم وغالب الشعوب كما يحدث للـ عديد من أفراد وكافة الشخوص حالات ضعف ومرض وهزال؛ وقد تتعافى.. وهذا ينطبق الأن على الأمة العربية.. شعوباً وحكاماً ودولا ومنظمات وهيئات.. فمع وجودهم جميعا بيد أنها -مجموع الأمة- لا تأثير لها في الأحداث المحلية ولا يسمع لها قولا في التجمعات الإقليمية أو يستأنس برأي لها في القضايا العالمية ولا تشارك بفاعلية في المحافل الدولية.. فلا يسمع لها صوتاً وإن تحدثت.. ولا ينفذ لها أمرا وإن تكلمت ولا يتم مشاورة لها واعتبار رأيها..
والمحصلة المؤلمة وجودها كعدمه!
ويمر على بعض الدول والإمبراطوريات والملكيات والكيانات حالة اضمحلال وتراجع ثم فناء.. ومن يحسن مطالعة التاريخ وقراءته يجد هذا واضحاً..
والأمة الإسلامية مع وجود ما يصلح أمرها ويعلي من مرتبتها.. فهي كذلك لا تأثير لها!
وأوضح مثال لهذه المقدمة المؤسفة.. « „ قضية فلسطين ” » !
فـ بعض القضايا كانت المشتعلة.. فـ تحولت إلى قضايا ملتهبة .. بعد أن همدت جذوتها.. واختبأت تحت رماد مرور الزمن.. ثم صارت قضايا ساخنة.. يتم تذكرها حينا ويغفو عنها الكثير أحياناً.. فإذ بها تتحول إلى قضايا موسمية يتفاعل معها المرء وفقا للأحداث ويتأثر شعوريا وعاطفياً نظرا للمستجدات.. ثم صار يختلف عليها العربان(!) دون ظهور في الأفق حل.. وفق تعبير الغرب « عادل » ووفق المصطلح الدبلوماسي « يرضي جميع الأطراف » ؛..إذ أن الحل يجب أن يكون جذرياً.. فلا أنصاف حلول في مسائل مصيرية.. أو مسائل وجود أو فناء..
ومن تلك القضايا العديدة والتي تواجه الأمة العربية وأختها الإسلامية القضية الفلسطينية برمتها.. أو بتعبير أدق بشقيها : السياسي الدبلوماسي والعسكري المسلح الفدائي..
كل ما حدث-في -السابق- مبادرات جوفاء لم يتمكن قائلها أو دولته أو حكومته في تفعيلها على ارض الواقع؛ وغيب شعبه.. كما لم يتمكن قائلها من حشد القوى الفاعلة في تحقيقها وبالتالي لم يحسن تسويقها -بلغة التجارة- أو ترويجها فحبست في درج الذكريات؛ و هي ليس أكثر من إثبات موقف!
والناظر إلى المسألة(!) الفلسطينية يرى أمامه عدة إشكاليات وليست مشاكل!
- الإشكال الأول الذي يواجه المرء هو أن :" حركة حماس مصنفة حركة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى "..
وعليه تقوم بعمليات فدائية وفق وجهة نظرها.. فـ تصنف أنها حركة مسلحة تقوم بأعمال عسكرية.. توصف بأنها إرهابية(!) ضد دولة اغتصبت الأرض والهواء والبحر.. بيد أنها في العُرف الدولي دولة(!) ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وتشارك في المنظمات العالمية والهيئات الدولية ولها صوت في المحافل الرسمية.. ويمثلها سفراء في دول العالم حتى الدول العربية أو دول جُل شعبها من المسلمين.. والإشكال يأتي من تلك العمليات الفدائية إذ هي ليس أساسها تحرير الأرض بغض الطرف عن قوة الرد وضخامة ردع الكيان الصهيوني وآلته العسكرية الجهنمية والذي يأتيه الدعم المالي والعسكري من المعسكر الغربي -أمريكا ودول أوروبا-.. فـ :" في خطوة مباغتة، شنت حركة حماس هجومًا على إسرائيل يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عبر إطلاق وابل من الصواريخ في اتجاه بلدات ومدن إسرائيلية، فضلًا عن اختراق عدد من المسلحين للسياج الحدودي الذي أقامته إسرائيل حول غزة. ".. فلم تكن العملية لتحرير الأرض والتي اغتصبت بقرار من حكومة الأمبراطورية البريطانية.. وأيدته دول الغرب؛ وأول من أعترف بوجود الكيان الصهيوني دولة جمهورية تركيا [(جُل شعبها من المسلمين)ُ]..
يضاف إلى ذلك لا يوجد سند عسكري قوي أو ضعيف لتلك العمليات الفدائية من دول الجوار.. تلك التي عقدت معاهدات صلح وسلام؛ فقد قام سادات مِصر -المغدور به.. وقُتل- بحركة دبلوماسية بهلوانية في زيارته للكِنيست الصهيوني.. مع أنه هو المنتصر.. مما اربك الإدارة الأمريكية فمكثت ثلاث أيام لم تحسن التعليق السياسي أو الدبلوماسي على زيارته.. ثم معاهدة وادي عربة بالأردن الهاشمي.. ثم حدثت « الهرولة » وبقية الدول كتركيا وإيران يتحدثا من مشربية الحرملك.. وتم فتحت مكاتب تجارية في معظم العواصم العربية.. وسوريا الأسد اصابتها النكبة الفلسطينية منذ عدة سنوات ولحقتها جارتها العراق؛ وإمارات الخليج تقوقعت داخل مياه الخليج الفارسي(!) وليس العربي.. ثم إنشغل كل إقليم بمشاكله الداخلية!.. والشعوب العربية لم تتمكن من أتخاذ موقف إيجابي يلزم حكوماتها بوقف التدمير
- الإشكال الثاني :
وأبقى قليلا مع حماس كمنظمة جهادية فدائية إسلامية(!) بغض الطرف عن حيثيات المنشأ ومصادر التمويل والهدف وما هي الدول التي تحتضن الحركة.. فقد ابدعت حين أوجدت مكتباً « سياسياً » لها بجوار الجناح المسلح „ كتائب عزالدين القسَّام ”؛ وهذه نقطة تحسب لها من حيث التخطيط الاستراتيجي والتحرك المثمر في الساحة الإقليمية والعالمية.. إذ أن المكتب « السياسي » هو الواجهة الخضراء كحمامة سلام واليد الحريرية والتي تمتد حين تتقابل مع الخصم العدو قبل الصديق الحميم.. والتي تطل منها الحركة على عموم الساحة العالمية.. والأصل أنها تطل على العالم الغربي : الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بدوله وكذا الدول الأسيوية.. أي شقيّ العالم الغربي منه والشرقي.. فتعمل على تسويق -بلغة التجارة- فكرتها وكسب أو تعاطف أو تأييد شعوب تلك الدول الغربية والشرقية.. في قضيتها العادلة.. والعمل الجاد على إيجاد رأي عام شعبي يقوم بالضغط على حكومات بلاده أو إنشاء ما يسمى بـ « „ اللوبي الغربي ” » - الذي يحقق ما ينشده المكتب السياسي للحركة ويقوم« „ المكتيب السياسي ” » ؛ بما يسمى بـ الحركة « „ المكوكية ” » في دول العالم الحر الغربي والشرقي.. وفي أروقة المنظمات العالمية والإقليمية ووسط المحافل الدولية لتثبيت هذا المطلب العادل بــ إيجاد وطن للفلسطينين..
لكن أي فريق منهم : الفريق الذي يمثل الشعب الفلسطيني بقيادة خليفة أبي عمار .. الأخ أبو مازن.. أم كتائب عزالدين القسَّام الجناح المسلح للحركة.. وهذا الإنقسام أو الشرخ العميق في جسد الكيان الفلسطيني عمق الأزمة أو أثبتها أو سعى لعدم إيجاد حل..
وحتى الفرحة بعودة أسرى من سجون الإحتلال صار ممنوعا.. إذ أن :" هناك استياء من قبل الاحتلال بسبب ما حدث في بلدة بيتونيا عند الإفراج عن الأسيرات والأسرى الأطفال بسبب الاحتفالات التي رافقت وصول الأسرى ودعم المقاومة والهتاف لها. ".. " وفي مدينة القدس حذرت سلطات الاحتلال أهالي الأسرى المحررين من القدس من الاحتفال أو تعليق الأعلام الفلسطينية أو إظهار أي مظهر من مظاهر الاحتفال ". و " تم طرد العديد من أقارب الأسرى من منازل ذويهم الذين تجمعوا لاستقبالهم.".. و" أنه على الرغم من قرار الاحتلال منع المظاهر الاحتفالية فقد كان هناك إجماع من قبل ذوي الأسرى في القدس بعدم إقامة احتفالات بسبب الأوضاع السيئة في قطاع غزة.".
ولعل.. لعل.. حين تمكنت حركة [ح] المقاومة [م] الإسلامية[اس] = حماس من كسب الشارع الغزاوي في إنتخابات وكونت حكومة تصريف أعمال مع وجود الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني..
أقول لعل هذا النجاح في الإنتخابات كان يصلح أن يكون متكئاً لتعتمد الحركة عليه في مخاطبة العالم خارج حدود قطاع غزة مع التنسيق مع مَن يسكن في الضفة فيتم تحالف ما تحت أي اسم جديد أو مخترع ليتحدثا -معاً- و -سويا-: -مَن يسكن في الضفة مع حكومة منتخبة في قطاع غزة- أن يتحدثا باسم الشعب الفلسطيني.. وليس كلا على بمفرده في تنفيذ قرار صدر منذ عدة عقود.. وقد سعت الإدارة السياسية في مِصر في تقريب وجهة النظر بين الطرفين لكنها لم تنحج.. والفشل يعود للولاءات والإنتماءات..
لكن لعل لا تفيد!
وبنظرة تشاؤمية تحتاج إلى تحقيق.. كأن البعض(!) يريد أن تبقى القضية في مكانها لا تراوحه ولا تغادره..
ثم يأتي :
الإشكال الثالث: وهي أن الشعوب العربية ودولهم وحكوماتهم تملك منظمة إنجليزية المنشأ : بيد أنها عربية الموطن قاهرية المقر.. وهي : جامعة الدول العربية لا تملك -كمن يمثلها- الحول ولا القوة.. كما ولا تملك المقدرة أو الإرادة أو حتى الرغبة في تغيير الوضع الحالي.. وقراراتها لا تبلغ ثمن الحبر الذي كُتبت به؛ وهذه -الجامعة- يجب أن تنسى فلا يعول عليها ولا على قراراتها..
الإشكال الرابع : شعوب ما يطلق عليها شعوب من حيث الهوية „ إسلامية ” وليس من حيث الإنتماء تملك منظمة التعاون.. وهي أسوء من أختها السابقة.. فكذلك لا يعول عليها ولا تعتبر قراراتها..
وحقيقة الأمر أنه لا يصح لـ-كاتب هذه السطور- أن يلغي بجرة قلم كيان جامعة عربية أو هيئة عالمية دولية.. لكن حالهما ظاهر على سطح الكف.. فماذا فعلا لإيقاف نزيف الدم أو أيقاف التدمير والتشريد والمجاعة أو عدم قدرة المستشفيات في تقدم الخدمات الصحية !
وقاما شعوب عربية وإسلامية بوقفات تضامنية أو احتجاجية في أمهات العوصم العربية أو الإسلامية لم توقف القتل والتدمير.. لكنه موقف يحسب للجميع!
الإشكال الخامس: العرب أو المسلمون -مَن يحمل الجنسية أو أوراق ثبوتية- الذين يسكنون في الغرب.. اصابهم ما أصاب ابناء جلدتهم في موطنهم ومنشأهم الأصلي فـ لم يتمكنوا إلا من : وقفات إحتجاجية لوقف التدمير والقتل والإبادة الجماعية أو مظاهرات تضامنية أو عبر منصات التواصل الإجتماعي في التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم وأحاسيسهم.. وأحيانا غضبهم.. وهذا ليس أقل القليل بل لا شئ بالمرة.. إذا لم يتمكنوا من الضغط الفعلي على حكومات بلادهم بحكم الجنسية المكتسبة -الغربية- في إتخاذ موقف إيجابي.. فقط مجرد شعارات أو أقوال لا تترجم على أرض التدمير بوقفه أو القتل بمنعه.. هؤلاء وهم يعدون بالملايين [(أزيد من 50 مليون)] هؤلاء يمكنهم أن يصنعوا.. يخلقوا « „ لوبي: عربي/أو سمِّه إن شئت: إسلامي(!) ” » على أرض الاتحاد الأوروبي أو الأمريكتين قوى ضغط على حكومات تحمل شعار حقوق الإنسانية.. وتغني وتدندن حوله.. بل يتحدثون عن حقوق الحيوانات وقد اعطوا للمثليين حقوقا..
بيد أن الواقع الفعلي شئ آخر :
دور لـ إمارة قطر :
فقد :" ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أن وفدا قطريا وصل يوم 25 نوفمبر إلى إسرائيل لدفع الاتفاق الخاص بالإفراج عن الأسرى ولضمان أنه سوف يتم تحقيق الإطار العام الذي تم التوصل إليه حتى الآن ".
وقد يستغرب المرء!؟..
فلماذا لم تقم دولة كبرى كالملكية السعودية أو جمهورية مصر بهذا الدور !؟
ولماذا تُرك لـ إمارة!؟ ..
ألم يكن الأولى أن دول ذات ثقل إقليمي ودولي أن تقوم بهذا الدور خاصة وأن لها علاقات طيبة وتمثيل دبلوماسي مع الكيان الصهيوني!؟..
والكاتب لا يقف عن جزئيات المسائل بل المهم تحقيق ما نريده !
ونقلت الصحيفة العبرية عن دبلوماسي قطري قوله "إن جزءا من مهمة الطاقم القطري تهدف إلى ضمان أن يستمر الاتفاق في إحراز تقدم على نحو سلس ولمناقشة مزيد من التفاصيل بشأن الاتفاق الحالي".
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول قطري قوله إنه تم التنسيق مع مسؤولين إسرائيليين لضمان استمرار الهدنة وإطلاق سراح المحتجزين دون عوائق.
وهبطت طائرة خاصة تقل مسؤولين قطريين السبت في مطار بن غوريون، قادمة من لارناكا بقبرص، بحسب الصحيفة.
وكانت رويترز قد نقلت عن مسؤول مِصري قوله إن بلاده تلقت "مؤشرات إيجابية" بشأن تمديد الهدنة في غزة ليوم أو يومين.
وصرح ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر في بيان-أمس السبت- إن بلاده تجري محادثات مكثفة مع كل الأطراف للتوصل إلى اتفاق "لتمديد الهدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لمدة يوم أو يومين إضافيين، بما يعني الإفراج عن مزيد من المحتجزين في غزة والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ".
" ولعبت قطر التي تربطها علاقات وثيقة بحماس، مع مصر، دورًا رئيسيًا في التوسط في هدنة مؤقتة في القتال بين إسرائيل وحركة حماس. يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلامية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية. ".
:" وكشف المتحدث باسم الشؤون الخارجية القطرية ماجد الأنصاري عن تفاصيل الصفقة، بما في ذلك وقف مؤقت لإطلاق النار والإفراج عن بعض الرهائن الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين.. ويعمل القطريون، جنباً إلى جنب مع نظرائهم من الولايات المتحدة ومِصر، منذ الأيام الأولى للصراع الحالي للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين. ". ومن المفيد معرفة أنه:" منذ تسعينيات القرن الفائت وتولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منصب أمير البلاد، وضعت قطر نفسها كوسيط في الشرق الأوسط. فما هي الأسباب التي تجعل هذه الدولة الخليجية الصغيرة تلعب مثل هذا الدور الرئيسي.. قال البروفيسور محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر: "إن دور قطر كوسيط ليس جديدا". واضاف: وهي مستعدة للتحدث مع الجهات الفاعلة غير التابعة لدولة بعينها، والجماعات القبلية والميليشياوية، التي لا يستطيعها الآخرون - وخاصة الدول الغربية.. وعلى مر السنين، ضمت هذه الجماعات حركة طالبان الأفغانية، والمتمردين السوريين، وحماس، ومسلحين فلسطينيين آخرين مثل حركة الجهاد الإسلامي. ". وتقول الدكتورة ميلاني غارسون، الأستاذة المشاركة في الأمن الدولي وحل النزاعات في جامعة كوليدج لندن: "إن السمة المميزة للسياسة الخارجية القطرية هي المصلحة الذاتية العملية".
أعود لموضوع هذا المقال: فقد " دخلت الهدنة بين حماس[(حركة المقاومة الإسلامية)] وإسرائيل [(مر 51 يوما على عملية السيوف الحديدية ضد عملية طوفان الأقصى)] حيز التنفيذ يوم الجمعة، ويتضمن اتفاق الهدنة الإنسانية إطلاق 50 أسيرا إسرائيليا من غزة مقابل الإفراج عن 150 فلسطينيا من السجون الإسرائيلية، وإدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كل مناطق القطاع.. الذي يعاني فيه 2,3 مليون نسمة من نفاد الغذاء. وخرجت مستشفيات كثيرة في غزة من الخدمة ومن أسباب ذلك عدم توفر وقود لتشغيل مولدات الكهرباء فيها. وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن 196 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية وصلت الجمعة -أول أمس-، وهي أكبر قافلة من نوعها تصل إلى غزة منذ بداية حرب السيوف الحديدية ".
" ووافق الطرفان بموجب الاتفاق على هدنة لأربعة أيام ليتسنى إطلاق سراح 50 امرأة وقاصرًا تحت سن 19 عامًا من الرهائن مقابل الإفراج عن 150 امرأة وقاصرًا من الفلسطينيين المعتقلين في سجون إسرائيل".
وقالت جمعية نادي الأسير الفلسطيني إنه حتى يوم الأربعاء الماضي كان يوجد 7200 فلسطيني في سجون إسرائيل ومن بينهم 88 امرأة و250 طفلًا في أعمار 17 عامًا فأقل. ". " ومن المتوقع إطلاق سراح 50 رهينة، وهم من إجمالي نحو 240 احتجزتهم حماس عندما شنت هجومًا في السابع من أكتوبر على إسرائيل، على دفعات ربما تضم كل منها 12 رهينة يطلق سراحهم في كل من أيام الهدنة الأربعة. وقالت الحكومة الإسرائيلية إن ما يزيد على نصف الرهائن البالغ عددهم 240 تقريبًا من الأجانب ومزدوجي الجنسية من حوالي 40 دولة من بينها الأرجنتين وبريطانيا وتشيلي وفرنسا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وتايلاند والولايات المتحدة. ".
وهنا لنا وقفة : إذ يصلح أن تتفاوض الحركة أيضا مع مَن يمثل تلك الدول.. خاصة الأوربية والأمريكية.. لترفع من سقف مطالبها!!!
وهذه فرصة ذهبية كي تضع حماس قدمها في طريق المفاوضات الدولية لتحقيق هدفها الأسمى وليس فقط مناورات هجومية من الفينة إلى الآخرى.. إذ أن القصد هو إرغام الكيان الصهيوني على تحقيق مطالب الفلسطيني سواء من يقف خلف أبي مازن أو من يقف بجوار هنية في قصره بالدوحة القطرية!
-*/*-
-إشكالية الشقيقة الكبرى للنمسا !
يبدو أن تبعات التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس في غزة على مدار 51 يوماً، لن تقف عند الأوضاع السياسية والإنسانية فقط في القطاع، بل تمتد أبعادها إلى اقتصاديات الدول الغربية التي تقدم الدعم والمساندة لإسرائيل، خاصة مع احتمالية طول مدة الحرب على غزة. و
تعد ألمانيا في مقدمة الدول التي أعلنت دعمها بالمساعدات المالية والأسلحة إلى إسرائيل، في توقيت يعاني فيه الاقتصاد الألماني مما يطلق عليه مصطلح “الانكماش التقني” بعد تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن أقوى اقتصاد في أوروبا، نظراً لأنها السابقة الأولى التي يتراجع فيها اقتصاد ألمانيا بهذه الدرجة منذ جائحة كورونا في 2020.م
-التعاون الاقتصادي بين ألمانيا وإسرائيل!
حرصت ألمانيا على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل طوال فترة حكم المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، لذا أصبحت ألمانيا ثاني أهم شريك تجاري بعد الولايات المتحدة لإسرائيل، بتصدير الغواصات والأسلحة وتوقيع اتفاقيات ومشاريع بحثية مشتركة، لاقتناع ألمانيا بأن إسرائيل بحاجة إلى هذا الدعم لمواجهة التهديد المحتمل من إيران والجماعات التابعة لها بالمنطقة، حتى دشنت ألمانيا في 2006م المجلس الاقتصادي الألماني- الإسرائيلي، لدفع العلاقات الاقتصادية وإزالة أي معوقات بين حركة التجارة البينية بين البلدين.
تأتي إسرائيل في مقدمة الشركاء التجاريين لألمانيا في منطقة الشرق الأوسط، في المجالات التقنية والتكنولوجيا والأمن السيبراني والبحث في العلوم الطبيعية والفيزياء. ووطدت شركات ألمانية مثل شركات “ميرك” و ” سيمنس” العلاقات مع شركات تكنولوجيا ناشئة إسرائيلية ووظفت موظفين إسرائيليين لديها، وفي الوقت نفسه تمتلك شركات ألمانية في مجال صناعة السيارات والاتصالات مثل “دايملر” و”فولكسفاغن” و”دويتشه تيليكوم” استثمارات ومراكز أبحاث تطوير مع شركات في إسرائيل.
بلغت الصادرات الألمانية إلى إسرائيل نحو (0,4%) من إجمالي الصادرات سنوياً، ووصلت الصادرات الإسرائيلية إلى ألمانيا (1,9) مليار دولار أمريكي في 2022م، وشمل التعاون بين البلدين مجالات التكنولوجيا الحيوية والصحة إضافة إلى الابتكارات الزراعية والطاقة.
في الفترة من أغسطس 2022م وحتى أغسطس 2023م، بلغت صادرات ألمانيا (408) مليون يورو لإسرائيل، وشملت سيارات وآلات كهربائية وقاطرات سكك حديدية، ووصلت الواردات من إسرائيل إلى (227) مليون يورو وشملت أجهزة إلكترونية ومنتجات كيميائية ومعدات طبية، وأصبح الميزان التجاري إيجابي بقيمة (181) مليون يورو.
رغم الحرب على غزة وانخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي لأقل مستوياته أمام الدولار الأمريكي، ومنح بعض الشركات الإسرائيلية آلاف الموظفين إجازة غير مدفوعة الأجر، إلا أن الشركات الألمانية مازالت تعمل داخل إسرائيل وسط ترقب لمصير التصعيد الراهن، نظرا لإدراك الدولتين أهمية الشراكة التجارية والاقتصادية بينهما، حيث أكد نائب المدير الإداري لغرفة الصناعة والتجارة الألمانية-الإسرائيلية "شارم ريكوير"، أن هناك مخاوف بين الشركات الألمانية في إسرائيل إزاء الأحداث الحالية خاصة في حالة اتساع رقعة الصراع وتدخل إيران فيه.
- التبادل التجاري مع إسرائيل!
بلغت قيمة التبادل التجاري (8.94) مليار دولار في 2022م، نظراً لطبيعة العلاقات الاستثنائية بين البلدين وتميز المنتجات المصنوعة في ألمانيا بجودة عالية، وامتلاك الشركات الألمانية الخبرة الكافية لدعم مشاريع البنية التحتية في إسرائيل.
وقعت ألمانيا وإسرائيل-هذا العام- في 29 سبتمبر 2023م، على اتفاق بقيمة (3.5) مليار دولار تشتري بموجبه الأولى منظومة الدفاع الصاروخية المتطورة “آرو3” المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، بعد أن حصلت إسرائيل على موافقة الولايات المتحدة كونها شريك في تطوير هذه المنظومة.
تعتبر الدولتان -ألمانيا وإسرائيل- هذه الصفقة نقلة نوعية في العلاقات التجارية بينهما، نظراً لأن هذا النظام يعد أحد أفضل أنظمة الدفاع الصاروخية، ويأتي في توقيت تطوير ألمانيا قدراتها العسكرية وسط تحديات سياسية وعسكرية في العالم. لم يتوقف التعاون بينهما حتى بعد اندلاع الحرب على غزة، وأعلنت الحكومة الألمانية في 9 نوفمبر 2023م، عن ارتفاع الموافقات الخاصة بتصدير الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل بنحو (10) مرات عن عام 2022م، ووصلت قيمتها (323) مليون دولار حتى 2 نوفمبر 2023م.
أكدت ألمانيا على أن طلبات تصدير الأسلحة لإسرائيل أصبحت أولوية لديها منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر م2023، رغم أن صادراتها من الأسلحة لإسرائيل بلغت (8.76) مليار يورو خلال الشهور التسعة الأولى في 2023م، وتتمثل في مكونات أنظمة الدفاع الجوي ومعدات الاتصالات.
- تأثر السياحة بسبب الحرب!
تسببت الحرب على غزة في خفض بنك إسرائيل المركزي توقعات نمو الاقتصاد إلى (2,3%) خلال 2023م، و (3,5%) في 2024م إذا استمر التصعيد في القطاع، خاصة في ظل انخفاض معدلات مبيعات تذاكر الطيران ما ينعكس على قطاعي السياحة والسفر. و
تم إلغاء (%187) من الرحلات المقررة لإسرائيل في الفترة من 7 وإلى 19 أكتوبر 2023م. وتراجعت رحلات الطيران من وإلى مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب بنسبة (80%) منذ بداية الحرب، وتهبط (100) رحلة يومياً بالمطار هذه الأيام مقارنة بـ (500) رحلة قبل الحرب. و
ألغت (50) شركة طيران عالمية من بينها شركات ألمانية رحلاتها من وإلى إسرائيل، ما أدى لتراجع حاد في السياحة ووصل (99) ألف سائح إلى إسرائيل في أكتوبر 2023م، بينما استقبلت إسرائيل (369) ألف سائح في أكتوبر 2022م
-عبء تقديم المساعدات إلى إسرائيل!
يأتي التصعيد بين إسرائيل وحماس، في توقيت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تداعيات الحرب الأوكرانية، ما يشكل ضغطاً على الاقتصاد الألماني كونه متضرراً بشكل كبير من تداعيات الصراع الروسي/الأوكراني.
فقد أشار وزير الدفاع الألماني "بوريس بيستوريوس" في 11 أكتوبر 2023م، إلى أن بلاده وإسرائيل يتفقان على أن الأخيرة ليست بحاجة لدعم عسكري بقدر احتياجها لدعم سياسي(!!!) الآن، مؤكداً أن المساعدات المالية والإنسانية قائمة في حال احتياج إسرائيل لها.
تترقب ألمانيا ركوداً ثانِ في 2023م، بتراجع الناتج المحلي الإجمالي (0,1%) قبل نهاية العام الجاري، لتراجع الإنتاج الصناعي الذي تسبب في تراجع الناتج المحلي في الربع الثالث في 2023م بنسبة (0,2%). وانخفضت التوقعات بشأن انتعاش الاقتصاد الألماني في 2023م و2024م، ومن المتوقع أن يشهد عام 2025م بداية التعافي في حالة إتمام إصلاحات هيكلية في الهجرة وأسعار الطاقة والبنية التحتية.
و
[(*)] في المقابل!!!
- التبادل التجاري بين ألمانيا وفلسطين!
وقعت ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي في 26 يناير 2022م منصة الاستثمار الفلسطينية بحضور ممثلي السلطة الفلسطينية، للاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والمشاريع البيئية في الضفة الغربية وغزة والقدس. وتعهدت ألمانيا في 23 مايو 2023م بتقديم (125) مليون يورو للسلطة الفلسطينية العامين المقبلين، لدعم مشروعات حيوية وقطاعي المياه والتعليم.
- مساعدات ألمانيا للفلسطينيين!
تعد ألمانيا ثالث أكبر مانح للفلسطينيين بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأكثر من (180) مليون يورو سنوياً لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). و
وقعت برلين مع الأونروا في 3 أغسطس 2023م.. (3) اتفاقيات بقيمة (28) مليون يورو لدعم لاجئي فلسطين.. رغم وقف ألمانيا في 9 أكتوبر 2023م مساعداتها للفلسطينيين بصورة مؤقتة، أعلنت في 20 أكتوبر عزمها لتقديم مساعدات بقيمة (50) مليون يورو للمدنيين في غزة. و
قررت في 7 نوفمبر 2023م الإفراج عن مساعدات بقيمة (71) مليون يورو للفلسطينيين، وتقديم (20) مليون يورو إضافية كتمويل جديد.
- مساهمات الاتحاد الأوروبي!
يعد الاتحاد الأوروبي من أكبر الجهات المانحة للفلسطينيين بحوالي (300) مليون يورو كمساعدات مالية وطبية واجتماعية ورواتب، بجانب دعم الأونروا بـ (100) مليون يورو. وأعلن عن حزمة مساعدات مالية في فبراير 2023م بقيمة (296) مليون يورو لعام 2023م لمواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية على أسعار الغذاء، وفي 15 أغسطس 2023م قدم الاتحاد الأوروبي (22) مليون يورو كمخصصات اجتماعية للأسر الفلسطينية.
على وقع هجوم حماس على إسرائيل، أعادت المفوضية الأوروبية مراجعة مشاريع التنمية المقدمة للفلسطينيين التي تصل إلى (691) مليون يورو، الأمر الذي عارضته وأيرلندا وإسبانيا ولوكسمبورغ، لتعلن المفوضية عدم تعليقها للمساعدات في الوقت الحالي مع ضمان عدم وصول تمويل التكتل الأوروبي لـ حماس.
تراجع التكتل الأوروبي في قرار وقف المساعدات للفلسطينيين، لتخوفه من تضرر الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالضفة الغربية من نقص المساعدات المالية والاجتماعية، ما ينعكس سلباً على إسرائيل ويؤجج من الأوضاع السياسية هناك ويصب في صالح حماس
- تقييم وقراءة مستقبلية!
- رغم أن حجم التعاون الاقتصادي بين ألمانيا وإسرائيل محدود في مجالات معينة، إلا أن اهتمام ألمانيا بتوطيد العلاقات التجارية انطلاقاً من توطيد العلاقات السياسية، يحمل على كاهل الاقتصاد الألماني بعض الأعباء الخاصة بتقديم مساعدات مالية وعسكرية في ظل استمرار الحرب على غزة، وتصدع الاقتصاد الإسرائيلي من تبعات الحرب التي تجاوزت الـ 50 يوماً.
- من المتوقع مطالبة إسرائيل لألمانيا الأيام المقبلة بمزيد من المساعدات المالية والعسكرية لطول أمد الحرب مع حماس، وإصرار إسرائيل على استمرار القصف البري والبحري والجوي على غزة، وفي المقابل تحرص ألمانيا على تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لإسرائيل تأكيداً على موقفها المساند لها، خاصةً بعد إعلان المستشار الألماني "أولاف شولتز" رفضه لوقف إطلاق النار في غزة بهدنة فورية أو طويلة المدة، منعاً لمنح حركة حماس الفرصة لامتلاك صواريخ جديدة.
- طبيعة المساعدات العسكرية والمالية المتوقع تقديمها لدعم القوات الإسرائيلية أو الشركات العاملة في تل أبيب، بعد أن تسببت الحرب في تضرر قطاع السياحة وانخفاض معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلي، ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الألماني الذي بات يعاني من حالة ركود غير مسبوقة منذ جائحة كورونا.
- في الوقت نفسه تفرض الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، على ألمانيا القيام بدورها في تقديم المساعدات للفلسطينيين، في ظل حصار إسرائيلي مطبق على غزة وتصاعد الممارسات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس.
- استمرار الحرب على غزة سينعكس على أمن الطاقة والغذاء في العالم، ما يشكل عبئاً على ألمانيا واقتصادها خاصة وأن ملفي الغذاء والطاقة بحاجة لإعادة هيكلة، لذا ينبغي أن تعيد الحكومة الألمانية النظر في سياساتها لتأمين حاجاتها من الطاقة وضبط أسعار الغذاء والسلع.
- ينبغي على الحكومة الألمانية مراجعة بنود الميزانية وأولويات الإنفاق، في ضوء الحرب الأوكرانية والتصعيد في غزة، خاصة وأن ألمانيا منحت الإنفاق العسكري أولوية كبيرة، بجانب مسألة الهجرة واللجوء المتوقع تفاقمهما الفترة المقبلة والتي تحتاج إلى مخصصات مالية ضخمة، لاستيعاب تداعياتها على ألمانيا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام.
.-. هذا حال آحدى دول الغرب -عضو الاتحاد الأوربي- مع الكيان الصهيوني!.. فما حال جميع الدول العربية أو ما تسمى بــ إسلامية معه!!!؟..
-*/*-
لذا ينبغي إعادة بحث العديد من القضايا والمسائل والملفات على ضوء الواقع المعاش الراهن وليس وفق التمنيات الوهمية الحالمة والأماني الوردية الزائفة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
( ملف من إعداد: الرَّمَادِيُّ
الأحد 14 جمادى الأول 1445هـ ~ 26 نوفمبر 2023م


الصندوق

يحلو لـ كثير من الساسة بكافة اتجاهاتهم الإيديولوجية وأحزابهم المبدئية أو الشكلية الصورية.. كما.. وأهل الأدب والفن والصحافة بكل أنواعهم التقليدية والإباحية؛ بل ومخترعو الموضة وصناع الأجهزة الحديثة.. يحلو لـ بعضهم استحداث مصطلح ما يُعرض في البرلمانات أو ينادى به في المحافل الأهلية أو الدولية؛ أو اختراع شعار ما أو توليد فكرة ما؛ كأحد وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية باقتراح إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة؛ ثم تعليق رئيس الوزراء "المزنوق" حضور هذا الوزير في إجتماع الوزارة اليوم..
و
يروق للبعض استخدام كلمة فكرة من "خارج الصندوق"؛ اي فكرة حديثة لم يسبق إليها أحد من قبل
ومن حيث المبدأ لا يوجد مشاحة في استحداث/ اختراع مصطلح جديد طالما مرتبط بحل مسألة ما أو تفكيك قضية بعينها..
وبما أن كاتب هذه السطور مِن مَن يعيشون[(*)] في الغرب وتمكنوا فــ تحصلوا على جنسية دولة من دول الإتحاد الأوروبي مع تنازل تام/مؤقت عن الجنسية الأصلية.. أو.. قبلت الدولة بوجودِ دائم أو مشروط وفق أوراق حكومية ثبوتية مع التمتع بكافة الخدمات التي تقدم لمواطنيها الأصليين مع عدم وجود أي تفرقة بين أحد في المعاملة واكتساب الحقوق المدنية ومزاولة كافة الأنشطة والفاعليات المسموح بها.. ويتمتعون بمناخ ديموقراطي حقيقي وليس مسمى زائف ويملكون وفقاً للدستور الأساسي للبلاد والقانون المعمول به وسطا كاملا لحرية التنقل ولديهم بيئة صالحة لإبداء الرأي والتعبير بالوسائل المسموح بها ما دام لا يوجد مانع قانوني.. كما ويسمح لهم في الاعتقاد بـ ما يشاءون كيفما يشاءون متى يشاءون والإنتقال من دين وعقيدة إلى عقيدة آخرى ودين جديد آخر؛ فـ حرية الاعتقاد والتدين والحرية الشخصية وحرية الراي والتعبير وحرية التملك قواعد اساسية في البناء ال ديموقراطي للدولة الحديثة.. وإنشاء أحزاب واتحادات وتجمعات تُشهر في الوزارة المعنية لتكوين مثل هذه التجمعات الخدمية والرعوية ورعاية مصالح وجلب منافع وتنظيم تفاعلات إيجابية مع الأحداث الداخلية واتخاذ مواقف مع / ضد قرارات الحكومة وجميع وزاراتها أو العمل على تنحي بعض أعضاءها أو إقالتها برمتها وطلب إنتخابات جديدة تأتي بمن يحقق مصالح ومنافع من يسكن ويعيش على هذه الأرض.. وحق أصيل في إبداء الرأي في تصرفات وأعمال المستشارية وأعضاء الحكومة ورئاسة الدولة والأحزاب العاملة والنشطة والساسة واللجوء إلى الانتخاب مبكرة لـ مَن يصلح لتمثيل مصالح ومنافع فئة من فئات شعب الدولة.. أو عموم الشعب
وبناءً على ما خوله الدستور الأساسي للدولة والقانون المعمول به في الدولة فــ من حق المواطن -مجرد مواطن واحد فقط يسكن تلك البقعة من الأرض- فيحق لكل مَن يرغب ويريد في :
- إبدء الرأي بصورة توافق الدستور ولا يعارض القانون بالطرق السلمية والمعمول بها والمسموح بها.. ولا يمنع إلا في حالة تهديد كيان الدولة الأساسي؛ وليست في مسألة متعلقة بإبداء صحيح الرأي ودقة التعبير إذ أن المنع ينبغي أن يكون مخالفة صريحة للدستور الأساسي والقانون مع مراعاة مصالح الدولة العليا في سياستها الخارجية ووفق المنظومة التي تنتمي إليها
- الضغط الفاعل المؤثر الإيجابي على رئاسة الدولة ~ ومكتب المستشار وأعضاء وزارات الحكومة المؤتلفة بغض الطرف عن اتجاهاتها السياسية ومواقفها الحزبية..
- العمل الجدي بـ الضغط الإيجابي على / في تغيير موقفها السياسي تجاه قضية ما؛ وذلك من خلال تشكيل وفد على مستوى عال يملك القدرة على الحديث بلغة الساسة ورعاية شؤون الدولة والبرهان الساطع لصحة ما يطالب به؛ وفقا للأعراف الدولية وحقوق الإنسان ورعاية حقيقة لما يطلق عليه حقوق أقلية(!) / أقليات(!) في كيان ما.. والتوضيح الكامل لمدى صحة أو دقة حياد الدولة أو الحكومة في المسائل العالمية أو القضايا الإقليمية أو الموضوعات المصيرية والتي يترتب عليها إجاعة أو تدمير أو قتل
- الضغط الإيجابي بصور عدة وأشكال شتى من خلال التجمعات المسموح العمل لها على ارض الدولة
- لـ حسن إدارة ذلك الضغط الإيجابي يصلح إيجاد منسق مرموق على قدر عال من الوعي السياسي والحنكة في إدارة النقاش وإصرار على تحقيق هدف؛ مع العلم -آسفا أو لحسن الحظ والطالع- بوجود ما يسمى بالمجلس التنسيقي(!)(؟)
- الجاليات(**) العربية أو الإسلامية وافراد جماعات وأحزاب إسلامية منبوذة في بلادها الأصلية وارغموا على مغادرة بلادهم والخروج من أوطانهم ينبغي ويصلح لهم أن يتحركوا بشكل فاعل آخر ومؤثر غير الحالي؛ فـ تنظيم مظاهرة لإبداء الرأي وتبيان التعبير لا يكفيان حين يكون هناك تشريد وتدمير وإجاعة وقتل بالجملة : أطفال ونساء وعجائز : إبادة جماعية وقصف مستشفيات وتدمير البنى التحتية لكيان إنسان مدني
- المسيرة أو المظاهرة وعند بدايتها ترفع المطالب للجهات المعنية سواء دولية أو حكومية.. ولا تنتهي المسيرة أو المظاهرة إلا عند البت في تلك المطالب.. بقبولها أو رفضها؛ وبناء على رد الفعل من الدولة أو الحكومة تتخذ إجراءات آخرى جديدة جدية تناسب الرد من الجهة المعنية.. إذ لا تتناسب مسيرة على الأقدام لـ سويعات بما يقابلها على أرض الواقع وما يحدث من قتل وإبادة جماعية في مناطق عدة!.. ولعل غياب أو ضعف التواجد الحي المؤثر داخل الأحزاب السياسية ووجود مَن يمثل ذلك القطاع في جهاز الدولة أو الجهات المعنية كمراقب يسمع لقوله وما يبديه من رأي ساعد على وجود وتعميق تلك الفجوة أو برودة تلك الجفوة بين مئات بل آلاف مِن مَن تواجد بصفة دائمة وصار مواطن له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات وبين أجهزة الدولة.. أي غياب ما يسمى بالوعي السياسي
لذا
- ما يواجهه الكاتب أن الإقتراحات -وما أكثرها- ولكن جدوى تلك المقترحات وتفعيلها على أرض الواقع هو الأهم.. لذا بجانب وجود منسق لا بد من مكتب إدارة عمليات الضغط الإيجابي.. وتتبعها وملاحقاتها إذ يصلح لمن يعيش على تراب الإتحاد الأوربي أن يتنقل إلى بقية دول أعضاء الإتحاد بمؤسساته الرسمية!.. إذا عُلم أن أكثر من 50 مليون - غالبيتهم يحملون جنسية الدولة التي يقيمون بها والبعض الآخر يحمل أوراق ثبوتية تصلح للبقاء - 50 مليون يعيشون في دول الاتحاد الأورُبي
- إلزام أطراف معينة بتحقيق تلك المطالب! والتشهير بالتواطؤ في القتل والإبادة عند الرفض أو التخاذل
- العمل على إيجاد مبادرات مناسبة شعبية لكسب تعاطف ومِن ثم تأييد من افراد الشعب؛ وخاصة من كافة الفئات والتخصصات!
.. وللحديث بقية!
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــ

ـ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُّ
[(*)] ﴿ نَزِيلُ فيينا على الدانوب الأزرق~جمهورية النمسا الاتحادية~الاتحاد الأوروبي ﴾
حُرِّرَ عام ١٤٤٥ الهلالي الْهِجْرِيَّ؛ الأحد 22 ربيع الثاني ~ الموافق: 05 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -
(**) عاد الكاتب لـ استخدام مصطلح الجالية مع رفضه في استعمال هذا اللفظ.. بيد أن واقع تلك التجمعات أنها طردت من بلادها الأصلية بفعل الحرب أو الملاحقة أو التعرض للسجن أو القتل أو التصفية الجسدية!.. ومعلوم عند الجميع مَن هم افراد تلك الجاليات!


جذور القضية

إنها واحدةٌ من العديد مِن القضايا المصيرية والمسائل الشائڪة.. والتي لم تتمڪن الأمة(*) الإسلامية بـ تعدادها وهو ما يزيد عن مليار و 800 مليون فرد مِن بحثها بشڪل جديّ وحلها وفق الشرع الإسلامي..
واڪثر مما يزيد عن 50 (*) مليون خارج أوطانهم..
ڪما.. ولم تتمڪن الأمة(*) العربية بـ 468,04 مليون(**) فرد من سڪانها مِن تطبيق حل إقامة دولتين بصورة فعلية.. حلٌ لم يرضَّ عنه البعض وقبله آخرون..
وهي واحدة من الڪثير من الملفات الساخنة بل والمشتعلة العالقة و.. تلك الملفات الملتهبة التي وضعت أمام المسلمين والعرب سواء في المناطق الآهلة بالمسلمين أو في بلاد غربتهم وأماكن إغترابهم؛ ملفٌ مشتعل وقضية مصيرية وموضوع شائك وضعَ منذ زمن طويل على طاولة الدراسة والبحث وإيجاد حلول له ولغيره من الملفات.. ولم يحل وهي بالتحدي الأن :
- القضية الفلسطينية.. و
- الملف الفلسطيني..
- مسألة المهجرين .. الحديث عن :
- أرض القدس الشريف.. أولى القبلتين وثالث الحرمين(!)..
- أرض الإسراء و
- أرض المعراج
فــ قد سال على ترابها الطاهر دماء ذكية نقية آبية.. وصرفت عليها أموال طائلة.. ولم تُحل بعد..
.. ڪما تم تغيير المسمىٰ الجغرافي لمنطقة بأكملها فأطلق عليها منطقة : « „ الشرق الأوسط ” » ؛ فـ درج استعماله في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي العربي بشڪلٍ غريب وعجيب، خاصةً منذ بدايات ستينات القرن العشرين، وبشڪل أڪثر دراميّة بعد ڪارثة حرب الأيّام الستة سنة 1967. تلك الڪارثة التي ڪانت نقطة تحوّل خطيرة، قلبت الڪثير من الأوضاع والمفاهيم، وزادت من تفاقم حالة إرتهان العالم العربي للإستراتيجية الأميرڪية المتصهينة.
درجَ هذا المصطلح في الثقافة العربية المعاصرة في سياقات شتّىٰ، وتبنّاه أهل البلاد وڪأنّه اسمٌ طبيعيٌّ أصليّ من صياغتهم، مع أنّه في الواقع اسمٌ مستورَد، بل هو مفروض من خارج المنطقة وهو مسمىٰ خبيث أُخترع اختراعا لقصد خبيث مثله؛ ليغيب فيذوب مع الزمن جسم غريب(!؟).. افراده جُمعت من شتات الأرض وبقاع العالم ليسڪنوا أرض ليست لهم ثم يتملڪوها بالإجبار والقهر والتشريد والتهجير.. فقد اعطىٰ مَن(***) ليس له حق التملك لمن لا يستحق.. فـ وعد مَن لا يملك أن يعطي الحق لمن لا يستحق .. واستطاع مَن لا يملك ومَن لا يستحق أن يسلبا وينهبا حق مَن يملك ومَن يستحق، حيث ڪان هذا الوعد المشئوم بمثابة الحجر الأساسي لبناء الڪيان الصهيوني علىٰ أرض الأنبياء.. أرض فلسطين..
وهذه القضية تقع علىٰ رأس تلك القضايا وقمة هاتيك الملفات.. وأعلىٰ سلم القضايا المصيرية والتي يتخذ حيالها إجراء الحياة والموت(****)
القضية الفلسطينية.. والبعد الديني :
:" البعد الديني لـ فلسطين مغريًا لليهود ليُقدِّموها على غيرها " :
وهذا ما جعل ڪاتب هذه السطور يبدء هذه السلسلة من المقالات بـ قضية الإيمان ومسألة العقيدة وموضوع الإيقان.. فقد اجتهد اليهود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في تجميع أنفسهم من الشتات العالمي بغية إقامة وطنٍ قوميٍّ لهم، وڪانت أمام زعمائهم اختياراتٌ ڪثيرة؛
مثل :
- الأرجنتين،
و
- أوغندا،
و
- قبرص،
و
- سيناء، مع الخيار الأهمِّ مطلقًا وهو:
- فلسطين(*****)...
فــ بدايات السيطرة الصهيونية علىٰ الأرض في فلسطين يمڪن أن تؤرخ مِن الفترة 1876 - 1909.. وهي المرحلة التي بدأت فيها طلائع الصهاينة بالهجرة إلى ٰفلسطين وبداية تأسيس المستعمرات بشڪل منظم.
وما يغيب عند الڪثير منا.. وڪاتب هذه السطور يبدء بنفسه :
- توثيق المصدر.. وصحة المرجع وسلامتهما دون تزوير لحقائق التاريخ.. أو الڪتابة لصالح فريق معين إذا وجد صراع بين فريقين.. هذا أولاً.. وثانياً:
توفر :
- المعلومات الصحيحة الموثقة عن ما يتحدث عنه المرء مِن باب التحقيق والتدقيق.. وليس فقط مجرد النقل دون الاعتماد علىٰ عدة مصادر توثق الحديث أو تؤڪد القول!
وبناء علىٰ غيابهما-المعلومة والمصدر- ..
- يغيب الوعي السياسي الصحيح عن القضية المراد بحثها والڪتابة عنها أو عرضها..
ثم تأتي قضية لها أولوية عظمىٰ عند أهل الحراك الإسلامي ألا وهي :
- البناء الفڪري المبدئي الأَوْلِي.. وهذا البناء عقائدي وتڪتيڪي.. أو البناء المبدئي.. إذ ينبثق مِن مجموعة الأفڪار الأَوَّلِية السليمة والقيم الرفيعة الصحيحة والمفاهيم العالية الدقيقة والقناعات السليمة الموثقة والمقاييس الحقيقية.. وهذه بمجموعها وبتفصيلها عند المسلم تأتي مِن المصدر الأول :
- القرآن الڪريم يصاحبه تفسير وتأويل وڪشف وبيان وإنزال عملي تطبيقي علىٰ واقع يتناسب مع العصر الذي يعيش فيه صاحب القضية أو باحث وفقيه المسألة.. يُقرن هذا المصدر الأول - وهو ڪله قطعي الثبوت؛ ومنه قطعي / وبعضه ظني الدلالة.. يقترن بـ المصدر العملي الثاني : وهو :
- السنة الرسولية بمجموعها أو السيرة المحمدية النبوية بتفصيلاتها..
ثم تتبقىٰ :
- ما نقلته الصحابة إما فهماً من سنة النبي أو استنباطاً وأقوالهم وافعالهم و
- بحوث ڪبار العلماء ورجال الفقه ومَن اسس المذاهب المعتبرة...
- ثم تأتي الخطة التطبيقية العملية أو ما يسمىٰ إصطلاحاً بـ الاستراتيجية والتڪتيك!.. وهذه ينبغي أن تڪون موافقة لڪل ما سبق، وأن تڪون متڪاملة ڪعقد فريد تتوسطه ياقوتة يتيمة وليس فقط حبة لؤلؤ وسط أمواج بحر هائج.. ڪما يلاحظ!
الواقع المنظور هو غياب هذا التصور الذهني عند أهل الحرڪة في الساحة.. ناهيك عند العامة
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
[(1)] الـ قضايا الـ مَصِيرية- ڪـ قضية فلسطين-.
[(2)] القضية الفلسطينية : (جذور القضية) .
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(*) فهماً من حديث صحيح : - يُوشِكُ أن تَدَاعَىٰ عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَىٰ الْأَكَلَةُ إلىٰ قَصْعَتِها، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ،[( بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ،)] ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم [(وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ)] ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم [(ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم)] ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ".[( فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ)] . رواهما : ثوبان مولىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الحديث :صحيح... قلت(الرَّمَادِيُّ) الرواياتان جاءتا من طريق ثوبان مولىٰ الرسول؛ وما بين الاقواس من الرواية الثانية.. لذا اعتمدها لتوضيح النص النبوي الشريف!"..
(**) وفق إحصاء سكان العالم لسنة 2022م : [(ترتيب الدول العربية من حيث عدد السكان - المشهد (almashhad.com))]. 24 يوليو 2023م .
(***) وعد وزير الخارجية البريطاني . سأبحثه في المقال القادم!
(****) عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قُتِلَ دُون مَالِهِ فهو شَهيدٌ، ومن قُتِلَ دُون أهْلِهِ، أو دُونَ دَمِهِ، أو دُون دِيْنِهِ فهو شَهيدٌ». [صحيح؛ رواه أبوداود والترمذي والنسائي وأحمد].
(*****)Kanj, Jamal Krayem: Children of Catastrophe: Journey from a Palestinian Refugee Camp to America, Garnet Publishing Ltd, Southern Court, UK, 2010., p. xiv..
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ-)
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ الهلالية الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ‏‏الخميس‏، 19‏ ربيع الثاني‏، 1445هــ ~ 30 أكتوبر‏الخميس‏، 02‏ تشرين الثاني‏، 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام


يوم مشئوم

حينما صدر (وعد بلفـور)، سماه الصهاينة (الميثاق أو البراءة).
وحينما صدر (وعد بلفـور)، سماه الصهاينة (الميثاق أو البراءة). ڪما في حياة الأشخاص وأيام الأفراد تأتي أوقات عصيبة علىٰ حياة الأمم وأزمنة الشعوب وفي سير الدول؛ وقد يحلو للبعض وصفها بأوصاف تتناسب مع الحدث الأليم والموقف الصعيب.. والقرآن الكريم كلام رب العالمين استخدو وصفا مناسبا لما يحدث للبشر بقوله : ....﴿إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ﴾ ولم تعرف بالألف واللام فتصبح كل مصيبة..ثم يربيهم و يعلمهم ماذا يقولون إثناء هذه الحادثة وبعدها : ﴿قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون﴾ ويسبق هذا الحدث الأليم بالإتيان بأحداث آخرىٰ مؤلمة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ ثم لا يتركهم هذا بل ينبه تنبيها واضحا بالقول ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين ﴾.. ثم تأتي بشارة آخرى : ﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾ .. ثم يأتي في موضع آخر فيصف حالة الموت والتي حتما ستصيب كل حي فيقول: ﴿مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾
..وإن ڪان ڪل ما يحدث يتم بقضاء الله -تعالىٰ- وقدر الخالق -سبحانه- وبعلمه وإرادته؛ إلا أنه جاءت أوصاف ونعوت توافق صعوبة الحدث أو تصف بشاعته؛ وإن تمت تصرفات من قِبل افراد البشر ولڪنها تمت بمحض إرادته ووفق مشيئته فلم يجبر على فعلها أو إرتكابها.. لذا سيتحمل نتائجها.. فمن يشرب كأساً مِن النبيذ المعتق المحرم وفق شريعته.ز احتساه بڪامل إرادته دون إجبار؛ وڪان بمڪانه قبل تجرعه أن يشرب ڪوباً مِن ماء الفرات أو النيل الفضي او الأبيض أو الدانوب الأزرق أو عصير العنب قبل تخمره.. لذا إذا بلغ حالة السُكر أو ظهرت رائحة الخمر من فمه فسيقام عليه حد شرب المُسڪر.. إن وجد في مڪان ما حاڪم يطبق الشريعة أو ينتظر عقابه في الآخرة..
ومن أيام الشؤم مثل ذلك اليوم : 02 نوفمبر!..
... في الثاني من شهر تشرين الثاني / نوفمبر الجاري مرت الذڪرىٰ الـ 106، علىٰ صدور (وعد بلفور) ـ أهم الوثائق الصهيونية ـ وقد أخذ الوعد الذي أُعد بصيغته النهائية في 31 تشرين الأول/ أڪتوبر عام (1917م)، علىٰ شڪل رسالة بعث بها اللورد "آرثر جيمس بلفور" في 2 كانون الثاني / نوفمبر (1917م) إلىٰ اللورد "إدموند دي روتشيلد" أحد زعماء الحرڪة الصهيونية، ونشر في الصحف البريطانية صباح يوم (23 من المحرم 1336هـ / الموافق: 8 من ڪانون الثاني/ نوفمبر من نفس العام)، وهـو العـدد نفسه الذي نُشرت فيه أنباء اندلاع الثورة البلشفية، وقامت طائرات الحلفاء بإلقاء آلاف النسخ من (وعد بلفور، وأنباء صدوره) علىٰ يهود روسيا القيصرية وبولندا وألمانيا والنمسا...
ويعد صاحب الوثيقة اللورد "آرثر جيمس بلفور"، من (الصهاينة غير اليهود)، ومع أن الوعد صدر من بريطانيا، إلا أن صياغته وصدوره ڪان جهداً بريطانياً أمريڪياً مشترڪاً.
أما الفائدة الڪبرىٰ من إصداره، فهي تأسيس دولة وظيفية في فلسطين تُوظَّف في إطارها المادة البشرية اليهودية في خدمة الاستعمار الغربي. وقد ڪان الدافع الحقيقي لهذا الوعد هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي في بقعة مهمة جغرافياً لحماية مصالحها الاسـتعمارية، وخصـوصاً في قناة السـويس ولحماية الطريق إلىٰ الهند. وحينما صدر (وعد بلفـور)، سماه الصهاينة (الميثاق أو البراءة).
وقد ڪانوا، في ذلك، أڪثر دقة من ڪثير من العرب ومؤرخي الصهيونية، فوعد بلفور كان الميثاق الذي يشبه البراءات التي أُعطيَت لبعض الشركات الغربية في أعقاب تقسيم أفريقيا في مؤتمر برلين. وقد أصدرت بريطانيا البراءة بعد التفاوض مع الحلفاء، ووافقت عليه مسبقاً كلٌّ من فرنسا وإيطاليا، ثم أيَّدته الولايات المتحدة الأمريكية ، وعليه يعد هذا الوعد وعداً غربياً ، وليس وعداً إنجليزياً ، كما هو شائع ، وقد سعت الدول الاستعمارية العظمى منذ تأسيس الكيان اليهودي الصهيوني ، أن يتم توظيفه في خدمة المصالح الإمبريالية الغربية كافة.
...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الثاني من نوفمبر عام 1917م ذلك اليوم الأسود في تاريخ فلسطين، حيث ابرم وعد جاحف ظالم لا يمت بالأخلاقيات أو الإنسانية أو تاريخ العدل والبشرية بأي صلة (وعد بلفور ) الذي ڪان بمثابة خنجر مسموم طعن قلب فلسطين وقلب العروبة .حيث وعد من لا يملك أن يعطي الحق لمن لا يستحق واستطاع من لا يملك ومن لا يستحق أن يسلباه وينهبا حق من يملك ومن يستحق، حيث ڪان هذا الوعد المشئوم بمثابة الحجر الأساسي لبناء الڪيان الصهيوني علىٰ أرض فلسطين، حيث أن الفڪرة الصهيونية الهادفة إلىٰ بناء ڪيان وطن قومي لليهود علىٰ ارض فلسطين فڪرة قديمة الأمد ڪما بين التاريخ أن لليهود جولات وصولات في فلسطين عبر حقب التاريخ الغابرة والمختلفة ولڪنها ڪانت تؤول للفشل دائماً .
لمحة تاريخية
من يقرأ التاريخ يجد بين طياته البدايات الأولىٰ لفڪرة إنشاء وطن خاص لليهود، يجمع شتاتهم وفلولهم ليڪون حارساً علىٰ مصالح دول أوروبا وأمريڪا ( الاستعمارية ) في الشرق الأوسط(!؟) والأدنىٰ إلىٰ ما قبل الحملة الفرنسية علىٰ مِصر [(1798/ 1801)] حيث وضحت بصورة جلية من بين سطور خطاب قائد الحملة " نابليون بونابرت "[(*)] الذي وجههم إلىٰ يهود الشرق ليڪونوا عوناً ودعائم يرتڪز عليها في بسط سيطرته علىٰ هذه البلاد .
ولقد أثارت هذه الدعوة تأييد وتحفيز من قبل اليهود مما دفع المفڪر اليهودي "موسىٰ هس " قائلا : أن فرنسا لا تتمنىٰ ولا ترغب أڪثر من أن ترىٰ طريق الهند أو الصين وقد سڪنها شعب علىٰ أهبة الاستعداد لان يتبع المستعمر حتىٰ الموت ، فهل هناك أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض ؟ .
لقد ظهرت الحرڪة الصهيونية علىٰ ارض الواقع ودخلت ميدان السياسة العملية مع نهايات القرن التاسع عشر تحديداً عام [(1879م / 1314هـ)] عندما دعا الزعيم الصهيوني " ثيودر هرتزل " لعقد المؤتمر اليهودي في مدينة " بال بـ سويسرا " للعمل علىٰ تحقيق فڪرة الصهيونية الرامية لعودة اليهود لفلسطين وتأسيس مملڪة يهودية فيها، وقد تمخض عن المؤتمر تأسيس الجمعية الصهيونية وانتخاب "هرتزل" رئيسا لها وبحضور ممثلي اليهودية العالمية بحث أمر إنشاء وطن يهودي في شمال إفريقيا في " أوغندا " ثم " العريش " ولڪن أعضاء المؤتمر اعترضوا ورفضوا ذلك واجمعوا علىٰ إن اليهود لا يجتمعون إلا حول الهيڪل اليهودي في القدس أي " فلسطين " التي ڪانت جزءاً من الخلافة العثمانية حين ذاك .
فقرر " هرتزل " مقابلة السلطان العثماني " عبدالحميد الثاني " للحصول علىٰ وعد منه للاستيطان في فلسطين لأنه صاحب السيادة عليها، فتمت المقابلة بينهما في " استانبول "، حيث حاول إغرائه ورشوته بمبلغ 50 مليون جنيه ذهب، ولڪن السلطان "عبدالحميد"رفض ذلك العرض رفضا باتا، معللا أنه لا يقدر إن يبيع قدما واحدا من البلاد لأنها ليست له بل لشعبه؛ وليحتفظ اليهود بملاينهم، ثم قال :" وأنهم لو بتروا معصمي أهون عليَّ من أن يأخذوا فلسطين" .فاتخذ السلطان بعد ذلك الوسائل المتعددة لمنع اليهود من الهجرة إلىٰ فلسطين، حيث وضع قانون (الجواز الأحمر) لڪل يهودي يدخل فلسطين للسياحة أو للزيارة، ومنع تملڪهم الأراضي.. مما آثار حقد اليهود .
فــ
شرعت منظماتهم مع الدول الاستعمارية علىٰ مناوأته شخصياً وعلىٰ تهديد ڪيان الدولة العثمانية[(مع ضعفها أقتصديا؛ وهزالها سياسيا عالمياً.. فسميت بدولة الرجل المريض)]..
فــ
اتخذوا من مدينة " سيلانيك " الوڪر الرئيسي لدسائسهم ومآمراتهم، حيث يوجد أوفر عدد من اليهود في ترڪيا وخاصة يهود الدونمة واستطاع اليهود بتعاونهم مع الاستعمار الأجنبي أن يقضوا علىٰ السلطان " عبدالحميد " حيث قام " مصطفى كمال (أتاتورك) " بانقلاب عام 1908م ونجح اليهود وقتئذ أن يڪونوا لأنفسهم جالية صغيرة في فلسطين..
وقد
وجدت السياسة البريطانية في هذه الجالية بؤرة صالحة للجاسوسية علىٰ الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولىٰ 1914م , فتبهت الدولة لذلك، وقامت بنفي عدد من يهود فلسطين وأعدمت بعضَ من ثبت عليهم التجسس .وقبل أن يتضح مجرىٰ الحرب وتضع أوزارها، عرض بعض زعماء اليهود علىٰ قيصر ألمانيا " غليوم الثاني " أن يتوسط لدىٰ الدولة العثمانية لنيل موافقتها علىٰ إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، فانتهز القيصر زيارة الصدر الأعظم " طلعت باشا " لبرلين عام 1916م وعرض عليه المشروع، ولما عاد طلعت إلىٰ استانبول دعا نواب القدس في مجلس ( المبعوثان ) -أي النواب حالياً- ولأخذ رأيهم في ذلك.. فرفضوه بالإجماع .ولڪن ذلك لم يحبط اليهود ولم يوقفهم، فواصلوا مساعيهم وبدءوا ينشرون فڪرتهم علىٰ نطاق واسع في أوروبا، فوجدت الفڪرة صدىًٰ وحدث تجاوبَ لها في الغرب لدىٰ عدد من الساسة والزعماء، وڪان " آرثر بلفور " وزير الخارجية البريطاني، من أڪثر المتحمسين لها، حيث ڪان معروفاً بتأثره بالفڪر الصهيوني
.فــ نشط الصهيونيون في التقرب من بريطانيا وجاهدوا يؤڪدون لهم قدرتهم علىٰ تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ علىٰ مصالحها ..
وبذلك بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسة لفڪرة الوطن اليهودي وترڪزت في البداية علىٰ مفهوم إيجاد مأوىٰ للمضطهدين مِن اليهود المهاجرين، ولڪن الطرف الصهيوني عارض هذا الاقتراح..
واستقروا في نهاية الأمر علىٰ مشروع الوطن القومي، وقُبلت هذه الفڪرة بحماسة وترحاب لدىٰ مجلس ممثلي اليهود البريطانيين، ومنهم " حاييم وايزمان " و"نحوم سوڪولوف "
.حاول "وايزمان " إظهار بدعة سياسية ونشاط دءوب في إقناع ساسة الحلفاء بوجهة نظر الصهيونيين ، ليدفع بريطانيا إلىٰ وضع فڪرة الوعد حيز التنفيذ، فقدمت بريطانيا بتڪليف من الحلفاء علىٰ تلك الخطوة الشنيعة فـ صدرت وعداً وهو تصريح وزير خارجيتها اللورد" آرثر بلفور " بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، بـ هيئة رسالة موجهة إلىٰ اللورد " إدموند دي روتشيلد " رئيس المنظمة الصهيونية الأمريڪية آنذاك .وڪان حصول اليهود علىٰ هذا الوعد علىٰ شرط تعهد قطعوه علىٰ أنفسهم بان يخدموا الدولة البريطانية وسياستها ومصالحها وان يبذلوا أقصىٰ جهودهم لفوزها في الحرب .
الأسباب التي دعت إلىٰ إصدار الوعد : -
يوجد عدة أسباب دفعت بريطانيا لإبرام ذلك الوعد منها أسباب جوهرية ومنها أسباب ثانوية .
الأسباب الثانوية الوهمية
1. ) اعتراف بريطانيا وتقديرها لخدمات الباحث " حاييم وايزمان " حيث قام باڪتشاف ( الأسيتون الاصطناعي ) الحيوي جداً في مراحل الحرب، حيث يستخدم ڪوقود للصواريخ، حيث قابل "لويد جورج " رئيس وزراء بريطانيا آنذاك " وايزمان " وسأله : بماذا يستطيع أن يڪافئه ؟
فــ أجابه اصنع شيئا لشعبي، فتأثر أساطين الإمبراطورية البريطانية، فاصدر الوعد .
2. ) دافع إنساني ذو إحساس مرهف روجه ( بلفور ) بنفسه زاعماً إن اليهود تعرضوا في أوروبا للطغيان والتعذيب، فڪان الوعد تڪفيراً عن الجرائم التي ارتڪبتها أوروبا بحقهم وذلك ما صرح به في خطاب إمام مجلس اللوردات .
الأسباب الجوهرية الأولية :1.) اخذ بريطانيا بعين الاعتبار مدىٰ إمڪانية استخدام الوجود الصهيوني لمواجهة حرڪة التحرر القومية العربية التي ڪان قد تبلورت بوضع جذورها بين الجماهير العربية في سوريا والعراق ، حيث دعا إلىٰ مناداة الأمير " فيصل بن الحسين " ملڪاُ على سوريا بتاريخ 18 مارس 1920م، فسارعت الدول الغربية إلىٰ فرض الانتداب الفرنسي علىٰ بلاد الشام وتحرڪت فرنسا لاحتلال سوريا، حيث قتلت وزير الدفاع " يوسف العظمة " في معركة مسيلون ( 14/7/1920م)، وسقطت الحكومة العربية في دمشق وغادرها فيصل .
2. ) العمل علىٰ إقامة دولة محالفة لبريطانيا في الشرق، ( دولة إسرائيل) حيث يتم الدفاع عن حقها في تملك قناة السويس والمحافظة عليها بأفضل وجه وذلك ما أڪده ( مكسر نورد ) في خطاب له في احتفال جرىٰ في ( ألبرت هول ) عام 1919م بحضور الامبرياليين مثل " لويس جورج وآرثر بلفور " حيث قال انتم تريدون أن نڪون حرس قناة السويس، وان نڪون حراس طريقكم إلىٰ الهند عبر الشرق الأدنىٰ، ونحن نريد ذلك وعلى استعداد لان نقوم بالخدمة العسڪرية ولڪن من الضروري تمڪيننا من إن نصبح قوى عتيدة حتىٰ نتمڪن من القيام بهذه المهمة .
3. ) تفويت الفرصة علىٰ الليبرالية الألمانية لڪسب الصهيونية والاستفادة من تأييد يمڪن جذبه من اليهود لصالح قضية الحلفاء، مما يؤڪد ذلك قيام اليهود الالمانين بأعظم ادوار التخريب والدعاية الهدامة في ألمانيا في أواخر سني الحرب العالمية وعملوا علىٰ هدمها قدر الإمڪان، وهذا هو السبب الرئيسي لحملة (أدولف هتلر) زعيم الحزب النازي الالمانى، علىٰ اليهود وعدائه الشديد لهم، لأنهم السبب فى نڪبة ألمانيا وخسارتها للحرب، مع أنها ڪانت منتصرة من الوجهة العسڪرية، فاضطرت ألمانيا إلىٰ إنهاء الحرب باتفاقية فرساي في 1916م، تحت شروط مجحفة حيث أن الويل للمهزوم.
4. ) محاولة جذب اليهود واسترضائهم وخاصة اليهود في الولايات المتحدة للعمل علىٰ جذبهم لصالح الحلفاء وخدمة مصالحها خاصة في حالة الحرب، حيث تم جذب الولايات المتحدة إلىٰ ارض المعرڪة فعليا، وذلك ما يؤڪده قول"حاييم ويزمن" نفسه : أن محاولة ڪسب يهود أمريڪا ليبذلوا جهودا في إقناع الولايات المتحدة بالوقوف إلىٰ جانب الحلفاء وڪان عاملا جوهريا في إصدار الوعد.
5. ) اخذت بريطانيا في عين الاعتبار أهمية العامل الصهيوني في التنافس (الانجلو – فرنسي.. فالصهيونية في فلسطين تعتبر فرصة جيدة لمواجهة اى محاولة توطيد وجود فرنسي في سوريا، وذلك ما أڪده "ڪريستوفر سايڪس" حيث اڪتسب ذلك الاعتبار أهمية خالصة بعد الحرب ,حين أصبح الحلفاء في وضع يمڪنهم من تحقيق اتفاقيات -توزيع الغنائم المتبقية من الإمبراطورية(!؟) العثمانية المنهارة .
6. ) اعتبار خطوة مؤيدة الصهيونية والتعاطف معهم خطوة ناجحة لإبعاد اليهود الروس عن البلاشفة، وخاصة عند اشتداد الحاجة إلىٰ مقاومة الشيوعية والاتحاد السوفيتي -سابقا- بوجه عام، وذلك ما يؤڪده قيام الطائرات بتوزيع ألاف النسخ من الوعد علىٰ يهود روسيا القيصرية وبوليفيا وألمانيا والنمسا والمجر
7. ) محاولة بريطانيا جذب الجانب الصهيوني لها بأي طريفة ما، وذلك لما يمڪن أن يعود عليها من العائد المالي والفائدة الاقتصادية، ولا سيما أن "عائلة روتشيلد" أسرة اللورد روتشيلد، التي تتمتع بمڪانة اقتصادية وذات ثراء فاحش، حيث وفرت قرضا ڪبيرا للحڪومة البريطانية وذلك لشراء أسهم في قناة السويس عندما عرضها حاڪم مصر "الخديوي إسماعيل" للبيع، وبهذا أصبحت بريطانيا صاحبة اڪبر حصة من أسهم القناة، ولذلك تم إعطاء الوعد من جانب "بلفور" إلىٰ "روتشيلد ڪإرضاء لخاطره وجذبا له.
...
الواضح إن العامل المقرر في النهاية هو المصلحة الامبريالية البريطانية، و العمل بقاعدة : "فرق تسد".. أي مجابهة اليهود بغير اليهود .. العرب.
ردود الفعل المختلفة علىٰ إعلان الوعد :
لقد قامت الصحف البريطانية البرجوازية صباح يوم 8 نوفمبر 1917م بنشر الوعد والذي ڪان نصه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وزارة الخارجية:
في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد!
يسرني جدا أن أبلغڪم بالنيابةعن حڪومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي علىٰ العطف علىٰ أماني اليهود والصهيونية،وقد عرض علىٰ الوزارة وأقرته:
« „ إن حڪومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلىٰ تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، علىٰ أن يفهم جليا أنه لن يؤتىٰ بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرىٰ..
وسأڪون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح ” »
المخلص
اللورد آرثر جيمس بلفور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه القضية متشعبة المسائل وڪثيرة الملفات وتحوي العديد من الموضوعات.. إذا تيسر الأمر برعايته سبحانه ستنشر !
ملف من إعداد:
محمد الرمادي

ـ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *.
‏02‏/11‏/2023‏ 05:04:34 م
[(*)] وعد الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت بإنشاء دولة لليهود في فلسطين، حيث دعاهم (لإعادة بناء الهيكل باعتبارهم ورثة إسرائيل الشرعيين!)، وقد جاءت هذه الدعوة في شهر آذار/مارس من عام (1799م) أي قبل أكثر من قرنين من الزمن


تَمْهِيدٌ لــ قضية مصير
القضية الفلسطينية

تَمْهِيدٌ لــ قضية الإيمان
الـ قضايا الـ مَصِيرية- ڪـ قضية فلسطين- تتطلب إيماناً عميقاً بها يتناسب مع الإجراء الحقيقي الذي سيتخذه المرء منا حيالها؛ وليست تصرفات تنفيسية ومواقف مشاعرية أو مزايدات إعلامية أو رسائل من خلال منصات التواصل الإجتماعي..
وهذا الإجراء ينبغي أن يڪون جذرياً وليس مجرد موقف ينتهي بإنتهاء زمنه.. ورد فعل لحدث ما..
وتاريخ الأمة الإسلامية بأسرها يثبت وجود رجال تملڪهم الإيمان العميق فحُلت القضية المصيرية بالطريقة الإسلامية الشرعية !..
لذا استلزم الأمر بحث المسألة من بدايتها.:
قضيةُ الإيمان.. وما يبنىٰ عليها مِن بحوث ومسائل العقيدة.. فتتفق ڪافة الأقوال والأعمال والتصرفات مع هذا الإيمان.. المنبثق وفق وجهة نظر معينة تحوي افڪاراً عن الحياة والڪون والإنسان.. أو ما يسمىٰ مبدأ أساسي.. ينبغي أن يوافق فطرة الإنسان فيقنع العقل فيطمئن إليه القلب وتسكن إليه الروح وتهدأ النفس؛ وهذا المبدأ إما أن يڪون من وضع الإنسان وفق تصوره فيطبخه في برلمان ديموقراطي فيعدله في ڪل حين ويصحح -بمرور الأيام والتجارب- ما ظهر له خطؤه وعواره.. وإما أن يڪون من خالق الإنسان ومبدعه ومنشئه ومصوره ورازقه.. والمبدأ الأساسي يجب أن يشمل افڪاراً عن ما قبل الحياة وهو وجود خالق وعن الحياة وهي أعمال الإنسان وتصرفاته وأقواله وما بعد الحياة وهو الحساب والعقاب.. إما جنة أو نار
و.. قضية الإيقان وما يترتب عليها مِن يقين جازم قاطع بلا شك أو ريبة فيما يؤمن به ويصدقه.. فلا يشوبه شڪوك ولا يعتريه ريب..
هذه القضية -الإيمان وما يليه من إيقان- .. قضيةٌ إساسية وجوهرية في حياة أي إنسان؛ بغض الطرف عن إيمان صحيح وعقيدة سليمة أو إيمان فاسد أو عقيدة يعلوها شبهات يرافقهما عدم وجود إجابات قاطعة مقنعة.. أو بغض الطرف عن مسقط رأس أو موطن هذا الإنسان؛ وموضع سڪنه؛ وأي قارة يعيش فيها.. وبغض النظر عن لون بشرته وقوة ومتانة لُغته الأم التي يتڪلم بها مع أبناء جلدته أو بساطتها.. أو اللُغة الجديدة التي تعلمها فيتحدث بها مع الآخرين.. ومع عدم اعتبار المؤهل الدراسي أو التأهيلي أو الأڪاديمي أو التخصصي الذي يحمله.. أو أميته.. أو البيئة والمناخ والوسط الذي يعيش فيه.. أو درجة تمدنه ورقيّه.. أو بداوته وبساطته.. أو علو مستوىٰ الحضارة التي أنشأها ويعيش فيها وإرتفاع درجة المدنية والطب الوقائي في حياته اليومية أو تحوطه الأجهزة العلمية المتقدمة إثناء وجعه أو مرضه؛ والتداوي والتشافي بأحدث ما أخترع له العلم الحديث.. أو ما زال يتداوىٰ بمستحضرات من عند ڪيس خيش الشيخ العطار.. وبغض الطرف والنظر عن تناسق هندامه الذي يرتديه ولونه وبيت الأزياء وجودته في حياته العامة أو شڪل ملابسه في حياته الخاصة؛ أو ذوقه الرفيع في أختيار متطلبات حياته الخاصة أو العامة من ملابس وأثاث وأدوات منزلية وترفيهية وأدوات إتصال إجتماعي أو مواصلات.. أو تدنيه في ذوقه العام فـيغيب عنده هذا الذوق.. أو يغادر مدينته جوا بطائرة نفاثة أو في باخرة عملاقة.. أو ما زال يتنقل بحمارةٍ عرجاء.. أو باص مڪيف الهواء.. أو ڪيفية تناوله طعامه اليومي.. أو مڪونات غذاءه أو مقبلاته وبهارته.. أو في الصباح الباڪر يتناول ڪوباً من الحليب الطازج.. أو في المساء يحتسي كأساً من النبيذ المعتق سواء أحضرة من چانڪليس الْإِسْڪَنْدَرِانِيَّةِ.. أو توسكانا الإيطالية.. أو طيب رائحته الزڪية من طيب عطر العنبر أو مسك مڪة.. الصادر من بدنه أو المنبعث من هندامه.. أو زكاة عطره من المدينة التي نُورت بمرقد سيد ولد آدم ولا فخر.. وبجواره صديقيه ووزيريه وخلفاءه من بعد إنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ! أو تصببت قطرات عرقه من أعماله الشاقة.. أو طبيعة شڪله وتناسقه وطول لحيته أو قامته أو قصرهما أو جماله أو دمامته..
فهو علىٰ ڪل حال وفي ڪل زمان وعلىٰ أي صورة رُڪب - في طفولته - ڪانت أو ستكون - في شيخوخته وڪبر سِنه -.. فهو إنسان من ابناء آدم وذرية حواء.. فــهو موجود بفعل فاعل.. ومصنوع له متطلبات وحاجات ورغبات.. مخلوق له حاجاته العضوية والتي تستلزم الإشباع الحتمي.. ڪما وله غرائزه والتي تتطلب الإشباع فقط وليس الضروري أو الحتمي.. ويحتاج أو سيحتاج بالقطع والجزم إلىٰ غيره.. ومنذ لحظة تڪوينه الأولىٰ في ظلمات رحم أمه(*) مع أتساعه ودفئه.. فـ هو لا يعلمها فلم يرها إلا عند إدراكه الأشياء وتڪوّن نتيجة تخصيب تم في رحمها من نطفة ذڪر/رجل وهو لم يشاهده - ماعدا عملية خلق آدم وزوجه [(حواء)] والمسيح عيسىٰ ابن مريم تمت دون تلقيح أو تخصيب أو جماع- ..
فــ هذا الإنسان محتاج إلىٰ الآخر سواء قُبيل أو إثناء الحمل.. فيحتاج لـ رحم يحتضنه وينمو فيه فــ يغذيه؛ ثم يحتاج لمن يرعاه ويرضعه قينظفه ثم من يربيه ويعلمه(**) ويثقفه؛ ثم من يقضي له حاجاته العضوية من تحضر طعام وتجهيز أدواته وسقاية ماء أو ڪوب من الشاي أو زجاجة/قنينة بيرة مثلجة تحتوي علىٰ مادة الڪحول المسڪرة أو خاليه منه.. أو يحتاج لمن يقضي له رغباته ويشبع غرائزه.. والناس جميعاً إثناء المحن ووقت الفتن ينادون مَن في السماء عرشه !.. ڪما حين يستحسنون شيئا أو فعلا ما ينادون الصانع المبدع!

فبغض الطرف عن وصف هذا الإنسان.. فهو يحتاج إلىٰ إيمان وعقيدة ويقين..
إما عقيدة سليمة وإيمان صحيح ويقين جازم: إيمان يوافق الفطرة الآدمية فيقنع العقل فتهدأ به الروح وتسڪن إليه النفس. فيطمئن القلب..
وإما إيمان فاسد أُخترعَه ذهن إنسان.. وإما إيمان تعلوه نواقض وشبهات ابتدعه وهم إنسان..
فــ الإيمان بأي شئ(!) ضروري للإنسان.. بغض الطرف عن صحته أو فساده.. إذ بناءً عليه سيتصرف في الحياة وفقاً لهذا الإيمان.. فــ صاحب الإيمان الصحيح ومَن يملك العقيدة السليمة ويتملڪه اليقين الجازم بوجود آله واحد أحد ويؤمن بــ أسمائه الحسنىٰ وصفاته العلىٰ - ڪما ذڪرها -هو- بواسطة أنبياءه ورسله.. إذ نحن لم نراه-
وتصرفات صاحب هذا الإيمان وأفعاله بالقطع والجزم ستختلف عن صاحب إيمان فاسد وعقيدة باطلة مع غياب يقين بوجود خالق رازق محيي مميت منعم وهّاب..
فــ الخالق الصانع المبدع المصور يجب حتماً أن يڪون إلها واحداً.. الله ﴿مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾
.. وفي حال إذا تعددت الآله ..﴿لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾.. ويتم التناحر بينهم ..فــ ﴿عَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
.. وتمام الاية تقول : ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون﴾ [المؤمنون:91]

ولغياب تصور عقلي صحيح وضعف فهم ذهني سليم عن ما قبل الحياة -أي وجود خالق؛ خلق الأشياء ڪلها من عدم ودون حاجة إليها أو منفعة تعود عليه- وعن الڪون وعن الحياة -بڪل ما فيها- وعما بعدها..
فــ لغياب تصور حقيقي سليم جاء هذا الخلط..
و.. من هنا جاءت عبادة الأوثان مِن الصخور والأخشاب وصناعة الأصنام من الطين أو العجوة أو الصخر الصوان؛ لأنها محسوسة ملموسة.. وجاءت الصور والتماثيل المرئية لتشبع غريزة التدين دون وجود هدىٰ آلهي من ڪتاب أو تبيان رسول أو شرح نبي.. فـ اوجدوا الشبيه للآلٰه والمثيل والند.. ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون﴾ [الطور:32]
.. فجاء القول علىٰ لسان هؤلاء : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ .
وتصور ذهني فاسد عقيم بوجود ابن له ينظر إليه برؤية عين إنسان ويلمسه باحساس يده ويعلقه علىٰ حائط البيت أو المستشفىٰ أو يحمله فوق قلبه تبرڪاً واستجلاباً للخير ودفع المضرة وإبعاد الضرر -في اعتقادهم.. وما ينفعهم بشئ- ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِين﴾ [الزُّخرُف:15] ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِين﴾ [الزُّخرُف:16] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم﴾ [الزُّخرُف:17] ﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين﴾ [الزُّخرُف:18] ﴿وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون﴾ [الزُّخرُف:19] ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون﴾ [الزُّخرُف:20]
... ويأتي في موضع آخر فيقول : ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُون﴾ [الطور:39]
.. ثم يأتي استنڪار صريح بقوله تعالىٰ القطعي الثبوت والقطعي الدلالة :
﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون﴾ [الطور:43]
.. فـ قضية الإيمان.. موجودة عند الإنسان بصفته الآدمية وترڪيبته الإنسانية ومڪنونه البشري.. أي في أصل خلقته.. وآثارها تظهر من افعاله قوةً وضعفاً.. وصحة عقيدة وفسادها ڪل ذلك يتم بفعل الإنسان وتصرفاته..
لذا لم يُترك -الإنسان- يختار مَن هو آلهه أو ينحته بيده أو يصوره باصابعه أو يرسمه بفرشاته.. {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36] .. بل تم إرسال الرسل من قِبل الخالق الرازق لتحديد اسماء الله الحسنىٰ وصفاته العلىٰ وبعث الأنبياء ليخبرونا عن صفاته واسماءه ونعوته وأحواله.. وليخبرونا -ايضا- ماذا أراد الله منا وڪيفية عبادته بما يحب -هو- ويرضىٰ.. وليس ڪما نتصور نحن ونظن ونرغب ونشتهي..
وقد تأتي معضلة بعد التبليغ فــ يتجاوز الإنسان ما عنده مِن صحيح القول -الكتاب السماوي=الوحي- فــ يضيف وصفاً من ذهنه السقيم علىٰ الآله أو بعض البشر.. فـ يحدث وصفاً جديداً ما أنزل الله به من سلطان بيّن عن الآله الله فيبدع فيخترع من ذهنه ما يتقرب به لهذا الآله الذي توهمه.. ڪــ التوسل بمَن مات ودفن في القبور تحت التراب لا يملك لنفسه ضرا أو نفعاً إلا بما قدم في حياته.. فــ تعليق التمائم من العظام والطلاسم والودع وشعر الذئب ويعلق الخرز بأعناق الصبيان أو الڪبار أو توضع خرزات علىٰ أبواب البيوت ومداخلها أو السيارات لدفع الشر - وخاصة العين - أو لجلب النفع.. والرقىٰ المشتملة علىٰ الشرك بالله -إلا بالمعوذات- والتولة؛ فهذا شرك مناقض لصحيح الإيمان.. وهو إما: شرك أڪبر أو شرك أصغر أو شرك خفي...
وهذا يبحث في موضعه -إن شاء الله تعالىٰ-.

تنبــــيه:
١ .) الإيمان بالمُشاهَد المحسوس أو الملموس ليس بإيمان؛ لأن المحسوس الملموس لا يمڪن إنڪاره.. إذ الإيمان يڪون بغيب لا يدرك بحواس الإنسان الخمس!
٢ .) الإيمان يُحمل علىٰ فعل المأمور به-سواء أڪان فرض أو نافلة.. مستحب-، وترك المحظور -سواء أڪان حرام أو مڪروه-؛ و"الإيقان" هو الإيمان الذي لا يتطرق إليه شك أو ريبة..
٣ .) أهمية الإيمان بالآخرة؛ لأن الإيمان بها هو الذي يبعث علىٰ العمل؛ ولهذا يقرن الله -تعالىٰ- دائماً الإيمان به -عزّ وجلّ-، وباليوم الآخر؛ أما مَن لم يؤمن بالآخرة فليس لديه باعث علىٰ العمل؛ إنما يعمل لدنياه فقط: يعتدي ما دام يرىٰ أن ذلك مصلحة في دنياه: يسرق مثلاً؛ يتمتع بشهوته؛ يكذب؛ يغش...؛ لأنه لا يؤمن بالآخرة؛ فالإيمان بالآخرة حقيقة هو الباعث علىٰ العمل..
٤.) الصحيح مِن قول أهل السنة والجماعة، والذي دلّ عليه العقل والنقل، أن الإيمان يزيد، وينقص، ويتجزأ؛ ولولا ذلك ما ڪان في الجنات درجات: هناك رُتب ڪما جاء في الحديث: "إن أهل الجنة ليتراءون أصحاب الغرف ڪما تتراءون الڪوڪب الدري الغابر في الأفق؛ قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال صلى الله عليه وسلم لا؛ والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين"(***)، أي ليست خاصة بالأنبياء...
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(*){أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى}[القيامة:37]
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى}[القيامة:38]
{فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}[القيامة:39]
(**){وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [النحل:78]
(***) أخرجه البخاري ص: 263، كتاب بدء الخلق، باب 8: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث رقم: 3256؛ وأخرجه مسلم ص: 1170، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب 3: ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، حديث رقم: 7144 [11] 2831..
( مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ )
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ‏‏السبت‏، 14‏ ربيع الثاني‏، 1445هــ ~ 27 أكتوبر 2023 من سنين الميلاد العجيب المعجز للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام


لڪل مَن يهمه الأمر
المتقاعدون .. فــ أين الشباب

قيادات الجالية[(*)] تتقاعد .. فأين الشباب!؟ ..
.. يرتبط موضوع هذا المقال بصلة وثيقة بحال الأقليات[(*)] ذات الهوية العربية مِن حيث المنشأ.. ومرتبط -أيضاً- بصلة قوية بـ التجمعات المسلمة مِن حيث التقسيم في خانة الديانة وفق المتعارف عليه عالمياً..
.. وهذه محاولة مِن ڪاتب هذه السطور -مع ضعفه وقصوره- لـ إلقاء ضوءٍ علىٰ ڪيفية وجودهما في بلاد الغرب؛ ومعالجة جانب التقصير -إن وجد.. واعترف به البعض-..
.. فـ تلڪما -الأقليات والتجمعات[بإعتبارهما مثنىٰ وليس جمعاً]- اللتان تعيشان في ربوع القارة الأوربية لهما محاسن رائعة وحسنات بديعة.. وهي قليلة.. ڪما لهما مثالب تعيبهم وتنقصهم وأخطاء مروعة قاتلة.. وهي الظاهرة والمنظورة علىٰ راحة الڪف!
.. وأحاول -مع قلة خبرتي- فى هذا المقال أن اشرح بـ ڪلماتٍ.. قد تڪون ڪـ مبضعِ جراحٍ يؤلمُ قليلاً مع دواء ڪي يبرأ ويشفىٰ الجرح ويتداوىٰ؛ خاصةً وأن الڪنز النفيس بمجوهراته والذي تحتويه تلك الأقليات، متمثلاً في شبابها وشاباتها، ما زال ينتظر مِن يلتفت إلىٰ بريقه، ويقدر قيمته العالية ڪما قدرها -في زمن قد ولَّىٰ- أقوام دانت لهم الأرض وما عليها.. فـــ سادوا بحڪمة وعقل العرب وتملڪوا العجم..
فـ مِنْ الجَليّ والواضح تماماً، وممَّا لا يحتاج إلىٰ زيادة بيان.. أننا نحن الآن أمام واقع يفيد بأن الجيل الأول مِن أبناء الأقليات العربية والتجمعات المسلمة قد وصل إلىٰ سنِ التقاعد، والعديد منهم علىٰ فراش المرض المزمن؛ ينتظر رحمة الخالق -تعالىٰ-؛ وڪثيرهم ذهبوا إلىٰ السڪنىٰ المؤقتة بـ مقابر المسلمين في ڪافة محافظات دول القارة الأوروبية العجوز.. وبعضهم يحتاج لـ مساعدات متنوعة.. ڪـ دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية أو تفعيل تواجدهم علىٰ الأرضي الغربية.. ويلزمهم مساعدات إجتماعية ودعامات ثقافية وتوعية وتأهليهم لمرحلة ما بعد سن التقاعد وبرامج مڪثفة للمرور مِن أوجاع الشيخوخة إلىٰ مرقدهم الآخير في الدنيا بـ سلام.. بدلاً مِن التسڪع في مقاهي المنتديات والتجمعات واروقة مصليات لتفريغ أعمارهم بقضاء وقت ضائع دون برامج مفيدة[(**)] لهم!..
-*/*-
فــ هل نملك نحن -جميعاً- الڪفاءة العلمية والقدرة العملية لـ تقديم العون لــ عجائز الجالية مِن خلال شبابها؟!. بغض الطرف عن المساعدات المالية والدعم المقدم من جهات حڪومية نمساوية متعددة!
.. لقد حلت ذڪرىٰ إعلان الأمم المتحدة يوم 12 أغسطس يوماً عالمياً للشباب[(***)] بهدف تسليط الانتباه علىٰ مجموعة قضايا توعوية وثقافية وسياسية واقتصادية وتعليمية وتربوية تعني هذه الشريحة العُمرية التي حددتها بڪل فرد يترواح عمره بين 15 و25 عاماً.
.. ويجب مراعاة الشريحة التي قبلها وفق التقسيم المعمول به وأقصد هنا : مرحلة الطفولة.. والشريحة التي تليها.. وهم ما فوق سن 30 سنة!
والمؤسف حقاً وصدقاً أن اليوم العالمي للشباب -سنوياً- مر.. ويمر.. دون أن يدرڪه أحد، أو يتدارڪه إنسان منا.. أو يعير له ڪثير اهتمام أو قليل تفڪير، رغم أن المنظمة الأممية العالمية أرادت من مناسبةٍ ڪهذه أن تڪون فرصة للحڪومات ومنظمات المجتمع المدني والتجمعات الڪشفية والاتحادات الشبابية.. تڪون فرصة لوضع الخطط والبرامج لمن يشڪلون أڪثر مِن ثلثي سڪان الأرض، وأيضا للإحتفال بهم وإطلاق النشاطات الثقافية والفنية والترفيهية(!) لأجلهم .
ولڪن الواقع المؤسف يعود مجددا ليطل علينا ليخبر بحقيقة أن وزارات الشباب في غالبية بلداننا العربية، تعاني خلالاً جوهرياً في هيڪليتها وبنيتها وطريقة عملها التي بدا عليها الترهل أڪثر من أي وزارة „ ڪهلة ” آخرىٰ، فالموازنات المالية المخصصة لهذه المؤسسات ضئيلة بما لا يوفر الحد الأدنىٰ من شروط العمل، ڪما أنها غالباً ما تڪون رديفة لوزارة الرياضة؛ بحيث ينصب الاهتمام علىٰ الفرق الرياضية -خاصة ڪرة القدم دون سواها- بغض النظر عن حاجات مراهقين ذوي قدرات ومواهب.. وطموح يافعين آخرين تشغلهم هموم آخرىٰ قد تڪون غير رياضية..
فقبل أن تحذو المؤسسات الإسلامية وقياداتها في الغرب حذو وزارت الشباب العربية، فتترهل بعد أن ڪهلت ووهن العظم منها، يجب أن يُدرَك ما لا يجب أن يُترَك، ويشمر عن ساعد الجد لاجتذاب الشباب/الشابات؛ خاصةً وأن نظرة سريعة علىٰ الناحية الهيڪلية لواقع شباب الأقليات العربية والتجمعات المسلمة في الغرب، تظهر الإنقطاع الڪبير والإنفصال النڪد بين رأس الهرم وقاعدته.. فغالبية الهيئات والمؤسسات والمنظمات والجمعيات وإدارات المصليات والمساجد تڪاد تڪون شبهة خالية مِن العنصر الشبابي -بشقيه الفتيان والفتيات-، وإن وجد الشاب فهو إما مساعد أو ابن مدير يوسد له الڪرسي ليرثه عن أبيه، أو صناعة الڪبير..
علاوة علىٰ أن الأنشطة علىٰ تنوعها، رياضية أو ڪشفية ومخيمات ومعسڪرات، تتفاعل مع الشريحة الشبابية تحت مظلة منظمات الڪبار.. العجائز.. واتحادات قوات الحرس الحديدي الموالية لحڪومات بلادهم وتجمعات الباحثين عن الأضواء والشهرة و"البريستيچ"، ومَن يبحث عن الوجاهة الإجتماعية والزعامة الزائفة، وهي مشڪلة عربية أصيلة وبأمتياز... ولعل الڪثير منهم -الجيل الأول- لعدم الڪفاءة تمقعد علىٰ ڪرسي ما لغياب مَن يصلح!
فقد ڪانت الڪثير مِن الأعمال ڪـ ـنثر الرماد في العيون، والڪثير مِن القائمين علىٰ العمل الميداني وسط الشباب ليس لديه "الجاهزية" التربوية أو "التأهلية" التخصصية بڪافة أنواعها ومستلزماتها و"الإعداد" العلمي والتهيئة والتثقيف الجماعي.. ڪــ بعض رياض الأطفال تحت مسمىٰ عربي أو إسلامي.. ويجاورها بعض المدارس.. وقد تلقىٰ القائمون عليها قدراً ضئيلا مِن طرق التدريس، ومنهاج التعليم.. أو أنه لا يدرك عن قرب واقع المُتَلَقي وڪيفية توصيل المعلومة سواء العَقدية أو الفقهية وقبلهما واسطة الاتصال الفڪري/التعليمي أو اللُغوي أو التوعوي.
أما في المصليات الأهلية أو تلك التي يصرف عليها مِن أجهزة حڪومية عربية.. فغالبيتها مقسمة إلىٰ طوائف وأحزاب وفرق ومذاهب ومولاة لنظام حڪم.. لذا فــ يجنح الإمام والخطيب إلىٰ أسلوب الوعظ الڪهنوتي المعاد والإرشاد المتدين الممل مع مسحة أخلاقية في خطبة الجمعة -إلا مَن رحم ربي-، وتجد ضعفا ملحوظا وشُحا في مادة الدروس التعليمية المنبثقة مِن ڪتاب رب العالمين وسنة رسوله الڪريم -عليه السلام والتڪريم- خلال أيام الإسبوع.. وغياب تقديم حقيقي مؤثر لـ قضايا العقيدة وأسس الإيمان -وخاصة والعالم بأسره تحت علمانية مقنعة أو مڪشوفة- ومسائل الفقه وأصوله بـ اسلوب سهل ميسر مشوق، وغياب تام لــ دروس مقدمة -خصوصاً- لـ بنات الأقلية العربية والتجمعات الإسلامية [(أحكام مرحلة البلوغ وما قبلها؛ وڪيفية التعامل مع المراهقين؛ والأحڪام الشرعية العملية لمسائل الحيض/ وخروج الدم مِن رحم المرأة؛ وهي مسألة تلازمها طوال حياتها الخصبة)، والدروس المقدمة للفتيان خاصةً أحڪام الطهارة ثم أحڪام العبادات.. بينما يتفاوت ڪثيراً -بينهم جميعاً- مدىٰ فهم وإدراك شباب التجمعات المسلمة لما يقال فوق المنابر، والقدرة علىٰ التحدث وفهم اللُغة العربية، لُغة القرآن الڪريم، وليست اللغة العامية/الجهوية المتداولة في الحديث بين الأهل في البيت وبين الفتىٰ/الفتاة.. ثم القدرة الصحيحة -تجويدا- علىٰ قراءة النص القرآني مع فَهم معانيه، ومع وضوح قضية التفسير لآياته ومسألة التأويل لمفرداته ومتشابهه.. وليس أسلوب الصم (الحفظ عن ظهر قلب!)، دون فهم ڪلام الله تعالىٰ.. ڪـ الأعاجم.. رغم إمڪانية تجربة تفسير القرآن المحفوظ بلُغتي الخطاب: لُغة المدرسة الألمانية النمساوية وطريقتها في العرض.. ولُغة التجمعات ولُغة التنزيل..
و -الاعتراف الڪامل- بـ عدم إغفال تجارب ناجحة رائدة.. وتَشرفَ - ڪاتب هذه السطور- بالعمل مع هؤلاء ومشارڪتهم تجاربهم الرائعة!
أما مسألة التعامل مع الفتيان/الفتيات – الشباب/الشابات الذين ولدوا في الغرب أو الذين انخرطوا في رياض الأطفال ثم تلقوا التعليم الإلزامي في مدارسه.. فـ الأباء لا يدرڪونها -خاصةً الجيل الأول الذي جاء مِن بلد المنشأ دون إدراك حقيقي لموضع قدميه فـ تواجد في دولة أوروبية مستضيفة له ولـ أسرته وتحصّل علىٰ جنسيتها-، أضف إلىٰ ذلك العديد مِن المسائل الفقهية المُلِح -قطعاً- تعلمها وللأسف متروڪة ومهملة، وغياب شبه تام للـ توعية الثقافية العامة والسياسية.. ونغض الطرف؛ بل أُلزم بإغماض العين -الآن- عن سلبيات التربية الأسرية -وفق التقاليد السيئة والعادات الموروثة البالية- ومدىٰ حسن وإنسجام علاقة الأباء بالأبناء: الفتيات = نساء/أمهات المستقبل، والفتيان = شباب/رجال الغد.
-*/*-
ويدعو الڪاتب مِن خلال منارة هذا الموقع: "آستروعرب نيوز" المؤسسات والجمعيات والإتحادات والمصليات إلىٰ إعادة النظر لما يقومون به.. خدمةً للــ أجيال القادمة [( الجيلان الثاني والثالث موجود.. والرابع في رحم النساء أو رحم الغيب])، وأضيف : صفحات الإعلام التي تبث مِن خلال الشبڪة العنڪبوتية.. ادعو الجميع: إلىٰ إعداد : تصوَّر/نظام/منهاج شامل مستقبلي يناسب ما بعد الغد.. [(بغض النظر عن مَن يتولىٰ الإدارة)] تربوي جديد يڪون مستقبلاً موضع بحث وإخراج وتفعيل، يڪتسي فيه الآباء عباءة رسول الإسلام وبردته ويتلحفون بـ إزار صحابته الكرام بــ رداء طالب العلم، ليتعلموا -مِن سنته العطرة- ڪيفية تربية الأبناء مِن متخصص دارس.
الصورة المنظورة -ومنذ حين مِن الزمان- عن الجالية المسلمة تعبر عن لوحة فسيفسائية تنقصها توجيهات المفڪر البارع وأصابع المنفذ الحاذق- الخطط والبرامج وملاءمتها لواقع الغرب، وليس بلد المنشأ، لإعادة ترتيب قطعها وتفعيلها بما يتلائم مع الجو العام والمناخ السائد والبيئة الغربية والأفڪار السائدة في مجتمعاتها دون إضاعة الأسس والأصول والقواعد والثوابت والمبادئ، مع الترڪيز علىٰ قضيتي الانتماء والهوية، وانسجام ألوان النسيج الإجتماعي والثقافي والفڪري والسياسي مِن ڪليهما، وإعادة ترميم الثقافة الموروثة وغربلة الفاسد مِن المعايير والعادات والتقاليد والأعراف والإتجاهات والطباع وتصحيح الصورة النمطية عند ڪل عن الآخر..
وهنا لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن الجو العام والأدوات والوسائل وعرض الأفڪار وتسويقها في أوروبا يختلف تماماً عنه عند العرب..
إنني أسعىٰ لــ أبحثُ اليوم عملا مؤسساتيا بنظرة مستقبلية قائما علىٰ دعائم:
- أولها : صُنَّاع الأفڪار،
- ثانيها : ڪيفية وضعهم للخطط المستقبلية والإستراتيجيات التطبيقية العلملية في حال وجدت في مناخ وبيئة تخصصية، ومراجعتهما مع أهل الخبرة. و
- ثالث هذه الدعائم هو : تفعيل الخطط والإستراتيجيات لمن بيدهم القرار مِن أصحاب الإرادة ولديهم مقياس صحيح متجدد لدرجة التواصل مع قواعدهم،
أما :
- رابعها : مَن يُڪلف بمتابعة شؤون الشباب والطلاب (مراقبة عن ڪثب حيثيات الخطة وتفاصيلها.. والإستراتيجية وخطواتها)..
فــ
هل القوالب(!) المستخدمة حالياً لتخريج أجيال المستقبل صالحة للعمل والتسويق؟
نسمع عن الطفلــ(ــة) "المميز/الموهوب"، والشاب/الشابة صاحبـ(ــة) "القدرات والڪفاءات"،
و
لنا أن نسأل:
أين الأيدي التي ترعىٰ هؤلاء !؟
و
أين الحرڪات الطلابية، المتمثلة في اتحادات الطلبة المسلمين، والتي ڪانت تعنى بتقدم منح مالية دراسية، أين هي الآن، هل ما زالت ترعىٰ شؤون الطلبة أم أنها صارت أثر بعد عين؟!
جانب آخر لا يجب إغفاله، وهو :
- إعادة بناء علاقات التنشئة الاجتماعية علىٰ تنوعها:
- العلاقة الأولىٰ : مدرسة الأزواج الجدد ـ الخلية الأولىٰ قبل تڪوين الأسرة.
- العلاقة الثانية : علاقة الأب بالأم ـ قبل - إثناء ـ بعد الحمل.. أو ما يسمىٰ بــ :« „ عشرة النساء ” » ؛ وڪُتب الفقه طافحة بالحديث عن هذه المسألة!
- العلاقة الثالثة : الخمس السنوات الأولىٰ من عمر الطفلــ(ــة).. فترة حضانة الأم في ظل الأب.. ثم روضة الأطفال!
- العلاقة الرابعة : التلميذ بمعلمه.. التعليم الإلزامي!
- العلاقة الخامسة : الطالب باستاذه، التعليم العالي والتخصصي.. العلاقتان السابقتان تبحثان العملية التعليمية والتربوية في المدارس الحڪومية أو الأهلية، فهذا جانب هام من التنشئة الإجتماعية!
- العلاقة السادسة : علاقة المسلم بغيرة مِن أهل الأديان.. سواء السماوية [(اليهودية والنصرانية/المسيحية.. أو الأديان الوضعية البشرية الأرضية)]
- العلاقة السابعة : التواجد الحي المؤثر في المجتمع الغربي بڪل ما فيه من محاسن ومثالب؛ وقبول للآخر أو رفضه وتأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة من كلا الجانبين!
- العلاقة الثامنة : الاتصال الإيجابي بمؤسسات الدولة الرسمية؛ الحڪومية منها والدينية والتجمعات الأهلية!
وأختم بـ آخر جانب، ألا وهو :
- العلاقة التاسعة : إعداد نساء الغد ورجال المستقبل مِن أبناء الأقلية العربية والتجمعات الإسلامية لــ يتبوّأ ڪل منهم مقاعد عليا في جهاز الدولة.. ومَن سيقوم بـ إعداتهم لهذا الدور؟
وأخيراً وليس آخراً


 أميرُ الشّعراءِ
يا سَاڪِني.. « „ مِصْرَ ” » إنَّا لا نزال علىٰ*عهدِ الوفاءِ وإنْ غِبنا مقيمينا
هَلَا بَعَثْتُم لنا مِن مَاءِ نَهْرِڪُم*شيئاً نَبلُ بِه أحشاءَ صادينا
ڪلُ المناهلِ بعدَ « „ النيل ” » آسِنَة*ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
ما ڪتبه أحمد بك شوقي إثناء منفاه في أسبانيا.

يُعَدُ أعظمَ شعراء العربية في العصور الحديثة فـ لُقبَ بـ «أميرِ الشعراءِ»..إنه أحمد -بك- بن علي.. بن أحمد شوقي.. مِصري
[16 أكتوبر 1868 - 14 أكتوبر 1932م.. أشهرُ شعراء العصر الحديث في فنه، وواحدٌ من أخصب الشعراء العرب ڪتابة وتعبيرا، فــ هو أحد أعمدة الشعر العربي الحديث، ورائد النهضة الشعرية العربية، اعتلىٰ عرش الشعر العربي بجدارة فـ لُقب بـ « أمير الشعراء ».. إذ بايعه أدباء وشعراء عصره علىٰ إمارة الشّعر في حفل أُقيم بالقاهرة عام 1927م؛ وفي العام نفسه تمَّ تتويجه بهذا اللقب،وڪان قبل ذلك قد نُفي إلىٰ إسبانيا في الفترة الممتدة بين عامي 1914-1919م، وحين عودته سيطر علىٰ الساحة الأدبية في مِصر.. وقد عُرف شوقي بغزارة إنتاجه الشعري، ڪما امتاز شعره بغرابة الألفاظ وسهولة الأسلوب، وڪتب مسرحیات حاڪىٰ بها نماذج الشعراء الغربيين مِن أمثال: شڪسبير، وڪورني، وراسین.. حيث ڪتب الشعر التمثيليّ، وفي العشرينات من القرن الماضي وصل شعره إلىٰ منزلةٍ مرموقةٍ في الوطن العربيّ، ويشار إلىٰ ڪونه صاحب موهبةٍ شعريّةٍ، وقد بلغت عدد أبيات شعره أڪثر من ثلاثةٍ وعشرين ألف وخمسمئة بيت.
ــــــــــــــــــــــ
نبذة عن أمير الشعراء أحمد بك شوقي!
مولده :
وُلدَ بحي الحنفي بالقاهرة في عهد الخديوي إسماعيل في 20 رجب 1287 هـ الموافق السادس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1868م.. وقد حمل اسم جده لأبيه ولقَبُه أحمد شوقي،
أصول أسرته:
ڪتب عن نفسه يقول: ﴿«„ سمعت أبي يردّ أصلنا إلىٰ الأڪراد فالعرب ‟»﴾..
ويُقال أنَّ له أربعة أصول تتمثّل بـ العربيّة، والترڪيّة، والجرڪسيّة، واليونانيّة، وهذا ما ساعده علىٰ اڪتساب ثقافةٍ عربيةٍ، وترڪيةٍ، وفرنسيةٍ، وتمڪّن من الاطّلاع علىٰ الشعر العربيّ والترڪيّ والأوروبيّ، خاصة الفرنسي..
لذا يقال أنه :
- مِن أبٍ شرڪسي وأم يونانية ترڪية،
وفي مصادر أخرى يُذڪر أن :
- أباه ڪردي وأمه مِن أصول ترڪية وشرڪسية، و
بعض المصادر تقول إن :
- جدته لأبيه شرڪسية؛ وجدته لأمه يونانية.
لذا فقد :
- انحدر أحمد شوقي من أسرة اختلطت دماؤها بأصول خمسة، هي:
- الڪردية، و
- الشرڪسیة، و
- العربیة، و
- اليونانية، و
- الترڪية،
فـ :
- جده لأبیه ڪردي الأصل تولىٰ عدة مناصب إدارية في زمن سعيد باشا؛ ڪان آخرها أمین الجمارك المِصریة، و
- جده لأمّه ترڪي الأصل واسمه أحمد حليم النجدلي؛ وڪان وڪيلاً لخاصة الخديوي إسماعيل، أمّا :
- جدته لأمّه فڪانت يونانية وتعمل وصيفة في بلاط الخديوي، وقد تولّت أمر رعايته في طفولته، فنشأ في ظل القصر نشأةً ارستقراطية، ما جعله يتفرغ للشعر ويخلص له، فلا يشغل باله غيره، وڪان محاطاً بعناية العائلة بأڪملها، لا سيما أنّه ڪان وحيد والديه.
نشأة أحمد شوقي:
نشأ في ظل البيت المالك بمِصر،
نشأ أحمد شوقي في رحاب أسرة ميسورة الحال، وڪانت أسرته متّصلة مع قصر الخديوي، وڪفلته جدته لأمّه.
[أ.] نشأته المبڪرة :
نشأة أحمد في قصر الخديوي إسماعيل في مدينة القاهرة :
ڪانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلىٰ جانب من الغنىٰ والثراء، فتڪفلت بتربية حفيدها.. فــ نشأ معها في القصر.
[ب.] طفولته:
تلقّىٰ أحمد شوقي علومه الأولىٰ؛ فــ لما بلغ أربع سنوات مِن عمره التحق بـ „ ڪُتّاب الشيخ صالح ”؛ في حيّ السيدة زينب؛ فــ حفظ قدرًا من القرآن الڪريم.. وتعلّم مبادئ القراءة والڪتابة،
[ج.] بداية مراحل تعليمه:
- ثمَّ انتقل للدراسة في مدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا
وبعدها :
- درس في المدرسة التجهيزيّة الثانويّة؛ إذ حصل علىٰ المجانيّة ڪـ مڪافأة له علىٰ تفوّقه بإعفائه من مصروفات المدرسة ،
و
- أڪمل دراسة الثانوية، فــأنهىٰ تعليمه الثانوي في سن مبكرة عام 1885م،
و
- انڪب علىٰ دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، وداوم علىٰ مطالعة ڪتب الأدب العربي، لا سيما ڪتب فحول الشعر أمثال: أبي نواس، والبحتري، والمتنبي، وأبي تمام، وڪُتب ڪبار الأدباء كـ ڪتاب الحيوان للجاحظ، إضافة إلىٰ ڪتب اللغة، والفقه، والحديث، فـ طفق الشعر يجري علىٰ لسانه.
مدرسة الحقوق المِصرية:
- حين بلوغه سن الخامسة عشرة التحق بمدرسة الحقوق [-كلية الحقوق لاحقا-القانون]، وذلك سنة (1303هـ/1885م)، و
- انتسب إلىٰ قسم الترجمة الذي ڪان قد أنشئ بها حديثًا، وقضىٰ سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وإلىٰ جانبها درس ترجمة اللغة الفرنسية، وانتهىٰ من دراسته عام 1889م، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ „ محمد البسيوني ”، وڪان الشيخ „ البسيوني ” يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق، ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وأثناء دراسة شوقي ڪان يتتلمذ علوم الأدب علىٰ يدي „ حسين المرصفي ”؛ والشيخ „ حفني ناصف ”، ومعلمه الشيخ محمد البسيوني „ البيباني ”؛....
بواڪير الشاعر أحمد شوقي في الشّعر:
بدأ الشاعر أحمد شوقي بنظم الشعر أثناء دراسته الحقوق، وحين ڪان يتتلمذ علىٰ يدي الأستاذ الشيخ „ محمد البسيوني البيباني ”؛ شاعر توفيق باشا، فڪان أحمد شوقي يطلع علىٰ قصائد „ البيباني ”؛ ويقوم بمراجعتها وتنقيحها وتهذيبها، ما أسعد أستاذه ڪثيراً بذلك، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه ڪان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المِصرية، إذ رأىٰ في أحمد شوقي مشروعَ شاعرٍ مبدعٍ وتوسمَ فيه خيراً، فقدمه للخديوي توفيق وأخبره عن موهبته الفذة، فاستدعاه الخديوي واطلع علىٰ شعره.
علاقته بالقصر الملڪي:
ثمَّ اختاره الخديوي في خاصته،
- وبعد تخرجه من مدرسة الحقوق سافر إلىٰ فرنسا علىٰ نفقة الخديوي توفيق [والي مِصر العثماني]، وذلك سنة 1887م، ولإتمام دراسة الحقوق، والحصول علىٰ إجازتها سنة (1311هـ = 1893م).. ڪما دأب -خلال وجوده في فرنسا- علىٰ إرسال قصائد في مدح الخديوي توفيق، حيث قضىٰ أربع(!؟) سنوات في مدينة باريس و[مدّة سنتين] في مونبلييه؛ واطلع علىٰ الأدب الفرنسي، فــ مڪث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج ڪبار الڪتاب والشعر.
وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولىٰ منطلقات شوقي الفڪرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تڪوين (جمعية التقدم المِصري)، التي ڪانت أحد أشڪال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى ڪامل، وتفتّح علىٰ مشروعات النهضة المِصرية.
وفي عام 1893م حصل علىٰ الشهادة النهائية، وفي أوائل عام 1894م عاد إلىٰ مِصر، وعيّنه توفيق ضمن حاشيته..
الوظائف والمسؤليات:
- عُين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي.
و
- ندب سنة 1896م لتمثيل الحڪومة المِصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف.
اتباطه بـ ثقافته الأم :
- طوال إقامته بأوروبا، ڪان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الڪبار وعلىٰ رأسهم المتنبي.
- لڪن تأثره بالثقافة الفرنسية لم يڪن محدودًا، وتأثر بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين وموليير .
ملاحظة:
- يُلاحظ خلال فترة الدراسة في فرنسا وبعد عودته إلىٰ مِصر أن شعر أحمد شوقي ڪان يتوجه نحو المديح للخديوي عباس، فأصبح "شاعر القصر" المقرب من الخديوي عباس حلمي الذي تولىٰ الحكم إثر وفاة والده توفيق، وڪانت سلطته مهددة بهيمنة المحتل الإنجليزي، ويرجع النقاد التزام أحمد شوقي بالمديح للأسرة الحاڪمة إلىٰ عدة أسباب منها :
- أن الخديوي هو ولي نعمة أحمد شوقي، الذي تولىٰ رعايته، هذا أولاً..
و
ثانيا :
- الأثر الديني الذي ڪان يوجه الشعراء علىٰ أن الخلافة العثمانية -هي خلافة إسلامية- وبالتالي وجب الدفاع عن هذه الخلافة.. ڪما سنلاحظ في رثائه حين سقطت الخلافة العثمانية..
- ڪان أحمد شوقي يعتز ڪونه شاعر القصر الملڪي المِصري، وڪان يطمح قبل ذلك أن يڪون الشاعر المفضّل لدى الخديوي، لذا منذ أن عاد من فرنسا وهو شاعر البلاط بدءاً بالخديوي عباس، فلما أُوصد باب القصر أمامه بعد رجوعه من منفاه -برشلونة- بالأندلس، اتجه إلى أن يڪون شاعراً لشعب مِصر وأمته العربية والإسلامية وأخذ يشارڪهم أفراحهم وأحزانهم وآلامهم حيث أصبح لسان حال الشعب والمعبر عن أمانيه والمدافع عن حقوقه، من ذلك قوله:
زمان الفرد يا فرعون ولى * ودالت دولة المتجبرينا
وأصبحت الرعاة بڪل أرض * على حڪم الرعية نازلينا
فعجل يابن إسماعيل عجل * وهات النور وأهدِ الحائرينا
ڪما تغنى بالوطن العربي والإسلامي والإنساني، من ذلك قوله في الشرق:
وما الشرق إلا أسرة أو قبيلة * تلم بينهما عند ڪل مصاب
ڪما عالج موضوع المرأة والعمل والتربية والأساطير وهو القائل:
قم للمعلم وفه التبجيلا * ڪاد المعلم أن يڪون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي * يبني وينشئ أنفساً وعقولا
وبسقوط الخلافة العثمانية قال فيها شعراً مؤثراً؛ وهي 45 بيتاً رثاءً.. ومطلع قصيدته تقول :
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ * وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ
ڪما له العديد من شعر المعارضات والحڪايات الشعرية.
تجربة المنفىٰ وسنواته:
عاد أمير الشعراء أحمد شوقي إلىٰ مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس علىٰ عرش مِصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأىٰ في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل أحمد شوقي يعمل في القصر حتىٰ خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مِصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا "حسين ڪامل" سلطنة مِصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلىٰ برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل علىٰ البحر المتوسط.
هاجم أحمد شوقي الاحتلال البريطاني لمِصر مما أدىٰ إلىٰ نفي الإنجليز له إلىٰ الأندلس؛ إسبانيا 1914م، وفي هذا النفي اطلع أحمد شوقي علىٰ الأدب العربي والحضارة الأندلسية.. هذا بالإضافة إلىٰ قدرته التي تڪونت في استخدام عدة لغات والاطلاع علىٰ الآداب الأوروبية، وڪان أحمد شوقي في هذه الفترة علىٰ علم بالأوضاع التي تجري في مِصر، فأصبح يشارك في الشعر من خلال اهتمامه بالتحرڪات الشعبية والوطنية الساعية للتحرير عن بعد.. وما يبث شعره من مشاعر الحزن علىٰ نفيه من مِصر.. وعلىٰ هذا الأساس وجد توجه آخر في شعر أحمد شوقي بعيداً عن المدح الذي التزم به قبل النفي.. فنظم الڪثير من درر شعره إشادة بها، وحنينا إلىٰ بلده مِصر التي عاد إليها بعد قضائه أربع سنوات في المنفىٰ.. عاد شوقي إلىٰ مِصر سنة 1920م..
ومن المنفىٰ أرسل نونيته الثائرة "أندلسية"، يعارض فيها نونية ابن زيدون "أضحىٰ التنائي":
يا نائح الطلح، أشباه عوادينا * نشجى لواديك أم نأسى لوادينا؟
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا * أخا الغريب، وظلا غير نادينا!
آها لنا نازحي أيك بأندلس * وإن حللنا رفيفا من روابينا!
شعره في هذه الفترة :
ودار شعر أمير الشعراء أحمد شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس علىٰ عرش مِصر حتىٰ خُلع من الحڪم، ويمتلئ الديوان بقصائد ڪثيرة من هذا الغرض. ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة علىٰ المحتلين فحسب، بل رعايةً ودفاعًا عن ولي نعمته ڪذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقىٰ خطابًا أثنىٰ فيه علىٰ الإنجليز وأشاد بفضلهم علىٰ مِصر، وقد هجاه أحمد شوقي بقصيدةٍ عنيفةٍ جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمدًا * وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فڪنت خطبًا لا خطيبًا * أضيف إلىٰ مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه * وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ „ أحمد عرابي ” وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه „ مصطفى ڪامل ” إلا بعد فترة، وڪانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحرڪة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملڪي؛ ولذلك تأخر رثاء أحمد شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لـ : „ مصطفى ڪامل ” شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة „ مصطفى ڪامل ” وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقان عليك ينتحبان * قاصيهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد * في الله من خلد ومن رضوان
لمّا نُعيت إلىٰ الحجاز مشىٰ الأسىٰ * في الزائرين وروّع الحرمان
وارتبط أحمد شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وڪانت مِصر تابعة لها، فأڪثر من مدح سلطانها عبدالحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلىٰ الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول:
أما الخلافة فهي حائط بيتڪم * حتى يبين الحشر عن أهواله
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم * فمصيبة الإسلام من جُهّاله
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1987م) ڪَتبَ مطولة عظيمة بعنوان: « „ صدىٰ الحرب ” » أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله:
بسيفك يعلو والحق أغلب * وينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلىٰ أجزاء ڪأنها الأناشيد في ملحمة، فـ جزء تحت عنوان „ أبوة أمير المؤمنين”، وآخر عن „ الجلوس الأسعد ”، وثالث بعنوان „ حلم عظيم وبطش أعظم ” ويبڪي سقوط عبدالحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان : „ الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبدالحميد”، وقد استهلها بقوله:
سل يلدزا ذات القصور * هل جاءها نبأ البدور
لو تستطيع إجابة لبكتك * بالدمع الغزير
ولم تڪن صلة أمير الشعراء أحمد شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما ڪانت صلة في الله، فقد ڪان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يڪفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يڪن هذا إيمان أحمد شوقي وحده، بل ڪان إيمان ڪثير من الزعماء المِصريين. وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده “نهج البردة” التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ :« „ سليم البشري ” » فينهض لشرحها وبيانها.
يقول في مطلع القصيدة:
ريمٌ علىٰ القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد علىٰ مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهلٌ وتضليلٌ أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: „ الهمزية النبوية ” وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة „ ذڪرىٰ المولد ” التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا * لعل علىٰ الجمال له عتابًا
ڪما اتجه أحمد شوقي إلىٰ الحڪاية علىٰ لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن ڪان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومڪائده. وقد صاغ أحمد شوقي هذه الحڪايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحڪايات:« „ 56 ” » حڪاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة “الأهرام” سنة (1310هـ = 1892م)، وڪانت بعنوان “الهندي والدجاج”، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمِصر.
مرةً آخرىٰ أعود إلىٰ :
النفي إلىٰ إسبانيا :
وفي الفترة التي قضاها أحمد شوقي في إسبانيا/الأندلس-برشلونةعلىٰ البحيرة البيضاء المتوسطية - تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة ٰڪتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعڪف علىڪ قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في :« „ إشبيلية ” » و« „ قرطبة ” » و« „ غرناطة ” » وأثمرت هذه القراءات أن نظم أحمد شوقي أرجوزته “دول العرب وعظماء الإسلام”، وهي تضم 1400 بيت موزعة علىٰ (24) قصيدة، تحڪي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، علىٰ أنها رغم ضخامتها أقرب إلىٰ الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.
وفي المنفىٰ اشتد به الحنين إلىٰ الوطن -مِصر- وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوىٰ سوىٰ شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان “الرحلة إلىٰ الأندلس”، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان ڪسرىٰ، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي * وترفعت عن جدا ڪل جبس
وقد بلغت قصيدة أحمد شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مِصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلىٰ رؤيتها، ڪما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلىٰ مصر قوله:
أحرام علىٰ بلابله الدوح * حلال للطير من ڪل جنس
وطني لو شُغلت بالخلد عنه * نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني * شخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
عاد أمير الشعراء أحمد شوقي إلىٰ الوطن -مِصر- في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وڪان علىٰ رأس مستقبليه الشاعر الڪبير “حافظ إبراهيم”، وجاءت عودته بعد أن قويت الحرڪة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال أحمد شوقي إلىٰ جانب الشعب، وتغنَّىٰ في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المِصري وترجمانه الأمين، فحين يرىٰ زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم علىٰ صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلف بينكم إلاما؟ - وهذي الضجة الڪبرىٰ علاما؟
وفيم يڪيد بعضڪم لبعض * وتبدون العداوة والخصاما؟
وأين الفوز؟ لا مِصر استقرت * على حال ولا السودان داما
ورأىٰ في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلىٰ الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن :« „ النيل ” » و „ الأهرام ” و „ أبي الهول ” .
ولما اكتشفت مقبرة : „ توت عنخ أمون ” وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأىٰ أحمد شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مِصر؛ حتىٰ يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلىٰ الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبرينا * أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا * ومن دولاتهم ما تعلمينا
وامتد شعر أحمد شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعارڪهم ضد المستعمر، فنظم في “نڪبة دمشق” وفي “نڪبة بيروت” وفي ذڪرى استقلال سوريا وذڪرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في “نڪبة دمشق” التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّةَ اطرحوا الأماني * وألقوا عنڪم الأحلام ألقوا
وقفتم بين موت أو حياة * فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم ڪل حرٍّ * يد سلفت ودين مستحقُّ
وللحرية الحمراء باب * بڪل يد مضرجة يُدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد ڪان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتىٰ إذا أعلن “مصطفى كمال أتاتورك” إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه ڪالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواح * ونعيت بين معالم الأفراح
ڪُفنت في ليل الزفاف بثوبه * ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر * وبڪت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومِصر حزينة * تبڪي عليك بمدمع سحَّاح
المسرح الشعري:
تعتبر سنة 1893 سنة تحوّل في شعر أحمد شوقي حيث وضع أول عمل مسرحي في شعره. فقد ألّف مسرحية « „ علي ” » يتفاعل في خاطره حتىٰ سنة 1927 حين بويع أميراً للشعراء، فرأىٰ أن تڪون الإمارة حافزا له لإتمام ما بدأ به عمله المسرحي وسرعان ما أخرج مسرحية مصرع ڪليوباترا سنة 1927م؛ وقد بذل جهوداً لمزج الشعر التقليديّ مع الحوار الدراميّ في العديد من المسرحيات الشعرية، وقد ظهر ذلك في مسرحيّته المشهورة مصرع ڪليوباترا ثم مسرحية مجنون ليلىٰ 1932 وڪذلك في السنة نفسها قمبيز وفي سنة 1932 أخرج إلىٰ النور مسرحية عنترة ثم عمد إلىٰ إدخال بعض التعديلات علىٰ مسرحية علي بك الڪبير وأخرجها في السنة ذاتها، مع مسرحية أميرة الأندلس وهي مسرحية نثرية.
وهي مرحلة القوة في المسرح الشعري.. فأخرج لنا :
*.) مسرحية مصرع ڪليوباترا وأخرجها سنة 1927.
*.) مسرحية مجنون ليلىٰ (قيس وليلىٰ) سنة 1932.
*.) مسرحية قمبيز ڪتبها في عام 1931 وهي تحڪي قصة الملك قمبيز.
*.) مسرحية علي بك الڪبير وهي تحڪي قصة ولي مِصر المملوڪي علي بك الكبير.
*.) مسرحية أميرة الأندلس
*.) مسرحية عنترة وهي تحڪي قصة الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة.
*.) مسرحية الست هدىٰ
*.) مسرحية البخيلة
*.) مسرحية شريعة الغاب
*.) الفرعون الأخير.
*.) عذراء الهند.
*.) الفجر الكاذب.
ومن الجدير بالذڪر أنَّ أحمد شوقي أحد مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعريّ، حيث أسسها مع ڪلّ من „ محمود سامي البارودي ”، و „ حافظ إبراهيم ”، و „ علي الجارم ”، و „ أحمد محرم ”، حيث التزم هؤلاء الشعراء بنظم الشعر العربي وفق منهج الشعراء القدماء، وخاصة شعراء الفترة الممتدة من العصر الجاهليّ وحتّىٰ العصر العباسيّ، ولڪنّ أحمد شوقي استحدث أغراضاً جديدة لم تڪن موجودة لدىٰ القدماء، منها:
- القصص المسرحيّ، و
- الشعر الوطنيّ، و
- الشعر الاجتماعيّ، فقد نظّم الشعر بأغراضه المتعدّدة؛ ڪ:
- المدح، و
- الرثاء، و
- الغزل، و
- الحڪمة، و
- الوصف.
خصائص شعره:
ڪان ذا حس لُغَوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
مُنحَ أحمد شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا ڪانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وڪأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفڪره؛ ولهذا ڪان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألفا وخمسمائة بيت-ڪما أسفلت-، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وإلىٰ جانب ثقافته العربية ڪان متقنًا للفرنسية التي مڪنته من الاطلاع علىٰ آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من ڪتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.. إضافة إلىٰ إتقانه اللُغة الترڪية والتي اڪتسبها من بيته وعائلته، وتأثر الشاعر أحمد شوقي من إقامته في إسبانيا أثناء المنفىٰ حيث اطلع علىٰ مظاهر الحضارة الإسلامية هناك، واستشعر خسارة المجد العربي الإسلامي الزائل فيها.
لقد ڪان شاعر مِصر يملك نصيباً ڪبيراً من الثقافتين العربية والغربية، ڪما أفادته سفراته إلىٰ مدن الشرق والغرب. يتميز أسلوبه بالاعتناء بالإطار وبعض الصور وأفڪاره التي يتناولها ويستوحيها من الأحداث السياسية والاجتماعية، وأهم ما جاء في المراثي وعرف عنه المغالاة في تصوير الفواجع مع قلة عاطفة وقلة حزن، ڪما عرف أسلوبه بتقليد الشعراء القدامىٰ من العرب وخصوصاً في الغزل، ڪما ضمن مواضيعه الفخر والخمرة والوصف، وهو يملك خيالاً خصباً وروعة ابتڪار ودقة في الطرح وبلاغة في الإيجاز وقوة إحساس وصدقا في العاطفة وعمقا في المشاعر.
ڪان أحمد شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انڪب علىٰ قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب ڪبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وڪان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتىٰ قيل بأنه ڪان يحفظ أبوابًا ڪاملة من بعض المعاجم، وڪان مغرمًا بالتاريخ يشهد علىٰ ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الڪبرىٰ «ڪبار الحوادث في وادي النيل» التي نظمها وهو في شرخ الشباب علىٰ بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.
إذاً..
لـ أحمد شوقي الريادة في النهضة الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والمسرحية التي مرت بها مِصر، أما في مجال الشعر فهذا التجديد واضح في معظم قصائده التي قالها، ومن يراجع ذلك في ديوانه « „ الشوقيات ” » لا يفوته تلمس بروز هذه النهضة؛ فهذا الديوان الذي يقع في أربعة أجزاء يشتمل علىٰ منظوماته الشعرية في القرن التاسع عشر وفي مقدمته سيرة لـ حياة الشاعر وهذه القصائد التي احتواها الديوان تشتمل علىٰ المديح والرثاء، والأناشيد والحڪايات والوطنية والدين والحڪمة والتعليم والسياسة والمسرح والوصف والمدح والاجتماع وأغراض عامة.
أغراض شعر أحمد شوقي :
وقد نظمّ أحمد شوقي الشعر العربي في ڪل أغراضه الشعر وفي عدة مجالات مختلفة ومتنوعة، حيث ڪتب :
- الشعرَ السياسي و
- الوطني، بــ
- الإضافة إلىٰ شعر الرثاء، و
- المدح، و
- الغزل، و
- الوصف، و
- الحكمة.
وله في ذلك أيادٍ رائعة فقد أبدع أحمد شوقي في نظْمه حتىٰ صعد إلىٰ قمة الشعر العربي، ومن خلال شعره ڪان يعڪس الشاعر أحمد شوقي ما في نفسه من حب للوطن، والدين، والحياة، والحرية، وقد جاء متسماً بقوة العاطفة، وسعة الخيال، وسلاسة الألفاظ وعذوبتها، وقوة التراڪيب، وله آثار نثرية ڪتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: «عذراء الهند»، ورواية «لادياس»، و«ورقة الآس»، و«أسواق الذهب»، وقد حاڪىٰ فيه ڪتاب «أطواق الذهب» للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.
جمع أحمد شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه «الشوقيات»، ثم قام الدڪتور محمد السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه «الشوقيات المجهولة».
اشتهر شعر أحمد شوقي ڪشاعرٍ يڪتب من الوجدان في ڪثير من المواضيع؛ فقد نظم في مديح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونظم في السياسة ما ڪان سبباً لنفيه إلىٰ الأندلس بإسبانيا وحب مِصر، ڪما نظم في مشاڪل عصره مثل مشاڪل الطلاب، والجامعات، ڪما نظم شوقيات للأطفال وقصصا شعرية، ونظم في المديح وفي التاريخ. بمعنىٰ أنه ڪان ينظم مما يجول في خاطره، تارة الرثاء وتارة الغزل وابتڪر الشعر التمثيلي أو المسرحي في الأدب العربي. وقد تأثر شوقي بڪتاب الأدب الفرنسي ولا سيما موليير وراسين.
التأثيرات الإسلاميّة في شعر الشاعر أحمد شوقي :
ظهر تأثر الشاعر أحمد شوقي بالجانب الإسلامي بقوة في شعره، لا سيما تأثره بنصوص القرآن الڪريم وآيات الذڪر الحڪيم.. الذي يُعتبر المرجع الأول لڪافة المسلمين بما فيهم الشعراء والأدباء، فـ آيات الڪتاب المنزل من فوق سبع سموات طباقاً قرآن رب العالمين هي المصدر الأول الذي استقي منه أمير الشعراء استشهاداته علىٰ ما وصف في شعره، والتي يرىٰ أحمد شوقي فيها السبيل لحفظ ڪرامة المسلمين وإقامة العدل الذي أمر الله بإقامته.
اللغة والإيقاع الموسيقيّ في شعر الشاعر أحمد شوقي :
.. وسبق وتحدثتُ عن تمڪنه من لغة الضاد ولغة الفرنجة فقد ڪان الشاعر أحمد شوقي متمڪناً لُغوياً، فقد امتلك ثروة لُغوية غزيرة، ڪان لها أثر في شعره، إذ أڪسبته السمات الآتية:
- المعرفة الجيدة بالتراث العربي و
- العمل علىٰ إحيائه والاستلهام منه، فقد نَظَمَ قصائد استلهمها من العصر العباسي وعارض بها شعراء أمثال البحتري.
- هدوء العاطفة وضبط النفس..
- تجلي الموسيقىٰ في شعره وقدرته علىٰ استخدامها بذڪاء لإظهار المعنىٰ المُراد إيصاله..
- انبثاق صور فنية عديدة من الصورة الفنية العامة للعمل الفني.
الأخلاق في شعر الشاعر أحمد شوقي :
أڪثر الشاعر أحمد شوقي من ذڪر الأخلاق في شعره والحث عليها، فبها تحيا الأمم، وبها يسعد الأفراد، وقد شغلت قضية الأخلاق بال شاعرنا فڪانت بالنسبة إليه قضية مهمة سعىٰ جاهداً لإيصالها إلىٰ الناس بطريقة إبداعية مميزة ما جعلهم يُحسون به ويتفاعلون معه ويدرڪون أهمّيتها عليهم وعلىٰ من سيأتي من بعدهم، وقد حقق أحمد شوقي مبتغاه إذ جعل من موضوع الأخلاق هدفاً إنسانياً مهماً، فعبر عن ذلك بمفردات واضحة المعنىٰ والمغزىٰ.. حيث يقول:
والصدق أرفع ما اهتز الرجال له * وخير ما عوّد أبناً في الحياة أب
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومطلعها :
صحوت واستدرڪتني شيمتي الأدب * وبت تنڪرني اللذات والطرب
أعمال الشاعر الكاملة
مؤلّفات الشاعر أحمد شوقي :
خلف أحمد شوقي ديواناً ضخماً عرف بديوان « „ الشوقيّات ” » هو ديوان يتألف من أربعة مجلدات، طبع أول مرة بين عامي 1888-1889م في مطبعة الآداب والمؤيد، ثمّ أُعيد طبعه عام 1911م دون أيّة إضافة إليه، قُسّمت « „ الشوقيات ” » إلىٰ أربعة أجزاء، وهو يقع في أربعة أجزاء :
- الأول منها ضم قصائد الشاعر في القرن التاسع عشر والمقدمة وسيرة لحياته. وقد تمت إعادة طبعه عام 1925 م، واقتصر علىٰ السياسة والتاريخ والاجتماع. أما:
- الجزء الثاني فقد طبعه عام 1930 م، أي بعد خمس سنوات واشتملت قصائده على الوصف ومتفرقات في التاريخ والسياسة والاجتماع. و
- الجزء الثالث طبع بعد وفاة الشاعر في عام 1936 م، وضم الرثاء. وظهر :
- الجزء الرابع عام 1943 م، ضم عدة أغراض وأبرزها التعليم..
المسرحيّات :
اعتُبر الشاعر أحمد شوقي رائد المسرح العربي، إذ ملأ فراغاً في الأدب المعاصر، فوضع عدداً من المسرحيات الشعرية تناولت مادتها الأولية من التاريخ القديم ومن الحياة الاجتماعية المعاصرة، وجعل لڪل مسرحية من مسرحياته هدفاً متمثلاً باتجاه معين أو عبرة أو قيمة أخلاقية، وقد اتسم أدب أحمد شوقي المسرحي بتأثره بالأدب الأوروبي، حيث استفاد من مطالعاته الأدب الفرنسي والإنجليزي،
ڪما للشاعر روايات شعرية تمثيلية وضعت في الفترة ما بين 1929 م، وحتىٰ وفاته منها:
- خمس مآسٍ.. وهذه المسرحيات هي :
- مسرحية مصرع ڪليوباترا،
- ومسرحية قمبيز: تناولتا تاريخ مِصر القديم، واعتمد في ڪليوباترا الاتجاه الوطني وامتازت بڪثرة الغنائية الشعرية، أمّا مسرحية قميز فاتجاهها التضحية الوطنية.
- علي بك الڪبير: استقىٰ الشاعر مادتها من تاريخ مِصر القريب، واعتمد فيها الاستقلال الوطني، لڪنه غير في بعض أحداثها الحقيقية، إذ زاد من صفة الخير للشخصيات بشڪل مناقض للواقع التاريخي.
- مجنون ليلىٰ،
- عنترة، مسرحية عنترة ومسرحية مجنون ليلىٰ: استلهمهما أحمد شوقي من تاريخ العرب القديم، وأڪثر فيهما من الغنائية الشعرية، ورڪز في مسرحية عنترة علىٰ العفة في الحب، وعلىٰ التقيّد بالتقاليد في مسرحية (مجنون ليلىٰ).
- الست هدىٰ.. مسرحية . : استوحىٰ الشاعر أحداثها من الحياة الاجتماعية المعاصرة، وهي مسرحية ساخرة انتقد فيها النفعيين والانتهازيين.
- مسرحية أميرة الأندلس: ڪتب الشاعر هذه المسرحية بطريقة نثرية، وهي مستوحاة من التاريخ العربي، وأساسها الوفاء والالتزام بالعهد.
- مسرحية البخيلة: تُعدّ مسرحية ڪوميدية ناقدة مستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة، وقد اتجه أحمد شوقي فيها إلىٰ طبقة البسطاء أو الأشخاص العادييين مبتعداً تماماً عن تلك الطبقة الارستقراطية، فــ „ البخيلة ” هي امرأة عادية تدخر الثروة وتحرم نفسها من ڪل شيء.
ڪما للشاعر مطولة شعرية ضمها ڪتاب (دول العرب وعظماء الإسلام)، تحتوي فصلاً ڪاملاً عن السيرة النبوية العطرة. وقد تم طبع المطولة بعد وفاة الشاعر، وأغلب هذه المطولة عبارة عن أراجيز تاريخية من تاريخ العهود الإسلامية الأولى وإلىٰ عهد الدولة الفاطمية.
لذا فقد جمع أحمد شوقي أشعاره في ديوانه الڪبير : “الشوقيّات”، ڪما ڪتب روايات نثرية مثل “عذراء الهند” وقد ألفها عام 1897م: هي رواية عن تاريخ مِصر القديم أيام الملك رمسيس الثاني، وعددًا من المقالات الاجتماعية، ونظم إسلاميات رائعة تغنت بها ڪوڪب الشرق السيدة « „ أم كلثوم ” » وأشهرها “نهج البردة” التي تنافس الشراح علىٰ شرحها.
له في النثر بعض الروايات هي:
- لادياس: وكلمة (لادياس) تعني آخر الفراعنة، وهي أيضاً عن تاريخ مِصر القديم، وتعڪس حالة مِصر قبل القرن الخامس الميلادي، أي بعد عهد بسمافيك الثاني في عام 1899م؛ و
- شيطان بنتاؤور عام 1901م؛ أي: مذڪرات بنتاؤور: هي رواية تدور حول معتقد مِصري قديم وهو أنّ بعض الناس بإمڪانهم التڪلم مع الطيور والتعبير عنهم بألسنتهم، فڪانت الرواية عبارة عن حوار دار بين طائر الهدهد الذي يرمز إلىٰ الشاعر ذاته وطائر النسر الذي يرمز إلىٰ الشيطان الذي ڪان يسڪن بنتاؤور الشاعر المِصري القديم. وأخيراً
- ورقة الآس عام 1904م: هي أيضاً رواية تاريخية وقعت أحداثها في زمن سابور ملك الفرس.
الڪتب :
لم يڪتب الشاعر أحمد شوقي الڪثير من الڪتب، واقتصر علىٰ ڪتابين هما:
- ڪتاب أسواق الذّهب [(يحوي العديد مِن المقالات الاجتماعية التي جُمعت عام 1932 م، تحت عنوان أسواق الذهب من مواضيعها: الوطن، الأهرامات، الحرية، الجندي المجهول، قناة السويس)].. : وهذا الڪتاب هو عبارة عن نصوص نثرية بمفردات صعبة لأمير الشعراء، تناول فيها أموراً متعلقة بالحياة البشرية، وقد عرّفها في مقدمة الڪتاب قائلاً:
(إنما هي ڪتاب، اشتملت علىٰ معانٍ شتىٰ الصور وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر، منها ما طال عليه القدم، وشاب علىٰ تناوله القلم، وألم به الغُفل من الڪُتاب والعلم، ومنها ما ڪثر علىٰ الألسنة في هذه الأيام وأصبح يعرض في طرق الأقلام وتجرىٰ به الألفاظ في أعنة الڪلام؛ من مثل: الحرية، والوطن، والأمة، والدستور، والإنسانية، وڪثير غير ذلك من شؤون المجتمع وأحواله).
ڪما للشاعر وفي مجال المدح أنشد قصائد في الخديوي إسماعيل وتوفيق وعباس وحسين وفؤاد ڪما مدح بعض سلاطين بني عثمان ومنهم: عبدالحميد الثاني ومحمد الخامس وبعض الأعيان. وفي الرثاء في الجزء الثالث رثىٰ أمه، وجدته، وأباه، الخديوي توفيق، ومصطفى فهمي باشا، رياض باشا، بالإضافة إلىٰ بعض الشعراء والڪتاب والفنانين ڪالشاعر حافظ إبراهيم، يعقوب صدوق، فڪتور هوغو، تولستوي، المنفلوطي.
وفي الغزل له أسلوب جديد أبدع فيه إلا أن المرأة لم تأخذ حيزاً ڪبيراً فيه ومن ذلك قوله:
خَدَعوها بِقَوْلِهِم حَسْناء * والغواني يغرهن الثناء
ڪما ڪان للشاعر أحمد شوقي قصائد في القمر والوصف الذي قصره علىٰ الأقدمين، ومنه الغزل والخمرة والمدن المنڪوبة والأطلال. وفي الشعر الديني الذي خصص له العديد من القصائد، -ڪما أسلفت- : منها: "نهج البردة"، و "سلوا قلبي"، و "الهمزية النبوية"، التي عارض فيها (بردة البوصيري وهمزيته) التي يقول فيها:
وُلِد الْهُدى فالْڪائِنات ضِياءُ * وفَمُ الزَّمانِ تَبَسُمٌ وثَناءٌ
ولـ أحمد شوقي خمس قصائد في مدح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وعرض له في قصائد أخرىٰ، وهي البردة التي تتكون من 190 بيتاً، والثانية هي ذڪرىٰ المولد وتتڪون من 99 بيتاً، ومطلعها:
به سحر يتيحه * ڪلا جفنين يعلمه
والثالثة نظمها عام 1331هـ، الموافق 1914 م يقول فيها:
سَلوا قَلْبي غُداةً سَلا وتابا * لَعَلَّ عَلىٰ الْجَمالِ لَهُ عِتابا
والرابعة قصيدة الهمزية النبوية التي قالها عام 1334هـ الموافق 1917 م ومطلعها:
ولد الهدى فالڪائنات ضياء * وفم الزمان تبسم وثناء
وهي قصيدة طويلة تحتوي علىٰ (131) بيتاً شعرياً، و
الخامسة وهي أرجوزة طويلة (دول العرب وعظماء الإسلام) بلغت في عدد أبياتها حد الملحمة الشعرية، حيث بلغ عدد أبياتها (1726) نظمها عندما ڪان في منفاه بالأندلس، وهذه تعتبر « „ ڪتابه الثاني ” » فـ :
- ڪتاب „ دول العرب وعظماء الإسلام ” : يُعدّ هذا الڪتاب علامة بارزة في تاريخ الأدب العربي، فهو عبارة عن أراجيز مزدوجات تتألف من ألفي بيت، نظّمها الشاعر أحمد شوقي بإبداع، تحدث فيها عن سيرة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسيرة الخلفاء الراشدين، وسير رجال آخرين، وذڪر دول العرب في العصور الأمويّة، والعباسيّة، والفاطميّة. و
القصيدة السادسة تناول فيها ڪبار الحوادث التي وقفت في وادي النيل قالها عام 1894 م.
وله في السياسة باع طويل، فهو من مؤيدي الدولة العثمانية وفي حب مِصر أنشد وهو في منفاه الأندلس:
يا ساڪني « „ مِصر ” » إنا لا نزال علىٰ * عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهرڪم * شيئاً نبل به أحشاء صادينا
ڪل المناهل بعد « „ النيل ” » أسنة * ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
إمارة الشعر :
أصبح أحمد شوقي بعد عودته من منفاه شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بڪل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه “الشوقيّات”. وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن „ حافظ إبراهيم ” باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي « „ النيل ” » بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجِّعي
أعيدي علىٰ الأسماع ما غردت به * براعة شوقي في ابتداء ومقطع
مبايعته أميرا للشعراء:
في يوم الجمعة الموافق 29 أبريل 1927م أقيم في دار الأوبرا القديمة في القاهرة مهرجان لتڪريم أحمد شوقي اشترك فيه عدد ڪبير من الشعراء والأدباء من مختلف الأقطار العربية، وقد بايعوه بإمارة الشعر العربي، وألقى حافظ إبراهيم قصيدة يبايع فيها شوقي قال في أحد أبياتها:
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا * وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
بايع شعراء العرب ڪافة أحمد شوقي أميرا للشعر، وبعد تلك الفترة تفرغ شوقي للمسرح الشعري حيث يعد الرائد الأول في هذا المجال عربياً.
زواجه :
تزوج أحمد شوقي من السيدة « „ خديجة شاهين ” » وله منها ثلاثة أبناء، هم:
- حسين، و
- أمينة، و
- علي.
مرضه :
أصيب أمير الشعراء وهو علىٰ أعتاب الستين من أيام حياته وسنين عمره بمرض تصلب الشرايين، وفي عام 1930م أصيب بمرض آخر مفاجئ أنهك قواه وألزمه الفراش لمدة أربعة أشهر، ورغم مرضه وضعفه إلّا أنّ قريحته للڪتابة ڪانت قَوِيَة وزاد إنتاجه الشعري، فقد ألّف في تلك الفترة القصيرة: مجنون ليلىٰ، وقميز، وعلي بك الڪبير، والبخيلة، والست هدىٰ، و"شريعة الغاب"،
وفاة الشاعر أحمد شوقي :
افتجأ الموت أحمد شوقي -ڪما يتفاجأ ويفجؤ الڪثيرون- بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شبان مِصر..
... وفي مساء 13 تشرين الأول/أكتوبر عام 1932م أفلت شمس الشاعر المبدع أحمد شوقي، وسلّم الروح وسط ذهول الحاضرين عنده والذين حاولوا إنقاذه من ضيق النفس ونوبة السعال التي أصابته، وتلقىٰ العرب في جميع الأقطار نبأ وفاة أحمد شوقي بالحزن الشديد، ونعتته الصحف والمجلات، وظلوا يتحدثون عن شعره وعن حياته لفترة طويلة، ڪما و رثاه الأدباء والشعراء بڪل ألم وأسىٰ...
.. وحين دُفن ڪُتب علىٰ قبره بيتان من قصيدة (نهج البردة) التي نظمها في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ ڪان قد وصىٰ بذلك قبل موته، وهذان البيتان هما:
يَا أحمدَ الخَيْرَ، لي جاهٌ بِتَسْمِيَتي .*. وَڪَيْف لا يَتَسامىٰ بالرَّسولِ سَمِيّ؟
إنْ جَلَّ ذَنْبِي عَنِ الغُفْرانِ لي أمَلٌ .*. فِي اللهِ يَجْعَلُنِي في خَيْرِ مُعْتَصمِ
...
.. وتوفي في ليلة 14 جمادى الآخرة 1351 هـ / 14 تشرين الأول/أكتوبر 1932م.. الرابع عشر من تشرين الأوّل/أكتوبر من عام ألف وتسعمئة واثنين وثلاثين، ويُذڪر أنَّه توفي في قصره المشهور بڪرمة ابن هانئ الواقع علىٰ ضفاف النيل بالجيزة...
...
...
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من الشعراء، والأدباء الذين أشادوا بشِعره، ومِن أبرزهم:
- طه حسين: إذ تحدّث عن شوقي بوَصفه شاعراً مُجدِّداً أدخل فنّاً جديداً لم يڪن موجوداً عند غيره من الشعراء علىٰ اللغة العربيّة، والشِّعر علىٰ وجه الخصوص.
- العقاد: إذ ذڪر أنّ أحمد شوقي من أهمّ الأعلام في جيله؛ فقد ڪان يتمتّع بصفات، ومزايا لم تڪن موجودة عند أقرانه من الشعراء.
- المازني: وقد تحدّث عن شوقي بوصفه أنضج الشعراء ضمن طبقته، وأڪثرهم بلاغة، وهو رمز للعرب ڪافّة، ومِصر بشڪل خاص.
..
يرىٰ ڪثيرون أن شوقي ڪان يملك خيالا خصبا وعاطفة صادقة ومشاعر جياشة، وڪان صاحب موهبة شعرية فذة أڪمل بها المهمة التي بدأها الشاعر المِصري محمود سامي البارودي لإحياء الشعر العربي وإعادته إلىٰ مستواه الرفيع في عهوده الزاهرة، فقد ڪان الشعر العربي علىٰ موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحرڪة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحرڪة، ڪليل البصر. وشاء الله أن يڪون “البارودي” هو الذي يعيد الروح إلىٰ الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشڪل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية. ولم يشأ الله تعالىٰ أن يڪون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن ڪان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بڪوڪبة من الشعراء من أمثال:
- إسماعيل صبري، و
- حافظ إبراهيم، و
- أحمد محرم، و
- أحمد نسيم، و
- أحمد الكاشف، و
- عبدالحليم المِصري.
وڪان أحمد شوقي هو نجم هذه الڪوڪبة وأميرها بلا منازع عن رضىٰ واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجىٰ القلوب.
........ إلا أن مدرسة العقاد النقدية -وعلىٰ رأسها الأستاذ سيد قطب- نالت من شوقي وشعره، ووجهت إليهما إهانات مؤلمة..
يوجد ثمثال لــ : " أحمد شوقي في روما، إيطاليا. ".
وآخر :" في الدقي بالقاهرة ".
ــــــــــــ
وَرَقةٌ مِن الْمَجَالِسِ السَّنيَّةِ الْنَّدِيَّة تحڪي عن عظماء الأمة العربية والإسلامية! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتتبقىٰ ڪلمة في الحلق ينبغي أخراجها : إذ أن دراسة سيرة حياة الڪبار والعظماء.. أمثال ضيفنا اليوم أمير الشعراء أحمد شوقي؛ وتنشر في موقع إعلامي يبث من وسط أروبا:"آستروعرب نيوز".. دراسة هذه السيرة وما يشابهها يلزمنا إعادة النظر في حال ونشاط وأهداف وخدمات وبرامج التجمعات المِصرية.. والعربية.. وتجمعات بقية مَن جاؤوا مِن أنحاء أرض العرب والمسلمين إلىٰ الغرب؛ وارادوا البقاء خاصةً في فيينا/النمسا؛ سواء أكان التجمع تحت شعار وطني قومي أو شعار إسلامي.. إذ أن ما يقدم من خدمات لا يتناسب مع أهداف تلك التجمعات!... لذا لزم إعادة النظر!...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ؛ ثم الْمِصْرِيُّ.. نَزِيل فيينا؛ د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-)
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ: الأربعاء ٢٧ ربيع أول ~الموافق 11 أكتوبر 2023 من الميلاد العجيب للسيد المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-


حوادث مِن عام ولادة المصطفىٰ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتىٰ زمان وفاته
إجمال ما حدث في حياة

قال الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر سابقً (المتوفى سنة 1378هـ) في مجلة الهداية الإسلامية مـا نصه: ”أما احتفالنا بذڪرىٰ مولده فإنّا لم نفعل غير ما فعله حَسّان بن ثابت -رضي الله عنه- حين ڪان يجلس إليه الناس ويسمعهم مديح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شعر.. ولم نفعل غير ما فعل علي بن أبي طالب أو البراء بن عازب أو أنس بن مالك -رضي الله عنهم- حين يتحدثون عن محاسن رسول الله الخُلقية والخَلقية في جماعة. “
ــــــــ ــــــ ـــــ
بيان ما وقع مِن الحوادث مِن عام ولادته ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ زمان وفاته ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ سبيل الإجمال

بيان زمن ولادته عاما ويوما وشهرا ومڪانا
اعلم أن الأڪثر علىٰ أنه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولد عام الفيل، وحڪى بعضهم الإجماع عليه.
قال: وڪل قول خالفه فهو وهم.
وقيل بعد الفيل بخمسين يوما،
وقيل بزيادة خمسة أيام،
وقيل بشهر،
وقيل بأربعين يوما،
وقيل بشهرين وعشرة أيام،
وقيل بعشرين سنة،
وقيل بعشر سنين،
وقيل بخمس عشرة سنة.
و
ڪانت ولادته ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يوم الاثنين في شهر ربيع الأول لعشر خلون منه
وقيل لليلتين،
وقيل لثمان خلت، واختاره الحميدي تبعا لشيخه ابن حزم.
وحڪى القضاعي -رحمه الله- عن «عيون المعارف» إجماع أهل التاريخ عليه.
وقيل لاثنتي عشرة ليلة
و
هو المشهور،
و
قيل لسبع عشرة،
وقيل لثمان بقين منه،
و
ذلك في النهار عند طلوع الفجر،
و
قيل ولد ليلا..
و
عليه عمل أهل مڪة في زيارة موضع مولده الشريف ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وڪونه في شهر ربيع الأول هو قول الجمهور من السادة العلماء،
وحڪى ابن الجوزي -رحمه الله- الاتفاق عليه.
وقيل في صفر،
وقيل في ربيع الآخر
وقيل في رجب،
وقيل في شهر رمضان.
واختلف في
مڪان ولادته ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فــ
قيل بمڪة وعليه قيل بالدار التي ڪانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج،
و
قيل بالشعب.. شعب بني هاشم
وذلك المحل الذي يزوره البعض، و
قيل بالردم، و
قيل ولد ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعُسفان.
-*/*-
وفي السنة ﴿ «„ (٣).‟» ﴾؛ الثالثة من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شق صدره الشريف عند ظئره حليمة -رضي الله تعالىٰ عنها-، و
قيل ڪان في الرابعة﴿ «„ (٤).‟» ﴾؛ ،
وفيها ولد أبو بڪر الصديق -رضي الله تعالىٰ عنه- بمنىٰ.
وفي السنة السادسة﴿ «„ (٦).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪانت وفاة أمه آمنة ودفنت بالأبواء، و
قيل بشعب أبي ذئب بالحجون محل مقابر أهل مڪة، و
قيل في دار رائعة بالمعلاة، و
فيها ولد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
وفي السنة السابعة ﴿ «„ (٧).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- استقل بڪفالته جده عبدالمطلب، وفيها أصابه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رمد شديد، وفيها استسقىٰ عبدالمطلب وهو ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- معه بسبب رؤيا دقيقة، وفيها خرج عبدالمطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن الحميري بالمُلك.
وفي السنة الثامنة﴿ «„ (٨).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪانت وفاة جده عبدالمطلب.. وڪفالة عمه أبي طالب له ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-. وفي هذه السنة مات حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود والڪرم، ومات ڪسرى أنو شروان.
وفي السنة التاسعة﴿ «„ (٩).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قيل سافر به عمه أبو طالب إلىٰ بصرىٰ من أرض الشام، وهي مدينة هوازن.
وفي السنة العاشرة﴿ «„ (١٠).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪانت حرب الفجار الأولىٰ.
وفي السنة العاشرة ﴿ «„ (١٠).‟» ﴾؛ وقيل الحادية عشرة ﴿ «„ (١١).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪان شق صدره الشريف.
وفي السنة الثانية عشرة ﴿ «„ (١٢).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪان حرب الفجار الثانية. وڪان سفر عمه أبي طالب به ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ بصرىٰ من أرض الشام علىٰ ما عليه الأڪثر.
وفي السنة الثالثة عشرة ﴿ «„ (١٣).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
وفي السنة الرابعة عشرة﴿ «„ (١٤).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪانت حرب الفجار الثالثة، وقيل ڪان عمره ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عشرين سنة.
وفي السنة السابعة عشرة ﴿ «„ (١٧).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪان سفر عمه الزبير بن عبدالمطلب والعباس ابني عبدالمطلب لليمن للتجارة، وصحبهما النبي ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .
وفي السنة الخامسة والعشرين﴿ «„ (٢٥).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ڪان سفره ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ الشام مع ميسرة غلام خديجة -رضي الله عنها-.
وتزوج صلى الله عليه وسلم خديجة.
وفي سنة ثلاثين﴿ «„ (٣٠).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولد علي بن أبي طالب -ڪرم الله وجهه- في الڪعبة.
وفي سنة أربع وثلاثين﴿ «„ (٣٤).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولد معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- ومعاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
وفي سنة خمس وثلاثين﴿ «„ (٣٥).‟» ﴾؛ من مولده ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هدمت قريش الڪعبة وبنتها.
وفي سنة سبع وثلاثين﴿ «„ (٣٧).‟» ﴾؛ رأى ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الضوء والنور، وڪان ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يسمع الأصوات.
﴿ «„ (٤٠).‟» ﴾؛ وفي السنة الأولىٰ ﴿ «„ (١).‟» ﴾؛ من النبوة ڪان نزول الوحي عليه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في اليقظة بعد أن مڪث ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر يوحىٰ إليه في المنام.
وفي السنة الثالثة ﴿ «„ (٣).‟» ﴾؛ من النبوة قيل توفي ورقة بن نوفل.
وفي السنة الرابعة ﴿ «„ (٤).‟» ﴾؛ من النبوة ڪان إظهار الدعوة.
وفي السنة الخامسة﴿ «„ (٥).‟» ﴾؛ من النبوة ولدت عائشة -رضي الله عنها-. و
قيل ولدت في الرابعة﴿ «„ (٤).‟» ﴾؛.
وفي السنة الخامسة﴿ «„ (٥).‟» ﴾؛ أيضا ڪانت الهجرة الأولىٰ إلىٰ أرض الحبشة. و
فيها ماتت سمية أم عمار بن ياسر -رضي الله عنهم-، وهي أول شهيدة في الإسلام.
وفي السنة السادسة ﴿ «„ (٦).‟» ﴾؛ من النبوة أسلم حمزة بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. و
قيل أسلما -رضي الله عنهما- في سنة خمس﴿ «„ (٥).‟» ﴾؛ ، وڪان إسلام حمزة -رضي الله عنه- قبل إسلام عمر -رضي الله عنه- بثلاثة أيام.
وفي السنة السابعة﴿ «„ (٧).‟» ﴾؛ من النبوة تقاسمت قريش وتعاهدت علىٰ معاداة بني هاشم وبني المطلب وقيل ڪان ذلك في السادسة﴿ «„ (٦).‟» ﴾؛ ، وقيل في الخامسة﴿ «„ (٥).‟» ﴾؛ ، وقيل في الثامنة﴿ «„ (٨).‟» ﴾؛ وذلك في خيف بني ڪنانة بالأبطح ويسمىٰ محصبا، وهو بأعلىٰ مڪة -شرفها الله- عند المقابر.
وفي السنة التاسعة﴿ «„ (٩).‟» ﴾؛ من النبوة ڪان انشقاق القمر له ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .
وفي السنة العاشرة﴿ «„ (١٠).‟» ﴾؛ من النبوة مات أبو طالب وماتت خديجة -رضي الله عنها-. وسُمى ذلك العام عام الحزن. وفيها جاءه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جن يصيبين وأسلموا. و
فيها تزوج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سودة -رضي الله عنها- بنت زمعة ودخل عليها في مڪة. و
فيها عقد ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عقده علىٰ عائشة -رضي الله عنها-، ولم يدخل ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عليها إلا في المدينة.
وفي السنة الحادية عشرة﴿ «„ (١١).‟» ﴾؛ من النبوة ڪان ابتداء إسلام الأنصار -رضي الله عنهم-.
وفي السنة الثانية عشرة﴿ «„ (١٢).‟» ﴾؛ من النبوة ڪانت ليلة الإسراء والمعراج. و
فيها وقعت بيعة العقبة الأولىٰ.
وفي السنة الثالثة عشرة﴿ «„ (١٣).‟» ﴾؛ من النبوة ڪانت بيعة العقبة الثانية التي هي الكبرىٰ، وبعضهم يسميها العقبة الثالثة، ويسمىٰ إسلام الأنصار عقبة مع أنه لا مبايعة فيه. وفي هذه السنة أراد أبو بڪر -رضي الله عنه- أن يهاجر للحبشة، فلما بلغ برك الغماد رده ربيعة بن الدغنة سيد القارة.
وفي السنة الرابعة عشرة﴿ «„ (١٤).‟» ﴾؛ من النبوة وهي السنة الأولىٰ ﴿ «„ (١).‟» ﴾؛ من الهجرة إلىٰ المدينة، فڪانت الهجرة فيها في صفر أو في غرة ربيع الأول. وفيها ڪان بناء المسجد ومساڪنه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومسجد قباء، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-،
قيل وڪان ابتداء خدمة أنس -رضي الله عنه- له ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- . فقد جاء أنه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة صارت الأنصار يبعثون إليه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالهدايا رجالهم ونساؤهم، وڪانت أم أنس -رضي الله عنهما- لا شيء لها تهديه له ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فڪانت تتأسف، فأخذت يوما بيد أنس -رضي الله عنه- وقالت: يا رسول الله هذا يخدمك. وجاء أن زوجها أبا طلحة -رضي الله عنه- جاء به إلىٰ رسول الله ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقال: يا رسول الله إن أنسا غلام ڪيس فليخدمك. وجمع بأن أمه جاءت به أولا ثم جاء به أبو طلحة ثانيا لأنه وليه وعصبته، قال في «الخميس» وهذا غير مجيئه به لخدمته ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في غزوة خيبر. وفيها ڪما في الأصل، و
قيل في السنة الثانية﴿ «„ (٢).‟» ﴾؛ زيد في صلاة الحضر رڪعتان وترڪت صلاة الفجر وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، وأقرت صلاة السفر، وترڪت علىٰ الفريضة الأولىٰ ڪذا قيل.
وفي هذه السنة مات من مشرڪي مڪة الوليد بن المغيرة. ولما احتضر جزع، فقال أبو جهل -لعنة الله-: يا عم ما جزعك؟ فقال: والله ما بي من جزع من الموت ولڪن أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمڪة، فقال أبو سفيان -رضي الله عنه-: لا تخف، إني ضامن أن لا يظهر. و
فيها مات العاص بن وائل. و
فيها مات أسعد بن زرارة -رضي الله عنه- و
فيها ابتدئت الغزوات، فڪان فيها غزوة الأبواء وغزوة ودان ڪما في الأصل. وفي هذه السنة بنى ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعائشة -رضي الله عنها-، و
فيها شرع الأذان، و
فيها صلى الجمعة في طريقه حيث ارتحل ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قباء إلىٰ المدينة، وهي أوّل جمعة صلاها، وأول خطبة خطبها في الإسلام. و
فيها أسلم عبدالله بن سلام -رضي الله عنه-. وڪان فيها بعث عمه حمزة -رضي الله عنه- يعترض عيرا لقريش، وبعث ابن عمه عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- إلىٰ بطن رابغ. وبعث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- إلىٰ الخرار يعترض عيرا لقريش.
وفي السنة الخامسة عشرة ﴿ «„ (١٥).‟» ﴾؛ من النبوة والثانية﴿ «„ (٢).‟» ﴾؛ من الهجرة تزوّج عليا -ڪرم الله وجهه- بفاطمة -رضي الله عنها- وتڪنيته بأبي تراب، وغزوة بواط وغزوة العشيرة، وسرية عبدالله بن جحش -رضي الله عنه- إلىٰ بطن نخلة، وتحويل القبلة، وتجديد بناء مسجد قباء، وفرض رمضان وغزوة بدر الڪبرىٰ، ووفاة رقية بنت النبي ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و-رضي الله عنها-، وقتل عصماء وفرض زڪاة الفطر، وشروع صلاة عيده. وفرض زڪاة الأموال، وغزوة قرقرة الڪدر. وسرية سالم بن عمير -رضي الله عنه-. وغزوة بني قينقاع. وغزوة السويق، وموت عثمان بن مظعون -رضي الله عنه-، والتضحية وصلاة عيدها.
وفي السنة السادسة عشرة﴿ «„ (١٦).‟» ﴾؛ من النبوّة والثالثة﴿ «„ (٣).‟» ﴾؛ من الهجرة سرية محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- لقتل ڪعب بن الأشرف -لعنه الله-. وتزوّج عثمان -رضي الله عنه- أم كلثوم -رضي الله عنها-، وغزوة غطفان وغزوة بحران، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ قردة. وتزوّج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حفصة -رضي الله عنها-، وتزوّج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-، وولادة الحسن، وغزوة أحد، وغزوة حمراء والأسد، وعلوق فاطمة بالحسين -رضي الله عنهما-.
وفي السنة السابعة عشرة﴿ «„ (١٧).‟» ﴾؛ من النبوّة والرابعة﴿ «„ (٤).‟» ﴾؛ من الهجرة سرية أبي سلمة -رضي الله عنه- إلىٰ قطن. ووفاته. وسرية عبدالله بن أنيس -رضي الله عنه- إلىٰ عرنة لقتل سنان بن خالد. وسرية القراء -رضي الله عنهم- إلىٰ بئر معونة. وقصة الرجيع. وسرية عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- إلىٰ مڪة لقتل أبي سفيان -رضي الله عنه-، وغزوة بني النضير، ووفاة زينب بنت خزيمة، وغزوة ذات الرقاع، وصلاة الخوف، وولادة الحسين -رضي الله عنه-، وغزوة بدر الصغرىٰ، وتزوّج أم سلمة -رضي الله عنها-، وتحريم الخمر عند بعضهم.
وفي السنة الثامنة عشرة﴿ «„ (١٨).‟» ﴾؛ من النبوة والخامسة﴿ «„ (٥).‟» ﴾؛ من الهجرة غزوة دومة الجندل، وغزوة المريسيع، ونزول آية التيمم، وتزوّج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جويرية -رضي الله عنها-، وقصة الإفك، وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وقصة أولاد جابر -رضي الله عنهم-، وتزوّج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، ونزول آية الحجاب، وفرض الحج.
وفي السنة التاسعة عشرة﴿ «„ (١٩).‟» ﴾؛ من النبوّة والسادسة﴿ «„ (٦).‟» ﴾؛ من الهجرة سرية محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- إلىٰ القرطاء، وقصة ثمامة، وغزوة بني الحيان وغزوة الغابة، وسرية عڪاشة -رضي الله عنه- إلىٰ الغمر، وسرية محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- إلىٰ ذي القصة، وسرية أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- إلىٰ مصارع أصحاب محمد بن مسلمة -رضي الله عنهم-، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ بني سليم بالجموم، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ العيص، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ الطرف، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- الىٰ وادي القرىٰ، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ أم قرفة، وسرية عبدالله بن عتيك -رضي الله عنه- لقتل أبي رافع، وسرية عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه- إلىٰ أسير ابن رزام اليهودي بخيبر، وسرية زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- إلىٰ حسمىٰ، وغزوة الحديبية، ونزول حكم الظهار، وتحريم الخمر، وتزوّجه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أم حبيبة -رضي الله عنها-.
وفي السنة العشرين﴿ «„ (٢٠).‟» ﴾؛ من النبوة والسابعة ﴿ «„ (٧).‟» ﴾؛ من الهجرة، ڪان اتخاذ الخاتم، وإرسال الرسل إلىٰ الملوك، ووقوع السحر به ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وغزوة خيبر، وفتح وادي القرىٰ، والدخول بأم حبيبة -رضي الله عنها-، وسرية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلىٰ طائفة من هوازن، وعمرة القضاء، وتزوّج ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ميمونة -رضي الله عنها-، وسرية ابن أبي العوجاء -رضي الله عنه- إلىٰ بني سليم.
وفي السنة الحادية والعشرين﴿ «„ (٢١).‟» ﴾؛ من النبوّة والثامنة﴿ «„ (٨).‟» ﴾؛ من الهجرة، ڪان إسلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وعمرو بن العاص -رضي الله عنه- وعثمان بن طلحة -رضي الله عنه-، وسرية غالب بن عبدالله الليثي -رضي الله عنه- إلىٰ بني الملوح، وسريته إلىٰ مصاب أصحاب بشير بن سعد -رضي الله عنه- بفدك، واتخاذ المنبر الشريف، وسرية شجاع بن وهب -رضي الله عنه- إلىٰ بني عامر، وسرية ڪعب بن عمير الغفاري إلىٰ ذات أطلاح، وسرية مؤتة، وسرية عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلىٰ ذات السلاسل؛ وسرية أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- إلىٰ سيف البحر، وسرية أبي قتادة -رضي الله عنه- إلىٰ بطن أضم، وسرية عبدالله بن أبي حدرد -رضي الله عنه- إلىٰ الغابة، وغزوة فتح مڪة -شرفها الله تعالى-، وسرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلىٰ العزىٰ بنخلة، وسرية عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلىٰ سواع صنم هذيل، وسرية سعد بن زيد الأشهلي -رضي الله عنه- إلىٰ مناة صنم للأوس، وسرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلىٰ بني جزيمة، وغزوة حنين، وسرية أبي عامر -رضي الله عنه- إلىٰ أوطاس، وسرية أبي الطفيل إلىٰ ذي الڪفين، وغزوة الطائف، وولادة ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقدوم أول الوفود عليه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو وفد هوازن، ووفاة زينب بنت رسول الله ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و-رضي الله عنها-.
وفي السنة الثانية والعشرين﴿ «„ (٢٢).‟» ﴾؛ من النبوّة وهي التاسعة﴿ «„ (٩).‟» ﴾؛ من الهجرة، بعث عيينة بن حصن الفزاري إلىٰ تميم، وبعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلىٰ بني المصطلق، وسرية قطبة بن عامر -رضي الله عنه- إلىٰ خثعم، وسرية الضحاك الڪلابي -رضي الله عنه- إلىٰ بني ڪلاب، وسرية علقمة بن محرز -رضي الله عنه- إلىٰ أهل الحبشة، وبعث علي بن أبي طالب -ڪرم الله وجهه- إلىٰ الفلس، وبعث عكاشة بن محصن -رضي الله عنه- إلىٰ الجباب، وإسلام ڪعب بن زهير، وهجرة ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لنسائه، وغزوة تبوك، وسرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من تبوك إلىٰ أڪيدر، وإرسال ڪتابه من تبوك إلىٰ هرقل، وهدم مسجد الضرار، وقصة ڪعب بن مالك وصاحبيه -رضي الله عنهم-، وقصة اللعان، وإسلام ثقيف، ورجم الغامدية، ووفاة النجاشي، ووفاة أم ڪلثوم -رضي الله عنها-، وموت عبدالله بن أبيّ ابن سلول، وحج أبي بڪر الصديق -رضي الله عنه-.
وفي السنة الثالثة والعشرين﴿ «„ (٢٣).‟» ﴾؛ من النبوّة وهي العاشرة ﴿ «„ (١٠).‟» ﴾؛ من الهجرة قدوم عدي بن حاتم -رضي الله تعالى عنه-، وبعث أبي موسىٰ الأشعري -رضي الله عنه- ومعاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلىٰ اليمن، وبعث خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلىٰ بني الحارث بن ڪعب بنجران، وبعث علي بن أبي طالب -ڪرم الله وجهه- إلىٰ اليمن، وبعث جرير بن عبدالله البجلي إلىٰ تخريب ذي الخلصة، وبعث جرير بن عبدالله أيضا -رضي الله عنه- إلىٰ ذي الڪلاع، وبعث أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- إلىٰ أهل نجران، وقصة بديل وتميم الداري، ووفاة ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وخروجه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للحج.
وفي السنة الرابعة والعشرين ﴿ «„ (٢٤).‟» ﴾؛ من النبوة وهي الحادية عشرة﴿ «„ (١١).‟» ﴾؛ من الهجرة، قدوم وفد النخع، وسرية أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- إلىٰ أبنى، وقصة الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة، وما وقع في ابتداء مرضه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ومدة مرضه، ووقت مرضه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وإنتقاله إلى الرفيق الأعلىٰ وغسله وتڪفينه، والصلاة عليه، ودفنه ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرم، والله أعلم.
ــــــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــــــــــ ــــــــ ــــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
‏الخميس‏، 14‏ ربيع الأول‏، 1445
-*/*-
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ


النظام التعليمي (2)

مع قرب انطلاق العام الدراسي الجديد(2023 / 24 )، تجد العديد من الأسر بعض الصعوبات في تهيئة الطفل للعودة للدراسة، بعد أن ظل عدة أسابيع -الراحة الصيفية- معتادًا علىٰ نظام روتيني يومي متنوع غير منضبط، وفي حالة إذا ڪان الطفل في المرحلة الابتدائية، فيوجد بعض النصائح التي يجب القيام بها قبل بدء العام الدراسي من أجل العمل علىٰ إعداده للعودة إلىٰ المدرسة، وسوف تؤتي هذه النصائح بثمرة نجاح ملحوظة لدىٰ الطفل قبيل العودة للمدرسة .
وقبل الحديث يصلح أن أنبه علىٰ أن الجيل الثاني بالقطع والأجيال التي تليه؛ وأفراد قلائل من ابناء الجيل الأول في أوروبا يفهمون هذه المصطلحات :
« „ Bildung ” » ؛
« „ Ausbildung” » ؛
« „ Weiterbildung ” » ؛
« „ Fortbildung” » ؛
والمصطلح الأول يعني التعليم الإلزامي؛ وهو لجميع التلاميذ ويبدء من سن السادسة ويستمر حتىٰ العاشرة وهو ما يطلق عليه التعليم الإبتدائي ويستغرق أربع سنوات من عمر التلميذ.. يتحصل خلالها علىٰ مبادئ اللُغة والتي ستصير فيما بعد لغته الأم .. لغة التخاطب ولُغة الڪتابة ومبادئ الحساب والعلوم.. وقد يسبق هذا التعليم سنة تحضيرية تسمىٰ « „ Vorschule ” » ؛ وهذه السنة لهؤلاء التلاميذ بغض النظر عن لغتهم الأم وجنسيتهم؛ وهم الذين لا يتمڪنون من اجتياز اختبار القبول في الصف الأول الإبتدائي؛ وهذا الاختبار يڪون قبل بدء العام الدراسي القادم وغالبا يتم أختبار القبول في المدرسة الإبتدائية في شهر فبراير وترسل المنطقة التعليمية -قبل ذلك- خطابا لولي أمر التلميذ تخبره بمڪان المدرسة التي سيقبل فيها وميعاد الأختبار؛ وهذه السنة -التمهيدية- تحسب لصالح التلميذ في عدد سنوات دراسته؛ ونظام التعليم الإلزامي يمتد بعد مرحلة الإبتدائي اربع سنوات آخرىٰ سواء علىٰ مستوىٰ الإعدادي أو النصف الأول من التعليم الثانوي
.. وعلىٰ الرغم من التعقيدات التي قد تنتاب ولي الأمر عند معرفته بالنظام التعليمي في النمسا إلا أنه واحد من أفضل النظم التعليمية علىٰ مستوىٰ القارة الأوروبية. فالنمسا تضع من التعليم أولوية، وقد أصبح حضور الطلاب إلىٰ المدارس إجباريًا في النمسا حتىٰ سن 15 عامًا مما يعڪس حرص الدولة علىٰ العملية التعليمية.
تنقسم المدارس في النمسا إلى مدارس حكومية، ومدارس خاصة ودولية. وتقوم وزارة التعليم الفيدرالية بالتمويل والإشراف علىٰ جميع مراحل التعليم في النمسا الابتدائي، والإعدادي أو التأهيلي لنهاية التعليم الإلزامي أو HTLوالثانوي والتعليم العالي ولڪن يحق لڪل ولاية من التسع الإدارة بشڪل منفرد.
-*/-
ما هي المراحل الدراسية في النظام التعليمي النمساوي؟
- مرڪز رعاية الطفل، للأطفال تحت سن الثالثة.
- روضة الأطفال، من سن الثالثة حتىٰ السادسة.
وهنا ينبغي إحسان أختيار الروضة؛ إذ تڪمن أهمية تواجد الصغير في روضة الأطفال ليتمڪن من حسن الإستماع للُغة التخاطب واجادة النطق لِلُغة جمهورية الألب؛ ثم تأتي:
- المرحلة الابتدائية، وتنتهي في سن العاشرة..
ڪما توجد: ما تسمىٰ بــ Sonderschule لأصحاب الإحتياجات اللُغوية والخاصة أو العلمية
- المرحلة الإعدادي وعند إنتهائها يتمڪن التلميذ من دخول مجال التعليم الفني أو الذهاب إلىٰ :
- المرحلة الثانوية، والتي تنتهي في سن الثامنة عشر.
ولتوضيح هذه المرحلة يصلح القول:
بأن التعليم الثانوي العام مجاني في النمسا، ويتم من خلاله تدريس المواد الأساسية إلىٰ جانب المواد الأخرىٰ التي تختلف باختلاف المسار الذي اختاره الطالب، وهناك بعض الأنواع المختلفة لمدارس التعليم ما بعد الإبتدائي في النمسا منها:
- المدرسة الإعدادية، يلتحق بها الطالب من سن العاشرة حتىٰ سن الرابعة عشر يدرس بها المواد الأساسية مع بعض المواد الاستڪشافية التي تساعده في معرفة التخصص الذي يرغب باستڪمال دراسته فيه.
- مدرسة الثانوية المهنية، يلتحق بها الطلب من سن العاشرة حتىٰ سن الثالثة عشر ويقوم الطلب بدراسة المواد الأساسية مع التدريب المهني المنظم في المجال الذي اختاره.
- المدارس الثانوية الأڪاديمية، يهتم بالانضمام إليها الطلاب الذين لديهم رغبة لاستڪمال دراستهم الجامعية، ويمڪن للطلاب بعد الصف الثامن التحويل إلىٰ المسار المهني.
..
وبناءً علىٰ السابق صار لزاماً علىٰ المواطن الذي يحمل جنسية دولة عضو في الإتحاد الأوروبي؛ وتعتني الدولة بنظام التعليم أن يستثمر البرنامج المقدم له؛ وأن يڪمل الخطوات الأربع والتي بدأتُ بها هذا المقال ! .
..
نصائح هامة لتهيئة الطفل قبل العودة للمدرسة؛ وعلىٰ سبيل المثال وليس الحصر :
- تعديل أوقات الاستيقاظ والنوم بشڪل تدريجي
توجد صعوبة علىٰ أي شخص أن يستيقظ خلال سماع صوت المنبه -صباحاً .. مبڪراً بعد قضاء سهرة علىٰ فيلم : عربي/افرنجي/هندي .. أو العبث في المحمول- الاستيقاظ لــ أول مرة، ويعلم العديد من الآباء بأن الأطفال لديهم صعوبة بشڪل ما في عدم التجاوب بالشڪل المطلوب مع التغييرات بجداول النوم والاستيقاظ، لذا يجب العمل علىٰ مساعدة الأطفال التعود ببطء علىٰ الاستيقاظ في موعد محدد ومبڪر، وذلك بوقت أبڪر مما تم الاعتياد عليه من قبل.
وقبل العودة للمدرسة بأسبوعين، يجب البدء في تغيير أوقات الاستيقاظ والنوم بزيادة قدرها 30 دقيقة. وهذا سوف يساعد الطفل علىٰ الاستيقاظ ڪل صباح، وأن يتم النوم بڪل ليلة بالوقت المحدد في أثناء الدراسة.

- إعداد حقيبة الظَهر المدرسية بالليلة السابقة للعودة للمدرسة:
قبل العودة إلىٰ المدرسة بأسبوع، يجب أن يتم مساعدة الطفل علىٰ معايشة أجواء تحضير الحقيبة المدرسية وذلك في الليلة السابقة، ويتم تهيئته بقائمة تساعده علىٰ تحقيق ذلك، مثل: (الڪتب، أدوات الڪتابة والتلوين، لوازم فنية، لعبة مريحة، المجلدات، وجبات خفيفة) مع مساعدته في العثور علىٰ مڪان مخصص يتم فيه إعداد حقيبته حتىٰ يعرف مڪانها عند الخروج للمدرسة في الصباح، وهو ما يعمل علىٰ تهيئة الطفل للذهاب للمدرسة بشڪل ملائم.

- تحفيز عقلية الطفل:
يجب قبل بدء الدراسة أن يتم تحفيز ذهنية الطفل وجعله متحمسًا للتعلم وتشجيعه علىٰ جميع المواد المختلفة التي تڪون مقررة عليه، والسعي نحو تقوية مهارات القراءة والڪتابة عن طريق أدوات اللعب التفاعلية وبعض المحادثات التي تعتمد علىٰ التفڪير والتدبر.

- تعديل أوقات تناول الطعام :
بعد مراجعة جدول المدرسة يجب قبل بدء الدراسة أن يتناول الطفل للواجبات الغذائية في أوقات مماثلة خلال الأسبوع السابق من العودة للمدرسة، ويعمل هذا الإعداد علىٰ تهيئة الطفل بشڪل مناسب قبل بدء العام الدراسي الجديد.

- محادثة الطفل بمواقف متنوعة بالمدرسة
يجب محاڪاة الطفل لبعض المواقف التي تؤثر علىٰ تهيئة عقله للعودة للمدرسة .. مثل فتح حقيبة المدرسة وإظهار ترك ڪراسة الواجب بالمنزل وغيرها من المواقف الدالة علىٰ قرب الدراسة، فمثل هذه الأفعال لها أثر إيجابي في إعداد الطفل نفسيًا قبل الذهاب مرة واحدة إلىٰ المدرسة.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
المقال القادم عن :
[3] أفضل أدوات الذڪاء الاصطناعي في مجال التعليم!
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
الرمادي
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ: السبت : 03 صفر ~ ١٩ أغسطس 2023 من سنة الميلاد العجيب


إنتهاء إجازة صيف [1]

صار العام الواحد ينقسم إلى مناسبات عدة ومواسم متتالية وأعياد رسمية؛ تضاف إليها راحة صيفية لعدة اسابيع وآخرى شتوية؛ وقد تأتي ثالثة خريفية أو ربيعية عدة ايام، كما أنها -السنة- انقسمت من قبل إلى أربعة فصول موسمية وعدة شهور [12] قمرية أو شمسية [13قمريةشمسة=عبري] والعديد من الأسابيع [52] سبعية الأيام، فتبدء الحياة من جديد منتعشة بإنتهاء تقسيم ما ونشطة مع بداية تقسيم آخر جديد!..
إذ أن الحياة بغض الطرف عن الكيفية لا تقف بموت أحد وإن كان ابن الإله؛ وأمير المؤمنين وخليفة المسلمين؛ أو إنتهاء عمر كبار القادة أو فناء زعيم الزعماء وملك الملوك -شاهنشاه- أو الملك الأعظم المعظم.. فــ{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } .. بل تُكمل ثوانيها إلى إن يأذن واجدها وبارِؤها ورازق مَن عليها في إنهائها !
ومع ذلك صارت الناس تتذكر عزيز لديها ترك الحياة على مدار الأعوام ومرور السنين وإن بَعدت الأزمان وكرت المهما حاول الإنسان نسيان ذكرياته مع من أحبَّ لا يستطيع ذلك لأنّ الذكرى تبقى خالدة فينا، نرحل معها إلى ذلك الوقت الجميل لنعيش معه حتى ولو كان حزيناً إلّا أنّه له مذاق خاص، فيبقى الإنسان أسيراً لتلك الذكريات
-*/*-
ولعل الراحة الصيفية هي الوحيدة التي تبقى لحظاتها في ذاكرة مَن ارتاح فيها -قليلاً- من عناء العمل وقلق متابعة وامتحانات الدراسة؛ فتجد الكثير منا يريد إعادة تلك اللحظات الجميلة ليتذكرها في العام الذي يليه .. فيذهب مرة ثانية ليرتاح في نفس المكان الذي كان ارتاح فيه في العام السابق..
.. فـي الراحة الصيفية غالبا ما يقضيها المرء أمام شاطئ بحر ممتد أمامه على مد البصر إلى ما نهاية يحلم ساعة الأصيل؛ وهي التي قبيل العشي والغروب؛ يحلم بمستقبل مشرق .. إذ ما زالت الشمس حاضرة في عيوننا .. وتحت أشعتها يتحصل المرء بعد حين على لونٍ برونزيٍ للمستمتع بها .. ويتناول وجبات غالبا تخص المنطقة الذي نزل بها .. وكلٌ حسب طاقته وقدراته المادية وعدد أفراد أسرته؛ ولعل من المهم أنه قد يتم تعارف بين الأشخاص قد تنتهي بإنتهاء ساعات الراحة الصيفية؛ وهذا هو الغالب.. وقد تبقى هذه العلاقة أو يترتب عليها تصرفات أو أفعال ..
ومن أشهر العلاقات والتي تمت خلال شهور الصيف تلك العلاقة والتي جمعت عمادالدين ابن الملياردير محمد الفايد الذي ولد أيضا كإبنه بمدينة الإسكندرية في منطقة رأس التين .. جمعته شهور الصيف بمطلقة الأمير تشارلز وأمٍ لولدين .. أميرة ويلز..
والحقيقة أن كثيرين ممن انتقلوا إلى القبور كمسكن مؤقت قبل القيامة تحولوا في ذاكرة العديد من الناس إلى أيقونة يعلقونها في ناظريهم ومخيلتهم.. يتذكرونها عند موعد بعينه .. فــ :" لا يزال محبو أميرة ويلز : «ديانا» [(**)]، رغم مرور 25 عاما على رحيلها.. موتها .. مقتلها، يتذكرون حادثة سيارة مرت بــ نفق جسر ألما صيف 1997 نهاية شهور الصيف: ٣١ أغسطس .. الحادث المأساوي، وهي الذكرى التي أحزنت بريطانيا بالكامل، بسبب تأثير الأميرة الشابة الكبير على المواطنين."؛ وكانت الأميرة ديانا تُعرف حول العالم بـلقب :«أميرة القلوب» ؛ إنها " محبوبة الجماهير حول العالم، التي كانت ومازال اسمها محفورا في قلوب الملايين، على الرغم من حياتها القصيرة التي انتهت وهي ابنة الـ 36 عاما من عمرها، في حادث غامض مازال يشغل تفكير الكثيرين محاولين حل لغز مقتلها.. موتها.. رحيلها ".
وما قد يهتم به البعض أو يعنيه بالفعل مدى تلك العلاقة بينهما !؟..
فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط تقريرا في :" 5 سبتمبر 2021 م ـ 28 مُحرَّم 1443 هـ : .. فقد „ قال تقرير صحافي جديد إن العلاقة الرومانسية بين الأميرة الراحلة ديانا وصديقها رجل الأعمال المِصري عمادالدين محمد عبدالمنعم الفايد، الملقب بـ«دودي الفايد»، والتي ظهرت في الصور وأمام كاميرات وسائل الإعلام، لم تكن حقيقية.. مع تلك القبلة الشهيرة في المياة الضحلة.. وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة «ديلي ستار»، فقد أكد موظف سابق عمل مع ديانا ودودي أنه لم يرَ أي دليل على أي وجود علاقة عاطفية بينهما، زاعماً أن «الأميرة الراحلة كانت تتظاهر أمام الكاميرات فقط أنها على علاقة بـ دودي الفايد بعد طلاقها من الأمير تشارلز، في حين أن علاقتهما الحقيقية كانت رسمية بل كان رجل الأعمال الراحل يدعوها بلقب (سيدتي) على انفراد» . وأضاف الموظف: «إن وجود علاقة حب بين ديانا ودودي كان مجرد ادعاء مزيف كبير قدمه الاثنان للصحافي بول مكمولان، بعد أن طلبا منه تغطية عطلتهما بالريفييرا الإيطالية في صيف عام 1997» . ومن جهته، قال مكمولان إنه اندهش مما أخبره به أحد أعضاء طاقم اليخت الذي أبحر به دودي وديانا أثناء عطلتهما بالريفييرا، عن سلوك الاثنين خلف الأبواب المغلقة. وأشار مكمولان إلى أن عضو الطاقم أكد له أن دودي كان يدعو ديانا «سيدتي» وأنهما كانا يقيمان في غرف منفصلة، ولم يتحدثا كثيراً في الحقيقة، زاعماً أن ديانا كانت تعانق دودي وتظهر حبها له فقط عند رؤيتها للكاميرات.
إذاً .. :" مَن هو صاحب الحب الحقيقي في حياتها ؟"
على الرغم من اعتقاد الكثيرين أن دودي الفايد هو عشيقها، إلا أنها لم تكن الحقيقة، فبعد طلاق الأميرة ديانا من الأمير تشارلز انتقلت للمكوث في شقتها المزدوجة من طليقها، وتعرفت على جراح القلب البريطاني الباكستاني الشهير حسنَت خان، الذي وُصف بعد وفاتها من صديقاتها بأنه كان حب حياتها.
كانت الأميرة ديانا قد تقربت إلي حبيبها كثيرًا وذهبت لزيارة أسرته، واتسمت علاقتهما بقدر كبير من السرية والإنكار أمام الإعلام، لقرابة عامين، إلى أن أنهت الأميرة ديانا العلاقة في سرية تامة ".
.. أعترفُ -كاتب هذه السطور- بأن هناك مسائل قد يهتم به الناس لا يترتب عليها أي فائدة تذكر سواء صح الخبر أو كان مجرد زعم.. أو إشاعة!
ولكنه حب الفضول .. وحكاية : قلنا وقالوا .. وسمعت قالوا آيه .. وقد تكون سحابة صيف يرغب المرء في معرفة أين ومتى ستمطر!..
وما زاد -علينا- من وقت يسير أن كل الذكريات تبث فور حدوثها فوق منصات التواصل الإجتماعي [(صوت وصورة)].. وصار كما يقولون و :"إللي ما يشتري يتفرج" .. حتى الخصوصيات!
ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــــ...
[(*)] نكسة الخامس من يونيو 1967، عندما شنت إسرائيل حربا على 3 من دول جوارها العربي، دامت 6 أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة... وتبع ذلك خطاب التنحي؛ فقال :" لقد تعودنا معاً في أوقات النصر وفي أوقات المحنة، في الساعات الحلوة وفي الساعات المرة، أن نجلس معاً، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتا.."..." نصل الآن إلى نقطة هامة في هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسؤولية في تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق -وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي في الأزمة- فإنني على استعداد لتحمل المسؤولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدوني عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر". ...
كانت هذه السطور من خطاب الرئيس جمال عبدالناصر بمثابة صدمة هائلة للجماهير في مِصر، وربما في دول عربية أخرى عديدة من المحيط إلى الخليج، بثتها الإذاعة المِصرية مساء 9 يونيو 1967، عقب أيام من هزيمة مِصر ومعها جيوش عربية أمام الجيش الإسرائيلي، ثم إلتفاف شعبي حول ناصر ... وجنازة جماهيرية لموت ثاني رؤساء مصر تولى الرئاسة من سنة 1956، إلى وفاته بعد نجيب . عبدالناصر: ولد في :15 يناير 1918 ~28 سبتمبر 1970. ".
[(**)]:« „ ديانا~ Diana» اسم من أصل هندو~أوروبي، وهو اسم شائع في الغرب وعند المسيحيين وتعود شهرته نَسَباً لـ إِلهة الصيد والحصون والولادة «ديانا» في الميثولوجيا الرومانية، ومعنى اسمها في اللغة اللاتينية هو السماوية أو المقدسة. ولهذا الاسم معنى في اللغة الفارسية هو رسولة الصحة والإحسان *-.. ديانا .. أميرة ويلز، ولدت ديانا فرانسيس سبنسر (1 يوليو 1961 ~31 أغسطس 1997 ) في عائلة سبنسر البريطانية النبيلة التي تعود لأصول ملكية تلقب بالشرفاء (The Honourable) ‏. كانت المولودة الرابعة والابنة الثالثة لـ جون سبنسر الإيرل الثامن والشريفة فرانسيس شاند كايد. ترعرعت في بارك هاوس بالقرب من مقاطعة ساندرينغهام. وتعلمت في إنجلترا وسويسرا ، وبعد أن ورث والدها لقب إيرل سبنسر، حصلت ديانا على لقب «الليدي» أي السيدة سنة 1975."...
" وقد قامت بكثير من الزيارات للدول الإسلامية؛ منها :
- زيارتها لمسجد بادشاهي في لاهور في باكستان و:
- زيارتها للجامع الأزهر في القاهرة في مِصر وارتدائها الحجاب عند دخول المسجدين؛ وأيضا عند :
- حضورها في السعودية. ".
" حادثة طبيعية أم إغتيال ؟
سؤال لم يستطع المحققون الإجابة عنه حيث أن هناك أدلة تشير أن الحادثة إغتيال؛ ولكن لا يوجد دليل قاطع على ذلك لأن حادث السيارة دائما يكون طبيعيا ولكن الأدلة الواردة التي تجعل الشك يدور حول أن تكون العملية مدبرة:
*.) كان الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية يكره عشيق ديانا (دودي الفايد) حيث إنه كان يسميه حشرة مليئة بالشحم.
*.) قالت الأميرة ديانا قبل موتها بفترة : سأركب يوما طائرة وستنفجر .. ستقتلني وحدة M I 6 وهذا يدل إنها كانت تعلم أنها مراقبة بشدة.
*.) وجد المحققون آثار صدمة على السيارة التي كانت بها الأميرة ديانا ودودي الفايد وكذلك وجدت نفس الصدمة على سيارة بيضاء كانت بجانبها هذا يدل إنه كان هناك إصدام بينهم قبل وقوع الحادث.
*.) السائق الذي كان يقود السيارة كان يعمل في جهاز المخابرات الفرنسية.(تم استبعاد هذه الفرضية؛ لعدم صحتها).
*.) تباطؤ الإسعاف في نقل المصابين حيث استمر بقائهم في موقع الحادث ساعة و 47 دقيقة! ".
ـــ* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
محمد الرمادي
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ: الخميس ١٠ أغسطس 2023 من سنة الميلاد العجيب


عاشوراء 1445 هــ

قد يتساءل آحدهم :
هل يحتاج المرء مِن حين إلىٰ آخر لتفريغ طاقات محبوسة بين أضلاعه!؟..
وقد يأتي سؤال :
هل يحتاج الإنسان في لحظة ما إلىٰ تصريف ما بداخله مِن شحنات سلبية!؟
وبالتالي يأتي استفسار :
وما هو السبيل الطبيعي الصحيح لتفريغ تلك الشحنات السلبية وتصريف هذه الطاقات المحبوسة!
وقد يتبادر إلى الذهن :
أيملك إنسان الأمس أو اليوم الأدوات المعينة له والكيفيات لتفريغ هذا الڪم الهائل من الطاقات والشحنات .. وعليه :
فيحتاج -فعلاً- إلىٰ التنفيس عما بداخله أو ڪما يقال « „ فشَّ خُلْقَه ” » في الآخر؛ أو ما يسمىٰ: « „ cholerisch ” » . والشخص يوصف بأنه: « „ choleriker ” » . وهذا وصفٌ للبعض ..
ويعاد التساءل من جديد :
أم أن الطريق الأصوب والأصح للإنسان يأتي عن طريق مَن خلقه في أحسن تقويم .. وأنعم عليه بارئه بإرسال الرسل وبعث الأنبياء بكتب جاءت عن طريق الوحي ..
ونسرع فنتدارك القول :
إذ أن الإنسان صناعته وهو الذي خلقه .. والخالق منشؤه .. والمبدع هو الذي ڪونه .. فهو -سبحانه وتعالىٰ- الأعلم بحاله ولن يترڪه سدىٰ ..
والمحصلة :
أن تلك التخبطات والتراجعات التي اصابت الإنسان على مر الدهور وڪر السنين إلا نتيجة البُعد السوي عن فطرته !
-*/*-
بيد الظاهر للعيان والمشاهد المحسوس أن الإنسان بصفته الآدمية يحتاج في ڪل مناسبة لــ تفريغ تلك الطاقات وتصريف تلك الشحنات .. يحتاج للتنفيس وبوسائل شتىٰ :
فــ
*)] في حالة الفرح يرغب البعض في أن يطير في الهواء؛ وإن ڪان ليس بمقدوره ذلك أو فعله.. ويقوم بحرڪات غير طبيعية لا تشاهد في غير تلك الحالة .. أو يبڪي بڪاءً بعين باردةً وعند بعض النساء « تفقع زغروطة حلوه رنت في بيتها » ؛
وعڪس تلك الحالة حالة الحزن والآسىٰ
*)] فيبڪي البعض بڪاءً حاراً تجف منه المدامع وتذبل الخدود .. بل وبعض النسوة تشد شعورهنَّ وتمزق ثيابهن؛ ولڪي تسخن الجلسة تأتي « „ ندابة » ؛ لتحي المشاعر العميقة الدفينة في النفس البشرية لفقدان عزيز أو الآسىٰ لما فات وراح ..
يرافق تلك الحالتين لإڪمال المشهد :
*.) ملابس مناسبة لتلك الحالة أو الآخرىٰ .. ملابس ذات ألوان زاهية أو غامقة أو إشارة ما توضع علىٰ الهندام!
أضف :
*.) أضواء وشموع وزينة !
*.) وعطور وورود وأزهار حسب المناسبة ووفقا للحالة!
أو
*.) جرح علىٰ الصدر أو الظهر ودماء تسيل .. وقد يقتل المرء نفسه؛ ويتذڪر البعض في حالة فناء العندليب الأسمر انتحرت [(6)] فتيات .. وعند النڪسة المِصرية 67 خرجت الجماهير ترفض التنحي وعند فناء الزعيم الخالد خرجت الملايين في وداعه الأخير .. وفي ثورة الربيع العربي(!) أُلقي من فوق أسطح المنازل مَن يعارض!؛ ودمرت واجهات محال وممتلكات للدولة كأنها خصم.. وأحرقت مراڪز للشرطة تعبيرا عن حالة غضب أو تفيساً عن مشاعر مڪبوتة منذ زمن!
وفڪرة الزعيم الخالد عند المِصريين (والعرب) تقترب مِن فڪرة الآلهة في الحضارات القديمة [(إذا صح التعبير أنها تعتبر حضارة بمفهومها الشامل الجامع المانع)]؛ وعند فناء الصالحون القدماء حزن عليهم مَن جاورهم فصنعوا -للذڪرىٰ- لهم تمثالا فصار للذكرىٰ الخالدة .. ومن رافقهم أحدثوا احتراما قلبيا شديدا وتبجيلا روحياً ڪبيرا وبمرور الزمن عُبِدَت الصورة أو التمثال سواء : مِن خشب الشجر أو صوان حجر أو عجوة تمر أو رمل مِن الصحراء قفر صب عليها حليب ماعز للتماسك .. وفق البيئة المحيطة بالإنسان ..
ومَن انتفع من فڪرة موت الآله ينبغي عليه بل يجب تخليده والثقافة الفرعونية أو اليونانية -خير شاهد علىٰ صحة ما ذهبتُ إليه- فقد أبدعت في فڪرة التخليد لما نراه اليوم رؤية العين مِن آثار تدل عليهم.
وفڪرة موت الآله بغض النظر عن الڪيفية والشخص البشري تدل علىٰ نمط بسيط في التفڪير إذ أن الآله إنسان .. والمحسوس والمعلوم أن له نهاية بل ڪل ما له بداية حتما ينتهي لنهاية .. والفڪرة وضيعة في التعقل عند مَن يقول بها .. بيد أنها تُشبع عاطفة ما حبيسة بين الأضلاع إذ أنها تجسد الآله إما في صورة أو تمثال .. والإنسان جُلب علىٰ إدراك الأشياء بحواسه الخمس والبعض يزيد سادسة وهي ما لا تدرك (!).. فـ يُرى الآله بالعين -صورة أو تمثال- ليل نهار يتذڪر حياة وآلام هذا الإنسان فيعيد تذڪره وڪأنه يرغب أن يتجرع من نفس الكأس لآثام قام بها وخطايا اقترفها قام بها فيختصرها في آله قتله بيده أو بيد غيره .. وينبغي أن تحڪم هذه المسألة بمتلازمات متتالية بعدها تقنع أو تحاول إقناع مَن يعتقد في صحة هذه الفڪرة .. أو .. الوجه الآخر لهذه الفڪرة ڪما قال الفيلسوف „ نيتشه ” فهو يبحث عن الإنسان القوي والذي لا يقهر ولا يحتاج لأحد .. ڪنتيجة حتمية لتطور بني آدم فيصل إلىٰ « „ السوبر مان ” » فيملك الإنسان أمره فلا يحتاج إلىٰ إلهٍ بعد .. فحين تفرغ العقيدة مِن مضمونها الصحيح يتدخل الإنسان في إعادة صياغتها وإعادة ترڪيبة مفرداتها .. وما يجب ملاحظته هنا هو البيئة والوسط والمناخ الذي عاش فيه الفيلسوف الألماني [(Friedrich Nietzsche)] .. خاصة البيئة المسيحية البروستانتية والمناخ الذي يدعو للتحرر [(ولد في 15 أڪتوبر 1844م؛ ينبغي أن نلاحظ أن مارتن لوثر ولد قبله بأربعة قرون في 10 نوفمبر 1483؛ فأوجد تشقق في الهيڪل الأساسي للڪنيسة)] ..
-*/*-
أبسط ما يمڪن تفهمه في هذه المسألة « „ الآله ” » ؛ أنه يجب أن يغاير هذا الآله الإنسان تمام المغايرة ويخالفه في ڪل شئ تماما ڪالألة ومَن صنعها والسيارة ومن يركبها والجمل ومن يسوقه هنلك مغايرة .. تماما ڪالڪائن الحي والجماد مختلفان .. ومثل مَن يعيش في الهواء الطلق ومَن يعيش تحت أعماق الماء .
-*/*
وهنا تأتي ملاحظة هامة أن الفڪرة وليدة المناخ العام والبيئة الحاضنة لهذا الشخص والأفڪار السائدة في هذا المجتمع والقيم التي تحڪمه والمفاهيم التي تؤثر في سلوك افراده والقناعات المنبثقة مِن عقيدته بغض الطرف عن صحتها أو فسادها .. أو ما يطرأ عليها ..
والخطأ القاتل حين تنشأ فڪرة في غير محيطها الطبيعي الأصلي وبيئتها الأولىٰ الحاضنة ومناخها العام المسيطر :
مثل مَن يوحد الآله ويصفه بصفات العلا ونعوت الڪمال وباسمائه الحسنىٰ ثم تتلاقح افڪار مخالفة لتلك في عقله فقد يحدث تشويش بسيط أو مركب وقد يحدث إنحراف عن الأصل ..
ڪطالب الأزهر الشريف يتلقىٰ علومه ڪلها في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ثم يتحصل على شهادته العليا في سربون مدينة النور!
ولعل أقرب مثال يحضرني -الأن- فكرة الغيبوبة الذهنية التي اصطنعها أتباع ديانات وضعية أرضية وبعض أرباب الطرق الصوفية .. في ذات الآله وصفاته عند الفئة الأولىٰ .. أو ما سُميَّ العشق الآلهي -ڪمثال فقط وليس للحصر- عند بعض الطرق .. والأدب مع الله -جل وعلا- ينبغي أن يڪون حبه .. فقد نطق القرآن الڪريم يقول : {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] .. {والذين آمنوا أشد حبًا لله} [البقرة: 165] ..
بيد مَن يقرأ أبيات شعر رابعة العدوية « „ أم الخير ” » ؛ [(وقد اختلف في نسبها وفي قصتها)] يتبين أنها تتحدث عن ذڪر .. عن رجل .. أو اختلطت الأوراق في ذهنها فصارت لا تفرق بين آله يعبد ڪما يحب هو ويرضى وبين ذلك نبيه ورسوله ومصطفاه -عليه السلام- وبين ذڪر .. وبين رجل تحبه المرأة ڪما يريد هذا الذڪر أو ڪما تشتهي هذه الأنثىٰ ..
ولعلها هي التي مهدت الطريق للحلاج وأمثاله!
إشڪالية المصادر التي نعتمد عليها ڪصناعة الشاشة الفضية السينمائية في تصوير شخصيات مثل تلك -للأسف قد شكلت وجهة النظر عن تلك الشخصيات عند البعض-؛ أو المراجع غير موثقة .. ولا يصح أعتماد -فقط- حسن النية وصفائها عند أم الخير رابعة أو عند مَن :" أنشئ في القاهرة عام ١٩٦٣م في عهد جمال عبدالناصر مسجد علىٰ اسم رابعة العدوية بمدينة نصر، وأطلق علىٰ الميدان المقابل للمسجد اسم ميدان رابعة العدوية. " ..
بيد أن :" هناك مَن يرىٰ أن ما ورد مِن شعرها في العشق أبيات مِن قصيدة أبي فراس الحمداني في الأسر، وهو وارد في ڪل طبعات ديوانه. ".
والمشكل الثاني هو غياب المثل الأعلىٰ في شخصية الأنبياء والذي يحتذىٰ به والقدوة العلا في الرسل وما صح وثبت من ڪتبهم المقدسة!
-*/*
الظاهر والمشاهد المحسوس أن الإنسان يحتاج لتنفيس عن مشاعر وعواطف تڪمن بين جنبيه .. أو ڪتعبير عن فشل ما أو عدم استطاعته فعل أمر ما .. فإذا غاب العقل المميز وتعطلت القوىٰ العاقلة وتخلف الإدراك وضعف الوعي يصيب الإنسان حالة مِن التخبط فيلجأ إلىٰ وسيلة ما لتهدئة ما اصابه .. إما أذىٰ يصيب جسده ويجرح نفسه أو تعاطي ما يغيب عقله!
و إهمال وحي السماء وتعاليم الرسل والأنبياء !
-*/*-
تلك ڪانت الْمُقَدِّمَة عن أحداث يوم عاشوراء عند السادة الشيعة !
ــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٥ من الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ‏الإثنين٧ محرم ~ ٢٤ يوليو 2023 من سنة الميلاد العجيب


 

 زرار بدلة

الڪيان الآدمي حين يدب فيه الوهن ويعتليه الضعف.. تصاب الأجهزة الحيوية ڪـ القلب والرئتين والڪبد وخلايا المخ بخلل في آداء وظائفها .. حيث أن العمر الإفتراضي -عند رجال الطب وأرباب المختبرات العلمية- للإنسان لا يزيد عن أربعين(*) عاماً ثم تبدء تلك الأجهزة الحيوية الحساسة التخبط في آدائها والتراجع عن دقة وظائفها .. بَيدَ أن عقلاء المؤمنين يقولون إن الأعمار بِيَدِ خالقها(**)؛ ويعجب المرء حين يطلع علىٰ أعمار أسلافنا بدءاً مِن عُمر أبي البشرية آدم -عليه السلام- بل تعجب أڪثر حين يبلغك طول جسده .. فقد بلغ ستينَ [(60)] ذراعاً.. أي ما يساوي طول 45 متراً .. وقد لا نستفيد ڪثيرا من بحوث ما قبل عصر تدوين الكتابة للإنسان؛ إذ به يبدء تاريخ البشرية .. ولولا آثار مَن سبقونا لم نستطيع أن نتحدث في هذا الأمر.. وهذا العلم -علم الإنسان الأول- له أربابه ومعاهده وجامعاته وخبراؤه
..
بدأت بهذه المقدمة ڪـ تمهيد للحديث عن ڪيان آخر ليس آدمي بشري بل ڪيان معنوي .. وأقصد به ڪيان أمة!
وأي أمةٍ في أي مڪان يصلح أن نعتبر أن لها ڪيانا وجوديا .. وتملك مظاهرَ قوةٍ وتبينها وتحمل عواملَ إزدهار وتظهرها ولديها عناصرَ بقاء فتمجد تاريخها ..
أو
ما يعتريها بعد حين من الدهر ومرور حقبة من زمان مِن مظاهر ضعف وعوامل إضمحلال أو سرعة فناء وزوال .. وهذا له أسبابه!
فــ الإمبراطورية الرومانية أو الفارسية -مثلاً- نقرأ عنهما في ڪُتب التاريخ القديم ؛ ونطلع على أحوالهما في مظان المراجع لمَن يريد دراسة هذه الحقبة الزمنية الغابرة أو آثارهم وبقاياهم التي خلفتها من بعد وجودها وتكتها بعد زوالها ..
وأيضاً الحضارة الفرعونية لم تبقَ منها سوىٰ آثار تُرىٰ اليوم بالعين توضع في المتاحف وتزين بها الميادين .. وقد اندثرت تلك الحضارة بِلُغَتها وبقي البحث عن علومها والرغبة في معرفة ما توصلوا إليه مِن قدرة علىٰ تحنيط موتاهم أو تشيد بناء خلد ذڪراهم .. يعجز إنسان اليوم عن فك لغز البناء والعمران والتقدم الذي حازوا عليه .. إلا قليلاً ..
وفي المقابل وجدت أمة أو أنشأت دولة أو استحدث ڪيان ذو حضارة جديدة وتملك نوعية متميزة خاصة في ڪيانها وأسس ومقومات وجودها وعُمرت قدر ما شاء -تعالىٰ- أن تُعَمر .. ثم ضعفت ووهنت ڪالڪيان الآدمي مع ملاحظة الفارق في التشبيه!.
وهذا الڪيان الذي أقصده هو ڪيان أمة مصدر وجودها علوي .. ومنبع بقائها سماوي .. وملآئكية الوحي الذي أتمه فحفظه خالقها .. لها دستورها : ڪلام رب الأرباب وملك الملوك السميع الخبير البصير .. وليس كلام بشر يخطؤ ڪثيرا ويصيب أحياناً قليلة .. لتُوصَف بأنها خير أمة أخرجت للناس جميعاً .. دستور حياتها رباني المنشأ ؛ ومنهجها قرآني الأصل .. فجاء تطبيق الدستور وتفعيل المنهاج من خلال مَن اصطفاه خالقُ الڪون والحياة والإنسان رسولَاً مِن بين البشر أجمعين لــيڪون هاديا للطائعين وبشيرا للمؤمنين ونذيرا للعاصين والمبعدين ..
وهذه الأمة تملك بحق ويقين -أبداً- بذرة البقاء في تربة جيدة صالحة للنماء ومناخ عام يناسبها وبيئة حاضنة نقية مهما صادفها العديد من عوامل التشتت والوهن وصوبت ضدها سهام العناد ورماح الرفض وسيوف العداء .. دون الفناء ..
ومعلوم أنه قد يخبو ضوء القنديل .. ويستر ساتر ما مؤقت أضواء المشڪاة .. وتختبأ الشمس في وسط النهار خلف الغيوم فتمتلأ السماء بسحب تحجب نور النهار فيظن الجاهل اننا في ظلام دامس وليل بهيم .. فتسمع رعدا يصم الأذان ويزعج العين برقا فيصيبها خللا في الرؤية .. سرعان ما يتلاشىٰ ڪسحابة صيف فتسطع الشمس مِن جديد بنور زاهٍ وضوء لامع براق يأخذ بالعقول فينيرها والأفئدة فيصقلها والأبصار فيزيد في قوة الأبصار للحقائق ..
إذ أن تلك الأمة تملك بجدارة عوامل البقاء وعناصر التجديد ومقومات إعادة بناء نفسها !
.. الأمة الإسلامية اليوم ونحن علىٰ وشك الإنتهاء من العام الهجري ١٤٤٤.. حالها لا يسر عدو .. ناهيك أن يرضى عنه حبيب قريب عزيز ..
ويعجب المرء مرة ثانية .. أن تلك الأمة تحتفل بعام هجري جديد ١٤٤٥ .. علىٰ أعتاب الإسبوع القادم ..
إدارة الموقع والڪاتب لا تعارض أو تمنع أن يحتفل الناس بأعيادهم ومناسباتهم وأفراحهم ..
فقد داعبني أستاذ اللغة العربية الأزهري في مقتبل عُمري وبداية صباي .. فقال لي : « „ يا أبا الشباب .. يا أبا تراب(***) .. لكَ أن تحتفل ڪل يوم بمناسبة جديدة عندك .. حتىٰ ولو أشتريت « زرار » بدلة علىٰ نيتك أن تفصلها حسب لونه ولو بعد حين ” » ..
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
السبت : ٢٧ ذو الحجة [ الشهر : ١٢ ] ١٤٤٤ هـ ~ 15 يوليو [ الشهر : ٧ ] 2023م
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
: « „ 1 / 1444 هـ ” » ؛ تَمْهِيدٌ.لعام هجري جديد 1445
[(*)] وزارة الصحة النمساوية عند بلوغ رعايا الدولة لسن الأربعين [إناث وذكور] ترسل بالبريد خطابا تحثهم على إجراء فحوصات مبكرة لسرطان الثدي أو البروستاتا وكشف طبي عام..
[(**)] بناءً عن حديث عبدالله بن مسعود: فقد " حَدَّثَنَا : رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ- قالَ« „ إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ.. ” » ؛ والحديث له بقية يحتاج للتوفيق بين بقية الأدلة المتعلقة بالموضوع [هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَىٰ صِحَّتِهِ ، وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ؛ انظر : البخاري في : صحيحه؛ (3208)؛ وأخرجه مسلم (2643) باختلاف يسير ]. قلت : ونصوص [(النص القرآني والنص النبوي)] الوحي تحتاج إلى توضيح أو تفسير أو تأويل؛ ومن هنا أحتجنا للسادة العلماء ! .
[(***)] تشرفتُ بهذه الكنية من أستاذي الشيخ / إبراهيم نسبة إلى اللقب الذي أحمله! .


الرضا

حالةٌ مِن عدم الرضا .. معلنة فتسمع الأنَّة بصوت عميق وشڪوىٰ متواصلة مرة؛ فتتوالىٰ الأنات المدوية.. أو خافتة فتدرك لواعجها ڪـ ڪاتم للصوت .. حالة عدم الرضا هذه تجتاح المسڪونة .. بعد أن ڪان يطلق عليها الأرض المعمورة ..
وحالة عدم الرضا -هذه- تشمل ڪافة طوائف الناس وعلىٰ ڪافة الأصعدة .. سواء السياسة منها وحسن رعاية شؤون ڪل الناس والسعي الحثيث لإسعادتهم قدر الإمڪان وما في استطاعت القدرات المتاحة لڪل منطقة أو إقليم .. أو الثقافية وما يقدم للترفية وليس للإبتذال .. والإجتماعية وما يشوب المجتمع من تفسخ وإنحلال ..
فـ منذ قليل .. وبعد أن عايش الناس في ڪل القارات „وباء ڪورونا‟ والتضيق على الجميع بلبس القناع الواقي الذي يغطي ملامح الوجه الحسن أو القبيح سواء في المواصلات العامة أو أماڪن التجمع من مدارس ومستشفيات وأمثالها أو الترفية .. بعد هذا .. نتعايش حالة مِن غلو الأسعار للمواد الغذائية والأساسية والضرورية ڪـ السڪن -مثلاً- والمعيشية لنواحٍ عدة في حياة الإنسان .. فيثقل علىٰ ڪاهل المواطن العادي تڪاليف متطلبات الحياة الڪريمة.. ولا يلاحظ داعٍ معقول لإرتفاعها .. وهي آحدىٰ نتائج الحرب الدائرة بين بوتين/روسي- وبين زعماء العالم الغربي وعلىٰ رأسهم جو-بايدن/أمريكي وبقية أجزاء العالم ، وليس فقط ضد أوكرانيا .. وڪما قالت العرب قديماً: " لا ناقة لبقية مناطق العالم في هذا العناد المسلح ولا جمل".. ولا حتى ماعز ..
وقبلهما -الوباء والحرب في أوكرانيا- اصاب المنطقة العربية هزة إجتماعية وسياسية في محاولة لإظهار عدم الرضا بما سُميَّ بـ „الربيع العربي‟ ..
ومِن مخرجات ربيع العرب فُضحت مخططات -ولا استخدم مصطلح مؤامرة- وڪُشفت عن وجوه ورُفعت فوق ڪراسي الحڪم رؤوس فارغة عن ڪيفية ممارسة حڪم شعوب قُهرت لسنوات عديدة .. بل تسمع شعارات جوفاء ليس لها القدرة على تطبيق عملي لإنزالها لمعالجة وقائع الناس وإصلاح ما افسده الإنسان على العديد من فئات المجتمع ..
وتمڪنت "رويبضات" من إدارة المشهد السياسي والإجتماعي بل والثقافي والترفيهي ..
ثم سقطت رؤوس ملطخة بدماء شعب برئ يريد حياة ڪريمة .. ورافق ذلك عنادٌ سياسي علىٰ منصات القنوات الفضائية ومنصات التواصل الإجتماعي أحتضنها نظام حكم في ترڪيا الأتاتوركية وأمير حاكم في جزيرة قطر الخليجية .. وتواڪب مع ذلك حروب مصطنعة وأزمات مفتعلة .. فــ هجرة ملايين مِن بلادهم تڪاد تڪون أسرة بكامل افرادها من مناطق بأڪملها شُوهدت لايف -لحظة الحدث- مِن خلال وسائل البث المباشر المرئي والمسموع والمقروء ..
ثم ترتب علىٰ وصول افواج من المهاجرين الجدد هزات إجتماعية عنيفة لمَن هاجر وترك الأهل والضياع وڪذلك هزات عنيفة سياسية وإجتماعية في بلاد لم تعد في استطاعتها إستقبال ضيوف لزمن وجيز وتعود من حيث أتت وغرباء من حيث الدين والعقيدة والعادات والتقاليد والسلوڪيات والمفاهيم والقيم والقناعات والثقافة وڪمثال بشوارع عدة في مدينة فيينا تجد محل لبيع أدوات النرجيلة "الشيشة".. وعلب ليل لشدها!
حالةٌ مِن عدم الرضا في الشارع العام سواء السياسي أو الإجتماعي أو الثقافي .. إذ قد وصل إلىٰ إدارة بعض التجمعات والأحزاب والجماعات مَن لا يصلح أصلا لإدارة مقهى صغير مصنوع من الصفيح على الطريق الجانبي الزراعي لحمل فنجان مِن الشاي مِن مطبخ تحضيره إلىٰ طاولة الضيوف المطلة على ضفاف نهر أو ترعة لرفعه لشفاهٍ تتڪيف بڪوب شاي في الصباح الباڪر بجوار رغيف خبز طازج عربي يغمس بـ طبق فول بالزيت الحار مع خلطة إما : لبنانية أو مِصرية أو في معلب صفيح صيني!
حالةٌ مِن عدم الرضا مِن أداء الوسط السياسي برمته فڪثرت الشڪايات من عامة الناس ووبرزت وزادت التناقضات في إدارة رعاية شؤون البشر -ناهيك عن حسن الإدارة- وفق أي نظام حڪم أو بِناء علىٰ مبدأ صالح لتطبيقه علىٰ الناس في الحياة وڪثر النقد وڪثرت الأحزاب المعارضة والمناوأة والموالية والمصنوعة والمأجورة المدفوع لها الثمن مقدماً..
ثم خمد وهيج نار ثورة(!)التغيير ووهج الرغبة في التعديل وأجيج إرادة التبديل .. وعاد الجميع إلىٰ الجحور المظلمة في إنتظار هزة سياسية إجتماعية ثقافية جديدة آخرىٰ ..
وقام سدنة المعابد ومرتزقة بيوت العبادة بدورهم التقليدي في الوعظ والإرشاد والتذڪير والنحيب والبڪاء والوعيد بنار الجحيم بعد الموت والدفن في القبور مع الحيات والأفاعي بدلا من تقديم مشروعات عملاقة بناء لغد مشرق ومستقبل واعد وزجت كلمات جوفاء في مناسبات على مدار العام أو خطب الأعياد ..
ورافق ذلك فوضىٰ الفتاوىٰ .. وسايرهم العُبَّاد في مواسم العبادة فتبتل لحىٰ بدموع الندم وتجهر آهات الخوف وحين ينفض المولد وينتهي الموسم وتتعب الأقدام من طول الوقوف أمام غازية الموالد الراقصة فـ يمسح عرقها رجال الدين الكهنوتي ومن تحت اقدامها الحافية يجمعون النقطة.. فالنقوط هي ما تُهدىٰ في الأعراس خاصةً وفي الأفراح والمناسبات السعيدة عامةً .. دراهم معدودات وجنيهات ودولارات ألقيت فوق صدرها العاري .. فقد أنتهىٰ المولد وفي انتظار مولد جديد لسيدهم المقبور صاحب الڪرامات الڪاذبة والوعود الزائفة .. فهو رمة لا يملك لنفسه نفعا أو ضرراً .. صاحب الڪرامة والنور فالقبر يستحيل أن يكون مهجور فتڪحيل العيون بترابه المبارك جمال وشفاء وغبار رفات عظامه معلوم الفائدة أو وضع قطرات من زيت القنديل على الجرح المؤلم يبرئ الجرح .. ڪما والمرور فوق سقط أجنة في بيت الست نعيمة الإسڪندرانية يجلب من الغيب الجنين المجهول فتحبل العقيم بشرط التواجد في ضريح الشيخة المعمور سبع جُمع متتاليات .. أضف إلى بقية الدجل والخزعبلات والترهات قدرة الجان على مجامعة أنثى إنسان وإمتلاء رحمها الطاهر بجنين الجني.. لكن بأي ماء وباي مَني!؟.. هذا في علم الشيخ حنكوش.. لا يصح الكلام أو الاستفسار .. حوش يا مولانا حوش! وللتأڪيد على قدرة الجان يتبرع نصاب عضو برلماني سابقاً بتأكيد الخبر بحرق بيوت الفلاحين لإستخراج ڪنوز وذهب الفراعين ولڪي تغلق الدائرة ويتم إحڪامها يأتي مسلسل تلفزيوني في شهر رمضان لتأڪيد الخبر المزيف ولا تترك العباد فـ يصل إسبوعيا بإنتظام تهنئة بجمعة مبارڪة دون العلم الشرعي بأحڪام صلاة الجمعة .. ويصل يومياً دعاء مخترع من أهل الجهل والضلال وقد بيَّن العلماء أن الدعاء الصحيح من آيات الذڪر الحڪيم والقرآن الڪريم والدعاء المستجاب يأتي من سُنة النبي العظيم –عليه الصلاة والسلام- ..

حالةٌ من الفراغ في المضمون والمحتوىٰ اصابت أهل الدين والوسط السياسي .. فتقدم أهل الفن والمجون والغناء والرقص وابطال الكورة لملأ الفراغ.. فدخل الجميع في سيرك التهريج وتحولت الحياة إلى مسرح ڪبير ڪما قال يوسف بيك وهبي في فيلم غزل البنات بل فُتحت قنوات روتانا لتقديم كل الفنون والإفلام والمسرحيات على مدار 24 ساعة .. وخاصة مسرحيات هزلية بعد الإنتهاء مباشرة من صلاة الجمعة ..
حالةٌ من عدم الرضا في الشارع العام!
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
مُحَمَّدُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
ورقةٌ مِنْ كُراسة إِسْكَنْدَرِيَّات
07 ذو القعدة 1444 هـ ~ 27 مايو 2023 م.
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY


قال الله تبارك و تعالى : {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} .. ١

﴿ «„ ١ .‟» ﴾ المجلس الأول
[(تَمْهِيدٌ)]
الحمد لله ؛ فهو المحمود علىٰ ڪل حال وفي ڪل زمان وأوان دون سواه ؛ والشڪر لله علىٰ نعمه التي لا تعد ولا تحصىٰ ؛ وصحيح العبادة لله بـ أنواعها البدنية والمالية ؛ والطاعة الڪاملة لله وفق ڪتابه وسنة رسوله ؛ والخشوع التام لله ؛ والسجود لله حتىٰ تلمس الجباة الناصعة الغبراء والخضراء ؛ والرڪوع لله فينحني صلب الإنسان ؛ والحج بـ مناسڪه لله والزيارة والتذڪية والعمرة والطواف والسعي والتقديس لله ؛ فــ الأمر ڪله لله .. ؛ لـ يشعر المرء بـ الخضوع لـ أوامر الله ؛ والبعد عن ما نهىٰ عنه ..
الله - عزَّ في علاه وجلَّ في سماه وتقدست اسماه - الذي هو إله الأولين ورب الآخرين وخالق المخلوقات أجمعين ورزقهم ومالك يوم الدين ؛ أرسل رُسُلَه مبشرين ؛ ودعاة له بإذنه وإلىٰ الناس منذرين: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} ..
ثم اصطفىٰ - سبحانه وجلَّ شأنه - مِن المُبشرين ؛ واجتبىٰ مِن المُبلغين ؛ وارتضىٰ مِن المُرسلين : واحتبىٰ من المُرشدين للدين القويم والطريق المستقيم : خاتمَ الأنبياء وآخرَ المبتعثين ومتممَ الرسل أجمعين : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا} .. هو : محمد بن عبدالله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
فـ خصه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه رسول رب العالمين للناس أجمعين فـ نطق القرآن العظيم يقول : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}.
فـ أتم الخالقُ المنشأ المبدع النعمةَ الڪبرىٰ علىٰ ڪافة المخلوقات وعلىٰ ڪل الموجودات وعلىٰ جميع المستحدثات ما نعلم منها وما لا نعلم .. أتم النعمةَ الڪبرىٰ بـ بعثةِ سيدِ ولد آدم ؛ وبـ رسالة مَن أُتِيَّ جوامع الڪلم وأڪمل المِنَّة بــ طريقته المُثلىٰ وبـ هدي المبعوث رحمةً للعالمين مِن الجن والأنس وبقية المخلوقات أجمعين وبـ منهج مَن أدبه ربه فأحسن تأديبه : خاتم النبوة .. وبـ شريعة المصطفىٰ الصالحة لڪل إنسان وإن لم يحسن لُغة الضاد ولڪل زمان ومڪان إلىٰ أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها مصداقاً لقوله : {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُون}..
فَــ : {لِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِين}. {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُون}.
فـ نشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ الواحد الأحد ؛ الفرد الصمد ؛ الذي لم يلد ولم يولد ولم يڪن به ڪفوءا أحد فليس له صاحبة ولا ولد ؛ فـ لا ند ولا وزير ولا معين ولا مشير له : {وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا}.
ونشهد أن محمداً - صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر المبعوث للناس ڪافةً والمُرسل إلىٰ : الأسود والأسمر والأبيض والأصفر والأحمر - نشهد أنه عبده ونبيه ورسوله وصفيه وخليله؛ فنحمد الله -تعالىٰ- علىٰ نعمة الإسلام ؛ ونزيده حمداً علىٰ نعمة الإيمان ونشڪره علىٰ إنزاله المنهاج القويم ونثني عليه الثناء الحميد ڪله علىٰ إڪرامنا بالشريعة الغراء : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}.. ثم {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون}.
[(مَدْخَلٌ )]
منذ بدء الخليقة .. ووجود أول إنسان مخلوق في الوجود : « „ آدَمَ ” » - عليه السلام وعلىٰ رسولنا الصلاة والسلام والتڪريم والإنعام - .. يعلم ومِن بعده ذريته يعلمون - جميعاً دون استثناء - بوجود إله ڪبير عظيم قادر .. خالق واجد صانع مبدع منشأ مِن عدم .. محيي مميت رازق .. بيده الخير : {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِين} وهو علىٰ ڪل شئ قدير ..
بيد أنه لـ طول الزمان علىٰ الإنسان فتصيبه غفلة أو ملل تدخل تصور ذهنه لهذا الإله فتخيل له صوراَ شتىٰ وتماثيلاَ متنوعة عدة وأشكالاَ مختلفة وأصناماً متعددة .. ڪما أوجدوا مِن خلقه ما يتقربون إليه مِن دونه فعبدَ المخلوق مخلوقا مثله .. وتطور ذهن الإنسان خوفا من عوامل الطبيعة وطمعا في رضىٰ رضاها فجعلوا لڪل شئ في الوجود إلهاً يعبد أو يتقربون إليه زلفىٰ ..
ولعلي أعود لأتحدث في : « „ مجلس ‟ » قادم عن أن الإشراك بدء منذ عهد النبي نوح وقومه وأُڪْملُ الحديث عن مَن أدخل الوثنية لـ جزيرة العرب ؛ وحين جاء الإسلام وُجد حول الڪعبة المشرفة في مڪة المكرمة [(360)] ثلاثة مئة وستين صنماً..
و
إشڪالية الإنسان أنه يريد شيئاً محسوساً ملموساً مدركاً يصنعه بيده فـ تراه العين وتسمع صوته الأذن ويلمسه بيده أو قد يشمه بـ أنفه ؛ راجع ما ڪانت تفعله العرب في جاهليتهم وقبلهم قوم الخليل إبراهيم ينحتون بايديهم تماثيل ..
ثم
ابدعت بعض الملل والطرق والطوائف أشڪالا وصورا ومجسماتٍ واقوالا لما تم تخيله في الذهن البشري السقيم ؛ فأوجدوا صورة للإله بل تصاوير وتخيلوا صور للملآئڪة يقابلها تخيلاً صورة للشيطان فرُسم علىٰ الجدران .. ونُحت من الشجر أو الصخر الصوان أو يشڪله البدوي الجاهلي من رمال عجنت بحليب الماعز ؛ ڪما .. ومَن مات مِن الصالحين اقاموا فوق قبره ضريحاً وأخذوا يتقربون إلىٰ الله -تعالىٰ- من خلال المقبور والذي لا يملك لنفسه - فقد مات ؛ وانقطعت صلته بالدنيا ومَن فيها - لا يملك نفعاً لنفسه ولا ضراً ..
ولعل الضعف الشديد الذي طرأ علىٰ الأذهان في فهم العديد مِن القضايا الإلهية والصفات الصمدية والمسائل الحياتية وإرضاءً للملوك أثر في التصور الذهني عند الڪثير من الناس وخاصة في المسائل الغيبية والتي لا يتمڪن الإنسان بقدراته البشرية المحدودة أن يدرڪها أو يفهم مدلولاتها إن لم تأتيه الإجابة مِن مَن هو أعلم منه ؛ فنطق القرآن الڪريم يقول : {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}.
.. إذاً .. اعترف الجميع بوجود إله .. خالق ڪل شئ مِن عدم ورازق جميع مخلوقاته بلا ڪد أو تعب .. حتىٰ مَن ينڪره فقد أعترف بوجوده ضمنا ؛ إذ إنڪار شيئ يعني الاعتراف به أولا ثم بإنڪار المرء له ثانياً فهو ينڪر موجوداً : {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار} {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}
ومسألة البحث والتنقيب رافقت الإنسان منذ وجوده علىٰ سطح الأرض في شتىٰ المجالات ؛ وأڪتفي بالحديث عن مسألة هذا المجلس .. وآتي بمثالٍ : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين} {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين} {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين} {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون} {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين} {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُون} {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}.
ثم يأتي التنبيه مبطن بالتحذير : {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولا} ويرافقه التصحيح : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } .
فقد يڪون الهوى إله وحبك للشئ يعمي ويصم..
ولأهمية هذا الأمر يوضح الخالق الرازق : {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} .
ثم تأتي مسألة غفل عنها الڪثير من البشر ألا وهي العهد : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين} {أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون} .
وينبه علىٰ مسألة الإشراك بقوله : {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون} {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}.
وتأتي مسألة أسماء الله الحسنىٰ وصفاته العُلىٰ ؛ ولأنه - سبحانه وجلَّ شأنه - لا تدرڪه الأبصار ولا يُرىٰ فــ لا تفهم ڪينونته العقول البشرية والأذهان الآدمية مهما أوتي الإنسان مِن قدرات خارقة في نطاق بشريته ؛ وتحصل علىٰ إمڪانات هائلة من مقدور إنسانيته ..
فـ يُعرِف - سبحانه - نفسه العَلية وذاته السمية بنفسه ؛ ومن خلال الوحي المنزل ؛ فـ لا أحد غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ؛ فهو الذي يخبرنا عن نفسه: {ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل} {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} .
وينهي البحث في هذه القضية بقوله : {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}
ثم يذڪر في محڪم التنزيل العديد من اسمائه الحسنىٰ وصفاته العُلىٰ في العديد من المناسبات والڪثير من الآيات.
ثم يأتي بمثال توضيحي :
*.) : لمَن قالوا أن بشرا .. عزيراً ابن الله - حاشا لله تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه – يقول القرآن : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ}
ثم يأتي بمثال ثان :
*.) : {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ } ..
{ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون}
ويڪمل ما عند القوم من اضطراب في هذه الجزئية من قضية الألوهية والربوبية فيقول :
*.) : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون} .
ثم يأتي وصف ونعت مَن قالوا ذلك
*.) . {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار} {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} .
+.) . {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون} {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيل}
*.) : ونستمع حواراً : {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب} {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} .
*.) : وفي المقابل أدعىٰ آحدهم أنه الرب :
{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}.
فـ جاءه التكليف : {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى} {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} {فَكَذَّبَ وَعَصَى} {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} {فَحَشَرَ فَنَادَى} {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى}.
يأتي بمثال أوضح :
*.) : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون}
*.) : ويزداد الاضطراب عند القوم بإتخاذ الملآئكة والأنبياء والصالحين ارباباً من دون الله الواحد القهار .. فاستمع إليه وهو يقول : {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُون} .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ينتقل بنا القرآن الڪريم إلىٰ أن الله هو الرب أي : المالك :
*.) : {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} . أنه هو {رَبِّ الْعَالَمِين} وأنه {مَـلِكِ يَوْمِ الدِّين} .
فوجب علينا القول : {وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} .
وبما أنه صاحب المُلك والمتصرف في ملكوته ڪيفما يشاء تأتي القدرة المطلقة لقوله : {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد} .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صيغة المفرد :
وحين تقرأ القرآن الڪريم وتراجع الذڪر الحڪيم تجد آيات تأتي بصيغة المفرد
ڪـــــ : « „ أَنَا ” » ؛.
أو
تأتي بصيغة : « „ إِنِّي ” » ؛
أو
بصيغة: « „ إِنَّنِي ” » ..
أو
بصيغة: « „ هُوَ ” »
ڪــ قوله : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى} {« „ إِنِّي ” » « „ أَنَا ” » رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} {وَ « „ أَنَا ” » اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}.
{« „ إِنَّنِي ” » « „ أَنَا ” » اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ « „ أَنَا ” » فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.
{يَا مُوسَى إِنَّهُ« „ أَنَا ” » اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى « „ إِنِّي ” » « „ أَنَا ” » اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين} .
فـ لاحظ أن هذه الآيات الڪريمات جاءت جميعها بصيغة المفرد الواحد .. فـ حين يڪون الحديث عن الإله الرب الخالق الرازق المحيي المميت مالك المُلك ؛ والحديث عن الألوهية والڪلام عن الربوبية وتأڪيد الوحدانية .. يتم الحديث بصيغة المفرد ڪما جاء في الحوار بين الله - تعالىٰ - وبين ڪليمه موسىٰ النبي الرسول - عليه السلام- ..
وبعد أن ذڪر ثلة من السادة الأنبياء قال : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَ « „ أَنَا ” » رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون}.
وذڪر موسىٰ وعيسىٰ وأمه ثم قال : {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَ « „ أَنَا ” » رَبُّكُمْ فَاتَّقُون}.
{« „ هُوَ ” » « „ الَّذِي ” » « „ خَلَقَ ” » لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ « „ اسْتَوَى ” » إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ « „ هُوَ ” » بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ « „ إِنِّي ” » « „ جَاعِلٌ ” » فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ « „ أَتَجْعَلُ ” » فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِــ « „ حَمْدِكَ ” » وَنُقَدِّسُ « „ لَكَ ” » « „ قَالَ ” » « „ إِنِّي ” » « „ أَعْلَمُ ” » مَا لاَ تَعْلَمُون} كلها جاءت في الآية بصيغة المفرد
{وَ « „ عَلَّمَ ” » آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين} {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا « „ إِنَّكَ ” » « „ أَنتَ ” » الْعَلِيمُ الْحَكِيم} { « „ قَالَ ” » يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ « „ قَالَ ” » أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ « „ إِنِّي ” » « „ أَعْلَمُ ” » غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون}.
*.) {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ: « „ لَكَ ” » مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَــ: « „ تَقَبَّلْ ” » مِنِّي: « „ إِنَّكَ ” » « „ أَنتَ ” » السَّمِيعُ الْعَلِيم}
ثم قالت : {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا: « „ بِكَ ” » وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}
* . ) : {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً « „ إِنَّكَ ” » سَمِيعُ الدُّعَاء} .
فلما خوطبت مريم :
: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِــ « „ رَبِّكِ ” » وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين} .
*. ) . وبعد هذا التمهيد في الحديث عن الإله بصيغة المفرد تأتي الآيات بصيغة الجمع عن نفس الإله .. صيغة التعظيم والتبجيل والتفخيم ؛ وهي من صيغ العرب أن العظيم يتڪلم بصيغة التفخيم ڪـ ملك مصر والسودان ڪان يقول : " نحن ملك "..
فجرىٰ الحديث في القرآن علىٰ هذا المنوال فيقول : {وَإِذْ « „ قُلْنَا ” » لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين} {وَ « „ قُلْنَا ” » يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين} {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَ « „ قُلْنَا ” » اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين} { « „ قُلْنَا ” » اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}.
{« „ نَّحْنُ ” » نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}
{« „ نَحْنُ ” » نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} .
{« „ نَحْنُ ” » نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا « „ أَوْحَيْنَا ” » إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}.
{إِنَّا « „ نَحْنُ ” » نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} {وَلَقَدْ « „ أَرْسَلْنَا ” » مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِين}.
{وَ « „ أَرْسَلْنَا ” » الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَــ « „ أَنزَلْنَا ” » مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِين} {وَإنَّا لَــ « „ نَحْنُ ” » نُحْيِي وَنُمِيتُ وَ « „ نَحْنُ ” » الْوَارِثُون} {وَلَقَدْ « „ عَلِمْنَا ” » الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ « „ عَلِمْنَا ” » الْمُسْتَأْخِرِين}.
{وَلَقَدْ « „ خَلَقْنَا ” » الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون}.{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَ « „ أَنزَلْنَا ” » إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}.{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ « „ نَّحْنُ ” » نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا}.{ « „ نَحْنُ ” » نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.{إِنَّا « „ نَحْنُ ” » نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَ « „ إِلَيْنَا ” » يُرْجَعُون}.
{إِنَّا « „ نَحْنُ ” » نُحْيِي الْمَوْتَى وَ « „ نَكْتُبُ ” » مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ « „ أحْصَيْنَاهُ ” » فِي إِمَامٍ مُبِين}.{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ « „ نَحْنُ ” » قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ « „ رَفَعْنَا ” » بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}.{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً « „ لَجَعَلْنَا ” » لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون} {وَلَقَدْ « „ خَلَقْنَا ” » الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ « „ نَحْنُ ” » أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} {إِنَّا « „ نَحْنُ ” » نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِير}.{ « „ نَحْنُ ” » خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُون}.{ « „ نَحْنُ ” » خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُون}.{أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ « „ نَحْنُ ” » الْخَالِقُون} { « „ نَحْنُ ” » قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا « „ نَحْنُ ” » بِمَسْبُوقِين}.{أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ « „ نَحْنُ ” » الزَّارِعُون}.{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُون} {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ « „ نَحْنُ ” » الْمُنزِلُون} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُون} {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ « „ نَحْنُ ” » الْمُنشِؤُون}.{وَ « „ نَحْنُ ” » أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُون}.{إِنَّا « „ نَحْنُ ” » نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} { « „ نَحْنُ ” » خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا « „ شِئْنَا ” » بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} .
وبعد هذا التمهيد يخاطب الله .. الرب الناسَ جميعا فاستمع إليه هو يقول : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}.
*.) مسألة التثبت :
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم} .
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين} .
* . ) : القدرة المطلقة : {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون}
نهاية البحث : ( مُّسْلِمُون ) :
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} .
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}.
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِين}.{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}
* . ) {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِين} .
*. ) : {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين} {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} .
المسألة الثانية : قضية الرسل
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَ« „ رُسُلِهِ ” » لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن « „ رُّسُلِهِ ” » وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}
هذا ما كان في الاستطاعة والمقدرة وفوق ڪل ذي علم عليم وفي نهاية هذا المجلس نقول : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.
*.) : {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب} .
*.) : {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم} {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} .
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
( خواطر رمضانية )
مُحَمَّدُ فَخْرُالدينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْـڪـَنْدَرِيَّةِ
‏الإثنين‏، 27‏ رمضان‏، 1444هــ ~ ‏الإثنين‏، 17‏ نيسان‏، 2023 م


تَخْتانُون

وافق الإسلام ؛ الدين الخاتم المبتعث به خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين .. وافق الإسلام ڪـ نظامِ حياةٍ وطرازٍ خاصٍ مِن العيش .. وڪيفية معينة في التعامل مع الآله الواحد الأحد من حيث العبادة ؛ وهي ڪل ما يحبه الله ويرضاه .. وڪيفية معينة في التعامل مع الآخر وڪيفية معينة في التعامل مع الذات البشرية .. وافق الإسلام - هذا - العقول النيرة والأذهان المتقدة من البشر فـ أبدعت بغض الطرف عن لون بشرته أو عينه أو مڪان مسقط رأسه .. هذا الإسلام أيقظ هذا العقول مِن غفوتها ؛ وقدح من زَّنْد الأذهان فڪرها ؛ فسما -الإسلام- بها إلىٰ ارقىٰ مناحٍ للحياة الآدمية .. والمجتمع الإسلامي البشري ؛ فـ ارتقىٰ بــ البنية العلمية في ڪافة مناحيها وطرقها وتشعباتها .. والترڪيبة الإجتماعية في ڪافة أوجهها وابوابها .. والجوانب الاقتصادية في ڪافة منافذها ودروبها .. والحياة السياسية .. المدنية منها والعسڪرية في ڪافة تشعباتها ودهاليزها .. وڪل الأبنية المعمارية بـ ڪافة صورها وأشڪالها وأبداعاتها ..
فــ بزغ علماء في الطب والڪيمياء والڪشف عن الداء واستخراج له دواء وفي الفلك والهندسة المعمارية .. وليس هذا الجانب فقط بل ابدعت في علم الكلام وعلوم القرآن وأصوله وابحاث الفقه وأصوله ..
فــ علَّوا - علماء الإسلام من شتىٰ بقاع الأرض المعمورة - في سماء المعرفة وتمقعدوا في مرڪز لائق بهم فوق سحائب العلم بعلومٍ عدة عديدة شتىٰ .. وقت أن ڪانت أورُبا تعيش في ظلام الجهل وسراديب الشعوذة ، ولم تڪن أمريكا وجد لها علىٰ الخارطة الجغرافية رسم أو اسم ..
فـ قدم علماء الإسلام وفق منهاج الإسلام - الوحي - بمصدرية : القرآن الڪريم والسنة النبوية العطرة في ڪافة العلوم البشرية .. قدموا نماذجَ مشرفة للإنسانية جمعاء - فالعلمُ لا يبقىٰ حبيسَ مصدره أو منبعَه- يشهد بذلك العدو قبل الصديق .. فتبوؤا مقعدا لم يقترب منه أحد إذ هي علوم توافق النفس البشرية وتراعي متطلبات الإنسان بترڪيبته الأصلية ؛ فلا يهتم بالجسد وجوعاته علىٰ حساب إشباع النفس أو امتاع الروح ، أو تراعىٰ الروح والنفس فتسمو بها فـ يهمل الجسد بـ رهبانية ابتدعت من قِبل خرافة مفادها : « „ أنهك الجسد وجوعه تسمو الروح ” »..
وفي نفس اللحظة راعت الشريعة الإسلامية والمنهجية المحمدية أصحاب الحاجات الخاصة وضعاف النفوس وخوار الأبدان وجوعات الجسد ورغباته وطروحات الروح ومتطلباتها وميولها .. فـ أوجد الوحي الإسلامي تناسباً وتناسقاً بين متطلبات الجسد وجوعاته وبين سمو الروح وعلو النفس وهمتها .. فيهدأ الإنسان وينسجم مع الحياة ويتوافق مع الآخرين فيسعد المجتمع الإنساني برمته ... وهذه هي أصل مبدأ الإسلام في الحياة وعمود خيمة المجتمع البشري .. ڪما وتوجد تناغماً بين حالة الضعف البشرية وحالة الخوار البدني والفراغ الروحي وبين حالة القوة في التحڪم الڪامل في النوازع البشرية والمتطلبات الآدمية والرقي الفڪري والسمو العقلي فوجد بين البشر ضعاف النفوس ووجد من يبحث عن لذته وإشباع شهواته سواء بإنحراف وخطأ في ڪيفية الإشباع أو شذوذ .. ووجد أصحاب الهمم العالية والنفوس الراقية فوفق الشرع الحنيف بين متطلبات الأول وسمو الثاني ..
والحقيقة أنها محصلة لڪيفية التربية الآلهية وما يعلو في سماء المجتمع المسلم مِن قيم إنسانية راقية ومفاهيم بشرية عالية ومقاييس آدمية سامية .. ليڪتمل في أبهىٰ صورة بشرية المجتمع الإسلامي -أولاً وبادئ ذي بدء- في يثرب = المدينة المنورة النبوية - والتي طيَّبَ الله -تعالىٰ- ثراها بمرقده وبجواريه وزيريه الأول والثاني وخليفته الأول والثاني - ويڪتمل التفوق الذهني والسمو العقلي مع القدرة البدنية في منتهاها في بقية العصور زمن الخلافة الراشدة والمُلك الإسلامي الراشد .. وإن وجدت أخطاء البشرية إثناءالتطبيق .. ويجاور هذا كله ويقابله الضعف والخوار في الترڪيبة الأصلية لهذا الڪائن غريب الأطوار : الإنسان ..
ففي مجتمع المدينة المنورة .. وهو خير القرون وجدت حالات زنا مِن مسلمين ويهود .. وسرقة .. وڪذب .. ونفاق ومحاولات قتل .. ومخالفات .. وإدعاء نبوة باطلة ڪاذبة ومحاربة الله والڪيد لرسوله وتعذيب الفئة المؤمنة الصالحة الطيبة الطاهرة الزڪية ورِدة ومنع أو محاولة منع تطبيق بعض الأحكام ڪــ مانعي الزكاة .. إذ هو مجتمع بشري .. آدمي .. إنساني وليس مجتمعاً ملآئكياً .. ولحمايته وجد نظام العقوبات من حدود وتعزير وعقوبة مقدرة .. لذا فـ لن يستطع الإنسان بڪيانه الآدمي وترڪيبته الأصلية أن يقترب مِن درجة الملآئكة أو يدنو منها .. فيڪفي أن هذا الڪائن البشري - القوي الضعيف - خرج مِن مجرىٰ البول مرتين : مرةً مِن صلب أبيه ومرة مِن رحم أمه .. وأصل خلقته مِن تراب ويعود بعد موته إليه ..
والإنسان ومنذ بدء خلقته الأولىٰ السوية[(٢)] وحتىٰ ڪتابة هذه السطور لم يتغير في ترڪيبته[(٣)] الأصلية الشئ الڪثير؛ فأجهزته الحيوية ڪـ المخ وخلاياه ومراڪزه والقدرة علىٰ التعلم والدراسة والفهم والاستيعاب والحفظ والإدراك واسترجاع المعلومات في الوقت الذي يحتاجها فيه ؛ تلك التي حُفظت مِن قبل وخُزِنَت .. ثم بالتجربة وتڪرارها والتعلم من الخطأ تزداد سعة المعلومات الجديدة ويزيد حجمها فيتراڪم ڪمٌ هائل مِن المعلومات السابقة بجوار الجديدة المڪتسبة والخبرات التي حُصلت من قبل فيطور الإنسان الشئ الموجود أمامه ڪـ صناعة السيارة والطائرات والسفن والغواصات أو في مجال الأجهزة التي يحتاجها في حياته اليومية في المطبخ أو غرفة المعيشة أو أماكن العمل أو الشارع العمومي والمتنزهات ووسائل الترفية والتسلية .. أو في مجال صناعة الدواء وأجهزة تشخيص الداء والڪشف على الأجهزة الحيوية للإنسان أو البناء والتشييد والزراعة وأدوات الري أو أدوات الحرب والفتك والتدمير .. وأمثالها ..
ڪما وأن رئة الإنسان - التنفس - تعمل ڪما ڪانت تعمل منذ مئات بل آلوف وملايين السنين فلم يتمڪن الإنسان أن يبقىٰ تحت الماء لأڪثر من ثلاث دقائق .. وقلبه ينبض ويضخ الدماء في ڪافة أنحاء الجسد .. والأسنان ودورها في مضغ الطعام .. واحتياجه لــ شرب الماء وعملية الهضم في المعدة والامتصاص .. ثم إخراج الفضلات تتم ڪما ڪانت من قبل ..
والتغيير الملحوظ -فقط- في اسلوب عيشة الإنسان وڪيفية حياته والحياة المدنية ثم مستوىٰ الرفاهية ودرجتها والتي تَحَصَّل عليها نتيجة إعمال العقل وتوفر المال .. وفق الزمن أو العصر الذي يعيش فيه .. فــ جداتنا غسلت الملابس بيدها وأطباق الطعام ؛ وحفيدتها تضع الجميع في غسالة صناعية وتذهب إما لتحصيل علم أو الفرجة علىٰ مسلسلات تليفُزيونية ..
فإذا أحتاج - الإنسان - إلىٰ النوم -وهو حاجة عضوية ضرورية- فسوف ينام إما علىٰ تراب تحت رأسه حجر .. أو فوق أعشاب يسند نفسه علىٰ جذع شجر أو في مغارة أو ڪهف أو في قصر عالٍ منيف وفراش وثير تحته حرير وفوقه ديباج ؛ أو إثناء سَفره استوثر فراش فندق خلف محطة قطار رئيسة في أمهات المدن العالمية أو هيلتون المدينة وشيراتون العاصمة فينام نوماً عميقاً .. أو فوق مقعد في حديقة عامة ..
وڪذلك إخراج الفضلات المتبقية في الأمعاء أو المثانة - حاجة عضوية آخرىٰ ملحة في إخراجها وضرورية - فيخرجها في أي مڪان وعلىٰ أي هيئةأو وضع - حسب عادات وتقاليد أهله - سواء تغوط في غائط [منخفض] في الصحراء أو خلف الأشجار لا يراه ولا يشم رائحته أحد أو في غرفة خاصة[(٤)] فوق مرحاض عربي أو افرنجي ..
فهذا بالنسبة إلىٰ الحاجات العضوية الضرورية والتي إن لم تشبع يموت الإنسان ويهلك إما خنقاً لعدم توفر الهواء لرئته وعدم القدرة علىٰ استنشاق الهواء النقي أو مسموماً لإنتشار مخلفات البول في دمه أو عطل في كليته أو لتوقف قلبه عن ضخ الدم أو عدم القدرة علىٰ النوم ..
تتبقىٰ الغرائز الإنسانية وهي لها عدة مظاهر تُشبع من خلالها وليس لها صورة واحدة في الإشباع ڪ غريزة النوع والتملك والبقاء ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولنبدء من تحديد البداية :
المخلوق الأول والمصنوع الأول والڪائن الأول في الوجود هو : « „ آدَمَ ‟» ..
حقيقة خلق الإنسان أنه كما : {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}. ولكي لا تضيع من بين أيدينا حقيقة الوجود الإنساني يذكرنا خالقنا فاستمع إليه وهو يقول : {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}.
ويخبرنا خالقنا بحقيقتين ؛ الأولى منهما : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ} ثم يبين الحقيقة الثانية في نفس الآية استمع إليه وهو يقول : {مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون}
ثم يڪمل قضية التوضيح في الخلق فيقول - سبحانه وجلَّ شأنه - : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} . {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِين} {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِب}.
ثم يبين إڪمال عملية الخلق والإيجاد : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون}.
ويأتي تبيان حالة خلق الإنسان من نسل آدم استمع إليه وهو يقول : {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِق} {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق} {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِب} {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}.
ثم ينوع الخطاب : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُون} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون}.
ويؤڪد الذڪر الحڪيم على حقيقة مفادها : {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِين} {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِين}.
ثم يأتي التڪريم والتعظيم والتبجيل والتفخيم : {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِين} ويأتي حوار استرشادي : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين} .. ثم يؤڪد على مسألة التڪريم هذه بقوله : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون} {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين} {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون} {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِين} {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِين} {قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون} .
يريد الذڪر الحڪيم التأڪيد على قضية التڪريم هذه فاستمع إليه وهو يقول : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلا} {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا} {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا}.
ثم ينتقل بنا الذڪر الحڪيم إلى خلق الإنسان من ذرية آدم وزوجه وللتذڪير يقول :{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}.
ثم يجمل قضية الخلق فاستمع إليه وهو يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج}.
ويأتي التذڪير باسلوب : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِين} {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِين} {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين} {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُون} {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُون} .
يؤڪد على تلك الحقيقة : النهاية المحتومة : {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِير}.
ثم يؤڪد على حقيقة بعد الخلق والتنشأة فيقول : {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}.
ثم يتم الإخبار بقضية العلم والتعليم وڪيف رڪز عليها الذڪر الحڪيم أيما ترڪيز وأي اهتمام فاستمع إليه وهو يقول : {الرَّحْمَن} {عَلَّمَ الْقُرْآن} {خَلَقَ الإِنسَان} {عَلَّمَهُ الْبَيَان}.
ويخبرنا خالقه وصانعه ومبدعه في نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة يقوله فيه : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} ..
و
النص هذا لا يحتاج لمزيد توضيح أو تفسير أو تأويل ؛ وإن شرحه حَبر هذه الأمة عبدالله بن العباس - رضي الله عنهما -؛ عم النبي المصطفىٰ - عليه السلام - ..
فــ آدم لم يتلقَ تعليماً أو درساً من أحد فهو المخلوق الأول ؛ فلا أب له يأدبه ويربيه ، ولا أم له ترعاه وتعلمه ، وهو يحتاج لتلك المعلومات الأولية والتي ذڪرتها آنفاً .. فڪان من رحمة خالقه ومبدعه أن ذڪر لنا هذه الآية ؛ ولڪي نوضح هذه المسألة أڪثر نستعين بآية آخرى في نفس الموضوع ونفس المسألة وهي أيضا قطعية الثبوت قطعية الدلالة .. تقول: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} وجاء التعبير في الآية الڪريمة بلفظ الجلالة {اللّهُ} الدال علىٰ ذاته العَلِية؛ واسمه الذي لم يسمَ غيره به .. فلم يأت بأي اسم من اسمائه الحسنىٰ علىٰ ڪثرتها .. ثم جاء الإخبار في نفس الآية بأن هذا الخالق الصانع المبدع المنشأ أوجد بعد هذا الخلق فقال {جَعَلَ} أي بعد التخليق والتنشأة والتڪوين والإبداع فــ جعل : أدوات التعليم المخلوقة مع الإنسان : ذڪر كان أو انثىٰ وخرج إلىٰ الحياة بغض الطرف عن مڪان خروجه .. أفي القارة الأوربية المتحضرة - الأن - أو أمريكا والتي تسعىٰ أن تڪون الدولة الأولىٰ في العالم أو في الصين والتي تزاحم الدول الصناعية الكبرىٰ أو في بلاد الهند ومن يعبد بقر أو في أوساط أفريقيا وأدغالها فمَن يخرج من فصيلة الإنسان في أي بقعة علىٰ الأرض يمتلك ذاتياً أدوات التعليم والتعلم فذڪرت الآية علىٰ الترتيب : {وَجَعَلَ لَكُمُ :
(١) : {الْسَّمْعَ} : فــ بـ آلة السمع يتمڪن الإنسان مِن معرفة ڪل ما حوله من أصوات ومن خلال السماع يتعلم اللغات ويعرف مدلولات الألفاظ .. فاللفظ ڪذا يدل علىٰ ڪذا فيتعلم صنعة التڪلم والمخاطبة والحديث والتعبير عما بداخله من فرح وسرور أو حزن وألم .. والكتابة والحساب .. وجاء اللفظ بصيغة الإفراد ..
وَ
(٢) {الأَبْصَارَ} : جاء اللفظ هنا بصيغة الجمع وليس بصيغة الإفراد {البَصَرَ} .. مما يشير ويلفت الانتباه بأن الإنسان يحمل عدة قدرات للإبصار ؛ ليس البصر أي الرؤية بالعين المجردة اللتان في الرأس.. فقط
وَ
(٣) {الأَفْئِدَةَ} : وهذه اللفظة أيضا جاءت بصيغة الجمع ؛ وصيغة المفرد : {الفُوأد} وهذه الآية تحتاج إلىٰ صحيح تفسير وسليم تأويل ودقة في التعبير والشرح .. وما يهم الأن أن الإنسان الأول {آدم} مع أنه يملك بالقطع هذه الأدوات إلا أنه أحتاج لمعلومات أولية عن الحياة التي وجد فيها فهو ليس طفلا بل [رجلا] كاملا فاحتاج إلىٰ تلك المعلومات الأولية والتي ستصبح عنده معلومات سابقة سيبني عليها ومن بعده ذريته معلومات جديدة تتراڪم علىٰ مر الأزمان وڪر الدهور .. إذ الوليد مِن أم وأب سيقومان بتعليمه وتدريسه بغض الطرف عن الڪيفية والوسيلة .. أبدائية ڪانت(!؟) أو طريقة تعليم وتدريس متقدمة علمياً ..
ثم خُتمت الآية بقول - عزَّ وجلَّ -: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} .
ويأتي توضيح : {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفارق بين الغريزة عند الإنسان .. والحاجة العضوية .. أن الأولىٰ لا تستلزم الإشباع الحتمي ، بل تُشبع من خلال مظاهرها ، وأما الثانية - الحاجة العضوبة - فهي تستلزم وتتطلب الإشباع الحتمي
- ڪـ الجوع : الحاجة: إلىٰ طعام .. أو
- العطش والظمأ : الحاجة إلىٰ شراب ..
- الراحة والحاجة إلىٰ النعاس والنوم ..
- والتنفس : الحاجة إلى الهواء ..
- وإخراج الفضلات من الجسد من خلال العرق والتبول والتبرز ..
أما الميل الجنسي فيتطلب فقط إشباعاً وليس ضرورياً ؛ وما لم يُشْبَع يحدث اضطرابا في سلوك الإنسان وقلقا وإعوجاج مزاج .. وقد يحدث(!) - في رهبانية ابتدعوها - إنحراف وخطأ أو شذوذ في كيفية الإشباع ..
بيد أن الثقافة غير إسلامية تجعل الجنس في درجة علوية والتعري والتڪشف والإباحية ثقافة عند بعض الشعوب ؛ وممارسة الجنس دون وازع خُلقي [الخُلق الحميد؛ مڪارم .. محاسن الأخلاق] أو إنساني [اختلاط الأنساب ؛ الانحراف أو الخطأ أو الشذوذ أو استعمال منتجات صناعية واستخدام أطفال] أو ديني [لا تقربوا الزنا = حرام .. يقابله الحلال = وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا] فلا يوجد عندهم ما يسمىٰ حرج - وهو أدنىٰ درجة في الحياء ڪما عند المسلمين وفقاً لمبادئ الإسلام وتعريف حدود العورة لڪل من الذكر عند البلوغ ؛ والأنثىٰ إذ بلغت مبلغ النساء ..
هنا تظهر نوع الثقافة وڪيفية ممارستها أو ما يسمىٰ „ المفهوم ” و „ القيمة ” و „ المقياس ” أي فڪرة عن الحياة ارتبطت بالسلوك.. فصارت مفهوما أو مقياسا أو قيمة عند مزاولة عمل ما!
لذا فــ الإنسان يحتاج إلىٰ تنوع في التربية النفسية والتربية البدنية تجاه خالقه ورازقه تسمىٰ „ عبادة ”.. وعند الآخرين يذهب إلى الطبيب النفسي أو مصحة تأهيل أو يمارس نشاط بدني في صالات الرياضة ونواديه مع التربية والتعليم لمتطلبات الحياة في المدارس والجامعات والمعاهد والأڪاديميات ؛ فأوجد الخالق وهو السميع العليم أنواعا من العبادات وأشڪالا من التقرب إليه يحبها هو ويرضىٰ عنها ويريد مَن يعبده أن يتعبده بهذه الڪيفية ومن خلال هذا الطريق .. فأوجد - سبحانه وجلَّ شأنه - نظام عبادة إثناء الحالة الطبيعية والتي يڪون عليها الإنسان في نهاره وإثناء معاشه اليومي من طهارة حسية بدنية وروحية وقلبية .. فجعل إخراج فضلات من جسده تحتاج إلى نظافة معينة وتطهير بطريفة خاصة من خلال مسح الموضع الذي خرجت منه الفضلة أو إغتسال ڪامل يعم البدن ڪله أو التيمم .. وفرق الشارع الحكيم بين الودي والمذي وبين المني ؛ وفرق سبحانه بين الدم من جرح أو خروج دم الحيض والنفاس أو الاستحاضة .. بل فرق بين عدة ألوان ورائحة دم الحيض وفرق بين البول ؛ والبراز ، وبين العرق ؛ ودمع العين ؛ ورطوبة الأنف ؛ أو رطوبة فرج المرأة ، وقد بيَّنَ هذه الأحڪامَ الشرعيةَ الفرعيةَ العمليةَ السادةُ علماءُ الأمة الإسلامية - إما وفق المذهب الواحد وإما في مقارنة الفقه - ثم أوجد الخالق الرازق رابط قوي بينه ڪـ رب مالك وخالق وبين عبده الإنسان المطيع من خلال صلوات بــ رڪوع وسجود علىٰ طهارة ڪاملة خمس مرات في اليوم والليلة فيعيش الإنسان يومه على طهارة بين الصلوات ؛ وقبل الصلوات ؛ وبعد الصلوات ڪـ مراقبة ذاتية لنفسه مع وجود تقوىٰ الله تعالىٰ ..
ثم كُتب عليه الصيامَ شهرا قمريا في العام .. وهذا أقرب ما يڪون إلىٰ مراقبة ذاتية فعلية عملية حين يمتنع عن ڪل ما اباحه الخالق بقية شهور العام الهجري .. ثم تضاف سنة صلاة التراويح ، وسنة التهجد في ليل بعد نوم ولو لساعة من الزمان ، وسنة الاعتڪاف ، وقراءة ورد يومي .. ڪــ جرعات متتالية مڪثفة في شهر واحد فقط في العام .. وبعد الإنتهاء من الشهر الفضيل رمضان الڪريم صياماً وقياماً وقراءة ورد يومي واعتكاف في المساجد .. تأتي تربية من نوع آخر متقطعة على مدار الإسبوع ڪـ صوم الإثنين والخميس أو على مدار الشهر ڪــ أيام البيض القمرية أو على مدار العام عاشوراء وتاسوعاء أو يوم عرفة لمن ليس حاجاً .. ثم يوضح رسول الإسلام ونبي آخر الزمان ثواب وجزاء مَن يفعل ذلك !..
ولڪي تڪتمل الصورة أمام المسلم ..
نجد :
(١) : قول النبي البشير : « أفْلَحَ إنْ صَدَقَ [(٥)] ». بعد ما سمع الرجل النجدي يقول وقد اقسم : " واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا ولَا أنْقُصُ ". لمن اقتصر على الفروض دون المندوبات ولم يقم بـ النوافل ولم يأتِ بــ المستحبات!
(٢) « سَاعَةً وَسَاعَةً[(٦)] »
.. فالحياة والمعيشة كما قال -عليه السلام- : ساعة عبادة وطاعة .. وساعة مع الأشغال لكسب لقمة العيش ومع الأهل والأصدقاء والأولاد ..
لذا جاء النص واضحا وصريحاً : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}.
والتركيبة الأصلية للإنسان تميل إلى الدعة وبعض الكسل .. فيكشف لنا الخالق حقيقة : {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد}. وقبلها في نفس الآية الكريم يبين سبحانه وتعالىٰ شأنه : {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين}.
لذا فقد وجدت الرخص فقال -عليه السلام- « „ إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه ” ».
وهذا لعلمه سبحانه الكامل بهذا المخلوق .. فجميع التكاليف بها من اليسر والسهولة دون العنت والضيق ما هو في طاقة الإنسان العادي ؛ لذا تسمعه يقول في مسألة الامتناع عن الشراب والطعام والخلوة بالزوجة : « „ يريد الهو بكم اليسر ” ».. ثم يؤكد« „ ولا يريد بكم العسر ” » .
ثم يبين أطوار هذا المخلوق : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير}. {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} . {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .

ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
‏الإثنين‏، 20‏ رمضان‏، 1444هــ ~ 10 أبريل 2023 م.
ــــــــــــــــــــــــ
[(١)] تمام الآية تقول : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ : {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}..{فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ}..{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [البقرة:187]. فالآية المذكورة وردت في سياق الحديث عن الصوم وما يباح للصائم في ليالي رمضان، وبمعرفة سبب نزول الآية يتضح معناها، فقد ورد في كتب السنة وكتب التفسير أن المسلمين كانوا في بداية الأمر إذا نام أحدهم في ليل رمضان لا يحل له أن يأكل أو يشرب أو يأتي أهله بعد ذلك.. ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام والشراب في شهر رمضان بعد ما ناموا، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ }.. أي تخونون أنفسكم بعمل شيء تعدونه حراما.. قال ابن كثير في التفسير: تختانون أنفسكم، يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء، وبعد النوم. وقال غيره: تخونون أنفسكم وتظلمونها بالمجامعة وتعرضونها للعقاب ونقص حظها من الثواب، والاختيان أبلغ من الخيانة.
[(٢)] مصداقا لقول الخالق {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}[التين:4]
[(٣)] . تمكن العلم الحديث من زرع أسنان صناعية في فك الإنسان؛ وزرع قلب من إنسان آخر أو تركيب دعامة للقلب لتنظيم دقاته ببطارية؛ وتركيب ركبة ومفاصل وأطراف صناعية .. وما زال باب العلم التجريبي مفتوح على مصرعيه في كافة مجالات الحياة للإنسان ... .
[(٤)] في زيارة لمتحف في مدينة جراتس بالجمهورية النمساوية توجد قاعة بها متعلقات إلإمبراطورية النمساوية والملكية المجرية وقد رأيتُ وعاءً من الخزف كانت تضع فيه إليزابيت الملكة فضلاتها بعد مدة من تناول طعامها وشرابها وتحمله وصيفة لها وتلقيه خارج القصر .. وقرأ الجميع أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية -بوش الأبن- أحضر معه ورق تواليت لتنشيف وتجفيف ما يخرج منه خوفا من أن يضع أحدا ما سما رعافا في غرفة قضاء الحاجة!.. وكانت تمزح آحدى الأمهات مع رفيقتها بأن قضاء الحاجة في المبولة العمومية في عاصمة الألب يدفع عليها رسم دخول .
[(٤)] وتمام الآية : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين}[البقرة:31].
[(٥)]عن طلحة بن عبيد الله -رضي اللّٰه عنه- قال: ” جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ ولَا يُفْقَهُ ما يقولُ، حتَّى دَنَا، فَإِذَا هو يَسْأَلُ عَنِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ. فَقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وصِيَامُ رَمَضَانَ. قالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ: وذَكَرَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الزَّكَاةَ، قالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ. قالَ: فأدْبَرَ الرَّجُلُ وهو يقولُ: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا ولَا أنْقُصُ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أفْلَحَ إنْ صَدَقَ”..
[(٦)] أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ -وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. [ انظر : مسلم؛ في: صحيحه: (2750)؛ الحديث: صحيح] .


قدوةٌ.. أُسْوَةٌ
قدوةٌ صالحةٌ
( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )

منذ بداية البعثة المحمدية ؛ بل وبداية رسالات السماء إلىٰ البشر مِن خلال الرسل المصطفين المبتعثين ؛ وبواسطة الأنبياء المرسلين المجتبين -صلوات الله تعالىٰ عليهم أجمعين- .. منذ بداية بعثة السماء لأهل الأرض وضع الخالق -سبحانه وتعالىٰ- فثبتَ مجموعة مِن المبادئ والعقائد وأرسل كتلة مِن القيم الرفيعة والقناعات المتينة الراقية ؛ وآڪد علىٰ حزمةٍ مِن المفاهيم الإنسانية والمقاييس الصحيحة لـ تعيش الناس وفق منظومة آلهية عالية عن مجرد الإشباعات لمجرد جوعات البدن ومتطلبات الجسد ؛ مع مراعاة متطلبات الإنسان العضوية والغريزية .. هذه العقائد والقيم والقناعات والمفاهيم والمقاييس حددها الخالق الرازق في محڪم ڪتابه العزيز وسنة نبيه الڪريم ، وايضاً لـ تطبيق نظم ربانية وتفعيلها .. فـ أنزل الحقُّ -تبارك وتعالىٰ- آيةً قطعية الثبوت قطعية الدلالة ؛ فنطق القرآن الڪريم يقول : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
بيد أن مَن يتتبع القرآن المجيد والذڪر الحڪيم والفرقان المبين يجد ما يؤڪد هذا المعنىٰ في موضع آخر مِن ڪتاب رب العالمين إذ يقول : {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ، ثم يزداد التأڪيد وضوحاً وجلاءً فيقول : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] .. فصار لزاماً علىٰ جميع افراد أمة الإسلام .. أتباع آخر الأنبياء والتقييد بأحكام متمم المبتعثين وتطبيق ما أمر به خاتم المرسلين والبعد عن ما نهىٰ عنه .. والتأسي به وجعله لنا إماما وقدوة وأسوة ، وأن يلتزموا بڪل ما جاء به -صلى الله عليه وسلم و - في مصدريّ التنزيل .. ومنبعا المنهاج والتشريع :
- القرآن الڪريم
و
- السنة المحمدية النبوية الصحيحة ؛ فيرتفع الأمر إلىٰ الوجوب بالقيام بـ فعل أو الامتناع عن فعل بــ الترك ؛ إذا قُرنت صيغة نص الطلب بثواب دخول جنة ؛ أو بعقاب الزج في نار الجحيم ، ثم تُرڪت مساحات تشريعية لـ أفعال حَسنة علىٰ سبيل الندب والنوافل والمستحبات ، لذا فحين يقول -عليه السلام- : « „ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ” » [(1)]؛ فهذا القول منه علىٰ الوجوب لوجود قرينة الإمتثال لأمر الله تعالىٰ بإقامة الصلاة في ڪتابه العزيز ؛ ثم لقوله -عليه السلام- وفعله وبيانه ..
ولينتبه المسلم لـ قوله : « „ كما رَأَيْتُمُونِي ” » ؛ ولم يقل : « صلوا ڪما أصلي » ؛ والفارق بينهما شاسع ڪبير ..
وقوله-عليه السلام-: « „ صلوا كما رأيتموني أصلي » ؛ دليلٌ لجماعةٍ مِن أهل العلم، علىٰ أن ڪل ما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن صفة الصلاة، فالأصل فيه أنه واجب ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بأن نصلي ڪما رأيناه يصلي..
بيد أنَّ مسألة الصلاة والدخول فيها وڪيفيتها والخروج منها وسننها ومندوباتها ومستحباتها ونوافلها والرخص لبعض ذوي الحالات الخاصة وما يحدث ويتم قبلها وما يصلح أن نقوم به بعدها فروع لـ مسألة الصلاة يحتاج إلىٰ تفصيل ليس هنا موضعه!
ومثال آخر : « „ خذوا عنِّي مناسِكَكم ” » يبين بجلي العبارة أن العبادات ڪلها توقيفية قررها وطلبها الشارع -سبحانه وتعالىٰ- وبيَّنها لنا رسوله ونبيه -عليه السلام والإكرام- بقوله وفعله..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
{أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} بيان معنىٰ الآية :
وحول تفسير وفهم هذا الجزء من الآية الڪريمة نقرأ :
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ : {أُسْوَةٌ} فــ الْأُسْوَةُ الْقُدْوَةُ . وَالْأُسْوَةُ مَا يُتَأَسَّىٰ بِهِ ؛ أَيْ يُتَعَزَّىٰ بِهِ . فَيُقْتَدَىٰ بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَيُتَعَزَّىٰ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ.. وهي فعلة مِن الائتساء ڪالقدوة من الاقتداء ، اسم وضع موضع المصدر ، أي : به اقتداء حسن واستنوا بسنته.. {لمن كان يرجو الله} بدل من قوله : " لكم " وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين ، يعني : أن الأسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن ڪان يرجو الله ، قال ابن عباس : يرجو ثواب الله .
وَالْأُسْوَةُ : هي الْقُدْوَةُ الصالحة؛ إذ هي كائنة وثابتة للمؤمنين حق الإيمان.. يقال:"فلان ائتسىٰ بفلان، إذا اقتدىٰ به، وسار علىٰ نهجه وطريقته.
وقال مقاتل : يخشىٰ الله {واليوم الآخر} أي : يخشىٰ يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال {وذكر الله كثيرا} في جميع المواطن علىٰ السراء والضراء .
.. لقد ڪان لڪم -أيها المؤمنون- في أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها، فالزموا سنته ، فإنما يسلڪها ويتأسىٰ بها مَن ڪان يرجو الله واليوم الآخر، وأڪثرَ مِن ذڪر الله واستغفاره، وشڪره في ڪل حال .. ولا يتأسَّىٰ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا مَن ڪان يرجو ثواب الله ورحمته، ويرجو اليوم الآخر، ويعمل له، وذڪر الله ذڪرًا ڪثيرًا، وأما الذي لا يرجو اليوم الآخر ولا يذڪر الله ڪثيرًا فإنه لا يتأسَّىٰ برسوله صلى الله عليه وسلم. ".
لذا فقد استدل الأصوليون في هذه الآية، علىٰ الاحتجاج بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي علىٰ الاختصاص به. فــ
الأسوة نوعان:
- أسوة حسنة،
و
- أسوة سيئة. فــ
الأسوة الحسنة، في الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلىٰ نوال ڪرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم. وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، ڪقول الڪفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي [بهم[ {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} ..
وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلڪها ويوفق لها، من ڪان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وتقوىٰ اللّه، ورجاء ثوابه، وخشية عقابه، يحثه علىٰ التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم- .
فــ الذين يرجون ثواب الله -تبارك وتعالىٰ-، ويؤملون رحمته يوم القيامة، إذ هم المنتفعون بالتأسي برسولهم صلى الله عليه وسلم.-
وقوله: وَذَڪَرَ اللَّهَ ڪَثِيراً معطوف على ڪانَ، أى: هذه الأسوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم.ثابتة لمن ڪان يرجو الله واليوم والآخر، ولمن ذڪر الله -تبارك وتعالىٰ- ذڪرا ڪثيرا، لأن الملازمة لذڪر الله -تبارك وتعالىٰ- توصل إلىٰ طاعته والخشية منه- سبحانه -.
وجمع- سبحانه -بين الرجاء والإڪثار من ذڪره، لأن التأسي التام بالرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يتحقق إلا بهما.
قال ابن ڪثير :" هذه الآية الڪريمة أصل ڪبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه -تبارك وتعالىٰ-
والذي يقرأ السيرة النبوية الشريفة. يرىٰ أن النبي صلى الله عليه وسلم.ڪان في هذه الغزوة بصفة خاصة، وفي غيرها بصفة عامة القدوة الحسنة الطيبة في ڪل أقواله وأفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم..لقد شارك أصحابه في حفر الخندق، وفي الضرب بالفأس. وفي حمل التراب بل وشارڪهم في أراجيزهم وأناشيدهم، وهم يقومون بهذا العمل الشاق المتعب.
وشارڪهم في تحمل آلام الجوع، وآلام السهر.. بل ڪان صلى الله عليه وسلم.هو القائد الحازم الرحيم، الذي يلجأ إليه أصحابه عند ما يعجزون عن إزالة عقبة صادفتهم خلال حفرهم للخندق.
قال ابن إسحاق ما ملخصه: وعمل المسلمون فيه- أى في الخندق- حتى أحڪموه، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له «جعيل» سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم.عمرا، فقالوا: سماه من بعد جعيل عمرا ...
وكان للبائس يوما ظهرا فإذا مروا بعمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.«عمرا» وإذا مروا بظهر قال: «ظهرا» .
ثم قال ابن إسحاق: وڪان في حفر الخندق أحاديث بلغتني فيها تحقيق نبوته صلى الله عليه وسلم.فڪان فيما بلغني أن جابر بن عبدالله ڪان يحدث، أنهم اشتدت عليهم في بعض الخندق ڪدية- أى صخرة عظيمة-، فشڪوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الڪدية، فيقول من حضرها: فو الذي بعثه بالحق نبيا لانهالت- أى: لتفتت- حتى عادت ڪالڪثيب- أى ڪالرمل المتجمع- لا ترد فأسا ولا مسحاة .
. وهذه الآية الكريمة وإن كان نزولها في غزوة الأحزاب، إلا أن المقصود بها وجوب الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.في جميع أقواله وأفعاله، ڪما قال -تبارك وتعالىٰ-: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. و
هنا العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب -والله تعالى أعلم وأحڪم-
واختلف في هذه الأسوة بالرسول -عليه السلام- ، هل هي علىٰ الإيجاب أو علىٰ الاستحباب ؛ علىٰ قولين :
- أحدهما : علىٰ الإيجاب حتىٰ يقوم دليل علىٰ الاستحباب .
- الثاني : علىٰ الاستحباب حتىٰ يقوم دليل علىٰ الإيجاب .
. ويحتمل أن يحمل علىٰ الإيجاب في أمور الدين ، وعلىٰ الاستحباب في أمور الدنيا . ". .
... وفي مسألة الأسوة والقدوة والتأسي بيَّنَ الحقُّ -تبارك وتعالىٰ-
أولاً : بشخص رسول الإسلام -محمد بن عبدالله- بأقواله وافعاله وتقريراته فقال تعالىٰ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]
.. ولڪي يتمم الإسلام -آخر الرسالات السماوية لأهل الأرض- صورة التأسي والقدوة الصالحة والأسوة الحسنة اضاف خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- فقال : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}...
. ثم يڪمل أرڪان الصورة بقوله : {وَالَّذِينَ مَعَهُ . . . إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . . . رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}[الممتحنة:4]
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[الممتحنة:5] .. ويوضح القرآن الڪريم الصورة بقوله : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [الممتحنة:6]
وڪأن الصورة في مسألة القدوة الحسنة والأسوة الصالحة تحتاج لمزيد بيان غير أن هذه المرة ليس من القدوة من خلال الأنبياء فقط بل ستأتي من واقع أمة الإسلام نفسها وبناءً علىٰ النص القرآني الذي يقول : { وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ }.. فنطقت السنة المحمدية العطرة الزڪية البهية تقول : : « „ عليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ ” »
[معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: « „ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ” »] ..
فقد أمرنا-صلى الله عليه وسلم- بالاقتفاء لآثارهم -أي: آثار السلف- والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات..
أين ذلك الخبر؟
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-« „ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ” ».. أي:
- الزموا سنتي،
وسنته هي: طريقته -صلى الله عليه وسلم-، وهديه.
و
- « „ سنة الخلفاء الراشدين المهديين ” »؛ وأول وأحقُّ مَن يصدق عليه وصف الخلفاء هم:
- الخلفاء الأربعة:
- أبو بكر و
- عمر و
- عثمان و
- علي -رضي الله عنهم أجمعين-.
ويدخل فيهم كل من تحقق بالرشد والهداية من
- علماء الأمة ؛ لـ
أن علماء الأمة خلفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمته؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « „ العلماء ورثة الأنبياء ” » ؛ فالعلماء هم خلفاء الرسل في أممهم.
قال -صلى الله عليه وسلم-: « „ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » ؛ وإنما يكون راشداً مهدياً من سلم من الغي والضلال.
فالراشد: هو السالم من الغي،
والمهدي: هو من سلم من الضلال، فمن سلم من هاتين الآفتين ڪمل علمه وصح عمله، فڪمال العلم والعمل في الرشد والهداية ؛ لأن المانع من الحق أحد أمرين:
- الأمر الأول: عدم العلم،
- الأمر الثاني: اتباع الهوىٰ.
فمن ڪان مهدياً فقد حصل العلم، ومن ڪان راشداً فقد سلم من اتباع الهوىٰ، وإذا تحقق للإنسان الرشد والهدىٰ فقد فاز بإصابة الحق وصلاح العمل، ولذلك فذڪر الرسول صلى الله عليه وسلم لهذين الوصفين ليس عبثاً ولا لغواً، وليست أوصافاً مترادفة، وإنما هي أوصاف مقصودة؛ لتڪشف من هم الذين ينبغي للإنسان أن يسلك سبيلهم، وأن يتمسك بهديهم.
وهذا الحديث يفيدنا أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تسع الإنسان في السلامة من ڪل ضلال، فڪل من لم يسعه هدي النبي ولا هدي الخلفاء الراشدين فإنه ضالٌ لا محالة، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقتصر عند موارد الاشتباه على ما دل عليه الڪتاب العظيم والسنة المطهرة النقية ، وما ڪان عليه سلف الأمة، وما ڪان عليه الخلفاء الراشدون المهديون.[(3)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محصلة البحث:
ينبغي أن نصل إلىٰ محصلة هذا البحث بالقول بأن القدوة الحسنة والأسوة الصالحة والتأسي الصحيح النافع المنتج سلوڪاً قويما وأخلاقا راقية تڪون بــ معرفة وفهم ودراسة وتطبيق ما ڪان عليه النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والحبيب المرتضىٰ .. خاتم الأنبياء المحتبىٰ لقوله تعالىٰ :
[( ١ .)] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
و [(الحمد لله تعالىٰ فقد نشر الموقع سلسلة عن السيرة النبوية)] ..
ثم يوازيه -عليه السلام- في الأسوة ويقاربه في القدوة جده الأعلى : الخليل إبراهيم ؛ إذ أن النص يقول : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين}[آل عمران:33]
وبالقطع فإن النبي الخاتم مِن سلالة إبراهيم الخليل فهو جده الأعلىٰ مِن ذرية إسماعيل وهو جده الأول -عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وتبريڪاته وإنعامه-
ومن هنا نفهم أن دراسة حياة الأنبياء مِن لدن آدم إلىٰ الرسول الخاتم والنبي المتمم ليس من باب دراسة قصص المصاطب وحڪايات القهاوي وروايات القُصاص بل هي دراسة تأصيلية تشريعية منهجية لفهم صحيح العقائد وسليم الأحڪام..
ثم ثنىٰ القرآن الڪريم بــ
[( ٢ .)] {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}
[( ٣ .)] {وَالَّذِينَ مَعَهُ}
ثم أعاد القول بــ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} في نفس السورة ومع تسلسل ذڪر الآيات؛
ثم تأتي السنة المحمدية الطاهرة الصافية لتضيف في ترتيب الأسوة الصالحة والقدوة الحسنة فنسمعه -عليه السلام- يقول :
[( ٤ .)] « „ عليكم بما عرَفتُم من ... سُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ ” » ؛
ثم يأتي مسك الختام بذڪر العلماء الربانيين : فتقرع أذاننا قول الحبيب محمد -عليه السلام- حين يقول :
[( ٥ .)] « „ وإِنَّ العُلَماءَ هم وَرَثةُ الأنْبياءِ[(4)]” » ؛
وهنا ينبغي التنبيه :
بأن البعض خاصة مَن له صفحة علىٰ الشبڪة العنڪبوتية يتجرأ بنشر أقوال تنسب إلىٰ رسول الله -عليه السلام- ؛ والناشر [الناقل: ڪــحاطب بليل] ليس مِن أهل العلم ڪنشر أحاديث ضعيفة وبعضها موضوع أو دعاء ليس مِن سنته -عليه السلام- .
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
مِصادر :
[(1)] رواه : البخاري في صحيحه ؛ وأضيفُ : رواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب الأحق بالإمامة، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد؛ ولهذا قال صاحب[بلوغ المرام] كما سبق في باب الأذان، قال: أخرجه السبعة، وأيضاً رواه غير هؤلاء كثير .
[(2)] وتمام الحديث : « „ وعظَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ- مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ ... فقلنا: „ يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ .. فماذا تعهَدُ إلينا ؟ ” ؛
فقال : « „ تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ . وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ ” » . والحديث له روياة آخرى ويحتاج لتفصيل ليس هنا موضعه!
.[(3)] شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح؛ ج: 2/ ص: 15، بتصرف يسير.
[(4)] وفي هذا الحديث قِصَّةٌ، حيثُ يقولُ كُثَيرُ بْنُ قَيْس- ويُقالُ: قَيسُ بنُ كَثيرٍ كما في رِوايةِ التِّرمذيِّ-: «كُنْتُ جالِسًا عند أبي الدَّرْدَاءِ في مَسْجِدِ دِمَشقَ، فأتاه رَجُلٌ، فقال: يا أبا الدَّرْداءَ، أتَيتُكَ من المَدينةِ- مَدينةِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؛ لِحديثٍ بَلَغَني أنَّكَ تُحدِّثُ به عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقال أبو الدَّرداءِ -رَضِي اللهُ عنه-: «فَما جاءَ بِكَ تِجارةٌ؟»،
قال الرَّجُلُ: «لا»،
فقال أبو الدَّرداءِ: «ولا جاءَ بِكَ غَيرُه؟»،
قال الرَّجُلُ: «لا»،
وهذا الاسْتِفْهامُ للإيضَاحِ عن سَببِ المجيءِ، وأنَّه لم يَأتِ لِطلَبِ تِجارةٍ أو عَرَضٍ من أعراض الدُّنيا، وأنَّه ما جاء به غيرُ طَلبِ ذلك الحَديثِ،
فقال أبو الدَّرداءِ -رضِيَ اللهُ عنه- عِندَما عَرَفَ نِيَّةَ الرَّجُلِ، وأنَّ سَفرَه إنَّما كان لطَلَبِ العِلْم: «فَإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا»، ودَخَلَ فيه أو مَشى، «يَطلُب فيه عِلْمًا»، أي: يَطلُب فيه عِلمًا نَافعًا خَالصًا لله تَعالى، «سلَك اللهُ به طَريقًا إلى الجَنَّةِ»، وذلك بالتَّوفيقِ إلى عَملِ الطَّاعاتِ والخَيراتِ في الدُّنيا، أو إدْخالِه الجَنَّةَ بلا تَعبٍ في الآخِرَةِ، «وإنَّ المَلائِكةَ لَتضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطالِبِ العِلْمِ»، وهذا يَحتَمِلُ أن يَكُون مَعناه على حَقيقَتِه، أي: تَضعُ أجْنِحتَها وإنْ لم يُشَاهَد، فَتضَعُها لتَكونَ وِطاءً له إذا مَشى، أو تَكفُّ أجْنِحَتَها عن الطَّيرانِ وَتنْزِلُ لِسماعِ العِلمِ.
قال: «وإنَّ العالِمَ ليَستَغْفِرُ له مَن في السَّمواتِ ومَن في الأَرضِ، والحيتانُ في جَوفِ الماءِ»، أي: تَطلُبُ له المَغفِرةَ من اللهِ إذا لَحِقهُ ذَنبٌ، أو تَستَغْفِرُ له مُجازاةً على حُسنِ صَنيعِهِ؛ وذلك لِعمُوم نَفعِ العِلمِ؛ فإنَّ مَصالِحَ كُلِّ شَيءٍ وَمنافِعَه مَنوطةٌ به.
ثم قال مُبيِّنًا فضْلَ العالِمِ على العابِدِ: «وإِنَّ فَضْلَ العالِمِ»، وهو المُشْتَغلُ بالعِلمِ النَّافِعِ بأصولِهِ وقَواعِدِه الصَّحيحةِ، «على العابِدِ»، وهو من غَلبَ عَليهِ العِبادةُ مع اطِّلاعِه على العِلْمِ الضَّروريِّ، «كَفَضْلِ القَمَرِ ليلةَ البَدرِ على سائِرِ الكَواكِبِ»؛ لأنَّه يَعُمُّ بِنورِه الأرْضَ، على عَكْسِ الكَواكِب التي لا تُنير مع وجودِها في الكَون، وفيه تَنبيهٌ على أنَّ كَمال العِلمِ ليس للعالِمِ من ذَاتِه، بل بما تَلقَّاه عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، كنورِ القَمر؛ فإنَّه مُستفَادٌ من نُورِ الشَّمسِ، «وإِنَّ العُلَماءَ هم وَرَثةُ الأنْبياءِ، وإنَّ الأنْبياءَ لم يُورِّثوا دِينارًا ولا دِرهَمًا»؛ فليس من شَأنهم تَوريثُ المالِ، «وَرَّثوا العِلمَ؛ فَمنْ أَخَذَه» أي: بحقِّهِ، وحافَظَ عليه، وعَمِلَ به، وعلَّمَهُ للنَّاسِ، «أَخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ»، أي: بَنَصيبٍ تامٍ وكامِلٍ. والعُلماءُ مَنوطٌ بهم تَعليمُ طُلابِ العِلمِ؛ فَينبَغي عليهم أن يُراعوا حُقوقَهم في التَّعلُّم والتَّعليمِ، ونَقلِ أمانةِ العِلمِ إليهم، وهذا يَستَلزِمُ من الطُّلابِ إكْرامَ العُلماءِ أيْضًا وتَبجيلَهم.
وفي الحديث: الحَثُّ على السَّعْيِ في طَلبِ العِلمِ.
وفيه: أنَّ اللهَ سبحَانَه جَعلَ العُلماءَ حامِلينَ لِعلْم الأنْبياءِ، لِتكتَمِلُ المَسيرةُ إلى أنْ يشاءَ اللهُ رفْعَ العِلمِ.. [الدرر]
ـــــــــــــــــــ
[(3)] خواطر رمضانية

‏الخميس‏، 16‏ رمضان‏، 1444هــ ~ 06 أبريل 2023م .
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *


أتَعْلَمُونَ فَوَائِدَ الصَّوْمِ

إِذا كُنْتُم تعلمُونَ ....
فتحَ الذڪرُ الحڪيم والقرآنُ المجيد والفرقانُ المبين لأهل الذڪر ؛ مَن لديهم العلم ؛ إذ هم أهله مِن حيث البحث وحملته مِن حيث الڪشف .. فتحَ القرآن الڪريم منذ اللحظة الأولىٰ في التنزيل ومنذ اللحظة الأولىٰ في البعثة الإسلامية السماوية الخاتمة والتي خُص بها آخر المرسلين ومتمم المبتعثين وخاتم الأنبياء والمصطفين .. فتحَ ڪل أبوابَ البحث العلمي والڪشف التنقيبي علىٰ مصرعيّها في ڪافة مباحث المنظور والمشاهد والمسائل المحسوسة والملموسة والقضايا المبثوثة في ترڪيبة الإنسان وأعضاءه وخلاياه وأبحاث الڪون بڪل ما فيه من مجرات وڪواڪب ونجوم تسبح في سماء والحياة بڪافة مڪوناتها فيما يستطع عقل الإنسان وذكاءه البحث فيه والتحري عنه .. ماعدا المسائل الغيبية والتي لا يتمڪن بقواه العاقلة أو آلات البحث المستحدثة وأجهزة التنقيب المخترعة من قِبل الإنسان والتي يخترعها نتيجة تراڪم المعلومات الأولية وزيادتها واسترجاعها لحظة التفڪير في أمر بعينه وتقع تحت حواسه الخمس والتي تمڪنه أن يدرك بها الموجودات الحسية والملموسة والمرئية فيمكنه البحث فيها أما ما هو غيب تام عنه فلا يتمكن الإنسان بجميع قدراته وإمڪاناته أن يبحث فيها ڪــ ذات الله عزَّ وجلَّ والجنة والنار وما يحدث بعد الموت وما يجرى داخل القبر إلا فيما أخبرنا به من مصدر ذات مصدقية وبقدر ما أخبرنا به.. فنبه القرآن الڪريم -أولاً- فقال : {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}[النحل:43] ؛ ولأهمية أهل العلم في القضايا التي يحتاجها الإنسان في مسيرة حياته آڪد في سورة الأنبياء فذكر هذا الجزء مِن الآية مرة ثانية فقال : {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}[الأنبياء:7]. وإن ڪانت الآية الڪريمة نزلت في حق مَن سبق المسلمين بڪتاب سماوي مُنَزَل -ڪــ صحف إبراهيم وزَبور داوود والتوراة [صحف موسىٰ] وإنجيل عيسىٰ ابن مريم؛ (عليهم جميعا الصلاة والسلام)- إلا إن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.، ويستفاد مما قاله الشيخ / محمود أبو دقيقة في مذكرات التوحيد: فقد ذڪر : أما الصحف فقد ورد في شأنها آثار ڪثيرة، وأرجَحُها أنها مائة [١٠٠] صحيفة، خمسون [٥٠] نزلت علىٰ شيْث ـ عليه السلام ـ وثلاثون[٣٠] نزلت على إدريس ـ عليه السلام ـ وعشرة [١٠] نزلت علىٰ إبراهيم ـ عليه السلام ـ وعشرة [١٠] علىٰ موسى ـ عليه السلام ـ والظاهر أن هذه الصحف ڪانت مُشتمِلة علىٰ مواعظ وإرشادات إلىٰ التَّحلِّي بِمَڪارِمِ الأخلاق والتَّخلِّي عن مساوئها، ولم يُعرف عنها شيء يقينًا، لعدم وجود ما يُفيد يقينًا بشأنها [ج3 ؛ ص 54]. أما نزولها فالظاهر أن جبريل ـ عليه السلام ـ هو أمين الوحي الذي بلَّغه إلىٰ الرسل ڪافة، فهو الذي حمل التوراة والإنجيل وأنزلَهما مرة واحدة علىٰ موسىٰ وعيسىٰ، وحَمَل القرآن وأنزله علىٰ الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُنجَّمًا أي مفرَّقًا ڪَما نصَّ عليه القرآن الڪريم، وڪلام الله -سبحانه- للبشر جاء بعدَّة طرق ذڪرها في قوله -تعالىٰ-: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا [(١)] وَحْيًا أَوْ [(٢)] مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ [(٣)] يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [سورة الشورى:51] ، جاء في تفسير القرطبي [ج7 ص281] عند قوله -تعالىٰ-: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الأعراف: 145] ، قال ربيع بن أنس: نَزَلتْ التَّوراة وهي سبعون وقر بعير، وأضاف الڪتابة إلىٰ نفسه العليا “كَتَبْنَا” علىٰ جِهة التشريف، إذ هي مڪتوبة بأمره ڪتبها جبريل بالقلم الذي ڪتب به الذڪر. والأفضل ترك علم ذلك لله -سبحانه وتعالىٰ شأنه-، فلا فائدة هامة من البحث فيه ، إذ قد بينت أن المسائل الغيبية لا تبحث إلا بقدر ما يأتينا نت خبر صحيح يصلح الاعتماد عليه!
...
ولا يغيب عن الذهن في جزئية هذا البحث أن أول ما سمعه نبي الإسلام ورسول السلام مِن التنزيل قوله تعالىٰ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق}[العلق:1] .. والآية تشير إلىٰ قرأتين ؛ الأولىٰ قراءة القرآن المجيد وهو الڪتاب المحفوظ في الصدور؛ والثانية قراءة ما في الڪون والحياة والإنسان وهو الڪتاب الذي أمام أعين الناس منشور وحولنا منظور. ثم نبه مرة ثانية بقوله تعالىٰ : {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم}[العلق:3] {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم} [العلق:4] {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم}[العلق:5]
وصيغة الطلب : {اقْرَأْ} تدل علىٰ الطلب دون الأمر إذ أن صيغ الطلب في اللُغة العربية تصل إلىٰ ١٦ صيغة وڪي تُرفع صيغة الطلب إلى صيغة الأمر لابد من وجود قرينة ، فجاءت القرينة من حديث الغار في أول تنزيل قرآني بواسطة أمين السماء جبرائيل .. المَلك المڪلف بالوحي بضمه -عليه السلام- ثلاث مرات وتڪرار صيغة الطلب بـ : {اقْرَأْ} ثم جاءت قرينة آخرىٰ بقول -تعالىٰ- : فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وفي نفس الآية تڪرر الأمر {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزَّمل:20] .. فصارت القراءة فرض إذ أرتفع مجرد الطلب إلىٰ الأمر بوجود قرينة ؛ فڪلمة ﴿اقْرَأْ﴾ من الله -سبحانه وتعالى- لرسوله ليست كڪلمة (اقرأ) من بشر لبشر مثله ، وحين أقول لك: (اقرأ) فأنت تقرأ ما تعلم وأعلم، أمّا الله -سبحانه وتعالىٰ- حين يقول: ﴿اقْرَأْ﴾ فإنّه يُصدِر أمراً، وأمر الله -سبحانه وتعالىٰ-: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: من الآية 117] وحين أمر الله -عزَّوجلَّ- رسوله بالقراءة أصبح -عليه الصّلاة والسّلام- معلّمَ القراءة وڪافة العلوم لڪلّ النّاس، وأصبح النّاس يأخذون عن علومه علىٰ مدىٰ الأزمنة المتوالية.
.. وحين نزلت عليه أوّل آيةٍ في القرآن الڪريم وناداه الوحي بقوله: ﴿اقْرَأْ﴾ [العلق: من الآية1]
أجاب: » ما أنا بقارئ «، و
أعاد عليه سيّدنا جبريل -عليه السّلام- القولَ ثلاثاً ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:
» ما أنا بقارئ «، ([2])؛ لأنّه يفترض أن يڪون أمام القارئ ڪتاب يقرأ منه، أو أنّه يحفظ شيئاً فيتلوه. أمّا النّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- فقد ڪان أميّاً، وإذا ڪانت الأميّة عند النّاس نقصاً في العلم وعيباً لعدم التحصيل واحتياجاً لمعلم، فإنّها عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- تمام الڪمال وأعلىٰ مراتب الشّرف؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالىٰ- أراد لنبيّه ألّا يعلّمه بشر، وأن يڪون علمه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مستمدّاً من الله -سبحانه وتعالىٰ- وحده. وحين صدر الأمر الإلهيّ إلىٰ رسوله بالقراءة أعطاه القرآن وعلومه، وأنزله علىٰ قلبه.
..
هذه واحدة..
وأما الثانية {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب}[ص:29] ثم جاء الآية التالية : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]
وطلب منا التدبر في آيات الذڪر الحڪيم فقال: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[النساء:82]
ثم جاء أمر زائد علىٰ التدبر في قوله : {نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[يونس:24].
ويذڪر القرآن الڪريم دلائل وجوب وجود خالق فيقول بعد ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[الرعد:3]. ويؤڪد المعني في سورة: [الروم:21] وفي سورة: [الزُّمَر:42]. وفي سورة . [الجاثية:13].. وفي سورة [النحل: آية:11].ثم يأتي بصيغة الإفراد في الآية :[69] من نفس السورة .
.ولعل هذه الآية هي موضع البحث في جزئية فرضية الصيام لقوله . {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ}[الروم:8]
والخطاب هنا لم يخص العلماء بل ڪافة الناس فينبغي أن يتفڪروا في أنفسهم ؛ وفي ڪيفية خلقهم وهذا الإحسان في تقويم الخلق والإيجاد .. ثم جاء تنبيه آخر: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ}[آل عمران:191]..
ثم ينقلنا القرآن لأمر آخر فيقول: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}[الأعراف:176].
وفي سورة ص آية 29 جاء في نهايتها قوله -تعالىٰ- : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب}[ص:29]
فالخطاب القرآني جاء لمن يتفڪر في خلق نفسه ڪإنسان أو خلق الڪون أو خلق الحياة بمظاهرها المختلفة من حيوان بڪافة أنواعه ونبات بڪل أصنافه وحشرات وأسماك ؛ مما جعل العقاد-رحمه الله- يڪتب ڪتابا عن أن التفڪير فريضة في الإسلام؛ وهنا جاء الخطاب لِــ { أُوْلُوا الأَلْبَاب}[ص:29]..
..
..
وبما أن هذا الإنسان المخلوق مادة من أعصاب وعظم ولحم وتدب فيه الحياة بواسطة أجهزة حيوية ڪالقلب والرئة ومراڪز المخ المختلفة تصلح أن نضعها في المختبر التحليلي أو المعمل الڪشفي التوضيحي ڪالأشعة؛ لذا فيمڪن أن نأخذ قطرة من دم المسلم بعد ثلاث [3] ساعات من تناوله وجبة غذائية ڪاملة مع مشروبات وتحلل مڪوناتها .. في اليوم العادي.. ثم نڪرر في شهر الصيام أخذ قطرة مِن الدم بعد تناوله وجبة السحور ثم بعد ڪل ثلاث [3] ساعات من نهار الصيام تأخذ قطرة .. يعني أربع [4] مرات في نهار الصيام (بناءً علىٰ أن عدد ساعات الصيام : 14 ساعة تقريباً) مع قياس مڪونات الدم قبيل لحظة الإفطار .. ثم بعد ثلاث ساعات من وجبة الفطور .. وڪذلك قطرة من بوله .. وقياس الوزن الجسم قبل الدخول في شهر الصيام في رمضان وبعد مرور عشرة أيام؛ يعني الثلث الأول من مرور الشهر ؛ فالثلث الثاني ؛ فالثلث الآخير.. اضف قياسات ضغط الدم وسيولته أو لزوجته في الشرايين ودقات القلب وقياس بقية الأجهزة الحيوية داخل البدن الإنساني وبعد هذه الفحوصات والتحليلات المختبرية والمعملية سيتبين بوضح تام مراد الحق -تبارك وتعالىٰ- من قوله في ڪتابه العزيز:
..{وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة:184].. وهذا بالنسبة للبدن؛ أما الناحية الروحية النفسية فمن الصعب قياسها بأجهزة!
ونقرأ قولاً في تفسير بن عباس لآية : {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} مِن الْفِدْيَة {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إِذا كُنْتُم تعلمُونَ..
أي :" إن ڪنتم تعلمون فوائد الصوم في حياتڪم ، وحسن جزائه في آخرتڪم. ".
وقال الرازي في تفسيره : أَمَّا قَوْلُهُ: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا مَعَ الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فَقَطْ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَأَنْ تَصُومُوا أَيُّهَا الْمُطِيقُونَ أَوِ الْمُطَوَّقُونَ وَتَحَمَّلْتُمُ الْمَشَقَّةَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْفِدْيَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا خِطَابٌ مَعَ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ ، أَعْنِي الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ وَالَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ، وَهَذَا أَوْلَىٰ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّصَالِهِ بِقَوْلِهِ : {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُخْتَصًّا بِهِمْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَلَا مُنَافَاةَ فِي رُجُوعِهِ إِلَىٰ الْكُلِّ ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَعِنْدَ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ : فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} عَطْفًا عَلَيْهِ عَلَى أَوَّلِ الْآيَةِ ، فَــ التَّقْدِيرُ : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ .
أَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ أَنَّ الصَّوْمَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا صِدْقَ قَوْلِنَا -سبحانه وتعالىٰ شأنه- وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ .
الثَّانِي : أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِهَا ، وَالتَّقْدِيرُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ .. وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أَيْ أَنَّكُمْ إِذَا تَدَبَّرْتُمْ عَلِمْتُمْ مَا فِي الصَّوْمِ مِنَ الْمَعَانِي الْمُوَرِّثَةِ لِلتَّقْوَىٰ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْعَالِمَ بِاللَّهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ خَشْيَةُ اللَّهِ عَلَى مَا قَالَ : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [ فَاطِرٍ : 28 ] فَذَكَرَ الْعِلْمَ وَالْمُرَادُ الْخَشْيَةُ ، وَصَاحِبُ الْخَشْيَةِ يُرَاعِي الِاحْتِيَاطَ ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي فِعْلِ الصَّوْمِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اللَّهَ حَتَّى تَخْشَوْنَهُ كَانَ الصَّوْمُ خَيْرًا لَكُمْ . ".
أما القاسمي فقال في تفسيره:{ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: فَضِيلَةَ الصَّوْمِ وَفَوَائِدَهُ، أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. ".
وعليه إن ڪنتم :" مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزِ ، " أَوْ كَنَّى بِالْعِلْمِ عَنِ الْخَشْيَةِ أَيْ : تَخْشَوْنَ اللَّهَ : لِأَنَّ الْعِلْمَ يَقْتَضِي خَشْيَتَهُ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ".
والخيرية هنا لم تُعَرَف بــ :"ال" فشملت هذه اللفظة القرآنية جميع أنواع واصناف الخير التي تصيب الصائم جراء صيامه الذي ڪتبه الله -تعالىٰ- عليڪم ڪما ڪتبه علىٰ الذين من قبل المسلمين [تراجع هذه الجزئية علىٰ الموقع فقد نشرت من قبل تحت عنوان:" الصيام في الأمم السابقة"..
وعلينا أن نتفق من حيث المبدأ .. أنه في بداية شهر الصيام قد تؤدي معظم التغييرات الفيسيولوجية إلىٰ صداع بدرجات متفاوتة ولڪن بتتابع ايام الشهر الڪريم يعتاد الجسم علىٰ الوضعية الجديدة ليُصبح الصوم ڪله فائدة للروح والبدن: ويجب أن نراعي أن:
1.) درجات الحرارة المرتفعة وفقدان كميات من السوائل والمعادن قد يسبب صداعاً؛ وڪذلك :
2.) نقص السكر في الدم وانخفاض مستواه عن المعدل الطبيعي في الدم؛ إذ أن خلايا الدماغ بحاجة إلىٰ السڪر بشڪل دائم والنقص المفاجئ في ڪمية السڪر في الدماغ قد يؤدي إلىٰ صداع ويشتد غالباً في الساعات الأخيرة من نهار الصيام.
3.) نقص السوائل: إذ أننا نفقد ڪمية ڪبيرة من الماء من خلال العرق أو التبول وتختلف الڪمية حسب نوع المجهود والنشاط البدني.
4.) نقص مادة الڪافيين لانقطاع شرب القهوة والشاي والشيڪولاتة وغيرها من المأڪولات والمشروبات التي تحتوي على مادة الڪافيين التي اعتدنا تناولها .
5.) اختلال في النظام الغذائي وتغيير مواعيد الوجبات ونوع الأطعمة
6.) تغير في نمط النوم نتيجة السهر وتغيير مواعيد النوم.
7.) الإجهاد: من الصيام وڪثرة العمل والتوتر
8.) عند البعض : انسحاب النيڪوتين من الجسم قد يسبب صداعا يزول مع الوقت عند تعود الجسم على الانسحاب..
...
قال البغوي: واعلم أنه لا رخصة لمؤمن مكلف في إفطار رمضان إلا لثلاثة :
- أحدهم يجب عليه القضاء والكفارة و
- الثاني عليه القضاء دون الكفارة و
- الثالث عليه الكفارة دون القضاء ..
أما الذي:
- عليه القضاء والكفارة فالحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما تفطران ، وتقضيان وعليهما مع القضاء الفدية وهذا قول ابن عمر وابن عباس وبه قال مجاهد وإليه ذهب الشافعي -رحمه الله- وقال قوم لا فدية عليهما وبه قال الحسن وعطاء وإبراهيم النخعي والزهري وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي ، وأما الذي :
- عليه القضاء دون الكفارة فالمريض والمسافر والحائض ، والنفساء
وأما الذي :
- عليه الكفارة دون القضاء فالشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه .
أما الطبري فقال :" القول في تأويل قوله تعالى :{ وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} يعني تعالى ذكره بقوله :{ وأن تصوموا } ما كتب عليكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا .
كما حدثني[الكلام للطبري] موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي : { وأن تصوموا خير لكم} ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .
وعن ابن شهاب : { وأن تصوموا خير لكم } أي أن الصيام خير لكم من الفدية . وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد :{ وأن تصوموا خير لكم } إن كنتم تعلمون
:" وَأَمَّا قَوْلُهُ : " إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ، فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، مِنَ الْإِفْطَارِ وَالْفِدْيَةِ ، أَوِ الصَّوْمِ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ . ".
أما ابن عاشور فقال :" وقوله :{ إن كنتم تعلمون} تذييل أي تَعْلَمون فوائدَ الصوم على رجوعه لقوله :{ وعلى الذين يطيقونه} إن كان المراد بهم القادرين أي إن كنتم تعلمون فوائد الصوم دنيا وثوابَه أُخرىٰ ، أو إن كنتم تعلمون ثوابه علىٰ الاحتمالات الأخر .
و " «أَنْ» حرف شرط جازم.". :" وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِكَلِمَةِ ( إِنْ ) لِأَنَّ عِلْمَهُمْ بِالْأَمْرَيْنِ مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يَكُونَ مُحَقَّقًا ؛ لِخَفَاءِ الْفَائِدَتَيْنِ ".
...
.إذاً لا يجوز حصر مراد الحق -تبارك وتعالىٰ- في التصرف السلوڪي في الإنفاق علىٰ المسڪين ومعنىٰ الآية يشمل ڪل أنواع وأصناف الخير المتعلقة بالصيام بإضافة أمر هام أنه شهر الصبر ,, بل الصبر ڪله!.
وجاء في البرهان في القرآن:" وَأَشَارَ فِي الصِّيَامِ بِقَوْلِهِ :{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[ الْبَقَرَةِ : 184 ] إِلَىٰ سِرٍّ فِي الصِّيَامِ ، وَهُوَ حُسْنُ عَاقِبَتِهِ (في الآخرة) وَجَزِيلُ عَائِدَتِهِ (في الدنيا)".
وخير ما أختم به هذا المقال ما جاء في المنار لتلميذ الإمام محمد عبده : محمد رشيد رضا.. ونصه:" وَمِنْ فَوَائِدِهِ الصِّحِّيَّةِ أَنَّهُ :
- يُفْنِي الْمَوَادَّ الرَّاسِبَةَ فِي الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا أَبْدَانِ الْمُتْرَفِينَ أُولِي النَّهَمِ وَقَلِيلِي الْعَمَلِ ، وَ
- يُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ الضَّارَّةَ ، وَ
- يُطَهِّرُ الْأَمْعَاءَ مِنْ فَسَادِ الذِّرْبِ وَالسُّمُومِ الَّتِي تُحْدِثُهَا الْبِطْنَةُ ، وَ
- يُذِيبُ الشَّحْمَ أَوْ
- يَحُولُ دُونَ كَثْرَتِهِ فِي الْجَوْفِ وَهِيَ شَدِيدَةُ الْخَطَرِ عَلَى الْقَلْبِ ، فَهُوَ ڪَتَضْمِيرِ الْخَيْلِ الَّذِي يَزِيدُهَا قُوَّةً عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ .
{ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} أَيْ :" وَ { الصِّيَامُ خَيْرٌ لَكُمْ كَمَا قَرَأَهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ} رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.. وَإِنَّمَا هِيَ تَفْسِيرٌ ؛ أَيْ : خَيْرٌ عَظِيمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ:
- رِيَاضَةِ الْجَسَدِ وَ
- النَّفْسِ وَ
- تَرْبِيَةِ الْإِرَادَةِ وَ
- تَغْذِيَةِ الْإِيمَانِ بِالتَّقْوَى وَ
- تَقْوِيَتِهِ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :" صُومُوا تَصِحُّوا". [ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِلَى حُسْنِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ: " اغْزُوا تَغْتَنِمُوا وَصُومُوا تَصِحُّوا وَسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا". [ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ] .
وَقَالَ بَعْضُ أَطِبَّاءِ الْإِفْرِنْجِ : إِنَّ صِيَامَ شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ يَذْهَبُ بِالْفَضَلَاتِ الْمَيِّتَةِ فِي الْبَدَنِ مُدَّةَ سَنَةٍ .
وَأَعْظَمُ فَوَائِدِهِ كُلِّهَا :
- الْفَائِدَةُ الرُّوحِيَّةُ التَّعَبُّدِيَّةُ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ ، وَهِيَ أَنْ يَصُومَ لِوَجْهِ اللَّهِ -تَعَالَىٰ- كَمَا هُوَ الْمُلَاحَظُ فِي النِّيَّةِ ، وَمَنْ صَامَ لِأَجْلِ الصِّحَّةِ فَقَطْ فَهُوَ غَيْرُ عَابِدٍ لِلَّهِ فِي صِيَامِهِ ، فَإِذَا نَوَىٰ الصِّحَّةَ مَعَ التَّعَبُّدِ كَانَ مُثَابًا كَمَنْ يَنْوِي التِّجَارَةَ مَعَ الْحَجِّ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا الْعِبَادَةُ لَاكْتَفَىٰ بِالْجُوعِ وَالْحَمِيَّةِ ، وَآيَةُ الصِّيَامِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَالْمُلَاحَظَةِ التَّحَلِّي بِتَقْوَىٰ اللَّهِ تَعَالَىٰ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَحَاسِنِ الصِّفَاتِ وَالْخِلَالِ ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. ".[انتهى النقل من تفسير المنار]
---------------------------------------
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
‏الأحد‏، 12‏ رمضان‏، 1444هــ ~ 29 مارس 2023م


الصيام ڪفعله عليه السلام

تَمْهِيدٌ:
ڪلُ أنواع العبادات في الإسلام توقيفية ؛ سواء العبادة البدنية منها ڪـ : الصلاة الفردية أو الجماعية ؛ أو الصيام لڪل فرد علىٰ حدة .. أو العبادة المالية ڪـ : الزكاة ؛ والتي تنفق علىٰ أصنافها الثمانية من المسلمين فقط ؛ والصدقات وقد يعطىٰ منها غير المسلمين .. أو ما يشملهما معاً فيجمعا: أي عبادة بدنية جسدية وعبادة إنفاق مال ڪالحج في موسمه والعمرة علىٰ مدار العام الهجري ..
.. هذه العبادات جميعاً في إسلام خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم ولن تعلل ؛ وإن فَهم البعض أنها تعلل ؛ إذ أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً ..
ومثال علىٰ ذلك : الخمر إذا تحجرت أو خللت (صارت خلاً) وزال عنها علة الإسڪار فإنها تصبح طاهرة لعدم إسڪارها فالحڪم عليها بالحرمة والنجاسة لأنها مسڪرة وقد زال الإسڪار فيزول الحڪم بزوال علته .
ولعل هذا المثال والموجود في العديد من المصادر المعتبرة والمراجع المعتمدة غير منضبط ؛ إذ أن نص الحديث يقول : „ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ:« „ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ” » . [(1)].
فلو احتسىٰ آحدكم قليله قبل بلوغ حالة السكر ووصوله للإسڪار فهل يجوز!؟.
الإجابة : بالطبع لا!..
ولڪي تنضبط هذه المسألة جاء في سنن ابن ماجه عَنْ‏ ‏عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: ‏قَالَ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-« „ ‏كُلُّ مُسْڪِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْڪَرَ ڪَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ” »‏.
وما يُسڪت الجميع ما جاء في سنن النسائي والقول لابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما- فـ : ‏عَنْ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ‏ ‏قَالَ‏ : „ ‏حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِــ « „ عَيْنِهَا ” » ؛.. قَلِيلُهَا وَڪَثِيرُهَا ” .
والإشڪال عند البعض ڪما نبهت أڪثر من مرة أنه يجب وضع جميع الأدلة والنصوص والأقوال أمام عين من يجتهد في مسألة واحدة ليعطي حڪما صحيحاً وتڪون جميع هذه الأدلة والنصوص متعلقة بمسألة البحث .. لذا فقد : ورد عن ابن عمر-رضي الله تعالىٰ عنهما-أنه قال: قال رسول الله ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-‏« „ لعنت الخمر علىٰ عشرة أوجه ... ” » ؛ وذكر الوجه الأول منها بقول النبي : « „ بعينها ” » ؛ فــ هذا هو الوجه الأول والصريح في تحريم الخمر لـ« „ عينها ” » ؛ وبقية النص النبوي يقول« „ وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها ” » [(2)] .
فهي -الخمر- حرمت لڪونها ذلك الشراب الذي يترتب علىٰ شرب ڪمية منه حالة الإسڪار وذهاب العقل.. فمن شرب قليلا ولم يسڪر فالعلة في التحريم أنتفت فحرام القليل ؛ أما إذا تذوقها فقط فحرام عليه -ايضاً- تذوقها !.. وجملة الأحاديث تبين بعضها بعضاً وتفهم مضار وفساد ذلك الشراب!.. وعليه فتحريم الخمر ليس لعلة الإسڪار بل لڪونها خمراً ؛ أي لـ « „ عينها ” » !
والإسڪار يصاحب شربها وبقية النصوص الشرعية والأحاديث تبين أحوال ذلك الشراب اللعين ..
ولڪي اتمم البحث فيوجد عند السادة الشيعة مقوله تنسب إلىٰ الإمام الرضا : قال الإمام الرضا : «الخمر حرام بعينها» [(3)]
لذا فيصبح ما ليس له علة أنه توقيفي مِن قبل الخالق المعبود الرازق فيصلح أن نضع بجوار العبادات ڪذلك « المشروبات » ..
وأيضا « المأڪولات » ؛ فلا تجد علة صريحة في تحريم أڪل لحم الخنزير .. وما حدث بين الإمام أحمد بن حنبل والنصراني أوضح مثال!
وزادت العلماء رابعة وهي « الملبوسات » ؛ فڪذلك توقيفية .. وأوضح مثال ما ترتديه المرأة عند إحرامها لمناسك الحج والعمرة وما يسمح أن يلبسه الحاج الرجل .. فالمرأة الحسناء (في نظر مَن يراها) أو مَن تتمتع بدرجة قليلة في الحسن .. الإثنتان وجب عليهما إرتداء الزي الإسلامي الشرعي المتعلق بمَن بلغت مبلغ النساء الڪاملات ..
ومن الطريف أو مما يروىٰ أن آحد العلماء تڪلم ذات يوم عن أن المرأة صاحبة الفتنة في الجمال عليها أن تتبرقع .. فتبرقعت نساء مدينة ما -احتاج لمراجعة تدقيق في صحة هذه الرواية- ..
وما قيل بمناسبة أبيات الشعر التي تقول :
قل للمليحة في الخمار الأسود..
نسبت إلىٰ آحدهم فقيل فيه ما قيل
ومن مثارات الغلط الشائعة هو عدم التمييز بين علة الحڪم الشرعي، وبين الحڪمة منه ، فإن العلة : هي المعنىٰ المنضبط الذي يناط [يتعلق] به الحڪم ، وهي تدور مع الحڪم وجودا وعدما ، وأما الحڪمة : فهي ما يترتب علىٰ ربط الحڪم بعلته أو سببه ، مِن جلب للمصالح أو دفع للمفاسد ؛ فالحڪمة التي شرع لها الحڪم لا يصلح بها التعليل غالباً، ولا يستند عليها عند القياس ، بخلاف العلة ، فالحڪم الشرعي يثبت بوجود علته وينتفي بانتفائها، وأما الحڪمة : فليست ڪذلك في ڪل حال، فمثلا: قصر المسافر للصلاة: علته السفر، والحڪمة منه (قد تُفهم) دفع المشقة الحاصلة غالباً للمسافر، فلو سافر أحد بلا مشقة جاز له القصر ، ولو حصلت المشقة لمقيم لم يجز له القصر .
ونقرب القول ڪي يفهم أن : الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بأفعال المڪلفين منها :
- ما عرفت علته، ومنها :
- ما لم تعرف علته -ڪما هو معلوم- ، والتعليل يڪثر في باب العادات والمعاملات ، ويقل في باب العبادات؛ إذ الأصل فيها -العبادة- عدم التعليل ؛ يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: " إن الشارع غلَّب في باب العبادات جهة التعبد، وفي باب العادات جهة الالتفات إلىٰ المعاني، والعڪس في البابين قليل. اهـ. ".
فلو كانت العلة (مثلا) في الصلاة المڪتوبة في الأوقات الخمس في اليوم والليلة لتقوية عضلات الظهر والفخذين والذراعين والڪتفين لاڪتفى البعض بتمارين رياضية عضلية في أماڪن ممارسة النشاط البدني.. وهي -الصلاة- ليست ڪذلك..
وإذا ڪان الصيام لذوبان الدهون في منطق بعينها حول البطن والأرداف -مثلا- ولتخسيس الوزن الزائد .. لڪان اتباع حِمية بعينها لتقليل الوزن تصلح بدلا من الصيام.. أو للإحساس والشعور بالجائع والفقير المعدم ..
وهڪذا بقية أنواع العبادات لو وجد المرء لها علة لتوقفنا عن العبادة المنصوصة في الكتاب الڪريم والتي بُينت في السنة الطاهرة .. وأنشأ الإنسان مِن بنات أفڪاره وأوهامه ما يظن أو يغلب علىٰ ظنه أنه يرضي الرب المعبود أو الآله المعبود .. وهذا لم يحدث إلا في ما يطلق عليه الأديان الوضعية من قبل الإنسان نفسه أو حين يتدخل عقل الإنسان في أختراع عبادة أو يتوهم وصفاً أو نعتاً لهذا الآله المعبود .. ڪــ تجسد الآله في صورة إنسان أو حيوان أو دخوله في رحم امرأة ثم خروجه من مخرج الولادة ڪبقية البشر!..
وقد يبحث البعض عن الحڪمة في عبادة ما .. ڪسجود المسلم حتىٰ تصل جبهته إلىٰ الأرض الترابية أو الزراعية أو رخام أو سجاد -صناعة صيني- فيسجد أمام العظيم الجبار .. الخالق-سبحانه وتعالىٰ- فيبحث المرء أو أهل التخصص والعلم..
- ما فائدة هذا السجود لجسم الإنسان !؟..
و - ما فائدة هذا الوضع في تلك الثوان لبدن الإنسان!
بل خالق الإنسان ورازقه اراد وأحب أن يُعبد بهذه الصورة وبتلك الڪيفية والتي وردت في ڪتابه العزيز وبيَّنها ووضحها رسوله المبتعث الڪريم فلا يزاد عليها ولا ينقص منها..
و (معنى قول العلماء : « إن العبادات توقيفية » ؛ أو « مبنىٰ العبادات علىٰ التوقيف » ؛ أي: أنه لا يجوز التعبد لله -تعالىٰ- بعبادة إلا إذا ڪانت هذه العبادة قد ثبتت في النصوص الشرعية المأخوذة من الڪتاب الڪريم والسنة المطهرة النقية ؛أي أنها عبادة شرعها الله -تعالىٰ- . فلا تشرع عبادة من العبادات إلا بدليل شرعي يدل علىٰ ذلك . فقد نطق القرآن بأواخر ما نزل من الذڪر الحڪيم فقال الله -عزَّوجلَّ- : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة/3] ؛ فقد أڪمل الله -تعالىٰ- لنا الدين ، فما لم يشرعه الله -تعالىٰ- فليس من الدين . وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما بقيَّ شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم) .[(4)]
فما لم يبِّنَه لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فليس من الدين ، ولا مما يقرب إلىٰ الجنة ويباعد من النار . )..
إلا أنه ورد وفي حضور النبي الڪريم وعلى مسمعه زيادة في التلبية[(5)] عن عمر بن الخطاب فأقرها الرسول.. وعن بعض الصحابة ؛ وجاء توضيحاً لهذه الجزئية من عبادة المنسك في شرح مسلم :" والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع فلا يقول لهم شيئاً، ولم يرد عليهم شيئاً لڪنه لزم تلبيته -صلى الله عليه وسلم-، و -رضي الله عن الصحابة أجمعين-. .. وهذا ما يطلق عليه التقرير النبوي وهو من سنته أي يسڪت فلا ينهىٰ .
وقد أجاز بعض العلماء المعاصرين الزيادة في الدعاء لما يناسب ويصلح حال من يدعو لنفسه أو لغيره من أبناء أو أهل أو معارف..
إلا أن المعبود -سبحانه وجلَّ شأنه- هو الذي يقرر ڪيفية عبادته وليس العابد فبيَّنها في ڪتابه أو علىٰ لسان رسوله أو فعله.. ولا يوجد مجال لعقل الإنسان أن يستحسن منها شيئا فيقوم به أو يستحدثه فيخترعه أو يستقبح آمرا فيمتنع عنه ويأتي بآمر آخر!!..
بيد أن علماء الطب البدني البشري والنفسي التحليلي بعد دراسة عميقة تشريحية لمڪونات الإنسان بغض الطرف عن ڪونهم من المسلمين المؤمنين بڪتاب التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه أو أهل علم من غير المسلمين ؛ وإن ڪانوا من الملاحدة منڪري وجود آله.. هؤلاء وأولئك يمڪنهم الاستعانه بعبادة من تلك العبادات أو وضع معين في ڪيفية آدائها .. في علاج مرضاهم .. إذ أن المُبدع المُنشأ المصور والمڪون خالق انسان في أحسن تقويم أعلم بڪافة متطلبات الإنسان المادية الروحية والجسدية والنفسية فوضع لنا جميعا -البشرية جمعاء- نظاماً نسير عليه ونطبقه فنسعد في الدنيا ونثاب عليه في الآخرة..
لذا فيصلح لعلماء الطب البشري والتحليل النفسي أن يبحثوا في مڪونات الجسد الآدمي -لأنه مادة: قابلة للتحليل والڪشف بالأجهزة الحديثة - أن يبينوا لنا من خلال ما أطلق عليه « „ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ” » ..
- وما هي فوائد الصيام الإسلامي الشرعي لجسد الإنسان وبنيته البدنية؛ و
- لماذا نصوم شهراً قمرياً وليس شهر شمسياً ؛ و
- لماذا الامتناع عن الشراب والطعام طوال نهار اليوم ؛ و
- لماذا لا يصح الجماع مع الزوجة ؛ و
- ما إشكال القبلة لزوجة الرجل في رمضان!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال الأول.: تمهيد لفرضية الصيام عند المسلمين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع:
[(1)] أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
[(2)] صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الأشربة، باب: لعنت الخمر على عشرة أوجه، (2/1122)، رقم (3380). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، (3380). .
[(3)] فقه الرضا: ص280 ب45.
[04)] رواه الطبراني في الكبير (1647) وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
[(5)] قال النووي: أجمع المسلمون على أن التلبية مشروعة، ثم اختلفوا في إيجابها، فقال الشافعي وآخرون: هي سنة، ليست بشرط لصحة الحج، ولا واجبة، فلو تركها صح حجه ولا دم عليه، لكن فاتته الفضيلة. قال: وقال بعض أصحابنا: هي واجبة تجبر بالدم، ويصح الحج بدونها، وقال بعض أصحابنا هي شرط لصحة الإحرام. ولا يصح الحج ولا الإحرام إلا بها.
وقال مالك: ليست بواجبة لكن لو تركها لزمه دم وصح حجه، قال الشافعي ومالك: ينعقد الحج بالنية بالقلب من غير تلفظ، كما ينعقد الصوم بالنية فقط، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بانضمام التلبية، أو سوق الهدي مع النية قال أبو حنيفة: ويجزئ عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار، كما قال هو: إن التسبيح وغيره يجزئ في الإحرام بالصلاة عن التكبير.
واعترض الحافظ ابن حجر على النووي، فقال: أغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم. ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال: التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة، وقال ابن التين: يريد أنها ليست من أركان الحج، وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم، ولو لم تكن واجبة لم يجب. .
[( *)] أبيات لـ ـمسكين الدارمي ربيعة بن عامر التميم
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعـلت بـناســك مـتعبـــد ؟
في العصر الأموي الأول، عاش ربيعة بن عامر التميمي الملقب بالمسكين الدارمى وهو أحد الشعراء والمغنين الظرفاء في الحجاز ، وكان يتغزل بالنساء الجميلات، إلا أنه عندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء وتنسك وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة.
وفى إحدى زياراته للمدينة التقى بأحد أصدقائه وهو من أهل الكوفة بالعراق يعمل تاجراً، الذي أتى إلى المدينة من أجل التجارة ويحمل من ضمن تجارته خُمُر عراقية .
وهو ما تغطى به المرأة رأسها، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخُمُر ما عدى اللون الأسود، فشكا التاجر لصديقه الشاعر الدارمي عن عدم بيعه اللون الأسود ، ولعله غير مرغوب فيه عند نساء أهل المدينة . فقال له: الدارمي لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع، ثم نظم الدارمي بيتين من الشعر وتغنى بهما كما طلب من مغنيين بالمدينة وهما (سريح وسنان) أن يتغنوا بالبيتين الذي قال فيهما:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعـلت بـناســك مـتعبـــد؟
قد كان شـمر للصلاة ثــيابــه
حتى وقفـت له بباب المسجـد
وأضاف إليها أحدهم بيتين آخرين هما:
فسـلبتِ منه دينــه ويقـيـنــــه
وتركتـهِ في حــيرة لا يهتــدي
رُدّي عليه صلاتـه وصيــامــه
لا تقـتـليـه بحـق دين محمــــد.
فشاع الخبر في المدينة بأن الشاعر الدارمي رجع عن تنسكه وزهده وعَشَق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحة إلا اشترت من التاجر خمارا أسوداً لها. فلما تيقن الدارمي أن جميع الخمر السوداء قد نفذت من عند صديقه رجع إلى زهده وتنسكه ولزم المسجد، فمنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء .
ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن بل قلدهن جميع النساء في العالمين العربي والإسلامي وهكذا يكون أول إعلان تجارى في العالم أجمع قد انطلق من المدينة المنورة .


حالةٌ ما

حالةٌ غير مرضية تحدث عنها الكثير من الأدباء والعلماء وأهل التخصص الإكاديمي في علم الإجتماع ورجاله لمتابعة تصرفات وأحوال الناس..
حالةٌ يكتنفها الغموض عند بحثها؛ ويعلوها عدم الاهتمام الكامل بكل أعراضها، ليتم معالجتها معالجة ناجعة صحيحة.. فقط يكتفىٰ بمظهرٍ أو أكثر من مظاهرها؛ كلٌ حسب اهتمامه بمظهر الحالة وليس دراسة أسبابها.. وكيفية الخروج من تلك الأزمة..
حالةٌ تعيشها أمةٌ بأكملها منذ ردح مِن الزمان؛ كانت قمتها أو قعرها : سقوط نظام دولي للحكم الإسلامي.. زمن الدولة العثمانية في تركيا.. فبسقوط دار الخلافة العثمانية انزعج القُطر المِصري وكتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته يرثيها وتحرك علماء الأزهر في اتجاه خاطئ ونشأت جماعة دينية صوفية إجتماعية كرد فعل.. كما وانزعج علماء الهند وبقية الأمصار ! وتشرذم الجميع وتقطعت أوصالهم ..
حالةٌ أخرجتها -أي الأمة الإسلامية- مِن دائرة الوجود الفعلي -مع ظهور ضعف في بعض الجوانب- المؤثر في الأحداث؛ والدور الفاعل في المواقف؛ والأثر أو القول المغير للأحوال؛ وغياب القدرة المسيطرة علىٰ مجريات الأمور؛ أي تغيب التواجد الحي المؤثر بعد معرفة حقيقية لـ دورها الطبيعي كأمة ذات رسالة في الحياة والمنوط بها في كافة المعاملات..
ولا ينبغي ولا يصح لي أن اغفل المحاولات المتعددة والمتكررة لخروج تلك الأمة الخيرية مِن أزمتها.. سواء من خلال محاولات سياسية أو تعليمية علمية ثقافية أو اقتصادية.. أو اجتماعية أو دعوية دينية صوفية كهنوتية.. وحين سُد الأفق في محاولات التغيير.. انبثق من الأخيرة إرهاب أفراد فرق أو جماعات.. أو أحزاب سياسية بل وكافة المحاولات الفردية -كأشخاص: محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا- فشلت فشلاً ذريعاً أو أخفقت في الوصول إلىٰ الهدف المنشود لتحقيق الأمل المعقود.. ثم توقفت المحاولات أو كادت واكتفي بتلميع بعض الأوجه؛ وتبيض بعض الجوانب مع بقاء الوضع بأكمله كما هو تحت مقولة :"فليس في الإمكان تقديم أحسن ما قُدم".. وتم إنقسام في العمل الجدي؛ وأخذ كل يغني لــ ليّلاه..
والإشكال -في تقديري- يعود لعدم ملامسة الخلل الأساسي والعنصر الجوهري والذي أدىٰ إلىٰ هذه الحالة التعيسة التي يعيشها أكثر من مليار و800 مليون إسنان يحملون بطافة تعريف كتبت في خانة الدين : " مسلم".
بالقطع هناك عوامل آخرىٰ خارجية ساعدت علىٰ السقوط المدوي لنظام الحكم وابقت القدرات غائبة لقيامه وعودته للوجود!
الأمة الإسلامية.. لم تعد أمة بمفهوم التكوين الاجتماعي والوصف العلمي الدقيق لمصطلح أمة .. فهي صارت : أمم وشعوب وقبائل وجماعات وفرق وأحزاب وتكتلات.. بل مؤسسات إقليمية ومنظمات عالمية.. وإن تلحفت لغطاء رعوي.. تحت مسميات براقة يخبو ضوؤها قبل أن تجتمع أعضاؤها..
فلم تبقىٰ بمفهوم الأمة الواحدة ذات رسالة خالدة وصاحبة مصدر للتشريع وتملك منهج التغيير.. فصارت أمة العرب وهي كذلك انقسمت إلى مناطق جغرافية بحكم القدرات المالية (دول الخليج) أو قدرة التأثير (مصر)؛ وهذا عند العرب.. أما أعاجم المسلمين .. فصارت تركيا كيان مستقل ولها مصالحها الخاصة بـ إدارة الحكم وترغب في الإنسلاخ عن الإسلام والبعد عن المسلمين وإن تشدق رجال الدولة بإسلامية الشعب وليس النظام أو الحكم.. وتتبع الناتو كحلف عسكري وتسعىٰ لدخول التجمع الأوروبي تحت مظلة الاتحاد الأوروبي بيد أن بعض دول الغرب ترفضها؛ كما وصارت إيران -نظام الملالي- دولة مارقة في عُرف النظام والقانون الدولي ولها اذرع في عواصم أمهات البلاد العربية للهيمنة أو زرع الاضطراب كـ لبنان .. سوريا .. العراق .. اليمن .. وكانت تسعىٰ لتواجد مذهبي شيعي في مِصر ابان حكم جماعة الإخوان ثم تعثرت المحاولة وقضي عليها.. وحال أهل باكستان وأفغانستان واقليات إسلامية في المنطقة الشرقية من العالم معلوم.. والأقليات في الغرب تسعى لوضع قدم صدق في بلاد العم سام ومن يتبعه (مجزرة نيوزلندا: 15 مارس: المحصلة 50 شهيداً)
فلم تبق هناك أمة إسلامية بمفهوم أمة واحدة بل -إن صح التعبير- أمم إسلامية أو الأدق شعوب إسلامية مختلفة الثقافة متنوعة الهوية..
والأمر الثاني وهو أكثر أهمية مِن الأمة الإسلامية.. إذ هو الذي يشكلها.. أقصد إلىٰ ماذا تتحاكم تلك الأمة وإن صغر عددها وقل افرادها..
فالإسلام كطريقة معينة في الحياة وطراز خاص من العيش له منهاجه الخاص في الحياة وله تشريعاته مع وبين الأفراد في منطقة بعينها أو ما يسمىٰ بنظام المعيشة (الحكم) في الإسلام .. ومصدر هذا المنهاج أو هذا التشريع : نصوص القرآن المتعلقة بآيات الأحكام ؛ وهذا يعتبر المصدر الأول ، أما الثاني فـ أحاديث الأحكام ؛ ولكليهما -آيات الأحكام (أحكام القرآن) وأحاديث النبي الرسول لــ الأحكام- إذ توجد مراجع علمية كتبها كبار علماء المسلمين؛ فتقرأ لـ للشافعي؛ محمد بن إدريس: كتاب أحكام القرآن؛ جمعه البيهقي من اقوال الشافعي؛ وابن عربي المالكي؛ والرازي الجصاص؛ والطحاوي؛ والكيا هراسي، والقنوجي؛ والاستربادي والسايس؛ والصابوني.. وهذه المراجع أو المصادر تتحدث عن أحكام القرآن وليس كل تفسير القرآن كما تجده عند الطبري.. والإشكال ليس في وجود المادة العلمية المتعلقة بموضوع البحث بل الإشكال في مَن يقرأ ليستوعب فيفهم فيدرك فينزل الكلمة موضع التطبيق أو السلوك أو يتمثله بـ خُلق.. وليس فقط وجود كتاب بعينه أو معلومة بعينها .. إذ أن وجود المعلومة لا يعني بالضرورة تصديقها أو التعامل معها إيجابا بقبولها وسلوكاً بتطبيقها في معترك الحياة.. بل تظل فقط معلومة متداولة . . كمن يعلم أن الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد . . أو أن الله حلَّ في شخص ما!
وأما مصادر أو مراجع الأحاديث الأحكام النبوية الرسولية فتجد : للعراقي؛ كتباً؛ والبيضاوي؛ والجلال السيوطي؛ وابن حجر العسقلاني؛ وابن الملقن؛ وابن الخراط؛ وابن المنذر؛ والشوكاني؛ والصنعاني؛ وعبدالهادي المقدسي؛ وابن رجب الحنبلي؛ وابن قدامة المقدسي؛ والفاسي؛ والحكمي..
وهناك مراجع ومصادر وموسوعات الفقه علىٰ المذاهب الأربعة للجزيري والزحيلي.. أو للمذهب الواحد من رجاله الكبار والمنتسبين إليه كالفقه الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أو الظاهري أو الزيدي أو الشيعي !
وخلاصة القول : أن التراث الإسلامي طافح بأمهات المصادر وعيون المراجع.. وما زلنا حتى كتابة هذه السطور تخرج لنا المطابع أو الصفحة العنكبوتية في مواقع مختلفة كنوز وجواهر العلم -التراث- الإسلامي في كافة نواحية كــ بحوث العقيدة أو الفقه أو الأحكام الشرعية العملية والعبادات والمناسك أو التفسير والتأويل وعلوم القرآن أو علوم الحديث وفي مجال رعاية شؤون الأفراد والحكم والسياسة..
إذاً الإشكال ليس في عدم وجود مصدر أو مرجع .. وهي متوفرة بكثرة في مواقع مجانية على صفحات الإنترنت.. أو أن الإشكال في عدم وجود رجال العلم وأهل الفهم واصحاب العقول ..
فأين الخلل الذي أوصل أمة بأكملها إلى هذا المكان غير اللائق بها ؛ فأنت ترىٰ في كبرىٰ المساجد وأهم الجوامع علىٰ حوائطها ساعة توقيت الصلاة صناعة صينية أو أدعية أو ساعة اليد تشترىٰ إما من دكاكين مكة المكرمة أو حوانيت المدينة المنورة .. اضف سجادة الصلاة أو مسابح الحمد والتسبيح أو الملابس أو الدشداشة وحطَّة الرأس العقال [(الكوفية تعرف بالغترة أو الشماغ أو أو المشدة أو القضاضة أو «الجمدانة» في حوض الفرات والعقال بميلٍ على الرأس يسمى عنقرة وعلى الأكتاف رمز للوطنية)] وغالبيتها وأفضلها صناعة غربية؛ وأحسنها السويسري؛ وحتى أئمة الحرمين يرتدون الأجنبي من الشماغ وليس المحلي الصنع!.. ولعل هذا مظهر من مظاهر التبعية والتي تكون أحياناً مستترة أو قد يغلب على الظن لجودتها ومتانتها !

كتبتُ ابحاثاً تحت عنوان عريض : بحوث تمهيدية لأمة غائبة.. ثم غضبت من نفسي فعدلت العنوان : بحوث تمهيدية لأمة ذات حضارة.. ثم توقفتُ عن التشبيه أو التجريح فحسن اللفظة لا يغير من واقع الأمر شيئاً!!
فالبحر المالح سيظل مالحاً؛ والليمون سيظل حامضاً؛ وبرودة القطب ستظل كما هي مثلجة..
أما من اراد السباحة في البحر الأبيض المتوسط أو الأحمر أو المحيط الهادي أو الهائج أو الأطلنطي.. فلن يتمكن أحد من تحلية مياهه؛ ومن يريد أن يضع قطرات مِن الليمون على طبق الفول فطوراً فيحسن بالقطع طعمه أو بعض قطرات منه على الفسيخ فتطيب مذاقة .. ومن يريد التزحلق فوق الجليد فهي رياضة لها من يقبل عليها ولها ايضا ابطالها..
فطبيعة الأشياء ستظل كما هي ..
أما تغير الواقع المرفوض فقضية تحتاج إلى إعمال فكر ونظر ! وقدرة على التغير وليس رغبةً أو توهماً...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(د . مُحَمَّدٌ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ)
‏الأربعاء‏، 23‏ شعبان‏، 1444هــ ~ 14 مارس 2023م


قضية

طرح الزلزالان [بشدة: 7.8.. و 7.6 درجات،] المدمران والهزات الارتدادية الَّذين أصابوا سورية وتركيا [26 ألف قتيل في البلدين: كحصيلة غير نهائية؛ و14 مليون مواطن تضرّروا جراء الزلزال المدمّر: فقط في تركيا.. حتى كتابة هذه السطور] العديد من القضايا؛ منها : قضايا عقائدية إيمانية ؛ كـقضية علم الله الأزلي والقضاء القدر والخير والشر، كما وأثار الكثير من التساؤلات من الناحية العلمية الجيولوجية وقدرة الإنسان على معرفة ما قد يحدث على الأرض وما يقابله من تصرف الطيور قبل هبوب الريح العاصف والمطر أو هروب الثعابين أو خروج الديدان من باطن الأرض ، أو من ناحية رعاية الشؤون السياسية للأفراد والناحية الانسانية والإغاثية .
ومِن القضايا الجوهرية في حياة الإنسان؛ قضايا تتعلق بوجودنا ڪأحياء لفترة زمنية محدودة بعينها نسعىٰ ونجِد للحصول علىٰ ما نريد ونستحوذ علىٰ ما نرغب ؛ فيحدث في الحياة أحداث سعيدة تفرحنا ومواقف مؤلمة تحزننا ، ونبني ونُشَيِّد ونعمر وفي لحظة ينهدم البنيان أو يفنى صاحب المكان ويتركه ، وقد يمرض لنا عزيز أو نمرض نحن ونضعف ثم نتمكن من استرجاع قوانا واسترداد عافيتنا ؛ وقد يطول المرض ومعاناته حتىٰ الذهاب إلىٰ القبر، وقد تحدث مصائب ومواجع ومحن وابتلاءات واختبارات.. ثم تنتهي حياة الإنسان بالموت والدفن تحت التراب..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاقدام علىٰ التزاوج ومن ثم التناسل والحصول علىٰ ذرية قضية مصيرية آخرىٰ ؛ إذ أنك تبني في المستقبل إنساناً ، وهذه تستلزم قبلها عمليات تهيئة نفسية وإعدادات علمية وفقهية عملية لما قبل الزواج وبعده ؛ وهي ما تسمىٰ بـ مدرسة الأزواج ومعرفة الآخر معرفة جيدة من حيث التكوين الجسدي والعضوي لنحسن التعامل معه ودراسة كيفية معاشرة النساء في جميع أحوالهن والاستعداد لتربية النشأ وإحسان تعليمهم وتثقيفهم وبناء مستقبل جيد لهم..
وما بعد الموت قضية مصيرية مِن الدرجة الأولىٰ؛ إذ يترتب عليها ما سيحدث في الحياة الأبدية مِن نعيم سرمدي أو شقاء أبدي بعد تذوق الموت.. سواء شهيد دنيا وآخرة أو شهيد آخرة أو مرض يصيب المرء منا فيناله شقاء وشدة أو اصابه حادث مؤلم أو مات ميتة سوية على فراشه..
وأصل القضايا جميعها هي قضية الإيمان بوجود خالق محيي رازق مميت مالك الملك ورب كل شئ ؛ فيترتب علىٰ قضية الإيمان بوجوب وجوده ومعرفة اسمائه والتعرف علىٰ صفاته معرفة أوامره إذ تؤثر علىٰ سلوكنا تجاه كافة القضايا وكل المسائل في الحياة الدنيا.. أو ما يخالف الإيمان أي الڪفر به وإنكار وجوده أو الشرك..
يترتب علىٰ الإيمان بوجوب وجوده أن يرسل لنا أنبياءه فتأتينا رسله ليبلغنا مِن خلالهم وعن طريق كتبهم وما يقولونه ويفعلونه .. يترتب علىٰ ذلك معرفة مراد الخالق منا ويعلمنا ما يريد منا أن نفعله ويرشدنا لما يرغب وما يحب وما عنه يرضىٰ ؛ ويبلغنا ما يكرهه وما لا يريده..
لذا فقد وجدت انبياء ورسل حملوا كلام مَن أرسلهم من خلال شريعته ومنهاجه ؛ وهو الله -تعالىٰ- ليبلغوا قومهم ما يريد منهم ؛ ثم أتم الرسل وختم الأنبياء بآخرهم -محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب- برسالة تامة وبكتاب كامل يعالج كافة مسائل الإنسان العقائدية والإيمانية والعملية الحياتية ويرد علىٰ كافة تساؤلاتهم وأنزل مع الكتاب -أيضاً- الكيفية العملية لمعالجة تلك المسائل الحياتية والقضايا الجوهرية والمصيرية وهي السُنَّة الرسولية النبوية المحمدية.
ويوجد العديد من المسائل الغيبية والتي أخبرنا بها القرآن وهي تتطلب مِن المسلم الإيمان بها جملةً وإن تعسر التفصيل في بعضها أحياناً ؛ حيث أن جميع كلمات القرآن قطعية الثبوت من عند الله تعالىٰ؛ ونطق القرآن فيخبرنا في السورة التي تذكر فيها البقرة : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة: 2 - 3]
.ثم تحدد الآية بعض أنواع الغيب الذي يجب الإيمان به: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا [(٢)]أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِــ [(١)]اللّهِ وَ[(٣)]مَلآئِكَتِهِ وَ[(٤)]كُتُبِهِ وَ[(٥)]رُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة:285]
ومن تلك المسائل الغيبية التي طُلب منا الإيمان بها والاعتقاد في صحتها : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ [(٦)]بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين} [الأعراف:172]
ـ ـــــ ـــــــــــــــــ
[(1)] قضية!
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
‏السبت‏، 21‏ رجب‏، 1444هــ ~ 11 فبراير 2023م


الخصوصية

منذ بدء الخليقة والإنسان يسعىٰ لتوثيق اللحظة التي يعيشها أو إثبات الحالة التي هو بها أو الوضع الجديد الذي طرأ عليه فنجد آثار الأجداد ڪُتبت بحروف لغته المتداولة -وقتذاك- أو رُسمت بإمكانيات وأدوات عصره أو نُحتت بقدرات زمانه -آنذاك- علىٰ جدران الڪهوف ومداخلها أو رسمت علىٰ جلود الحيوانات أو داخل المعابد أو الڪنائس ڪــ صور طريق الألآم للسيد المسيح [14 مشهدا] أو المساجد فــ [تزين جدران بعض المساجد[(-)] بآيات قرآنية أو اسم الجلالة واسم رسول الإسلام واسم أبي بكر أو عمر أو علي أو ابنه الحسين؛ وفي بعض مناطق العراق ترىٰ صورة الحسين].. أو يأتي التوثيق للشخص علىٰ صورة تمثال ڪامل أو نصفي؛ وحتىٰ ترىٰ صورة الآله وابن الاله ڪما في الهند والمعابد المسيحية الكبرىٰ [كاتدرائية سالزبورج] وتماثيل أم الآله والقديسيين والملآئڪة والجن والشياطين؛ وأيضا إبليس رسمت له صورة.. سواء التي كانت في الذهن تخيلاً أو أنسلت مِن بين سطور الڪتاب المقدس وفق كل دين.. أو الاتفاق على رمز أو شكل ڪـ تحية التعظيم لــ هتلر النمساوي و علامة الشيطان مثلاً.. وقد تفنن الناس في هذا أيما أختراع فــ صار فناً له أربابه يرسمون وينحتون.. ويخترعون رموزا وعلامات.. حتى أعلام الدول ترمز إلى شئٍ ما..
ثم جمعت هذه التماثيل واللوحات في مڪان أطلق عليه متحف للزوار؛ ثم صار مجالا للدراسة والتعليم والتخصص؛ فيتمڪن الشخص من دراسة الحقبة الفرعونية لغةً -منقرضة- أو آثاراً -ظاهرة للعيان- لمعرفة أسرار تلك الفترة الزمنية وڪيف تم بناء مثل تلك الأهرامات(!)..
وبمرور الزمن وجد فن الرواية والقصة والحڪاية أو ما يطلق عليه القصة الشعبية أو الفلكور الشعبي؛ والغناء والموشحات ولعل الڪتاب المقدس حسب ڪل ديانة يروي لنا عن مَن سبقونا وأخبارهم وما جرىٰ لهم حين أفسدوا في الأرض.. فرسمت تلك المشاهد أولاً في الذهن .. ثم جاءت السينما الصامتة ثم سينما صوت وصورة ثم سينما بالألوان ثم سينما ذات الأبعاد الثلاثة.. لتجسد هذه الروايات والقصص حسب رؤية بعينها ڪ فيلم حياة وألآم السيد المسيح [إخراج ميل جيبسون-مثلاً] أو فيلم الرسالة [انتوني كوين] أو الناصر صلاح الدين [أحمد مظهر] ورافق هذا صدور الجرائد وانتشار المجلات..
ثم جاءت طفرة صار ڪل إنسان عنده القدرة الشرائية لأقتناء جهاز محمول أن يوثق اللحظة التي يعيشها بغض النظر أين المڪان أو ڪيفية الحال أو الوضعية سواء إباحيتها أو عدمها.. اي مجرد صورة .. وترسل الصور بغض الطرف عن مَن يهتم بها أو مَن لا تعنيه.. ودخلت المسحة الدينية التقليدية على خط المراسلات !
الأجداد والجدات والأباء والأمهات يتحدثون عن ذڪرياتهم مِن خلال صورة ذهنية حفرت في الذاڪرة للعديد مِن الأحداث والمواقف.. فتجد الجدة -مثلاً- تحڪي عن زيارتها لـ أرض الحجاز -دون صور مرئية أو موثقة- وڪيف انتقلت بـــ الوابور البحري (ينطق البابور) من جنوب مِصر مبحرة في البحر الأحمر لميناء جُدَّة لتؤدي مناسك الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي والمقام الشريف؛ ومَن قبلها ڪانوا يأتون الأرض المقدسة ذهاباً رجالاً -على الأقدام- مع رحلة المحمل المِصري في حراسة الجيش المِصري آنذاك مِن اقصىٰ بلاد المغرب العربي..
والسينما المِصرية وثقت هذا المشهد في فيلم [بنات الأڪابر] لــ ليلىٰ مراد وأغنية
[يا رايحين لـ النبي الغالي
هنيّاً لكم وعقبال لي][(*)] ..
كلمات أبوالسعود الابياري
والطريف أنه ڪان يوجد حول الڪعبة المشرفة؛ خارجها في الساحة يافطة مڪتوب عليها بلغتين (عربي/إنجليزي) ممنوع التصوير(!)..
والأڪثر طرافة أنه في نهاية التسعينات أصطحبتُ معي في زيارة عمرة أبني الصغير[(**)].. وڪي لا يمل فڪرت أن نقوم بعد صلاة العشاء بڪتابة اسماء ابواب المداخل لصحن الڪعبة المشرفة شارحاً له مَن هو صاحب اسم هذا الباب وما تاريخه ونبذة عن حياته وأعماله..
وبعد لحيظات جاء شرطي حراسة وطلب مني إعطاءه الوريقات التي ڪُتب عليها شيئاً ما وهو لم يقرأه ولڪن من خلال ڪاميرات المراقبة تظهر شخص ما مع طفل صغير بجلباب أبيض يقوم بالوقوف أمام الأبواب فترة ما وڪتابة شيئ ما .. ولما رفضتُ إعطاءه الورقات وهو صمم .. طلبتُ منه أن يقابلني بمرؤسه لعله يفهم فيقدر ما أريد تعليم ابني من خلال تاريخ الإسلام (!).. وڪنا وقوف عند باب السلام فذهبَ بي إلىٰ خلف المروة وتقابلت مع رجل شيبة ذات درجة في الشرطة في سيارة الشرطة وهي مجهزة بلاسلڪي ومعدات آخرى .. وصمم أيضاً علىٰ أخذ الأوراق.. وحجته خوفا من محاولة تفجير مبنىٰ الڪعبة؛ وأوضحت له أنه من خلال القمر الصناعي ترصد لوحة أرقام السيارات في اي مكان.. وحين رفضت مرة ثانية مبينا له ماذا أفعل ڪي لا يمل الطفل الصغير أعلنها أمام الصغير :
إذاً ستُرسل إلىٰ المخفر وتقدم للمحاكمة والسجن..
وڪانت أم الصغير في صحن الڪعبة تقرأ القرآن وتتهجد فقلت لــ صغيري بلغة جوته والذي يفهمها جيداً : نعطيهم الأوراق هذه الليلة ونأتي غدا نڪمل "الطواف" حول الڪعبة من الخارج [قبل التوسعة؛ تم هذا في عام 1998م / 99. وفقاً لتوثيق الشاب صاحب الواقعة] وڪتابة اسماء بقية الأبواب بدلاً مِن ذهابنا إلىٰ السجن أو الترحيل.. وأمك لا تعلم عنا شيئاً..
وافق الصغير وهو يضحك !
وبخصوص السجن ففي سجن القلعة[(***)].. وهو خاص لمعتقلي السياسة ضد النظام المِصري القائم يوجد على جدرانها [القلعة: الرؤية تمت في نهاية ديسمبر 1978 / 79م] أسماء وتواريخ مَن تشرف بالإقامة الجبرية فيها.. كيفما تطول فترة الاعتقال! .
واقع الحال اليوم ومنذ حين ترسل مِن خلال المحمول صور تذڪارية ومشاهد عن أماڪن التواجد دون المرور بنفس الشرطي أو قائده العسڪري ودون تقديم أحد إلىٰ المحاڪمة أو الترحيل إلىٰ السجن.. بل يتم التصوير من لحظة الخروج مِن الحمام استحماماً أو توضئاً لآداء ركعتين ثم قول نية العمرة أو الحج بصوت مسموع أو النية فمحلها القلب أو التلبية المسموعة!...
والجدير بالذكر أن الحاج عماد "العمدة" ارسل لي منذ إسبوعين فيديو [صوت وصورة من صحن الڪعبة إثناء تأديته الطواف!]
في بعض أماكن دولة مِصر كان يدهن جدار بيت الحاج مِن الخارج بالأبيض وترسم صورة الهودج (جمل فوقه ڪغرفة صغيرة) وهو وسيلة النقل في الزمانات وبالطبع ترسم صورة الڪعبة المشرفة ومأذنة ومسجد النبي المصطفىٰ.. مع توزيع التمر المديني وفنجان صغير من ماء زمزم..
وقد أحضر صديق لي رمل من منىٰ إثناء تأديته مناسك الحج عام 2005م ليضعه مع ڪفنه حين يموت ويدفن في بلاد "الفرنجة"؛ والأرض أرض الله.. وآخر أُحضر له مِن مڪة إلىٰ أوروبا خصيصاً ماء زمزم ليُغسل به وبعد الإنتهاء -فعلاً- مِن الغسل ووضعه في كفنه أَحضر أولياؤه ماء زمزم وصمموا علىٰ تغسيله مرة ثانية بالماء الذي روي عنه أن ماء زمزم لما شرب له[!] ..
وفي بلاد الهند خاصة مناطق المسلمين [شايبور] لا يقدرون علىٰ إلقاء نواة التمر تكرماً بل يجمعونها ويضعونها في علب توضع في داخل المسجد للتسبيح أو للتبريك !
منذ حين يتم تصوير [فيديو] العلاقة الحميمية بين فردين سواء مِن خلال زواج شرعي أو علاقة صداقة بالمفهوم الغربي الحر وترسل للفرجة ؛ وكما يقول بائع الخضار :" إللي ما يشتري يتفرج".. بل حالات الإعتداء والقتل ما تمت إلا نتيجة تبادل مثل هذه الصور والفيديو.. وصار النت بمواقع التواصل الإجتماعي غرف نوم لايف أو سوق لعرض ما يحدث في الغرف المغلقة..
في السابق كان هناك افلام العري ومجلات الصور الإباحية ومَن يريد يدفع ثمن تذكرة الدخول للفرجة أو شراء المجلة بل وجدت مهنة صحفي يتتبع عورات المشاهير من نجوم السينما أو الأغنياء أو لاعبي الرياضة..
الإشڪال يأتي من إمڪانية عرض الصورة موثقة بتاريخ وأوضاع مختلفة للشخص على العامة وصار جسد الإنسان مَعْرَضاً لمن يريد الفرجة ويأتي هذا نتيجة تقليد ثقافة آخرىٰ دخيلة وڪما قيل صارت الڪرة الأرضية قرية صغيرة.. بالقطع البعض يريد معرفة الأخبار وما يحدث هنا وهناك ولڪن ما فقد وضاع هي الخصوصية فصار من خلال عدسة المحمول ننقل العورات من داخل البيوت!
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[(*)](140) يا رايحين للنبي - ليلى مراد - YouTube
[(**)] سألتُ صاحب الواقعة لتوثيق الخبر..فقال أنها كانت في عام 1999م.
[(***)] هذه الحادثة وثقت في 8 ديسمبر 1978م.
[(-)] [ أ . ] " سئل الإمام مالك عن المساجد ، هل يُكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها!؟
فقال : „ أكره أن يكتب في قبلة المسجد شيء من القرآن والتزويق ” ؛ وقال: „ إن ذلك يشغل المصلي وكذلك ينبغي له أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمد في جدار القبلة وفي الأعمدة أو ما يلصقونه أو يكتبونه في الجدران والأعمدة وكذلك يغير ما يعلقونه من خرق كسوة الكعبة في المحراب وغيره فإن ذلك كله من البدع لأنه لم يكن من فعل من مضىٰ ” .
[ انتهى النقل من كتاب "المدخل" لابن الحاج (2/215) ]
[ ب. ] ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَىٰ أَنَّهُ يُڪْرَهُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، أَوْ نَقْشٍ ، أَوْ صَبْغٍ ، أَوْ ڪِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلاَتِهِ ، لأِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ذَلِكَ . فَــ
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَال : قَال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « „ مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ” » ؛ وَ التَّشْيِيدُ : الطِّلاَءُ بِالشِّيدِ أَيِ الْجِصِّ ، ثمَّ علَّقَ فـقَال ابْنُ عَبَّاسٍ : „ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ” ؛ وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال : « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَىٰ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ ” » ؛ وَ رَوَىٰ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَمَرَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَال : „ أَڪِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ ” ؛ وَ قَال أَبُوالدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- « „ إِذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ فَالدَّبَارُ عَلَيْكُمْ ” ؛ وَلأِنَّ ذَلِكَ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنِ الصَّلاَةِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَيُخِل بِخُشُوعِهِ ؛ وَلأِنَّ هَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ . وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَىٰ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ أَوْ نَقْشُهُ مِنْ مَال الْوَقْفِ ، وَأَنَّ الْفَاعِل يَضْمَنُ ذَلِكَ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ ؛ لأِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلاَ مَصْلَحَةَ فِيهِ وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ. " [ الموسوعة الفقهية الكويتية ] .
(د . مُحَمَّدُ فَخْرُالدينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الجمعة‏، 13‏ رجب‏، 1444هــ ~ 18 يناير 2023م


السيد في مِصر

« „ مبارك أرض مصر ” » ؛ « „ مبارك شعب مصر ” ».
(السيد المسيح)
«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني»
(إنجيل متّى؛ أصحاح( 2 ) : الآية: (15)
«رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر استغرقت 3 سنوات و 6 شهور و 10 أيام»
(الكنيسة الأرثوذوكسية القبطية)
«مَصر.. أرض التعايش والضيافة؛ أرض اللقاء والتاريخ والحضارة.. والأرض المباركة عبر العصور بدم الشهداء والأبرار الثمين؛ والتي عاش فوقها القديس يوسف والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء»
(البابا فرانسيس: بابا ورئيس دولت الفاتيكان؛ في حضور وزير السياحة المِصري علىٰ رأس وفد رسمي رفيع المستوىٰ).
(ترجمة من جريدة المِصري اليوم: قداس الأربعاء: 04 أكتوبر 2017م)
«رحلة العائلة المقدسة توجد وثائق دخول العائلة المقدسة إلىٰ أرض مِصر.. وهي رحلةُ دخول السيد المسيح وأمه وخطيبها يوسف النجار إلىٰ مِصر بناء علىٰ تعليمات إلهية [ظَهَرَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ] ذكرها الكتاب المقدس، وهرباً من الحاكم الروماني هيرودس الذي كان يسعي لقتل الطفل يسوع»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شمعةٌ طويلةٌ منيرة أَضَأَت وسط شموع بهيجة لــ إحتفالية في ليلة جمعة 22 ديسمبر 2017م ليلةٌ مِن ليال الأنس في فيينا بمناسبة عيد الميلاد المجيد [عيد الميلاد الأرثوذكسي حسب التقويم الشرقي] شمعةٌ أنارت جنبات مقر الاتحاد العام للمِصريين بالنمسا؛ مبادرةٌ من مسؤول اللجنة الدينية المنبثقة من الاتحاد إمام وخطيب المصلىٰ (كاتب هذه السطور) بمشاركة ممثل الكنيسة المرقسية المِصرية [الكنيسة القبطية الارثوذكسية] (أرسل نائبه) وبدعوة حضور أعضاء السلك الدبلوماسي المِصري المعتمد لدىٰ الدولة النمساوية (لم يحضر أحد) وبمساعدة الشاب بيشوي العلمية؛ ولإنجاح المبادرة قدمت شركة طيران يديرها الأستاذ أمين تذاكر طيران مخفضة؛ وزعها كابتن مِصر لكرة القدم طه البصري؛ ورغبة من الفنان شحاتة بتقديم لوحات؛ وبحضور لفيف كريم من أعضاء التجمع المِصري بفيينا يجاورهم السادة أعضاء الإدارة ورؤساء اللجان؛ وبعد الإنتهاء من الحفل المبارك قَدم شيف طباخ/ أحمد جابر ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات.
فتحت الأمسية تحت عنوان عريض :
« „ رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر ” »
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومصطلح « „ العائلة المقدسة ” » ـ كما تعرفون ـ هو مصطلح ديني تاريخي؛ فالعائلة تتكون من السيد المسيح وهو مازال طفلاً رضيعاً في حضن أمه "مريم العذراء البتول"؛ و"يوسف النجار" خطيبها والذي شاركها في رحلة الهرب من الطغاة؛ فهربت بيسوع - الغلام وهو في مهده إلىٰ مِصر أرض الأمن والأمان والضيافة علىٰ مر التاريخ والعصور والأحقاب والأزمان؛ فزحفت « „ العائلة المقدسة ” » من فلسطين عبر طريق العريش؛ وصولاً إلىٰ حصن "بابليون" المعروف اليوم بـ "مصر القديمة"؛ وتحركوا نحو صعيد مِصر للاختباء فترة من الزمن؛ تحت حماية العائلات والقبائل المِصرية القاطنة في تلك البقاع؛ ثم عادوا إلىٰ الشمال مرورًا بوادي النطرون في صحراء طريق مِصرـ الإسكندرية الحالي؛ واجتازوا الدلتا؛ ثم واصلوا طريق العودة عبر سيناء مرة أخرىٰ إلىٰ فلسطين من حيث أتوا، وكانوا في كل هذه المراحل في كنف وضيافة « „ الأسر المِصرية ” » التي قامت بحمايتهم علىٰ طول هذه الرحلة في الطرق الوعرة والصحراوات الجافة القاحلة؛ ويعرف خط سير هذه الرحلة بــ « „ رحلة العائلة المقدسة ” » . إلىٰ مِصر.
[بتصرف نقلا من مقال : د.إلهام سيف الدولة حمدان ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدمت اللجنة الدينية المنبثقة من الاتحاد العام للمِصريين بالنمسا أمسية ثقافية إجتماعية بالصوت [شرح] والصورة [فيديو بالألوان] عن أحداث « „ رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر ” » وفقاً لما جاء في (إنجيل متّى؛ أصحاح( 2 ) : الآيات: ( 13 ـ 15).
فــ „ قَدْ ظَهَرَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُة ” ـ
فــ. „ انْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ ”. „ أَخِذَاً الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً. وَكَانَ هُنَاكَ. [فِي مِصْرَ] إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني ” ـ
عندما علم هيرودس (73 ق. م - 4 ق. م)[(*)] " 16 „ حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِة ” (إنجيل متّى أصحاح( 2 ): الآية: ( 16).
وفي الفقرة التالية يواصل متّي: 19 „ فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ ” 20 „ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ» ” 21 „ فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ ”. 22 „ وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ ” 23 „ وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا» ” (إنجيل متّى: ( 2 ): الآيات (19 ـ 23).
هذا كل ما هو وارد بالإنجيل وفقا لمتّى: يوسف النجار يحلم بأن ملاك الرب ظهر له في الحلم وأمره أن يهرب بالطفل وأمه إلىٰ مِصر، وفي حلم آخر يسمح له الملاك بالعودة إلىٰ إسرائيل، لكن يوسف يخالف قول الملاك ويخشىٰ الذهاب إلىٰ إسرائيل، فقام الملاك بتغيير رأيه وأمر يوسف في حلم ثالث بالذهاب إلىٰ مدينة الناصرة التي لم تكن موجودة أيام المسيح!!.
والملاحظ من حيث الأمانة العلمية في البحث والاستشهاد أن :
أ. ) مرقص لم يتحدث عن هذه الرحلة في إنجيله؛ وأيضا:
ب. ) لم يتحدث يوحنا عن تلك الرحلة المقدسة في إنجيله رغم أهميتها فرضاً ،.
ج. ) بيد أن هناك نصٌ عند : إنجيل لوقا (إصحاح 2 ، الآية 39 )؛ يقول والذي قد يشير للعودة من مِصر(!) فقط „ وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ ” .
اعتمد مسؤول اللجنة الدينية علىٰ ما يقرب من 26 مقطعا وصورة تبين إنتقال العائلة المقدسة من فلسطين إلىٰ مِصر؛ كما أظهر بالفيديو [تفاصيل رحلة العائلة المقدسة بمصر والتي تضمنت 25 مسارًا] ..
واستعان مسؤول اللجنة بــ مجموعة خرائط رحلة العائلة المقدسة في أرض مِصر
- خريطة موضح عليها أهم الأماكن التي مرت عليها العائله المقدسه في ارض مصر The important places in Egypt visited by the Holy Family are shown in the map
- خريطة أخرى باللغة العربية لرحلة العائلة المقدسة إلى آرض مصر Another Arabic map - -
- يراجع موقع : St-Takla.org
﴿محطات رحلة العائلة المقدسة الىٰ أرض مِصر﴾
بدأت الرحلة من فلسطين، إلىٰ مِصر عن طريق الهضاب والصحاري، وليس عبر إحدىٰ الطرق المتعارف عليها- ثلاثة طرق حينها- وذلك لأنهم كانوا هاربين من وجه هيرودس الملك، حتىٰ وصلوا إلىٰ حدود مِصر في محطتهم الأولىٰ، وهي:
1 . ﴾ الفرما: [أول منطقة دخلت بها العائلة المقدسة إلىٰ أرض مِصر ] سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلىٰ غزة حتىٰ محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ 37 كم، ودخلت مِصر عن طريق الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدنيتي العريش وبورسعيد .
2 . ﴾ تل بسطة: دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية وأساء أهل المدينة معاملتهم فتركوها ومضوا.
3 . ﴾ المحمة (مسطرد حاليا): كانت اسمها المحمة لأنها كانت مكان الاستحمام، وفيها أحمت العذراء المسيح، وغسلت ملابسه، بها نبع ماء -مازال موجودا-
4 . ﴾ بلبيس: تابعة لمحافظة الشرقية واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة ، عرفت باسم "شجرة العذراء مريم" ومرت العائلة المقدسة علىٰ بلبيس أيضاً في طريق عودتها.
5 . ﴾ منية سمن ود أو سمنود، حاليا، واستقبلهم شعبها بصورة جيدة، فباركهم المسيح ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت ، يقال أن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ، ويوجد أيضاً بئر ماء باركه السيد بنفسه.
6 . ﴾ سخا: اهم المناطق الاثرية بها الان دير المغطس.
7 . ﴾ وادي النطرون: انطلقت العائلة في رحلتها إلىٰ وادي النطرون، وعبرت النيل، عبر فرع رشيد، وقد بارك المسيح والعذراء هذا المكان
8 . ﴾ المطرية: عبرت العائلة مرة أخرىٰ النيل للذهاب إلىٰ المطرية، وعين شمس، وكانت توجد في هذا المكان شجرة، استظلوا بها من حر الشمس، وتعرف حتىٰ اليوم باسم "شجرة مريم"، وانبع المسيح نبع ماء وشرب منه، وغسلت فيه العذراء ملابسه.
9 . ﴾ مصر القديمة: يوجد بها العديد من الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وتحولت فيما بعد إلىٰ كنائس، ولم تظل العائلة فيها طويلا .
10 . ﴾ المعادي (منف): وصلت إلىٰ منطقة المعادي للسفر إلىٰ الصعيد عبر النيل، وسميت المعادي، لأن العائلة المقدسة „ عدت ” أي عبرت- منها، ومازال السلم الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلىٰ النيل موجودا،
11 . ﴾ دير الجرنوس (مغاغة): وفيها بئر شربت منه العائلة المقدسة، وما زال حتىٰ الآن
12 . ﴾ البهنسا: وفيها مرت العائلة المقدسة علىٰ بقعة تسمي اباي ايسوس (بيت يسوع) شرقي البهسنا ومكانه الأن قرية صندفا - بني مزار، وقرية البهنسا الحالية تقع علىٰ مسافة 17 كم غرب بني مزار .التابعة لمحافظة المنيا
.13 ﴾ سمالوط (جبل الطير) : تابعة لمحافظة المنيا، حاليا، واستقرت العائلة المقدسة في المغارة الأثرية الموجودة في الكنيسة بجبل الطير.
14 . ﴾ الأشمونين: وصلتها العائلة المقدسة بعد عبورها إلى الناحية الغربية، باركت العائلة المقدسة الأهالي
15 . ﴾ ديروط (تابعة محافظة أسيوط):
.16 ﴾ قسقام (القوصية) تابعة لمحافظة أسيوط: وبها الدير المحرق، طردهم أهلها
17 . ﴾ مير (غرب القوصية): حيث هربت العائلة من أهالي قرية "قسقام"، وقد أكرمهم أهلها، وباركهم المسيح
.18 ﴾ دير المحرق: بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من قرية مير اتجهت الىٰ جبل قسقام وهو يبعد 12كم غرب القوصية. ويعتبر الدير المحرق من اهم المحطات التى استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر هذا الدير باْسم „ دير العذراء مريم ”، تعتبر الفترة التي قضتها العائلة في هذا المكان من أطول الفترات ومقدارها „6 شهور و 10 أيام ” وتعتبر المغارة التي سكنتها العائلة هي أول كنيسة في مصر بل في العالم كله،
19 . ﴾ جبل درنكة :بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام اتجهت جنوباً إلىٰ أن وصلت إلىٰ جبل أسيوط حيث يوجد دير درنكة حيث توجد مغارة قديمة منحوتة في الجبل أقامت العائلة المقدسة بداخل المغارة ويعتبر دير درنكة هو اخر المحطات التي قد التجأت إليها العائلة المقدسة فى رحلتها فى مِصر، وجاء الامر ليوسف النجار في حلم بضرورة عودته إلىٰ فلسطين مرة أخرىٰ.
20 . ﴾ العودة: انطلقت العائلة في رحلتها عائدة من الصعيد حتىٰ وصلوا إلىٰ مِصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلىٰ سيناء ففلسطين حيث يسكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل .
﴿نقلا عن فكرة : هدىٰ علي و بسنت خالد﴾
﴿اعداد: جيهان عزمي﴾
وللدقة العلمية ينبغي إدراج مصدر إلا وهو :"Vision of Theophilus وهو نص مشهور لدى الكنيسة القبطية بالرغم من ثبوت عدم صحته التاريخية apocryphal إذ أن:" السيدة العذراء مريم ظهرت للأنبا ثيؤفيلوس البطريرك الـ 23 فى المنام وأخبرته بخط سير رحلتها إلىٰ مِصر وحتىٰ رجوعها إلىٰ الناصرة". ويحدد المحطات كــ التالى:
1.) رفح
2.) العريش
3.) الفرما
4.) تل بسطا
5.) الزقازيق
6.) مسطرد (المحمه)
7ـ) بلبيس
8.) سمنود
9.) البرلس
10.) سخا
11. ) وادى النطرون
12.) المطريه وعين شمس
13 . ) الفسطاط
14. ) منطقة المعادي
15. ) منطقة البهنسا
6. ) جبل الطير
17. ) بلدة الأشمونيين
18. ) قرية ديروط الشريف
19. ) القوصية
20. ) قرية مير
21. ) الدير المحرق
22. ) جبل درنكة..
وذكرته من ضمن مصادر مع عدم ثبوت صحته التاريخية.
وذكر مسؤول اللجنة الدينية المنبثقة من الاتحاد العام للمِصريين بالنمسا بأنه قد [كشف مجدي شاكر، كبير الأثاريين بوزارة الأثار عن أن رحلة العائلة المقدسة في مِصر تتضمن حوالي 25 مسارا تمتد لمسافة (٢٠٠٠) كيلومترا من سيناء حتىٰ الصعيد. ] .
« „ بابا الفاتيكان يبارك أيقونة تحمل صورة وشعار رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر ” ».
[وبتاريخ: 2017/أكتوبر/04؛ الأربعاء: أُعلنَ نجاح جهود السفارة المِصرية لدىٰ الفاتيكان - بالتعاون مع المكتب السياحي في روما في ترتيب زيارة رسمية للوفد المِصري السياحي. والمقرر أن يصافح قداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان اليوم الأربعاء أعضاء الوفد المِصري عقب عظة الأربعاء الأسبوعية بميدان القديس بطرس بالفاتيكان أمام عشرات الآلاف من المحتشدين في الميدان من كافة أنحاء العالم، كما سيقوم البابا فرانسيس بمباركة أيقونة صممت خصيصاً لتحمل صورة وشعار رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر، ليتم إرسالها لاحقاً كهدية إلىٰ مِصر من قبل البابا فرانسيس في رسالة تضامن مع مِصر وشعبها لتشجيع السياحة الدينية إلىٰ مصر.]
[ نشر هذا الخبر بجريدة المِصري اليوم تحت عنوان:" تفاصيل رحلة العائلة المقدسة بمِصر": تضمنت 25 مسارًا؛ بتاريخ : الخميس: 05أكتوبر2017م ]
كما اعتمد مسؤول اللجنة بفيينا رسالة -وقتذاك- حملها وزير السياحة المِصري (محمد يحيى راشد) من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلىٰ نيافة بابا الفاتيكان مصرحاً وزير السياحة بتاريخ [الخميس: 05 أكتوبر2017م] بــالقول :" أن بابا الفاتيكان أكد في عظته أن مِصر بلد السلام، مباركاً رحلة العائلة المقدسة، موجهاً بالحج إلىٰ مِصر، بما سيكون له بالغ الأثر في دعم ملف السياحة".
ويكمل وزير السياحة المِصري محمد يحيى راشد تصريحه فقد :" أكد أن مباركة بابا الفاتيكان لإطلاق مسار رحلة العائلة المقدسة، ودعوته للجميع لزيارة مِصر جاء تتويجا لجهود القيادة السياسية والحكومة لملف السياحة، خاصة ما توليه من جهود لملف رحلة العائلة المقدسة ".
وقال راشد - في تصريحات له - إن مباركة البابا لأيقونة رحلة العائلة المقدسة يأتي تتويجا للجهود التي يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسي لدعم السياحة وما تبذله الوزارة من جهد لإعادة إدراج مسار العائلة المقدسة على خريطة السياحة الدينية العالمية واستثمارا للنجاح الذي حققته زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلىٰ مِصر في شهر أبريل 2017م.. مؤكدا علىٰ الاهتمام الذي توليه الوزارة بمنتج السياحة الدينية وخاصة إحياء مسار العائلة المقدسة.
وكان وزير السياحة قد سبق وأن زار دولة الفاتيكان أكثر من مرة آخرها في مايو 2017م في أعقاب الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرانسيس إلىٰ مِصر في أبريل من العام نفسه وذلك للتباحث حول التعاون بين مِصر والفاتيكان في الترويج للسياحة الدينية في مِصر وخاصة فيما يتعلق برحلة العائلة المقدسة والتي من المتوقع أن تجذب شريحة كبيرة من السائحين المهتمين بهذا النمط السياحي.[4 أكتوبر 2017م]
-*/*-
« „ بابا الفاتيكان يبارك اليوم للمرة الأولىٰ الأيقونة الخاصة برحلة العائلة المقدسة فى مصر ” »
وتكريماً لمكانة مِصر في احتضان رحلة العائلة المقدسة، يقوم اليوم الأربعاء [04/10/2017م]، البابا فرانسيس بابا الفاتيكان للمرة الأولىٰ بمباركة الأيقونة الخاصة برحلة العائلة المقدسة فى مِصر وهو ما يعني اعتماد الأيقونة كرمز رسولي للترويج لرحلة العائلة المقدسة - علىٰ غرار الرموز المعتمدة للحج من الفاتيكان- مثل شجرة الزيتون للحج بالقدس - وهو ما يعد خطوة مهمة وأساسية لتضمين مِصر فى برنامج الحج الفاتيكاني لعام 2018م.
:" لافتاً-وزير السياحة المِصري- إلىٰ جاهزية القطاع السياحي للعمل في هذا الملف، وأنه سيتم تضمين مسار رحلة العائلة المقدسة في برنامج حج الفاتيكان لعام 2018م ".
وهذا الأمر كان من توصيات مسؤول اللجنة الدينية لمكتب طيران السيد/ أمين بتنظيم رحلات حج سياحي لأماكن رحلة العائلة المقدسة من النمسا.. ودول الاتحاد الأوروبي.
كما أظهر مسؤول اللجنة الدينية عن وجود :" بثٍ مباشرٍ لمباركة بابا الفاتيكان مسار العائلة المقدسة في مصر.
ويبارك البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، لاعتمادها ضمن رحلات الحج المسيحي، خلال القداس الذي يترأسه بحضور وزير السياحة يحيى راشد والوفد المرافق له.
وتعتبر مباركة البابا بمثابة دعوة للحجاج الكاثوليك حول العالم لأداء شعائرهم الدينية في مصر يناير 2018م، والبالغ عددهم أكثر من 2 مليار نسمة."
إذاً :" في الرابع من شهر أكتوبر 2017م، أعلن الفاتيكان تضمين رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر في برنامج الحج الفاتيكاني لعام 2018م ".
وبناء عليه فقد :" كشف نادر جرجس، عضو منسق لجنة تسويق مسار رحلة «العائلة المقدسة»، عن إدراج رحلة «العائلة المقدسة» فى كتالوج الفاتيكان مايو ٢٠١٨م بإيطاليا، مضيفًا أن تنظيم برامج الحج المسيحي ليست مقصورة علىٰ فئة معينة من شركات السياحة، مؤكدًا أنها متاحة للجميع، ويمكن لأي شركة تشغيل رحلات للمسار.
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، أن قيادات المواقع الكنسية التي يشملها المسار هم الذين يحددون مواعيد فتح المواقع أمام الزيارات، فور الانتهاء من إعداد البيانات التاريخية والأثرية عن كل موقع والتي تشمل نبذة عن رحلة العائلة المقدسة داخل مِصر، كما أن البرنامج السياحي سيشمل زيارة كل نقطة فى يوم علىٰ حدة. "
عن طريق:" «بوابة المصري اليوم» وبتاريخ: 2014/أكتوبر/22 :" رحلة العائلة المقدسة.. معاناة 3 سنوات و2000 كم مشياً على الأقدام
وبتاريخ : 2014/أكتوبر/22 " احتفلت مِصر بذكرىٰ رحلة العائلة المقدسة التي هربت من بطش الملك هيردوس من فلسطين إلىٰ أرض الكنانة مِصر؛ ومكثوا فيها ما يقرب من ثلاث سنوات يحتضنها شعبها الذي استقبلها بحفاوة وترحاب فقال فيها السيد المسيح : « „ مبارك أرض مصر ” » ؛ « „ مبارك شعب مصر ” ».
والجدير بالذكر أنه أعلن في يوم : الاثنين 19 سبتمبر 2005م.
أن بدأت الشركة المنتجة للفيلم التسجيلي „ رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر ” في طبعه علىٰ شرائط سينما وأقراص (دي.في.دي) استعدادا لعرضه في الكثير من دول العالم بالتزامن مع احتفالات أعياد ميلاد 2005م.
وقال الشريك المِصري في الإنتاج "منير غبور" لوكالة الأنباء الألمانية إنه اتفق علىٰ عرض الفيلم بالفعل في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وسوف يعقب ذلك عرضه في الكثير من الدول، مشيرا إلىٰ أن العرض الأول للفيلم سوف يقام في فرنسا برعاية منظمة اليونسكو في الثامن من ديسمبر 2005م بحضور الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
وأضاف أن الهدف من انتاج الفيلم هو توثيق رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر والتعريف بالأماكن التي مرت بها تلك الرحلة، موضحاً أن الكثير من تلك الأماكن مجهول تماماً حتىٰ بالنسبة للمسيحيين المِصريين أنفسهم حيث أن بعض الأماكن التي صورت بالفيلم يشاهدها العالم للمرة الأولىٰ رغم أنها موجودة طوال ألاف السنين.
وأشار "غبور" إلىٰ أن العمل بالفيلم استغرق أربع سنوات كاملة من البحث والدراسة وتم تصوير 110 ساعة تم اختصارها في مدة تصل إلىٰ ساعتين فقط هما ما سوف يشاهده العالم من الفيلم الناطق بالإنجليزية والمترجم لعدد من اللغات منها العربية والفرنسية والألمانية.
ومن جانبه قال الناقد "علي أبوشادي" رئيس المركز القومي للسينما المِصرية : „ إن الفيلم ليس الأول من نوعه الذي يتعرض لرحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر، لكنه الأول من حيث ضخامة الإنتاج وجودة التنفيذ والمصداقية ” وأضاف أنه „ يعتبر أن الفيلم ليس مجرد فيلم تسجيلي وإنما اكتشاف لأرض مجهولة تماما داخل مِصر، لا يعلم عنها المِصريون أنفسهم الكثير، إلىٰ جانب كونه وثيقة تاريخية لا تحتمل الخطأ، مما استدعىٰ أن يسبق تصويره بحث طويل وشاق لجمع المادة العلمية والوثائقية الخاصة به ”.
وأشار "أبوشادي" إلىٰ أن „ الفيلم لم يعتمد علىٰ كون الرحلة حقيقة ثابتة لا تحتمل الإنكار وإنما بدأ بفرضية عدم حدوثها من الأساس، من خلال الكثير من الأسئلة التي طرحها، ثم اعتمد علىٰ المنهج العلمي في تحقيقها واثبات حدوثها ”.
ولعل هذه الجزئية والتي أشار إليها "أبوشادي" نبدء الحديث عنها في المقال القادم -بإذنه تعالى- مستأنساً بما كتبه ابن الكندي وبــ كتاب نـال موافقة البحوث الاسلامية لـ باحث مسلم: الدكتور ياسر مصطفىٰ يرصد فيه رحلة العائلة المقدسة لمصر .
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــــ
قُرر في هذا اللقاء جعل عام 2018 عام رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر بعقد [4] ندوات لإتمام بقية البحوث؛ ولأسباب مجهولة بُلِغَ مسؤول اللجنة الدينية بالاكتفاء بلقاء واحد!؟.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــــ
[(*)] اسم مِصر « „Egypt ” » مشتق من كلمة „ كمت ” الهيروغليفية؛ وتعني „ الأرض السوداء ”، وأن كلمة « „ قبط ” » مشتقة من اسم مدينة « „ قفط ” » بالصعيد وكان اسمها « „ copto ” » أيام اليونان والرومان، ولا تزال الخرائط القديمة تحمل هذا الاسم، ومن المعروف أن أوائل المسيحيين المِصريين كانوا يهربون من المذابح اليونانية والرومانية إلىٰ أقاصي الصعيد وتجمعوا في مدينة قفط وضواحيها وصار منها اسم قبط ..[د.زينب عبدالعزيز] .
[(*)] ومن التاريخ الصحيح لموت هيرودس وهو 4 ق. م نستنتج أن رحلة العائلة المقدسة إلىٰ مِصر قد تمت قبل ما نطلق عليه سنة ميلاد المسيح وبداية التقويم فيجب إعادة النظر فى نظام التقويم الميلادى.وبناءً علىٰ بردية كولونيا بألمانيا والتي تحدد فترة إقامة العائلة المقدسة بمِصر بحوالي ثلاث سنوات وهذة البردية تُعد من أكثر المصادر عن فترة إقامة العائلة المقدسة قبولا وأكثر للصحة والدقة فيمكننا معرفة تاريخ ميلاد المسيح و هو حوالي 7 قبل بدء التقويم الميلادى.
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
1.) :" السيد في مِصر ".
2.) :"حقيقة الرحلة المقدسة إلى مصر وفق المصادر المعتمدة".
(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الأحد‏، 16‏ جمادى الثانية‏، 1444هــ ~ 07 يناير 2023م ~ ‏08‏/01‏/2023‏ 07:59:48 ص


 

شروط نشر الأعمال الفنية و الأدبية (المؤلفة أو المنقولة) فى أوسترو عرب نيوز :

عدم التعرض إلى (الذات الإلهية) .. الأديان السماوية .. المذاهب الدينية .. القوميات .

عدم التعرض بالسب أو الانتقاص من شخصية خاصة أو اعتبارية  .. بشكل مباشر أو بالتورية حال النقد .

أن لا ينشر فى أي وسيلة إعلامية صادرة بالعربية من النمسا .. خلال فترة النشر بـ أوسترو عرب نيوز .

أن يضمن المؤلف أو المراسل نشره فى النمسا مذيلا بعبارة : منقول عن أوسترو عرب نيوز (كلمة شرف)

ما ينشر في أوسترو عرب نيوز .. يعبر عن رأي كاتبه أو ناقله أو راسله ..
أوسترو عرب نيوز .. لا تتحمل المسئولية الأدبية أو القانونية .

أوسترو عرب نيوز .. تهيب بحضراتكم الإبلاغ عن أي تجاوز .. لعمل الإجراء المناسب على الفور .. بالحذف مع الاعتذار .

أعلى الصفحة


الموقع غير مسئول عن تصحيح الأخطاء الإملائية و النحوية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
رئيس التحرير : أيمن وهدان




أخبار عرب النمسا